لبيك
20-09-2012, 02:19 PM
لا شك أن العلاقات الأسرية هي أسمى وأقدس العلاقات على وجه الأرض .. بذرتها، تبدأ بين فردين بالزواج، ثم أفراد بالإنجاب، وتمتد لتشمل الأقارب والأصهار من الطرفين. إنها كالشجرة التي تمتد أوراقها ليستظل بها الجميع، وكلما ازدادت أوراقها وتشابكت أغصانها كلما كانت الحضن الدافئ والحصن الأمين لكل من يأوي إليها.
لقد تعددت الكتابات حول العلاقات الأسرية والتفكك الأسري، وتناولها العديد من الدراسات والأبحاث، فمن الباحثين من تناول بعض جوانبها، فيما اشتملت أبحاث بعضهم الآخر على جميع الجوانب. فهي موضوع خصب وحساس، ولم لا وهي أساس البنيان الاجتماعي الذي بدأ به سبحانه وتعالى الخلق بخليفته على الأرض، آدم وحواء، ومدهما بالذرية، ونظم العلاقات الأسرية في كتبه وشرائعه السماوية.
غير أن التقدم الحضاري والتطور الزمني قد ألقى بظلاله على الأسرة، فلم تعد كما كانت من التماسك، بل أصبح تفككها أحد الظواهر التي لا نستطيع أن نغمض أعيننا عنها، إذ أن أي خلل في البنيان الأسري لن تقع تبعاته السيئة على فرد واحد من الأسرة، بل على كل الأطراف المعنية التي تضمها مظلة العلاقات الأسرية، لذا ارتأيت أن أقدم بحثي المتواضع هذا، وحرصت في كتابته على أن يكون بأسلوب مبسط حتى يمكن أن يستفيد منه كل من يطلع عليه.
يتعرض البحث في مقدمته لمفهوم الأسرة والتفكك الأسري، وقد خصصت الجزء الأكبر منه لتناول موضوع العلاج والحلول . . كما يتضمن عرضاً للمقترحات التي جاءت في الدراسة الميدانية التي قام بها الدكتور محمد محمد بيومي حول الإرشاد الأسري.
وفي النهاية حاولت أن أضع ملامح رؤية مستقبلية خلصت إليها من خلال اطلاعي على الموضوع.
وتتمنى الباحثة أن يفي هذا الجهد الغرض المطلوب من إعداده، وأن يكون إضافة للجهود الموصلة للباحثين والدارسين في موضوعه.
والله من وراء القصد.
أولاً: مفهوم الأسرة .. والتفكك الأسري
أوجدت معظم القوانين والشرائع من أجل حماية الأسرة، وليكون الزواج قائماً على الثبات والاستمرار، لأن في هذا مصلحة الوالدين من ناحية ومصلحة الأبناء من ناحية أخرى. والزواج لا يمكن أن يعطي ثماره إلا إذا نظرنا إليه كرباط أبدي لا انفصال له، وإلا لكان في إمكان أي طرف من الطرفين، ولأتفة الأسباب أن يتخلى عنه في أية لحظة.
ويرى علماء النفس أن الأسرة المتكاملة ليست تلك التي تكفل لأبنائها الرعاية الاقتصادية والاجتماعية والصحية فحسب، بل هي الأسرة التي تهيئ لهم الجو النفسي الملائم أيضاً. ومن هنا فإن مجرد وجود الطفل في بيت واحد مع والديه لا يعني دائماً أنه يحيا في أسرة متكاملة أو يلقى العناية الأبوية الكافية.
وليست هناك أية بدائل يمكنها أن تحل محل عطف وحنان الأم، باعتبار أن الأمومة ليست وظيفة آلية يمكن أن تقوم بها أية هيئة توفر للطفل الغذاء والمأوى، وإنما هي علاقة إنسانية حميمة تبدل من معالم الشخصية لكل من الأم والطفل، وكذلك فإن للأب دوراً حيوياً في حياة الأبناء وبالذات الذكور، فهو النموذج والقدوة، ذلك بالإضافة إلى الدور الذي يقوم به الإخوة والأخوات في حياة كل فرد في الأسرة.
ونعني بكلمة (أسرة ) بوجه عام، الجماعة الصغيرة ذات الأدوار والمراكز الاجتماعية ـ مثل: الزوج، الأب، الابن، الابنة ـ يربطها رباط الدم أو الزواج أو التبني، وتشترك في سكن واحد، وتتعاون اقتصادياً. وترتكز الأسرة في العادة على زواج شخصين ـ ذكر وأنثى ـ يتمتعون بعلاقات جنسية يقرها الدين والمجتمع .. ويتوقع أن تشمل الأسرة أطفالاً يتحمل الكبار مسؤولية تربيتهم.
إن النمط التقليدي للأسرة في العادة يضم الزوجين وأطفالهما، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود أنماط أخرى، فالمرأة المطلقة وأطفالها تعتبر أسرة، وكذلك الزوج المطلق وأطفاله، والأرمل أو الأرملة وأطفالهما أيضاً، كما توجد بعض النماذج الأخرى في البلاد الغربية وأمريكا مثل النساء والرجال الذين لم يتزوجوا إطلاقاً إلا أنهم أصبحوا آباء لأطفال غير شرعيين. أو لأطفال بالتبني، وكذلك المنحرفين جنسياً من كلا الجنسين، وكذلك الذين لهم أطفال من زواج سابق يطلق عليهم مسمى أسرة.
ويشير الدكتور الوحش أحمد إلى أن الباحثين (برجس ولوك ) وهما من الباحثين المختصين في مجال الأسرة، استخدما تعريفاً لها يضم العناصر الآتية:
1- تتكون الأسرة من أشخاص مرتبطين برباط الزوجية، أو برباط الدم أو التبني.
2- يعيش أفراد الأسرة عادة مع بعضهم في منزل واحد، وأن حجم البيت وأهله يختلف بحسب تركيب ونوع الأسرة.
3- تتكون الأسرة من أشخاص يتفاعلون ويتصلون ببعضهم بعضاً من خلال أدوارهم الاجتماعية، مثل، زوج وزوجة، أم وأب، ابن وابنة، أخ وأخت، وهذه الأدوار معروفة اجتماعياً ويوافق عليها الأفراد.
4- تشارك الأسرة في الثقافة العامة النابعة من المجتمع الذي توجد فيه. ولكن لكل أسرة إنسانية بعض الخصائص الثقافية الخاصة، والتي تنتج من تفاعل أفراد الأسرة واتصالهم حيث تختلط نماذج سلوكهم المختلفة.
5- إن نماذج الاختلاف هذه قد تتكون نتيجة لخبرات الزوج أو الزوجة السابقة، ما قبل الزواج، كما يمكن أن يحضرها الأطفال من اتصالهم وتفاعلاتهم مع غيرهم (1).
من أسس نجاح العلاقة الزوجية:
يحتاج صرح الزواج إلى بعض الأساسيات الضرورية للمساعدة على نجاحه، ومن الملاحظ أن تلك الأساسيات أو المفاهيم ليست مرتبة حسب أهميتها لكي يبدأ الزوجان بأولها وينتهيا بآخرها، فلكل زوجين خصائصهما وظروف ارتباطهما المختلفة عن الآخرين، فقد تبدأ علاقتهما بالحب أو بالشعور بالانتماء، أو تبدأ بالصداقة والتعاون، فليس المهم من أين نبدأ، لكن المهم أن تشمل العلاقة الزوجية كل تلك المفاهيم.
* الحب:
يتحدث العالم النفسي (أدلر ) عن رابطة الحب ـ كما ورد في كتاب الدكتورة سميحة كرم عن العلاقات الأسرية، فيقول: إنها خليط من القوة والحنان، ((لأن كلاً من الرجل والمرأة يريد أن يحيط كل منهما الآخر بعنايته، وأن يسبغ عليه عطفه وحنانه من جهته، كما أن كلاً منهما يريد أن يركن إلى الآخر ويتلقى منه العطف والرعاية كأنما هو مجرد طفل، وحاجته إلى رعاية الآخرين كأنما هو أب مسؤول )). ويرى علماء النفس بصفة عامة أن على الزوج ألا ينتظر أن يأتي الحب منذ بداية الحياة الزوجية حباً ناضجاً مكتملاً، لأن الجانب الحسي في الحياة الزوجية ـ وخاصة بالنسبة للمرأة ـ هو في حاجة إلى تهيئة طويلة وتربية دقيقة.
* الاحترام:
من المهم أن يحترم كل شريك شخصية الطرف الآخر، ويتقبل عيوبها قبل مزاياها، والتقبل يعني القبول والتفهم بأن صفات قرينه قد يكون جزء منها وليد الظروف والبيئة، لذا يجب ألا نحاول أن نعيب على الطرف الآخر تلك العيوب ونتذمر منها، ونحاول أن نغيرها بالقوة. فبعض هذه العيوب قد يذوب تلقائياً عندما يشعر الطرف الذي يحملها أن شريكه يقبلها فقط من أجله، رغم أنها قد تكون صفات غير مرغوب فيها، وبعضها الآخر قد يظل على ما هو عليه، إذن فما جدوى الانتقاد الدائم والنزاع المستمر بشأنها؟ إن ذلك لن يخلق إلا مزيداً من المصاعب والمتاعب.
ونعني أيضاً بالاحترام تقدير القرين لآراء الطرف الآخر حتى ولو كانت لا تساير رغباته الشخصية، وهنا يظهر مبدأ التقارب الفكري، لأنه لا بد من التقابل في المنتصف . . إن ذلك يعني ويؤكد احترام كل منهما لآراء الآخر. والاحترام يشمل احترام كيان الشخص في وجوده أو غيابه، لأنه لا يصح أبداً أن نذم أو نشكو الشريك لآخرين في حالة عدم وجوده. . إن ذلك يهدم صرح الشريك في داخل الفرد قبل أن يهدم في عيون الآخرين.
* الانتماء:
إن الشعور بالانتماء إلى الكيان الأسري من المفاهيم الأساس في العلاقة الزوجية، فالزواج ليس مجرد علاقة رسمية فقط تمت بموجب عقد الزواج، أو مجرد علاقة جسدية أباحها العقد ذاته، أو هو مجرد معيشة فردين معاً ألزمها الزواج، إن الزواج أسمى من ذلك بكثير، إنه يعني أن هناك شخصين قد ارتضيا أن يكملا مسيرة حياتهما معاً، يتقاسمان مرها قبل حلوها، وكل منهما يشعر بآلام الآخر كأنها آلامه، ويرقص قلبه فرحاً بأفراح شريكه، وكل نجاح أو تحقيق هدف يسجل لصالح الكيان الأسري وليس لصالح فرد معين. إن الفتاة تترك أسرتها الكبيرة وتذهب لتكوّن أسرتها الصغيرة، ويصبح انتماؤها الأكبر لأسرتها الصغيرة.
* التعاون:
إن التعاون من السمات الأساس التي يجب أن يتحلى بها الزوجان، فكل منهما لا بد أن يكون السند للطرف الآخر . . وقد يكون من المفيد أن نشير لبعض الصور السلبية التي قد نشاهدها أحياناً في بعض الأسر، حيث يقف أحد الطرفين في طريق نجاح الطرف الآخر، ويتفنن في وضع العراقيل أمامه، وكأن نجاح الشريك يحط من قدره هو. وفي الطرف المقابل نرى صوراً جميلة للتعاون بين الزوجين، فكل منهما يعاون الآخر ليدفعه قدماً للأمام، وليس هناك مانع من أن يتنازل أحد الطرفين قليلاً عن أهدافه إذا كانت ستعوق تحقيق أهداف الطرف الآخر، لأن كل تقدم يصيب أي شريك هو في النهاية لصالح الأسرة التي تضمهما معاً، لذا فإن القول: بأن ((وراء كل رجل عظيم امرأة )) هو قول على قدر كبير من الصواب والصدق.
* الصداقة:
لعل الصداقة هي الكلمة التي تشمل كل الصفات السابقة المتعلقة بالمفاهيم الأساس في العلاقة الزوجية، فالصداقة تعني المحبة الحقيقية، وتعني الاحترام المتبادل القائم على التفاهم، والانتماء الذي يعني الالتزام الأدبي والمعنوي تجاه الطرف الآخر. إن من أجمل التعبيرات التي تسمعها من أحد الزوجين أنه بالإضافة إلى علاقتهما الزوجية فإنهما قد يصبحا صديقين . . فالزوج قد لا يستطيع أن يبوح بكل مكنونات قلبه لزوجته ولكنه قد يقولها إذا شعر أن زوجته صديقته، بمعنى أن بإمكانها أن تفهم وتقدر دوافع سلوكه، ولن تسيء فهم كلماته (1).
يعتبر الزواج أو الأسرة جماعة تتميز إلى حد كبير بما تتميز به الجماعات الأولية والاجتماعية من خصائص. وعلى الرغم من ذلك فهناك بعض الخصائص التي تتميز بها مثل هذه الجماعات توفر قدراً أكبر من الاعتماد المتبادل الذي يؤدي إلى زيادة التفاعل بصورة أكبر مما يحدث في كثير من الجماعات الأخرى.
ويؤدي تشابك الأدوار التي تتضمنها جماعة الأسرة إلى أن تصبح كثير من التصرفات والأفعال التي تصدر عن الأعضاء ذات آثار عميقة في الأعضاء الآخرين. فهناك علاقات ودية متوازنة بين كثير من أعضاء الأسرة كالعلاقات بين الأبوين، وبينهما وبين الأطفال . . مثل هذه العوامل تتفاعل مع غيرها وتميل إلى زيادة كثافتها.
وعندما تكون للمعتقدات والتوقعات الخاصة بالعلاقات والروابط الأسرية صفة الاستقرار النسبي لفترة ملائمة من الزمن وفي مواقف مختلفة متعددة، تستطيع الأسرة أن تمارس وظائفها، ويتحرر الأفراد في الجماعة الأسرية نسبياً من التوترات، ويشكل الأفراد الذين يشتركون في عملية التفاعل وحدة وظيفية متكاملة.
ومن ثم عندما تتوفر جميع هذه الشروط، يكون للأسرة تنظيم معين، أي يتم التعاون في عملية بناء اتجاهات منظمة يوافق عليها الأعضاء. هذه المجموعة من الاتجاهات المتبادلة المشتركة أو التوقعات تكوِّن ما نطلق عليه تنظيم أو بناء الأسرة، أو شبكة علاقات المراكز والأدوار والأهداف المشتركة والقيم التي يقوم عليها نسق العلاقات الأسرية، وعندما يشترك أعضاء الأسرة في نفس التوقعات والأهداف، ويستطيعون العمل والتوافق معها، يستطيع أعضاء الأسرة بصفة عامة إشباع حاجاتهم اليومية.
وعلى الرغم من ذلك فقد يحدث أحياناً أن تظهر صعوبات تعوق التفاهم أو القيام بالأدوار، سواء من داخل جماعة الأسرة أو من خارجها، وفي مثل هذه المواقف قد ينشأ صراع مؤقت بين توقعات أعضاء الأسرة المختلفين. وإذا ما اتخذ هذا الصراع صفة الاستمرار فقد يؤثر في وحدة الأسرة برمتها.
وكذلك يمكن أن تؤدي التغيرات الاجتماعية التي تطرأ على المجتمع الذي تعتبر الأسرة جزءاً منه إلى تغير في بناء الأسرة. وعلى سبيل المثال، فقد يؤدي عدم توفر فرص العمالة إلى بطالة رب الأسرة، ولا يغير ذلك من دور الأب الاقتصادي في الأسرة فقط بل ويؤثر في اتجاهات وتوقعات أعضاء الأسرة في علاقتهم المتبادلة بين بعضهم بعضاً، وكذلك يؤثر بدرجات مختلفة في شبكة العلاقات الأسرية بأكملها، وفي علاقاتها بالتالي مع المجتمع الخارجي.
وفي الحياة الزوجية، قد يتدخل عدد من العوامل التي تؤدي إلى استقرار الحياة الأسرية والنجاح في الزواج، وقد تؤثر هذه العوامل بطريقة تؤثر هذه العوامل بطريقة عكسية فينتج عنها الفشل واضطراب الحياة الزوجية . فتشابه الخلفية الثقافية أو اختلافها التي يحملها كل من الزوج أو الزوجة وينقلها إلى الحياة الزوجية قد تؤدي إلى التوافق والتجانس أو تنتهي إلى الصراع والخلافات. وكذلك يمكن أن يؤدي نمو الميول والقيم إلى تقوية الروابط والوحدة من خلال الاهتمامات المشتركة وإشباع الميول، أو قد تتجه نحو الاختلافات والصراع. كما أن أنواع النشاط الأسري وما تتضمنه من الأعمال المنزلية، وتربية الأطفال، والهوايات الأسرية، وحالات المرض، والأصدقاء، يمكن أن يشترك فيها الزوجان، أو قد يهرب أحد الزوجين إلى أنواع من النشاط خارج دائرة الأسرة، كما يحدث في بعض الزيجات.
وقد أظهرت إحدى الدراسات أهمية التقبل الاجتماعي الذي يبديه الآخر، كالأصهار والأقارب والأصدقاء، في مساعدة الزوجين على التوافق خاصة في بداية تكيفهم مع الموقف الجديد. ومع ذلك فإن ديناميات الحياة الزوجية تعتبر أكثر من مجرد نمو الروابط الودية، فالزواج يعني المشاركة في اتخاذ القرارات وتكامل وجهات النظر.
وفي مثل هذه العملية لا يعني الزواج قيام الأفراد باتخاذ قرارات مستقلة، ولكن الزوجين يفكران ويقرران معاً، فإذا اتخذت قرارات مشتركة حول موضوعات، كالميزانية والإنفاق أو تربية الأطفال، فإنها تؤدي إلى تكامل الحياة الزوجية، أما إذا تمت القرارات بطريقة (أوتوقراطية ) أو فردية فإنها تضعف الزواج.
أما في حالة توافق الزوجين واحترام وجهات النظر المختلفة وتحقيق المشاركة المتبادلة، فيمكن أن يقوى الزواج بدرجة كبيرة . . ويستمر التوافق والتكيف باعتباره عملية دينامية مستمرة. . ويساد التكيف الزواجي كلا من الزوج والزوجة على مواجهة المواقف الزوجية وعلاج التغيرات التي تطرأ على المواقف الاجتماعية والتي تعرقل وتؤثر في أدوارهما كزوج وزوجة . . وإلى جانب ذلك هناك جوانب أخرى من أهمها التصميم على نجاح الزواج والإيمان بقيمته(1).
وتشير سناء الخولي في كتابها (1983م) إلى أن من النادر أن تكون حياة الأسرة والزواج كاملة Perfect طوال دورة حياتهما، لأن كثيراً من الأحداث التي تتعرض لها الأسرة تؤدي إلى حدوث أزمات، حيث إن الأسرة التي تقابلها المشكلات هي، غالباً تلك الأسرة التي ليس لها الإمكانات الملائمة لمواجهة الأحداث.
ويقسم الدكتور محمد الجوهري في كتابه (1979م) الأزمات الأسرية إلى الأقسام التالية:
1- الأسرة التي تشكل ما يطلق عليه (البناء الفارغ )، وهنا نجد الزوجين يعيشان معاً ولكنها لا يتواصلان إلا في أضيق الحدود، ويصعب على كل منهما منح الآخر دعماً عاطفياً.
2- الأزمات الأسرية التي ينتج عنها الانفصال الإرادي لأحد الزوجين، وقد يتخذ ذلك شكل الانفصال أو الطلاق أو الهجر.
3- الأزمات الأسرية الناتجة عن أحداث خارجية، كما هي الحال في حالات التغيب الدائم غير الإرادي لأحد الزوجين، بسبب الترمل أو السجن، أو الكوارث الطبيعية كالفضائيات أو الحرب.
4- الكوارث الداخلية التي تؤدي إلى إخفاق غير متعمد في أداء الأدوار، كما هو الحال بالنسبة للأمراض العقلية أو الفسيولوجية، ويدخل في ذلك التخلف العقلي لأحد الأطفال، أو الأمراض المستعصية التي قد تصيب أحد الزوجين.
أما هيل Hill فقد صنف الأزمات الأسرية في كتابه إلى ثلاث فئات هي:
1- التمزق أو فقدان أحد أفراد الأسرة Dismembermen ، ويعني (هيل ) بالتمزق فقدان أحد أعضاء الأسرة نتيجة موته في الحرب، أو دخول أحد الزوجين المستشفى، أو موت أحد الوالدين.
2- التكاثر أو الإضافة accession والمقصود بالتكاثر ضم عضو جديد للأسرة دون استعداد مسبق، مثل تبني طفل، أو زوج أم، أو حضور أحد الأجداد للإقامة مع الأسرة، أو المربية، كما في مجتمعات الخليج العربي حالياً.
3- الانهيار الخلقي: Demoralization ويشير إلى فقدان الأسرة والأخلاقية، ويقصد بها (هيل ) فقدان العائل أو الخيانة الزوجية أو إدمان الخمور والمخدرات. وهذه يمكن أن تؤدي إلى نتائج عديدة من التفكك الأسري، مثل: الطلاق، والانتحار، الهجر.
ومن أسباب النزاعات الأسرية أيضاً:
1- عدم فهم كل من الزوجين لنفسية وطباع الآخر، حيث كثيراً من نجد كلاً من الزوجين يتمسك برأيه دون مراعاة لرأي الآخر.
لذا فعلى الرجل أن يناقض أفراد أسرته في أمور الأسرة، ويكون معتدلاً في قراراته بحيث لا يظلم، لأن المرأة عادة تتغلب عليها العاطفة أكثر من العقل ي اتخاذ القرارات.
2- تظهر الأزمات في بعض الأسر بسبب عمل المرأة، وكيفية صرف ميزانية الأسرة، وهل الإنفاق مسؤولية الرجل أم أنه يجب على المرأة مشاركته؟ وقد يكون لهذا العامل في بعض الأحيان تأثير على العلاقات الأسرية. فقدرة الشخص على مزاولة عمل الأعمال ترتبط بالراحة النفسية التي يتمتع بها في أسرته، كما أن قدرته على مزاولة نوع من الأعمال ومدى مطابقته له يؤثر في حالته النفسية داخل الأسرة.
3- ومن أهم أسباب الأزمات والمشكلات في الأسرة الحديثة مدى اهتمام الأسرة بالأبناء، ومثال ذلك أنه في المجتمعات الخليجية الحديثة نجد عدداً كبيراً من الوالدين قد تركوا الطفل للخدم، حيث أصبح كالدمية تحضره لنا الخادمة لكي نلعب معه مدة وجيزة ثم تأخذه بعد ذلك لنراه في اليوم التالي.
4- من أسباب الأزمات الأسرية أيضاً، الزواج الذي ينشأ عن الطمع والكسب المادي أو المعنوي، فعندما لا يستطيع أحد الطرفين تحقيق هذه المكاسب تقع المشكلات بينهما.
5- وقد ترجع الأزمات الأسرية إلى إفرازات الحضارة الحديثة على أسرنا الإسلامية، مثل إطلاق العنان للمرأة وتركها تتحرك بحرية لا حدود لها، لتذهب إلى حيث تريد ومتى تريد، وبالتالي قد لا تعرف الشيء الكثير عن الأسرة، مما يدفع الزوج ((الشرقي )) إلى الحد من تلك الحرية فينشأ عن ذلك خلافات زوجية.
6- إن كثيراً من المشكلات والأزمات الأسرية قد يرجع أصلها إلى عدم نضوج عقلية الزوج أو الزوجة بالدرجة الكافية لمواجهة أمور الحياة. ويمكن إرجاع ذلك إلى الزواج المبكر في بعض الأحيان.
7- العاهات الجسمية، قد يكون لها تأثيرها على العلاقات الزوجية، فقد تؤدي إلى زيادة حاجة الفرد إلى الاعتماد على الأسرة اعتماداً كبيراً في قضاء شؤونه، الأمر الذي يسبب له الضيق وبالتالي سرعة الاستشارة. وقد يؤثر عجز الأسرة عن إشباع حاجات ذي العاهة إلى نشأة بعض الأزمات الأسرية (1).
ويعتبر التفكك الأسري أحد الموضوعات المهمة التي يجب أن يلم بها الدارس للأسرة . . وهناك عدة مفاهيم متداخلة ولكنها بمعان متشابهة، مثل التفكك الأسري، الانحلال الأسري، المشكلات الأسرية، ولن ندخل في جدل فلسفي حول الاختلاف بين كل من هذه المفاهيم، حيث إنها تلتقي جميعاً في وصف الأسرة بأنها: غير قادرة أو غير محققة لوظائفها المتوقعة منها.
فيعرف الدكتور أحمد زكي بدوي في كتابه (معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية ) التفكك (الانحلال ) بأنه: اتجاه التفاعل بين الوحدات التي تتكون منها الأسرة ضد مستويات الاجتماعية المقبولة، بحيث يحول ذلك بين الأسرة وبين تحقيق وظائفها والتي لا بد لها من القيام بها لتوفير الاستقرار والتكامل بين أفرادها.
بينما يعرفه (عاطف غيث ) في كتابه ((المشاكل الاجتماعية السلوك الانحراف )) بأنه:
(( أي وهن أو سوء تكيف وتوافق، أو انحلال يصيب الروابط التي تربط الجماعة الأسرية كلاً مع الآخر، ولا يقتصر وهن هذه الروابط على ما يصيب العلاقة بين الرجل والمرأة، قد يشتمل أيضاً علاقات الوالدين بأبنائهما )).
ويعرفه (كل النحاس ) وآخرون بأنه : ((حالة الاختلال الداخلي أو الخارجي التي تترتب على حاجة غير شديدة عند الفرد عضو الأسرة، أو مجموعة الأفراد، بحيث يترتب عليها نمط سلوكي أو مجموعة أنماط سلوكية يعبر عنها الفرد أو مجموعة الأفراد المتعاملين معه بكيفية تتنافى مع الأهداف المجتمعية )).
وتشير Beck إلى أن التفكك الأسري يمر في العادة بعدة مراحل يمكن تلخيصها على النحو التالي :
1- مرحلة الكمون:
وهي فترة قترة محددة وربما تكون قصيرة جداً بشكل يجعلها غير ملحوظة، والخلافات فيها سواء كانت صغيرة أو كبيرة لا يتم مناقشتها أو التعامل معها بواقعية.
2- مرحلة الاستثارة:
وفيها يشعر أحد الزوجين أو كلاهما بنوع من الارتباك، وبأنه مهدد وغير قانع بالإشباع الذي يحصل عليه.
3- مرحلة الاصطدام:
وفيها يحدث الاصطدام أو الانفجار نتيجة الانفعالات المترسبة، وتظهر الانفعالات المكبوتة لمدة طويلة.
4- مرحلة انتشار النزاع:
إذا زاد التحدي والصراع والرغبة في الانتقام فإن الأمور تزداد حدة، ويؤدي ذلك لزيادة العداء والخصومة بين الزوجين، والنقد المتبادل بينهما، ويكون هدف كل طرف هو الانتصار على الطرف الآخر دون محاولة الوصول إلى التسوية، وينظر كل منهما إلى نفسه على أنه الإنسان المتكامل على حساب الطرف الآخر، ويزداد السلوك السلبي . . وإذا كان النزاع في البداية يتعلق بناحية معينة فإنه سرعان ما ينتشر ليغطي النواحي الأخرى المتعددة.
5- مرحلة البحث عن حلفاء:
إذا لم يستطع الزوجان حل المشكلة بمفردها فإنهما يبحثان عمن يساعدهما في تحقيق ذلك من الأهل والأقارب والأصدقاء، وإذا استمر النزاع لفترة طويلة فإن القيم والمعايير التي تحكم بناء الأسرة تصبح مهددة، وهنا قد يلجأ أحد الطرفين أو كلاهما للحصول على الإشباع من خلال المصادر الأخرى البديلة، مثل التركيز على الاهتمام بالأطفال، أو المشاركة في الأنشطة الاجتماعية، والتركيز على النجاح في العمل على حساب الإشباع الذي يتحقق داخل الأسرة.
6- مرحلة إنهاء الزواج:
وعندما يكون لدى الزوجين على الأقل الدافعية والرغبة لتحمل مسؤولية القرار المتعلق بالانفصال، تبدأ إجراءات الانفصال، والتي تعني عدم التفكير في العودة مرة أخرى للحياة الزوجية، وهنا قد يوكل أحد الطرفين أو كليهما محامياً لذلك ويلجأ للقضاء(1).
إن مصطلح ((تفكك الأسرة )) يشير إلى انهيار الوحدة الأسرية وانحلال بناء الأدوار الاجتماعية المرتبطة بها، عند ما يفشل عضو أو أكثر في القيام بالتزاماته ودوره بصورة مرضية.
وقد صنف وليام w.Gooke في كتابه الأشكال الرئيسة لتفكك الأسرة، كما يلي:
1- انحلال الأسرة تحت تأثير الرحيل الإرادي لأحد الزوجين عن طريق: الانفصال، أو الطلاق، أو الهجرة، وفي بعض الأحيان قد يستخدم أحد الزوجين حجة الانشغال الكثير بالعمل ليبقى بعيداً عن المنزل وبالتالي عن شريكه لأطول فترة ممكنة.
2- التغيرات في تعريف الدور، التي تنتج عن التأثر المختلف بالمتغيرات الثقافية، وهذه قد تؤثر في مدى ونوعية العلاقات بين الزوج والزوجة، غلا أن الصورة أو النتيجة الأكثر وضوحاً تكون في صراع الآباء مع أبنائهم الذين يكونون في سن الشباب.
3- أسرة (القوقعة الفارغة ) وفيها يعيش الأفراد تحت سقف واحد، ولكن تكون علاقاتهم في الحد الأدنى، وكذلك اتصالاتهم ببعضهم، ويفشلون في علاقاتهم معاً وخاصة من حيث الالتزام بتبادل العواطف بينهم. ويمكن أن تحل الأزمة العائلية بسبب أحداث خارجية External ، وذلك مثل الغياب الاضطراري المؤقت أو الدائم لأحد الزوجين بسبب الموت أو دخول السجن أو أية كوارث أخرى مثل الحرب أو الفيضان. . إلخ.
4- الكوارث الداخلية التي تنتج عن فشل لا إرادي في أداء الدور نتيجة الأمراض النفسية أو العقلية، مثل التخلف العقلي الشديد لأحد أطفال الأسرة، أو الاضطراب العقلي لأحد الأطفال أو لأحد الزوجين، والظروف المرضية الجسمانية المزمنة الخطيرة والتي يكون من الصعب علاجها(1).
وجدير بالذكر أنه لا ينظر لجميع أنماط تفكك الأسرة في أي مجتمع بنفس الدرجة من الأهمية، إلا أن الطلاق يعتبر أهم أشكال التفكك الأسري في جميع المجتمعات بلا استثناء.
والطلاق هو إنهاء العلاقات الزوجية بحكم الشرع والقانون، ويترتب عليه إزالة ملك النكاح . . ونظراً لخطورة هذه الظاهرة في حياة الأسرة والمجتمع، فقد قيدته المجتمعات بقيود شديدة وأباحته في حالات محددة، وهو مع إباحته شرعاً وقانوناً غير أنه أبغض الحلال إلى الله عزوجل، وهو ظاهرة قديمة قدم عهد الإنسانية بالزواج (2).
جاء الإسلام وجعل للطلاق ضوابط ومراحل وفرصة للرجوع والمعاودة، لأن الطلاق في نظر الإسلام أبغض الحلال، يقو الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق ))(1)، ((وما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق ))(2).
ويحدد الإسلام الطلاق بثلاث مرات، كما قال سبحانه وتعالى: (الطلاق مرتان فإمساكُ بمعروف أو تسريحُ بإحسانٍ ) (البقرة: 229).
ففي المرة الأولى يكون رجعياً، بمعنى: يستطيع الرجل أن يراجع زوجته قبل انقضاء عدتها، أما إذا طلقها مرة أخرى، ولم يراجعها بعد مضي العدة فإنها لا تحل إلا بعقد ومهر جديدين. وعلى هذا فالطلاق يرتبط في الشريعة الإسلامية بالتصور الإسلامي للأسرة، حيث الأسرة في تصور الإسلام مؤسسة اجتماعية اقتصادية، والأسرة بمعناها المادي هو الشد والربط، وبمعناها الاجتماعي الرابطة بين الأفراد في المؤسسة الواحدة.
ومما يدل على خطر ظاهرة الطلاق، أن الدين جعله الحل الأخير لإنهاء حالة التوتر العائلي، واعتبره الخاتمة المؤلمة والمصير المحتوم بعد فشل كل جهود الإصلاح.
وتختلف المجتمعات من حيث العوامل الاجتماعية من حيث العوامل الاجتماعية النفسية التي تكمن وراء ظاهرة الطلاق، بحسب اختلاف درجات الثقافة في تلك المجتمعات، ويمكن حصر أهم أسباب الطلاق فيما يلي:
1- الصراعات الزوجية، التي تنجم عن عدم الانسجام النفسي بين الزوجين، تعتبر كما يؤكد علماء النفس من أهم أسباب الطلاق.
2- الجهل بالأمور والثقافة الجنسية.
3- ضعف شخصية المرأة وعدم مشاركتها للزوج مشاركة إيجابية، أو العكس بالنسبة للرجل.
4- انغماس الرجل في السهر والسكر والسفر وأموره الخاصة.
5- عقم أحد الزوجين، أو إصابته بمرض مزمن.
6- اختلاف الزوجين في المستوى الثقافي والاجتماعي، فقد تكون مجموعة الصفات المرغوبة عند الزوجين غير متماثلة مما يودي إلى فك رابطة الزوجية.
7- الخيانة الزوجية والأمور المتعلقة بالشرف.
8- عمل المرأة، في كثير من الأحيان يكون السبب الأساس للطلاق.
9- العوامل المزاجية التي تحدد ردود الفعل الانفعالية والعاطفية للفرد.
10- التفاوت في المستوى العمري بين الزوجين.
11- النظرة إلى الزواج نظرة غير جدية، وعدم تحمل مسؤوليات الزواج، التي تعين على احتمال وبقاء استمرارية الحياة الزوجية.
12- تدخل الأهل في المعيشة بين الزوجين.
13- تعدد الزوجات وسهولة إجراء الطلاق(1).
وقد شهدت مجتمعات الخليج العربي تغيرات سريعة وبنائية شملت كل الأنساق المجتمعية المختلفة، وكان لتلك التغيرات آثار واضحة على الأفراد والجماعات، وخاصة تلك الآثار التي أصابت النسق الأسري من حيث الخصائص والمكونات والوظائف والأدوار.
لقد تعرض المجتمع الخليجي لعملية تحديثية واسعة النطاق بفعل التحضر وتدفق الثروة النفطية، وأدى الازدهار الاقتصادي للأفراد إلى تغير المستوى المعيشي للمواطن الخليجي، وبالتالي أدى إلى سيطرة أنماط سلوكية مستحدثة وغلبة الطابع الاستهلاكي وتغير نوع العمل وأشكاله واختفاء المهن التقليدية، وبروز المهن الحديثة المرتبطة بالعمل الحكومي والعمل بالقطاع الخاص بكل مجالاته وتفرعاته.
كما تأثر المجتمع في الخليج بالمؤثرات الخارجية الوافد والتي أدت إلى تغيير المفاهيم والمعايير التقليدية بأخرى وافدة، وشهد المجتمع الخليجي استخداماً واسعاً لمختلف نماذج التقنيات الحديثة، وأصبحت هذه المنتجات جزءاً لا يتجزأ من حياة الأسرة ومقتنياتها.
وكما تفاعل المجتمع في السابق مع التغيرات التي أحدثتها الثروة النفطية، فإن مجتمع الأسرة الخليجية اليوم تفاعل مع ثروة الاتصالات العالمية باعتبارها جزءاً من حركة كونية تهدف إلى تشكيل عالم جديد يقوم على فلسفة جديدة للنظر إلى العلاقات الإنسانية، كمتطلب من متطلبات التطور في القاعدة التقنية ومفاهيم العلم الطبيعي والإنسان.
إن كل التحولات السريعة والمذهلة دون شك ستكون لها انعكاساتها الإيجابية والسلبية على واقع الأسرة، وستساهم بشكل أو بآخر في تغيير بنيتها واتجاهاتها وتعقد مسؤوليتها.
ولا ينكر أحد ما تقوم به وسائل الاتصال من دور في إضعاف الهوية الثقافية للإنسان الخليجي، لأن المواد التلفزيونية التي تنقلها عشرات الفضائيات العالمية تحتوي على مضامين ثقافية تهدد التماسك الأسري وتضعف العلاقات الأسرية، ومن ثم تهديد استقرار وتماسك الأسرة.
لقد تعرضت دول الخليج العربية إلى تطورات غير مسبوقة، على أثر اكتشاف الثروة النفطية، مما أدى إلى اتساع عملية التحديث، فيما سارت الكثير من الدول العربية على معدلاتها التدريجية والبطيئة في عملية مخططات التنمية . . وسبقت دول الخليج بلداناً عربية كثيرة في هذا الجانب، مما أفضى إلى تغيرات بنائية ومجتمعية عميقة نجمت عنها انعكاسات سلبية على واقع الأسرة الخليجية وزيادة المشكلات التي تعاني منها . . من هنا كان تخصيص هذا الجزء من البحث لظاهرة الطلاق في المجتمع الخليجي، لتتبع خصوصيتها والتعرف على حجمها وأسبابها وخلفياتها.
لقد تأثرت الأسرة الخليجية ولا تزال، بما حولها من متغيرات ومؤثرات . . ومقارنة بالأسرة التقليدية المستقرة والمتماسكة، تواجه الأسرة المعاصرة العديد من الصعوبات والمشكلات التي تنعكس سلباً على تماسكها واستقرارها، ولعل مشكلة الطلاق من أهم المشاكل المهددة للكيان الأسري.
ولقد تصدت المؤسسات الحكومية والجمعيات الأهلية والشخصيات الأكاديمية، في العديد من الدول الخليجية، لدراسة الظاهرة، بهدف التعرف على حجمها ومعدلاتها وانعكاساتها السلبية وأسبابها.
فقد أشارت دراسة عن الطلاق في المجتمع القطري، للدكتورة أمينة الجابر لسنة 1994م، بأن نسبة الطلاق إلى الزواج تراوحت في العقد الأخر ما بين 24 -33% وهي نسبة عالية في مجتمع مستقر اقتصادياً ومترابط أسرياً. وتحاول الدراسة التعرف على أسباب الطلاق في المجتمع القطري، فأرجعتها إلى ثلاثة عوامل أساس:
1- التقاليد الموروثة بما تمثله من عدم الرؤية قبل عقد الزواج، وتدخل الأهل في اختيار الزوج أو الزوجة، وطغيان شخصية الأم على الزوج، وفارق السن الكبير بين الزوجين، وزواج البدل، وتعلق المرأة الزائد بأهلها، ثم إن نظرة الزوج إلى الزوجة نظرة غير صحيحة، فهي نظرة لا ترى فيه إلا مربية لأطفاله وراعية لبيته دون مراعاة لمشاعرها كإنسانة وزوجة.
2- الجهل وعدم الفهم السليم لأحكام الشريعة الخاصة ببناء الأسرة، وما فرضه الله على كل من الزوجين من حقوق نحو الآخر، وما أمر به عند حدوث نشوز أو إعراض أو خلافات بين الزوجين، وما وضعه من قيود على الطلاق بحيث جعله في أضيق الحدود أو عند الضرورة.
3- فساد الأخلاق، والسعي وراء الشهوات، وتبديد الأموال في المحرمات، وسوء التربية، مع انتشار مظاهر الترف الاقتصادي التي تدفع إلى التسابق في شكليات ترهق الزوج مادياً وتدفعه في النهاية إلى الطلاق.
كما استعرضت الدراسة الآثار المترتبة على الطلاق، وهي محاولة نظرية دونت فيها الباحثة الآثار السلبية على كل من المطلقة والمطلق والأبناء، واستعرضت أيضاً تصوراً لوسائل العلاج التي يمكن أن تساهم في تخفيف هذه المشكلة، وترشد الناس إلى مفاهيم يجب أن تسود بينهم حتى لا يصبح الطلاق ظاهرة متفشية مزعجة تهدد المجتمع بمشكلات متنوعة تمتص طاقاته وقدراته، وتؤثر في مسيرته ومستقبله.
وتؤكد الدارسة أن الطلاق من تلك القضايا والمشكلات التي لا يجدي فيها سنّ تشريع للحد من تفاقمها بقدر ما يجدي في علاجها والتغلب على أضرارها التوجيه والإرشاد بأسلوب علمي يخاطب العقل والوجدان، ولا بد من بذل الجهد المتواصل لتصحيح المفاهيم الخاطئة والتقاليد المضرة، وأن يقدم للناس التصور الصحيح الذي جاء به الدين وحض على التمسك به.
وتلخص الدراسة إلى وضع عدد من التوصيات لا بد من مراعاتها للعمل بالتصور المشار إليه سلفاً ووضعه حيز التنفيذ، ومن أهمها:
1- أن تهتم وسائل الإعلام بتخصيص برامج يومية أو أسبوعية توضح الأسس التي تقوم عليها الأسرة في الإسلام، وتبين الآثار السلبية للطلاق.
2- إنشاء مكاتب مختصة بشؤون الأسرة يشرف عليها علماء الدين والاجتماعي والتربية، وتكون مهمتها التدخل لحل المشكلات الزوجية والحيلولة دون وصول الأمر إلى القاضي للطلاق.
3- ضرورة إدخال بعض البرامج النظرية والعملية في مناهج السنوات النهائية في المرحلتين الثانوية والجامعية، تكون مختصة بالأسرة على نحو ينمي المفاهيم الصحيحة ويعد الأبناء لحياة زوجية سعيدة.
4- اتخاذ قرار يضمن للزوجية بقاءها في منزل زوجها، وذلك بوضع أسس لطلاقها وعدم الإسراع فيه من قبل المحكم(1).
ولعل قانون الأحوال الشخصية القطري ـ تحت التجربة ـ يأتي بالحلول الناجحة.
والآن لنتساءل: ماذا يمكن أن يحدث للأطفال عندما تتقوض دعائم الأسرة وتنهار؟
إنه من غير اليسير تقديم إجابة دقيقة على هذا التساؤل في الوقت الحاضر. ومن الجلي أن الأطفال الذين ينشأون في أحضان أسرة سعيدة يتمتعون بصحة نفسية ووجدانية جيدة، هذا في الوقت الذي يفتقد الأطفال الذين يربون في ظل أسرة تفتقر إلى الحنان والانسجام السعادة وذاك الهناء، حتى ولم لم يحدث طلاق بين الأبوين.
وقد ركزت الدراسات التي أجريت على التفكك الأسري بوجه عام على الفروق بين أطفال المطلقين وغيرهم. وقد أخفقت هذه الدراسات في التحقق من أهم المسائل التي كان ينبغي عليها أن تكشف عن أبعادها، ألا وهي مدى التزام أفراد الأسرة بالقيام بأدوارهم تجاه بعضهم بعضاً.
وتؤكد دراسات الطب النفسي على الصعوبات التي يواجهها الأفراد الذين نشأوا في أسر تفتقر إلى الحنان والانسجام، وقد استطاعت بحوث أجريت مؤخراً أن تزيح الغطاء عن الآثار المدمرة على الأسرة عندما يحجز طفل مصاب بتخلف عقلي في البيت وبالذات على الأخت الكبرى . . وعلى نحو مماثل تنشأ آثار ضارة عندما يصاب الأب أو أحد الإخوة بمرض عصبي.
ومن هنا فإنه من غير اليسير الإجابة عن ذلك التساؤل المطروح ما لم تتوفر لدينا البيانات الكافية التي تساعد على ذلك. وتؤكد إحدى الدراسات على أن الحاجة ملحة إلى مزيد من الفئات ذات المغزى بالنسبة لما يتوفر لدينا من بيانات عما يحدث للأطفال عندما ينهار البناء الأسري.
أما العنصر الآخر في هذا الارتباط فإنه يتمثل في تنشئة الأطفال على نحو ملائم، فغياب الأب عن الأسرة سواء كان بالطلاق أو الوفاة يؤدي إلى فقدان النموذج الذي يمكن أن يجتذبه الطفل.
وعلى كل حال، فإنه إذا افترضنا ثبات الوضع الطبقي للأبوين فإن معدلات الجناح ترتفع بين أبناء المطلقين أكثر من غيرهم، وكذلك ترتفع هذه المعدلات بين الأطفال الذين انهار بناؤهم الأسري نتيجة الانفصال أو الطلاق، مثلما يحدث بالنسبة للأطفال اليتامى. وهو ما يمكن التنبؤ به بسبب الدعم والمساندة الاجتماعية وكذلك الاحتمالات المتضائلة في أن الأطفال الذين يفقدون الأب سبب الموت مثلاً يمكن أن يتعاركوا أو يمروا بمرحلة من النزاع أو المشكلات مثل تحديد الهوية أو الولاء.
وقد قام كل من (شلدون واليانور جلو بك ) بربط جناح الأحداث بعدد من أنماط عدم الاستقرار الأسري، فوقع الجناح أكثر احتمالاً بين الأطفال الذين انحدروا من أسر تعرضت للطلاق، كما أن الأطفال الذين ينشأون في أسر مات عائلها تزداد معدلا جناحهم بنسبة (50% ) بالنسبة لغيرهم من الذين ينشأون في أسر مستقرة. ومع ذلك فإن الأطفال الذين ينحدرون من أسر تعرضت لانفصال الأبوين دون حدوث الطلاق يمثلون نسبة عالية من الجناح حيث تبلغ النسبة (1:2) بالقياس إلى الأسر المستقرة (مع استبعاد الوضع الطبقي ).
ويبدوا أن الفشل الذي يصيب أداء أحد الأبوين للدور المنوط به في البيت (في الأسر ) يمثل عاملاً مدمراً على الأطفال أكثر مما يمثله انسحاب أحد الأبوين من العلاقة الزوجية.
وفي دراسة أخرى اتضح أن المراهقين الذين يعانون من مشكلة سوء التكيف الشخصي ينحدرون أساساً من أسر تتعرض لصراعات زوجته ومشاكل لا تنقطع بالقياس إلى نظرائهم الذين ينحدرون من أسر تعرضت للتقويض نتيجة الطلاق أو موت العائل (1).
ويتفق الباحثون في مجال الإرشاد والتوعية الأسرية على ضرورة تعاون جميع المهتمين بالدراسات الأسرية من علماء الاجتماع، وعلماء الدين وعلماء النفس، وعلماء الاقتصاد، ورجال القانون، ورجال السياسة في وضع خطط التوعية الأسرية، وبرامج وقائية تعين الشباب وراغبي الزواج على فهم هذه الحياة الزوجية والعائلية، للتعرف على دور كل عضو بالأسرة، والصعوبات التي تعترض هذه الحياة، والعوامل المؤثرة فيها، وأساليب العلاج الصحيح لذلك.
ويمثل العلاج الأسري خطوة متقدمة مهمة في خدمة الفرد والجماعة.
ويشير محمد خليفة بركات في كتابه ((علم النفس التربوي )) إلى أن برامج التوعية الأسرية يجب أن تشمل ما يلي:
1- التوعية بوظائف الأسرة، وكيفية تنظيم الحياة العائلية من النواحي الاقتصادية، وتدبير شؤون الحياة المنزلية . .. . مثل تخطيط ميزانية الأسرة، والموازنة بين بين مصادر الدخل وبين متطلبات الإنفاق والاستهلاك، بما يحفظ التوازن الاقتصادي للأسرة . . . وكذلك التوعية بشؤون الادخار والاستثمار، وتبادل المصالح، وغير ذلك من المبادئ الاقتصادية.
2- من المهم أن يحاط الآباء والأمهات علماً بالمبادئ القانونية التي ترتبط بالحقوق والواجبات الاجتماعية . . مثل قوانين الأحوال الشخصية، وما يتصل بعقود الزواج والطلاق والنفقة، وكذلك شؤون الميراث، وحقوق أفراد الأسرة في التركات، وأيضاً أنواع الجرائم من جنايات وجنح ومخالفات والعقوبات التي ترتبط ببعض الجرائم، كالسرقة والزنا . . . وبالأخص ما يتعلق بأمور التشرد وانحراف الأحداث وما إلى ذلك.
3- يجب أن تهتم الأسرة بمبادئ التربية الخلقية من حيث الخير والشر، ومن حيث احترام القيم والتقاليد الاجتماعية، والتمسك بالفضائل، والمعايير لاجتماعية السائدة، وتنشئة الأطفال على العادات والصفات الخلقية المرغوبة، والابتعاد عن العادات السيئة كالتدخين وتعاطي المخدرات والخمور وتعود لعب الميسر وتجنب صحبة السوء . . . إلى غير ذلك.
4- ويجب تثقيف الآباء في الأمور الدينية حتى ينشئوا أبناءهم على المبادئ الدينية، والمعتقدات السليمة، ويتكون لديهم الضمير الإنساني عن طريق العبادات، والتمسك بالفضائل الدينية.
5- ويمكن أن يعرف الآباء أهمية التربية الجمالية حتى يشجعوا أبناءهم وبناتهم على حب الفنون وتذوق الجمال، وعلى ممارسة هواياتهم المختلفة المرتبطة بالتربية الفنية.
ولا بد أن يدرك الآباء والأمهات أهمية التربية الثقافية للأبناء، بحيث يشجعونهم على القراءة والاطلاع، وتدريبهم على استخدام اللغة الصحيحة كتابة وتعبيراً .. وترتبط بذلك الثقافة العلمية، بما يساعد على النقد البناء، والأخذ بالأسلوب العلمي في التفكير، بما يساعد على النقد البناء، والأخذ بالأسلوب العلمي في التفكير، وفي محاربة المعتقدات الخاطئة، ومناقشة الأمثال العامية الشائعة.
ومن أهم البرامج توعية الآباء والأمهات ما يرتبط بالنواحي الصحية من حيث الوقاية والتشخيص والعلاج، وأهمية العناية بالتغذية، وتحقيق مبادئ الصحة الجسمية والنفسية(1).
ثانياً: وسائل العلاج والحلول للتوعية الأسرية
إن جميع برامج وخدمات الرعاية الأسرية، تهدف إلى مساعدة الأفراد للتمتع بحياة نفسية واجتماعية راضية، وإعانتهم للاشتراك في حياة الجماعة ومساهمتهم في المجتمع المساهمة الفعالة.
كما تعمل هذه البرامج والخدمات على زيادة قدراتهم الشخصية والأسرية في عمليات التكيف المطلوبة.
ماذا نقصد بعملية العلاج الأسري:
نقصد بالعمليات العلاجية بصفة عامة العمليات التي تقوم بإحداث تغيير في نظام الأسرة حتى يمكنها أن تؤدي وظائفها المختلفة وتحقيق حاجاتها كوحدة متكاملة، ولا بد أن يدخل في هذا التغيير ويتشابك معه تغيرات من جانب أفراد الأسرة، مثل تغيرات في الاتجاهات والمشاعر والسلوك والأدوار وغيرها.
فالفرد يحتاج إلى أن يشعر بأن الأسرة لها ذات مستقلة، كما أنه تحتاج إلى مساندة أفرادها لوحدتها، وأنها تعتمد على أنشطتهم وتعاملهم . . وفي هذا الإطار يجب أن يحدد المعالج أهداف العلاج بكل عناية، ويختبره من وقت إلى آخر. فقد تحتاج الأسرة إلى أمور غير تلك التي يعتقد المتخصص أنها في حاجة إليها، أو غير تلك التي يريدها لها، ويأتي ذلك عن طريق المحادثة الصريحة بينه وبين الأسرة.
ولابد أن يلاحظ المعالج أن العلاج الفعال هو الذي يبدأ مباشرة في تناول الصراعات والصعوبات الفردية التي لها صفة التكرار، لأن كثيراً من مثل هذه الأسر لا تجد العلاج المبكر وتكون نتيجة ذلك أن تواجه مشكلات متراكمة في حياتها المستقبلية.
والمعالج الأسري يحاول إتاحة الفرصة أمام أفراد الأسرة للتفاعل، سواء كان ذلك عن طريق الاتصالات اللفظية أو غير اللفظية، حتى يمكنه أن يتفهم المشكلات والصعوبات، ليتمكن من ثمّ من تعديل اتجاهات هؤلاء الأفراد واستغلال وإطلاق القدرات المعطلة.
وفيما يلي بعض الطرق التي تساعد في حل المشكلات التي تواجه الزوجين وبالتالي تسبب التفكك الأسري.
1- الاهتمام بوضع سياسة للتوعية الأسرية، تشمل الإجراءات التالية:
* تغيير مفاهيم الآباء والأمهات والأسرة بشكل عام حول أسس الاختيار للزوجين، والاتجاه نحو تدعيم فكرة الزواج المتكافئ.
* تغيير المفاهيم المرتبطة بالعلاقات الزوجية، لكي تتوافق مع التغيير الحادث في نمط العلاقة الزوجية التقليدية، والتي يمكن أن تتم من خلال ما يلي:
- توعية الذكور والإناث بأدوارهم الأسرية المستقبلية، ويمكن أن يبدأ ذلك منذ مراحل التعليم الأولى.
- عقد دورات تدريبية وندوات وحلقات نقاش حول الأدوار الأسرية وتباينها بين الزوجين، ومتطلبات تأسيس علاقة زوجية ناجحة(1).
2- دور الزوجين في حل مشكلاتهما:
وهي في نظري من أهم الطرق لتفادي حدوث المشكلة.
قد يبدو للبعض أن الزواج الفاشل ينشأ عن وجود مشكلات حادة تعترض الزوجين في بداية حياتهما الزوجية مما يعتذر معه الاستمرار فيها، فتنتهي بانفصالهما عن بعضهما بواقعة الطلاق.
ولكن الحقيقة أن تعذر الاستمرارية في الحياة الزوجية قد لا يكون بسبب وجود هذه المشكلات الحادة، ولكن بسبب تجمد الزوجين عندها، وتحجر فكر كل منهما بسببها.
ومن هنا يأتي دور الزوجين في حل مشكلاتهما بأنفسهما، حيث يرى ماهر محمود (1988 ) في كتابه ((سيكولوجية- العلاقات الاجتماعية )) أن هناك أسساً لحل المشكلات الزوجية تتمثل في:
- المرونة في التفكير واستخدام المنطق في الحوار، فهما يسهمان في حل أية مشكلات تعترض الحياة الزوجية مهما كانت درجة حدتها أو خطورتها. ومن المهم أن يتيح كل منهما للآخر الفرصة للتعبير عن رأيه بصراحة وموضوعية بلا هجوم ولا تجريح، بحيث تستهدف المناقشة معرفة أسباب الخلاف والتغلب عليه بعيداً عن العناد والتكبر الذي يدفع بعضهما للتمسك والتشبث برأيه حتى ولو كان مخطئاً فيه.
- ضبط النفس وكظم الغيظ والتحكم في الانفعالات بحيث لا يصطدمان مع بعضهما بعضاً في طريق بلا عودة.
- تحمل المسؤولية الكاملة من جانب أي من الطرفين فيما يتعلق بسلوكياته الخاطئة تجاه الطرف الآخر، بحيث لا يتمادى أي منهما في صب غضبه ولومه على غيره، واتهامه بأنه السبب في المشكلات، وتبرئة نفسه منها.
- الترويح عن النفس، فعندما يشعر أحد الزوجين أو كليهما بأن الحياة الزوجية بينهما تمر في مرحلة حرجة وخطرة، بصرف النظر عمن تسبب فيها، يجب أن يبادر كل منهما بتجميد هذه المشكلات على ما هي عليه لفترة مرحلية دون الخوض فيها، ومن ثم يحاول أي منهما أو كلاهما خلال فترة الانتقال هذه أن يبحثا عن وسيلة فعالة ومؤثرة للترويح عن نفسيهما بطريقة جيدة(1).
3- العلاج الديني ودور جمعيات الإصلاح الديني:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ((ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة، قالوا : بلى، قال: إصلاح ذات البين . . وفساد ذات البين هي الحالقة ))(2).
هناك اتجاهات حديثة بين علماء النفس تنادي بأهمية الدين في علاج الأمراض النفسية، وترى أن في الإيمان بالله قوة تمد الإنسان بطاقة روحية، تعينه على تحمل مشاق الحياة، وتجنبه القلق الذي يتعرض له كثير من الناس في العصر الحالي.
* ومن هنا تأتي أهمية الدور الذي يمكن أن تضطلع به جمعيات الإصلاح الديني، فهي تهدف إلى تشجيع أعمال البر والخير وبث الأخلاق الحميدة والتعريف بالإسلام ونشر فضائله وآدابه. وتقوم كذلك بتقديم المساعدات النقدية والعينية للمسلمين، وتوزيع الصدقات والزكاة ورعاية الأيتام والفقراء داخل البلاد وخارجها، كما تقوم ببناء المساجد والمدارس والعيادات ... وكثير من هذه الجمعيات تصدر المجلات والكتب والنشرات الدينية التي تنشر الكلمة الصادقة وتنشر الفكر الواعي وتبصر المسلمين بأمور دينهم ودنياهم.
* وتضطلع هذه الجمعيات أيضاً بمساعدة أفراد الأسرة على مواجهة الصعوبات والمشاكل والأزمات الأسرية المختلفة، وذلك بإقامة الندوات والمحاضرات التي يدعي لها المتخصصون في مجال الأسرة.
بالإضافة لذلك، فإن الإسلام قد وضع مراحل متدرجة لعلاج التفكك الأسري، هي:
- الوعظ:
ومعناه النصح أو العتاب أو التوجيه سواء من الزواج للزوجة، أو من الزوجة للزوج، أو ممن لهم تأثير قوي على الزوج أو الزوجة كالأب أو الأم أو الإخوة، ويجب أن يتضمن الوعظ الكلمات الطيبة وضرب الأمثلة من الأثر الصالح والسنة النبوية الشريفة، واختيار الأسلوب الملائم لذلك.
- الهجر:
ونعني به فراش الزوجة، وهذا الدرجة هدفها إشعار الطرف الآخر برفض المعاشرة كوسيلة للضغط من أجل التغيير وقد حدد الشرع ألا تزيد مدة الهجر عن شهر إلى أربعة أشهر، والهجر لا يعني ترك المنزل وإنما هو وسيلة لمحاولة الإصلاح داخل المنزل وداخل الأسرة وبدون تدخل الآخرين.
- الضرب غير المبرح:
إن لم ترتدع المرأة بالنصح والوعظ ولم يضغط عليها هجر الفراش لتغير من سلوكها، أباح الشارع الحكيم وسيلة الضرب كعقاب مادي هدفه الإيذاء المعنوي وليس الإيذاء البدني.
- التحكيم:
وهنا يتم اختيار حكم من أهل الزوجة وحكم من أهل الزوج، ومن رأي الإمام القرطبي أن الحكمين لا يكونان إلا من أهل الزوج والزوجة، إذ هما أعرف بأحوال الزوجين، ويشترط أن يكونا من أهل العدالة وحسن النظر، فإن لم يوجد من يصلح لذلك فمن غيرهما، وذلك إذا أشكل أمرهما ولم يدر ممن جاءت الإساءة، فأما إذا عرف الظالم فإنه يؤخذ منه الحق ويجبر على إزالة الضرر.
4- دور وسائل الإعلام في التوعية الأسرية:
تلعب وسائل الاتصال المختلفة، سواء المباشرة أو غير المباشرة، من خلال رسائلها الإعلامية، دوراً حيوياً في تنشئة الأسرة التنشئة السليمة التي تضمن استقرارها، وتعمل من خلال شبكة العناصر والمؤثرات الوسيطة، على إحداث التأثير المطلوب بين أفرادها لانتهاج السلوك المقبول حيال أية مشكلات أو نزاعات قد تواجهها، ذلك أنها تضطلع بوظائف مهمة تجاه الجماهير كالتعليم والتثقيف، والتوعية، والإرشاد، والترفيه.
ولقد خلص الباحثون في مجال الإعلام إلى عدة نتائج حول أثر الإعلام وقوته في الإقناع، من أهمها: أن وسائل الإعلام تعزز القيم الاجتماعية وتدعمها، وتصبح في كثير من الأحيان المصدر الرئيس للمعرفة، كما أن المعلومات الواردة من وسائل الإعلام عادة ما تلعب دوراً أساسياً في صنع قرارات الجماهير حيال القضايا المختلفة.
أما فيما يخص الأسرة كجمهور نوعي من جماهير وسائل الإعلام المختلفة، فقد اتفق الباحثون على أن المواقف التي يعتنقها أفراد الأسرة وأصدقاؤهم تحدد بمقدار كبير قبول المعلومات الواردة عبر وسائل الإعلام أو رفضها .. كما يتجلى تأثير وسائل الإعلام بصورة واضحة في تكوين الآراء لديهم حول المواضيع التي لا يعرفون عنها إلا القليل، وبهذا فإن وسائل الإعلام تقل فعاليتها في تغيير الآراء الموجودة فعلاً عند الأفراد.
لقد استنتج عالم الاتصال المشهور ( لاسويل ) أن وسائل الاتصال تقوم بنقل الموروث الاجتماعي ونشره من جيل إلى جيل، والتعرف به، وهو ما عبر عنه بالوظيفة التعليمية لوسائل الاتصال، التي تعني تأهيل الفرد وتنشئته تنشئة مشتقة مع أهداف المجتمع ومثله وقيمه. ولما كانت التنشئة الاجتماعية تعلم الالتزام بأساليب الجماعة، فهي عملية مستمرة مدى الحياة، يكتسب المرء من خلالها المعايير والقيم والسلوكيات المقبولة اجتماعياً، ويمارسها بدوره. وفي المجتمع الحديث تقوم وسائل الإعلام بعملية التنشئة الاجتماعية بصورة موازية ومكملة لما تقوم به المؤسسات الأخرى (التعليمية والعائلية والثقافية ) إن لم تتفوق عليها، خاصة في عالم متغير كعالمنا تكثر فيه الأحداث وتتسارع بطريقة غير مسبوقة.
ومما يزيد من فعالية وسائل الإعلام في التنشئة الاجتماعية الوقت المتزايد الذي يكرسه المرء لها، فالذهاب إلى المدرسة مثلاً قد يتوقف بعد سنين عديدة، ولكن التعرض لوسائل الإعلام يكون مدى الحياة. لذلك فإن وسائل الإعلام من خلال التزامها بقضايا المجتمع والإنسان توفر رصيداً مشتركاً من المعرفة الاجتماعية يتأثر به كل أفراد المجتمع . . ومن البديهي القول: إن ذلك الرصيد المشترك يمكن الأفراد من القيام بأدوارهم بفاعلية، ويتيح لهم المشاركة الإيجابية في الحياة العامة وشؤونها.
ويؤكد هذا الاستعراض لبعض خصائص وسائل الاتصال الإعلام، الحاجة لاستخدام هذه الوسائل الاستخدام الأمثل في الإرشاد الأسري، وذلك يتطلب إعداداً مدروساً للرسائل الإعلامية التي تبث للجمهور، من حيث شكلها ومضمونها . . كما يتطلب اختيار وسيلة الاتصال المناسبة التي يمكن بها إحداث التأثير المطلوب في الجمهور المستهدف، واختيار الأوقات المفضلة للجمهور، بوصف ذلك عملاً مهماً في التعرض الاختياري للرسائل الإعلامية . . كذلك التنوع والتوسع في الرسائل الإعلامية فيما يخص تنمية معارف الجمهور، وعرض القضايا الجدلية، ومحاولة مساعدة الجمهور في صنع القرار والاستنتاج، وتقديم الحجج الخاصة بالمواضيع المختلفة للإرشاد، وتوضيح خطورة عدم التقيد بما تحمله الرسائل الإعلامية من تعليمات ومعلومات، فضلاً عن المصداقية والدقة اللتين هما أساس ثقة المتلقي بوسيلة الاتصال(1).
5- دور المؤسسات الحكومية والأهلية في التوعية الأسرية:
فيما يلي بعض النماذج لمؤسسات حكومية أو أهلية تقدم وتشارك في حل المشكلات الأسرية، ويختلف حجم هذه المؤسسات وأهدافها طبقاً لإمكانياتها واحتياج المجتمع لمثل هذا التخصص:
أ - مراكز التنمية الاجتماعية Social Development
تقوم المراكز التنموية بتقدم الخدمات الإرشادية للأسر، ورفع مستوى التربية الاجتماعية، العمل على استقرار الحياة الأسرية، وإرساء دعائم الأسرة على أسس وقيم دينية وأخلاقية ووطنية، باعتبار تلك القيم من العلامات المهمة في هذا الاستقرار.
ومن برامج مراكز التنمية الاجتماعية ووسائلها في تحقيق أهدافها ما يلي:
- المحاضرات والندوات، التي تتولى التوعية الاجتماعية والثقافة والصحية للمرأة والرجل على السواء.
- تنظيم دورات تدريبية للنساء، ككيفية التعامل مع المشاكل الأسرية، وعن كيفية تربية الأبناء(1).
بالإضافة إلى الاستعانة بالجمعيات الأهلية والتطوعية في إقامة المحاضرات والندوات والدورات التدريبية للعلاقات الأسرية. ويمكن تأسيس تخصصات في الجامعة تقوم بتدريب أخصائيين في مجلا العلاقات الأسرية، يكونون هم القائمين فيما بعد على إدارة وحل مشكلة الزواج(2).
ب - مكاتب التوجيه والاستشارات الأسرية:
تتلخص أهداف هذه المكاتب في: علاج المشاكل التي تتعرض لها الأسرة، وتقضي أسبابها، وتهيئة الجو العائلي السليم الذي يكفل للأسرة نشأة اجتماعية سليمة صالحة، وتوجيه الأسرة نحو مصادر الخدمات الاجتماعية المختلفة في المجتمع المحلي للانتفاع بها، ومعاونة قضاة الأحوال الشخصية في بحث العوامل المسببة للمنازعات الزوجية والعائلية، بالإضافة إلى القيام بالبحوث والدراسات المتصلة بالأسرة والتي تساعد على تحديد الإطار العام للخدمات اللازمة لها. وتعمل هذه المكاتب على تحقيق أهدافها بأسلوبين:
الأول: الأسلوب العلاجي:
وذلك بدارسة الحالات التي تعرض عليها وبحث أسبابها، وتشخيصها تشخيصاً دقيقاً، والعمل على علاجها، واتخاذ الحلول اللازمة لتقديم الخدمات اللازمة التي تساعد على زوال أسباب المشكلة.
الثاني: الأسلوب الوقائي:
وذلك بالتوعية الاجتماعية والأسرية، والاستعانة بوسائل الإعلام المختلفة، وإجراء البحوث والدراسات، وعقد الندوات والمؤتمرات بهدف زيادة الوعي الأسري في المجتمع وتفادي المشاكل والمنازعات قبل وقوعها(1).
وهناك عدة طرق تقدمها المراكز كوسائل للعلاج من بينها:
* الجلسات الأسرية: وفيها إما أن تكون:
- الاستشارة جماعية (في جو هادئ وخصوصي )،
- أو استشارة جماعية (جماعة الدعم الاجتماعي، جماعة المجهولين ).
* البرامج والدورات التدريبية (الثقة بالنفس، مهارات الاتصال، تطبيقات أسرية، السعادة الزوجية التربية الإيجابية للأولاد، إدارة الضغوط ).
* الإصدارات المرئية والسمعية، الخاصة بالاستشاريين المحليين والعالميين(1). وهناك أساليب علاجية حديثة تطبق الآن من أجل حل المشكلات الزوجية قبل أن تتفاقم، منها العلاج الزواج المرتبط بالمواقف، والعلاج الزواج السلوكي، والعلاج الزواج الذي يركز على العواطف، وهو أحدث أساليب العلاج حالياً. وكلها أساليب تطبق تحت إشراف أخصائي المشكلات الزوجية الذي يجب أن تتوفر لديه الخبرة العلمية المرتبطة بالإرشاد الاجتماعي والنفسي والسلوكي.
- ويقوم العلاج الزواج المرتبط بالموقف، على إعادة تمثيل الموقف محل الخلاف بين الزوجين، الذي يعتبر مجالاً للتنفيس عن المشاعر السلبية بين الزوجين، حتى يعود الهدوء لحياتهما من جديد.
- أما المنهج السلوكي فيقوم على خلق مواقف التفاعل بين الزوجين، ويستهدف إيجاد التواصل الجيد بينهما، أولاً، وتغيير أساليبهم أو سلوكياتهم في مواجهة المواقف، ثانياً، وذلك من خلال تدريبهم على التعبير عن مشاعرهم، واكتساب القدرة على الاستماع أو الإنصات للطرف الآخر.
- أما الأسلوب الذي يعالج المشكلات الزوجية بالتركيز على العواطف، فيقوم على مساعدة الزوجين على إدراك مشكلاتهم ومشاعرهم الخفية التي يزيد كبتها من حدة الصراع بينهما أو يؤدي إلى التفاعل السلبي بينهما، وبالتالي فإن المنهج يركز على تدعيم:
- العلاقة الإيجابية
- تفادي مناطق الاختلاف.
- إظهار المشاعر الخفية في موقف تفاعلي هادئ.
- تدعيم الثقة بين الزوجين.
العلاقة بين مفهوم الذات وأساليب المعاملة الزوجية:
أجرى الدكتور محمد محمد بيومي، أستاذ النفسية بجامعة الزقازيق، دراسة ميدانية لتحديد العلاقة بين مفهوم الذات، وأساليب المعاملة الزوجية، وعلاقتهما بالتوافق الزواج، وذلك بهدف:
- الخروج ببعض التوصيات والتطبيقات النفسية والتربوية الإرشادية المتعلقة بالإرشاد الزواج وخدماته، بقصد مساعدة الزوجين على تحقيق أقصى قدر من التوافق الزواج.
ومن ضوء ما كشفت عنه الدراسة من نتائج، تتضح أهمية الحاجة إلى الإرشاد الزواج لطرفي العلاقة الزوجية، والقائمين على تربية النشء والشباب. ويمكن في ضوء هذه النتائج اقتراح الخدمات الإرشادية والتطبيقات التربوية التالية:
أولاً: في مجال التربية الزوجية والأسرية:
(أ) بالنسبة للآباء:
- تقديم نموذج طيب لأساليب المعاملة الزوجية يرغب الأبناء في الزواج، وفي اتباع هذه الأساليب السوية في قابل حياتهم الزوجية. فالبنت التي ترى أمها تحترم أباها لا شك أنها ستحترم زوجها في المستقبل والعكس صحيح . . وهذا بالنسبة للابن تماماً، فالابن الذي يجد أباه يحترم أمه ويقدس الحياة الزوجية، لا شك أنه سوف يقدسها ويتكون لديه اتجاه موجب نحوها.
- اتباع أساليب معاملة والديه سوية مع الأبناء، فلا شك أن اتباع مثل هذه الأساليب سوف يساعد على تكوين شخصيات ناضجة عاطفياً ووجدانياً، لديها مفهوم موجب عن ذاتها، مما ينعكس على اتباعها لهذه الأساليب السوية في تعاملها الزواج، وعلى العكس فإن اتباع أساليب معاملة غير سوية مع الأبناء سوف يكوّن شخصيات قلقة مضطربة تفتقر للنضج العاطفي والانفعالي، لدينها مفهوم وسالب عن ذاتها، مما ينعكس على أساليب معاملتها الزوجية مستقبلاً.
- تقديم المعارف والمعلومات الصحيحة والمبسطة عن الحياة الجنسية والزوجية للأبناء بشكل مبسط ومقبول.
- عدم إرغام الأبناء على اختيار شريكة حياة لا يرغبون في الزواج منه، والاكتفاء بالنصح والمشورة.
- عدم المغالاة في المهور عند زواج البنات، ومراعاة الكفاءة والتكافؤ ومستقبل شريك أو شريكة الحياة.
- البعد عن التدخل السافر في حياة الأبناء بعد زواجهم، وتركهم يعيشون هذه الحياة كما يرغبون، مع التدخل بالنصح والإرشاد والصلح عندما تقتضي الظروف ذلك وبرغبة الأبناء.
(ب) بالنسبة للمؤسسات التعليمية والتربوية:
- الاهتمام بالتربية الزوجية ووضعها ضمن مقررات الصفوف النهائية بالنسبة لطلاب المدارس الثانوية الفنية، ولطلاب النهائية بالجامعة.
- الاهتمام بالتربية الجنسية والعاطفية، وتقديم المعلومات الصحيحة عنها من خلال مقررات الأحياء ولم النفس وعلم الاجتماع.
- التركيز في التربية الدينية في المرحلة الثانوية على النكاح وأحكامه وما يتعلق به من خطبة وصداق، وعقد، ونفقة . . إلخ.
- التركيز في علم الاجتماع على الأسرة، وتكوينها، وأهميتها، والأسباب التي تساعد على تكوين أسرة ناجحة:
(ج) بالنسبة للعاملين بمراكز الأمومة والطفولة ووزارة الصحة:
- الاهتمام بمكاتب فحص الراغبين في الزواج لتقوم بتقديم خدماتها الطبية والإرشادية للراغبين في الزواج من حيث الأمراض الوراثية والتناسلية والعقم وخلافة تجنباً لمشكلات تهدد مستقبل الحياة الزوجية مستقبلاً.
- توسيع نطاق هذه الخدمات بإنشاء مكاتب للعلاقات الزوجية والإرشاد الزواج، وحل المشكلات بعيداً عن المحاكم.
(د) بالنسبة لعلماء الدين وعلماء الاجتماع ورجال القانون:
- تقديم الإرشادات والتوجيهات والأحكام والفتاوى الدينية السليمة المتعلقة بجميع أمور الزواج.
- تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقاً تاماً يتمشى وروح العصر، فالإسلام صالح لكل زمان ومكان.
- توضيح الغموض حلو زواج المتعة، والزواج العرفي، والمساعدة على إصدار التشريعات اللازمة في هذا الخصوص.
- توضيح الأساليب الاجتماعية الرشيدة لقيام حياة زوجية سعيدة.
2- خدمات إرشادية للراغبين في الزواج:
- تقديم الخدمات الإرشادية المتعلقة بسيكولوجية المرأة والرجل.
- المساعدة في اختيار شيك/ شريكة الحياة من حيث:
- النضج العاطفي والجنسي والجسمي والعقلي.
- التدقيق في الاختيار، وعدم التسرع جرياً وراء نزوة طارئة أو إعجاب عارض مؤقت.
- التكافؤ نسبياً من حيث: المستوى التعليمي والعقلي، الوسط الاجتماعي، المهنة، الدخل، المستوري الديني والخلقي.
- اعتبار الدين المقوم الأساس للاختيار الزواج.
- البعد عن زواج المصلحة.
- تقديم خدمات إرشادية تتعلق بأساليب المعاملة الزوجية وإدارة الأسرة، وتربية الأبناء.
3- خدمات إرشادية للمتزوجين فعلاً:
- تقديم المعلومات المتعلقة بمقومات الزواج الناجح.
- تقديم المعلومات المتعلقة بالتوافق الزواج وأساليبه.
- تقديم الخدمات الإرشادية المتعلقة بكيفية حل المشكلات الزوجية بأيسر الطرق.
- تقديم الخدمات المتعلقة بطرق التفاعل الاجتماعي مع الزوجة والأبناء.
- تقديم الخدمات المتعلقة بطرق تربية الأبناء ورعاية نموهم.
وفي النهاية، فمما لا شك فيه أن الزواج السعيد ينمو في جو عامر بالثقة والحرية والاحترام المتبادل، فليس أخطر على السعادة الزوجية من أن يعيش الزوجان في قاتم من الشكوك المستمرة، والريبة الدائمة، أو في محيط خانق من الضغط المتوالي والقسر المتواصل، وإذا كانت الثقة لا تولد إلا الثقة، فإن الريبة أيضاً لا يمكن أن تولد إلا الريبة والشك.
ولما كانت السعادة الزوجية ليست منحة أو هبة بل هي كسب، فإنه لا بد لضمان هذا الكسب من تعاون كل من الزوج والزوجة في سعي حثيث من أجل العمل على تحقيق أسباب التكيف، وتجنب دواعي الخلاف والنزاع والتشاحن، وزيادة عوامل وأسباب التوافق والانسجام الشاملة . . . واهتمام الدولة بتوفير جميع سبل الرفاهية والتقدم للمجتمع . . كما أرى أن التخطيط Planning للمستقبل أمر حتمي تفرضه مسيرة التغير المستمر(1). ********************************************* تمنياتنا للجميع بالتوفيق لما فيه خير وصلاح الدارين اخوكم سيد علي الموسوي
لقد تعددت الكتابات حول العلاقات الأسرية والتفكك الأسري، وتناولها العديد من الدراسات والأبحاث، فمن الباحثين من تناول بعض جوانبها، فيما اشتملت أبحاث بعضهم الآخر على جميع الجوانب. فهي موضوع خصب وحساس، ولم لا وهي أساس البنيان الاجتماعي الذي بدأ به سبحانه وتعالى الخلق بخليفته على الأرض، آدم وحواء، ومدهما بالذرية، ونظم العلاقات الأسرية في كتبه وشرائعه السماوية.
غير أن التقدم الحضاري والتطور الزمني قد ألقى بظلاله على الأسرة، فلم تعد كما كانت من التماسك، بل أصبح تفككها أحد الظواهر التي لا نستطيع أن نغمض أعيننا عنها، إذ أن أي خلل في البنيان الأسري لن تقع تبعاته السيئة على فرد واحد من الأسرة، بل على كل الأطراف المعنية التي تضمها مظلة العلاقات الأسرية، لذا ارتأيت أن أقدم بحثي المتواضع هذا، وحرصت في كتابته على أن يكون بأسلوب مبسط حتى يمكن أن يستفيد منه كل من يطلع عليه.
يتعرض البحث في مقدمته لمفهوم الأسرة والتفكك الأسري، وقد خصصت الجزء الأكبر منه لتناول موضوع العلاج والحلول . . كما يتضمن عرضاً للمقترحات التي جاءت في الدراسة الميدانية التي قام بها الدكتور محمد محمد بيومي حول الإرشاد الأسري.
وفي النهاية حاولت أن أضع ملامح رؤية مستقبلية خلصت إليها من خلال اطلاعي على الموضوع.
وتتمنى الباحثة أن يفي هذا الجهد الغرض المطلوب من إعداده، وأن يكون إضافة للجهود الموصلة للباحثين والدارسين في موضوعه.
والله من وراء القصد.
أولاً: مفهوم الأسرة .. والتفكك الأسري
أوجدت معظم القوانين والشرائع من أجل حماية الأسرة، وليكون الزواج قائماً على الثبات والاستمرار، لأن في هذا مصلحة الوالدين من ناحية ومصلحة الأبناء من ناحية أخرى. والزواج لا يمكن أن يعطي ثماره إلا إذا نظرنا إليه كرباط أبدي لا انفصال له، وإلا لكان في إمكان أي طرف من الطرفين، ولأتفة الأسباب أن يتخلى عنه في أية لحظة.
ويرى علماء النفس أن الأسرة المتكاملة ليست تلك التي تكفل لأبنائها الرعاية الاقتصادية والاجتماعية والصحية فحسب، بل هي الأسرة التي تهيئ لهم الجو النفسي الملائم أيضاً. ومن هنا فإن مجرد وجود الطفل في بيت واحد مع والديه لا يعني دائماً أنه يحيا في أسرة متكاملة أو يلقى العناية الأبوية الكافية.
وليست هناك أية بدائل يمكنها أن تحل محل عطف وحنان الأم، باعتبار أن الأمومة ليست وظيفة آلية يمكن أن تقوم بها أية هيئة توفر للطفل الغذاء والمأوى، وإنما هي علاقة إنسانية حميمة تبدل من معالم الشخصية لكل من الأم والطفل، وكذلك فإن للأب دوراً حيوياً في حياة الأبناء وبالذات الذكور، فهو النموذج والقدوة، ذلك بالإضافة إلى الدور الذي يقوم به الإخوة والأخوات في حياة كل فرد في الأسرة.
ونعني بكلمة (أسرة ) بوجه عام، الجماعة الصغيرة ذات الأدوار والمراكز الاجتماعية ـ مثل: الزوج، الأب، الابن، الابنة ـ يربطها رباط الدم أو الزواج أو التبني، وتشترك في سكن واحد، وتتعاون اقتصادياً. وترتكز الأسرة في العادة على زواج شخصين ـ ذكر وأنثى ـ يتمتعون بعلاقات جنسية يقرها الدين والمجتمع .. ويتوقع أن تشمل الأسرة أطفالاً يتحمل الكبار مسؤولية تربيتهم.
إن النمط التقليدي للأسرة في العادة يضم الزوجين وأطفالهما، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود أنماط أخرى، فالمرأة المطلقة وأطفالها تعتبر أسرة، وكذلك الزوج المطلق وأطفاله، والأرمل أو الأرملة وأطفالهما أيضاً، كما توجد بعض النماذج الأخرى في البلاد الغربية وأمريكا مثل النساء والرجال الذين لم يتزوجوا إطلاقاً إلا أنهم أصبحوا آباء لأطفال غير شرعيين. أو لأطفال بالتبني، وكذلك المنحرفين جنسياً من كلا الجنسين، وكذلك الذين لهم أطفال من زواج سابق يطلق عليهم مسمى أسرة.
ويشير الدكتور الوحش أحمد إلى أن الباحثين (برجس ولوك ) وهما من الباحثين المختصين في مجال الأسرة، استخدما تعريفاً لها يضم العناصر الآتية:
1- تتكون الأسرة من أشخاص مرتبطين برباط الزوجية، أو برباط الدم أو التبني.
2- يعيش أفراد الأسرة عادة مع بعضهم في منزل واحد، وأن حجم البيت وأهله يختلف بحسب تركيب ونوع الأسرة.
3- تتكون الأسرة من أشخاص يتفاعلون ويتصلون ببعضهم بعضاً من خلال أدوارهم الاجتماعية، مثل، زوج وزوجة، أم وأب، ابن وابنة، أخ وأخت، وهذه الأدوار معروفة اجتماعياً ويوافق عليها الأفراد.
4- تشارك الأسرة في الثقافة العامة النابعة من المجتمع الذي توجد فيه. ولكن لكل أسرة إنسانية بعض الخصائص الثقافية الخاصة، والتي تنتج من تفاعل أفراد الأسرة واتصالهم حيث تختلط نماذج سلوكهم المختلفة.
5- إن نماذج الاختلاف هذه قد تتكون نتيجة لخبرات الزوج أو الزوجة السابقة، ما قبل الزواج، كما يمكن أن يحضرها الأطفال من اتصالهم وتفاعلاتهم مع غيرهم (1).
من أسس نجاح العلاقة الزوجية:
يحتاج صرح الزواج إلى بعض الأساسيات الضرورية للمساعدة على نجاحه، ومن الملاحظ أن تلك الأساسيات أو المفاهيم ليست مرتبة حسب أهميتها لكي يبدأ الزوجان بأولها وينتهيا بآخرها، فلكل زوجين خصائصهما وظروف ارتباطهما المختلفة عن الآخرين، فقد تبدأ علاقتهما بالحب أو بالشعور بالانتماء، أو تبدأ بالصداقة والتعاون، فليس المهم من أين نبدأ، لكن المهم أن تشمل العلاقة الزوجية كل تلك المفاهيم.
* الحب:
يتحدث العالم النفسي (أدلر ) عن رابطة الحب ـ كما ورد في كتاب الدكتورة سميحة كرم عن العلاقات الأسرية، فيقول: إنها خليط من القوة والحنان، ((لأن كلاً من الرجل والمرأة يريد أن يحيط كل منهما الآخر بعنايته، وأن يسبغ عليه عطفه وحنانه من جهته، كما أن كلاً منهما يريد أن يركن إلى الآخر ويتلقى منه العطف والرعاية كأنما هو مجرد طفل، وحاجته إلى رعاية الآخرين كأنما هو أب مسؤول )). ويرى علماء النفس بصفة عامة أن على الزوج ألا ينتظر أن يأتي الحب منذ بداية الحياة الزوجية حباً ناضجاً مكتملاً، لأن الجانب الحسي في الحياة الزوجية ـ وخاصة بالنسبة للمرأة ـ هو في حاجة إلى تهيئة طويلة وتربية دقيقة.
* الاحترام:
من المهم أن يحترم كل شريك شخصية الطرف الآخر، ويتقبل عيوبها قبل مزاياها، والتقبل يعني القبول والتفهم بأن صفات قرينه قد يكون جزء منها وليد الظروف والبيئة، لذا يجب ألا نحاول أن نعيب على الطرف الآخر تلك العيوب ونتذمر منها، ونحاول أن نغيرها بالقوة. فبعض هذه العيوب قد يذوب تلقائياً عندما يشعر الطرف الذي يحملها أن شريكه يقبلها فقط من أجله، رغم أنها قد تكون صفات غير مرغوب فيها، وبعضها الآخر قد يظل على ما هو عليه، إذن فما جدوى الانتقاد الدائم والنزاع المستمر بشأنها؟ إن ذلك لن يخلق إلا مزيداً من المصاعب والمتاعب.
ونعني أيضاً بالاحترام تقدير القرين لآراء الطرف الآخر حتى ولو كانت لا تساير رغباته الشخصية، وهنا يظهر مبدأ التقارب الفكري، لأنه لا بد من التقابل في المنتصف . . إن ذلك يعني ويؤكد احترام كل منهما لآراء الآخر. والاحترام يشمل احترام كيان الشخص في وجوده أو غيابه، لأنه لا يصح أبداً أن نذم أو نشكو الشريك لآخرين في حالة عدم وجوده. . إن ذلك يهدم صرح الشريك في داخل الفرد قبل أن يهدم في عيون الآخرين.
* الانتماء:
إن الشعور بالانتماء إلى الكيان الأسري من المفاهيم الأساس في العلاقة الزوجية، فالزواج ليس مجرد علاقة رسمية فقط تمت بموجب عقد الزواج، أو مجرد علاقة جسدية أباحها العقد ذاته، أو هو مجرد معيشة فردين معاً ألزمها الزواج، إن الزواج أسمى من ذلك بكثير، إنه يعني أن هناك شخصين قد ارتضيا أن يكملا مسيرة حياتهما معاً، يتقاسمان مرها قبل حلوها، وكل منهما يشعر بآلام الآخر كأنها آلامه، ويرقص قلبه فرحاً بأفراح شريكه، وكل نجاح أو تحقيق هدف يسجل لصالح الكيان الأسري وليس لصالح فرد معين. إن الفتاة تترك أسرتها الكبيرة وتذهب لتكوّن أسرتها الصغيرة، ويصبح انتماؤها الأكبر لأسرتها الصغيرة.
* التعاون:
إن التعاون من السمات الأساس التي يجب أن يتحلى بها الزوجان، فكل منهما لا بد أن يكون السند للطرف الآخر . . وقد يكون من المفيد أن نشير لبعض الصور السلبية التي قد نشاهدها أحياناً في بعض الأسر، حيث يقف أحد الطرفين في طريق نجاح الطرف الآخر، ويتفنن في وضع العراقيل أمامه، وكأن نجاح الشريك يحط من قدره هو. وفي الطرف المقابل نرى صوراً جميلة للتعاون بين الزوجين، فكل منهما يعاون الآخر ليدفعه قدماً للأمام، وليس هناك مانع من أن يتنازل أحد الطرفين قليلاً عن أهدافه إذا كانت ستعوق تحقيق أهداف الطرف الآخر، لأن كل تقدم يصيب أي شريك هو في النهاية لصالح الأسرة التي تضمهما معاً، لذا فإن القول: بأن ((وراء كل رجل عظيم امرأة )) هو قول على قدر كبير من الصواب والصدق.
* الصداقة:
لعل الصداقة هي الكلمة التي تشمل كل الصفات السابقة المتعلقة بالمفاهيم الأساس في العلاقة الزوجية، فالصداقة تعني المحبة الحقيقية، وتعني الاحترام المتبادل القائم على التفاهم، والانتماء الذي يعني الالتزام الأدبي والمعنوي تجاه الطرف الآخر. إن من أجمل التعبيرات التي تسمعها من أحد الزوجين أنه بالإضافة إلى علاقتهما الزوجية فإنهما قد يصبحا صديقين . . فالزوج قد لا يستطيع أن يبوح بكل مكنونات قلبه لزوجته ولكنه قد يقولها إذا شعر أن زوجته صديقته، بمعنى أن بإمكانها أن تفهم وتقدر دوافع سلوكه، ولن تسيء فهم كلماته (1).
يعتبر الزواج أو الأسرة جماعة تتميز إلى حد كبير بما تتميز به الجماعات الأولية والاجتماعية من خصائص. وعلى الرغم من ذلك فهناك بعض الخصائص التي تتميز بها مثل هذه الجماعات توفر قدراً أكبر من الاعتماد المتبادل الذي يؤدي إلى زيادة التفاعل بصورة أكبر مما يحدث في كثير من الجماعات الأخرى.
ويؤدي تشابك الأدوار التي تتضمنها جماعة الأسرة إلى أن تصبح كثير من التصرفات والأفعال التي تصدر عن الأعضاء ذات آثار عميقة في الأعضاء الآخرين. فهناك علاقات ودية متوازنة بين كثير من أعضاء الأسرة كالعلاقات بين الأبوين، وبينهما وبين الأطفال . . مثل هذه العوامل تتفاعل مع غيرها وتميل إلى زيادة كثافتها.
وعندما تكون للمعتقدات والتوقعات الخاصة بالعلاقات والروابط الأسرية صفة الاستقرار النسبي لفترة ملائمة من الزمن وفي مواقف مختلفة متعددة، تستطيع الأسرة أن تمارس وظائفها، ويتحرر الأفراد في الجماعة الأسرية نسبياً من التوترات، ويشكل الأفراد الذين يشتركون في عملية التفاعل وحدة وظيفية متكاملة.
ومن ثم عندما تتوفر جميع هذه الشروط، يكون للأسرة تنظيم معين، أي يتم التعاون في عملية بناء اتجاهات منظمة يوافق عليها الأعضاء. هذه المجموعة من الاتجاهات المتبادلة المشتركة أو التوقعات تكوِّن ما نطلق عليه تنظيم أو بناء الأسرة، أو شبكة علاقات المراكز والأدوار والأهداف المشتركة والقيم التي يقوم عليها نسق العلاقات الأسرية، وعندما يشترك أعضاء الأسرة في نفس التوقعات والأهداف، ويستطيعون العمل والتوافق معها، يستطيع أعضاء الأسرة بصفة عامة إشباع حاجاتهم اليومية.
وعلى الرغم من ذلك فقد يحدث أحياناً أن تظهر صعوبات تعوق التفاهم أو القيام بالأدوار، سواء من داخل جماعة الأسرة أو من خارجها، وفي مثل هذه المواقف قد ينشأ صراع مؤقت بين توقعات أعضاء الأسرة المختلفين. وإذا ما اتخذ هذا الصراع صفة الاستمرار فقد يؤثر في وحدة الأسرة برمتها.
وكذلك يمكن أن تؤدي التغيرات الاجتماعية التي تطرأ على المجتمع الذي تعتبر الأسرة جزءاً منه إلى تغير في بناء الأسرة. وعلى سبيل المثال، فقد يؤدي عدم توفر فرص العمالة إلى بطالة رب الأسرة، ولا يغير ذلك من دور الأب الاقتصادي في الأسرة فقط بل ويؤثر في اتجاهات وتوقعات أعضاء الأسرة في علاقتهم المتبادلة بين بعضهم بعضاً، وكذلك يؤثر بدرجات مختلفة في شبكة العلاقات الأسرية بأكملها، وفي علاقاتها بالتالي مع المجتمع الخارجي.
وفي الحياة الزوجية، قد يتدخل عدد من العوامل التي تؤدي إلى استقرار الحياة الأسرية والنجاح في الزواج، وقد تؤثر هذه العوامل بطريقة تؤثر هذه العوامل بطريقة عكسية فينتج عنها الفشل واضطراب الحياة الزوجية . فتشابه الخلفية الثقافية أو اختلافها التي يحملها كل من الزوج أو الزوجة وينقلها إلى الحياة الزوجية قد تؤدي إلى التوافق والتجانس أو تنتهي إلى الصراع والخلافات. وكذلك يمكن أن يؤدي نمو الميول والقيم إلى تقوية الروابط والوحدة من خلال الاهتمامات المشتركة وإشباع الميول، أو قد تتجه نحو الاختلافات والصراع. كما أن أنواع النشاط الأسري وما تتضمنه من الأعمال المنزلية، وتربية الأطفال، والهوايات الأسرية، وحالات المرض، والأصدقاء، يمكن أن يشترك فيها الزوجان، أو قد يهرب أحد الزوجين إلى أنواع من النشاط خارج دائرة الأسرة، كما يحدث في بعض الزيجات.
وقد أظهرت إحدى الدراسات أهمية التقبل الاجتماعي الذي يبديه الآخر، كالأصهار والأقارب والأصدقاء، في مساعدة الزوجين على التوافق خاصة في بداية تكيفهم مع الموقف الجديد. ومع ذلك فإن ديناميات الحياة الزوجية تعتبر أكثر من مجرد نمو الروابط الودية، فالزواج يعني المشاركة في اتخاذ القرارات وتكامل وجهات النظر.
وفي مثل هذه العملية لا يعني الزواج قيام الأفراد باتخاذ قرارات مستقلة، ولكن الزوجين يفكران ويقرران معاً، فإذا اتخذت قرارات مشتركة حول موضوعات، كالميزانية والإنفاق أو تربية الأطفال، فإنها تؤدي إلى تكامل الحياة الزوجية، أما إذا تمت القرارات بطريقة (أوتوقراطية ) أو فردية فإنها تضعف الزواج.
أما في حالة توافق الزوجين واحترام وجهات النظر المختلفة وتحقيق المشاركة المتبادلة، فيمكن أن يقوى الزواج بدرجة كبيرة . . ويستمر التوافق والتكيف باعتباره عملية دينامية مستمرة. . ويساد التكيف الزواجي كلا من الزوج والزوجة على مواجهة المواقف الزوجية وعلاج التغيرات التي تطرأ على المواقف الاجتماعية والتي تعرقل وتؤثر في أدوارهما كزوج وزوجة . . وإلى جانب ذلك هناك جوانب أخرى من أهمها التصميم على نجاح الزواج والإيمان بقيمته(1).
وتشير سناء الخولي في كتابها (1983م) إلى أن من النادر أن تكون حياة الأسرة والزواج كاملة Perfect طوال دورة حياتهما، لأن كثيراً من الأحداث التي تتعرض لها الأسرة تؤدي إلى حدوث أزمات، حيث إن الأسرة التي تقابلها المشكلات هي، غالباً تلك الأسرة التي ليس لها الإمكانات الملائمة لمواجهة الأحداث.
ويقسم الدكتور محمد الجوهري في كتابه (1979م) الأزمات الأسرية إلى الأقسام التالية:
1- الأسرة التي تشكل ما يطلق عليه (البناء الفارغ )، وهنا نجد الزوجين يعيشان معاً ولكنها لا يتواصلان إلا في أضيق الحدود، ويصعب على كل منهما منح الآخر دعماً عاطفياً.
2- الأزمات الأسرية التي ينتج عنها الانفصال الإرادي لأحد الزوجين، وقد يتخذ ذلك شكل الانفصال أو الطلاق أو الهجر.
3- الأزمات الأسرية الناتجة عن أحداث خارجية، كما هي الحال في حالات التغيب الدائم غير الإرادي لأحد الزوجين، بسبب الترمل أو السجن، أو الكوارث الطبيعية كالفضائيات أو الحرب.
4- الكوارث الداخلية التي تؤدي إلى إخفاق غير متعمد في أداء الأدوار، كما هو الحال بالنسبة للأمراض العقلية أو الفسيولوجية، ويدخل في ذلك التخلف العقلي لأحد الأطفال، أو الأمراض المستعصية التي قد تصيب أحد الزوجين.
أما هيل Hill فقد صنف الأزمات الأسرية في كتابه إلى ثلاث فئات هي:
1- التمزق أو فقدان أحد أفراد الأسرة Dismembermen ، ويعني (هيل ) بالتمزق فقدان أحد أعضاء الأسرة نتيجة موته في الحرب، أو دخول أحد الزوجين المستشفى، أو موت أحد الوالدين.
2- التكاثر أو الإضافة accession والمقصود بالتكاثر ضم عضو جديد للأسرة دون استعداد مسبق، مثل تبني طفل، أو زوج أم، أو حضور أحد الأجداد للإقامة مع الأسرة، أو المربية، كما في مجتمعات الخليج العربي حالياً.
3- الانهيار الخلقي: Demoralization ويشير إلى فقدان الأسرة والأخلاقية، ويقصد بها (هيل ) فقدان العائل أو الخيانة الزوجية أو إدمان الخمور والمخدرات. وهذه يمكن أن تؤدي إلى نتائج عديدة من التفكك الأسري، مثل: الطلاق، والانتحار، الهجر.
ومن أسباب النزاعات الأسرية أيضاً:
1- عدم فهم كل من الزوجين لنفسية وطباع الآخر، حيث كثيراً من نجد كلاً من الزوجين يتمسك برأيه دون مراعاة لرأي الآخر.
لذا فعلى الرجل أن يناقض أفراد أسرته في أمور الأسرة، ويكون معتدلاً في قراراته بحيث لا يظلم، لأن المرأة عادة تتغلب عليها العاطفة أكثر من العقل ي اتخاذ القرارات.
2- تظهر الأزمات في بعض الأسر بسبب عمل المرأة، وكيفية صرف ميزانية الأسرة، وهل الإنفاق مسؤولية الرجل أم أنه يجب على المرأة مشاركته؟ وقد يكون لهذا العامل في بعض الأحيان تأثير على العلاقات الأسرية. فقدرة الشخص على مزاولة عمل الأعمال ترتبط بالراحة النفسية التي يتمتع بها في أسرته، كما أن قدرته على مزاولة نوع من الأعمال ومدى مطابقته له يؤثر في حالته النفسية داخل الأسرة.
3- ومن أهم أسباب الأزمات والمشكلات في الأسرة الحديثة مدى اهتمام الأسرة بالأبناء، ومثال ذلك أنه في المجتمعات الخليجية الحديثة نجد عدداً كبيراً من الوالدين قد تركوا الطفل للخدم، حيث أصبح كالدمية تحضره لنا الخادمة لكي نلعب معه مدة وجيزة ثم تأخذه بعد ذلك لنراه في اليوم التالي.
4- من أسباب الأزمات الأسرية أيضاً، الزواج الذي ينشأ عن الطمع والكسب المادي أو المعنوي، فعندما لا يستطيع أحد الطرفين تحقيق هذه المكاسب تقع المشكلات بينهما.
5- وقد ترجع الأزمات الأسرية إلى إفرازات الحضارة الحديثة على أسرنا الإسلامية، مثل إطلاق العنان للمرأة وتركها تتحرك بحرية لا حدود لها، لتذهب إلى حيث تريد ومتى تريد، وبالتالي قد لا تعرف الشيء الكثير عن الأسرة، مما يدفع الزوج ((الشرقي )) إلى الحد من تلك الحرية فينشأ عن ذلك خلافات زوجية.
6- إن كثيراً من المشكلات والأزمات الأسرية قد يرجع أصلها إلى عدم نضوج عقلية الزوج أو الزوجة بالدرجة الكافية لمواجهة أمور الحياة. ويمكن إرجاع ذلك إلى الزواج المبكر في بعض الأحيان.
7- العاهات الجسمية، قد يكون لها تأثيرها على العلاقات الزوجية، فقد تؤدي إلى زيادة حاجة الفرد إلى الاعتماد على الأسرة اعتماداً كبيراً في قضاء شؤونه، الأمر الذي يسبب له الضيق وبالتالي سرعة الاستشارة. وقد يؤثر عجز الأسرة عن إشباع حاجات ذي العاهة إلى نشأة بعض الأزمات الأسرية (1).
ويعتبر التفكك الأسري أحد الموضوعات المهمة التي يجب أن يلم بها الدارس للأسرة . . وهناك عدة مفاهيم متداخلة ولكنها بمعان متشابهة، مثل التفكك الأسري، الانحلال الأسري، المشكلات الأسرية، ولن ندخل في جدل فلسفي حول الاختلاف بين كل من هذه المفاهيم، حيث إنها تلتقي جميعاً في وصف الأسرة بأنها: غير قادرة أو غير محققة لوظائفها المتوقعة منها.
فيعرف الدكتور أحمد زكي بدوي في كتابه (معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية ) التفكك (الانحلال ) بأنه: اتجاه التفاعل بين الوحدات التي تتكون منها الأسرة ضد مستويات الاجتماعية المقبولة، بحيث يحول ذلك بين الأسرة وبين تحقيق وظائفها والتي لا بد لها من القيام بها لتوفير الاستقرار والتكامل بين أفرادها.
بينما يعرفه (عاطف غيث ) في كتابه ((المشاكل الاجتماعية السلوك الانحراف )) بأنه:
(( أي وهن أو سوء تكيف وتوافق، أو انحلال يصيب الروابط التي تربط الجماعة الأسرية كلاً مع الآخر، ولا يقتصر وهن هذه الروابط على ما يصيب العلاقة بين الرجل والمرأة، قد يشتمل أيضاً علاقات الوالدين بأبنائهما )).
ويعرفه (كل النحاس ) وآخرون بأنه : ((حالة الاختلال الداخلي أو الخارجي التي تترتب على حاجة غير شديدة عند الفرد عضو الأسرة، أو مجموعة الأفراد، بحيث يترتب عليها نمط سلوكي أو مجموعة أنماط سلوكية يعبر عنها الفرد أو مجموعة الأفراد المتعاملين معه بكيفية تتنافى مع الأهداف المجتمعية )).
وتشير Beck إلى أن التفكك الأسري يمر في العادة بعدة مراحل يمكن تلخيصها على النحو التالي :
1- مرحلة الكمون:
وهي فترة قترة محددة وربما تكون قصيرة جداً بشكل يجعلها غير ملحوظة، والخلافات فيها سواء كانت صغيرة أو كبيرة لا يتم مناقشتها أو التعامل معها بواقعية.
2- مرحلة الاستثارة:
وفيها يشعر أحد الزوجين أو كلاهما بنوع من الارتباك، وبأنه مهدد وغير قانع بالإشباع الذي يحصل عليه.
3- مرحلة الاصطدام:
وفيها يحدث الاصطدام أو الانفجار نتيجة الانفعالات المترسبة، وتظهر الانفعالات المكبوتة لمدة طويلة.
4- مرحلة انتشار النزاع:
إذا زاد التحدي والصراع والرغبة في الانتقام فإن الأمور تزداد حدة، ويؤدي ذلك لزيادة العداء والخصومة بين الزوجين، والنقد المتبادل بينهما، ويكون هدف كل طرف هو الانتصار على الطرف الآخر دون محاولة الوصول إلى التسوية، وينظر كل منهما إلى نفسه على أنه الإنسان المتكامل على حساب الطرف الآخر، ويزداد السلوك السلبي . . وإذا كان النزاع في البداية يتعلق بناحية معينة فإنه سرعان ما ينتشر ليغطي النواحي الأخرى المتعددة.
5- مرحلة البحث عن حلفاء:
إذا لم يستطع الزوجان حل المشكلة بمفردها فإنهما يبحثان عمن يساعدهما في تحقيق ذلك من الأهل والأقارب والأصدقاء، وإذا استمر النزاع لفترة طويلة فإن القيم والمعايير التي تحكم بناء الأسرة تصبح مهددة، وهنا قد يلجأ أحد الطرفين أو كلاهما للحصول على الإشباع من خلال المصادر الأخرى البديلة، مثل التركيز على الاهتمام بالأطفال، أو المشاركة في الأنشطة الاجتماعية، والتركيز على النجاح في العمل على حساب الإشباع الذي يتحقق داخل الأسرة.
6- مرحلة إنهاء الزواج:
وعندما يكون لدى الزوجين على الأقل الدافعية والرغبة لتحمل مسؤولية القرار المتعلق بالانفصال، تبدأ إجراءات الانفصال، والتي تعني عدم التفكير في العودة مرة أخرى للحياة الزوجية، وهنا قد يوكل أحد الطرفين أو كليهما محامياً لذلك ويلجأ للقضاء(1).
إن مصطلح ((تفكك الأسرة )) يشير إلى انهيار الوحدة الأسرية وانحلال بناء الأدوار الاجتماعية المرتبطة بها، عند ما يفشل عضو أو أكثر في القيام بالتزاماته ودوره بصورة مرضية.
وقد صنف وليام w.Gooke في كتابه الأشكال الرئيسة لتفكك الأسرة، كما يلي:
1- انحلال الأسرة تحت تأثير الرحيل الإرادي لأحد الزوجين عن طريق: الانفصال، أو الطلاق، أو الهجرة، وفي بعض الأحيان قد يستخدم أحد الزوجين حجة الانشغال الكثير بالعمل ليبقى بعيداً عن المنزل وبالتالي عن شريكه لأطول فترة ممكنة.
2- التغيرات في تعريف الدور، التي تنتج عن التأثر المختلف بالمتغيرات الثقافية، وهذه قد تؤثر في مدى ونوعية العلاقات بين الزوج والزوجة، غلا أن الصورة أو النتيجة الأكثر وضوحاً تكون في صراع الآباء مع أبنائهم الذين يكونون في سن الشباب.
3- أسرة (القوقعة الفارغة ) وفيها يعيش الأفراد تحت سقف واحد، ولكن تكون علاقاتهم في الحد الأدنى، وكذلك اتصالاتهم ببعضهم، ويفشلون في علاقاتهم معاً وخاصة من حيث الالتزام بتبادل العواطف بينهم. ويمكن أن تحل الأزمة العائلية بسبب أحداث خارجية External ، وذلك مثل الغياب الاضطراري المؤقت أو الدائم لأحد الزوجين بسبب الموت أو دخول السجن أو أية كوارث أخرى مثل الحرب أو الفيضان. . إلخ.
4- الكوارث الداخلية التي تنتج عن فشل لا إرادي في أداء الدور نتيجة الأمراض النفسية أو العقلية، مثل التخلف العقلي الشديد لأحد أطفال الأسرة، أو الاضطراب العقلي لأحد الأطفال أو لأحد الزوجين، والظروف المرضية الجسمانية المزمنة الخطيرة والتي يكون من الصعب علاجها(1).
وجدير بالذكر أنه لا ينظر لجميع أنماط تفكك الأسرة في أي مجتمع بنفس الدرجة من الأهمية، إلا أن الطلاق يعتبر أهم أشكال التفكك الأسري في جميع المجتمعات بلا استثناء.
والطلاق هو إنهاء العلاقات الزوجية بحكم الشرع والقانون، ويترتب عليه إزالة ملك النكاح . . ونظراً لخطورة هذه الظاهرة في حياة الأسرة والمجتمع، فقد قيدته المجتمعات بقيود شديدة وأباحته في حالات محددة، وهو مع إباحته شرعاً وقانوناً غير أنه أبغض الحلال إلى الله عزوجل، وهو ظاهرة قديمة قدم عهد الإنسانية بالزواج (2).
جاء الإسلام وجعل للطلاق ضوابط ومراحل وفرصة للرجوع والمعاودة، لأن الطلاق في نظر الإسلام أبغض الحلال، يقو الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق ))(1)، ((وما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق ))(2).
ويحدد الإسلام الطلاق بثلاث مرات، كما قال سبحانه وتعالى: (الطلاق مرتان فإمساكُ بمعروف أو تسريحُ بإحسانٍ ) (البقرة: 229).
ففي المرة الأولى يكون رجعياً، بمعنى: يستطيع الرجل أن يراجع زوجته قبل انقضاء عدتها، أما إذا طلقها مرة أخرى، ولم يراجعها بعد مضي العدة فإنها لا تحل إلا بعقد ومهر جديدين. وعلى هذا فالطلاق يرتبط في الشريعة الإسلامية بالتصور الإسلامي للأسرة، حيث الأسرة في تصور الإسلام مؤسسة اجتماعية اقتصادية، والأسرة بمعناها المادي هو الشد والربط، وبمعناها الاجتماعي الرابطة بين الأفراد في المؤسسة الواحدة.
ومما يدل على خطر ظاهرة الطلاق، أن الدين جعله الحل الأخير لإنهاء حالة التوتر العائلي، واعتبره الخاتمة المؤلمة والمصير المحتوم بعد فشل كل جهود الإصلاح.
وتختلف المجتمعات من حيث العوامل الاجتماعية من حيث العوامل الاجتماعية النفسية التي تكمن وراء ظاهرة الطلاق، بحسب اختلاف درجات الثقافة في تلك المجتمعات، ويمكن حصر أهم أسباب الطلاق فيما يلي:
1- الصراعات الزوجية، التي تنجم عن عدم الانسجام النفسي بين الزوجين، تعتبر كما يؤكد علماء النفس من أهم أسباب الطلاق.
2- الجهل بالأمور والثقافة الجنسية.
3- ضعف شخصية المرأة وعدم مشاركتها للزوج مشاركة إيجابية، أو العكس بالنسبة للرجل.
4- انغماس الرجل في السهر والسكر والسفر وأموره الخاصة.
5- عقم أحد الزوجين، أو إصابته بمرض مزمن.
6- اختلاف الزوجين في المستوى الثقافي والاجتماعي، فقد تكون مجموعة الصفات المرغوبة عند الزوجين غير متماثلة مما يودي إلى فك رابطة الزوجية.
7- الخيانة الزوجية والأمور المتعلقة بالشرف.
8- عمل المرأة، في كثير من الأحيان يكون السبب الأساس للطلاق.
9- العوامل المزاجية التي تحدد ردود الفعل الانفعالية والعاطفية للفرد.
10- التفاوت في المستوى العمري بين الزوجين.
11- النظرة إلى الزواج نظرة غير جدية، وعدم تحمل مسؤوليات الزواج، التي تعين على احتمال وبقاء استمرارية الحياة الزوجية.
12- تدخل الأهل في المعيشة بين الزوجين.
13- تعدد الزوجات وسهولة إجراء الطلاق(1).
وقد شهدت مجتمعات الخليج العربي تغيرات سريعة وبنائية شملت كل الأنساق المجتمعية المختلفة، وكان لتلك التغيرات آثار واضحة على الأفراد والجماعات، وخاصة تلك الآثار التي أصابت النسق الأسري من حيث الخصائص والمكونات والوظائف والأدوار.
لقد تعرض المجتمع الخليجي لعملية تحديثية واسعة النطاق بفعل التحضر وتدفق الثروة النفطية، وأدى الازدهار الاقتصادي للأفراد إلى تغير المستوى المعيشي للمواطن الخليجي، وبالتالي أدى إلى سيطرة أنماط سلوكية مستحدثة وغلبة الطابع الاستهلاكي وتغير نوع العمل وأشكاله واختفاء المهن التقليدية، وبروز المهن الحديثة المرتبطة بالعمل الحكومي والعمل بالقطاع الخاص بكل مجالاته وتفرعاته.
كما تأثر المجتمع في الخليج بالمؤثرات الخارجية الوافد والتي أدت إلى تغيير المفاهيم والمعايير التقليدية بأخرى وافدة، وشهد المجتمع الخليجي استخداماً واسعاً لمختلف نماذج التقنيات الحديثة، وأصبحت هذه المنتجات جزءاً لا يتجزأ من حياة الأسرة ومقتنياتها.
وكما تفاعل المجتمع في السابق مع التغيرات التي أحدثتها الثروة النفطية، فإن مجتمع الأسرة الخليجية اليوم تفاعل مع ثروة الاتصالات العالمية باعتبارها جزءاً من حركة كونية تهدف إلى تشكيل عالم جديد يقوم على فلسفة جديدة للنظر إلى العلاقات الإنسانية، كمتطلب من متطلبات التطور في القاعدة التقنية ومفاهيم العلم الطبيعي والإنسان.
إن كل التحولات السريعة والمذهلة دون شك ستكون لها انعكاساتها الإيجابية والسلبية على واقع الأسرة، وستساهم بشكل أو بآخر في تغيير بنيتها واتجاهاتها وتعقد مسؤوليتها.
ولا ينكر أحد ما تقوم به وسائل الاتصال من دور في إضعاف الهوية الثقافية للإنسان الخليجي، لأن المواد التلفزيونية التي تنقلها عشرات الفضائيات العالمية تحتوي على مضامين ثقافية تهدد التماسك الأسري وتضعف العلاقات الأسرية، ومن ثم تهديد استقرار وتماسك الأسرة.
لقد تعرضت دول الخليج العربية إلى تطورات غير مسبوقة، على أثر اكتشاف الثروة النفطية، مما أدى إلى اتساع عملية التحديث، فيما سارت الكثير من الدول العربية على معدلاتها التدريجية والبطيئة في عملية مخططات التنمية . . وسبقت دول الخليج بلداناً عربية كثيرة في هذا الجانب، مما أفضى إلى تغيرات بنائية ومجتمعية عميقة نجمت عنها انعكاسات سلبية على واقع الأسرة الخليجية وزيادة المشكلات التي تعاني منها . . من هنا كان تخصيص هذا الجزء من البحث لظاهرة الطلاق في المجتمع الخليجي، لتتبع خصوصيتها والتعرف على حجمها وأسبابها وخلفياتها.
لقد تأثرت الأسرة الخليجية ولا تزال، بما حولها من متغيرات ومؤثرات . . ومقارنة بالأسرة التقليدية المستقرة والمتماسكة، تواجه الأسرة المعاصرة العديد من الصعوبات والمشكلات التي تنعكس سلباً على تماسكها واستقرارها، ولعل مشكلة الطلاق من أهم المشاكل المهددة للكيان الأسري.
ولقد تصدت المؤسسات الحكومية والجمعيات الأهلية والشخصيات الأكاديمية، في العديد من الدول الخليجية، لدراسة الظاهرة، بهدف التعرف على حجمها ومعدلاتها وانعكاساتها السلبية وأسبابها.
فقد أشارت دراسة عن الطلاق في المجتمع القطري، للدكتورة أمينة الجابر لسنة 1994م، بأن نسبة الطلاق إلى الزواج تراوحت في العقد الأخر ما بين 24 -33% وهي نسبة عالية في مجتمع مستقر اقتصادياً ومترابط أسرياً. وتحاول الدراسة التعرف على أسباب الطلاق في المجتمع القطري، فأرجعتها إلى ثلاثة عوامل أساس:
1- التقاليد الموروثة بما تمثله من عدم الرؤية قبل عقد الزواج، وتدخل الأهل في اختيار الزوج أو الزوجة، وطغيان شخصية الأم على الزوج، وفارق السن الكبير بين الزوجين، وزواج البدل، وتعلق المرأة الزائد بأهلها، ثم إن نظرة الزوج إلى الزوجة نظرة غير صحيحة، فهي نظرة لا ترى فيه إلا مربية لأطفاله وراعية لبيته دون مراعاة لمشاعرها كإنسانة وزوجة.
2- الجهل وعدم الفهم السليم لأحكام الشريعة الخاصة ببناء الأسرة، وما فرضه الله على كل من الزوجين من حقوق نحو الآخر، وما أمر به عند حدوث نشوز أو إعراض أو خلافات بين الزوجين، وما وضعه من قيود على الطلاق بحيث جعله في أضيق الحدود أو عند الضرورة.
3- فساد الأخلاق، والسعي وراء الشهوات، وتبديد الأموال في المحرمات، وسوء التربية، مع انتشار مظاهر الترف الاقتصادي التي تدفع إلى التسابق في شكليات ترهق الزوج مادياً وتدفعه في النهاية إلى الطلاق.
كما استعرضت الدراسة الآثار المترتبة على الطلاق، وهي محاولة نظرية دونت فيها الباحثة الآثار السلبية على كل من المطلقة والمطلق والأبناء، واستعرضت أيضاً تصوراً لوسائل العلاج التي يمكن أن تساهم في تخفيف هذه المشكلة، وترشد الناس إلى مفاهيم يجب أن تسود بينهم حتى لا يصبح الطلاق ظاهرة متفشية مزعجة تهدد المجتمع بمشكلات متنوعة تمتص طاقاته وقدراته، وتؤثر في مسيرته ومستقبله.
وتؤكد الدارسة أن الطلاق من تلك القضايا والمشكلات التي لا يجدي فيها سنّ تشريع للحد من تفاقمها بقدر ما يجدي في علاجها والتغلب على أضرارها التوجيه والإرشاد بأسلوب علمي يخاطب العقل والوجدان، ولا بد من بذل الجهد المتواصل لتصحيح المفاهيم الخاطئة والتقاليد المضرة، وأن يقدم للناس التصور الصحيح الذي جاء به الدين وحض على التمسك به.
وتلخص الدراسة إلى وضع عدد من التوصيات لا بد من مراعاتها للعمل بالتصور المشار إليه سلفاً ووضعه حيز التنفيذ، ومن أهمها:
1- أن تهتم وسائل الإعلام بتخصيص برامج يومية أو أسبوعية توضح الأسس التي تقوم عليها الأسرة في الإسلام، وتبين الآثار السلبية للطلاق.
2- إنشاء مكاتب مختصة بشؤون الأسرة يشرف عليها علماء الدين والاجتماعي والتربية، وتكون مهمتها التدخل لحل المشكلات الزوجية والحيلولة دون وصول الأمر إلى القاضي للطلاق.
3- ضرورة إدخال بعض البرامج النظرية والعملية في مناهج السنوات النهائية في المرحلتين الثانوية والجامعية، تكون مختصة بالأسرة على نحو ينمي المفاهيم الصحيحة ويعد الأبناء لحياة زوجية سعيدة.
4- اتخاذ قرار يضمن للزوجية بقاءها في منزل زوجها، وذلك بوضع أسس لطلاقها وعدم الإسراع فيه من قبل المحكم(1).
ولعل قانون الأحوال الشخصية القطري ـ تحت التجربة ـ يأتي بالحلول الناجحة.
والآن لنتساءل: ماذا يمكن أن يحدث للأطفال عندما تتقوض دعائم الأسرة وتنهار؟
إنه من غير اليسير تقديم إجابة دقيقة على هذا التساؤل في الوقت الحاضر. ومن الجلي أن الأطفال الذين ينشأون في أحضان أسرة سعيدة يتمتعون بصحة نفسية ووجدانية جيدة، هذا في الوقت الذي يفتقد الأطفال الذين يربون في ظل أسرة تفتقر إلى الحنان والانسجام السعادة وذاك الهناء، حتى ولم لم يحدث طلاق بين الأبوين.
وقد ركزت الدراسات التي أجريت على التفكك الأسري بوجه عام على الفروق بين أطفال المطلقين وغيرهم. وقد أخفقت هذه الدراسات في التحقق من أهم المسائل التي كان ينبغي عليها أن تكشف عن أبعادها، ألا وهي مدى التزام أفراد الأسرة بالقيام بأدوارهم تجاه بعضهم بعضاً.
وتؤكد دراسات الطب النفسي على الصعوبات التي يواجهها الأفراد الذين نشأوا في أسر تفتقر إلى الحنان والانسجام، وقد استطاعت بحوث أجريت مؤخراً أن تزيح الغطاء عن الآثار المدمرة على الأسرة عندما يحجز طفل مصاب بتخلف عقلي في البيت وبالذات على الأخت الكبرى . . وعلى نحو مماثل تنشأ آثار ضارة عندما يصاب الأب أو أحد الإخوة بمرض عصبي.
ومن هنا فإنه من غير اليسير الإجابة عن ذلك التساؤل المطروح ما لم تتوفر لدينا البيانات الكافية التي تساعد على ذلك. وتؤكد إحدى الدراسات على أن الحاجة ملحة إلى مزيد من الفئات ذات المغزى بالنسبة لما يتوفر لدينا من بيانات عما يحدث للأطفال عندما ينهار البناء الأسري.
أما العنصر الآخر في هذا الارتباط فإنه يتمثل في تنشئة الأطفال على نحو ملائم، فغياب الأب عن الأسرة سواء كان بالطلاق أو الوفاة يؤدي إلى فقدان النموذج الذي يمكن أن يجتذبه الطفل.
وعلى كل حال، فإنه إذا افترضنا ثبات الوضع الطبقي للأبوين فإن معدلات الجناح ترتفع بين أبناء المطلقين أكثر من غيرهم، وكذلك ترتفع هذه المعدلات بين الأطفال الذين انهار بناؤهم الأسري نتيجة الانفصال أو الطلاق، مثلما يحدث بالنسبة للأطفال اليتامى. وهو ما يمكن التنبؤ به بسبب الدعم والمساندة الاجتماعية وكذلك الاحتمالات المتضائلة في أن الأطفال الذين يفقدون الأب سبب الموت مثلاً يمكن أن يتعاركوا أو يمروا بمرحلة من النزاع أو المشكلات مثل تحديد الهوية أو الولاء.
وقد قام كل من (شلدون واليانور جلو بك ) بربط جناح الأحداث بعدد من أنماط عدم الاستقرار الأسري، فوقع الجناح أكثر احتمالاً بين الأطفال الذين انحدروا من أسر تعرضت للطلاق، كما أن الأطفال الذين ينشأون في أسر مات عائلها تزداد معدلا جناحهم بنسبة (50% ) بالنسبة لغيرهم من الذين ينشأون في أسر مستقرة. ومع ذلك فإن الأطفال الذين ينحدرون من أسر تعرضت لانفصال الأبوين دون حدوث الطلاق يمثلون نسبة عالية من الجناح حيث تبلغ النسبة (1:2) بالقياس إلى الأسر المستقرة (مع استبعاد الوضع الطبقي ).
ويبدوا أن الفشل الذي يصيب أداء أحد الأبوين للدور المنوط به في البيت (في الأسر ) يمثل عاملاً مدمراً على الأطفال أكثر مما يمثله انسحاب أحد الأبوين من العلاقة الزوجية.
وفي دراسة أخرى اتضح أن المراهقين الذين يعانون من مشكلة سوء التكيف الشخصي ينحدرون أساساً من أسر تتعرض لصراعات زوجته ومشاكل لا تنقطع بالقياس إلى نظرائهم الذين ينحدرون من أسر تعرضت للتقويض نتيجة الطلاق أو موت العائل (1).
ويتفق الباحثون في مجال الإرشاد والتوعية الأسرية على ضرورة تعاون جميع المهتمين بالدراسات الأسرية من علماء الاجتماع، وعلماء الدين وعلماء النفس، وعلماء الاقتصاد، ورجال القانون، ورجال السياسة في وضع خطط التوعية الأسرية، وبرامج وقائية تعين الشباب وراغبي الزواج على فهم هذه الحياة الزوجية والعائلية، للتعرف على دور كل عضو بالأسرة، والصعوبات التي تعترض هذه الحياة، والعوامل المؤثرة فيها، وأساليب العلاج الصحيح لذلك.
ويمثل العلاج الأسري خطوة متقدمة مهمة في خدمة الفرد والجماعة.
ويشير محمد خليفة بركات في كتابه ((علم النفس التربوي )) إلى أن برامج التوعية الأسرية يجب أن تشمل ما يلي:
1- التوعية بوظائف الأسرة، وكيفية تنظيم الحياة العائلية من النواحي الاقتصادية، وتدبير شؤون الحياة المنزلية . .. . مثل تخطيط ميزانية الأسرة، والموازنة بين بين مصادر الدخل وبين متطلبات الإنفاق والاستهلاك، بما يحفظ التوازن الاقتصادي للأسرة . . . وكذلك التوعية بشؤون الادخار والاستثمار، وتبادل المصالح، وغير ذلك من المبادئ الاقتصادية.
2- من المهم أن يحاط الآباء والأمهات علماً بالمبادئ القانونية التي ترتبط بالحقوق والواجبات الاجتماعية . . مثل قوانين الأحوال الشخصية، وما يتصل بعقود الزواج والطلاق والنفقة، وكذلك شؤون الميراث، وحقوق أفراد الأسرة في التركات، وأيضاً أنواع الجرائم من جنايات وجنح ومخالفات والعقوبات التي ترتبط ببعض الجرائم، كالسرقة والزنا . . . وبالأخص ما يتعلق بأمور التشرد وانحراف الأحداث وما إلى ذلك.
3- يجب أن تهتم الأسرة بمبادئ التربية الخلقية من حيث الخير والشر، ومن حيث احترام القيم والتقاليد الاجتماعية، والتمسك بالفضائل، والمعايير لاجتماعية السائدة، وتنشئة الأطفال على العادات والصفات الخلقية المرغوبة، والابتعاد عن العادات السيئة كالتدخين وتعاطي المخدرات والخمور وتعود لعب الميسر وتجنب صحبة السوء . . . إلى غير ذلك.
4- ويجب تثقيف الآباء في الأمور الدينية حتى ينشئوا أبناءهم على المبادئ الدينية، والمعتقدات السليمة، ويتكون لديهم الضمير الإنساني عن طريق العبادات، والتمسك بالفضائل الدينية.
5- ويمكن أن يعرف الآباء أهمية التربية الجمالية حتى يشجعوا أبناءهم وبناتهم على حب الفنون وتذوق الجمال، وعلى ممارسة هواياتهم المختلفة المرتبطة بالتربية الفنية.
ولا بد أن يدرك الآباء والأمهات أهمية التربية الثقافية للأبناء، بحيث يشجعونهم على القراءة والاطلاع، وتدريبهم على استخدام اللغة الصحيحة كتابة وتعبيراً .. وترتبط بذلك الثقافة العلمية، بما يساعد على النقد البناء، والأخذ بالأسلوب العلمي في التفكير، بما يساعد على النقد البناء، والأخذ بالأسلوب العلمي في التفكير، وفي محاربة المعتقدات الخاطئة، ومناقشة الأمثال العامية الشائعة.
ومن أهم البرامج توعية الآباء والأمهات ما يرتبط بالنواحي الصحية من حيث الوقاية والتشخيص والعلاج، وأهمية العناية بالتغذية، وتحقيق مبادئ الصحة الجسمية والنفسية(1).
ثانياً: وسائل العلاج والحلول للتوعية الأسرية
إن جميع برامج وخدمات الرعاية الأسرية، تهدف إلى مساعدة الأفراد للتمتع بحياة نفسية واجتماعية راضية، وإعانتهم للاشتراك في حياة الجماعة ومساهمتهم في المجتمع المساهمة الفعالة.
كما تعمل هذه البرامج والخدمات على زيادة قدراتهم الشخصية والأسرية في عمليات التكيف المطلوبة.
ماذا نقصد بعملية العلاج الأسري:
نقصد بالعمليات العلاجية بصفة عامة العمليات التي تقوم بإحداث تغيير في نظام الأسرة حتى يمكنها أن تؤدي وظائفها المختلفة وتحقيق حاجاتها كوحدة متكاملة، ولا بد أن يدخل في هذا التغيير ويتشابك معه تغيرات من جانب أفراد الأسرة، مثل تغيرات في الاتجاهات والمشاعر والسلوك والأدوار وغيرها.
فالفرد يحتاج إلى أن يشعر بأن الأسرة لها ذات مستقلة، كما أنه تحتاج إلى مساندة أفرادها لوحدتها، وأنها تعتمد على أنشطتهم وتعاملهم . . وفي هذا الإطار يجب أن يحدد المعالج أهداف العلاج بكل عناية، ويختبره من وقت إلى آخر. فقد تحتاج الأسرة إلى أمور غير تلك التي يعتقد المتخصص أنها في حاجة إليها، أو غير تلك التي يريدها لها، ويأتي ذلك عن طريق المحادثة الصريحة بينه وبين الأسرة.
ولابد أن يلاحظ المعالج أن العلاج الفعال هو الذي يبدأ مباشرة في تناول الصراعات والصعوبات الفردية التي لها صفة التكرار، لأن كثيراً من مثل هذه الأسر لا تجد العلاج المبكر وتكون نتيجة ذلك أن تواجه مشكلات متراكمة في حياتها المستقبلية.
والمعالج الأسري يحاول إتاحة الفرصة أمام أفراد الأسرة للتفاعل، سواء كان ذلك عن طريق الاتصالات اللفظية أو غير اللفظية، حتى يمكنه أن يتفهم المشكلات والصعوبات، ليتمكن من ثمّ من تعديل اتجاهات هؤلاء الأفراد واستغلال وإطلاق القدرات المعطلة.
وفيما يلي بعض الطرق التي تساعد في حل المشكلات التي تواجه الزوجين وبالتالي تسبب التفكك الأسري.
1- الاهتمام بوضع سياسة للتوعية الأسرية، تشمل الإجراءات التالية:
* تغيير مفاهيم الآباء والأمهات والأسرة بشكل عام حول أسس الاختيار للزوجين، والاتجاه نحو تدعيم فكرة الزواج المتكافئ.
* تغيير المفاهيم المرتبطة بالعلاقات الزوجية، لكي تتوافق مع التغيير الحادث في نمط العلاقة الزوجية التقليدية، والتي يمكن أن تتم من خلال ما يلي:
- توعية الذكور والإناث بأدوارهم الأسرية المستقبلية، ويمكن أن يبدأ ذلك منذ مراحل التعليم الأولى.
- عقد دورات تدريبية وندوات وحلقات نقاش حول الأدوار الأسرية وتباينها بين الزوجين، ومتطلبات تأسيس علاقة زوجية ناجحة(1).
2- دور الزوجين في حل مشكلاتهما:
وهي في نظري من أهم الطرق لتفادي حدوث المشكلة.
قد يبدو للبعض أن الزواج الفاشل ينشأ عن وجود مشكلات حادة تعترض الزوجين في بداية حياتهما الزوجية مما يعتذر معه الاستمرار فيها، فتنتهي بانفصالهما عن بعضهما بواقعة الطلاق.
ولكن الحقيقة أن تعذر الاستمرارية في الحياة الزوجية قد لا يكون بسبب وجود هذه المشكلات الحادة، ولكن بسبب تجمد الزوجين عندها، وتحجر فكر كل منهما بسببها.
ومن هنا يأتي دور الزوجين في حل مشكلاتهما بأنفسهما، حيث يرى ماهر محمود (1988 ) في كتابه ((سيكولوجية- العلاقات الاجتماعية )) أن هناك أسساً لحل المشكلات الزوجية تتمثل في:
- المرونة في التفكير واستخدام المنطق في الحوار، فهما يسهمان في حل أية مشكلات تعترض الحياة الزوجية مهما كانت درجة حدتها أو خطورتها. ومن المهم أن يتيح كل منهما للآخر الفرصة للتعبير عن رأيه بصراحة وموضوعية بلا هجوم ولا تجريح، بحيث تستهدف المناقشة معرفة أسباب الخلاف والتغلب عليه بعيداً عن العناد والتكبر الذي يدفع بعضهما للتمسك والتشبث برأيه حتى ولو كان مخطئاً فيه.
- ضبط النفس وكظم الغيظ والتحكم في الانفعالات بحيث لا يصطدمان مع بعضهما بعضاً في طريق بلا عودة.
- تحمل المسؤولية الكاملة من جانب أي من الطرفين فيما يتعلق بسلوكياته الخاطئة تجاه الطرف الآخر، بحيث لا يتمادى أي منهما في صب غضبه ولومه على غيره، واتهامه بأنه السبب في المشكلات، وتبرئة نفسه منها.
- الترويح عن النفس، فعندما يشعر أحد الزوجين أو كليهما بأن الحياة الزوجية بينهما تمر في مرحلة حرجة وخطرة، بصرف النظر عمن تسبب فيها، يجب أن يبادر كل منهما بتجميد هذه المشكلات على ما هي عليه لفترة مرحلية دون الخوض فيها، ومن ثم يحاول أي منهما أو كلاهما خلال فترة الانتقال هذه أن يبحثا عن وسيلة فعالة ومؤثرة للترويح عن نفسيهما بطريقة جيدة(1).
3- العلاج الديني ودور جمعيات الإصلاح الديني:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ((ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة، قالوا : بلى، قال: إصلاح ذات البين . . وفساد ذات البين هي الحالقة ))(2).
هناك اتجاهات حديثة بين علماء النفس تنادي بأهمية الدين في علاج الأمراض النفسية، وترى أن في الإيمان بالله قوة تمد الإنسان بطاقة روحية، تعينه على تحمل مشاق الحياة، وتجنبه القلق الذي يتعرض له كثير من الناس في العصر الحالي.
* ومن هنا تأتي أهمية الدور الذي يمكن أن تضطلع به جمعيات الإصلاح الديني، فهي تهدف إلى تشجيع أعمال البر والخير وبث الأخلاق الحميدة والتعريف بالإسلام ونشر فضائله وآدابه. وتقوم كذلك بتقديم المساعدات النقدية والعينية للمسلمين، وتوزيع الصدقات والزكاة ورعاية الأيتام والفقراء داخل البلاد وخارجها، كما تقوم ببناء المساجد والمدارس والعيادات ... وكثير من هذه الجمعيات تصدر المجلات والكتب والنشرات الدينية التي تنشر الكلمة الصادقة وتنشر الفكر الواعي وتبصر المسلمين بأمور دينهم ودنياهم.
* وتضطلع هذه الجمعيات أيضاً بمساعدة أفراد الأسرة على مواجهة الصعوبات والمشاكل والأزمات الأسرية المختلفة، وذلك بإقامة الندوات والمحاضرات التي يدعي لها المتخصصون في مجال الأسرة.
بالإضافة لذلك، فإن الإسلام قد وضع مراحل متدرجة لعلاج التفكك الأسري، هي:
- الوعظ:
ومعناه النصح أو العتاب أو التوجيه سواء من الزواج للزوجة، أو من الزوجة للزوج، أو ممن لهم تأثير قوي على الزوج أو الزوجة كالأب أو الأم أو الإخوة، ويجب أن يتضمن الوعظ الكلمات الطيبة وضرب الأمثلة من الأثر الصالح والسنة النبوية الشريفة، واختيار الأسلوب الملائم لذلك.
- الهجر:
ونعني به فراش الزوجة، وهذا الدرجة هدفها إشعار الطرف الآخر برفض المعاشرة كوسيلة للضغط من أجل التغيير وقد حدد الشرع ألا تزيد مدة الهجر عن شهر إلى أربعة أشهر، والهجر لا يعني ترك المنزل وإنما هو وسيلة لمحاولة الإصلاح داخل المنزل وداخل الأسرة وبدون تدخل الآخرين.
- الضرب غير المبرح:
إن لم ترتدع المرأة بالنصح والوعظ ولم يضغط عليها هجر الفراش لتغير من سلوكها، أباح الشارع الحكيم وسيلة الضرب كعقاب مادي هدفه الإيذاء المعنوي وليس الإيذاء البدني.
- التحكيم:
وهنا يتم اختيار حكم من أهل الزوجة وحكم من أهل الزوج، ومن رأي الإمام القرطبي أن الحكمين لا يكونان إلا من أهل الزوج والزوجة، إذ هما أعرف بأحوال الزوجين، ويشترط أن يكونا من أهل العدالة وحسن النظر، فإن لم يوجد من يصلح لذلك فمن غيرهما، وذلك إذا أشكل أمرهما ولم يدر ممن جاءت الإساءة، فأما إذا عرف الظالم فإنه يؤخذ منه الحق ويجبر على إزالة الضرر.
4- دور وسائل الإعلام في التوعية الأسرية:
تلعب وسائل الاتصال المختلفة، سواء المباشرة أو غير المباشرة، من خلال رسائلها الإعلامية، دوراً حيوياً في تنشئة الأسرة التنشئة السليمة التي تضمن استقرارها، وتعمل من خلال شبكة العناصر والمؤثرات الوسيطة، على إحداث التأثير المطلوب بين أفرادها لانتهاج السلوك المقبول حيال أية مشكلات أو نزاعات قد تواجهها، ذلك أنها تضطلع بوظائف مهمة تجاه الجماهير كالتعليم والتثقيف، والتوعية، والإرشاد، والترفيه.
ولقد خلص الباحثون في مجال الإعلام إلى عدة نتائج حول أثر الإعلام وقوته في الإقناع، من أهمها: أن وسائل الإعلام تعزز القيم الاجتماعية وتدعمها، وتصبح في كثير من الأحيان المصدر الرئيس للمعرفة، كما أن المعلومات الواردة من وسائل الإعلام عادة ما تلعب دوراً أساسياً في صنع قرارات الجماهير حيال القضايا المختلفة.
أما فيما يخص الأسرة كجمهور نوعي من جماهير وسائل الإعلام المختلفة، فقد اتفق الباحثون على أن المواقف التي يعتنقها أفراد الأسرة وأصدقاؤهم تحدد بمقدار كبير قبول المعلومات الواردة عبر وسائل الإعلام أو رفضها .. كما يتجلى تأثير وسائل الإعلام بصورة واضحة في تكوين الآراء لديهم حول المواضيع التي لا يعرفون عنها إلا القليل، وبهذا فإن وسائل الإعلام تقل فعاليتها في تغيير الآراء الموجودة فعلاً عند الأفراد.
لقد استنتج عالم الاتصال المشهور ( لاسويل ) أن وسائل الاتصال تقوم بنقل الموروث الاجتماعي ونشره من جيل إلى جيل، والتعرف به، وهو ما عبر عنه بالوظيفة التعليمية لوسائل الاتصال، التي تعني تأهيل الفرد وتنشئته تنشئة مشتقة مع أهداف المجتمع ومثله وقيمه. ولما كانت التنشئة الاجتماعية تعلم الالتزام بأساليب الجماعة، فهي عملية مستمرة مدى الحياة، يكتسب المرء من خلالها المعايير والقيم والسلوكيات المقبولة اجتماعياً، ويمارسها بدوره. وفي المجتمع الحديث تقوم وسائل الإعلام بعملية التنشئة الاجتماعية بصورة موازية ومكملة لما تقوم به المؤسسات الأخرى (التعليمية والعائلية والثقافية ) إن لم تتفوق عليها، خاصة في عالم متغير كعالمنا تكثر فيه الأحداث وتتسارع بطريقة غير مسبوقة.
ومما يزيد من فعالية وسائل الإعلام في التنشئة الاجتماعية الوقت المتزايد الذي يكرسه المرء لها، فالذهاب إلى المدرسة مثلاً قد يتوقف بعد سنين عديدة، ولكن التعرض لوسائل الإعلام يكون مدى الحياة. لذلك فإن وسائل الإعلام من خلال التزامها بقضايا المجتمع والإنسان توفر رصيداً مشتركاً من المعرفة الاجتماعية يتأثر به كل أفراد المجتمع . . ومن البديهي القول: إن ذلك الرصيد المشترك يمكن الأفراد من القيام بأدوارهم بفاعلية، ويتيح لهم المشاركة الإيجابية في الحياة العامة وشؤونها.
ويؤكد هذا الاستعراض لبعض خصائص وسائل الاتصال الإعلام، الحاجة لاستخدام هذه الوسائل الاستخدام الأمثل في الإرشاد الأسري، وذلك يتطلب إعداداً مدروساً للرسائل الإعلامية التي تبث للجمهور، من حيث شكلها ومضمونها . . كما يتطلب اختيار وسيلة الاتصال المناسبة التي يمكن بها إحداث التأثير المطلوب في الجمهور المستهدف، واختيار الأوقات المفضلة للجمهور، بوصف ذلك عملاً مهماً في التعرض الاختياري للرسائل الإعلامية . . كذلك التنوع والتوسع في الرسائل الإعلامية فيما يخص تنمية معارف الجمهور، وعرض القضايا الجدلية، ومحاولة مساعدة الجمهور في صنع القرار والاستنتاج، وتقديم الحجج الخاصة بالمواضيع المختلفة للإرشاد، وتوضيح خطورة عدم التقيد بما تحمله الرسائل الإعلامية من تعليمات ومعلومات، فضلاً عن المصداقية والدقة اللتين هما أساس ثقة المتلقي بوسيلة الاتصال(1).
5- دور المؤسسات الحكومية والأهلية في التوعية الأسرية:
فيما يلي بعض النماذج لمؤسسات حكومية أو أهلية تقدم وتشارك في حل المشكلات الأسرية، ويختلف حجم هذه المؤسسات وأهدافها طبقاً لإمكانياتها واحتياج المجتمع لمثل هذا التخصص:
أ - مراكز التنمية الاجتماعية Social Development
تقوم المراكز التنموية بتقدم الخدمات الإرشادية للأسر، ورفع مستوى التربية الاجتماعية، العمل على استقرار الحياة الأسرية، وإرساء دعائم الأسرة على أسس وقيم دينية وأخلاقية ووطنية، باعتبار تلك القيم من العلامات المهمة في هذا الاستقرار.
ومن برامج مراكز التنمية الاجتماعية ووسائلها في تحقيق أهدافها ما يلي:
- المحاضرات والندوات، التي تتولى التوعية الاجتماعية والثقافة والصحية للمرأة والرجل على السواء.
- تنظيم دورات تدريبية للنساء، ككيفية التعامل مع المشاكل الأسرية، وعن كيفية تربية الأبناء(1).
بالإضافة إلى الاستعانة بالجمعيات الأهلية والتطوعية في إقامة المحاضرات والندوات والدورات التدريبية للعلاقات الأسرية. ويمكن تأسيس تخصصات في الجامعة تقوم بتدريب أخصائيين في مجلا العلاقات الأسرية، يكونون هم القائمين فيما بعد على إدارة وحل مشكلة الزواج(2).
ب - مكاتب التوجيه والاستشارات الأسرية:
تتلخص أهداف هذه المكاتب في: علاج المشاكل التي تتعرض لها الأسرة، وتقضي أسبابها، وتهيئة الجو العائلي السليم الذي يكفل للأسرة نشأة اجتماعية سليمة صالحة، وتوجيه الأسرة نحو مصادر الخدمات الاجتماعية المختلفة في المجتمع المحلي للانتفاع بها، ومعاونة قضاة الأحوال الشخصية في بحث العوامل المسببة للمنازعات الزوجية والعائلية، بالإضافة إلى القيام بالبحوث والدراسات المتصلة بالأسرة والتي تساعد على تحديد الإطار العام للخدمات اللازمة لها. وتعمل هذه المكاتب على تحقيق أهدافها بأسلوبين:
الأول: الأسلوب العلاجي:
وذلك بدارسة الحالات التي تعرض عليها وبحث أسبابها، وتشخيصها تشخيصاً دقيقاً، والعمل على علاجها، واتخاذ الحلول اللازمة لتقديم الخدمات اللازمة التي تساعد على زوال أسباب المشكلة.
الثاني: الأسلوب الوقائي:
وذلك بالتوعية الاجتماعية والأسرية، والاستعانة بوسائل الإعلام المختلفة، وإجراء البحوث والدراسات، وعقد الندوات والمؤتمرات بهدف زيادة الوعي الأسري في المجتمع وتفادي المشاكل والمنازعات قبل وقوعها(1).
وهناك عدة طرق تقدمها المراكز كوسائل للعلاج من بينها:
* الجلسات الأسرية: وفيها إما أن تكون:
- الاستشارة جماعية (في جو هادئ وخصوصي )،
- أو استشارة جماعية (جماعة الدعم الاجتماعي، جماعة المجهولين ).
* البرامج والدورات التدريبية (الثقة بالنفس، مهارات الاتصال، تطبيقات أسرية، السعادة الزوجية التربية الإيجابية للأولاد، إدارة الضغوط ).
* الإصدارات المرئية والسمعية، الخاصة بالاستشاريين المحليين والعالميين(1). وهناك أساليب علاجية حديثة تطبق الآن من أجل حل المشكلات الزوجية قبل أن تتفاقم، منها العلاج الزواج المرتبط بالمواقف، والعلاج الزواج السلوكي، والعلاج الزواج الذي يركز على العواطف، وهو أحدث أساليب العلاج حالياً. وكلها أساليب تطبق تحت إشراف أخصائي المشكلات الزوجية الذي يجب أن تتوفر لديه الخبرة العلمية المرتبطة بالإرشاد الاجتماعي والنفسي والسلوكي.
- ويقوم العلاج الزواج المرتبط بالموقف، على إعادة تمثيل الموقف محل الخلاف بين الزوجين، الذي يعتبر مجالاً للتنفيس عن المشاعر السلبية بين الزوجين، حتى يعود الهدوء لحياتهما من جديد.
- أما المنهج السلوكي فيقوم على خلق مواقف التفاعل بين الزوجين، ويستهدف إيجاد التواصل الجيد بينهما، أولاً، وتغيير أساليبهم أو سلوكياتهم في مواجهة المواقف، ثانياً، وذلك من خلال تدريبهم على التعبير عن مشاعرهم، واكتساب القدرة على الاستماع أو الإنصات للطرف الآخر.
- أما الأسلوب الذي يعالج المشكلات الزوجية بالتركيز على العواطف، فيقوم على مساعدة الزوجين على إدراك مشكلاتهم ومشاعرهم الخفية التي يزيد كبتها من حدة الصراع بينهما أو يؤدي إلى التفاعل السلبي بينهما، وبالتالي فإن المنهج يركز على تدعيم:
- العلاقة الإيجابية
- تفادي مناطق الاختلاف.
- إظهار المشاعر الخفية في موقف تفاعلي هادئ.
- تدعيم الثقة بين الزوجين.
العلاقة بين مفهوم الذات وأساليب المعاملة الزوجية:
أجرى الدكتور محمد محمد بيومي، أستاذ النفسية بجامعة الزقازيق، دراسة ميدانية لتحديد العلاقة بين مفهوم الذات، وأساليب المعاملة الزوجية، وعلاقتهما بالتوافق الزواج، وذلك بهدف:
- الخروج ببعض التوصيات والتطبيقات النفسية والتربوية الإرشادية المتعلقة بالإرشاد الزواج وخدماته، بقصد مساعدة الزوجين على تحقيق أقصى قدر من التوافق الزواج.
ومن ضوء ما كشفت عنه الدراسة من نتائج، تتضح أهمية الحاجة إلى الإرشاد الزواج لطرفي العلاقة الزوجية، والقائمين على تربية النشء والشباب. ويمكن في ضوء هذه النتائج اقتراح الخدمات الإرشادية والتطبيقات التربوية التالية:
أولاً: في مجال التربية الزوجية والأسرية:
(أ) بالنسبة للآباء:
- تقديم نموذج طيب لأساليب المعاملة الزوجية يرغب الأبناء في الزواج، وفي اتباع هذه الأساليب السوية في قابل حياتهم الزوجية. فالبنت التي ترى أمها تحترم أباها لا شك أنها ستحترم زوجها في المستقبل والعكس صحيح . . وهذا بالنسبة للابن تماماً، فالابن الذي يجد أباه يحترم أمه ويقدس الحياة الزوجية، لا شك أنه سوف يقدسها ويتكون لديه اتجاه موجب نحوها.
- اتباع أساليب معاملة والديه سوية مع الأبناء، فلا شك أن اتباع مثل هذه الأساليب سوف يساعد على تكوين شخصيات ناضجة عاطفياً ووجدانياً، لديها مفهوم موجب عن ذاتها، مما ينعكس على اتباعها لهذه الأساليب السوية في تعاملها الزواج، وعلى العكس فإن اتباع أساليب معاملة غير سوية مع الأبناء سوف يكوّن شخصيات قلقة مضطربة تفتقر للنضج العاطفي والانفعالي، لدينها مفهوم وسالب عن ذاتها، مما ينعكس على أساليب معاملتها الزوجية مستقبلاً.
- تقديم المعارف والمعلومات الصحيحة والمبسطة عن الحياة الجنسية والزوجية للأبناء بشكل مبسط ومقبول.
- عدم إرغام الأبناء على اختيار شريكة حياة لا يرغبون في الزواج منه، والاكتفاء بالنصح والمشورة.
- عدم المغالاة في المهور عند زواج البنات، ومراعاة الكفاءة والتكافؤ ومستقبل شريك أو شريكة الحياة.
- البعد عن التدخل السافر في حياة الأبناء بعد زواجهم، وتركهم يعيشون هذه الحياة كما يرغبون، مع التدخل بالنصح والإرشاد والصلح عندما تقتضي الظروف ذلك وبرغبة الأبناء.
(ب) بالنسبة للمؤسسات التعليمية والتربوية:
- الاهتمام بالتربية الزوجية ووضعها ضمن مقررات الصفوف النهائية بالنسبة لطلاب المدارس الثانوية الفنية، ولطلاب النهائية بالجامعة.
- الاهتمام بالتربية الجنسية والعاطفية، وتقديم المعلومات الصحيحة عنها من خلال مقررات الأحياء ولم النفس وعلم الاجتماع.
- التركيز في التربية الدينية في المرحلة الثانوية على النكاح وأحكامه وما يتعلق به من خطبة وصداق، وعقد، ونفقة . . إلخ.
- التركيز في علم الاجتماع على الأسرة، وتكوينها، وأهميتها، والأسباب التي تساعد على تكوين أسرة ناجحة:
(ج) بالنسبة للعاملين بمراكز الأمومة والطفولة ووزارة الصحة:
- الاهتمام بمكاتب فحص الراغبين في الزواج لتقوم بتقديم خدماتها الطبية والإرشادية للراغبين في الزواج من حيث الأمراض الوراثية والتناسلية والعقم وخلافة تجنباً لمشكلات تهدد مستقبل الحياة الزوجية مستقبلاً.
- توسيع نطاق هذه الخدمات بإنشاء مكاتب للعلاقات الزوجية والإرشاد الزواج، وحل المشكلات بعيداً عن المحاكم.
(د) بالنسبة لعلماء الدين وعلماء الاجتماع ورجال القانون:
- تقديم الإرشادات والتوجيهات والأحكام والفتاوى الدينية السليمة المتعلقة بجميع أمور الزواج.
- تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقاً تاماً يتمشى وروح العصر، فالإسلام صالح لكل زمان ومكان.
- توضيح الغموض حلو زواج المتعة، والزواج العرفي، والمساعدة على إصدار التشريعات اللازمة في هذا الخصوص.
- توضيح الأساليب الاجتماعية الرشيدة لقيام حياة زوجية سعيدة.
2- خدمات إرشادية للراغبين في الزواج:
- تقديم الخدمات الإرشادية المتعلقة بسيكولوجية المرأة والرجل.
- المساعدة في اختيار شيك/ شريكة الحياة من حيث:
- النضج العاطفي والجنسي والجسمي والعقلي.
- التدقيق في الاختيار، وعدم التسرع جرياً وراء نزوة طارئة أو إعجاب عارض مؤقت.
- التكافؤ نسبياً من حيث: المستوى التعليمي والعقلي، الوسط الاجتماعي، المهنة، الدخل، المستوري الديني والخلقي.
- اعتبار الدين المقوم الأساس للاختيار الزواج.
- البعد عن زواج المصلحة.
- تقديم خدمات إرشادية تتعلق بأساليب المعاملة الزوجية وإدارة الأسرة، وتربية الأبناء.
3- خدمات إرشادية للمتزوجين فعلاً:
- تقديم المعلومات المتعلقة بمقومات الزواج الناجح.
- تقديم المعلومات المتعلقة بالتوافق الزواج وأساليبه.
- تقديم الخدمات الإرشادية المتعلقة بكيفية حل المشكلات الزوجية بأيسر الطرق.
- تقديم الخدمات المتعلقة بطرق التفاعل الاجتماعي مع الزوجة والأبناء.
- تقديم الخدمات المتعلقة بطرق تربية الأبناء ورعاية نموهم.
وفي النهاية، فمما لا شك فيه أن الزواج السعيد ينمو في جو عامر بالثقة والحرية والاحترام المتبادل، فليس أخطر على السعادة الزوجية من أن يعيش الزوجان في قاتم من الشكوك المستمرة، والريبة الدائمة، أو في محيط خانق من الضغط المتوالي والقسر المتواصل، وإذا كانت الثقة لا تولد إلا الثقة، فإن الريبة أيضاً لا يمكن أن تولد إلا الريبة والشك.
ولما كانت السعادة الزوجية ليست منحة أو هبة بل هي كسب، فإنه لا بد لضمان هذا الكسب من تعاون كل من الزوج والزوجة في سعي حثيث من أجل العمل على تحقيق أسباب التكيف، وتجنب دواعي الخلاف والنزاع والتشاحن، وزيادة عوامل وأسباب التوافق والانسجام الشاملة . . . واهتمام الدولة بتوفير جميع سبل الرفاهية والتقدم للمجتمع . . كما أرى أن التخطيط Planning للمستقبل أمر حتمي تفرضه مسيرة التغير المستمر(1). ********************************************* تمنياتنا للجميع بالتوفيق لما فيه خير وصلاح الدارين اخوكم سيد علي الموسوي