دمعةرقية
25-08-2012, 12:05 AM
الشيخ الوائلي: التجديد في حركة المنبر
حياته ونشأته
ولد أحمد ابن الشيخ حسّون بن سعيد الوائلي في النجف الأشرف سنة 1347هـ/ 1928م. وشاءت عناية الله أن يولد في السابع عشر من ربيع الأول، الذي يصادف ذكرى ولادة الرسول (ص) وحفيده الإمام الصادق (ع)، فسمّاه أبوه "أحمد" من دون تردّد ولا تأمل.
لم تكن عائلته المعروفة بأسرة "آل حرج" مشهورة مثل العائلات العلمية الكبرى في النجف: آل المظفر، آل بحر العلوم، آل كاشف الغطاء وغيرهم، ولكن العلاّمة الكبير هو الذي جعل اسم أسرته لامعاً بما اكتسبه من علم ومعرفة أهّلاه لينال شهرة واسعة.
كان والده "خطيباً غير مشهور، كما أنه كان قليل القراءة، لأنه دخل ميدان الخطابة وهو في منتصف عمره".
ولج الشيخ أحمد ميدان الخطابة في سن مبكرة جداً، كما يقول هو، وكان عمره نحو عشر سنوات أو أكثر بقليل، ولكن بعض الكتّاب يقول إنه خلافاً لسائر الخطباء، دخل عالم الخطابة كبيراً وليس صغيراً، ولمع فيه نظراً لما يتمتَّع به من ميزات وقدرات.
تابع دراسته الحوزوية وتوغَّل فيها، وقرأ مقدّمات العلوم على يد أساتذة الحوزة البارزين. ولم يكتفِ بذلك، بل تابع دراسته الأكاديمية العليا حتى حصل على الماجستير من جامعة بغداد بأطروحته: "أحكام السجون في الشريعة الإسلامية"، ثم أكمل الدكتوراه في كلية دار العلوم في جامعة القاهرة، فنالها بأطروحته: "استغلال الأجير وموقف الإسلام منه".
عميد المنبر الحسيني
احتلَّ الدكتور الوائلي مركزاً مرموقاً منذ منتصف القرن العشرين، وتربَّع على مركز الصدارة في الخطابة الحسينية، حتى استحقَّ عن جدارة لقب "عميد المنبر الحسيني" من دون منازع. ولم يتمكن الخطباء الآخرون من مجاراته في قدراته الخطابية والفكرية والأدبية، فهو صاحب مدرسة مستقلّة خاصة لها أسلوبها الرائد ومنهجها الفريد، لذلك كانت نادرة في عطاءاتها وأبعادها، ما جعل الخطباء من بعده يسيرون على نهجه ويقتبسون من شعاع مدرسته، فأخذ الكثيرون يقلّدون حركاته ويجارون نبرة صوته، وما ذلك إلا دليل على عبقرية هذا الخطيب الفذّ.
إضافةً إلى "عمادة المنبر"، اشتهر الشيخ الوائلي بأنه شاعر مرهف وأديب مبدع وداعية كبير، حمل هموم أمّته ودعا إلى الذود عنها في وجه الاستكبار والاحتلال، وحرض المجاهدين بشعره وخطبه على المقاومة والتصدي لمشاريع الاستعمار وعدوانه.
ولقد تمكَّن الشيخ الوائلي من الوصول إلى هذه المكانة الرفيعة لأسباب أربعة:
1 ـ تتلمذه على ثلّة من العلماء الكبار أبرزهم الشيخ محمد رضا المظفّر، ومجموعة من خطباء المنبر البارزين. 2 ـ نشوؤه في بيئة النجف الأشرف المعروفة بتراثها العلمي والأدبي. 3 ـ تحصيله الأكاديمي العالي، الأمر الذي أغنى شخصيّته العلمية بالدراسة الحوزوية والدراسة الجامعية الحديثة. 4 ـ ملكاته الخاصة وذكاؤه الفطري وشخصيته المبدعة. ملامح فكره
قد يكون من الصعب الإحاطة بفكر غزير مثل فكر الدكتور الوائلي، لكننا سنحاول وضع ملامح عامة لما خلّفه.
أ ـ المنبر الحسيني: يضع الدكتور الوائلي الإمام الحسين (ع) في وعاء الرسالة الذي يبتعد عن المزايدات والمبالغات، ويستشفّ من وراء كل تحرك وكل مفردة من مفردات واقعة الطف الهدف الكبير والسر الكامن، وفي الوقت ذاته، استجلاء محتويات هذه الواقعة وتقديمها دروساً نستلهمها في مسيرة الحياة.
لذلك سعى مع رفيق دربه الشهيد السيد محمَّد باقر الصدر إلى رفع المستوى العام للمنبر بما يليق بصاحبه (ع)، وذلك عبر خطوات ثلاث:
وكان الدكتور الوائلي يرى أن من أخلاقيات المنبر الحسيني ما يأتي:
ودعا في كتابه القيّم "تجاربي مع المنبر"، إلى عدم حصر الحسين في نطاق الدمع والمأساة فقط، بينما هو ثورة على الباطل، ومنهج سلك الشهادة لبناء المجتمع.
ب ـ دفع الشبهات عن الإسلام: كان الشيخ الوائلي خصماً عنيداً لأعداء الإسلام من مستشرقين وكتّاب غربيين، ممن حاولوا تشويه دين الله والإساءة إليه، ونسبة آراء مغلوطة إليه.
فكان ـ العلاّمة ـ يتصدى لهم بالدليل والبرهان، ولا يكتفي بالأدلة الشرعية الإسلامية المأخوذة من الكتاب والسنّة، بل كان يقارعهم بحجج عقلية ومنطقية وعلمية، نظراً لدراساته الموسعة واطّلاعاته الكثيرة. ومن أهم الشبهات التي فّندها: شبهة انتشار الإسلام بالسيف، حقوق المرأة في الإسلام، شبهة وثنية بعض الشعائر الإسلامية، حقوق الإنسان، هل الإسلام دين عنف ودم؟! وغيرها.
ج ـ دفع الشبهات عن التشيع: وكان بسعة اطّلاعه على المذاهب الإسلامية كافّة، خير مدافع عن مذهب أهل البيت (ع)، فكان يفنّد الشبهات الملقاة على التشيّع من كتب بعض الكتّاب من المذاهب الإسلامية الأخرى، مستعيناً بالأحاديث التي ينقلونها وبآراء علمائهم.
ومن أهمّ الشّبهات التي فنّدها وأبدع في ذلك: قصة عبد الله بن سبأ، مسألة الإمامة، حياة الخلفاء، العصمة، زواج المتعة، الشعوبية، المهدوية وغيرها. 1 ـ تقعيد المنبر: بمعنى أن يصدر عن قواعد وعلم منهجي. 2 ـ إثراء مادّة المنبر: بحيث تتنوّع مضامين المحاضرات وتلتمس الموادّ المشوّقة للسامع، المفهومة لديه. 3 ـ العمل على الارتقاء بالمنبر حتى يصل إلى مستوى مرجع متجوّل، يرجع إليه الجمهور للتعرف إلى كثير مما يهمه في حياته من عقائد وأحكام شرعية. 1 ـ أن يكون العمل لوجه الله تعالى قبل كل شيء. 2 ـ ارتباط العمل المنبري بالمصلحة العامة والنأي به عن التحوّل إلى مدية بيد فئة أو فرد ضد فئة أخرى أو فرد آخر بدوافع شخصيّة. 3 ـ ترفّع العمل المنبري عن إرضاء العوام على حساب الحقائق والقيم.
للموضوع بقية
حياته ونشأته
ولد أحمد ابن الشيخ حسّون بن سعيد الوائلي في النجف الأشرف سنة 1347هـ/ 1928م. وشاءت عناية الله أن يولد في السابع عشر من ربيع الأول، الذي يصادف ذكرى ولادة الرسول (ص) وحفيده الإمام الصادق (ع)، فسمّاه أبوه "أحمد" من دون تردّد ولا تأمل.
لم تكن عائلته المعروفة بأسرة "آل حرج" مشهورة مثل العائلات العلمية الكبرى في النجف: آل المظفر، آل بحر العلوم، آل كاشف الغطاء وغيرهم، ولكن العلاّمة الكبير هو الذي جعل اسم أسرته لامعاً بما اكتسبه من علم ومعرفة أهّلاه لينال شهرة واسعة.
كان والده "خطيباً غير مشهور، كما أنه كان قليل القراءة، لأنه دخل ميدان الخطابة وهو في منتصف عمره".
ولج الشيخ أحمد ميدان الخطابة في سن مبكرة جداً، كما يقول هو، وكان عمره نحو عشر سنوات أو أكثر بقليل، ولكن بعض الكتّاب يقول إنه خلافاً لسائر الخطباء، دخل عالم الخطابة كبيراً وليس صغيراً، ولمع فيه نظراً لما يتمتَّع به من ميزات وقدرات.
تابع دراسته الحوزوية وتوغَّل فيها، وقرأ مقدّمات العلوم على يد أساتذة الحوزة البارزين. ولم يكتفِ بذلك، بل تابع دراسته الأكاديمية العليا حتى حصل على الماجستير من جامعة بغداد بأطروحته: "أحكام السجون في الشريعة الإسلامية"، ثم أكمل الدكتوراه في كلية دار العلوم في جامعة القاهرة، فنالها بأطروحته: "استغلال الأجير وموقف الإسلام منه".
عميد المنبر الحسيني
احتلَّ الدكتور الوائلي مركزاً مرموقاً منذ منتصف القرن العشرين، وتربَّع على مركز الصدارة في الخطابة الحسينية، حتى استحقَّ عن جدارة لقب "عميد المنبر الحسيني" من دون منازع. ولم يتمكن الخطباء الآخرون من مجاراته في قدراته الخطابية والفكرية والأدبية، فهو صاحب مدرسة مستقلّة خاصة لها أسلوبها الرائد ومنهجها الفريد، لذلك كانت نادرة في عطاءاتها وأبعادها، ما جعل الخطباء من بعده يسيرون على نهجه ويقتبسون من شعاع مدرسته، فأخذ الكثيرون يقلّدون حركاته ويجارون نبرة صوته، وما ذلك إلا دليل على عبقرية هذا الخطيب الفذّ.
إضافةً إلى "عمادة المنبر"، اشتهر الشيخ الوائلي بأنه شاعر مرهف وأديب مبدع وداعية كبير، حمل هموم أمّته ودعا إلى الذود عنها في وجه الاستكبار والاحتلال، وحرض المجاهدين بشعره وخطبه على المقاومة والتصدي لمشاريع الاستعمار وعدوانه.
ولقد تمكَّن الشيخ الوائلي من الوصول إلى هذه المكانة الرفيعة لأسباب أربعة:
1 ـ تتلمذه على ثلّة من العلماء الكبار أبرزهم الشيخ محمد رضا المظفّر، ومجموعة من خطباء المنبر البارزين. 2 ـ نشوؤه في بيئة النجف الأشرف المعروفة بتراثها العلمي والأدبي. 3 ـ تحصيله الأكاديمي العالي، الأمر الذي أغنى شخصيّته العلمية بالدراسة الحوزوية والدراسة الجامعية الحديثة. 4 ـ ملكاته الخاصة وذكاؤه الفطري وشخصيته المبدعة. ملامح فكره
قد يكون من الصعب الإحاطة بفكر غزير مثل فكر الدكتور الوائلي، لكننا سنحاول وضع ملامح عامة لما خلّفه.
أ ـ المنبر الحسيني: يضع الدكتور الوائلي الإمام الحسين (ع) في وعاء الرسالة الذي يبتعد عن المزايدات والمبالغات، ويستشفّ من وراء كل تحرك وكل مفردة من مفردات واقعة الطف الهدف الكبير والسر الكامن، وفي الوقت ذاته، استجلاء محتويات هذه الواقعة وتقديمها دروساً نستلهمها في مسيرة الحياة.
لذلك سعى مع رفيق دربه الشهيد السيد محمَّد باقر الصدر إلى رفع المستوى العام للمنبر بما يليق بصاحبه (ع)، وذلك عبر خطوات ثلاث:
وكان الدكتور الوائلي يرى أن من أخلاقيات المنبر الحسيني ما يأتي:
ودعا في كتابه القيّم "تجاربي مع المنبر"، إلى عدم حصر الحسين في نطاق الدمع والمأساة فقط، بينما هو ثورة على الباطل، ومنهج سلك الشهادة لبناء المجتمع.
ب ـ دفع الشبهات عن الإسلام: كان الشيخ الوائلي خصماً عنيداً لأعداء الإسلام من مستشرقين وكتّاب غربيين، ممن حاولوا تشويه دين الله والإساءة إليه، ونسبة آراء مغلوطة إليه.
فكان ـ العلاّمة ـ يتصدى لهم بالدليل والبرهان، ولا يكتفي بالأدلة الشرعية الإسلامية المأخوذة من الكتاب والسنّة، بل كان يقارعهم بحجج عقلية ومنطقية وعلمية، نظراً لدراساته الموسعة واطّلاعاته الكثيرة. ومن أهم الشبهات التي فّندها: شبهة انتشار الإسلام بالسيف، حقوق المرأة في الإسلام، شبهة وثنية بعض الشعائر الإسلامية، حقوق الإنسان، هل الإسلام دين عنف ودم؟! وغيرها.
ج ـ دفع الشبهات عن التشيع: وكان بسعة اطّلاعه على المذاهب الإسلامية كافّة، خير مدافع عن مذهب أهل البيت (ع)، فكان يفنّد الشبهات الملقاة على التشيّع من كتب بعض الكتّاب من المذاهب الإسلامية الأخرى، مستعيناً بالأحاديث التي ينقلونها وبآراء علمائهم.
ومن أهمّ الشّبهات التي فنّدها وأبدع في ذلك: قصة عبد الله بن سبأ، مسألة الإمامة، حياة الخلفاء، العصمة، زواج المتعة، الشعوبية، المهدوية وغيرها. 1 ـ تقعيد المنبر: بمعنى أن يصدر عن قواعد وعلم منهجي. 2 ـ إثراء مادّة المنبر: بحيث تتنوّع مضامين المحاضرات وتلتمس الموادّ المشوّقة للسامع، المفهومة لديه. 3 ـ العمل على الارتقاء بالمنبر حتى يصل إلى مستوى مرجع متجوّل، يرجع إليه الجمهور للتعرف إلى كثير مما يهمه في حياته من عقائد وأحكام شرعية. 1 ـ أن يكون العمل لوجه الله تعالى قبل كل شيء. 2 ـ ارتباط العمل المنبري بالمصلحة العامة والنأي به عن التحوّل إلى مدية بيد فئة أو فرد ضد فئة أخرى أو فرد آخر بدوافع شخصيّة. 3 ـ ترفّع العمل المنبري عن إرضاء العوام على حساب الحقائق والقيم.
للموضوع بقية