تقوى القلوب
23-08-2012, 02:31 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وال محمد
((إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ))
آراء الشيعة الإماميّة في الصحابة هو اوسط الاراء اذن ان الشيعة الامامية لاينكرون فضل الصحابة وينمقون المنافقين ويظهرونهم بصفة القداسة هذه الصفة التي لانرتضاها في الاسلام ان يكون المنافق مؤمنا صالح والقاتل حملا وديع والزتني اعف واطهر الناس لانترضي ان يكون الظالم بصفة المظلوم والفاسق بصفة النزيه لنرى اراء اهل البيت عليهم السلام في الصحابة واراء شيعتهم : أمير المؤمنين وأصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله):
من أراد أن يقف على رأي الشيعة في الصحابة، فعليه بما يقوله إمام المسلمين علي(عليه السلام) في حقّهم:
"لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله فما أرى أحداً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وخدودهم ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم ، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبلّ جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاء الثواب"
نهج البلاغة، خطبة 97.
"أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق. أين عمّار وأين ابن التيهان وأين ذو الشهادتين وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية وأبرد برؤوسهم إلى الفجرة. أوه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبّروا الفرض فأقاموه، أحيوا السنّة وأماتوا البدعة، دعوا للجهاد فأجابوا ووثقوا بالقائد فاتّبعوه..."
( نهج البلاغة: الخطبة 182.).
علي بن الحسين (عليهما السلام)والأصحاب:
وهذا هو الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) يذكر في بعض أدعيته صحابة النبيّ (صلى الله عليه وآله) بقوله: "اللّهمّ وأصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) خاصّة الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه، وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجّة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوّته...( الصحيفة السجادية، الدعاء الرابع).
قول والد الشيخ البهائي المتوفى سنة 984 هـ:
قال الشيخ عز الدين حسين بن عبد الصمد العاملي، والد الشيخ البهائي من أئمّة الفقه والحديث:
"ليس في مذهبنا وجوب سبّهم، وإنّما يسبّهم عوام الناس المتعصّبون، وأمّا علماؤنا فلم يقل أحد بوجوب سبّهم، وهذه كتبهم موجودة.
وأقسمت له أيماناً مغلّظة بأنّه لو عاش أحد ألف سنة وهو يتديّن بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) ويتوّلاهم، ويتبرّأ من أعدائهم، ولم يسبّ الصحابة قطّ، لم يكن مخطئاً، ولا في إيمانه قصور"
(المناظرات لمقاتل بن عطية بتحقيق الورداني: 77.).
قول السيد علي خان الشيرازي المتوفى 1130 هـ:
قال السيّد علي خان الشيرازي: "حكم الصحابة عندنا في العدالة حكم غيرهم، ولا يتحتّم الحكم بالإيمان والعدالة بمجرّد الصحبة ولا يحصل بها النجاة من عقاب النار وغضب الجبّار إلاّ أن يكون مع يقين الإيمان وخلوص الجنان، فمن عَلِمْنا عدالته وإيمانه وحفظه وصيّة رسول اللّه في أهل بيته، وأنّه مات على ذلك، كسلمان وأبي ذر وعمّار، واليناه وتقرّبنا إلى اللّه تعالى بحبّه.
ومن علمنا أنّه انقلب على عقبه وأظهر العداوة لأهل البيت(عليهم السلام) عاديناه للّه تعالى، وتبرّأنا إلى اللّه منه، ونسكت عن المجهولة حاله"
(الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: 11).
ثمّ قال: "اعلم أنّ كثيراً من الصحابة رجع إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)وظهر له الحقّ بعد أن عانده وتزلزل بعضهم في خلافة أبى بكر وبعضهم في خلافته(عليه السلام) وليس إلى استقصائهم جميعاً سبيل، وقد اتّفقت نقلة الأخبار على أنّ أكثر الصحابة كانوا معه(عليه السلام)في حروبه".
قال المسعودي في مروج الذهب: "كان ممّن شهد صفّين مع علي(عليه السلام)من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجلاً منهم: سبعة عشر من المهاجرين، وسبعون من الأنصار. وشهد معه ممّن بايع تحت الشجرة وهي بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار، ومن سائر الصحابة، تسعمائة، وكان جميع من شهد معه من الصحابة ألفين وثمانمائة"
( الدرجات الرفيعة: 39.).
ثمّ اختصّ الباب الأوّل من كتابه، إلى الطبقة الأولى ببني هاشم وساداتهم من الصحابة العليّة، وعدّ منهم أربعة وعشرون رجلاً ( المصدر نفسه: 41 إلى 195.).
واختصّ الباب الثاني بذكر غير بني هاشم من الصحابة المرضيّة والشيعة المرتضويّة رضوان اللّه عليهم. وذكر فيه زهاء خمسين رجلاً منهم(المصدر نفسه: 197 إلى 452.).
قول السيد محسن الأمين المتوفى 1371 هـ:
قال السيّد محسن الأمين العاملي ما يمثّل عقيدة الشيعة:
"حكم الصحابة في العدالة حكم غيرهم، ولا يتحتّم الحكم بها بمجرّد الصحبة، وهي لقاء النبيّ (صلى الله عليه وآله)مؤمناً به، ومات على الإسلام. وإنّ ذلك ليس كافياً في ثبوت العدالة بعد الاتّفاق على عدم العصمة المانعة من صدور الذنب، فمن علمنا عدالته حكمنا بها، وقبلنا روايته، ولزمنا له من التعظيم والتوقير، بسبب شرف الصحبة ونصرة الإسلام والجهاد في سبيل اللّه ما هو أهله، ومن علمنا منه خلاف ذلك لم تقبل روايته، أمثال مروان بن الحكم، والمغيرة بن شعبة، والوليد بن عقبة، وبسر بن أرطاة وبعض بني أميّة وأعوانهم، ومن جهلنا حاله في العدالة توقّفنا في قبول روايته.
وممّا يمكن أن يذكر في المقام أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)توفّي ومن رآه وسمع عنه يتجاوز مائة ألف إنسان من رجل وامرأة على ما حكاه ابن حجر في الإصابة عن أبي زرعة الرازي: وقيل مات (صلى الله عليه وآله)عن مائة وأربعة عشر ألف صحابيّ
( راجع الإصابة: ج1 ص154، طبعة دار الكتب العلميّة ـ بيروت.).
ومن الممتنع عادة أن يكون هذا العدد في كثرته وتفرّق أهوائه وكون النفوس البشريّة مطبوعة على حبّ الشهوات كلّهم، قد حصلت لهم ملكة التقوى المانعة عن صدور الكبائر، والإصرار على الصغائر بمجرّد رؤية النبيّ (صلى الله عليه وآله)والإيمان به.
ونحن نعلم أنّ منهم من أسلم طوعاً ورغبة في الإسلام، ومنهم من أسلم خوفاً وكرهاً، ومنهم المؤلّفة قلوبهم، وما كانت هذه الأمة إلاّ كغيرها من الأمم التي جبلت على حبّ الشهوات وخلقت فيها الطبائع القائدة إلى ذلك إن لم يردع رادع والكلّ من بني آدم.
وقد صحّ عنه (صلى الله عليه وآله)أنّه قال: لتسلكنّ سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة حتّى لو دخل أحدهم جحر ضبّ لدخلتموه.
ولو منعت رؤية النبيّ (صلى الله عليه وآله)من وقوع الذنب لمنعت من الارتداد الذي حصل من جماعة منهم كعبد اللّه بن جحش، وعبيد اللّه بن خطل، وربيعة بن أمية بن خلف، والأشعث بن قيس(الثلاثة الأوّلون ارتدّوا وماتوا على الردّة، والأشعث ارتدّ فأتي به إلى الخليفة أبي بكر أسيراً فعاد إلى الإسلام وزوجّه أخته، وكانت عوراء، فأولدها محمداً أحد قتلة الحسين.) وغيرهم.
هذا مع ما شوهد من صدور أمور من بعضهم، لا تتّفق مع العدالة، كالخروج على أئمّة العدل، وشقّ عصا المسلمين، وقتل النفوس المحترمة، وسلب الأموال المعصومة، والسبّ والشتم وحرب المسلمين وغشّهم، وإلقاح الفتن، والرغبة في الدنيا، والتزاحم على الإمارة والرئاسة وغير ذلك ممّا تكفلّت به كتب الآثار والتواريخ وملأ الخافقين"(أعيان الشيعة: ج1 ص113.).
قول محمد حسين آل كاشف الغطاء المتوفى 1373:
قال محمد حسين آل كاشف الغطاء من كبار علماء الشيعة: "لا أقول إنّ الآخرين من الصحابة ـ وهم الأكثر الذين لم يتسمّوا بسمة الولاء لأهل البيت ـ قد خالفوا النبي ولم يأخذوا بإرشاده، كلا ومعاذ اللّه أن يظنّ فيهم ذلك، وهم خيرة من على وجه الأرض يومئذ، ولكن لعلّ تلك الكلمات لم يسمعها كلّهم، ومن سمع بعضها لم يلتفت إلى المقصود منها، وصحابة النبي الكرام أسمى من أن تحلّق إلى أوج مقامهم بغاث الأوهام"
(أصل الشيعة وأصولها: 188، بتحقيق علاء آل جعفر).
إلى أن قال: "لا يذهبنّ عنك أنّه ليس معنى هذا إنّا نريد أن ننكر ما لأولئك الخلفاء من الحسنات وبعض الخدمات للإسلام التي لا يجحدها إلاّ مكابر، ولسنا بحمد اللّه من المكابرين، ولا سبّابين ولا شتّامين; بل ممّن يشكر الحسنة ويغضي عن السيّئه، ونقول: تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، وحسابهم على اللّه، فإن عفا فبفضله، وإن عاقب فبعدله"(أصل الشيعة و أصولها: 209.).
قول السيد شرف الدين العاملي المتوفى 1377 هـ:
قال السيّد شرف الدين من أكابر علماء الشيعة بلبنان: "إنّ من وقف على رأينا في الصحابة، علم أنّه أوسط الآراء، إذ لم نفرّط فيه تفريط الغلاة الذين كفّروهم جميعاً، ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثّقوهم أجمعين، فإنّ الكامليّة ومن كان في الغلوّ على شاكلتهم، قالوا: بكفر الصحابة كافّة، وقال أهل السنّة: بعدالة كلّ فرد ممّن سمع النبيّ (صلى الله عليه وآله)أو رآه من المسلمين مطلقاً، واحتجّوا بحديث كلّ من دبّ أو درج منهم أجمعين أكتعين أبصعين.
أمّا نحن، فإنّ الصحبة بمجرّدها وإن كانت عندنا فضيلة جليلة، لكنّها - بما هي ومن حيث هي- غير عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال. فيهم: العدول، وهم عظماؤهم وعلماؤهم، وأولياء هؤلاء، وفيهم: البغاة، وفيهم: أهل الجرائم من المنافقين، وفيهم: مجهول الحال.
فنحن نحتجّ بعدولهم ونتولاّهم في الدنيا والآخرة، أمّا البغاة على الوصيّ، وأخي النبيّ، وسائر أهل الجرائم والعظائم كابن هند، وابن النابغة، وابن الزرقاء وابن عقبة، وابن أرطاة، وأمثالهم، فلا كرامة لهم، ولا وزن لحديثهم.
ومجهول الحال نتوقّف فيه حتّى نتبيّن أمره، هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة وغيرهم، والكتاب والسنّة بيننا على هذا الرأي، كما هو مفصل في مظانّه من أصول الفقه.
لكنّ الجمهور بالغوا في تقديس كلّ من يسمّونه صحابيّاً حتّى خرجوا عن الاعتدال، فاحتجّوا بالغث منهم والسمين، واقتدوا بكلّ مسلم سمع النبيّ أو رآه (صلى الله عليه وآله) اقتداء أعمى، وأنكروا على من يخالفهم في هذا الغلوّ، وخرجوا في الإنكار على كلّ حد من الحدود، وما أشدّ إنكارهم علينا حين يروننا نردّ حديث كثير من الصحابة مصرّحين، بجرحهم أو بكونهم مجهولي الحال، عملاً بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينيّة، والبحث عن الصحيح من الآثار النبويّة، وبهذا ظنّوا بنا الظنونا، فاتّهمونا بما اتّهمونا، رجماً بالغيب، وتهافتاً على الجهل، ولو ثابت إليهم أحلامهم، ورجعوا إلى قواعد العلم، لعلموا أنّ أصالة العدالة في الصحابة ممّا لا دليل عليه، ولو تدبّروا القرآن الحكيم لوجدوه مشحوناً بذكر المنافقين منهم، وحسبك من سوره التوبة والأحزاب، وإذا جاءك المنافقون، ويكفيك من آياته المحكمة {الاَْعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا ونِفَاقًا}
فليتني أدري أين ذهب المنافقون بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)وقد كانوا جرّعوه الغصص مدّة حياته، حتّى دحرجوا الدباب و... وقد تعلمون أنّه (صلى الله عليه وآله)خرج إلى أُحد بألف من أصحابه، فرجع منهم قبل الوصول ثلاث مائة من المنافقين، وربما بقي معه منافقون لم يرجعوا خوف الشهرة، أو رغبة بالدفاع عن أحساب قومهم، ولو لم يكن في الألف إلاّ ثلاث مائة منافق، لكفى دليلاً على أنّ النفاق كان زمن الوحي فاشياً، فكيف ينقطع بمجرّد انقطاع الوحي ولحوق النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالرفيق الأعلى؟!
وما ضرّنا لو صدعنا بحقيقة أولئك المنافقين، فإنّ الأمّة في غنى عنهم بالمؤمنين المستقيمين من الصحابة، وهم أهل السوابق والمناقب، وفيهم الأكثريّة الساحقة، ولا سيّما علماؤهم وعظماؤهم حملة الآثار النبويّة، وسدنة الأحكام الإلهيّة، قال تعالى: {وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّـت تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَْنْهَـرُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. وهم في غنى عن مدحة المادحين بمدحة اللّه تعالى، وثنائه عليهم في الذكر الحكيم، وحسبهم تأييد الدين، ونشر الدعوة إلى الحقّ المبين. على أنّا نتولّى من الصحابة كلّ من اضطرّ إلى الحياد - في ظاهر الحال - عن الوصي، أو التجأ إلى مسايرة أهل السلطة بقصد الاحتياط على الدين، والاحتفاظ بشوكة المسلمين، وهم السواد الأعظم من الصحابة رضي اللّه تعالى عنهم أجمعين فإنّ مودّة هؤلاء لازمة، والدعاء لهم فريضة، {وَالَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولاِِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالاِْيمَانِ ولاَ تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}
رويت في كتب الشيعة الإمامية بعض الروايات التي تدل بظاهرها على أن أكثر الصحابة ارتدوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أنفار قلائل.
منها: ما رواه الشيخ الكشِّي قدس سره في رجاله كما في اختيار معرفة الرجال، ص 5 بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: ارتد الناس إلا ثلاثة نفر: سلمان، وأبو ذر، والمقداد. قال الراوي فقلت: عمار؟ قال: كان جاض جيضة، ثم رجع، ثم قال: إن أردتَ الذي لم يشك ولم يدخله شيء فالمقداد، فأما سلمان فإنه عرض في قلبه أن عند أمير المؤمنين عليه السلام اسم الله الأعظم، لو تكلَّم به لأخذتهم الأرض، وهو هكذا، وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين عليه السلام بالسكوت، ولم يأخذه في الله لومة لائم، فأبى إلا أن يتكلم. (اختيار معرفة الرجال: 5). وجاض: أي عدل عن الحق، وفي بعض النسخ: حاص، أي انهزم.
وفي حديث آخر عن أبي جعفر عليه السلام، قال: ارتد الناس إلا ثلاثة نفر: سلمان، وأبو ذر، والمقداد، وأناب الناس بعد، كان أول من أناب أبو ساسان [حصين بن منذر الوقاشي صاحب راية علي عليه السلام]، وعمار، وأبو عروة، وشتيرة، فكانوا سبعة، فلم يعرف حق أمير المؤمنين عليه السلام إلا هؤلاء السبعة. (نفس المصدر: 11).
وروى فيه أيضاً بإسناده عنه عن أبيه عن جدِّه عن علي عليه السلام قال: ضاقت الأرض بسبعة، بهم تُرزقون، وبهم تُنصرون، وبهم تُمطرون، منهم: سلمان الفارسي، والمقداد، وأبو ذر، وعمار، وحذيفة، رحمهم الله، وكان علي عليه السلام يقول: وأنا إمامهم، وهم الذين صلوا على فاطمة عليها السلام. (نفس المصدر: 6).
وروى الكليني قدس سره في الكافي عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك ما أقلَّنا! لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ فقال: ألا أحدثك بأعجب من ذلك؟ المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا ـ وأشار بيده ـ ثلاثة. قال حمران: فقلت : جعلت فداك، ما حال عمار؟ قال: رحم الله عماراً أبا اليقظان، بايع وقُتل شهيداً، فقلت في نفسي: ما شيء أفضل من الشهادة. فنظر إلي فقال: لعلك ترى أنه مثل الثلاثة؟ أيهات، أيهات. (الكافي 2/244).
وهذه الروايات بعد الغض عن أسانيدها فإنها لا تدل على أن عامة الصحابة ارتدوا عن الدين، ورجعوا إلى الكفر، فإن الارتداد في اللغة هو الرجوع عن الشيء. قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 96]، وقال سبحانه: ﴿قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: 40]، وقال عزَّ من قائل: ﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء﴾ [إبراهيم: 43].
وإذا أُريد بالارتداد الرجوع عن الدين قُيِّد، ولهذا لم يَرِد في كتاب الله بهذا المعنى إلا مقيَّداً. قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: 54]، وقال: ﴿وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ [البقرة: 217]، وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ﴾ [محمد: 25]، وقال: ﴿وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [المائدة: 21].
ولا يخفى أن الأحاديث السابقة لم يقيَّد فيها الارتداد بأنه عن الدين أو على الأدبار والأعقاب.
والمراد بالارتداد فيها هو رجوع الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله عما التزموا به في حياته صلى الله عليه وآله من بيعة علي بن أبي طالب عليه السلام بإمرة المؤمنين، إذ بايعوا غيره.
وبهذا المعنى للارتداد فسَّر ابن الأثير وابن منظور هذه اللفظة التي وردت في أحاديث الحوض التي سيأتي ذكرها، حيث قالا:
وفي حديث القيامة والحوض: «فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم القهقرى»: أي متخلِّفين عن بعض الواجبات، ولم يُرِد ردَّة الكفر، ولهذا قيَّده بأعقابهم؛ لأنه لم يرتد أحد من الصحابة بعده، وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب. (النهاية في غريب الحديث 2/214. لسان العرب 3/173).
وعليه، فإن المراد بارتداد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله في تلك الأحاديث هو رجوعهم عن أهم الواجبات الدينية المنوطة بهم، وهي مبايعة الإمام علي عليه السلام بإمرة المؤمنين وخلافة رسول رب العالمين.
والذي يدل على أن ما قلناه هو المراد بالحديث ما رواه الكليني قدس سره في الروضة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا ثلاثة. فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، رحمة الله وبركاته عليهم، ثم عرَف أناسٌ بعدَ يسير. وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا، حتى جاؤوا بأمير المؤمنين مكرَهاً فبايع، وذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ﴾. (روضة الكافي: 213-214).
فإن هذا الحديث واضح الدلالة على أن هؤلاء الثلاثة المذكورين بايعوا أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم يبايعوا غيره، إلى أن بايع مكرَهاً، فبايعوا بعده.
ومراده بقوله: «ثم عرَف أناسٌ بعدَ يسير» أن أناساً عرفوا أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الأولى بالخلافة بعد وقت يسير.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن صحاح أهل السنة اشتملت على جملة من الأحاديث الدالة على ردَّة زُمَر وأقوام من صحابة النبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته.
ومن ذلك ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة أنه كان يحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يرِد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي، فيُحَلَّؤون [أي يطرَدون ويبعَدون] عن الحوض، فأقول: يا ربِّ أصحابي. فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى. (صحيح البخاري 4/2058).
وعن أبي هريرة أيضاً، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينما أنا نائم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلُمَّ. فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلُمَّ. قلت: أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى. فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همَل النعم. (صحيح البخاري 4/2058).
قال ابن منظور: وفي حديث الحوض: «فلا يخلص منهم إلا مثل همل النعم» الهمل: ضوالّ الإبل، واحدها هامل، أي أن الناجي منهم قليل في قلة النعم الضالّة. (لسان العرب 11/710).
قلت: الظاهر أن الضمير المجرور في «فلا يخلص منهم» يعود على صحابته صلى الله عليه وآله، ولا يعود على خصوص المرتدين على أدبارهم؛ لأن هؤلاء المرتدين لا يخلص منهم أحد.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: يرِد عليَّ الحوض رجال من أصحابي، فيحلّؤون عنه، فأقول: يا ربِّ أصحابي. فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى. (صحيح البخاري 4/2058).
وأخرج مسلم 4/1796 عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا فَرَطكم(على الحوض، ولأُنازَعَنَّ أقواماً ثم لأُغلَبَنَّ عليهم فأقول: يا رب، أصحابي أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
وأخرج البخاري - واللفظ له - ومسلم، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله: إني فرَطكم على الحوض، من مرَّ عليَّ شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً، لَيَرِدنّ عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم.
قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش، فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم. فقال: أَشهدُ على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها: فأقول: إنهم مني. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: سُحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي. (صحيح البخاري 4/2058. صحيح مسلم 4/1793).
وهذه الأحاديث رواها حفَّاظ الحديث من أهل السنة بطرق كثيرة وبألفاظ متقاربة، فهي صحيحة عندهم، لا يشكون في صحتها.
والنتيجة أن الأحاديث الشيعية المذكورة لم يرد فيها أن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ارتدوا عن دينهم، وإنما رجعوا عما التزموا به من بيعة أمير المؤمنين عليه السلام، بخلاف الأحاديث التي رواها أهل السنة في صحاحهم، فإنها دلَّت على ارتداد «رجال» من الصحابة، أو ارتداد «رهط»، أو «زُمَر» أي جماعات، أو «أقوام» من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنهم بدَّلوا وأحدثوا في دين الله، فكان مآلهم إلى النار.
فهل يرى القارئ المنصف وجهاً للمقايسة بعد ذلك؟
اللهم صلِ على محمد وال محمد
((إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ))
آراء الشيعة الإماميّة في الصحابة هو اوسط الاراء اذن ان الشيعة الامامية لاينكرون فضل الصحابة وينمقون المنافقين ويظهرونهم بصفة القداسة هذه الصفة التي لانرتضاها في الاسلام ان يكون المنافق مؤمنا صالح والقاتل حملا وديع والزتني اعف واطهر الناس لانترضي ان يكون الظالم بصفة المظلوم والفاسق بصفة النزيه لنرى اراء اهل البيت عليهم السلام في الصحابة واراء شيعتهم : أمير المؤمنين وأصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله):
من أراد أن يقف على رأي الشيعة في الصحابة، فعليه بما يقوله إمام المسلمين علي(عليه السلام) في حقّهم:
"لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله فما أرى أحداً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وخدودهم ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم ، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبلّ جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاء الثواب"
نهج البلاغة، خطبة 97.
"أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق. أين عمّار وأين ابن التيهان وأين ذو الشهادتين وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية وأبرد برؤوسهم إلى الفجرة. أوه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبّروا الفرض فأقاموه، أحيوا السنّة وأماتوا البدعة، دعوا للجهاد فأجابوا ووثقوا بالقائد فاتّبعوه..."
( نهج البلاغة: الخطبة 182.).
علي بن الحسين (عليهما السلام)والأصحاب:
وهذا هو الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) يذكر في بعض أدعيته صحابة النبيّ (صلى الله عليه وآله) بقوله: "اللّهمّ وأصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) خاصّة الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه، وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجّة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوّته...( الصحيفة السجادية، الدعاء الرابع).
قول والد الشيخ البهائي المتوفى سنة 984 هـ:
قال الشيخ عز الدين حسين بن عبد الصمد العاملي، والد الشيخ البهائي من أئمّة الفقه والحديث:
"ليس في مذهبنا وجوب سبّهم، وإنّما يسبّهم عوام الناس المتعصّبون، وأمّا علماؤنا فلم يقل أحد بوجوب سبّهم، وهذه كتبهم موجودة.
وأقسمت له أيماناً مغلّظة بأنّه لو عاش أحد ألف سنة وهو يتديّن بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) ويتوّلاهم، ويتبرّأ من أعدائهم، ولم يسبّ الصحابة قطّ، لم يكن مخطئاً، ولا في إيمانه قصور"
(المناظرات لمقاتل بن عطية بتحقيق الورداني: 77.).
قول السيد علي خان الشيرازي المتوفى 1130 هـ:
قال السيّد علي خان الشيرازي: "حكم الصحابة عندنا في العدالة حكم غيرهم، ولا يتحتّم الحكم بالإيمان والعدالة بمجرّد الصحبة ولا يحصل بها النجاة من عقاب النار وغضب الجبّار إلاّ أن يكون مع يقين الإيمان وخلوص الجنان، فمن عَلِمْنا عدالته وإيمانه وحفظه وصيّة رسول اللّه في أهل بيته، وأنّه مات على ذلك، كسلمان وأبي ذر وعمّار، واليناه وتقرّبنا إلى اللّه تعالى بحبّه.
ومن علمنا أنّه انقلب على عقبه وأظهر العداوة لأهل البيت(عليهم السلام) عاديناه للّه تعالى، وتبرّأنا إلى اللّه منه، ونسكت عن المجهولة حاله"
(الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: 11).
ثمّ قال: "اعلم أنّ كثيراً من الصحابة رجع إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)وظهر له الحقّ بعد أن عانده وتزلزل بعضهم في خلافة أبى بكر وبعضهم في خلافته(عليه السلام) وليس إلى استقصائهم جميعاً سبيل، وقد اتّفقت نقلة الأخبار على أنّ أكثر الصحابة كانوا معه(عليه السلام)في حروبه".
قال المسعودي في مروج الذهب: "كان ممّن شهد صفّين مع علي(عليه السلام)من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجلاً منهم: سبعة عشر من المهاجرين، وسبعون من الأنصار. وشهد معه ممّن بايع تحت الشجرة وهي بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار، ومن سائر الصحابة، تسعمائة، وكان جميع من شهد معه من الصحابة ألفين وثمانمائة"
( الدرجات الرفيعة: 39.).
ثمّ اختصّ الباب الأوّل من كتابه، إلى الطبقة الأولى ببني هاشم وساداتهم من الصحابة العليّة، وعدّ منهم أربعة وعشرون رجلاً ( المصدر نفسه: 41 إلى 195.).
واختصّ الباب الثاني بذكر غير بني هاشم من الصحابة المرضيّة والشيعة المرتضويّة رضوان اللّه عليهم. وذكر فيه زهاء خمسين رجلاً منهم(المصدر نفسه: 197 إلى 452.).
قول السيد محسن الأمين المتوفى 1371 هـ:
قال السيّد محسن الأمين العاملي ما يمثّل عقيدة الشيعة:
"حكم الصحابة في العدالة حكم غيرهم، ولا يتحتّم الحكم بها بمجرّد الصحبة، وهي لقاء النبيّ (صلى الله عليه وآله)مؤمناً به، ومات على الإسلام. وإنّ ذلك ليس كافياً في ثبوت العدالة بعد الاتّفاق على عدم العصمة المانعة من صدور الذنب، فمن علمنا عدالته حكمنا بها، وقبلنا روايته، ولزمنا له من التعظيم والتوقير، بسبب شرف الصحبة ونصرة الإسلام والجهاد في سبيل اللّه ما هو أهله، ومن علمنا منه خلاف ذلك لم تقبل روايته، أمثال مروان بن الحكم، والمغيرة بن شعبة، والوليد بن عقبة، وبسر بن أرطاة وبعض بني أميّة وأعوانهم، ومن جهلنا حاله في العدالة توقّفنا في قبول روايته.
وممّا يمكن أن يذكر في المقام أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)توفّي ومن رآه وسمع عنه يتجاوز مائة ألف إنسان من رجل وامرأة على ما حكاه ابن حجر في الإصابة عن أبي زرعة الرازي: وقيل مات (صلى الله عليه وآله)عن مائة وأربعة عشر ألف صحابيّ
( راجع الإصابة: ج1 ص154، طبعة دار الكتب العلميّة ـ بيروت.).
ومن الممتنع عادة أن يكون هذا العدد في كثرته وتفرّق أهوائه وكون النفوس البشريّة مطبوعة على حبّ الشهوات كلّهم، قد حصلت لهم ملكة التقوى المانعة عن صدور الكبائر، والإصرار على الصغائر بمجرّد رؤية النبيّ (صلى الله عليه وآله)والإيمان به.
ونحن نعلم أنّ منهم من أسلم طوعاً ورغبة في الإسلام، ومنهم من أسلم خوفاً وكرهاً، ومنهم المؤلّفة قلوبهم، وما كانت هذه الأمة إلاّ كغيرها من الأمم التي جبلت على حبّ الشهوات وخلقت فيها الطبائع القائدة إلى ذلك إن لم يردع رادع والكلّ من بني آدم.
وقد صحّ عنه (صلى الله عليه وآله)أنّه قال: لتسلكنّ سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة حتّى لو دخل أحدهم جحر ضبّ لدخلتموه.
ولو منعت رؤية النبيّ (صلى الله عليه وآله)من وقوع الذنب لمنعت من الارتداد الذي حصل من جماعة منهم كعبد اللّه بن جحش، وعبيد اللّه بن خطل، وربيعة بن أمية بن خلف، والأشعث بن قيس(الثلاثة الأوّلون ارتدّوا وماتوا على الردّة، والأشعث ارتدّ فأتي به إلى الخليفة أبي بكر أسيراً فعاد إلى الإسلام وزوجّه أخته، وكانت عوراء، فأولدها محمداً أحد قتلة الحسين.) وغيرهم.
هذا مع ما شوهد من صدور أمور من بعضهم، لا تتّفق مع العدالة، كالخروج على أئمّة العدل، وشقّ عصا المسلمين، وقتل النفوس المحترمة، وسلب الأموال المعصومة، والسبّ والشتم وحرب المسلمين وغشّهم، وإلقاح الفتن، والرغبة في الدنيا، والتزاحم على الإمارة والرئاسة وغير ذلك ممّا تكفلّت به كتب الآثار والتواريخ وملأ الخافقين"(أعيان الشيعة: ج1 ص113.).
قول محمد حسين آل كاشف الغطاء المتوفى 1373:
قال محمد حسين آل كاشف الغطاء من كبار علماء الشيعة: "لا أقول إنّ الآخرين من الصحابة ـ وهم الأكثر الذين لم يتسمّوا بسمة الولاء لأهل البيت ـ قد خالفوا النبي ولم يأخذوا بإرشاده، كلا ومعاذ اللّه أن يظنّ فيهم ذلك، وهم خيرة من على وجه الأرض يومئذ، ولكن لعلّ تلك الكلمات لم يسمعها كلّهم، ومن سمع بعضها لم يلتفت إلى المقصود منها، وصحابة النبي الكرام أسمى من أن تحلّق إلى أوج مقامهم بغاث الأوهام"
(أصل الشيعة وأصولها: 188، بتحقيق علاء آل جعفر).
إلى أن قال: "لا يذهبنّ عنك أنّه ليس معنى هذا إنّا نريد أن ننكر ما لأولئك الخلفاء من الحسنات وبعض الخدمات للإسلام التي لا يجحدها إلاّ مكابر، ولسنا بحمد اللّه من المكابرين، ولا سبّابين ولا شتّامين; بل ممّن يشكر الحسنة ويغضي عن السيّئه، ونقول: تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، وحسابهم على اللّه، فإن عفا فبفضله، وإن عاقب فبعدله"(أصل الشيعة و أصولها: 209.).
قول السيد شرف الدين العاملي المتوفى 1377 هـ:
قال السيّد شرف الدين من أكابر علماء الشيعة بلبنان: "إنّ من وقف على رأينا في الصحابة، علم أنّه أوسط الآراء، إذ لم نفرّط فيه تفريط الغلاة الذين كفّروهم جميعاً، ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثّقوهم أجمعين، فإنّ الكامليّة ومن كان في الغلوّ على شاكلتهم، قالوا: بكفر الصحابة كافّة، وقال أهل السنّة: بعدالة كلّ فرد ممّن سمع النبيّ (صلى الله عليه وآله)أو رآه من المسلمين مطلقاً، واحتجّوا بحديث كلّ من دبّ أو درج منهم أجمعين أكتعين أبصعين.
أمّا نحن، فإنّ الصحبة بمجرّدها وإن كانت عندنا فضيلة جليلة، لكنّها - بما هي ومن حيث هي- غير عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال. فيهم: العدول، وهم عظماؤهم وعلماؤهم، وأولياء هؤلاء، وفيهم: البغاة، وفيهم: أهل الجرائم من المنافقين، وفيهم: مجهول الحال.
فنحن نحتجّ بعدولهم ونتولاّهم في الدنيا والآخرة، أمّا البغاة على الوصيّ، وأخي النبيّ، وسائر أهل الجرائم والعظائم كابن هند، وابن النابغة، وابن الزرقاء وابن عقبة، وابن أرطاة، وأمثالهم، فلا كرامة لهم، ولا وزن لحديثهم.
ومجهول الحال نتوقّف فيه حتّى نتبيّن أمره، هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة وغيرهم، والكتاب والسنّة بيننا على هذا الرأي، كما هو مفصل في مظانّه من أصول الفقه.
لكنّ الجمهور بالغوا في تقديس كلّ من يسمّونه صحابيّاً حتّى خرجوا عن الاعتدال، فاحتجّوا بالغث منهم والسمين، واقتدوا بكلّ مسلم سمع النبيّ أو رآه (صلى الله عليه وآله) اقتداء أعمى، وأنكروا على من يخالفهم في هذا الغلوّ، وخرجوا في الإنكار على كلّ حد من الحدود، وما أشدّ إنكارهم علينا حين يروننا نردّ حديث كثير من الصحابة مصرّحين، بجرحهم أو بكونهم مجهولي الحال، عملاً بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينيّة، والبحث عن الصحيح من الآثار النبويّة، وبهذا ظنّوا بنا الظنونا، فاتّهمونا بما اتّهمونا، رجماً بالغيب، وتهافتاً على الجهل، ولو ثابت إليهم أحلامهم، ورجعوا إلى قواعد العلم، لعلموا أنّ أصالة العدالة في الصحابة ممّا لا دليل عليه، ولو تدبّروا القرآن الحكيم لوجدوه مشحوناً بذكر المنافقين منهم، وحسبك من سوره التوبة والأحزاب، وإذا جاءك المنافقون، ويكفيك من آياته المحكمة {الاَْعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا ونِفَاقًا}
فليتني أدري أين ذهب المنافقون بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)وقد كانوا جرّعوه الغصص مدّة حياته، حتّى دحرجوا الدباب و... وقد تعلمون أنّه (صلى الله عليه وآله)خرج إلى أُحد بألف من أصحابه، فرجع منهم قبل الوصول ثلاث مائة من المنافقين، وربما بقي معه منافقون لم يرجعوا خوف الشهرة، أو رغبة بالدفاع عن أحساب قومهم، ولو لم يكن في الألف إلاّ ثلاث مائة منافق، لكفى دليلاً على أنّ النفاق كان زمن الوحي فاشياً، فكيف ينقطع بمجرّد انقطاع الوحي ولحوق النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالرفيق الأعلى؟!
وما ضرّنا لو صدعنا بحقيقة أولئك المنافقين، فإنّ الأمّة في غنى عنهم بالمؤمنين المستقيمين من الصحابة، وهم أهل السوابق والمناقب، وفيهم الأكثريّة الساحقة، ولا سيّما علماؤهم وعظماؤهم حملة الآثار النبويّة، وسدنة الأحكام الإلهيّة، قال تعالى: {وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّـت تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَْنْهَـرُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. وهم في غنى عن مدحة المادحين بمدحة اللّه تعالى، وثنائه عليهم في الذكر الحكيم، وحسبهم تأييد الدين، ونشر الدعوة إلى الحقّ المبين. على أنّا نتولّى من الصحابة كلّ من اضطرّ إلى الحياد - في ظاهر الحال - عن الوصي، أو التجأ إلى مسايرة أهل السلطة بقصد الاحتياط على الدين، والاحتفاظ بشوكة المسلمين، وهم السواد الأعظم من الصحابة رضي اللّه تعالى عنهم أجمعين فإنّ مودّة هؤلاء لازمة، والدعاء لهم فريضة، {وَالَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولاِِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالاِْيمَانِ ولاَ تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}
رويت في كتب الشيعة الإمامية بعض الروايات التي تدل بظاهرها على أن أكثر الصحابة ارتدوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أنفار قلائل.
منها: ما رواه الشيخ الكشِّي قدس سره في رجاله كما في اختيار معرفة الرجال، ص 5 بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: ارتد الناس إلا ثلاثة نفر: سلمان، وأبو ذر، والمقداد. قال الراوي فقلت: عمار؟ قال: كان جاض جيضة، ثم رجع، ثم قال: إن أردتَ الذي لم يشك ولم يدخله شيء فالمقداد، فأما سلمان فإنه عرض في قلبه أن عند أمير المؤمنين عليه السلام اسم الله الأعظم، لو تكلَّم به لأخذتهم الأرض، وهو هكذا، وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين عليه السلام بالسكوت، ولم يأخذه في الله لومة لائم، فأبى إلا أن يتكلم. (اختيار معرفة الرجال: 5). وجاض: أي عدل عن الحق، وفي بعض النسخ: حاص، أي انهزم.
وفي حديث آخر عن أبي جعفر عليه السلام، قال: ارتد الناس إلا ثلاثة نفر: سلمان، وأبو ذر، والمقداد، وأناب الناس بعد، كان أول من أناب أبو ساسان [حصين بن منذر الوقاشي صاحب راية علي عليه السلام]، وعمار، وأبو عروة، وشتيرة، فكانوا سبعة، فلم يعرف حق أمير المؤمنين عليه السلام إلا هؤلاء السبعة. (نفس المصدر: 11).
وروى فيه أيضاً بإسناده عنه عن أبيه عن جدِّه عن علي عليه السلام قال: ضاقت الأرض بسبعة، بهم تُرزقون، وبهم تُنصرون، وبهم تُمطرون، منهم: سلمان الفارسي، والمقداد، وأبو ذر، وعمار، وحذيفة، رحمهم الله، وكان علي عليه السلام يقول: وأنا إمامهم، وهم الذين صلوا على فاطمة عليها السلام. (نفس المصدر: 6).
وروى الكليني قدس سره في الكافي عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك ما أقلَّنا! لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ فقال: ألا أحدثك بأعجب من ذلك؟ المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا ـ وأشار بيده ـ ثلاثة. قال حمران: فقلت : جعلت فداك، ما حال عمار؟ قال: رحم الله عماراً أبا اليقظان، بايع وقُتل شهيداً، فقلت في نفسي: ما شيء أفضل من الشهادة. فنظر إلي فقال: لعلك ترى أنه مثل الثلاثة؟ أيهات، أيهات. (الكافي 2/244).
وهذه الروايات بعد الغض عن أسانيدها فإنها لا تدل على أن عامة الصحابة ارتدوا عن الدين، ورجعوا إلى الكفر، فإن الارتداد في اللغة هو الرجوع عن الشيء. قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 96]، وقال سبحانه: ﴿قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: 40]، وقال عزَّ من قائل: ﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء﴾ [إبراهيم: 43].
وإذا أُريد بالارتداد الرجوع عن الدين قُيِّد، ولهذا لم يَرِد في كتاب الله بهذا المعنى إلا مقيَّداً. قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: 54]، وقال: ﴿وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ [البقرة: 217]، وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ﴾ [محمد: 25]، وقال: ﴿وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [المائدة: 21].
ولا يخفى أن الأحاديث السابقة لم يقيَّد فيها الارتداد بأنه عن الدين أو على الأدبار والأعقاب.
والمراد بالارتداد فيها هو رجوع الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله عما التزموا به في حياته صلى الله عليه وآله من بيعة علي بن أبي طالب عليه السلام بإمرة المؤمنين، إذ بايعوا غيره.
وبهذا المعنى للارتداد فسَّر ابن الأثير وابن منظور هذه اللفظة التي وردت في أحاديث الحوض التي سيأتي ذكرها، حيث قالا:
وفي حديث القيامة والحوض: «فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم القهقرى»: أي متخلِّفين عن بعض الواجبات، ولم يُرِد ردَّة الكفر، ولهذا قيَّده بأعقابهم؛ لأنه لم يرتد أحد من الصحابة بعده، وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب. (النهاية في غريب الحديث 2/214. لسان العرب 3/173).
وعليه، فإن المراد بارتداد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله في تلك الأحاديث هو رجوعهم عن أهم الواجبات الدينية المنوطة بهم، وهي مبايعة الإمام علي عليه السلام بإمرة المؤمنين وخلافة رسول رب العالمين.
والذي يدل على أن ما قلناه هو المراد بالحديث ما رواه الكليني قدس سره في الروضة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا ثلاثة. فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، رحمة الله وبركاته عليهم، ثم عرَف أناسٌ بعدَ يسير. وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا، حتى جاؤوا بأمير المؤمنين مكرَهاً فبايع، وذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ﴾. (روضة الكافي: 213-214).
فإن هذا الحديث واضح الدلالة على أن هؤلاء الثلاثة المذكورين بايعوا أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم يبايعوا غيره، إلى أن بايع مكرَهاً، فبايعوا بعده.
ومراده بقوله: «ثم عرَف أناسٌ بعدَ يسير» أن أناساً عرفوا أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الأولى بالخلافة بعد وقت يسير.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن صحاح أهل السنة اشتملت على جملة من الأحاديث الدالة على ردَّة زُمَر وأقوام من صحابة النبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته.
ومن ذلك ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة أنه كان يحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يرِد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي، فيُحَلَّؤون [أي يطرَدون ويبعَدون] عن الحوض، فأقول: يا ربِّ أصحابي. فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى. (صحيح البخاري 4/2058).
وعن أبي هريرة أيضاً، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينما أنا نائم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلُمَّ. فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلُمَّ. قلت: أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى. فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همَل النعم. (صحيح البخاري 4/2058).
قال ابن منظور: وفي حديث الحوض: «فلا يخلص منهم إلا مثل همل النعم» الهمل: ضوالّ الإبل، واحدها هامل، أي أن الناجي منهم قليل في قلة النعم الضالّة. (لسان العرب 11/710).
قلت: الظاهر أن الضمير المجرور في «فلا يخلص منهم» يعود على صحابته صلى الله عليه وآله، ولا يعود على خصوص المرتدين على أدبارهم؛ لأن هؤلاء المرتدين لا يخلص منهم أحد.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: يرِد عليَّ الحوض رجال من أصحابي، فيحلّؤون عنه، فأقول: يا ربِّ أصحابي. فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى. (صحيح البخاري 4/2058).
وأخرج مسلم 4/1796 عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا فَرَطكم(على الحوض، ولأُنازَعَنَّ أقواماً ثم لأُغلَبَنَّ عليهم فأقول: يا رب، أصحابي أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
وأخرج البخاري - واللفظ له - ومسلم، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله: إني فرَطكم على الحوض، من مرَّ عليَّ شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً، لَيَرِدنّ عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم.
قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش، فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم. فقال: أَشهدُ على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها: فأقول: إنهم مني. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: سُحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي. (صحيح البخاري 4/2058. صحيح مسلم 4/1793).
وهذه الأحاديث رواها حفَّاظ الحديث من أهل السنة بطرق كثيرة وبألفاظ متقاربة، فهي صحيحة عندهم، لا يشكون في صحتها.
والنتيجة أن الأحاديث الشيعية المذكورة لم يرد فيها أن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ارتدوا عن دينهم، وإنما رجعوا عما التزموا به من بيعة أمير المؤمنين عليه السلام، بخلاف الأحاديث التي رواها أهل السنة في صحاحهم، فإنها دلَّت على ارتداد «رجال» من الصحابة، أو ارتداد «رهط»، أو «زُمَر» أي جماعات، أو «أقوام» من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنهم بدَّلوا وأحدثوا في دين الله، فكان مآلهم إلى النار.
فهل يرى القارئ المنصف وجهاً للمقايسة بعد ذلك؟