الاشتري
25-09-2012, 02:46 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد والعن اعدائهم اجمعين
رغم ان مسألة عدالة الصحابة مسالة قديمة قتلها علمائنا واساتذتنا المحاورين بحثا وتدقيقا لكن وجدت بحث مطول لاية الله جعفر العاملي امد الله في عمره حول ما وضعه علماء الجمهور من اعذار للموبقات التي ارتكبها القوم تثبيتا لهذه النظرية وانا هنا انقله بتصرف واختصار لان البحث طويل .
ونبدأ بتعريف الصحابة : فقد نص علماء الجمهور على أن الصحابي هو كل من صحب النبي ( ص ) سنة أو شهرا ، أو
يوما ، أو ساعة ، أو رآه (1) .
وعدوا من الصحابة صبيانا وأطفالا رأوا النبي " صلى الله عليه وآله " يوم الفتح ، وفي حجة الوداع ، وغيرهما ( 2 ) .
وعلى هذا التعريف فانه يوجد من مصاديقه مئات الالاف من الافراد الذي حملوا لقب الصحابة زورا وباطلا ولا يستحقونه باي وجه سوى انهم تشرفوا لحظات برؤية طلعة رسول الله صلى الله عليه واله .
وقد وضع من اراد بالاسلام السوء قاعدة كبرى وهي عدالة كل هؤلاء وعدم جواز الرد عليهم او البحث في احوالهم فقد كان ولا يزال الجهر بما فعله بعض الصحابة محرجا ، بل مخجلا لمن يعتقدون لزوم موالاتهم ، والارتباط بهم ، ويوجب سلب ثقة الناس بأناس يراد لهم أن يثقوا بهم ، بل يراد لهم أن يقدسوهم .
فقالوا عن الصحابة : " الواجب علينا أن نكف عن ذكرهم إلا بخير " (3) .
وقالوا : ينبغي للقاص " أن يترحم على الصحابة ، ويأمر بالكف عما شجر بينهم ، ويورد الاحاديث في فضائلهم " ( 4) .
وقد أخذوا على أبي عمر بن عبد البر : أنه قد شان كتابه " الاستيعاب " بذكر ما شجر بين الصحابة ( 5 ).
ولهؤلاء من الاعمال الموبقة العظيمة الكثير تكلف علماء الجمهور وبذلوا المجهود لوضع اعذار لتعديلهم ودفع هذه الموبقات بل اعتبروا ذكرها من اكبر الموبقات وفي قبال الكفر فقال أبو زرعة : " إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله ( ص ) ، فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول ( ص ) عندنا حق ، والقرآن حق ، وما جاء به حق . وإنما أدى الينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله ( ص ) . وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ، ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى . وهم زنادقة " ( 6) .
وقال السرخسي : " من طعن فيهم فهو ملحد ، منابذ للاسلام ، دواؤه السيف ، إن لم يتب " (7 ) .
ونصوا على ان الموبقات التي ارتكبوها ولا يمكن دعوى التأويل والاجتهاد فيها ، فقد جاء تبريرها بدعوى أن الصحابي لا يفسق بما يفسق به غيره ( 8 )
وهذه جملة من اعذار اذيالهم :
1- عذر الارتداد :
أن بعض من يعز عليهم من الصحابة يرتد عن الدين ، ويحارب النبي ( ص ) ، ثم يعود فيظهر الاسلام ، كطليحة بن خويلد ، وبعضهم ارتد ، وأهدر النبي ( ص ) دمه ، كما هو الحال بالنسبة لعبد الله بن سعد بن أبي سرح . وكذا الحال بالنسبة للاشعث بن قيس الذي ارتد عن الاسلام ، ثم لما أسر ، وأظهر التوبة في عهد أبي بكر أطلقه الخليفة ، وزوجه أخته في نفس الساعة ( 9 ) .
إنهم حين يجدون ذلك ، يبادرون إلى ادعاء : أن الصحابي إذا ارتد ذهبت صحابيته ، فإذا عاد إلى الاسلام عادت إليه صحابيته ، من دون حاجة إلى أن يرى النبي ( ص ) من جديد ( 10 ) ، إي وتعود إليه عدالته أيضا ! !
2- حتمية توبة الصحابي :
وإذا ارتكب الصحابي ما يوجب العقاب له أخرويا ، مما توعد الله عباده عليه بالعقاب بالنار ، ولم يمكن دفع ذلك عنه ، لا بدعوى الاجتهاد ، والتأويل ، ولا بغير ذلك .
فإن علاج ذلك هو بالقول : إن التوبة حتمية الوقوع ممن يعصي منهم ( 11 ) .
الصحابة مجتهدون :
وكان لابد من تبرير أخطاء وقع فيها بعض الصحابة ، سواء في مواقفهم ، أو في فتاواهم ، حتى حارب بعضهم بعضا ، وأزهقت أرواح كثيرة ، وسفكت دماء غزيرة ، وخرج بعضهم على إمام زمانه ، وقاتلوه . كما جرى في الجمل ، وصفين ، والنهروان .
فاخترعوا للصحابة مسألة الاجتهاد ، فكلهم مجتهدون ( 12 ) ، ولا اعتراض على المجتهد ، بل هو إن أصاب فله أجران ، وإن أخطا كان له
أجر واحد .
وبهذا ادخلوا معاوية ، وطلحة بن الزبير الجنة ، ومنحوهم المزيد من الثواب على ما فعلوه وما ارتكبوه من جرائم في حق الامام والامة . وأصبح من حلل منهم الربا ، وشرب الخمر مأجورا ومثابا ، بل إن خالد بن الوليد ، الذي قتل مالك بن نويرة بدون جرم ، ثم نزا على زوجته في نفس الليلة مثاب ومأجور على ذلك أيضا .
والخلاصة : أن المصيب منهم له أجران ، كعلي " عليه السلام "وأصحابه .
والمخطئ كمعاوية ، ومن معه لهم أجر واحد .
بل كان ما فعلوه بالاجتهاد ، والعمل به واجب ، ولا تفسيق بواجب ( 13 ) .
وبتعبير آخر : " إن جميع من اشترك في الفتنة من الصحابة عدول ، لانهم اجتهدوا في ذلك " ( 14 ) .
وقال الطبري : " وأما ما وقع بينهم من الحروب والفتن ، فتلك أمور مبنية على الاجتهاد ، وكل مجتهد مصيب ، والمصيب واحد ، والمخطئ معذور ، بل مأجور " ( 15 ) .
3- ذنب البدري يقع مغفورا :
ولبعض الشخصيات مزيد من الاهمية ، فلا يمكن تركها تعصي الله ، ثم ننتظر إلى أن تصدر التوبة منها ، وهي قد تتأخر بعض الوقت .
بل لابد من مغفرة ذنوب هؤلاء فررا .
ففتشوا عن تاريخ هؤلاء الاشخاص ، فوجدوا أنهم ممن حضر بدرا - وإن لم يعلم عنه أنه قاتل - فجاءت المعالجة لتقدم معيارا جديدا يقول : إن ما يقع من معاص لا يحتاج إلى التوبة ، إذا كان مرتكب ذلك ممن شهد بدرا لان أهل بدر مغفور لهم ( 16 ) .
4- الاجتهاد في مقابل النص كرامة للصحابة :
وتجد من العلماء من يقول : إن الصحابة " كانوا مخصوصين بجواز العمل والفتوى بالرأي كرامة لهم .
فيجوز لهم العمل بالرأي في موضع النص ، وقد فعلوا ذلك في عهد رسول الله " صلى الله عليه وآله " ، ولم ينكر ( ص ) ذلك عليهم . وهذا من الامور الخاصة بهم دون غيرهم " ( 17) .
5- الصحابة يشرعون وفتاواهم سنة :
وقد رأينا في أحيان كثيرة : أن بعض الصحابة يصرحون بأن ما يفتون به ما هو إلا رأي رأوه . وقد ظهر خطأ كثير منهم في فتاواه وآرائه هذه ، ومخالفتها للنص القرآني ، ولما ثبت بالاسانيد الصحيحة عن رسول الله " صلى الله عليه وآله " .
فكان لابد من علاج ذلك ، وتلافي سلبياته ، فجاءت النظرية الغريبة عن روح الاسلام لتقرر : أن للصحابة حق التشريع ، وأن فتاواهم سنة ، إلا ما أفتى به علي " عليه السلام " .
ويتضح ذلك بمراجعة النصوص التالية :
قال أبو زهرة : " وجدنا مالكا يأخذ بفتواهم على أنها من السنة " (18) .
وقد رأينا أنهم يعقدون في كتب أصولهم بابا لكرن قول الصحابي فيما يمكن فيه الرأي ملحق بالنسبة لغير الصحابي بالسنة . وقيل : " إن ذلك خاص بقول الشيخين أبي بكر وعمر " ( 19 ) .
وخطب عثمان حينما بويع فقال : إن لكم علي بعد كتاب الله عز وجل ، وسنة نبيه ( ص ) ثلاثا : " إتباع من كان قبلي فيما اجتمعتم عليه وسننتم ، وسن سنة أهل الخير فيما لم تسنوا عن ملا " ( 20 ) .
وقال للبعض : السنة هي : " ما سنه رسول الله ( ص ) والصحابة بعده عندنا " ( 21 ) .
لفت نظر : أن اليهود يقولون : إن أقوال الحاخامات كالشريعة ( 22 ) .
6- سنة الشيخين والخلفاء سوى علي ( ع ) :
قال عمر بن عبد العزيز : " ألا إن ما سنه أبو بكر وعمر ، فهو دين نأخذ به ، وندعو إليه " .
وزاد المتقي الهندي : " وما سن سواهما فإنا نرجيه " ( 23 ) .
ورووا عن النبي ( ص ) قوله : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين " ( 24 ) .
وبهذا استدل الشافعي على حجية قول أبي بكر وعمر ( 25 ) .
مع أننا قد أشرنا إلى أن هذا الحديث - لو صح - فالمقصود بالخلفاء الراشدين هم الائمة الاثنا عشر " عليهم السلام " ، الذين ذكرهم النبي ( ص ) مرات كثيرة ، كما في صحيح مسلم والبخاري وأبي داود وغير ذلك ( 26 ) .
والمقصود بسنة الخلفاء هو ما تلقوه عن رسول الله ، واستفادوه من كتاب الله من أحكام وسنن وتشريعات .
ويقول عثمان : " إن السنة سنة رسول الله وسنة صاحبيه ( 27 ) .
وفي قضية الشورى يعرض عبد الرحمان بن عوف على أمير المؤمنين علي " عليه السلام " : أن يبايعه على العمل بسنة النبي ( ص ) ، وسنة الشيخين : أبي بكر وعمر ، فأبى " عليه السلام " ذلك ، فحولت البيعة إلى عثمان ( 28 ) .
وقد بلغ من تأثير الشيخين على الناس ، ونفوذهما فيهم : أننا نجد ربيعة بن شداد لا يرضى بأن يبايع عليا أمير المؤمنين " عليه السلام " على كتاب الله وسنة رسوله . وقال : على سنة أبي بكر وعمر .
فقال له " عليه السلام " : " ويلك ، لو أن أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسوله لم يكونا على شئ " ( 29 ) .
وقال ابن تيمية : " فأحمد بن حنبل وكثير من العلماء يتبعون عليا فيما سنه ، كما يتبعون عمر وعثمان فيما سناه ، وآخرون من العلماء - كمالك وغيره - لا
يتبعون عليا فيما سنه . وكلمهم متفقون على اتباع عمر وعثمان فيما سناه " ( 30 ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- الكتابة في علم الرواية ص 51 وراجع ص 50 والباعث الحثيث ص 179 و 181 متنا وهامشا والاصابة ج 1 ص 5 و 7 و 4 ونهاية الوصول ج 3 ص 179وإرشاد الفحول ص 70 وأضواء على السنة المحمدية ص 352 وتدريب الراوي.
2- الباعث الحثيث ص 184 والسنة قبل التدوين ص 392 ومعرفة علوم الحديث ص 24 وعلوم الحديث لصبحي الصالح ص 356 و 357 ط 8 وراجع : سلم الوصول ج 3 ص 180 .
3- الاصابة ج 1 ص 158 ص 8 وترجمة طليحة وتدريب الراوي ج 2 ص 209 وراجع فواتح الرحموت ج 1 وسلم الوصول ج 3 ص 180 .
4- القصاص والمذكرين ص 115 .
5- الباعث الحثيث ص 179 وعلوم الحديث لابن الصلاح ص 262 وتقريب النواوي ( مطبوع مع تدريب الراوي ) ج 2 ص 207والخلاصة في أصول الحديث للطيبي ص 124 .
6- الكفاية في علم الرواية ص 49 والسنة قبل التدوين ص 405 عنه .
7- أصول السرخسي ج 2 ص 134.
8- السيرة الحلبية ج 2 ص 203 و 204 عن الخصائص الصغرى ، عن شرح جمع الجوامع وراجع : فتح الباري ج 7 ص 237 .
9- الاصابة ج 1 ص 51 .
10- الاصابة ج 1 ص 158 ص 8 وترجمة طليحة وتدريب الراوي ج 2 ص 209 وراجع فواتح الرحموت ج 1 وسلم الوصول ج 3 ص 180 .
11- فتح الباري ج 7 ص 238 والسيرة الحلبية ج 2 ص 203 .
12- التراتيب الادارية ج 2 ص 364 - 366 .
13- فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت ج 2 ص 158 و 156 وسلم الوصول ( مطبوع مع نهاية السول ) ج 3 ص 176 و 177 والسنة قبل التدوين هامش ص 396 و 404 و 405 .
14- السنة قبل التدوين ص 404 وإختصار علوم الحديث ( الباعث الحثيث ) ص 182 .
15- إرشاد الفحول ص 69 .
16- الصحيح من سيرة النبي الاعظم ( ص ) ج 3 حين الحديث حول غغران ذنب من شهد بدرا .
17- أصول السرخسي ج 2 ص 134 و 135 ثم إنه ناقش هذه النظرية وردها .
18- ابن حنبل ص 251 / 252 ومالك ص 290 .
19- فواتح الرحموت ج 2 ص 186 والتراتيب الادارية ج 2 ص 366 / 367 وسلم الوصول في شرح نهاية السول ج 4 ص 410 وراجع نهاية السول ج 4 ص 410 وأصول السرخي ج 2 ص 114 / 115 .
20- حياة الصحابة ج 3 ص 505 عن تاريخ الامم والملوك ج 3 ص 446 .
21- اصول السرخسي ج 2 ص 113 وراجع : نهاية السول ج 4 ص 416 .
22- مقارنة الاديان ( اليهودية ) ص 222 تأليف الدكتور أحمد شلبي .
23- كنز العمال ج 1 ص 332 عن ابن عساكر ، وكشف الغمة للشعراني ج 1 ص 6والنص له .
24- الثقات لابن حبان ج 1 ص 4 ونهاية السول ج 3 ص 266 و 267 وسلم الوصول في شرح نهاية السول ج 4 ص 410 وأصول السرخسي ج 1 ص 116و 114 لارشاد الفحول ص 33 والاحكام في أصول الاحكام للامدي ج 4 ص 204 رحياة الصحابة ج 1 ص 12 وعن كشف الغمة للشعراني ج 1 ص 6 .
25- راجع المصادر التي في الهامش السابق .
26- الغدير والمعارضون ص 61 - 70 .
27- سنن البيهقي ج 3 ص 144 والغدير ج 8 ص 100 عنه وراجع : الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 قسم 2 ص 135 . وراجع رواية صالح بن كيسان والزهري في تقييد العلم ص 106 و 107 وفي هامشه عن العديد من المصادر .
28- أصول السرخسي ج 2ص 114 والاحكام في أصول الاحكام للامدي ج 4 ص 133 .
29- بهج الصباغة ج 12 ص 203 .
30- منهاج السنة ج 3 ص 205 وقواعد في علوم الحديث ص 446 .
اللهم صل على محمد وال محمد والعن اعدائهم اجمعين
رغم ان مسألة عدالة الصحابة مسالة قديمة قتلها علمائنا واساتذتنا المحاورين بحثا وتدقيقا لكن وجدت بحث مطول لاية الله جعفر العاملي امد الله في عمره حول ما وضعه علماء الجمهور من اعذار للموبقات التي ارتكبها القوم تثبيتا لهذه النظرية وانا هنا انقله بتصرف واختصار لان البحث طويل .
ونبدأ بتعريف الصحابة : فقد نص علماء الجمهور على أن الصحابي هو كل من صحب النبي ( ص ) سنة أو شهرا ، أو
يوما ، أو ساعة ، أو رآه (1) .
وعدوا من الصحابة صبيانا وأطفالا رأوا النبي " صلى الله عليه وآله " يوم الفتح ، وفي حجة الوداع ، وغيرهما ( 2 ) .
وعلى هذا التعريف فانه يوجد من مصاديقه مئات الالاف من الافراد الذي حملوا لقب الصحابة زورا وباطلا ولا يستحقونه باي وجه سوى انهم تشرفوا لحظات برؤية طلعة رسول الله صلى الله عليه واله .
وقد وضع من اراد بالاسلام السوء قاعدة كبرى وهي عدالة كل هؤلاء وعدم جواز الرد عليهم او البحث في احوالهم فقد كان ولا يزال الجهر بما فعله بعض الصحابة محرجا ، بل مخجلا لمن يعتقدون لزوم موالاتهم ، والارتباط بهم ، ويوجب سلب ثقة الناس بأناس يراد لهم أن يثقوا بهم ، بل يراد لهم أن يقدسوهم .
فقالوا عن الصحابة : " الواجب علينا أن نكف عن ذكرهم إلا بخير " (3) .
وقالوا : ينبغي للقاص " أن يترحم على الصحابة ، ويأمر بالكف عما شجر بينهم ، ويورد الاحاديث في فضائلهم " ( 4) .
وقد أخذوا على أبي عمر بن عبد البر : أنه قد شان كتابه " الاستيعاب " بذكر ما شجر بين الصحابة ( 5 ).
ولهؤلاء من الاعمال الموبقة العظيمة الكثير تكلف علماء الجمهور وبذلوا المجهود لوضع اعذار لتعديلهم ودفع هذه الموبقات بل اعتبروا ذكرها من اكبر الموبقات وفي قبال الكفر فقال أبو زرعة : " إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله ( ص ) ، فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول ( ص ) عندنا حق ، والقرآن حق ، وما جاء به حق . وإنما أدى الينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله ( ص ) . وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ، ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى . وهم زنادقة " ( 6) .
وقال السرخسي : " من طعن فيهم فهو ملحد ، منابذ للاسلام ، دواؤه السيف ، إن لم يتب " (7 ) .
ونصوا على ان الموبقات التي ارتكبوها ولا يمكن دعوى التأويل والاجتهاد فيها ، فقد جاء تبريرها بدعوى أن الصحابي لا يفسق بما يفسق به غيره ( 8 )
وهذه جملة من اعذار اذيالهم :
1- عذر الارتداد :
أن بعض من يعز عليهم من الصحابة يرتد عن الدين ، ويحارب النبي ( ص ) ، ثم يعود فيظهر الاسلام ، كطليحة بن خويلد ، وبعضهم ارتد ، وأهدر النبي ( ص ) دمه ، كما هو الحال بالنسبة لعبد الله بن سعد بن أبي سرح . وكذا الحال بالنسبة للاشعث بن قيس الذي ارتد عن الاسلام ، ثم لما أسر ، وأظهر التوبة في عهد أبي بكر أطلقه الخليفة ، وزوجه أخته في نفس الساعة ( 9 ) .
إنهم حين يجدون ذلك ، يبادرون إلى ادعاء : أن الصحابي إذا ارتد ذهبت صحابيته ، فإذا عاد إلى الاسلام عادت إليه صحابيته ، من دون حاجة إلى أن يرى النبي ( ص ) من جديد ( 10 ) ، إي وتعود إليه عدالته أيضا ! !
2- حتمية توبة الصحابي :
وإذا ارتكب الصحابي ما يوجب العقاب له أخرويا ، مما توعد الله عباده عليه بالعقاب بالنار ، ولم يمكن دفع ذلك عنه ، لا بدعوى الاجتهاد ، والتأويل ، ولا بغير ذلك .
فإن علاج ذلك هو بالقول : إن التوبة حتمية الوقوع ممن يعصي منهم ( 11 ) .
الصحابة مجتهدون :
وكان لابد من تبرير أخطاء وقع فيها بعض الصحابة ، سواء في مواقفهم ، أو في فتاواهم ، حتى حارب بعضهم بعضا ، وأزهقت أرواح كثيرة ، وسفكت دماء غزيرة ، وخرج بعضهم على إمام زمانه ، وقاتلوه . كما جرى في الجمل ، وصفين ، والنهروان .
فاخترعوا للصحابة مسألة الاجتهاد ، فكلهم مجتهدون ( 12 ) ، ولا اعتراض على المجتهد ، بل هو إن أصاب فله أجران ، وإن أخطا كان له
أجر واحد .
وبهذا ادخلوا معاوية ، وطلحة بن الزبير الجنة ، ومنحوهم المزيد من الثواب على ما فعلوه وما ارتكبوه من جرائم في حق الامام والامة . وأصبح من حلل منهم الربا ، وشرب الخمر مأجورا ومثابا ، بل إن خالد بن الوليد ، الذي قتل مالك بن نويرة بدون جرم ، ثم نزا على زوجته في نفس الليلة مثاب ومأجور على ذلك أيضا .
والخلاصة : أن المصيب منهم له أجران ، كعلي " عليه السلام "وأصحابه .
والمخطئ كمعاوية ، ومن معه لهم أجر واحد .
بل كان ما فعلوه بالاجتهاد ، والعمل به واجب ، ولا تفسيق بواجب ( 13 ) .
وبتعبير آخر : " إن جميع من اشترك في الفتنة من الصحابة عدول ، لانهم اجتهدوا في ذلك " ( 14 ) .
وقال الطبري : " وأما ما وقع بينهم من الحروب والفتن ، فتلك أمور مبنية على الاجتهاد ، وكل مجتهد مصيب ، والمصيب واحد ، والمخطئ معذور ، بل مأجور " ( 15 ) .
3- ذنب البدري يقع مغفورا :
ولبعض الشخصيات مزيد من الاهمية ، فلا يمكن تركها تعصي الله ، ثم ننتظر إلى أن تصدر التوبة منها ، وهي قد تتأخر بعض الوقت .
بل لابد من مغفرة ذنوب هؤلاء فررا .
ففتشوا عن تاريخ هؤلاء الاشخاص ، فوجدوا أنهم ممن حضر بدرا - وإن لم يعلم عنه أنه قاتل - فجاءت المعالجة لتقدم معيارا جديدا يقول : إن ما يقع من معاص لا يحتاج إلى التوبة ، إذا كان مرتكب ذلك ممن شهد بدرا لان أهل بدر مغفور لهم ( 16 ) .
4- الاجتهاد في مقابل النص كرامة للصحابة :
وتجد من العلماء من يقول : إن الصحابة " كانوا مخصوصين بجواز العمل والفتوى بالرأي كرامة لهم .
فيجوز لهم العمل بالرأي في موضع النص ، وقد فعلوا ذلك في عهد رسول الله " صلى الله عليه وآله " ، ولم ينكر ( ص ) ذلك عليهم . وهذا من الامور الخاصة بهم دون غيرهم " ( 17) .
5- الصحابة يشرعون وفتاواهم سنة :
وقد رأينا في أحيان كثيرة : أن بعض الصحابة يصرحون بأن ما يفتون به ما هو إلا رأي رأوه . وقد ظهر خطأ كثير منهم في فتاواه وآرائه هذه ، ومخالفتها للنص القرآني ، ولما ثبت بالاسانيد الصحيحة عن رسول الله " صلى الله عليه وآله " .
فكان لابد من علاج ذلك ، وتلافي سلبياته ، فجاءت النظرية الغريبة عن روح الاسلام لتقرر : أن للصحابة حق التشريع ، وأن فتاواهم سنة ، إلا ما أفتى به علي " عليه السلام " .
ويتضح ذلك بمراجعة النصوص التالية :
قال أبو زهرة : " وجدنا مالكا يأخذ بفتواهم على أنها من السنة " (18) .
وقد رأينا أنهم يعقدون في كتب أصولهم بابا لكرن قول الصحابي فيما يمكن فيه الرأي ملحق بالنسبة لغير الصحابي بالسنة . وقيل : " إن ذلك خاص بقول الشيخين أبي بكر وعمر " ( 19 ) .
وخطب عثمان حينما بويع فقال : إن لكم علي بعد كتاب الله عز وجل ، وسنة نبيه ( ص ) ثلاثا : " إتباع من كان قبلي فيما اجتمعتم عليه وسننتم ، وسن سنة أهل الخير فيما لم تسنوا عن ملا " ( 20 ) .
وقال للبعض : السنة هي : " ما سنه رسول الله ( ص ) والصحابة بعده عندنا " ( 21 ) .
لفت نظر : أن اليهود يقولون : إن أقوال الحاخامات كالشريعة ( 22 ) .
6- سنة الشيخين والخلفاء سوى علي ( ع ) :
قال عمر بن عبد العزيز : " ألا إن ما سنه أبو بكر وعمر ، فهو دين نأخذ به ، وندعو إليه " .
وزاد المتقي الهندي : " وما سن سواهما فإنا نرجيه " ( 23 ) .
ورووا عن النبي ( ص ) قوله : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين " ( 24 ) .
وبهذا استدل الشافعي على حجية قول أبي بكر وعمر ( 25 ) .
مع أننا قد أشرنا إلى أن هذا الحديث - لو صح - فالمقصود بالخلفاء الراشدين هم الائمة الاثنا عشر " عليهم السلام " ، الذين ذكرهم النبي ( ص ) مرات كثيرة ، كما في صحيح مسلم والبخاري وأبي داود وغير ذلك ( 26 ) .
والمقصود بسنة الخلفاء هو ما تلقوه عن رسول الله ، واستفادوه من كتاب الله من أحكام وسنن وتشريعات .
ويقول عثمان : " إن السنة سنة رسول الله وسنة صاحبيه ( 27 ) .
وفي قضية الشورى يعرض عبد الرحمان بن عوف على أمير المؤمنين علي " عليه السلام " : أن يبايعه على العمل بسنة النبي ( ص ) ، وسنة الشيخين : أبي بكر وعمر ، فأبى " عليه السلام " ذلك ، فحولت البيعة إلى عثمان ( 28 ) .
وقد بلغ من تأثير الشيخين على الناس ، ونفوذهما فيهم : أننا نجد ربيعة بن شداد لا يرضى بأن يبايع عليا أمير المؤمنين " عليه السلام " على كتاب الله وسنة رسوله . وقال : على سنة أبي بكر وعمر .
فقال له " عليه السلام " : " ويلك ، لو أن أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسوله لم يكونا على شئ " ( 29 ) .
وقال ابن تيمية : " فأحمد بن حنبل وكثير من العلماء يتبعون عليا فيما سنه ، كما يتبعون عمر وعثمان فيما سناه ، وآخرون من العلماء - كمالك وغيره - لا
يتبعون عليا فيما سنه . وكلمهم متفقون على اتباع عمر وعثمان فيما سناه " ( 30 ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- الكتابة في علم الرواية ص 51 وراجع ص 50 والباعث الحثيث ص 179 و 181 متنا وهامشا والاصابة ج 1 ص 5 و 7 و 4 ونهاية الوصول ج 3 ص 179وإرشاد الفحول ص 70 وأضواء على السنة المحمدية ص 352 وتدريب الراوي.
2- الباعث الحثيث ص 184 والسنة قبل التدوين ص 392 ومعرفة علوم الحديث ص 24 وعلوم الحديث لصبحي الصالح ص 356 و 357 ط 8 وراجع : سلم الوصول ج 3 ص 180 .
3- الاصابة ج 1 ص 158 ص 8 وترجمة طليحة وتدريب الراوي ج 2 ص 209 وراجع فواتح الرحموت ج 1 وسلم الوصول ج 3 ص 180 .
4- القصاص والمذكرين ص 115 .
5- الباعث الحثيث ص 179 وعلوم الحديث لابن الصلاح ص 262 وتقريب النواوي ( مطبوع مع تدريب الراوي ) ج 2 ص 207والخلاصة في أصول الحديث للطيبي ص 124 .
6- الكفاية في علم الرواية ص 49 والسنة قبل التدوين ص 405 عنه .
7- أصول السرخسي ج 2 ص 134.
8- السيرة الحلبية ج 2 ص 203 و 204 عن الخصائص الصغرى ، عن شرح جمع الجوامع وراجع : فتح الباري ج 7 ص 237 .
9- الاصابة ج 1 ص 51 .
10- الاصابة ج 1 ص 158 ص 8 وترجمة طليحة وتدريب الراوي ج 2 ص 209 وراجع فواتح الرحموت ج 1 وسلم الوصول ج 3 ص 180 .
11- فتح الباري ج 7 ص 238 والسيرة الحلبية ج 2 ص 203 .
12- التراتيب الادارية ج 2 ص 364 - 366 .
13- فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت ج 2 ص 158 و 156 وسلم الوصول ( مطبوع مع نهاية السول ) ج 3 ص 176 و 177 والسنة قبل التدوين هامش ص 396 و 404 و 405 .
14- السنة قبل التدوين ص 404 وإختصار علوم الحديث ( الباعث الحثيث ) ص 182 .
15- إرشاد الفحول ص 69 .
16- الصحيح من سيرة النبي الاعظم ( ص ) ج 3 حين الحديث حول غغران ذنب من شهد بدرا .
17- أصول السرخسي ج 2 ص 134 و 135 ثم إنه ناقش هذه النظرية وردها .
18- ابن حنبل ص 251 / 252 ومالك ص 290 .
19- فواتح الرحموت ج 2 ص 186 والتراتيب الادارية ج 2 ص 366 / 367 وسلم الوصول في شرح نهاية السول ج 4 ص 410 وراجع نهاية السول ج 4 ص 410 وأصول السرخي ج 2 ص 114 / 115 .
20- حياة الصحابة ج 3 ص 505 عن تاريخ الامم والملوك ج 3 ص 446 .
21- اصول السرخسي ج 2 ص 113 وراجع : نهاية السول ج 4 ص 416 .
22- مقارنة الاديان ( اليهودية ) ص 222 تأليف الدكتور أحمد شلبي .
23- كنز العمال ج 1 ص 332 عن ابن عساكر ، وكشف الغمة للشعراني ج 1 ص 6والنص له .
24- الثقات لابن حبان ج 1 ص 4 ونهاية السول ج 3 ص 266 و 267 وسلم الوصول في شرح نهاية السول ج 4 ص 410 وأصول السرخسي ج 1 ص 116و 114 لارشاد الفحول ص 33 والاحكام في أصول الاحكام للامدي ج 4 ص 204 رحياة الصحابة ج 1 ص 12 وعن كشف الغمة للشعراني ج 1 ص 6 .
25- راجع المصادر التي في الهامش السابق .
26- الغدير والمعارضون ص 61 - 70 .
27- سنن البيهقي ج 3 ص 144 والغدير ج 8 ص 100 عنه وراجع : الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 قسم 2 ص 135 . وراجع رواية صالح بن كيسان والزهري في تقييد العلم ص 106 و 107 وفي هامشه عن العديد من المصادر .
28- أصول السرخسي ج 2ص 114 والاحكام في أصول الاحكام للامدي ج 4 ص 133 .
29- بهج الصباغة ج 12 ص 203 .
30- منهاج السنة ج 3 ص 205 وقواعد في علوم الحديث ص 446 .