kumait
21-10-2012, 07:24 PM
سر دعاء زمن الغيبة للشيخ جوادي آملي
اسكندر آل ابراهيم
بسم الله الرحمن الرحيم، " اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك، فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني"
من أهم آداب عصر الغيبة والذي اهتم به أهل البيت (ع ) وركزوا عليه كثيراً الدعاء للإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف وقد وردت أدعية كثيرة للإمام (ع ) مثل دعاء الندبة المستحب في الأعياد بما في ذلك كل جمعة ودعاء العهد وفي دعاء الافتتاح المستحب في كل ليلة من شهر رمضان المبارك مقطع خاص بالدعاء للإمام وجاء في عدة روايات الحث من الإمام للشيعة على الدعاء لصاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف فقد ورد عن الأمام المهدي نفسه:
وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لامان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فاغلقوا أبواب السؤال عمالا يعنيكم ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فان ذلك فرجكم 1
و نص على أن علة الدعاء له أو واحدة من العلل أن الفرج في الدعاء وجاء عن الأمام الصادق (ع ):
ثم قال: يا زرارة وهو المنتظر، وهو الذي يشك في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف ومنهم من يقول: حمل ومنهم من يقول: إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر غير أن الله عز وجل يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة، قال: قلت: جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شي ء اعمل؟ قال: يا زرارة إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء " اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك، فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني " 2
وهذا الدعاء هو الدعاء المعروف بدعاء عصر الغيبة والذي أمرنا الصادق (ع ) بالدعاء به لصاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف وقد ذكر الشيخ الصدوق في كتابه إكمال الدين دعاء طويل يبدأ بهذا الدعاء وقال انه رواه عن بن همام الذي أخذه عن الشيخ العمري النائب الخاص للإمام المهدي في زمن الغيبة الصغرى وان الشيخ العمري رضوان الله تعالى عليه أمره أن يدعو به وقد اهتم به العلماء كثيرا وواحد من هولا العلماء العظام العارف الكبير والفقيه المتبحر الشيخ جوادي أملي حفظه الله فقد قام بشرحه وبين سر هذا الدعاء وسر الاهتمام الكبير به وقمت بترجمته على قدر وسعي وأضفت عليه بعض التعليقات وحاصل ما ذكره الشيخ حفظه الله أن الخلافة عن الله جل وعلا خلافة تكوينية حقيقة ولا يمكن معرفة الخليفة إلا بعد معرفة المستخلف عنه فمن يريد أن يعرف الإمام (ع )عليه أن يعرف الله جل وعلا بعد ذلك يعرف خليفته الذي هو رسول الله صلى الله عليه واله فإذا عرفه سيتمكن من معرفة خليفة رسول الله صلى الله عليه واله الذي هو الإمام المعصوم وهذا هو سر هذا الدعاء العظيم وهو طلب معرفة الإمام وبابه معرفة الله ورسوله ولذلك وردت روايات عديدة حول أهمية معرفتهم (ع ) فعن المفضل:
أنه دخل على مولانا الصادق صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فقال له: «يا مفضل هل عرفت محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين كنه معرفتهم؟ قلت: يا سيدي وما كنه معرفتهم؟ قال: يا مفضل من عرفهم كنه معرفتهم كان مؤمنا في السنام الأعلى قال: قلت: عرفني ذلك يا سيدي. قال: يا مفضل تعلم أنهم علموا ما خلق الله عز وجل وذرأه وبرأه وأنهم كلمة التقوى وخزان السماوات والأرضيين والجبال والرمال والبحار وأنهارها وعيونها، وما تسقط من ورقة إلا علموها، ولا حبة في ظلمات الأرض، ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، وهو في علمهم، وقد علموا ذلك. فقلت: يا سيدي قد علمت ذلك وأقررت به وآمنت. قال: نعم يا مفضل، نعم يا مكرم، نعم يا محبور، نعم يا طيب، طبت وطابت لك الجنة، ولكل مؤمن بها» 3 .
سر دعاء الغيبة
قال الشيخ حفظه الله: سر هذا الدعاء أن قيمة الإنسان وحرمته في كرامته ﴿ ولَقَد كَرَّمنا بَني آدم ﴾. فإذا كان حراً ومستقلاً أو مقاوماً للاستعمار والاستعباد والاستثمار والاستحمار فذلك بسبب حرمة كرامته فالذات الإلهية المقدسة الذي هو خالق الإنسان قال انه موجود مكرم وهذا كلام حق أما عن منشئ هذه الكرامة فيقول عز وجل: ﴿ إني جاعِلٌ فِيالأرض خَليفَةً ﴾4 فكرامة الإنسان بسبب خلافته الإلهية لا بسبب أن جوهر ذاته كريم أو مستقل بالكرامة فإذا كان سبب كرامته انه سُمح لخلافته أن تكون عن الله جل وعلا فهو خليفة الله ويجب أن لا ينطق إلا بكلام "المستخلف عنه" - الذي هو الحق جل وعلا - لا بكلام من عند نفسه فأن قيمة القائم مقام هي في كون منطق ومبنى السير العلمي والعملي وإمضاء المستخلف عنه يعد محترماً. فإذا ادعى شخص انه خليفة الله ولكن كان ما يجري على لسانه هو كلامه - لا كلام الله جل وعلا - وعمله على هوى ميل نفسه لا طبق شريعة الله فمثل هذا الشخص لا يعتبر خليفة الله، لأنه من غير الجائز أن يجلس شخص إلى سفرة الخلافة الإلهية ويستفيد من كرامة الاستخلاف ثم يتمتع بالحرية - يعني أن من يدعي انه خليفة الله لا يجوز له أن يعمل طبق هوى نفسه ويطلق لنفسه حرية الكلام والعمل كيفما اشتهت - عند ذلك يقول كلاماً مغصوباً محكماً لهواه على العقل والعدل الإلهي.
تعليقه: وردت روايات كثير تنص على أن كلامهم (ع )هو كلا جدهم رسول الله صلى الله عليه واله وكلامه كلام الله فليس شيء عندهم إلا بسبب خلافتهم للنبي ومن عنده وما عند النبي فكله من الله وبسبب خلافته لله فإذا ضمينا إلى ذلك الروايات أنهم الوحيدون الذين عندهم علم صحيح وانه لا يحق لأحد أن يأخذ علمه إلا منهم كما هو نص حديث الثقلين وغيره كانت كرامتهم بسبب خلافتهم (ع ) لله ورسوله وكرامة العلماء بسبب أنهم خلفاء الأئمة (ع ) فقد جاء في الرواية:
عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره قالوا: سمعنا أبا عبد الله (ع ) يقول: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين (ع ) وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه والهوحديث رسول الله قول الله عز وجل 5 .
وفي رواية: عن أبي مريم قال: أبو جعفر (ع ) لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة: شرقا وغربا فلا تجدان علما صحيحا إلا شيئا خرج من عندنا أهل البيت 6 .
حرمة العلماء بسبب معرفتهم بكلام الأئمة وتطبيقهم لأوامرهم
قال الشيخ حفظه الله: في هذا الدعاء النوراني يقول الإمام الصادق (ع ) لزرارة إن العلماء والمؤمنون هم خلفاء الإمام فإذا لم يعرفوا الإمام فكيف يستطيعون القيام بعمله وأوامره وإذا لم يطبقوا أوامر الإمام (ع) فلا حرمة لهم وبما أن الإمام (ع) هو خليفة الرسول صلى الله عليه واله فإذا لم يعرفوا الرسول فأنهم لن يعرفوا الإمام أيضا.
تعليقه: وهذا مضمون كثير من الروايات فقد ورد في رواية طويلة تتحدث عن خلفاء الله من الأنبياء والأوصياء.... فلما قضى محمد صلى الله عليه والهنبوته واستكملت أيامه أوحى الله تبارك وتعالى إليه يا محمد قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والأيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في أهل بيتك عند علي بن أبي طالب «ع» فإني لم أقطع العلم والأيمان والاسم الأكبر وميراث العلم واثأر علم النبوة من العقب من ذريتك كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم وذلك قوله الله تبارك وتعالى: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " وإن الله تبارك وتعالى لم يجعل العلم جهلا ولم يكل أمره إلى أحد من خلقه لا إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولكنه أرسل رسولا من ملائكته فقال له: قل كذا وكذا فأمرهم بما يحب ونهاهم عما يكره فقص إليهم أمر خلقه بعلم فعلم ذلك العلم وعلم أنبياءه وأصفياءه من الأنبياء والإخوان والذرية التي بعضها من بعض فذلك قوله عز وجل: " فقد أتينا آل إبراهيم الكتاب الحكمة وآتيناهم ملكا عظيما " فأما الكتاب فهو النبوة وأما الحكمة فهم الحكماء من الأنبياء من الصفوة وأما الملك العظيم فهم الأئمة [الهداة] من الصفوة وكل هؤلاء من الذرية التي بعضها من بعض والعلماء الذين جعل الله فيهم البقية وفيهم العاقبة وحفظ الميثاق حتى تنقضي الدنيا والعلماء، ولولاة الأمر استنباط العلم وللهداة فهذا شأن الفضل من الصفوة والرسل والأنبياء والحكماء وأئمة الهدى والخلفاء الذين هم ولاة أمر الله عز وجل واستنباط علم الله وأهل آثار علم الله من الذرية التي بعضها من بعض من الصفوة بعد الأنبياء (ع ) من الآباء والإخوان والذرية من الأنبياء، فمن اعتصم بالفضل انتهى بعلمهم ونجا بنصرتهم ومن وضع ولاة أمر الله عز وجل وأهل استنباط علمه في غير الصفوة من بيوتات الأنبياء (ع )فقد خالف أمر الله عز وجل وجعل الجهال ولاة أمر الله والمتكلفين بغير هدى من الله عز وجل وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله فقد كذبوا على الله ورسوله ورغبوا عن وصيه (ع ) وطاعته ولم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله تبارك وتعالى، فضلوا وأضلوا أتباعهم ولم يكن لهم حجة يوم ألقيامه ؤؤ .
سبب الانحراف عن الإمام علي هو الجهل بشخصية النبي
قال الشيخ حفظه الله: تبديل الغدير بالسقيفة كان بسبب أنهم لم يعرفوا رسول الله صلى الله عليه واله فكانوا يتخيلون انه واحد من نوابغ البشر العاديين لذا قالوا إن قيادة الناس تقع على عاتقه لعدة أيام وفي يوم السقيفة نعين أي شخص آخر قائداً. فهم لم يعرفوا أن رسول الله صلى الله عليه واله واحد من النوابغ ولكن النبوة والرسالة وسائر السمات الملكوتية جميعها مواهب إلهية: ﴿ اَللّهُ اَعلَمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسالَتَهُ ﴾ وهي من سنخ متميز عن سمات النوابغ، ولذا كان رسول الله صلى الله عليه واله خليفة الله ومربي النوابغ. وهذا الذي نقره في بداية الدعاء "اللهم عرفني نفسك"هو من هذه الجهة وهي أن النبي الأكرم صلى الله عليه واله خليفة الله وإذا لم نعرف الله فإننا قطعا سنتصور أن النبي الأكرم واحد من نوابغ البشر لانتا في حين لم نعرف المستخلف عنه - يعني الله جل وعلا - ولم نتعرف على أصل قضية الاستخلاف - فإننا لن ندرك معنى الخليفة بشكل صحيح وسننحرف في تطبيقه - أي معنى الخليفة - عن الخلفاء الحقيقيين قطعاً.
تعليقه: لذلك ورد في حديث طويل عن الإمام الرضا (ع ):
هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم، إن الإمامة أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلا مكانا وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماما باختيارهم، إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل (ع) بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة، وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره فقال: " إني جاعلك للناس إماما " فقال الخليل (ع ) سرورا بها: " ومن ذريتي " قال الله تبارك وتعالى: " لا ينال عهدي الظالمين ". فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال: " ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ".
فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها الله تعالى النبي صلى الله عليه واله، فقال جل وتعالى: " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " فكانت له خاصة فقلدها صلى الله عليه والهعليا (ع ) الإمام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة، والموعظة الحسنة، والحجة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار.
الإمام البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى وأجواز البلدان والقفار، ولجج البحار، الإمام الماء العذب على الظماء والدال على الهدى، والمنجي من الردى، الإمام النار على اليفاع، الحار لمن اصطلى به والدليل في المهالك، من فارقه فهالك، الإمام السحاب الماطر، والغيث الهاطل ووالشمس المضيئة، والسماء الظليلة، والأرض البسيطة، والعين الغزيرة، والغدير والروضة.
الإمام الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق، والأم البرة بالولد الصغير، ومفزع العباد في الداهية النآد الإمام أمين الله في خلقه، وحجته على عباده وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله، والذاب عن حرم الله.
الإمام المطهر من الذنوب والمبرأ عن العيوب، المخصوص بالعلم، المرسوم بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين. فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام، أو يمكنه اختياره، هيهات هيهات، ضلت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون وتصاغرت العظماء، وتحيرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الالباء، وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء، عن وصف شأن من شأنه، أو فضيلة من فضائله، وأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكله، أو ينعت بكنهه، أو يفهم شئ من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه، لا كيف وأنى؟ وهو بحيث النجم من يد المتناولين، ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟! 8
معرفة الله تنتج معرفة الرسول والإمام
إذا عرف شخص الله جل وعلا وفهم أن النبي الأكرم صلى الله عليه واله خليفة الله عند ذلك سيفهم أن الطريق الوحيد لتشخيص صلاح وصلاحية الأشياء والقوانين هو الوحي، فكيف يمكننا اختيار خليفة الله بالسقيفة والشورى؟ مع الوجود المبارك لأمير المؤمنين (ع ) الشخص الذي يعجز كل طائر من الوهم والعقل أن يدرك أوج مقامه ويطير إليه "لا يرقى إلي الطير"9 إذا فتح لسانه بالكلام جرى منه سيل العلوم ولم يملك احد القدرة في الوقوف قباله"ينحدر عني السيل" عدم معرفة الله ورسوله هو السبب الذي جعلهم يضعون عليا (ع ) إلى جانب عثمان وعبد الرحمن وطلحة والزبير لذا فان الإمام الصادق (ع ) ينصحنا أن نقول في زمان الغيبة اللهم عرفني نفسك حتى اعرف رسولك وخليفتك وإذا عرف شخص النبي الأكرم صلى الله عليه واله فانه سيعرف خليفته الواقعي يعني حضرة علي (ع )لأنه الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يجلس في مكان النبي الأكرم صلى الله عليه واله لأنه يقول "سلوني قبل أن تفقدوني فلانا بطرق السماء اعلم مني بطرق الأرض" 10لم يقل هذا الكلام أي شخص ولم يتجرأ احد على أن يورد مثل هذا الكلام على لسانه ماعدا من قال لجميع العلماء اسلوني عن كل ما تريدون من أخبار الماضي والمستقبل والأرض والسماء..؟ - يعني أمير المؤمنين_ وقد أراد البعض ادعاء مثل ذلك ولكنهم افتضحوا. هذا الادعاء العظيم وقف على الإنسان الكامل المعصوم مثل حضرت علي بن أبي طالب (ع ). طبعاً هذا المقام ثابت لجميع الأئمة المعصومين (ع ). فقط علي (ع ) إذا أراد أن يخبر كل إنسان فردا فردا عن مصيره وحاله في المستقبل والماضي لفعل " «و الله! لَو شئت أن أخبرَ كلّ رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت ولكن أخاف أن تكفروا فيّ برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم» 11 .
عن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو جعفر (ع ): يا أبا حمزة إنما يعبد الله من عرف الله وأما من لا يعرف الله كأنما يعبد غيره هكذا ضالا، قلت: أصلحك الله وما معرفة الله؟ قال: يصدق الله ويصدق محمدا رسول الله صلى الله عليه والهفي موالاة علي والايتمام به وبأئمة الهدى من بعده، والبراءة إلى الله من عدوهم، وكذلك عرفان الله. قال: قلت: أصلحك الله أي شئ إذا عملته أنا استكملت حقيقة الإيمان؟ قال: توالي أولياء الله وتعادي أعداء الله وتكون مع الصادقين كما أمرك الله، قال: قلت: ومن أولياء الله؟ فقال: أولياء الله محمد رسول الله وعلي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ثم انتهى الأمر إلينا ثم ابني جعفر، وأومأ إلى جعفر وهو جالس، فمن والى هؤلاء فقد والى أولياء الله وكان مع الصادقين كما أمره الله. 12
ثمرة معرفة الإمام
العلماء المؤمنين والمؤمنون العقلاء إذا عرفوا حضرت علي (ع ) وأيضاً عرفوا الأئمة المعصومين (ع ) فأنهم سيطرحوا أنفسهم على أنهم خلفاء أولائك الذين نُصبوا من قبل رسول الله صلى الله عليه واله لان العالم المؤمن خليفة ولي الله وولي الله خليفة رسول الله صلى الله عليه واله والخليفة مبين لكلام المستخلف عنه - الذين هم الأئمة سلام الله عليهم - لذا فان المؤمن يكون متعهدا دائما بإتباع كلامهم (ع ) النتيجة هي أن ثمرة معرفة الإنسان الكامل «يعني الإمام المعصوم» هو المنجي من الضلال فأن هذا الفيض يتحقق فقط في إشعاع مرجعية تلك الذوات المقدسة وتفسيرهم على أنهم العقل المنفصل للمجتمع البشري
جاء في دعاء الندبة........ ولولا أنت يا علي لم يعرف المؤمنون بعدي. وكان بعده هدى من الضلال، ونورا من العمى، وحبل الله المتين، وصراطه المستقيم 13 .
وقال أبو عبد الله (ع ): أبى الله أن يجري الأشياء إلا بالأسباب فجعل لكل شئ سببا، وجعل لكل سبب شرحا، وجعل لكل شرح مفتاحا، وجعل لكل مفتاح علما، وجعل لكل علم بابا ناطقا، من عرفه عرف الله ومن أنكره أنكر الله، ذلك رسول الله ونحن 14 .
وعن أبي البختري، عن أبي عبد الله (ع ) قال: إن العلماء ورثة الأنبياء، وذلك أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، وإنما ورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ شيئا منها فقد أخذ حظا وافرا، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين، وانتهال المبطلين، وتأويل الجاهلين 15 .
خاتمة اتضح من الشيخ حفظه الله سر هذا الدعاء العظيم فما استنفدته أيها القاري الكريم فهو من بركات الشيخ وما فيه من قصور أو غلط فهو مني والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والحمد لله رب العالمين.
1-بحار الأنوار ج52 ص 92 .... 2-الكافي ج1 ص 337 ..... 3- بحار الأنوار ج26 ص 116 .... 4-البقرة 30 .... 5- الكافي ج1 ص53 .... 6-الكافي ج2 ص399 .... 7- الكافي ج1 ص292
8-الكافي ج1 ص198 ....9- نهج البلاغة ص 48 .... 10- نهج البلاغة ض 280 .... 11-تهج البلاغة ض 250 .... 12-تفسير العياشي ج2 ص118 .... 13 اقبال الاعمال ص296
14- بصائر الدرجات ص6 ...15- الكافي ص32
اسكندر آل ابراهيم
بسم الله الرحمن الرحيم، " اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك، فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني"
من أهم آداب عصر الغيبة والذي اهتم به أهل البيت (ع ) وركزوا عليه كثيراً الدعاء للإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف وقد وردت أدعية كثيرة للإمام (ع ) مثل دعاء الندبة المستحب في الأعياد بما في ذلك كل جمعة ودعاء العهد وفي دعاء الافتتاح المستحب في كل ليلة من شهر رمضان المبارك مقطع خاص بالدعاء للإمام وجاء في عدة روايات الحث من الإمام للشيعة على الدعاء لصاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف فقد ورد عن الأمام المهدي نفسه:
وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لامان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فاغلقوا أبواب السؤال عمالا يعنيكم ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فان ذلك فرجكم 1
و نص على أن علة الدعاء له أو واحدة من العلل أن الفرج في الدعاء وجاء عن الأمام الصادق (ع ):
ثم قال: يا زرارة وهو المنتظر، وهو الذي يشك في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف ومنهم من يقول: حمل ومنهم من يقول: إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر غير أن الله عز وجل يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة، قال: قلت: جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شي ء اعمل؟ قال: يا زرارة إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء " اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك، فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني " 2
وهذا الدعاء هو الدعاء المعروف بدعاء عصر الغيبة والذي أمرنا الصادق (ع ) بالدعاء به لصاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف وقد ذكر الشيخ الصدوق في كتابه إكمال الدين دعاء طويل يبدأ بهذا الدعاء وقال انه رواه عن بن همام الذي أخذه عن الشيخ العمري النائب الخاص للإمام المهدي في زمن الغيبة الصغرى وان الشيخ العمري رضوان الله تعالى عليه أمره أن يدعو به وقد اهتم به العلماء كثيرا وواحد من هولا العلماء العظام العارف الكبير والفقيه المتبحر الشيخ جوادي أملي حفظه الله فقد قام بشرحه وبين سر هذا الدعاء وسر الاهتمام الكبير به وقمت بترجمته على قدر وسعي وأضفت عليه بعض التعليقات وحاصل ما ذكره الشيخ حفظه الله أن الخلافة عن الله جل وعلا خلافة تكوينية حقيقة ولا يمكن معرفة الخليفة إلا بعد معرفة المستخلف عنه فمن يريد أن يعرف الإمام (ع )عليه أن يعرف الله جل وعلا بعد ذلك يعرف خليفته الذي هو رسول الله صلى الله عليه واله فإذا عرفه سيتمكن من معرفة خليفة رسول الله صلى الله عليه واله الذي هو الإمام المعصوم وهذا هو سر هذا الدعاء العظيم وهو طلب معرفة الإمام وبابه معرفة الله ورسوله ولذلك وردت روايات عديدة حول أهمية معرفتهم (ع ) فعن المفضل:
أنه دخل على مولانا الصادق صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فقال له: «يا مفضل هل عرفت محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين كنه معرفتهم؟ قلت: يا سيدي وما كنه معرفتهم؟ قال: يا مفضل من عرفهم كنه معرفتهم كان مؤمنا في السنام الأعلى قال: قلت: عرفني ذلك يا سيدي. قال: يا مفضل تعلم أنهم علموا ما خلق الله عز وجل وذرأه وبرأه وأنهم كلمة التقوى وخزان السماوات والأرضيين والجبال والرمال والبحار وأنهارها وعيونها، وما تسقط من ورقة إلا علموها، ولا حبة في ظلمات الأرض، ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، وهو في علمهم، وقد علموا ذلك. فقلت: يا سيدي قد علمت ذلك وأقررت به وآمنت. قال: نعم يا مفضل، نعم يا مكرم، نعم يا محبور، نعم يا طيب، طبت وطابت لك الجنة، ولكل مؤمن بها» 3 .
سر دعاء الغيبة
قال الشيخ حفظه الله: سر هذا الدعاء أن قيمة الإنسان وحرمته في كرامته ﴿ ولَقَد كَرَّمنا بَني آدم ﴾. فإذا كان حراً ومستقلاً أو مقاوماً للاستعمار والاستعباد والاستثمار والاستحمار فذلك بسبب حرمة كرامته فالذات الإلهية المقدسة الذي هو خالق الإنسان قال انه موجود مكرم وهذا كلام حق أما عن منشئ هذه الكرامة فيقول عز وجل: ﴿ إني جاعِلٌ فِيالأرض خَليفَةً ﴾4 فكرامة الإنسان بسبب خلافته الإلهية لا بسبب أن جوهر ذاته كريم أو مستقل بالكرامة فإذا كان سبب كرامته انه سُمح لخلافته أن تكون عن الله جل وعلا فهو خليفة الله ويجب أن لا ينطق إلا بكلام "المستخلف عنه" - الذي هو الحق جل وعلا - لا بكلام من عند نفسه فأن قيمة القائم مقام هي في كون منطق ومبنى السير العلمي والعملي وإمضاء المستخلف عنه يعد محترماً. فإذا ادعى شخص انه خليفة الله ولكن كان ما يجري على لسانه هو كلامه - لا كلام الله جل وعلا - وعمله على هوى ميل نفسه لا طبق شريعة الله فمثل هذا الشخص لا يعتبر خليفة الله، لأنه من غير الجائز أن يجلس شخص إلى سفرة الخلافة الإلهية ويستفيد من كرامة الاستخلاف ثم يتمتع بالحرية - يعني أن من يدعي انه خليفة الله لا يجوز له أن يعمل طبق هوى نفسه ويطلق لنفسه حرية الكلام والعمل كيفما اشتهت - عند ذلك يقول كلاماً مغصوباً محكماً لهواه على العقل والعدل الإلهي.
تعليقه: وردت روايات كثير تنص على أن كلامهم (ع )هو كلا جدهم رسول الله صلى الله عليه واله وكلامه كلام الله فليس شيء عندهم إلا بسبب خلافتهم للنبي ومن عنده وما عند النبي فكله من الله وبسبب خلافته لله فإذا ضمينا إلى ذلك الروايات أنهم الوحيدون الذين عندهم علم صحيح وانه لا يحق لأحد أن يأخذ علمه إلا منهم كما هو نص حديث الثقلين وغيره كانت كرامتهم بسبب خلافتهم (ع ) لله ورسوله وكرامة العلماء بسبب أنهم خلفاء الأئمة (ع ) فقد جاء في الرواية:
عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره قالوا: سمعنا أبا عبد الله (ع ) يقول: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين (ع ) وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه والهوحديث رسول الله قول الله عز وجل 5 .
وفي رواية: عن أبي مريم قال: أبو جعفر (ع ) لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة: شرقا وغربا فلا تجدان علما صحيحا إلا شيئا خرج من عندنا أهل البيت 6 .
حرمة العلماء بسبب معرفتهم بكلام الأئمة وتطبيقهم لأوامرهم
قال الشيخ حفظه الله: في هذا الدعاء النوراني يقول الإمام الصادق (ع ) لزرارة إن العلماء والمؤمنون هم خلفاء الإمام فإذا لم يعرفوا الإمام فكيف يستطيعون القيام بعمله وأوامره وإذا لم يطبقوا أوامر الإمام (ع) فلا حرمة لهم وبما أن الإمام (ع) هو خليفة الرسول صلى الله عليه واله فإذا لم يعرفوا الرسول فأنهم لن يعرفوا الإمام أيضا.
تعليقه: وهذا مضمون كثير من الروايات فقد ورد في رواية طويلة تتحدث عن خلفاء الله من الأنبياء والأوصياء.... فلما قضى محمد صلى الله عليه والهنبوته واستكملت أيامه أوحى الله تبارك وتعالى إليه يا محمد قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والأيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في أهل بيتك عند علي بن أبي طالب «ع» فإني لم أقطع العلم والأيمان والاسم الأكبر وميراث العلم واثأر علم النبوة من العقب من ذريتك كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم وذلك قوله الله تبارك وتعالى: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " وإن الله تبارك وتعالى لم يجعل العلم جهلا ولم يكل أمره إلى أحد من خلقه لا إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولكنه أرسل رسولا من ملائكته فقال له: قل كذا وكذا فأمرهم بما يحب ونهاهم عما يكره فقص إليهم أمر خلقه بعلم فعلم ذلك العلم وعلم أنبياءه وأصفياءه من الأنبياء والإخوان والذرية التي بعضها من بعض فذلك قوله عز وجل: " فقد أتينا آل إبراهيم الكتاب الحكمة وآتيناهم ملكا عظيما " فأما الكتاب فهو النبوة وأما الحكمة فهم الحكماء من الأنبياء من الصفوة وأما الملك العظيم فهم الأئمة [الهداة] من الصفوة وكل هؤلاء من الذرية التي بعضها من بعض والعلماء الذين جعل الله فيهم البقية وفيهم العاقبة وحفظ الميثاق حتى تنقضي الدنيا والعلماء، ولولاة الأمر استنباط العلم وللهداة فهذا شأن الفضل من الصفوة والرسل والأنبياء والحكماء وأئمة الهدى والخلفاء الذين هم ولاة أمر الله عز وجل واستنباط علم الله وأهل آثار علم الله من الذرية التي بعضها من بعض من الصفوة بعد الأنبياء (ع ) من الآباء والإخوان والذرية من الأنبياء، فمن اعتصم بالفضل انتهى بعلمهم ونجا بنصرتهم ومن وضع ولاة أمر الله عز وجل وأهل استنباط علمه في غير الصفوة من بيوتات الأنبياء (ع )فقد خالف أمر الله عز وجل وجعل الجهال ولاة أمر الله والمتكلفين بغير هدى من الله عز وجل وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله فقد كذبوا على الله ورسوله ورغبوا عن وصيه (ع ) وطاعته ولم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله تبارك وتعالى، فضلوا وأضلوا أتباعهم ولم يكن لهم حجة يوم ألقيامه ؤؤ .
سبب الانحراف عن الإمام علي هو الجهل بشخصية النبي
قال الشيخ حفظه الله: تبديل الغدير بالسقيفة كان بسبب أنهم لم يعرفوا رسول الله صلى الله عليه واله فكانوا يتخيلون انه واحد من نوابغ البشر العاديين لذا قالوا إن قيادة الناس تقع على عاتقه لعدة أيام وفي يوم السقيفة نعين أي شخص آخر قائداً. فهم لم يعرفوا أن رسول الله صلى الله عليه واله واحد من النوابغ ولكن النبوة والرسالة وسائر السمات الملكوتية جميعها مواهب إلهية: ﴿ اَللّهُ اَعلَمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسالَتَهُ ﴾ وهي من سنخ متميز عن سمات النوابغ، ولذا كان رسول الله صلى الله عليه واله خليفة الله ومربي النوابغ. وهذا الذي نقره في بداية الدعاء "اللهم عرفني نفسك"هو من هذه الجهة وهي أن النبي الأكرم صلى الله عليه واله خليفة الله وإذا لم نعرف الله فإننا قطعا سنتصور أن النبي الأكرم واحد من نوابغ البشر لانتا في حين لم نعرف المستخلف عنه - يعني الله جل وعلا - ولم نتعرف على أصل قضية الاستخلاف - فإننا لن ندرك معنى الخليفة بشكل صحيح وسننحرف في تطبيقه - أي معنى الخليفة - عن الخلفاء الحقيقيين قطعاً.
تعليقه: لذلك ورد في حديث طويل عن الإمام الرضا (ع ):
هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم، إن الإمامة أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلا مكانا وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماما باختيارهم، إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل (ع) بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة، وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره فقال: " إني جاعلك للناس إماما " فقال الخليل (ع ) سرورا بها: " ومن ذريتي " قال الله تبارك وتعالى: " لا ينال عهدي الظالمين ". فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال: " ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ".
فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها الله تعالى النبي صلى الله عليه واله، فقال جل وتعالى: " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " فكانت له خاصة فقلدها صلى الله عليه والهعليا (ع ) الإمام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة، والموعظة الحسنة، والحجة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار.
الإمام البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى وأجواز البلدان والقفار، ولجج البحار، الإمام الماء العذب على الظماء والدال على الهدى، والمنجي من الردى، الإمام النار على اليفاع، الحار لمن اصطلى به والدليل في المهالك، من فارقه فهالك، الإمام السحاب الماطر، والغيث الهاطل ووالشمس المضيئة، والسماء الظليلة، والأرض البسيطة، والعين الغزيرة، والغدير والروضة.
الإمام الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق، والأم البرة بالولد الصغير، ومفزع العباد في الداهية النآد الإمام أمين الله في خلقه، وحجته على عباده وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله، والذاب عن حرم الله.
الإمام المطهر من الذنوب والمبرأ عن العيوب، المخصوص بالعلم، المرسوم بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين. فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام، أو يمكنه اختياره، هيهات هيهات، ضلت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون وتصاغرت العظماء، وتحيرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الالباء، وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء، عن وصف شأن من شأنه، أو فضيلة من فضائله، وأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكله، أو ينعت بكنهه، أو يفهم شئ من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه، لا كيف وأنى؟ وهو بحيث النجم من يد المتناولين، ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟! 8
معرفة الله تنتج معرفة الرسول والإمام
إذا عرف شخص الله جل وعلا وفهم أن النبي الأكرم صلى الله عليه واله خليفة الله عند ذلك سيفهم أن الطريق الوحيد لتشخيص صلاح وصلاحية الأشياء والقوانين هو الوحي، فكيف يمكننا اختيار خليفة الله بالسقيفة والشورى؟ مع الوجود المبارك لأمير المؤمنين (ع ) الشخص الذي يعجز كل طائر من الوهم والعقل أن يدرك أوج مقامه ويطير إليه "لا يرقى إلي الطير"9 إذا فتح لسانه بالكلام جرى منه سيل العلوم ولم يملك احد القدرة في الوقوف قباله"ينحدر عني السيل" عدم معرفة الله ورسوله هو السبب الذي جعلهم يضعون عليا (ع ) إلى جانب عثمان وعبد الرحمن وطلحة والزبير لذا فان الإمام الصادق (ع ) ينصحنا أن نقول في زمان الغيبة اللهم عرفني نفسك حتى اعرف رسولك وخليفتك وإذا عرف شخص النبي الأكرم صلى الله عليه واله فانه سيعرف خليفته الواقعي يعني حضرة علي (ع )لأنه الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يجلس في مكان النبي الأكرم صلى الله عليه واله لأنه يقول "سلوني قبل أن تفقدوني فلانا بطرق السماء اعلم مني بطرق الأرض" 10لم يقل هذا الكلام أي شخص ولم يتجرأ احد على أن يورد مثل هذا الكلام على لسانه ماعدا من قال لجميع العلماء اسلوني عن كل ما تريدون من أخبار الماضي والمستقبل والأرض والسماء..؟ - يعني أمير المؤمنين_ وقد أراد البعض ادعاء مثل ذلك ولكنهم افتضحوا. هذا الادعاء العظيم وقف على الإنسان الكامل المعصوم مثل حضرت علي بن أبي طالب (ع ). طبعاً هذا المقام ثابت لجميع الأئمة المعصومين (ع ). فقط علي (ع ) إذا أراد أن يخبر كل إنسان فردا فردا عن مصيره وحاله في المستقبل والماضي لفعل " «و الله! لَو شئت أن أخبرَ كلّ رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت ولكن أخاف أن تكفروا فيّ برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم» 11 .
عن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو جعفر (ع ): يا أبا حمزة إنما يعبد الله من عرف الله وأما من لا يعرف الله كأنما يعبد غيره هكذا ضالا، قلت: أصلحك الله وما معرفة الله؟ قال: يصدق الله ويصدق محمدا رسول الله صلى الله عليه والهفي موالاة علي والايتمام به وبأئمة الهدى من بعده، والبراءة إلى الله من عدوهم، وكذلك عرفان الله. قال: قلت: أصلحك الله أي شئ إذا عملته أنا استكملت حقيقة الإيمان؟ قال: توالي أولياء الله وتعادي أعداء الله وتكون مع الصادقين كما أمرك الله، قال: قلت: ومن أولياء الله؟ فقال: أولياء الله محمد رسول الله وعلي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ثم انتهى الأمر إلينا ثم ابني جعفر، وأومأ إلى جعفر وهو جالس، فمن والى هؤلاء فقد والى أولياء الله وكان مع الصادقين كما أمره الله. 12
ثمرة معرفة الإمام
العلماء المؤمنين والمؤمنون العقلاء إذا عرفوا حضرت علي (ع ) وأيضاً عرفوا الأئمة المعصومين (ع ) فأنهم سيطرحوا أنفسهم على أنهم خلفاء أولائك الذين نُصبوا من قبل رسول الله صلى الله عليه واله لان العالم المؤمن خليفة ولي الله وولي الله خليفة رسول الله صلى الله عليه واله والخليفة مبين لكلام المستخلف عنه - الذين هم الأئمة سلام الله عليهم - لذا فان المؤمن يكون متعهدا دائما بإتباع كلامهم (ع ) النتيجة هي أن ثمرة معرفة الإنسان الكامل «يعني الإمام المعصوم» هو المنجي من الضلال فأن هذا الفيض يتحقق فقط في إشعاع مرجعية تلك الذوات المقدسة وتفسيرهم على أنهم العقل المنفصل للمجتمع البشري
جاء في دعاء الندبة........ ولولا أنت يا علي لم يعرف المؤمنون بعدي. وكان بعده هدى من الضلال، ونورا من العمى، وحبل الله المتين، وصراطه المستقيم 13 .
وقال أبو عبد الله (ع ): أبى الله أن يجري الأشياء إلا بالأسباب فجعل لكل شئ سببا، وجعل لكل سبب شرحا، وجعل لكل شرح مفتاحا، وجعل لكل مفتاح علما، وجعل لكل علم بابا ناطقا، من عرفه عرف الله ومن أنكره أنكر الله، ذلك رسول الله ونحن 14 .
وعن أبي البختري، عن أبي عبد الله (ع ) قال: إن العلماء ورثة الأنبياء، وذلك أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، وإنما ورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ شيئا منها فقد أخذ حظا وافرا، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين، وانتهال المبطلين، وتأويل الجاهلين 15 .
خاتمة اتضح من الشيخ حفظه الله سر هذا الدعاء العظيم فما استنفدته أيها القاري الكريم فهو من بركات الشيخ وما فيه من قصور أو غلط فهو مني والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والحمد لله رب العالمين.
1-بحار الأنوار ج52 ص 92 .... 2-الكافي ج1 ص 337 ..... 3- بحار الأنوار ج26 ص 116 .... 4-البقرة 30 .... 5- الكافي ج1 ص53 .... 6-الكافي ج2 ص399 .... 7- الكافي ج1 ص292
8-الكافي ج1 ص198 ....9- نهج البلاغة ص 48 .... 10- نهج البلاغة ض 280 .... 11-تهج البلاغة ض 250 .... 12-تفسير العياشي ج2 ص118 .... 13 اقبال الاعمال ص296
14- بصائر الدرجات ص6 ...15- الكافي ص32