المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خديجة بنت خويلد (عليها السلام) الزوجة المحسودة !


hammadi
24-09-2012, 08:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

http://c.shia4up.net/uploads/13484375181.png (http://c.shia4up.net/)

http://c.shia4up.net/uploads/13484375182.png (http://c.shia4up.net/)

خديجة بنت خويلد (عليها السلام) الزوجة المحسودة !

"ذكرى وفاة سيدة نساء عالمها خديجة الكبرى (عليها السلام) في العاشر من شهر رمضان".

كما أن لهذا الشهر الكريم الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان.. شهر رمضان المبارك، شأناً ومنزلة عظيمة الشأن؛ ومن جملتها ذكرى وفاة سيدة نساء قريش وأعظم وأخلص نساء النبي (صلى الله عليه وآله) عند الله ورسوله، ألا وهي خديجة بنت خويلد سلام الله عليها. هذه المرأة التي وهبت نفسها ومالها وكلّ ما ملكت لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وآمنت بالرسول حين كذبه الناس، وكانت (سلام الله عليها) تمثل أعلى القيم الأخلاقية والإيمانية تجاه زوجها النبي (صلى الله عليه وآله) والدين، حيث قدمت كل ما تملك من أجل نصرة هذا الدين الحنيف.

في الأخبار الواردة أن الإسلام لم يقم إلا بمال خديجة وسيف علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليهما)، كما صرّح به رسول الإنسانية (صلى الله عليه وآله)، وهذه شهادة عظيمة المنزلة والقدر لمولاتنا وسيدتنا خديجة (عليها السلام) من خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله). وإليك عزيزي القارئ نبذة مختصرة عن حياة هذه المرأة العظيمة.

ولادتها واسمها وكنيتها (عليها السلام):
ذكر المحدّث الجليل العلامة المجلسي (قدس سره): أنها (صلوات الله عليها) وُلدت قبل عام الفيل بخمس عشرة سنة، واسمها الشريف: خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب، وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم، وينتهي نسبها إلى لؤي بن فهر بن غالب.

وأما كنيتها: فإنها كانت تكنى بأم هند (البحار ج16، ص12).

وذكر هذه الكنية أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني (ج16، ص12).

وذكر الهيثمي: وكانت في الجاهلية تسمى الطاهرة (مجمع الزوائد ج9، ص218).

وذكر الزرقاني في شرحه: وكانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة لشدّة عفافها. وكانت تسمى سيدة نساء قريش (شرح المواهب اللدنية ج1، ص199).

تزويجها (صلوات الله عليها):
روى الشيخ الصدوق (قدس سره) قال: وخطب أبو طالب (سلام الله عليه) لما تزوج النبي (صلى الله عليه وآله) خديجة بنت خويلد (عليها السلام) بعد أن خطبها إلى أبيها، ومن الناس من يقول: من عمها؟ فأخذ بعضادتي الباب ومن شاهده من قريش حضور، فقال: الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء وجعلنا الحكام على الناس في بلدنا الذي نحن فيه. ثم إن ابن أخي محمداً (صلى الله عليه وآله) بن عبد الله بن عبد المطلب لا يوزن برجل من قريش إلا رجح، ولا يقاس إلا عظم عنه، وإن كان في المال قلّ فإن المال رزق عائل وظلّ زائل وله خطر عظيم وشأن رفيع ولسان شافع جسيم.

فزوّجه ودخل بها من الغد، فأوّل ما حملت ولدت عبد الله بن محمد (صلى الله عليه وآله). (من لا يحضره الفقيه: ج3 ص251).

وذكر هذه الخطبة الشيخ المفيد (قدس سره) (رسالة في المهر: ج29/9) والطبرسي في مكارم الأخلاق (ص205).

وقال رجل من قريش يقال له عبد الله بن غنم:

هنيئاً مريئاً يا خديجة قد جرت***لك الطير فيما كان منك بأسعد

تزوّجت خير البرية كلها***ومن ذا الذي في الناس مثل محمد

وبشّر به البران عيسى بن مريم***وموسى بن عمران فيا قرب موعد

أقرّت به الكتاب قدماً بأنه***رسول من البطحاء هاد ومهتد

(فروع الكافي: ج5 ص374).

أبناؤها:
قال الشيخ الكليني (رحمه الله): وتزوج - النبي (صلى الله عليه وآله) - خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة فولد منها قبل مبعثه (صلى الله عليه وآله) القاسم ورقية وزينب وأم كلثوم، وولد له بعد المبعث: الطيب والطاهر وفاطمة (عليها السلام). (أصول الكافي: ج1 ص439).

وهناك من يذهب إلى أن رقية وزينب وأم كلثوم كنّ بنات هالة أخت السيدة خديجة، وكانت خالتهن قد تكفّلت بتربيتهنّ، والله العالم.

معاشرتها للرسول (صلى الله عليه وآله) وحبّه لها وحبّها له:
لقد كانت هذه المرأة العظيمة في غاية الإخلاص والاحترام للرسول (صلى الله عليه وآله) لا سيما في أصعب الظروف التي مرت به (صلى الله عليه وآله)، فكانت مؤنسته عندما يرجع إلى بيته (صلى الله عليه وآله) فتزيل عنه الهموم والغموم والآلام وتستقبله بالحب وتسمعه أجمل الكلمات التي من شأنها أن تذهب عنه الآلام والجراح التي تحمّلها لأجل إثبات هذه الرسالة الخالدة العظيمة.

ومما يدل على ذلك ما جاء في البحار: (كانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدّقت بما جاء من الله ووازرته على أمره، فخفّف الله بذلك عن رسوله (صلى الله عليه وآله) وكان لا يسمع شيئاً يكرهه من ردّ عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرّج الله ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بها إذا رجع إليها تثبّته وتخفّف عنه وتهوّن عليه أمر الناس حتى ماتت رحمها الله) (البحار: ج16 ص10).

أما حب النبي وإخلاصه لها فقد ذكر الكنجي الشافعي عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة قالت: ما غرت على نساء النبي (صلى الله عليه وآله) إلا على خديجة، وإني لم أدركها. وكان رسول الله إذا ذبح شاة يقول: أرسلوا بها أصدقاء خديجة. قال: فأغضبته يوماً فقلت: خديجة، فقال: إني رزقت حبّها (كفاية الطالب: ص359).

وذكر عن عائشة أيضاً، قالت: لم يتزوّج النبي (صلى الله عليه وآله) على خديجة حتى ماتت (صلوات الله عليها). (المصدر نفسه).

وذكر العلامة المحقق الأربلي (قدس سره) قال: وعن علي (صلوات الله عليه) قال: ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) خديجة يوماً وهو عند نسائه فبكى، فقالت له عائشة: ما يبكيك على عجوز حمراء من عجائز بني أسد؟

فقال (صلى الله عليه وآله): صدقتني إذ كذّبتم، وآمنت بي إذ كفرتم، وولدت لي إذ عقمتم. قالت عائشة: فما زلت أتقرّب إلى رسول الله بذكرها. (كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج1 ص508).

حسد عائشة لخديجة (سلام الله عليها):
عن عائشة قالت: ما حسدت أحداً ما حسدتُ خديجة، وما تزوجني رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا بعدما ماتت (عليها السلام)، وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشّرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. (سنن الترمذي: ج5 ص659).

أنظر أيها القارئ الكريم لهذه التي عندهم أفضل النساء كيف تصرّح بأنها حسدت خديجة (عليها السلام) مع أن النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: (ولا تحاسدوا) ويقول (صلى الله عليه وآله): (قد دبّ إليكم داء الأمم من قبلكم وهو الحسد).

ذكر ابن الجوزي عن عائشة: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة (عليها السلام) فيحسن عليها الثناء. فذكرها يوماً من الأيام فأدركتني الغيرة فقلت: هل كانت إلا عجوزاً قد أخلف الله لك خيراً منها؟ قالت: فغضب حتى اهتزّ مقدم شعره من الغضب، ثم قال: لا والله ما أخلف الله لي خيراً منها، لقد آمنت إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل أولادها إذ حرمني أولاد الناس. قالت: فقلت بيني وبين نفسي لا أذكرها بسوء أبداً. (صفة الصفوة: ج2 ص4. وذكر قريباً منه الذهبي في سير أعلام النبلاء: ج2ص112).

أقول: لو لم يكن إلا هذه الرواية في ذكر سيدتنا ومولاتنا خديجة (عليها السلام) لكانت أعظم شهادة لها في هذا الكون، وعلى لسان مَن؟ لسان رسول الإنسانية وخاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) الذي لا ينطق عن الهوى، ويقسم بالله العظيم على عظم شأنها وحبها وإيمانها وتصديقها بالله ورسوله في وقت كفر الناس به وصدّوا عنه، وأن الله لم يخلفه خيراً منها - أي أنه لم تسد مكانها أية زوجة من زوجاته (صلى الله عليه وآله) -. هذه الشهادة عند الإنسان العاقل والمنصف ليست بقليلة بل هي حقيقة واضحة وشهادة عظيمة القدر لهذه الإنسانة العظيمة التي ضحت بنفسها ومالها وكل ما ملكت من أجل إعلاء كلمة الحق وإحياء هذا الدين ونصره ودحض الباطل وأهله.

وفي الوقت نفسه ترى في هذه الرواية شهادة من الرسول (صلى الله عليه وآله) لعائشة بضعف إيمانها وقلة احترامها للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) والاستخفاف بشخصية سيدة النساء خديجة (عليها السلام). وتصرّح بصلافة لسانها المشؤوم أنها أغضبت النبي (صلى الله عليه وآله) حتى اهتزّ مقدم شعره من الغضب، فما لمن أغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا الغضب ويصرح به؟ إليك هذا السؤال أيها القارئ الكريم.

ومن جهة أخرى فالرواية أيضاً فيها تعريض واضح بعائشة على أنها لم تؤمن بالنبي (صلى الله عليه وآله) ولم تصدّقه ولم تواسه بمالها، وأنها عاقر وأنها ليست على خير.

وذكر المجلسي (قدس سره)، وقال محمد ابن إسحاق: وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالاً وأمانة وتجارة، وكانت خديجة (عليها السلام) خالته فسألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يزوجه زينب. وكان (صلى الله عليه وآله) لا يخالف خديجة. (البحار: ج19 ص348).

انظر أيها القارئ الكريم إلى جلالتها حيث إن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) لا يخالفها حتى في الأمور المهمة كتزويج بناته (صلى الله عليه وآله).

نصرتها للرسول (صلى الله عليه وآله):
لقد بذلت هذه المرأة العظيمة نفسها ومالها في سبيل نصرة هذا الدين الحنيف، وهذا مما يدل على عظمة هذه الشخصية حيث نذرت نفسها ومالها لصاحب هذا الدين (صلى الله عليه وآله)، فقد جاء في الخبر أنها وهبت جميع مالها له (صلى الله عليه وآله).

ذكر المجلسي (قدس سره) أن خديجة قالت لعمّها ورقة: خذ هذه الأموال وسر بها إلى محمد (صلى الله عليه وآله) وقل له: إن هذه جميعها هدية له وهي ملكة يتصرف فيها كيف شاء، وقل له إن مالي وعبيدي وجميع ما أملك وما هو تحت يدي فقد وهبته لمحمد (صلى الله عليه وآله) إجلالاً وإعظاماً له.

فوقف ورقة بين زمزم والمقام ونادى بأعلى صوته: يا معاشر العرب إن خديجة تُشهدكم على أنها وهبت نفسها ومالها وعبيدها وخدمها وجميع ما ملكت يمينها والمواشي والصداق والهدايا لمحمد (صلى الله عليه وآله)، وجميع ما بذل لها مقبول منه وهو هدية منها إليه إجلالاً وإعظاماً ورغبة فيه، فكونوا عليه من الشاهدين. (البحار: ج16 ص71).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما نفعني مال قط ما نفعني مال خديجة (مستدرك سفينة البحار: ج2 ص30).

وروي أن الإسلام لم يقم إلا بمالها وسيف علي بن أبي طالب (عليه السلام) (ذكره الفقيه الكبير المامقاني وقال إنه متواتر، تنقيح المقال: ج2 ص77).

وروي عن العامة: قالت أم سلمة: فلما ذكرنا خديجة بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: وأين مثل خديجة؟ صدقتني حين كذبني الناس، وأعانتني على ديني ودنياي بمالها. (إحقاق الحق: ج4 ص480).

وعن شيخ الطائفة الحقة الطوسي أعلى الله مقامه الشريف: قال أبو عبيدة: فقلت لعبيد الله يعني ابن أبي رافع: أ وَكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجد ما ينفقه هكذا؟ فقال: فأين يذهب بك عن مال خديجة (عليها السلام)؟ وقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال خديجة (عليها السلام). وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يفك من مالها الغارم والعاني، ويحمل الكل ويعطي في النائبة ويرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكة، ويحمل من أراد منهم الهجرة. وكانت قريش إذا رحلت عيرها في الرحلتين يعني رحلة الشتاء والصيف كانت طائفة من العير لخديجة وكانت أكثر قريش مالاً، وكان (صلى الله عليه وآله) ينفق منه ما يشاء في حياتها ثم ورثها هو وولدها بعد مماتها (الأمالي: ص468).

جبرائيل يبلّغ السلام من الله لخديجة:
عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: حدث أبو سعيد الخدري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن جبرائيل (عليه السلام) قال لي: ليلة أسري بي وحين رجعت، فقلت: يا جبرائيل هل لك من حاجة؟ قال: حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومني السلام. وحدثنا عن ذلك أنها قالت: حين لقيها النبي (صلى الله عليه وآله) فقال لها الذي قال جبرائيل. فقالت: إن الله هو السلام ومنه السلام واليه السلام وعلى جبرائيل السلام. (تفسير العياشي: ج2 ص279).

وروي أن جبرائيل أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فسأل عن خديجة فلم يجدها، فقال: إذا جاءت فأخبرها أن ربها يقرؤها السلام (البحار: ج66 ص8).

وعن الكنجي عن أبي زرعة قال: سمعت أبا هريرة يقول: أتى جبرائيل النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك، معها إناء فيه أدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب (كفاية الطالب: ص357).

وذكره ابن حجر العسقلاني أيضاً (في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة: ج4 ص208)، وذكره ابن الجوزي (صفة الصوفة: ج2 ص3).

لا إشكال أن لهذا السلام منشأ، وإلا لا يصدر من الحكيم لأنه يلزم اللغو، فإذا كان بملاك ومنشأ ونحن لا نعلم بهذا الملاك، ولكن نكتشف من خلال هذا السلام أن لهذا الفرد خصوصية عند المولى. إذن من هذا السلام يُعلم أفضلية خديجة (عليها السلام).

خديجة صديقة أمتي:
عن ابن المغازلي، عن ابن عمر قال: نزل جبرئيل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله) فقصّ عليه ما أرسل به وجلس يحدّث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ مرّت خديجة، فقال جبرائيل: من هذه يا محمد (صلى الله عليه وآله)؟ قال: هذه صديقة أمتي. قال جبرائيل: إن معي إليها رسالة من الرب (عز وجل) تقرئها السلام وتبشرها ببيت في الجنة من قصب بعيد من اللهب لا لغب فيه ولا نصب. فقالت: الله السلام ومنه السلام وعليك السلام. قيل: يا رسول الله، ما ذلك البيت؟ قال: لؤلؤه جوفاً بين بيت مريم وبين آسية بنت مزاحم، وهما من أزواجي في الجنة (مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام): ص338) وذكر قريباً منه ابن كثير (في البداية والنهاية: ج2 ص62).

ولا تعارض بين الروايات المصرحة بأن الزهراء (عليها السلام) صديقة، وبين هذه الرواية المصرحة بأن خديجة صديقة، لأن الزهراء صديقة على الإطلاق وخديجة صديقة في هذه الأمة.

وقد ذكر الرجالي المعروف السيد الميرزا محمد الاسترابادي (قدس سره) باب ذكر نساء لهنّ رواية عن خديجة بنت خويلد زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) (منهج المقال: ص400 حجري).

خديجة وأمير المؤمنين (عليهما السلام):
ومن الفضائل والخصوصيات التي اختصّت بها خديجة (عليها السلام) أنها شاركت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تربية أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويكفي لها هذا الفخر العظيم حيث كانت حجراً لمولى الموحدين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، كما أنه لابد من أن يكون الحجر الذي يتكفّل بتربية الإمام علي (عليه السلام) طاهراً مطهراً مهما كانت خصوصياته، كي يصبح قابلاً لهذا المعصوم أرواحنا فداه. وكما كانت فاطمة بنت أسد حجراً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان لها حظ، فخراً واعتزازاً بأنها كانت أهلاً في مقام المهمّة الموجهة إليها، وكانت بمقام الأم للنبي (صلى الله عليه وآله)، فلخديجة (عليها السلام) هذا الفخر كذلك. ويدلّ على هذا ما ذكره ابن شهر آشوب (قدس سره): ثم إنه كان أبو طالب وفاطمة بنت أسد ربيبا النبي (صلى الله عليه وآله)، وربى النبي (صلى الله عليه وآله) وخديجة (عليها السلام) علياً (عليه السلام). (تاريخ الطبري، والبلاذري، وتفسير الثعلبي، والواحدي، وشرف النبي، وأربعين الخوارزمي، ودرجات محفوظ السيني، ومغازي محمد بن إسحاق، ومعرفة أبي يوسف التستري) أنه قال مجاهد: وأخذ رسول الله علياً وهو ابن ست سنين كسنّه يوم أخذه أبو طالب، فربته خديجة والمصطفى إلى أن جاء الإسلام وتربيتهما أحسن من تربية أبي طالب وفاطمة بنت أسد، فكان مع النبي إلى أن مضى وبقي عليّ بعده.

وفي رواية: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: اخترت من اختار الله لي عليكم علياً. (المناقب: ج2 ص27)، وذكره المجلسي (البحار: ج38 ص294).

وعن الباعوني الشافعي: إن أبا طالب قال لزوجته فاطمة بنت أسد أم علي (رضي الله عنهم): يا فاطمة ما لي لا أرى علياً يحضر طعامنا؟ فقالت: إن خديجة بنت خويلد قد تألّفته. فقال أبو طالب: والله لا أحضر طعاماً لا يحضره علي، فأرسلت أمه جعفراً أخاه وقالت: جئني به وحدّثه بما قال أبوه. قال: فانطلق جعفر إلى خديجة فأعلمها وأخذ علياً. (جواهر المطالب في مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام): ج1 ص39).

عطفها (عليها السلام) على أمير المؤمنين (عليه السلام):
بعد أن علمت السيدة الطاهرة خديجة (عليها السلام) بوصاية الوصي والخلافة من بعد المصطفى وحب النبي (صلى الله عليه وآله) للوصي (عليه السلام) تعلّق قلبها بحب الوصي (عليه السلام)، فد كانت تحبه حباً جماً. ومنشأ هذا الحب الإلهي هو إيمانها الكامل بهذا الدين الحنيف وتسليمها الكامل بكل ما يصدر من الشرع الأقدس، فلقد كانت (عليها السلام) حريصة على الإمام (عليه السلام)، وكانت تلبسه أفخر الثياب وتزينه، وإذا أراد الإمام (عليه السلام) الخروج أرسلت معه مواليها إلى المكان الذي يقصده (عليه السلام).

وكانت (عليها السلام) تحرسه من كل شيء وتشيد به لما عرفت من أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو نفس الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولا يفترق أحدهما عن الآخر. وكما أنها (سلام الله عليها) أسلمت وسلّمت لصاحب هذا الدين (صلى الله عليه وآله) وحبته حباً جماً لأجل هذا الملاك، كذلك أسلمت وسلّمت لوزير صاحب هذا الدين لأجل هذا الملاك. وهذا يعتبر من أهم فضائلها (عليها السلام)، إذ لولا هذا الحب للوصي والتسليم إليه لما صار إليه لما صارت إلى هذه المنزلة العظيمة وهي سيدة النساء وأفضل نساء أهل الجنة لأنه لا قيمة لأحد بدون هذا الحب والتسليم للوصي (عليه السلام) مهما كانت منزلته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. فكلّما كان هذا الحب للمرتضى (عليه السلام) قوياً وصافياً بحيث يكون خالياً من الشوائب، يكون هذا الحب له الامتداد لحب النبي (صلى الله عليه وآله) ولحب الله تبارك وتعالى، كما جاء ذلك في الأخبار المتواترة من الفريقين: (من أحب علياً فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض علياً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله) (كنز العمال: ج11 ص622).

خديجة (عليها السلام) تتفقد أمير المؤمنين (عليه السلام):
عن فرات الكوفي، عن معاذ بن جبل (ر ضي الله عنه): أن النبي (صلى الله عليه وآله) خرج من الغار فأتى منزل خديجة كئيباً حزيناً، فقالت خديجة: يا رسول الله ما الذي أرى بك من الكآبة والحزن ما لم أره فيك منذ صحبتني؟ قال: يحزنني غيبة علي. قالت: يا رسول الله تفرق المسلمون في الآفاق وإنما بقي ثمان رجال كان معك الليلة سبعة نفر فتحزن لغيبوبة رجل؟ فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: يا خديجة إن الله أعطاني في علي ثلاثة لدنياي وثلاثة لآخرتي، فأما الثلاثة التي لدنياي فما أخاف عليه أن يموت، ولا يقتل حتى يعطيني الله موعده إياي ولكن أخاف عليه واحدة. قالت: يا رسول الله إن أنت أخبرتني ما الثلاثة لدنياك وما الثلاثة لآخرتك، وما الواحدة التي تتخوف عليه لاحتويت على بعيري ولأطلبنه حيثما كان، إلا أن يحول بيني وبينه الموت.

قال: يا خديجة إن الله أعطاني في عليّ لدنياي أنه يواري عورتي عند موتي وأعطاني في علي لدنياي أنه يقتل بين يدي أربعة وثلاثين مبارزاً قبل أن يموت أو يقتل، وأعطاني في علي لآخرتي أنه متكأ يوم الشفاعة وأعطاني في علي لآخرتي أنه صاحب مفاتيحي يوم افتح أبواب الجنة، وأعطاني في علي لآخرتي أني أعطى يوم القيامة أربعة ألوية، فلواء الحمد بيدي وأدفع لواء التهليل لعلي وأوجّهه في أول فوج وهم الذين يحاسبون حساباً يسيراً ويدخلون الجنة بغير حساب عليهم، وأدفع لواء التكبير إلى حمزة وأوجّهه إلى الفوج الثالث ثم أقيم على أمتي حتى أشفع لهم ثم أكون أنا القائد وإبراهيم السائق حتى أدخل أمتي الجنة، ولكن أخاف عليه أضرار جهلة قريش.

فاحتوت على بعيرها وقد اختلط الظلام فخرجت فطلبته فإذا هي بشخص فسلّمت عليه ليرد السلام لتعلم علي هو أم لا. فقال: وعليك السلام أخديجة؟ قالت: نعم، فأناخت ثم قالت: بأبي أنت وأمي اركب. قال: أنت أحق بالركوب مني اذهبي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فبشّري حتى آتيكم، فأناخت على الباب ورسول الله (صلى الله عليه وآله) مستلقٍ على قفاه يمسح فيما بين نحره إلى سرّته بيمينه وهو يقول: اللهم فرّج همي وبرّد كبدي بخليلي علي بن أبي طالب (عليه السلام)، حتى قالها ثلاثاً. قالت له خديجة: قد استجاب الله دعوتك. فاستقلّ قائماً رافعاً يديه يقول: شكراً للمجيب، حتى قالها إحدى عشرة مرة (تفسير فرات الكوفي: ص547) وذكره المحدث المجلسي (قدس سره) (في البحار: ج4 ص64).

وفاتها (عليها السلام):
في كتاب شجرة طوبى: ولما اشتد مرضها قالت: يا رسول الله اسمع وصاياي.. الوصية الثالثة فإني أقولها لابنتي فاطمة وهي تقول لك فإني مستحية منك يا رسول الله، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) وخرج من الحجرة فدعت بفاطمة وقالت: يا حبيبتي وقرة عيني قولي لأبيك إن أمي تقول أنا خائفة من القبر أريد منك رداءك الذي تلبسه حين نزوي الوحي تكفّنني فيه، فخرجت فاطمة وقالت لأبيها ما قالت أمها خديجة، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) وسلم الرداء إلى فاطمة وجاءت به إلى أمها فسرّت به سروراً عظيماً. فلما توفيت خديجة أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تجهيزها وغسّلها وحنطها، فلما أراد أن يكفّنها هبط الأمين جبرائيل وقال: يا رسول الله إن الله يقرئك السلام ويخصّك بالتحية والإكرام ويقول لك: يا محمد إن كفن خديجة من عندنا فإنها بذلت مالها في سبيلنا فجاء جبرائيل بكفن وقال: يا رسول الله هذا كفن خديجة وهو من أكفان الجنة أهدى الله إليها. فكفنها رسول الله بردائه الشريف أولاً وبما جاء به جبرائيل ثانياً، فكان لها كفنان، كفن من الله وكفن من رسول الله (ص223).

لقد كان لخديجة حتى في مماتها (عليها السلام) تضحية عظيمة، لأنه قلّ من يضحّي بهذه التضحية. والدّال على هذا أنها (عليها السلام) بعد خروجهم من شعب أبي طالب (عليه السلام) بأيام قلائل وكان سبب مرضها وموتها هو الجوع الذي تحمّلته مع رسول الله (صلى الله عليه وآله). فالسلام عليها يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تبعث حية.

ومع السلامة.