جودت الانصاري
01-10-2012, 01:58 PM
رمال ومواويل
الجزء الاول
ظلت اوراق الصفصاف , الصفراء تغتسل عارية تحت اشعة الشمس الباهتة كجثة ميّتة القتها الاغصان في ذلك الصباح الشتوي البارد,,,, وموجات خفيفة تهدهد الشريط الرملي حالمة مسترسلة,, وكأنها غانية بحّ صوتها تحت الحاح المعجبين من سكارى الحي في ليلة مضت.
وكم شهدت تلك الرمال الصمّاء من مشاهد لقاء ووداع واحلام صبا ,,, كان نايه حزينا ذلك, الصياد الغريب,, وحتى ان الفرح كان يمتزج بحزن ازلي, فيترجمها شوق ومواويل ,,, لم تبق الامواج من آثار ذلك العاشق سوى وتد بارز كان يربط به زورقه الصغير,, وخيوط شبكة صيد بالية لم يشأ ان يسحبها حين فارق ذلك الشاطئ متعجلا بالهروب لا يلوي على شيء.
كان الهواء رطبا باردا وكأن قطرات من الماء تقفز فيرشقها في الوجوه كشفرات حلاقة ,,,
وثمة خيط ابيض من الثلج بدأ يتشكل على حافة الرمل في جانبي النهر,, واسماك ميتة فقدت بريق حراشفها تتراقص فوق الماء المتجمّد,,,,, وثمة مجموعة من الصبية احتمت بطرف الجرف من الهواء الحالق متحلقين على نار
اخافها البرد فالتفّت بدخانها ودموع الصبية وانوفهم الحمراء, ,وهم يرعون اغنامهم ,,,وحتى النعاج لم تجد سوى آثار من الاعشاب اليابسة من الموسم السابق وبراعم خلّفها الخريف,,,,
مرت متشحة بالسواد,, سوى ذلك الوجه البلوري الذي زاده البرد حمرة,,,, مسرعة لا تلوي على شئ,,, انتبه الصبية اليها ,مستغربين فلم تكن تحمل جرّة حتى, فما الذي اتى بها الى الشرعة في هذا البرد القاسي؟ وكلما اقتربت من الماء كانت تتخفف من ملابسها ,, نعليها , والعباءة ثم الملاءة السميكة حتى بدا شعرها كسعفات نخلة سامقة وسط عاصفة هوجاء,,,, ا تلفّتت يمنة ويسرة وكأنها تبحث عنه في الافق البعيد ,, عن اثر لذلك الهارب بين الرمال , التي شهدت اول قصة حب لها,, ثم توجهت نحو الماء كفارس تخلص من كل ما يثقله متقدما نحو الميدان بعد ان فقد الامل بالنصر ,, ففضل الانتحار صونا للكرامة.
لم تشعر بما حولها لا صبية ولا نعاج ولا نار خافتة خلف الدخان,,, اغمضت عينيها وقفزت
في ذلك المائج كمن لا يرجو النجاة,, ابتلعها الماء وتطايرت قطرات كبيرة كقطع زجاج,,
هنيهة وارتفع ذلك الجسد الشاب حتى الصدر نتيجة لردة الفعل لضربها سطح الماء , وصوت
مبحوح يشبه الشهيق لم يفهم الاطفال منه شيء,,, لتغوص في الاعماق وكأن ماردا يسحبها الى أللاعوده,,, وخصلات من شعرها تطفو على الماء كنبات مائي ,,يؤرجحه الموج قليلا ثم يختفي,
تصايح الصبية وتراكض الكثيرون على صدى اصواتهم,, وعلى الرغم من برودة الجو غامر الكثيرون بالنزول دون جدوى فقد اطبق الماء فاه وقضي الامر.
في اليوم الثاني بدأ القيل والتأويل ,,لا شيئ يخفى في مجتمع ضيّق كالقرية ,,ولا احد يسلم من السنتهم حتى وهو ميّت في قبره .!!
وكتب كبير الشرطة في تقريره بان الضحية سقطت وهي تملأ الجرة بالماء ودسّ الوالد المفجوع رزمة نقود في جيب الشرطي بعد ان اعلمته الوالدة بشكوكها الاكيدة.
اغلق المحضر,,, وكان الله حليم ستّار,,,
في مسجد القرية الوحيد اقيم مجلس الفاتحة ,,ووسط همز ولمز المتطفلين بأسئلتهم المكررة تلقى والدها العزاء,
كانت العاشقة قد قضت الاشهر المنصرمة تراقب بشوق ذلك الشاطئ ,, املا بعودته,, وعبثا فأمثاله لا يعودون ابدا,,, وكم حلمت به وهو قادم ليصلح ما انكسر و يحملها على زورقه الصغير وسط فرحة اهلها وزخات الرصاص تكسر صمت الشاطئ ورماله الصمّاء.
هذه الليلة شعرت ودون ادنى شك ان شيئا بات يتحرك بين احشائها وايقنت انها النهاية,,,
هل تحرق نفسها ؟ ثم ترددت فالأمر مؤلم وقد لا تموت وتبقى مشوهة,,, تعيش وترضى بالفضيحة لأبيها الذي تحبه واعمامها ؟ واخيرا استقر الامر على ما اقدمت عليه هذا الصباح
فمياه دجلة ورماله الصمّاء لن تفضحها وقد شهدت على حبها وما اقسم به صاحب الناي ,,,
والمواويل
وللحديث بقيه
من مجموعتي القصصيه
الجزء الاول
ظلت اوراق الصفصاف , الصفراء تغتسل عارية تحت اشعة الشمس الباهتة كجثة ميّتة القتها الاغصان في ذلك الصباح الشتوي البارد,,,, وموجات خفيفة تهدهد الشريط الرملي حالمة مسترسلة,, وكأنها غانية بحّ صوتها تحت الحاح المعجبين من سكارى الحي في ليلة مضت.
وكم شهدت تلك الرمال الصمّاء من مشاهد لقاء ووداع واحلام صبا ,,, كان نايه حزينا ذلك, الصياد الغريب,, وحتى ان الفرح كان يمتزج بحزن ازلي, فيترجمها شوق ومواويل ,,, لم تبق الامواج من آثار ذلك العاشق سوى وتد بارز كان يربط به زورقه الصغير,, وخيوط شبكة صيد بالية لم يشأ ان يسحبها حين فارق ذلك الشاطئ متعجلا بالهروب لا يلوي على شيء.
كان الهواء رطبا باردا وكأن قطرات من الماء تقفز فيرشقها في الوجوه كشفرات حلاقة ,,,
وثمة خيط ابيض من الثلج بدأ يتشكل على حافة الرمل في جانبي النهر,, واسماك ميتة فقدت بريق حراشفها تتراقص فوق الماء المتجمّد,,,,, وثمة مجموعة من الصبية احتمت بطرف الجرف من الهواء الحالق متحلقين على نار
اخافها البرد فالتفّت بدخانها ودموع الصبية وانوفهم الحمراء, ,وهم يرعون اغنامهم ,,,وحتى النعاج لم تجد سوى آثار من الاعشاب اليابسة من الموسم السابق وبراعم خلّفها الخريف,,,,
مرت متشحة بالسواد,, سوى ذلك الوجه البلوري الذي زاده البرد حمرة,,,, مسرعة لا تلوي على شئ,,, انتبه الصبية اليها ,مستغربين فلم تكن تحمل جرّة حتى, فما الذي اتى بها الى الشرعة في هذا البرد القاسي؟ وكلما اقتربت من الماء كانت تتخفف من ملابسها ,, نعليها , والعباءة ثم الملاءة السميكة حتى بدا شعرها كسعفات نخلة سامقة وسط عاصفة هوجاء,,,, ا تلفّتت يمنة ويسرة وكأنها تبحث عنه في الافق البعيد ,, عن اثر لذلك الهارب بين الرمال , التي شهدت اول قصة حب لها,, ثم توجهت نحو الماء كفارس تخلص من كل ما يثقله متقدما نحو الميدان بعد ان فقد الامل بالنصر ,, ففضل الانتحار صونا للكرامة.
لم تشعر بما حولها لا صبية ولا نعاج ولا نار خافتة خلف الدخان,,, اغمضت عينيها وقفزت
في ذلك المائج كمن لا يرجو النجاة,, ابتلعها الماء وتطايرت قطرات كبيرة كقطع زجاج,,
هنيهة وارتفع ذلك الجسد الشاب حتى الصدر نتيجة لردة الفعل لضربها سطح الماء , وصوت
مبحوح يشبه الشهيق لم يفهم الاطفال منه شيء,,, لتغوص في الاعماق وكأن ماردا يسحبها الى أللاعوده,,, وخصلات من شعرها تطفو على الماء كنبات مائي ,,يؤرجحه الموج قليلا ثم يختفي,
تصايح الصبية وتراكض الكثيرون على صدى اصواتهم,, وعلى الرغم من برودة الجو غامر الكثيرون بالنزول دون جدوى فقد اطبق الماء فاه وقضي الامر.
في اليوم الثاني بدأ القيل والتأويل ,,لا شيئ يخفى في مجتمع ضيّق كالقرية ,,ولا احد يسلم من السنتهم حتى وهو ميّت في قبره .!!
وكتب كبير الشرطة في تقريره بان الضحية سقطت وهي تملأ الجرة بالماء ودسّ الوالد المفجوع رزمة نقود في جيب الشرطي بعد ان اعلمته الوالدة بشكوكها الاكيدة.
اغلق المحضر,,, وكان الله حليم ستّار,,,
في مسجد القرية الوحيد اقيم مجلس الفاتحة ,,ووسط همز ولمز المتطفلين بأسئلتهم المكررة تلقى والدها العزاء,
كانت العاشقة قد قضت الاشهر المنصرمة تراقب بشوق ذلك الشاطئ ,, املا بعودته,, وعبثا فأمثاله لا يعودون ابدا,,, وكم حلمت به وهو قادم ليصلح ما انكسر و يحملها على زورقه الصغير وسط فرحة اهلها وزخات الرصاص تكسر صمت الشاطئ ورماله الصمّاء.
هذه الليلة شعرت ودون ادنى شك ان شيئا بات يتحرك بين احشائها وايقنت انها النهاية,,,
هل تحرق نفسها ؟ ثم ترددت فالأمر مؤلم وقد لا تموت وتبقى مشوهة,,, تعيش وترضى بالفضيحة لأبيها الذي تحبه واعمامها ؟ واخيرا استقر الامر على ما اقدمت عليه هذا الصباح
فمياه دجلة ورماله الصمّاء لن تفضحها وقد شهدت على حبها وما اقسم به صاحب الناي ,,,
والمواويل
وللحديث بقيه
من مجموعتي القصصيه