المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فلسفة الأخلاق


فارس اللواء
04-10-2012, 08:58 PM
بقلم: سامح عسكر


فلسفة الأخلاق(لوحة التعريف والتمييز)

كنت في زيارة لأحد أصدقائي واسمه"أحمد" فرأيت عنده صديقه ولكن لا أعرفه فتعارفنا وجلسنا وعلمت أن إسمه"منير"، قال صديقي "أحمد" أنه يريد أن نتعارف أكثر فجلسنا في باحة المنزل أو كما يُقال له"الصالون" واحتسينا القهوة..فأقدم منير من جانبه يقترب مني وقال أنه يريد الحوار في شأن الأخلاق ، فقد سمع من أحمد أن لدي "بعض" المعارف منها، لا أجزم بما يعتقدون فغالب ظني أنه ومن كثرة أسئلة أحمد في مضامير الأخلاق سابقاً ظننت أنه يرى شيئاً لا أراه..فشعرت بأن الاثنين متفقان على إجراء حوار، وعندها تملكتني الشجاعة فردت من فوري بالموافقة..ولنذهب للحوار:

منير:هل الأخلاق حق؟

قلت: هي عين الحقيقة، ولكن لم أرَ بشراً يسأل هذا السؤال من قبل!

منير: أنت لا تفهم قصدي، أنا لا أنكر الأخلاق ولكن أسأل من أين يأتي الإنسان بحقيقة الأخلاق والشر موجود؟..فإذا كان الشر موجود فالأخلاق نسبية وإلا أنك تعترف بأن البشر لم يسألون هذا السؤال من قبل.

قلت:هناك تفصيل فالأخلاق في الدولة غير التي في المنزل غير التي مع الأصدقاء غير التي مع الأعداء..وهكذا..ولكن لا مغايرة في المفهوم بل في مصاديقه، واتحاد المفهوم في العمل دون غيره، فالقول في ذاته عمل، أما المصداق فهو الذي يظهر في الذهن على شكل أخلاق ولكن بمرجعية مسبقة مأخوذة إما عن واقع اجتماعي أو ثقافي أو ديني، كمثل من يقتل أباه في القطب الشمالي حين العَجَز ويؤمن بأن فِعله من أنواع البر والأخلاق بل هو لدينا –وغالب البشر-جريمة.

منير:جميل..أفهم من ذلك أن الأخلاق لديك على نوعين مفهوم ومصداق..ولكنك لم تجبني بالتفصيل كما قلت..كيف أعلم أن ما شعرت به أو قلته أو فعلته هو أخلاق؟..خاصة وأنك أوضحت معنى المصداق بالتمثّل، ولكن لم تُجِب عن معنى المفهوم إلا بكفاية الاتحاد!

قلت:هناك علم حضوري ينشأ لدى الإنسان مباشرة دون وسيط كعلمك بنفسك كفرحك وحُزنك كغضبك وحُلمك كألمك ولذتك كخوفك واطمئنانك..فإذا نشأ لدى الفرد شعوراً كهذا فيحيل عليه تمييزه بخلافه، واعلم أن أصل هذه الجدليات هو فطرة الإنسان ، فالطُمأنينة أصلٌ عليه عارض الخوف حين انعدامها،لذلك فيحيل عليك الكذب في تمييز شعورك...والكذب نقيض الصدق، والصدق أخلاق.

أحمد: وضح أكثر ياسامح فأنت فقلت لي من قبل أن الأخلاق ليست مشروطة بالعلم وأن الجاهل يجوز عليه الأخلاق.

قلت: نعم وهذا ما أتبناه وأضيف على ما تفضلت به هو العكس، أن العالم يجوز عليه الشر.

أحمد: وضح أكثر فالأمر لدي مُبهم؟

قلت:هل رأيت ياأحمد رجلاً تراه جاهلاً ولكنه محبوب من الناس؟

أحمد: نعم رأيت الكثير ولكن ما علاقة ذلك بالسؤال؟

قلت: هذا هو عين الأخلاق في محل الجهل، أن حُبّ الناس هو علامة القبول، واعلم أن هذا الحب لا يلزمه الموافقة أو التوافق في الرؤى والأفكار بل في الأعمال، فالرجل الجاهل يسلك سلوكاً افتراضياً في الأعم الأغلب، فالطموحات والأفعال الإيجابية لديه قليلة ، بينما ظل واقعه الافتراضي هو علة ظهور صورة الرجل الصالح في أذهان البشر.

أحمد: الواقع الافتراضي للجاهل يعني أنه لا يؤذي ومع ذلك لا يُحسن، فكيف يحب الناس رجلاً لا يُحسن إليهم؟!

قلت:لأن سوء الأخلاق هو حدث مُستجد على كل إنسان حتى الجاهل، والنفس الإنسانية تكره سوء الخلق فهو لديه تأثيراً عليها كتأثير السكين على الذبيح، فالذبيح يكره السكين ومع ذلك لن يهرب منها وإلا لم يكن ذبيحاً، كذلك النفس الإنسانية تكره سوء الخُلق ومع ذلك لا مفر من أذيته.

منير: أشكرك ياأحمد فسؤالك أوضح علي إشكالات كثيرة..ولكن حتى الآن ياسامح لا أفهم كيف يفعل الإنسان الشر وهو عالم بينما يفعل الآخر الأخلاق وهو جاهل، حتى الآن لا زال لدي الإشكال.

قلت: أنظر أخي منير للرجل العالم الذي يمتطي صهوة جواد المجتمع حتى يظن في نفسه ويظنه الناس أنه الآمر الناهي وأن إليه الخير والمعاد، ماذا سيحدث؟

منير: سيكون مستبداً أو إلهاً.

قلت: هذا ما أقصده أن نوازع البشر هي المحرك الأصلي لكافة أنواع الشرور، فالنزعة تعني الشهوة والغريزة، بينما السلطة وحُب التملك والسيطرة شهوة ،وتلك ملازمة لبني الإنسان منذ ولادته حتى موته، فحتى ذلك الجاهل الذي يفعل الأخلاق هو في ذاته مشروع لفعل الشر بمجرد النزعة.

منير: طيب وهل النزعة غير العاطفة؟

قلت: هناك تشابه وفوارق، فهما يتحدان في كون نشوئهم عن دافع، ويفترقان في كون واحدة قيمة وهي العاطفة والتي أشرنا إليه من قبل في العلم الحضوري بينما الأخرى اندفاع وضعف وهي النزعة، فالدافع المُحرّك لكليهما لن يأتي للإنسان إلا بمصدر وغالباً يأتي عن معلومات أو باختلاف نمط التفكير.

في الروحْ تَسكنْ
04-10-2012, 09:38 PM
بارك الله فيك ..
موضوع قيم ..
دام هذا العطاء الولائي .. !

طيار عراقي
04-10-2012, 09:46 PM
موضوع فلسفي جميل

حاول صاحبه تبسيطه قدر الامكان لأخراجه من الفلسفه

التي قد تكون معقده على كثيراً من الناس

لكن مازال الموضوع لا يصل الى ادراك الكثيرين

؛؛؛

انا اعتقد ان الأخلاق هي بذره في داخل كل انسان

لكن تحتاج هذه البذره للعنايه لكي تبرز وتكون هي العامل المؤثر على باقي صفات الانسان

ودور العنايه يجب ان يلعبه الأهل في الغالب

تحياتي وتقديري

فارس اللواء
06-10-2012, 02:19 AM
بارك الله فيك ..
موضوع قيم ..
دام هذا العطاء الولائي .. !

وبارك عليكم..جزاكم الله خيرا

فارس اللواء
06-10-2012, 02:20 AM
موضوع فلسفي جميل

حاول صاحبه تبسيطه قدر الامكان لأخراجه من الفلسفه

التي قد تكون معقده على كثيراً من الناس

لكن مازال الموضوع لا يصل الى ادراك الكثيرين

؛؛؛

انا اعتقد ان الأخلاق هي بذره في داخل كل انسان

لكن تحتاج هذه البذره للعنايه لكي تبرز وتكون هي العامل المؤثر على باقي صفات الانسان

ودور العنايه يجب ان يلعبه الأهل في الغالب

تحياتي وتقديري

بارك الله فيكم أخانا الفاضل

فارس اللواء
06-10-2012, 02:21 AM
فلسفة الأخلاق(لوحة التواضع)

في الحلقة السابقة وقفنا عند الحوار عن ماهية الأخلاق، كنا وأصدقائي وكأننا في حفلة سمر ، لم نشعر بالوقت يمر إلا بعد أن فوجئنا بصلاة العصر وقد حانت، فقمنا على الفور لآداء الصلاة، وبعد العودة وقف صديقي أحمد.."صاحب المنزل"..مُعلناً عن ميعاد وقت تناول الغذاء، فقام من مكانه يتجه إلى المطبخ ثم دار هذا الحوار:

قلت: إلى أين تذهب ياأحمد؟

أحمد: سأذهب لأساعد زوجتي في تحضير الغذاء.

قلت:ولكن كيف تتركنا دون أيٍ من طرف صاحب المنزل وبمفردنا؟

أحمد: عادي جدا البيت بيتكم.

قلت: ومن أي مرجعية تريد التضحية بشعورنا على حساب مساعدة زوجتك؟!..وهل تعلم أننا سنجلس غرباء قلقين مهما قيل لنا بان البيت آمن؟!

أحمد:مرجعيتي هي التواضع، فقد تعودت مع زوجتي على هذا الفعل.

قلت:وما هو التواضع لديك؟وهل هو حقيقة يقينية أم ماذا؟..وكيف الحال لو تعارض تواضعك مع إهمالك لشعور أصدقائك؟!

أحمد: ياعزيزي سامح لا تنسى أنك عرّفت الأخلاق سابقاً بأن لها صنوف ومجالات فلماذا تستكثر ذلك على التواضع؟!..أنا عندما أتواضع مع زوجتي فهذا من باب المودة والرحمة وتعميق الألفة، كذلك فالتواضع لدي حقيقة يقينية لتحصيل الخير وحب الناس والشعور بالراحة.

قلت: إذاً أنت تمارس التواضع لأجل منفعتك الخاصة، فجميع ما ذكرت مفاده نفعٌ ذاتيٌ لك، والأصل في التواضع هو حب الآخر أياً كان إنساناً أو حيوان نباتاً أو جمادا...فالأثر المحسوس من جانبك قد لا يشعر به الآخر، ومع ذلك تظن أنك تفعل خيرا بينما الحقيقة أن فِعلك في الغالب ليس له معنى بل سيضر أحيانا.

أحمد:هل تقصد أنني وبتواضعي قد أضر آخرين؟!..هذا تعريف جديد لم أسمع عنه !!..ورغم ذلك أنا لا يهمني شعوراً مخفياً أكثر من ابتسامة الآخر في وجهي أو أشعر بمودته لشخصي، فما يهمني هو العلن ما دمت ألتزم بحُسن الخُلق ..أما أسرار الإنسان فليست مِلكاً لأحد..سبحانه علّام الغيوب.

قلت: هل ترى التواضع أمامك كصورة؟

أحمد: والأخلاق عامة.

قلت: والأخلاق عامة.

أحمد: لا فالتواضع مفهوم كلي منطقي عَرَضه في الذهن واتصافه أيضاً في الذهن..وكذلك شتى صنوف وأنواع الأخلاق.

قلت: إذاً ومن أدراك أن ما تفعله هو تواضع في مقابل عِلمُك بأننا كأصدقاء لك سنتضرر،إن معنى عدم وجود صورة للتواضع في ذهنك فهذا يعني أن المسألة بحاجة منك لإعادة نظر،ومن يُدريك أنه وبجلوسك معنا تكون قد حققت التواضع على حقيقته، فنحن أصدقائك بحاجة لمودتك وألفتك ، وحبك لنا ليس كحبك لزوجتك، فإذا اعتقدت بتحصيل الخير وحب زوجتك فنحن أولى لأننا ضيوف مؤقتين وسنذهب في أقرب أجل.

أحمد: كلامك يحمل في مضمونه عقد موازنة، والموازنة تعتني بالشيئين الأقرب لبعضهم في التفسير، وأنت تعتقد -منذ بدء الحوار- أنني أؤذي شعورك ومنير، فكيف تجتمع لديك الموازنة مع جزمك بشعورك بالأذى.

قلت: لا أحد يخطئ في تفسير مشاعره ياأحمد، لا تنسى تعريفنا للعلم الحضوري من قبل، ثم الموازنة تُعقد في حال مقابلة شيئين يجتمعان في جنس وفصل ونوع وصنف واحد، فالتواضع قيمة إنسانية حقيقية، أما خدمتك لزوجتك فهي قيمة معنوية روحية، وهي- لدي- اعتبارية وليست قيمة حقيقية، فهذه الخدمة قد يُفسرها شخص بأنها براجماتية لما ينتج عنها من منفعة تتحقق...أما تواضعك إن لم يتحقق منه نفعٌ للآخر قبل منفعتك فهو في حقيقته أنانية.

أحمد:بالعكس أن لا أري القيم إلا قيمة واحدة حقيقية، فالتواضع عندي كمساعدة زوجتي يجمعهم"إنكار الذات والتضحية والإيثار" وهذه القيم التي لا أعتبر تصنيفها على نحو ما فعلت، ولكن إذا كان الإشكال ينحصر في موازنتك فأنا اتفق معك.."إجمالاً"..أنه ينبغي علينا الموازنة بين شيئين يربطهم صلة قرابة أو تشابه.

قلت: هكذا بدأنا نتفق وسنقف على قوله تعالى.."واخفض لهما جناح الذل من الرحمة"..كقولٌ فصل هو عماد التواضع أمام الكبار وذوي الهيبة، فتواضعك أمام والدك لا يقل عن تواضعك أمام ضيوفك، فنحن قد نتحمل أنفسنا في الشارع أو على القهوة ، أما أن نتحمل بعضنا في بيوت بعضنا فالوضع يختلف، وكذلك نحسب أننا على علمٍٍ بالتواضع وكيفيته، فقط نختلف في إسقاطه وتعريفه حين يتغير محله بالمؤثرات والظروف.

إلى هنا وقف أحمد برهة يفكر ثم أخذ قراره بالاستئذان لدقيقة كي يستأذن زوجته كي يجلس معنا حتى تحضير الغذاء..

فارس اللواء
06-10-2012, 01:12 PM
فلسفة الأخلاق(لوحة الأمانة)

في اليوم التالي اتصل بي صديقي أحمد كي يستشيرني في إمكانية اللقاء، وقد اتفقنا على أن نعقده في قهوة الحاج.."علي درويش"..والتي تبعد عن بيته بقرابة 100 متر..فعقدت العزم على النهوض والوفاء باللقاء وذهبت إلى القهوة، حينها لم أجد أحمد جالساً كما اتفقنا ، فإذا برنين الهاتف ليخبرني أحمد أنه سيصل بعد قرابة خمس دقائق..وبعد وصوله جلسنا سوياً متقابلين وبيننا المنضدة ثم دار هذا الحوار:

أحمد: أعتذر لك ياصديقي عن هذا اللقاء المفاجئ، ولكن عندي مشكلة أود حلها أو حتى أفهم ما يدور كي يسهل علي الحل.

قلت: تفضل ياعزيزي لك الحديث ومعك الميكروفون.

أحمد: زميلي في الجامعة أخبرني بأنه قد تزوج في السر من إحدى زميلاته، وهذه الزميلة أعرفها وأعرف كامل أسرتها ولي مع بعضهم صداقة، وأنا الآن في حيرة..فزميلي قد ائتمنني على سره ولا أود خذلانه فهذا عهد، ولكن زوجته هي الأخرى لي مع بعض أقربائها صداقة، فكيف أوفق بين الصداقة والضمير؟

قلت: هذا يعود بنا إلى تعريف الأمانة ياأحمد، فمشكلتك أصلها.."الأمانة"..ولو أنني أرى أن زميلك هو أول من خان الأمانة بإفشاءه هذا السر لك، فالأسرار جزء من الوجدان، وهي عنوان الشخصية "الحقيقية"..وما دام زميلك أفاض بالسر لك فهو قد تحدث به إلى غيرك أو سيفعل ذلك -إن لم يكن فعله، ذلك أن الحديث في الأسرار يستوي فيه الحديث للعامة وللخاصة على حدٍ سواء.

أحمد:أنت فهمت خطأ فهو قد أطلعني على سره كي أساعده .

قلت:وهل يعرف أنك على صداقة مع أقربائها؟

أحمد: لا يعرف.

قلت:وإذا عرف فهو يريد الحل بالظاهر، وكونه لا يعرف فالأمانة لديه قيمة مشوشة والمبادئ لديه غير منضبطة.

أحمد: أنت تتحدث عنه وتتجاهل مشكلتي فأراك تتحامل عليه.

قلت: لا أنا فقط أريد تصور المشكلة من جذورها كي أرصد الحل الأمثل بعد تفاعل كافة الأفكار المختصة بالجميع، فبعملية رصد أخلاق زميلك ستقف على ماهية فِعله، وحينها ستتضح لديك المسألة ولربما لا تحتاج مساعدة من أحد.

أحمد:قلت أن مشكلتي في "الأمانة" ..طيب وهل الأمانة قضية معقدة لهذه الدرجة؟!..أنا أعرف أن الأمانة قد تكون معقدة فيما لو كان هناك طرف يستفيد...فهذا النوع من الأمانة ليس به وجهاً مادياً كي أطمع فيما عندي من أمانة ائتمنها أحد الأشخاص.

قلت: بل التعقيد في حالتك ياعزيزي أحمد..لأن الطمع أو الضعف في "مادة أو مضمون" الأمانة يعقبها خيارٌ سهل على كل إنسان..تكفي عاطفته أو عقله للتمييز، وبالنوازع تنحط قيمة الأمانة لديك فتراها حقٌ شخصي تتحكم في أساليبه وأشكاله، وطالما أنك وزميلك أقدمتم على الاستشارة فهناك عقل وعاطفة-وليس نزعة- وإلا لتجاهل زميلك القضية برمتها كأنه لا يوجد في الكون غيره، أما أنت فيكفيك التشاور معه على الحل في أضيق الظروف.

أحمد:بدأت أستوعب القضية..ولكن لدي إشكال يتعلق في وحدة غرضي وغايتي مع زميلي، فالأمانة تُحتم علي وعليه الحل، وكما قلت لك فالصراع بين صداقتي لأصدقائي وبين ضميري الذي يُحتم علي إبلاغ أهلها ، ولا تفهم أنني أتحدث عن الإبلاغ بمقصد الضرر بل لتفاديه، فدور الأهل في هذه الأوقات شديد الأهمية للمصلحة العامة.

قلت: الأمانة قيمة معيارية عظيمة ياصديقي بل تكاد تكون هي عماد الأخلاق، فدورها لا ينحصر فقط في الأمور المادية بل إلى شتى صنوف الحياة من صداقة وتربية أولاد وضمير مع الكافة، لذلك فحين التعرض لخيار كهذا لابد وأن تقف أولاً على صنوف الأشخاص وماهيتهم كبشر..وهذا ما دفعني للسؤال عن صديقك في البداية، ولولا الحرج لسألتك عن أصدقائك من أهل زوجته.

أحمد: فكيف تصورت الوضع ..هل لديك إشارة ما أقف عليها أو فعل.

قلت: ليس لدي تصور كامل حول المسألة، ولو أنني أنصح أي إنسان يتعرض لهذا الظرف بأن يعيد حساباته بالتعرف على الناس وطبائعهم، فالأخلاق كما قلنا لها مفهوم ومصاديق، وما يصلح لإنسان من أخلاق لا يصلح لآخر، لذلك أرى أن تجانب المسألة مزيد من الوقت للتعرف على الكافة، فإذا وجدت أهلها من ذوي الحكمة فانفذ إلى واحدٍ منهم وابدأ معه الحديث بالثناء على زميلك ، ولو كان يعرفه فسيكون أفضل بكثير واسأله عن رأيه فيه.

أما زميلك فانصحه بخُلق الأمانة وأن لا يختلي بزوجته إلا بعد حل القضية حلاً نهائياً، فلربما كان زواجه من النوع المذموم أو الغير شرعي حينها يكون قد ارتكب إثما..واعلمه أن زوجته في حُكم الأمانة المُغتصَبة، وأن الأمانة تقتسمها زوجته مع ولي أمرها، ولو لم يكن لديه أمانة أو لا يفهمها فسيرفض عرضك، ولكن لا تيأس حاول معه..فقد حمّلك الله أمانة ويجب عليك الوفاء بها..لابد من حل فليكن هذا الحل على يديك.

جعفر المندلاوي
06-10-2012, 02:12 PM
يا لروعة ما أقرأ ،، دام ابداعك اخي ،، زدنا من هذا النبع الصافي
لا عدمنا وجودك الطيب ،، تقبل تحيتي

شيعية موالية
06-10-2012, 04:09 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

بارك الله فيك على الموضوع القيّم

فارس اللواء
07-10-2012, 08:31 PM
يا لروعة ما أقرأ ،، دام ابداعك اخي ،، زدنا من هذا النبع الصافي
لا عدمنا وجودك الطيب ،، تقبل تحيتي

بارك الله فيكم أخي..نسألكم الدعاء

فارس اللواء
07-10-2012, 08:32 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

بارك الله فيك على الموضوع القيّم

وعليكم السلام ورحمة الله

وبارك عليكم أختنا الفاضلة

فارس اللواء
07-10-2012, 08:33 PM
فلسفة الأخلاق(لوحة الضمير)

صحوت باكراً أتجه إلى عملي وجاء إلينا أتوبيس الشركة في الميدان فركبنا وذهبنا إلى العمل، وفي الدقائق الأولى للعمل تم توزيعنا على أماكن عمل وظائفنا فتقلدنا مراحلنا الإدارية والإنتاجية..وكما العادة التي اعتدنا عليها أن يكون في كل مكان عمل موظفين اثنين أو ثلاثة أو أكثر،وبحُكم ظروف العمل تتولد الصداقات من رحم الزمالة..فكان لي صديق محبوب ومثقف اسمه.."غانم"..يشبه في ثقافته صديقي "أحمد" إلى حدي كبير والذي قضيت معه ساعات الراحة الأسبوعية في مناقشات جميلة ورائعة...وبينما نحن نعمل إذ دار هذا الحوار:

قلت:هل تعلم ياغانم أن الحكومة تنوي رفع الدعم عن بعض السلع الرئيسية؟

غانم: علمت ذلك من النشرات الإخبارية أمس ، وقد استضافوا عدد من المسئولين في الحكومة في برامج التوك شو وأكدوا جميعاً صحة الخبر، ولكن البعض منهم يقول بأن رفع الدعم بغرض توجيهه إلى أماكن أخرى هي أشد احتياجاً.

قلت: بغض النظر عن رفع الدعم في حد ذاته، ألا ترى أن الحكومة تتعامل بضمير أم يختلط عليها الأمر تِبعاً للظروف؟

غانم: لا ياصديقي هذا حوار هام وأفضل إجراءة في ساعة الغذاء والقيلولة، حيث الموضوع بحاجة لتركيز، فلا نلجأ لمثل هذه الحوارات "العميقة" في ساعات العمل الرسمية كي لا نُقصّر في واجبنا العملي.

قلت: معك حق سنناقش المسألة بعد صلاة الظهر بإذن الله.

ومر الوقت وأدينا صلاة الظهر في مسجد الشركة، ثم ذهبنا لتناول الغذاء في "الكافتيريا"..وبعد الانتهاء من تناول الغذاء جلسنا نحتسي"الشاي" ثم دار هذا الحوار.

غانم: وقفت في سؤالك عن كون الحكومة تتعامل بضمير أم يختلط عليها الأمر تِبعاً للظروف... وأنا أتعامل مع الضمير برؤية ظاهرية حيث أنني أقف على المفهوم بناءاً عن معناه..فتكون الإجابة "نعم" الحكومة تتعامل مع بضمير كون الضمير يعني الإضمار، وطالما هي حكومة منتخبة فهي تريد الخير لمنفعتها، ولكن هذا لا ينفي الاختلاط لمحدودية المعرفة، فثقافة الإنسان ليست حالة مطلقة ويحيل عليها تحصيل الحق المطلق.

قلت:تعريفك للضمير موقوف على اللغة ياصديقي، بينما ممارسة الحكومة لأعمالها تكون عن فكر مسبق، وهناك علاقة جدلية بين اللغة والفكر فرؤيتك ليس مقطوعٌ بها.

غانم: أعلم ذلك ياسامح ولكن لا تنسى أن اللغة ليست عبارة عن ألفاظ محدودة بل هي معاني أيضاً، ولا أعلم خلافاً في تفسير الضمير في أي لغة غير هذا...فالتفسير إذاً هو مشترك لفظي ومعنوي، والدليل على صحة المقولة هو أن الفكر بالعموم يسبق التصريح فلا تصريح إلا عن نشاط عقلي يفكر، أنت نفسك لديك أفكار وأحيانا لا تجد لها ألفاظ لتتواصل بها مع الآخرين.

قلت: نعم عندك حق وسؤالي كان لاستبيان ماهية الضمير لديك، فبالماهية يأتي الإسقاط، وأرى صحة ما ذهبت إليه عدا القول باحتمالية الاختلاط وربطه بالقول بنفي الضمير "كمقدمة محذوفة" من جوابك، فأنا أرى أن الضمير يتحقق حتى لو كان الاختلاط موجود.

غانم: إذاً فالخطأ كان من السؤال لديك حيث أنك خيرتني بين أمرين هم لديك واحد.

قلت: هناك جانب لم تنتبه له من سؤالي وهو.."تبعاً للظروف"..وأنت لم تفصل أمراً في شأن الظروف كونها لدي هي الفاصل بين الضمير والاختلاط..

غانم: كيف؟

قلت: أن الضمير سينتفي حين وجود دافع مصلحة من وراءه، فالإنسان في جوهره عجول ولا يعمل ولا يفكر –في الغالب-إلا من داخل النَسَق، لذلك كان سؤالي لك يعني في مضمونه هل الضمير لديك يتحقق في حال كان المستفيد طرف دون آخر أم ماذا..

غانم: هكذا اتضحت فكرتك وهي أسهل للنقاش من الجدلية السابقة..نعم فالإنسان حين يعمل لمصلحته يجبره ذلك –في الغالب-على أن يتعايش مع تناقضه فلا يشعر به، والضمير هنا بالفعل هو ليس ضمير حقيقي كون المستفيد طرف دون آخر، والأصل في الضمير ليس فقط إضمار الخير، بل في تصور إسقاط الفكرة الموجودة مسبقاً في الضمير بحيث تُنتج مصلحة عامة..ولكن أرى أن ذلك يحيل على الإنسان النزعوي وهو فقط لدى الإنسان المثالي.

قلت:الإنسان لابد وأن يكون مثالياً ياصديقي خاصة عندما يتحدث باسم الدين ، فالناس تنظر للدين بمعاني القيم، والأغلبية تجهل الفارق بين الضمير والخير فيظنون أن كل من أخلص في عمله هو في حقيقته يفعل الخير وهذا غير صحيح.

إلى هنا أزف الوقت الذي كان يسارعنا كالبرق، ودقت أجراس الساعة معلنة عن انتهاء الوقت المخصص للغذاء.

فارس اللواء
08-10-2012, 12:42 AM
فلسفة الأخلاق(لوحة العفة)

من منا من لم يعاني من أزمات يُخيّر فيها بين نقيضين أو متضادين؟..الكثير منا يمر بهذه الأزمات فترى الشخص ينغمس بوجدانه في شهواته، وترى آخر يتركها بالكلية بل ويجعل نفسه حلقة تحذير منها..والشهوة هنا ليس المقصود منها شهوة الجنس بمفردها ، بل هناك شهوات عقلية وعلمية وروحية يأتي فيها الجسد كآداة أو كوسيط...من هذه القضية ينبع لنا مفهوماً مُجرداً يسمى"العفة" والمقصود به التوسط بين أمرين متناقضين.

هناك خلط يحدث بين مفهومي.."العفة والحياء"..فالأول هو توسط بين متناقضين كما سلف، بينما الثاني مفهوم قيمي يُقصد به الخشية ولكن من موقع قوة على الأنا والغير، فالحياء مفهوم قيمي يُعد من أنبل الأخلاق التي يكون فيها العقل والجسد متحدان، ومن هنا نجد الفارق أيضاً بين الحياء والخجل ، والثاني يشتق من معاني الضعف والانكسار..أما العفة فهو السلوك الذي به توزن كافة القضايا، فيُقال تعفف الإنسان عن الشئ أي لم يضعف أمامه، وإن كانت العفة تختص بقضايا الشهوة واللذة الجسدية في الأعم الأغلب..

كذلك فالعفة تكون سهلة التحصيل فيما لو نجح الإنسان في التوفيق بين غريزته وعقله، فيأتي العقل في لبوس المُعلم وصانع الحركة، لا أن يأتي الإنسان ليوفق بينهم فيجد نفسه يميل إلى هذا أو إلى ذاك، فيُسرف في اللذة حتى يخرج بها عن حدود المسموح فيُصبح فاسقاً، أو أن يحرم نفسه فيزهد، والمقصود من الزُهد هو الاعتدال في التعاطي مع الشهوات وليس الحرمان كما يفعل البعض متصوراً أنه وبالحرمان وحده يصل لمراتب العرفان.

أيضاً وفي قضايا السلوك يأتي الإنسان ليوفق بين الإسراف في النقد أو الدفاع فيتعفف ، كذلك في ممارسة العنف سواء البدني أو اللفظي، وهنا تأتي العفة في موضع ارتباط بينها وبين العدل والحياء كخُلق مُكمّل لا ينفك عن أقرانه، ولكن يبقى كمفهوم مُجرد مستقل بحاجة لفهمه وسلوكه لإدخاله ضمن معاني قيم النفس والدولة، وذلك للتمرس على الالتزام بالأحكام، فثمة توافق بين العفة-كمفهوم-والانضباط وكلاهما مصدر أصيل للارتقاء الإنساني.

صبرالدنيا
08-10-2012, 04:27 PM
يسلمو على الموضوع

نرجس*
09-10-2012, 01:04 AM
موضوع أكتر من رائع.
تستحق عليه كل التقدير والاحترام.
تقبل خالص تحياتي وفائق احترامي.

بحب الله نحيا
09-10-2012, 01:22 AM
الحوار جدا جميل ويحمل بعض العمق الفلسفي
صدفة !
اليوم كنا ندرس عن (سقراط) و رأيه في الأخلاق والقيم الأخلاقية و...
سينفعني كثيراً هذا الحوار إن شاء الله ..
شكرا جزيلاً لك أخي الكريم
موفقين لكل خير
متابعة بإذن الله تعالى ’’

فارس اللواء
09-10-2012, 01:45 AM
يسلمو على الموضوع

الله يسلمك صبر الدنيا

فارس اللواء
09-10-2012, 01:45 AM
موضوع أكتر من رائع.
تستحق عليه كل التقدير والاحترام.
تقبل خالص تحياتي وفائق احترامي.


بارك الله فيكم أخت نرجس وتعليقكم زادني تشريفا

فارس اللواء
09-10-2012, 01:48 AM
الحوار جدا جميل ويحمل بعض العمق الفلسفي
صدفة !
اليوم كنا ندرس عن (سقراط) و رأيه في الأخلاق والقيم الأخلاقية و...
سينفعني كثيراً هذا الحوار إن شاء الله ..
شكرا جزيلاً لك أخي الكريم
موفقين لكل خير
متابعة بإذن الله تعالى ’’







مهم جدا التعرف على آراء كبار الحكماء كسقراط..ولكن الأهم هو محاولة فهم الاختلاف فعقل الإنسان يتطور إضافة إلى العامل الثقافي"العُرف" فهو في منتهى الأهمية.

فارس اللواء
09-10-2012, 01:49 AM
فلسفة الأخلاق(لوحة العدل)


كعادة بعض المهاجرين المصريين من الريف إلى الحضر أنهم يشعرون أحياناً بالغُربة والحنين لقريتهم، فما أحلى مشاهد القرية والألوان الخضراء التي تبعث على الأمل وتزرع في النفوس البهجة..قررت أن أصطحب زوجتي وأولادي لقضاء أجازة لمدة يومين مع أهلي وأقاربي ، وفور وصولنا إذ جائتنا الأنباء عن أن الأهل والأحباب قادمون إلينا لزيارتنا والاطمئنان علينا جميعاً..ما أحلى هذا الجو العظيم..حقاً إن الإنسان لكفورٌ بالنعمة!

جلسنا سوياً فإذا بالحديث يتجه نحو إشكال داخل العائلة، إشكالاً يحكي اعتداء أحد الشباب على شاب من أبناء العائلة اسمه.."محمد".. بآلة حادة مما أدى لإصابته بجروح صعبة في الرأس واليد والظهر ، وكان الحضور منقسمون حول التنازل عن القضية مقابل "فدية" من المال أو الاستمرار في القضية حتى النيابة وحبس هذا الشاب المعتدي، حقيقةً أنا لا أتعاطف مع قضية التعويضات هذه، ففلسفتي –في هذه القضية-تقوم على الحقوق والواجبات، وأن الصدام غالباً ما يأتي بتنوير في حال كانت الأزمة حادة، وقتها سيخرج المعتدي من نَمط تفكير لآخر سيؤثر فيه بالإيجاب مستقبلاً..

كان لي جار "حكيم" في الخمسينات من عمره اسمه.."الأستاذ عيد"..وهو ممن فتح الله عليهم بقوة البصيرة ونفاذ الرؤية ولكنه لم يُكمل تعليمه، ومع ذلك فقد وهبه الله سعةً من العلم والثقافة..في زيارته لي جلسنا نحتسي الشاي ثم دار هذا الحوار:

قلت:أستاذ عيد أود الحديث معك في قضية البارحة فهي تُشغلني-إلى حدٍ ما

الأستاذ عيد:ياسامح أنا ضيف عندك ولا أود إشغالك بمشكلاتنا، فأنت رجل لن تعيش هذه المشكلات معنا وستخرج منها وقت سفرك للمدينة.

قلت: لا لن أتضرر ياأستاذنا العزيز..ولكن بالفعل أنا أستمتع بالنقاش معك.

الأستاذ عيد: تفضل بالسؤال.

قلت:محمد هنا له حق يقابل حق حياته على هذه الأرض، فأنت تعلم خطورة الاعتداء بآلة حادة وبهذا الشكل،ففي بعض الأحيان تؤدي إلى الوفاة، لذلك أنا أفسر ما حدث أنه محاولة قتل فاشلة وليس كما يهونها البعض بأنها خناقة بين الشباب ومرت مرور الكرام.

الأستاذ عيد:هذه القضية التي كنا نتحدث فيها بالأمس ليست صعبة وشائكة ياسامح ، لأن قوامها العدل، فإذا تحقق العدل برضاء جميع الأطراف بما يضمن عدم التعرض مستقبلاً فهو الخيار السليم..لذلك تجدني كنت من المؤيدين لخيار "الفدية" وبالتالي "الصُلح".

قلت: لهذا السبب وددت النقاش معك فأنا أفهم العدل من قوله تعالى.."إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي"..فكان ذي القربى معطوفاً على العدل والإحسان فهذا يعني أن خدمة ذوي القربى وإيتائهم حقوقهم هي من أعمال العدل والإحسان، ومن يفعل ذلك يُحبه الله لقوله تعالى.."وأحسنوا إن الله يحب المحسنين"..

الأستاذ عيد:ولكني لست من العائلة

قلت: نعم وهذا ما أقصده لأنني لاحظت أن جُل معارضيك هم من العائلة لذلك طرحت هذه الرؤية كي تتفهم ما يشعر به الآخرون.

الأستاذ عيد:استمع جيدا لي ياأخي سامح..إن قضايا الأموال والدماء هي قضايا عامة وليست حِكراً على مجموعة بعينها، وفي هذه المشكلة تتحقق فيها قضيتي "الدماء والأموال" في ذات الوقت..فحتى لو أكملت القضية بكافة مراحلها فهناك مصاريف وربما يلجأ الخصم لسلوك غير شرعي كي يبتزنا كأن يزعم بأننا اعتدينا على شخص من طرفه..وهكذا ، هذا سلوك معهود في الريف بكثرة، حتى أنه لا توجد مشكلة إلا ويلجأ أحد أطرافها لهذا السلوك الذي أصبح إيجاد مبرر له في منتهى السهولة..حتى شيخ الجامع ومؤذنه فعلوا هذا الأمر من قبل، فياأخي أنت تعيش في مجتمع لا يفهم لغة العدل إلا من منظوره ولأجل مصلحته، أما من يدعي أنه يقول الحق ولو على رقبته فهذا لن تسمعه إلا في "الأفلام والمسلسلات" !!.

قلت: كلامك طيب وجميل ولكن مُجمل اعتراضي يكمن ليس في توجه العائلة ومقاربته مع مضمون المشكلة، ولكن أرى ضرورة أن تأخذ العدالة مجراها وأن يؤدب هذا الشاب المُعتدي، فهذه قضية قتل فاشلة ولن تخرج من هذا الإطار..أما خوفك من أن يلجأ الخصم لسلوك غير شرعي فحينها نُقدّم الشهود، وأظن أن المحكمة لن تحكم إلا بالشهود.

الأستاذ عيد: ياأخي سامح عن أي شهود تتحدث؟!..إن شراء الشاهد الآن أسهل ما يكون، خاصة وإن كان الشاهد من أقارب هذا الشخص، حينها سيفعل ما يفعل وهو يعتقد أنه يدافع عن العائلة، وأن هذا أفضل لهم جميعاً من أن يضيع مستقبل الشاب بين حوائط السجون....إن تفسير العدالة في رأسك بحاجة لمناقشة حيث أن العدالة في حقيقتها تقوم على الفضائل كالحكمة والعفة والشجاعة، ولا تحصيل لها إلا بالضبط النفساني للغرائز والشهوات فما بالك وغريزة "القبيلة" لا زالت تتحكم في مجتمعنا إجمالاً ، ونحن نحكم بناءاً على الواقع الاجتماعي والثقافي للقرية وليس عن مدينة أفلاطون الفاضلة الخيالية التي لا توجد إلا في الأحلام والمنامات.

قلت: أفهم من ذلك أن تحقيق العدالة مستحيل في مجتمع غير فاضل؟!..طيب ياأستاذنا أنت تعترف أن تحقيق المدينة الفاضلة مستحيل، فهذا يعني أنك تؤمن بأن تحقيق العدالة مستحيل وأننا سنعيش في ظلم إلى الأبد..هل ما قلته صحيح؟

الأستاذ عيد:هناك أشياء صحيحة وأشياء أخرى خاطئة.. فالعدالة نعم تستحيل في مجتمع غير فاضل ولكن أي عدالة؟..هنا السؤال..يعني لو أنك سلكت العدالة مع نفسك وأسرتك تكون حققت المدينة الفاضلة ولو على نطاق ضيق، هنا يجوز عليك صفة العدل ولكن حين الخروج لفضاء المجتمع وبتعدد من هم أمثالك وبكثرتهم تستطيعون التأثير في المجتمع، وهذا هو الهدف من القول.."ابدأ بنفسك وبمن تعول"..فالأمر موجه للجميع لي ولك ولعمي محمد ولعمي مغاوري ولعم عبدالسلام وللحاج عرفة وللحاجة زينب والست ام السيد والناس كلها..أما من ينظر لغيره دائما فهو إنسان كذّاب ويوظف المبادئ لمصلحته، وحينما يتحدث باسم الدين فهو ينصب على الناس بصورة المقدس لديهم، لأنه يعلم تمام العلم أن الناس لن ترفض دعوته، وهو كشخص لا يحب أحد أن يعارضه أحد، فهو في حقيقته إنسان متسلط ياحاج سامح وطبعه يغلب تطبعه.

قلت: والله ياأستاذنا لم تَخِب نظرتي فيك يوماً أشعر بفهم الحُكماء لديك وأتفق معك في جميع ما قلت، بل هو مبدأي في الحل ورؤية الحياة بالمُجمل، ولكن لا زال اعتراضي على جزئية تأديب المخطئ، فهي جزئية هامة في التربية ورد الحقوق والاعتبار.

الأستاذ عيد:ماذا ستفعل لو كنت مكان الشاب المعتدي وعُرض عليك نفس الخيارات؟

قلت: هو سؤال صعب لأن الحرية لا تقدر بثمن.

الأستاذ عيد: يعني انت من داخلك موافق على مبدأ الفدية، لكن في نفس الوقت يحدث صراع بداخلك بين قيم الدولة والمجتمع والتربية وبين المنفعة المادية وهذا أمر يُحسب لك.

قلت: أنت الآن فهمتني ...بالفعل هذا ما يحدث.

الأستاذ عيد:طيب المسألة سهلة وبسيطة ياحاج سامح..هل أنت في مجتمع قروي أم مدني؟

قلت: لا أفهم مغزى السؤال..نعم نحن في مجتمع قروي.

الأستاذ عيد:يعني الأغلبية العظمي من الناس فقراء ، حتى من يملك العديد من الأرض الزراعية فهو في المحصلة ليس ممن يوصفون بالطبقة المتوسطة فضلاً عن الطبقة العليا..

قلت: لا زال الأمر ملتبس..هل تعني أن مبدأ.."الفدية"..سيجبر المعتدي وأهله على المراجعة أم ماذا؟

الأستاذ عيد: نعم هذا ما وودت قوله..عندنا في مجتمع القرية مَثَل من الأمثال يقول.."إن الفلوس تأدب النفوس"..وتأكد أن الأموال التي سيدفعها أهل الشاب المعتدي هي بحُكم العقوبة له، لان أهله لن يتركوه مستقبلاً وسيجبرونه على التفكير بطريقة جديدة...ثم هناك شئ آخر لم نتطرق إليه داخل النقاش وهو أن .."محمد"..المجني عليه شاب فقير وأعزب وهو وحيد أسرته ، يعني هو بحاجة ماسة لهذه الفدية من جانب، وأنه الرجل الوحيد لأسرته فوجوده مهم لوالديه ولأخوته خشية انتقام الطرف الآخر في حال الحُكم على ابنهم بعقاب شديد.

قلت:الله ياأستاذنا العزيز..الآن اتضحت المسألة لدي..فعلاً أهل الخبرة هم جوهر المجتمع وبدونهم يتحول المجتمع إلى غابة..فهمت من مجمل النقاش أن تحقيق العدالة يرتبط بتفسير الواقع أكثر من الموجود في الذهن..فقد تكون القيمة الذهنية لا تحاكي أفكار وتطورات البشر أو متغيراتهم الاجتماعية والثقافية..ولكن تبقى الحلقة المفقودة في رأيي وهي إيجاد الرابط بين هذا الواقع الاجتماعي ..وبين القيم ..رابطاً يحمل الناس على التطبيق العملي للأفكار وليس حبسها داخل الأذهان.

الأستاذ عيد:هذا الرابط موجود لدى العقول في الشريعة، ولكن كما قلنا فجهل الناس وغلبة المتسلطين عليهم تدفعهم على التناقض، ولن يفرق هذا بين الشيخ والأمير فجميعهم يبيعون الوهم للناس..لن نتقدم ياحاج سامح إلا بالثقافة، واحنا مجتمع لا زال عديم الثقافة ، وينظر للثقافة بمنظور الشيوخ، بينما لو نظرت ستجد أن الكثيرين من الشيوخ في عصرنا هذا هم سبب أصيل في الكوارث التي حلّت بالمسلمين..أول أمس كان يجلس معنا شيخ المسجد وكنا نحاول إيجاد حلول لقضية خاصة بقضايا العِرض والشرف وذلك في مجلس"عُرفي" من مجالس القرية.. وكان الشيخ متهافت لدرجة أنني كنت معرضاً للخروج من شعوري وإحراجه وسط الرجال..ولن أطيل معك فيما حدث والحمد لله أن استطعنا إزالة الإشكالية لديك.

الآن انتهى الحوار، وكان حواراً ماتعا استفدت الكثير منه على المستوى الشخصي..ووصلت إلى نتيجة مؤداها أن العدل قيمة يهواها الجميع، ولكن حين اختلف الناس في تفسير العدل بناء إما على مصالحهم الشخصية أو معلوماتهم المحدودة شاع الظلم بين العباد، وتحولت الأرض من جنة "آدم" إلى غابة "الإنسان"

فارس اللواء
10-10-2012, 08:53 AM
فلسفة الأخلاق(لوحة الصبر)

في عُطلتي الأسبوعية -وأنا موجود في الريف- خالني شوق لزيارة أحد الفُضلاء الأكارم من أبناء القرية وقد أعياه الله بمرض أقعده عن الحركة، تفكرت طويلاً في حال..الحاج.." أمين"..وهو المعلول الذي أرجو من الله شفائه..اتصلت بالأستاذ "عيد" وهو الرجل الحكيم الذي حاورني بالأمس عن مفهوم"العدل" وعرضت عليه زيارة..الحاج.."أمين" في أقرب فرصة..فوافق على الفور واتفقنا على الميعاد بعد صلاة العشاء، صلينا العشاء في مسجد القرية وذهبنا للزيارة، وبعد استقبالنا بالترحاب دار هذا الحوار:

الأستاذ عيد:نسأل الله أن يُتم شفاءك ياحاج أمين فأنت الخير والبركة، ولكن والله أشعر بتحسن كبير وأنك تقارب الشفاء فتشجع يارجل كي تشاركنا العمل والمناسبات.

الحاج أمين:لا أعلم كيف أشكركم ياجماعة أنتم أصحاب واجب والجلوس معكم غنيمة يُسِرّ الله بها قلبي فأشعر بالبهجة..وحمد الله على السلامة ياأستاذ سامح على قدومك لنا بالسلامة.

قلت:الله يعزك ياعمي الحاج نحن نفتدك والله ونشعر بأننا نفتقد أحد رجال القرية العُظماء والمشهود لهم بالمودة والمروءة ونُصرة الضعفاء والمساكين.

الحاج أمين:ربنا يبارك فيك ياحبيبي والله أنه بحبك جداً ويكفي أنك جئتني في بيتي ...وخالص سلامي للسيد الوالد.

الأستاذ عيد: معذرة على قطع المجاملات ياجماعة ولكني أريد القول بأن ما يمر به الحاج أمين لا يختلف عليه اثنان أنه درجة عظيمة من درجات الصبر واحتساب الأجر..فنسأل الله أن يتم شفاء أخينا شفاءً تاماً لا يغادر سقما...وهنا أود سؤال الحاج أمين سؤال..كيف تحصل على هذا الصبر وبما تنصح الناس؟

الحاج أمين:المسألة فطرية من داخلي وأنا لم أقرأ شيئاً عن أحد فقط أنا أشعر بأن الله سيشملني برحمته بشفائي، وأنا وإن لم أجد هذا الشفاء في الدنيا سأجده خيراً وأعظم منه يوم أن ألقى الله وأنا صابر.

الأستاذ عيد: شعورك الفطري هل أجبرك عليه أحد ياحاج أمين؟ يعني لو قُدّر لك-الآن-أن تكون صحيح البدن هل ستطلب من الله أن يبتليك؟

هنا تدخلت في الحوار ورددت قائلا: ولكن ياأستاذ عيد لا أحد يطلب البلاء فالبلاء منبوذ من النفس البشرية ولا طاقة لإنسان أن يتحمل بلاءاً قد يُقعده عن مُتع ومباهج الدنيا.

الأستاذ عيد : أنا أسأل سؤالاً فقط لبيان ماهية التجربة لتمييز الصبر ووضوحه عند الحاج أمين ياسامح، يعني مثلاً لدينا قضية الكفّارات ونحن ندعو الله بأن يكفّر عنا ذنوبنا، فهل سنشترط على الله أن يبتلينا بمرض أو بشئ محدد؟!...لا طبعاً لا يفعل ذلك إلا من يدعو هذا الدعاء ولا يُحرك شيئاً بداخله لإنه إنسان غير مخلص وينظر لعلاقته مع الله كعلاقته مع مديره في العمل كلها نفع وضرر-ولله المثل الأعلى، بينما الأصل في عبادتنا لله أن نحب الله ونخشاه وفي ذات الوقت نطمع فيما عنده..يعني المسألة ليست كلها طمع في طمع وإلا لانعكس سلوكك مع الله على سلوكك مع نفسك والناس.

الحاج أمين: أنا فاهم ماذا تقصد ياأستاذ عيد ولولا تدخل الأستاذ سامح لرددت عليك بدلاً منه...الإجابة على سؤالك لا طبعاً أنا راجل بسيط ومن البيت للجامع للغيط ، وأولادي هم الذين يتكفلون برعاية أموالنا من البهائم إلى الغيط والمحصول، وأنا والله دعوت ربنا كثيراً أن يُكفّر عني سيئاتي ولم أشترط على الله شئ، ولكن وأنا أقرأ في القرآن قوله تعالى.." ربنا لا تحملنا مالا طاقة لنا به"..كانت عيناي تدمع ، أما الآن وبعد مرور عام على مرضي وقد رزقني الله الصبر شعرت بأنني أعيش حياتي حياة عادية جداً وكأنه لا يوجد فارق بيني وأنا سليم وبيني وأنا مريض، بل بالعكس..وأنا مريض وجدت أناس طيبين أمثالكم يودونني ويحبونني وأنا لم أجد هذا الشعور –بهذا المقدار-وأنا صحيح البدن.

قلت: ما يشعر به الحاج أمين يُثبت فلسفتي في الحياة أن السعادة مركزها القناعة ومحاورها في الفضائل ودائرتها في الخير التام..فلولا أن الحاج أمين يشعر برضاءه عن نفسه وأعماله لما كان له أن يشعر بالسعادة في ظل مرضه والذي من المفترض أن يكون شعوره العكس، فهو المشهود له بالخير في القرية وفضائله على الصغير قبل الكبير، والعزلة عن هذا الواقع ليس أمراً هيناً.

الأستاذ عيد:هناك سعادات جزئية وسعادة كلية ياسامح..والصبر لابد له من سعادة كلية كي يستمر بنفس المقدار بل ويتعايش صاحبه معه كما حاله الأول، يعني مثلاً الحاج أمين تراه رجل هادئ الطبع ومحبوب ، لكن لو وقع -فيما وقع فيه الحاج أمين من مرض- رجل عنيف الطبع ومكروه من الناس هل سيصبر؟..هذا هو قصدي من تعدد السعادات..إن واحد مثل الحاج أمين قضية السعادة عنده كلية قبل أن يبتليه الله بأي شئ ، فإذا حدث عليه أي طارئ سلبي ستكون فرصته في الصبر كبيرة عن غيره، وهذه فضيلة إضافية لحُسن الخلق وكظم الغيظ والرُشد أنه حين البلايا تكون النفس أقرب للاتحاد مع العقل والسلوك..أما إنسان عنيف الطبع ومنتقم ولايبالي بالأخلاق هذا عند نزول أول نازلة به سيخرج عن اعتياده وتظهر حقيقته التي كان يحاول إخفاءها عن الكثيرين.

أما أنت ياحاج أمين فاحمد الله على هذه النعمة، لإنك إنسان طيب ومحبوب فقدّر الله لك أن لا تبتئس حين شدتك.

قلت: ألا ترى أستاذنا العزيز عيد أن قضية تعدد السعادات هذه قد تكون متوهمة –لديك-من أصل تأثير الفضائل على السلوك؟..يعني أنت حكمت وقلت بأن الإنسان الأقل صبراً هو الأقل أخلاقاً-هكذا أفهم-يعني بنفس منطقك فمؤثر الفضيلة هو معيار تعدد السعادة، وبالتالي أصبح سلوك الفضيلة يكفي للسعادة الكلية -الكافية للصبر-وبهذا تخرج الطبائع من كونها مؤثر إلى كونها أثر..لأن هناك من الناس من تكون طبائعهم سيئة الذكر ومع ذلك يفعلون الفضائل-أو بعضها.

الأستاذ عيد: طب ماهي الفضائل ترتبط بالتحكم في اللذة ياأخ سامح، هل هناك إنسان مفضال ومع ذلك شهواني؟!...سوء الطباع نفسها هي لذة عند صاحبها فهو يستمتع بالقهر والزجر بمثل استمتاعك بالجنس وبالتالي فحضور اللذة يعني حضور السعادة وهذه هي التي أقصدها.."بالسعادة الجزئية"..أنت تتوهم أن هناك فارق بين الفضيلة والطبع لكي يصنع عندك مؤثر لوحدة مفهوم"السعادة"...لأن السعادة لو هي واحدة ونوع واحد وجنس واحد ستجد أن الأقل صبراً ليس هو الإنسان عنيف الطبع بل ستجده رجلاً مفضالاً تعرض لضغوط فوق طاقته فلم يصبر كمثل من فقد أي محبوب لديه أو من شدة حزنه لطارئٍ ما ألمّ به..في مفهومي أرى أن هذا الرجل المفضال -الذي لم يصبر- هو في حقيقته سئ الطبع -بغض النظر عن الدرجة-لأنه لو كان حسن الطبع فلن يحزن لفقدان شئ لإنه إنسان يتعامل مع الأشياء بقلبه ووجدانه وليس بحواسه.

هنا دق جرس الباب معلناً عن ضيوف آخرين جاءوا لزيارة الحاج أمين..وبعد أن استقبلنا الضيوف بالسلام والترحاب،انهمك الحاج أمين مع الضيوف الجدد فوجدنا بعضنا أنا والأستاذ "عيد" ليسا مؤهلين لتكملة الحوار.

فارس اللواء
13-10-2012, 01:51 AM
فلسفة الأخلاق(لوحة الصدق والكذب)

في أثناء رحلتي إلى القرية اشتقت إلى المشي وسط الزراعات وعلامات الريف والاستمتاع بالمسطحات الخضراء التي لطالما اشتقت إليها كثيراً وأنا في المدينة، فقلت لزوجتي وأهلي أنا ذاهبٌ بمفردي للمشي وإذا أرادني أحد فالهاتف الخلوي مفتوح..كان هناك طريقاً زراعياً أحبه لذكريات الماضي، فذهبت إليه حاملاً لوحات تأمل برّاقة.. شجعتني على التفكير.. ثم اخترت لنفسي أمراً لأحدث به نفسي وما أحلى محادثة النفس في قضايا فكرية وفي هذا الجو المشجع.

اخترت أن أتحدث في موضوع الصدق والكذب، فالصدق يعني المطابقة مع الواقع أما الكذب فيعني عدم مطابقة الواقع، وهنا تُثار إشكالية من هو الراصد الذي عن طريقه سنعرف الكاذب من الصادق؟..هذا السؤال يذكرني براصد إينشتين -في نسبيته -ويعني أن حدوث حادث يرصده أكثر من راصد فيختلف الحُكم باختلاف الرؤية، لذلك جاءت أهمية الراصد في النسبية كونه الحاكم بُحكم الرؤية..فراصد الكذب-كمثال- هو بعينه راصد إينشتين،لأن الكاذب قد لا يشعر بكذبه ويظن تطابقه مع الواقع يتحقق، بينما باختلاف مكان وجوده في القضية-ذات الشأن-ولكونه طرف فيحجبه ذلك عن الرصد إما لتعمده أو لخطأ حواسه وإدراكه وبالتالي تزييف وعيه..في النهاية يخرج علينا الكاذب بصورة رجل.. "مزيف الوعي"..حتى مع تعمده فتدفعه أهواءه للكذب ظناً منه بوجود منفعة سواء مادية أو معنوية.

حقيقة فالإنسان منا قد يتعرض للكذب مجبراً -لما أشرنا إليه بتحصيل المنفعة، وهذا النوع من الكذب على نوعين ..الأول مذموم والآخر محمود..فالكذب المذموم يعني نقل أو تبني "خبراً" غير متطابق مع الواقع بدافع التشويه أو المنفعة"المتوهمة" أو بوجود إحدى حالات الكسل أو الجهل أو المكابرة..فقد يُظهر الإنسان منا شكليات لا علاقة لها بمضمون القضية، وتجاوزه عن المضمون في الغالب ما يكون إما عن جهل وكسل وإما عن عناد ومكابرة فتخرج أفعاله مخادعة ليست فقط للوسط المحيط بل للنفس أيضاً، ومع توالي حدوث هذه الأفعال دون رصد أو أي محاولة للرصد -بسماع النصائح أو أساليب التقويم-يتعايش المرء مع كذبه حتى يسري في دمائه مسرى الدم في العروق، فجميعنا لا يشعر بسريان الدم في عروقه، ورغم ذلك فالدم يسري حقيقة في كافة أوردته وشرايينه، هكذا الكاذب لن يشعر بكذبه رغم وجوده واقعاً.

أما الكذب المحمود فهو لتحصيل المنفعة درءاً لأذى النفس أو الدين أو المال أو العقل أو النسل فيما يُعرف لدينا.."بمقاصد الشرع"..وقد يختلف تقييم الإنسان لهذا النوع بخلاف طبائعه وثقافاته ومستوى إدراكه..ولكن ينقلب هذا النوع ويُصبح مذموماً فيما لو تعارض مع الأصول الأخلاقية الأخرى كالتضحية والكفاح والإيثار وغيرها..بينما تظل مقاربة هذه الأمور مع بعضها برباط الموازنة الشرعية والأخلاقية وهو الفيصل في التعيين...وينتشر هذا النوع من الكذب في أجواء الحرب والمصالحة ونلاحظ هنا أن وجود الكذب المحمود للموازنة"الأخلاقية" بين متضادين..وحقيقته تبقى كأثر فعّال لبقاء النفس الإنسانية بين رُحى الحرب والسلام، لأن الكذب لو كان على نوعٍ واحد "مذموم" لما ساد السلام على كوكب الأرض، وانتشر العداء بفِعل طبيعة الإنسان"قليل الحكمة".

أما الصدق فكما أسلفنا في تعريفه أنه مطابقة الواقع ،وكافة أعراض تمييز الكذب من عمليات رصد تنطبق عليه ولا داعي لتكرارها،وأضيف أن الصدق-غالباً- ما يأتي للمرء من تحكمه في كافة قوى الشر لديه كتحكمه في غضبه أو شهوته أو في قوته العقلية وهي أقسام النفس الإنسانية عند ابن سينا..فوقوع التحكم لديه يعني حضور الاتحاد مع النفس وبالتالي الشعور بالراحة والطمأنينة ليس لجنس العمل فحسب بل لأعراضه ونتائجه -حسب مستوى إدراكه...إضافة إلى أن الصدق يُعد هو الخُلق الرئيسي في حضور الأمانة والإخلاص والتضحية وغيرها من الأخلاق القيمية الحقيقية والاعتبارية..وكأن الصدق هو صانع الفضائل في نفس الإنسان ولما لا وقد أمر الله عباده بلزوم الصادقين.."ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين"..بينما لو كان محل الصدق ليس ملزوماً بالأمر به لأصبح الصدق خيارا مندوباً وليس واجبا، وحينها يدور الإنسان في فلك التفسير والإسقاط بينما القضية لديه بداهة، أن الصدق والكذب يتضادان في العمل والنتائج.

انقطع حبل أفكاري فجأة برنين الهاتف وإذ بالوالد يتصل ويطلب مني طلباً لا يحتمل التأجيل

فارس اللواء
15-10-2012, 02:03 AM
فلسفة الأخلاق(لوحة العفو)

انتهت الأجازة في القرية بعد أن استمتعت بيومين من أحلى أيام التأمّل، رجعت إلى مدينتي وبدأت في تهيئة نفسي لقبول واقع جديد ومختلف..وفي يومٍ اشتكت لى زوجتي من المُدرسة التي تُدرس لإبني الأكبر في السنة الدراسية الأولى من المرحلة الأساسية، وقالت أنها ضربته ضرباً مبرحاً وأن الطفل جاء يبكي بعد انتهاء فترة المدرسة..قلت في نفسي هذا تصرف خاطئ بكل تأكيد..ولكن لابد من استماع وُجهة النظر الأخرى لعل هناك شيئاً ما فالصورة لدي من وجه واحد، ولكي تكتمل لابد من رؤية الوجه الآخر.

ذهبت إلى المدرسة وتقابلت مع المُدرسة وتساءلت عن حقيقة ما حدث..قالت أن المُدرسين والمدرسات يتعرضون لضغوط شديدة فوق طاقتهم، وأن التدريس لأطفال السنة الدراسية الأولى من أصعب ما يكون، فهم يعلمون أنهم في عداد الأب الثاني والأم الثانية ولا سبيل لهم للتواصل مع الأطفال إلا أسلوبهم، ورغم ذلك فالطفل قد لا يفهم أساليب المدرسين والمدرسات لاعتياده على طريقة والديه أو مربيه....تفاءلت كثيراً بعد سماع هذه الرؤية وقلت أنني أقف أمام عقلية جيدة، فطرحها لمبرراتها كان ممتازاً...ولكن ظلت لدي إشكالية الضرب "المبرح" وناقشتها مطالباً بالصبر والعفو أملاً في غرس الثقة في أنفس الأطفال بدلاً من هدمها في لحظات من الغضب...وأنني لن أتشدد لإبني لو كان مخطئاً، ومع ذلك أريد طريقة عقاب أخرى غير الضرب.

انتهى الحوار بتفهم المُدرسة ووصلنا لنتيجة جيدة أعلم أنها لن تطبقها مع طفلي خاصة بل مع كافة الأطفال -في الفصل ... وفي اليوم التالي ذهبت للعمل وإذ بصديقي "غانم" نجتمع أنا وهو في مكانٍ عمل واحد، وفي فرصة جيدة للحوار حدث أن توقفنا عن العمل وقيل أنه سيكون لمدة نصف ساعة على الأكثر..قلت لابد من عرض المسألة على غانم لاستشارته في ما حدث.. ثم دار هذا الحوار:
قلت: ياغانم لو تعرض طفلك للضرب في المدرسة ماذا ستفعل؟..هل ستعفو أما تزجر؟..وإذا عفوت ما البديل؟..وإذا زجرت هل هو عدم تفهم لمعنى العفو بأن ترضاه على نفسك وتكرهه لغيرك أم ماذا؟

غانم:لن أبحث في السبب ولن أعترف بأي مبرر لضرب الطفل، فالتعليم إن لم يكن بالترغيب فهو تعليم سئ..وليس معنى أنني أرفض العفو أن أكرهه للمُدرسة فهي تتعامل مع عقل صغير لا يفكر بل أنا أتعامل مع عقل كبير يفكر ويعي..فلا محل للقياس.

قلت: فإذا كان الفاعل امرأة ولا تعلم عاقبة أمرها -أو تعلم ولكن ضعفت أمام الحدث، وإذا كان رجلاً هل يستويان مثلا، وإذا استويا في التقدير هل يستويان في العقوبة؟

غانم: لا طبعاً هناك فارق..فأصالة العقل عند الرجل أبدى وهي المؤثر، أما عند المرأة فالأصالة لديها في الروح والعاطفة، فلن يستويا لا في التقدير ولا في العقوبة..وإذا كان الفعل عن جهل بالنتائج فليس عُذرا لأنني أتعامل مع عقل كبير، وإذا كان من عُذر يكن به العفو فبعد رضائي والتعهد بعدم التكرار.

قلت:أرى أن خُلق العفو من التسامح وهما ينشآن لدى الفرد من منطق قوة على النفس والغير، فماذا إذا لم يكن لديك هذا المنطق؟

غانم: لن يكن عفواً بل سيكون أشياء أخرى كالطلب أو الرجاء أو التوسل..والمنطق موجود كوني ولي الأمر وصاحب الحق.

قلت: فلنفرض أننا اختلفنا وقمنا الآن بضرب بعضنا البعض..من منا هو صاحب الحق كي يكون له منطق القوة؟

غانم: ياسامح قلت لك لا محل هنا للقياس، فنحن كبار نفهم ونُدرك.. أما هذا فاعتداء واضح على طفل لا يفهم ولا يُدرك.

قلت: لا أقصد ما وصل إليه ذهنك بل أقصد أنه لو توهم الحق لديك في مسألة لا منطق للقوة فيها، هل ستعفو أم لا؟

غانم: جائز أن يحدث هذا التوهم بالفعل وحينها سيَعدُم منطق القوة..لكن يجوز أن أنكر ذاتي للعفو -عن ما أراه حقاً لي- ولكن لابد من استشعار الحالة النفسية حين حدوث الفعل فلربما كان العقل متأخراً حينها تحل النزعة مكان العاطفة.

قلت: إذاً أنت تُقر بالعفو عن من ضرب إبنك.

غانم: كيف؟!!

قلت: إن الميل لاستشعار الحالة النفسية واعتبارها مبرراً للخطأ بدلالة تأخر العقل عن النزعة هو عين العفو عن المعلم، حيث ما أيقنت به مبرراً هو بعينه ما يجده المُعلم أو المُعلمة مبرراً لضرب إبنك، أما ما تقول به بانتفاء محل القياس فيدحضه الظرف المحيط بالواقعة ، حيث لم تكن المواجهة مفردة بين طفلك والمُعلم بل كانت مواجهة أطفال جماعية مع نفس المعلم، وهو ما يؤخر العقل لديه -ليس دائماً-بضغوط نفسية من صعوبة تعليم الأطفال في تلك المرحلة العُمرية،ولكن بحدوثه تبقى فرضية كونه استثناء وحينها يجب التحقق لا كما تقول باستحالة العُذر.

غانم: كلامك جميل..ولكن هل كنت تتوقع طرحي للمبرر الذي بنيت عليه ردك؟

قلت: نعم كنت أتوقعه فبطرح منطق القوة وتلاشي ظهور الحق يبرز المبرر كقاعدة عُذر لتجميل التقصير الحادث في حق النفس والغير.

غانم: ولكن هل يخطئ الإنسان في تفسير شعوره لهذه الدرجة؟

قلت: قد يخطئ فيما لو كان مدلول القضية لديه مُبهماً..أي لو اختلف السائق والراكب حول مقدار الأجرة اللازمة للسفر، ولم يعذر كليهما الآخر ولم يعفو وأصرا على موقفيهما..بينما كان مدلول القضية يستوجب الاتفاق لسد الذريعة، فكان المبادر هو صاحب الخطأ الأكبر لأنه لم يُعلن عن القيمة ابتداء..فالسائق هو أنت أما الراكب فهو المعلم ، ولو اتفقتم على نظام معين في التربية قبيل الواقعة لكان حدوث خلافه يستدعي موقفك، أما وكان الاتفاق معدوم فشعورك هنا يكون من منطق "الحق الشخصي" لا من منطق "الحق العام"..وحينها لن تفهم معنى العفو لأنك ستعتقده تنازلاً.

وقبل أن يُكمل غانم رده جاء إلينا الأمر بالعمل فقد انتهى الوقت.

بحب الله نحيا
22-10-2012, 12:35 AM
أحسنتم أخي
بارك الله بكم ’’