ناصر الحق واهله
12-10-2012, 10:51 PM
نظرة للأمر بالمعروف
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات الإنسانية العقلية قبل أن تكون من الواجبات الشرعية ، فتقويم الإنسان لأخيه يصب في مصلحة الكل .
وربما اغلب مصاديق الأمر بالمعروف المتحققة لدينا كمسلمين تقتصر على الكلمة المجردة أو قل هي منحصرة بالمرتبة الأولى من مراتب الأمر بالمعروف ، والسبب في ذلك أن الآمر أو الناصح أو الواعظ غالباً ما يروم براءة ذمته والخروج من عهدة التكليف ، فقلما ينظر إلى نتائج نصحه أو وعظه . وهذا يُلزم متلقي الأمر والنُصح بالانفراد الكامل بإرادته لأداء المعروف أو الانتهاء عن المنكر ، أي دون محفز أو معين خارجي ، وهذا يؤدي غالباً الى التقاعس عن فعل المعروف أو ترك المنكر ، إذ أن إرادة التحقيق ضعيفة من الأساس أو قل خاملة من جهة هذا الموضوع ، والاعتماد الكلي على هذه الإرادة الضعيفة سلفاً لا ينجد غالباً .
وهذا ما حدى ببعض الآمرين بالمعروف بعد الالتفات لهذا الجانب الى اتخاذ طريقاً آخراً، وهو طريق الإكراه بما وهبهم الله تعالى من قوة التسلط ، وهذا الأسلوب الجديد ربما أعطى بعض النتائج الايجابية لكنها قليلة نسبة إلى ما سببه من ضرر ، فكانت ردود أفعال المأمورين سلبية تجاه هذا الأسلوب وأصحابه وربما الطريق الذي ينتمون إليه ، فأضحوا بعيدين على الشريعة وربما كارهين لواجباتها.
وإن عدم الاستجابة للآمرين بالمعروف او الناهين عن ضده خلقت لدى الآمرين الإحباط واليأس من الإصلاح .
وغالباً ما يلقى كل اللوم على تارك المعروف أو فاعل المنكر ، على أن المجتمع فاسد ولا يريد الإصلاح . نعم نحن نقطع يقيناً أن اغلب الفاسدين لا يريدون الإصلاح ، ولو كانوا يريدون الإصلاح لما أصبحوا فاسدين ، لكن إلقاء اللوم كاملاً على الفرد المقصر أو المنحرف فيه شيء من المسامحة ، فلربما هنالك عدة أسباب حالت دون السماع ، ومنها أسلوب الآمر بالمعروف وطريقته وزمنه والجهل بمداخل المقابل ، أو أن الناصح أو الآمر يكون دافعه هو براءة ذمته ليس غير ، كما سبق . إذ أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المعمول به لا يخرج عن أسلوبين مبتنيان على دافعين :
الأول : والذي يكون فيه الدافع هو إسقاط الواجب الشرعي أو إلقاء الحجة على المقابل . وغالبا لا يثمر هذا الأسلوب ثمرة كاملة، أي لا يستطيع يُساوق الفساد في سيره ، حيث يقتصر فيه الآمر على ما يفرغ ذمته ، بكلمة أو كلمات جوفاء دون اثر قلبي . وإن النظر في هذا القسم من قِبل الآمر هو مصلحته الخاصة الأولية ، وهي الخلاص من تبعة ترك الواجب .
الثاني : والذي يكون الدافع فيه حب الخير للغير ، التقرب لرب العالمين . وصاحبه لا يكتفي بالكلمة والخطبة العابرة ، بل هو كثير المحاولة ، وربما لا يتوقف على حدٍ ما ، لكن الذي يؤسف إن أكثر هؤلاء هم أصحاب التفريط الذين يكون دافعهم حق لكنّ تطبيقهم باطل ، اعني لا يرتقي إلى مستوى الدافع .
نعم هنالك أسلوب ثالث ، وهو برزخ بين السابقين ، يعطي من النتائج ما يقصر عنه سابقَيه ، ونستطيع أن نسميه بأسلوب الملازمة التقويمية ، وهو ينجح مع أصحاب القسم الثاني . ومحصله : أن تلازم المقصر تجاه الشريعة ملازمة حقيقية ، صديقاً كان أم قريباً أم غريباً أم بعيداً ، أن تجعله هدفاً في حياتك لا يقل أهمية عن بقية أهدافك أن لم يزد عليها ، أن تجعله مشروعك الذي لا تقنع بغير نجاحه ، أن تخطط لإنجاحه ( لأن هدى الله بك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس). أليس غيرنا يخطط لإفساد المجتمع وإبعاده عن الدين وتسفيه الواجبات الشريعة في نظره ؟ وهو لا يسأم ولا يكل ، يفكر ليلاً ويعمل نهاراً ، يضحون براحتهم وملذاتهم من أجل أهدافهم الدنية ؟ وهذا من الأسباب التي جعلت من الفساد قوة تكاد لا تقهر ، وأمسى المجتمع المسلم بل الموحد عموماً في نزول وانحدار يتسارع يومياً ، لا توقفه كلمات الخطباء ولا رسائل العلماء ! وليس هي إلا سبعة واجبات ، لو رعيناها حق رعايتها لكنا أمة في قمة الأخذ والعطاء دنيوياً وأخروياً ، لكنا ننادي من وراء الحُجرات!.
ولا يقول لي قائل : أنه ينبغي علينا أن نصلح أنفسنا ثم نصلح غيرنا، لأن فاقد الشيء لا يعطيه . أقول : هذا من تسويل وتسويف النفس، فلا يوجد إنسان كامل الصلاح ولا كامل الفساد ، الكل يحوي شيء من الصلاح وشيء من الفساد - إلا من رحم ربي - كل ما في الأمر أنت صادق انصح شيخ منتظر بعدم الكذب ، تصلي أنصح بالصلاة ، أنت تخمس انصح بالخمس ، وأما الذي أنت مقصر فيه فلا تنصح به أحدا .
لكن ينبغي أن تتوفر مقدمات لهذا الأسلوب من قِبل مطبّقه لكي يكتب له النجاح ، وهي :
أولاً : أن لا يكون دافع الواعظ أو الآمر الملازم هو إسقاط الواجب فحسب ، إنما ينبغي أن يكون محركه الإصلاح في أمة رسول الله ، أو إرضاء لله تعالى ، أو ردّ الفضل لرسول الله ، أو السير على نهج الأنبياء وتطبيقاً لأفعالهم . فإن المجتمع بأمس الحاجة الى النصح المؤثر الذي يكون محركه غيري وليس نفسي .
ثانياً :أن يكون لدى الآمر بالمعروف قوة تحمل ، يسع من خلالها ما يصدر من المقصر ، فلربما صدرت منه كلمة فاحشة أو فعل مسيء تجاه الآمر أو جزعاً منه أو غيرها . الأمر الذي يؤدي بالضعيف إلى ترك مسؤوليته بحجة أن المقابل لا يستحق . وليتذكر المقوم إن قدوته عليه أفضل الصلاة والسلام عندما ذهب الى أهل الطائف لم يقل له أهلها : ارجع أيها الصادق الأمين ! بل انهالوا عليه بالحجارة وكل ما استطاعت ان تصل إليه أيديهم –دون تصريح- ، والسب والشتائم والكلام الفاحش الذي لو سمعه أحدنا لترك المعروف وأهله ! لكنه ضل يتنقل من حي إلى حي ، والنتيجة ما هي الآن ؟ أهل الطائف مسلمون ! .
ثالثاً : أن لا يقتصر المقّوم حين الأمر بالمعرف أو النهي عن المنكر على أسلوب واحد ، فإن النفوس تملّ الحال الواحد ، فيجب أن يتنقل بين الترغيب والترهيب والتوهيم والتحفيز والمدح والذم وغيرها من مفاتيح النفوس .
رابعاً : أن لا يفارق الشخص الذي يريد تقويمه فترة طويلة ، فإن المغريات بالتقصير ودواعي الانحراف كثيرة .
واعلم أيدك الله تعالى : أن زكاة الصلاة هي أن تأمر بها غيرك وزكاة الصدق أن تنصح به غيرك ومانعات النزول إلى الكذب هو أن تحذر منه غيرك وهكذا .
والله المستعان على نفسي وأنفسكم وهو حسبنا ونعم الوكيل
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات الإنسانية العقلية قبل أن تكون من الواجبات الشرعية ، فتقويم الإنسان لأخيه يصب في مصلحة الكل .
وربما اغلب مصاديق الأمر بالمعروف المتحققة لدينا كمسلمين تقتصر على الكلمة المجردة أو قل هي منحصرة بالمرتبة الأولى من مراتب الأمر بالمعروف ، والسبب في ذلك أن الآمر أو الناصح أو الواعظ غالباً ما يروم براءة ذمته والخروج من عهدة التكليف ، فقلما ينظر إلى نتائج نصحه أو وعظه . وهذا يُلزم متلقي الأمر والنُصح بالانفراد الكامل بإرادته لأداء المعروف أو الانتهاء عن المنكر ، أي دون محفز أو معين خارجي ، وهذا يؤدي غالباً الى التقاعس عن فعل المعروف أو ترك المنكر ، إذ أن إرادة التحقيق ضعيفة من الأساس أو قل خاملة من جهة هذا الموضوع ، والاعتماد الكلي على هذه الإرادة الضعيفة سلفاً لا ينجد غالباً .
وهذا ما حدى ببعض الآمرين بالمعروف بعد الالتفات لهذا الجانب الى اتخاذ طريقاً آخراً، وهو طريق الإكراه بما وهبهم الله تعالى من قوة التسلط ، وهذا الأسلوب الجديد ربما أعطى بعض النتائج الايجابية لكنها قليلة نسبة إلى ما سببه من ضرر ، فكانت ردود أفعال المأمورين سلبية تجاه هذا الأسلوب وأصحابه وربما الطريق الذي ينتمون إليه ، فأضحوا بعيدين على الشريعة وربما كارهين لواجباتها.
وإن عدم الاستجابة للآمرين بالمعروف او الناهين عن ضده خلقت لدى الآمرين الإحباط واليأس من الإصلاح .
وغالباً ما يلقى كل اللوم على تارك المعروف أو فاعل المنكر ، على أن المجتمع فاسد ولا يريد الإصلاح . نعم نحن نقطع يقيناً أن اغلب الفاسدين لا يريدون الإصلاح ، ولو كانوا يريدون الإصلاح لما أصبحوا فاسدين ، لكن إلقاء اللوم كاملاً على الفرد المقصر أو المنحرف فيه شيء من المسامحة ، فلربما هنالك عدة أسباب حالت دون السماع ، ومنها أسلوب الآمر بالمعروف وطريقته وزمنه والجهل بمداخل المقابل ، أو أن الناصح أو الآمر يكون دافعه هو براءة ذمته ليس غير ، كما سبق . إذ أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المعمول به لا يخرج عن أسلوبين مبتنيان على دافعين :
الأول : والذي يكون فيه الدافع هو إسقاط الواجب الشرعي أو إلقاء الحجة على المقابل . وغالبا لا يثمر هذا الأسلوب ثمرة كاملة، أي لا يستطيع يُساوق الفساد في سيره ، حيث يقتصر فيه الآمر على ما يفرغ ذمته ، بكلمة أو كلمات جوفاء دون اثر قلبي . وإن النظر في هذا القسم من قِبل الآمر هو مصلحته الخاصة الأولية ، وهي الخلاص من تبعة ترك الواجب .
الثاني : والذي يكون الدافع فيه حب الخير للغير ، التقرب لرب العالمين . وصاحبه لا يكتفي بالكلمة والخطبة العابرة ، بل هو كثير المحاولة ، وربما لا يتوقف على حدٍ ما ، لكن الذي يؤسف إن أكثر هؤلاء هم أصحاب التفريط الذين يكون دافعهم حق لكنّ تطبيقهم باطل ، اعني لا يرتقي إلى مستوى الدافع .
نعم هنالك أسلوب ثالث ، وهو برزخ بين السابقين ، يعطي من النتائج ما يقصر عنه سابقَيه ، ونستطيع أن نسميه بأسلوب الملازمة التقويمية ، وهو ينجح مع أصحاب القسم الثاني . ومحصله : أن تلازم المقصر تجاه الشريعة ملازمة حقيقية ، صديقاً كان أم قريباً أم غريباً أم بعيداً ، أن تجعله هدفاً في حياتك لا يقل أهمية عن بقية أهدافك أن لم يزد عليها ، أن تجعله مشروعك الذي لا تقنع بغير نجاحه ، أن تخطط لإنجاحه ( لأن هدى الله بك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس). أليس غيرنا يخطط لإفساد المجتمع وإبعاده عن الدين وتسفيه الواجبات الشريعة في نظره ؟ وهو لا يسأم ولا يكل ، يفكر ليلاً ويعمل نهاراً ، يضحون براحتهم وملذاتهم من أجل أهدافهم الدنية ؟ وهذا من الأسباب التي جعلت من الفساد قوة تكاد لا تقهر ، وأمسى المجتمع المسلم بل الموحد عموماً في نزول وانحدار يتسارع يومياً ، لا توقفه كلمات الخطباء ولا رسائل العلماء ! وليس هي إلا سبعة واجبات ، لو رعيناها حق رعايتها لكنا أمة في قمة الأخذ والعطاء دنيوياً وأخروياً ، لكنا ننادي من وراء الحُجرات!.
ولا يقول لي قائل : أنه ينبغي علينا أن نصلح أنفسنا ثم نصلح غيرنا، لأن فاقد الشيء لا يعطيه . أقول : هذا من تسويل وتسويف النفس، فلا يوجد إنسان كامل الصلاح ولا كامل الفساد ، الكل يحوي شيء من الصلاح وشيء من الفساد - إلا من رحم ربي - كل ما في الأمر أنت صادق انصح شيخ منتظر بعدم الكذب ، تصلي أنصح بالصلاة ، أنت تخمس انصح بالخمس ، وأما الذي أنت مقصر فيه فلا تنصح به أحدا .
لكن ينبغي أن تتوفر مقدمات لهذا الأسلوب من قِبل مطبّقه لكي يكتب له النجاح ، وهي :
أولاً : أن لا يكون دافع الواعظ أو الآمر الملازم هو إسقاط الواجب فحسب ، إنما ينبغي أن يكون محركه الإصلاح في أمة رسول الله ، أو إرضاء لله تعالى ، أو ردّ الفضل لرسول الله ، أو السير على نهج الأنبياء وتطبيقاً لأفعالهم . فإن المجتمع بأمس الحاجة الى النصح المؤثر الذي يكون محركه غيري وليس نفسي .
ثانياً :أن يكون لدى الآمر بالمعروف قوة تحمل ، يسع من خلالها ما يصدر من المقصر ، فلربما صدرت منه كلمة فاحشة أو فعل مسيء تجاه الآمر أو جزعاً منه أو غيرها . الأمر الذي يؤدي بالضعيف إلى ترك مسؤوليته بحجة أن المقابل لا يستحق . وليتذكر المقوم إن قدوته عليه أفضل الصلاة والسلام عندما ذهب الى أهل الطائف لم يقل له أهلها : ارجع أيها الصادق الأمين ! بل انهالوا عليه بالحجارة وكل ما استطاعت ان تصل إليه أيديهم –دون تصريح- ، والسب والشتائم والكلام الفاحش الذي لو سمعه أحدنا لترك المعروف وأهله ! لكنه ضل يتنقل من حي إلى حي ، والنتيجة ما هي الآن ؟ أهل الطائف مسلمون ! .
ثالثاً : أن لا يقتصر المقّوم حين الأمر بالمعرف أو النهي عن المنكر على أسلوب واحد ، فإن النفوس تملّ الحال الواحد ، فيجب أن يتنقل بين الترغيب والترهيب والتوهيم والتحفيز والمدح والذم وغيرها من مفاتيح النفوس .
رابعاً : أن لا يفارق الشخص الذي يريد تقويمه فترة طويلة ، فإن المغريات بالتقصير ودواعي الانحراف كثيرة .
واعلم أيدك الله تعالى : أن زكاة الصلاة هي أن تأمر بها غيرك وزكاة الصدق أن تنصح به غيرك ومانعات النزول إلى الكذب هو أن تحذر منه غيرك وهكذا .
والله المستعان على نفسي وأنفسكم وهو حسبنا ونعم الوكيل