kumait
25-10-2012, 11:59 PM
وعن جرائم البعث لاتتكلموا..!
بقلم: د. عبدالخالق حسين - 23-10-2012 صوت العراق
قال الشاعر العراقي معروف الرصافي في قصيدة تهكمية رائعة: يا قوم لا تتكلموا... إن الكلام محرمُ.
تذكرتُ هذه القصيدة وأنا أمر على بعض المقالات والتعليقات التي يطالبنا فيها أصحابها بعدم ذكر جرائم البعث، بل التركيز على الحاضر ومشاكله، والتطلع إلى المستقبل وبنائه.، وهذا قول حق يراد به باطل. لذا وضعت العنوان أعلاه، لأن الجماعة يطالبوننا بعدم الكلام، فالكلام عن جرائم البعث محرم، سواء كان البعثيون في السلطة أو خارجها.
والملاحظ أن أغلب هؤلاء الوعاظ هم من خلفية بعثية، ففي عهد حكمهم الجائر دمروا البلاد والعباد، قاموا بأسوأ الأعمال الأخلاقية التي يندى لها الجبين مثل التجسس على أبناء جلدتهم، وحتى على ذويهم، وأصدقائهم، فالبعث حاول أن يجعل كل عراقي جاسوساً على الكل، بحيث صار كل عراقي يشك حتى بأقرب الناس إليه من ذويه وأصدقائه.
وللأسف الشديد، نجح البعث مع قسم كبير من الناس في إسقاطهم بمستنقع الرذيلة، إذ عمل على تدمير العقل والأخلاق، وتفشي الجريمة، وتفتيت النسيج الاجتماعي. فقد شاهد العالم قيام رئيس جمهورية الخوف بمنح أعلى وسام في الدولة لرجل قتل ابنه، وادعى الأب أن قتله لابنه كان لهروبه من الجيش خلال حرب القادسية المشؤومة، والحقيقة لم تكن كذلك، إذ كان سبب القتل هو جريمة أخلاقية، أراد الأب به غسل العار، واختلق تهمة فرار الابن من الجيش للستر والتخلص من العقاب. فانتهز النظام الفرصة وحوَّل الجريمة إلى عمل وطني شريف ودعاية لحربه المشؤومة.
وبهذه الحيلة، لم يتخلص الأب القاتل من السجن فحسب، بل ومُنِح وسام الرافدين أمام وسائل الإعلام ليكون مثالاً لأخلاق بعثية يقتدي به المجتمع العراقي، وهكذا تم تمجيد الجريمة وفق مفهوم البعث للأخلاق والجريمة.
أما جرائم فلول البعث بعد زوال حكمهم، فحدث عن البحر ولا حرج. فمعظم جرائم القتل والاختطاف والإرهاب التي تحصل في العراق من قبل عصابات تحمل أسماء إسلامية، وأتباع القاعدة، كانوا قد أعدوا لها منذ اغتصابهم السلطة عام 1968 ونهبهم لثروات الشعب. ولأن البعث حزب يؤمن بالتآمر، والانقلابات لاستلام السلطة، كان يختلق بين حين وآخر مؤامرات لانقلابات وهمية، يتخذها ذريعة لإعدام كل من يشك في ولائه، أو يحتمل أن يشارك في انقلاب محتمل ضدهم. نشير هنا بمراجعة كتاب الدكتور جواد هاشم (مذكرات وزير في عهد البكر وصدام)، وكتاب السيد أحمد الحبوبي (ليلة الهرير)، حول المؤامرة المزعومة التي حاكموا وأعدموا بسببها نحو مائة متهم بيوم واحد في عام 1969.
والمؤسف أن البعض مازال يعتقد أننا إذا ما أشرنا إلى دور البعثيين في الجرائم التي ترتكب بحق شعبنا اليوم، قالوا إننا نبالغ ونعطي البعثيين دوراً أكبر من حجمهم، مدعين، أو معتقدين بسذاجة، أن البعث قد قبر وولى!. فمعظم العصابات الإرهابية هي تابعة لفلول البعث وتحت أسماء إسلامية. وهذه حقيقة غفل عنها كثيرون من أصحاب النوايا الحميدة. فالبعثيون معروفون بقدراتهم على التلون وارتكاب الجرائم وراء مختلف الواجهات وحسب متطلبات المرحلة.
وقد ذكرنا في مقال سابق عن دورهم أيام ثورة 14 تموز، وكيف كانوا يلبسون ملابس المقاومة الشعبية، ويضعون شارات حمامة السلام على صدورهم للإيحاء بأنهم شيوعيون، ويندسون في المظاهرات، ويطلقون هتافات مسيئة للأعراف والمعتقدات الدينية، وحتى قاموا مرة بتمزيق القرآن ليتهموا الشيوعيين والإساءة لسمعتهم وسمعة الحكومة آنذاك. ونعرفهم كيف تحالفوا مع الكورد ونكثوا بهم، ومع الشيوعيين وانقلبوا عليهم، و أرسلوا وفداً من رجال الدين في السبعينات للتفاوض مع الأكراد، محملين بحقائب مفخخة لاغتيال الملا مصطفى البرازاني، وقد أودى الحادث بحياة هؤلاء، وسلم منها البرازني بأعجوبة. فحزب هذا تاريخه الأسود، ما الذي يمنعه من لبس ثياب الدين والتظاهر بتنظيمات إسلاموية، وبأسماء دينية، ونشر صور الزعماء الإيرانيين الدينيين، والتحالف مع القاعدة، ومشايخ الوهابية لارتكاب أبشع حرب قذرة ضد الشعب العراقي بذريعة مقاومة الإحتلال؟ نقول هذا لا من باب التكهن والتخمين، بل هناك معلومات مؤكدة من جهات ذات إطلاع عن قرب، أن معظم قادة هذه التنظيمات "الإسلامية" كانوا ومازالوا قياديين في حزب البعث وتنظيمات بعثية مثل: فدائيي صدام، وأصدقاء صدام...الخ.
ومن خبثهم، سرق البعثيون حتى اسم ثورة العشرين ليطلقوه على إحدى عصاباتهم الإرهابية "كتائب ثورة العشرين"، لقتل أحفاد ثوار تلك الانتفاضة الشعبية العارمة التي كانت السبب المباشر لتأسيس الدولة العراقية الحديثة، وفي نفس الوقت ينعتون أحفاد الثوار بأقذع النعوت لتجريدهم حتى من عراقيتهم. فهذه الحيل الشيطانية لا يجيدها إلا البعثيون.
أعداء أم معارضة؟
ذكرت في مقابلة صحفية أجرتها معي صحيفة الطيف الغراء، أن دليلي على إخلاص السيد نوري المالكي للعراق هو أن الجهات التي تعاديه هي نفس الجهات التي ناصبت العداء للعراق في عهد ثورة 14 تموز، وقائدها الزعيم عبد الكريم قاسم، وتكللت جهودهم بانقلاب 8 شباط 1963 الدموي. فرد أحدهم في تعليق له على الفيسبوك قائلاً: "ولماذا تعتبر المعارضين للمالكي هم أعداء للعراق؟" لاحظ كيف يغيرون الكلمات لليّ عنق الحقيقة. فأنا لم أقل ذلك وبهذه الصيغة، فالمعارضة الديمقراطية تحت قبة البرلمان وخارجه حق مشروع ومقدس في الأنظمة الديمقراطية. وما قلته بكل وضوح هو عن أعداء العراق، وهم السعودية وقطر وتركيا، وعملائهم في العراق الذين ينفذون أجنداتهم، وتحت مختلف الشعارات الزائفة مثل الوطنية، والديمقراطية ومحاربة الدكتاتورية.
فهل هذه الدول تمثل معارضة ديمقراطية مشروعة للمالكي؟
وهل المعارض الحقيقي يلجأ إلى الإرهاب؟
ألم يلجأ طارق الهاشمي إلى الإرهاب؟
فهل حقاً هؤلاء معارضة ديمقراطية؟
ألم يكن طارق الهاشمي قيادياً في كتلة العراقية، وهو الآن محكوم عليه بالإعدام من قبل القضاء العراقي؟
وهل النائب البرلماني الذي يقوم بعمليات تفجير في البرلمان هو معارض أم عدو؟
وهل دولة مثل تركيا التي تأوي وتحمي الإرهابيين هي معارضة أم عدوة للعراق؟
نعم، إن البعث، ومن يساندهم من تنظيمات سياسية وتحت مختلف الأسماء، والإرهابيين ومن يأويهم، ومن يرسلهم إلى العراق مثل السعودية وقطر وتركيا، هم أعداء العراق وليسوا معارضة، وهم أعداء المالكي أيضاً، لذلك فهم الذين زكوا المالكي للشعب بأنه مخلص للعراق. وكلامي هذا لا يشمل التحالف الكردستاني والتيار الصدري، كما ادعى صاحب التعليق في الفيسبوك للصيد بالماء العكر، فهؤلاء معارضة رغم أنهم شركاء في الحكومة والعملية السياسية، ورغم أن البارزاني قدم الحماية والساندة للإرهابي طارق الهاشمي، ولكن مع ذلك لم يلجأوا إلى الإرهاب، وإذا ما تبنوا الإرهاب فعندها لكل حادث حديث.
مجازر البعث ضد البشر والشجر
أجل، يطالبنا هؤلاء بأن ننسى جرائم البعث، ويتهمون كل من يذكِّر شعبنا بجرائهم بأنه مهووس بالبعث، واتهامه بالطائفية والعنصرية. تصوروا ويا للسخرية، يتهم هؤلاء خصوم البعث بالطائفية والعنصرية، البعث الذي قام بتهجير نحو مليون عراقي لأسباب طائفية وعنصرية بتهمة التبعية الإيرانية، وارتكب جرائم الأنفال وحلبجة ضد الأكراد لأسباب عنصرية، ودمر الأخلاق، وأعاد المجتمع إلى عصر الجاهلية والقبلية.
ولم تتوقف جرائم البعثيين على إبادة البشر ونشر المقابر الجماعية في العراق، بل ومن حقدهم الشديد على العراق ارتكبوا أبشع جريمة بحق البيئة والاقتصاد، فالعراق الذي كان يسمى ببلاد السواد لكثافة مزارع النخيل فيه، أحالوه إلى خرائب وأرض محروقة، ينطبق عليهم قول الشاعر:
إذا كان الغراب دليل قوم ... سيهديهم إلى أرض الخراب
نرجو من القراء الكرام الضغط على الرابط ليروا صور الخراب الذي ارتكبه البعث بحق نخيل العراق.
مقابر النخيل الجماعية .. بعدسة الفنان احسان الجيزاني
http://www.iraker.dk/aljezany/nakhel/nakhel.htm
وبعد كل هذه الأهوال والبشاعات، يطالبنا هؤلاء بلا حياء، بعدم التطرق إلى جرائم البعث... ويعيدون بتكرار ممل أن البعث قد أنتهي وقبر، ولا يجوز تعليق غسيل الوضع الحالي على شماعة البعث! عجيب أمرهم.
نسي هؤلاء السادة أن جرائم البعث لم تقتصر على قتل البشر والشجر، بل وكذلك تدمير العقل والأخلاق، واستعداء مكونة على أخرى من نتائجها هذه الفوضى التي نشهدها اليوم، سواء في الحكم أو في المعارضة، واستقواء كل فئة بالخارج على حساب الوحدة الوطنية. لقد حاول البعث قولبة الشعب العراقي ليتلاءم مع أيديولوجيته الفاشية بحيث لا يمكن حكمه إلا بالقبضة الحديدية، أي اتبع سياسة تتريش القدم ليناسب الحذاء. إن غرض كتاب البعث ومن سقط في حبائلهم من المبالغة في سلبيات العراق الجديد، والتهويل من حجم الفساد، والمطالبة بعدم التطرق إلى جرائم البعث، هو التمهيد لخطوة لاحقة وهي المطالبة بتأهيل البعث ورد الاعتبار له.
لذلك تواجه العملية السياسية كل هذه الصعوبات، وما مشاركة البعثيين فيها، متخفين وراء مختلف المسميات، إلا لإفشالها ليقولوا أن الشعب العراقي لا تصلح له الديمقراطية، بل الحكم بالقبضة الحديدية كما كان في عهد حكمهم الجائر، ولسان حالهم يقول: "سلموا الحكم لنا نعيد لكم الأمن والاستقرار". ولكن هل حقاً كان الوضع في عهدهم آمناً ومستقراً؟
لماذا المطالبة بنسيان الماضي؟
غني عن القول أن معظم هؤلاء الكتاب الذين يطالبوننا بعدم التطرق إلى جرائم البعث هم من البعثيين السابقين، وبعضهم مازال مرتبطاً بهم ويتعاطف معهم. فخلال 35 سنة من حكمهم الجائر، تفننوا في أساليب التضليل وخدع الناس، وعرفوا كيف يقسموا الأدوار كل حسب اختصاصه، فتراهم يعملون الآن على عدة جبهات وبمختلف الواجهات والألوان، فريق لبس ثوب العفة والوقار ليقوم بدور الواعظ العقلاني، ينصح بنسيان الماضي وترك البعث المقبور، وهؤلاء يذكروننا بالثعلب الماكر الذي قال عنه الشاعر أحمد شوقي في قصيدة له:
"بـرز الثعلب يوماً بثياب الواعظين -----يمشى في الأرض يهدى ويسب الماكرين
أنهم قالوا وخير القول قول العارفين----------مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دين".
وفي حالتنا نقول: مخطئ من ظن يوماً أن للبعث دين.
وفريق آخر يقوم بصنع الإشاعات المغرضة ضد عراق ما بعد صدام، ويبالغ في حجم الفساد والتبذير في الأموال، وشظف العيش، وفريق ثالث لم يتردد حتى بالتظاهر بعدائه للبعث ولصدام من أجل أن يضفي المصداقية على أقواله ويكسب ثقة القارئ، وآخرون يقومون بالإرهاب وحرب الإبادة، ليقوم إعلامهم بتبرئة الإرهابيين من الجرائم وإلقائها على الحكومة (ابحثوا عن القتلة في معطف الحكومة!!)، وفريق خامس يشاركون في الحكومة والبرلمان يطالبون بإصدار قانون العفو العام عن الإرهابيين... وهكذا تتنوع أساليب البعث وحسب متطلبات المرحلة والأدوار.
خلاصة القول، غرضنا من ذكر جرائم البعث هو ليس الهوس كما يدعون، بل لعلمنا بجرائم البعثيين وأساليبهم الخبيثة، ولتذكير شعبنا كي لا تتكرر المأساة، وألا يلدغ العاقل من جحر مرتين، أو عشرات المرات كما في حالة شعبنا مع البعث الفاشي، وأن نتعلم من الدول الغربية التي سبقتنا في هذا المضمار، فلم تتوقف يوماً واحداً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وإلى الآن، عن تذكير شعوبهم بجرائم النازية والفاشية، وفي جميع وسائل إعلامهم وكتبهم وأفلامهم، وحتى في مسلسلاتهم الكوميدية. فالغرض من كل ذلك هو ليس هوس الغربيين بالنازية والفاشية وتعليق غسيلهم عليهما، بل كي لا تتكرر المأساة.
إذ كما قال الفيلسوف الأمريكي، جورج سانتايانا: "الذين لا يستطيعون تذكر أخطاء الماضي محكوم عليهم بتكرارها."
بقلم: د. عبدالخالق حسين - 23-10-2012 صوت العراق
قال الشاعر العراقي معروف الرصافي في قصيدة تهكمية رائعة: يا قوم لا تتكلموا... إن الكلام محرمُ.
تذكرتُ هذه القصيدة وأنا أمر على بعض المقالات والتعليقات التي يطالبنا فيها أصحابها بعدم ذكر جرائم البعث، بل التركيز على الحاضر ومشاكله، والتطلع إلى المستقبل وبنائه.، وهذا قول حق يراد به باطل. لذا وضعت العنوان أعلاه، لأن الجماعة يطالبوننا بعدم الكلام، فالكلام عن جرائم البعث محرم، سواء كان البعثيون في السلطة أو خارجها.
والملاحظ أن أغلب هؤلاء الوعاظ هم من خلفية بعثية، ففي عهد حكمهم الجائر دمروا البلاد والعباد، قاموا بأسوأ الأعمال الأخلاقية التي يندى لها الجبين مثل التجسس على أبناء جلدتهم، وحتى على ذويهم، وأصدقائهم، فالبعث حاول أن يجعل كل عراقي جاسوساً على الكل، بحيث صار كل عراقي يشك حتى بأقرب الناس إليه من ذويه وأصدقائه.
وللأسف الشديد، نجح البعث مع قسم كبير من الناس في إسقاطهم بمستنقع الرذيلة، إذ عمل على تدمير العقل والأخلاق، وتفشي الجريمة، وتفتيت النسيج الاجتماعي. فقد شاهد العالم قيام رئيس جمهورية الخوف بمنح أعلى وسام في الدولة لرجل قتل ابنه، وادعى الأب أن قتله لابنه كان لهروبه من الجيش خلال حرب القادسية المشؤومة، والحقيقة لم تكن كذلك، إذ كان سبب القتل هو جريمة أخلاقية، أراد الأب به غسل العار، واختلق تهمة فرار الابن من الجيش للستر والتخلص من العقاب. فانتهز النظام الفرصة وحوَّل الجريمة إلى عمل وطني شريف ودعاية لحربه المشؤومة.
وبهذه الحيلة، لم يتخلص الأب القاتل من السجن فحسب، بل ومُنِح وسام الرافدين أمام وسائل الإعلام ليكون مثالاً لأخلاق بعثية يقتدي به المجتمع العراقي، وهكذا تم تمجيد الجريمة وفق مفهوم البعث للأخلاق والجريمة.
أما جرائم فلول البعث بعد زوال حكمهم، فحدث عن البحر ولا حرج. فمعظم جرائم القتل والاختطاف والإرهاب التي تحصل في العراق من قبل عصابات تحمل أسماء إسلامية، وأتباع القاعدة، كانوا قد أعدوا لها منذ اغتصابهم السلطة عام 1968 ونهبهم لثروات الشعب. ولأن البعث حزب يؤمن بالتآمر، والانقلابات لاستلام السلطة، كان يختلق بين حين وآخر مؤامرات لانقلابات وهمية، يتخذها ذريعة لإعدام كل من يشك في ولائه، أو يحتمل أن يشارك في انقلاب محتمل ضدهم. نشير هنا بمراجعة كتاب الدكتور جواد هاشم (مذكرات وزير في عهد البكر وصدام)، وكتاب السيد أحمد الحبوبي (ليلة الهرير)، حول المؤامرة المزعومة التي حاكموا وأعدموا بسببها نحو مائة متهم بيوم واحد في عام 1969.
والمؤسف أن البعض مازال يعتقد أننا إذا ما أشرنا إلى دور البعثيين في الجرائم التي ترتكب بحق شعبنا اليوم، قالوا إننا نبالغ ونعطي البعثيين دوراً أكبر من حجمهم، مدعين، أو معتقدين بسذاجة، أن البعث قد قبر وولى!. فمعظم العصابات الإرهابية هي تابعة لفلول البعث وتحت أسماء إسلامية. وهذه حقيقة غفل عنها كثيرون من أصحاب النوايا الحميدة. فالبعثيون معروفون بقدراتهم على التلون وارتكاب الجرائم وراء مختلف الواجهات وحسب متطلبات المرحلة.
وقد ذكرنا في مقال سابق عن دورهم أيام ثورة 14 تموز، وكيف كانوا يلبسون ملابس المقاومة الشعبية، ويضعون شارات حمامة السلام على صدورهم للإيحاء بأنهم شيوعيون، ويندسون في المظاهرات، ويطلقون هتافات مسيئة للأعراف والمعتقدات الدينية، وحتى قاموا مرة بتمزيق القرآن ليتهموا الشيوعيين والإساءة لسمعتهم وسمعة الحكومة آنذاك. ونعرفهم كيف تحالفوا مع الكورد ونكثوا بهم، ومع الشيوعيين وانقلبوا عليهم، و أرسلوا وفداً من رجال الدين في السبعينات للتفاوض مع الأكراد، محملين بحقائب مفخخة لاغتيال الملا مصطفى البرازاني، وقد أودى الحادث بحياة هؤلاء، وسلم منها البرازني بأعجوبة. فحزب هذا تاريخه الأسود، ما الذي يمنعه من لبس ثياب الدين والتظاهر بتنظيمات إسلاموية، وبأسماء دينية، ونشر صور الزعماء الإيرانيين الدينيين، والتحالف مع القاعدة، ومشايخ الوهابية لارتكاب أبشع حرب قذرة ضد الشعب العراقي بذريعة مقاومة الإحتلال؟ نقول هذا لا من باب التكهن والتخمين، بل هناك معلومات مؤكدة من جهات ذات إطلاع عن قرب، أن معظم قادة هذه التنظيمات "الإسلامية" كانوا ومازالوا قياديين في حزب البعث وتنظيمات بعثية مثل: فدائيي صدام، وأصدقاء صدام...الخ.
ومن خبثهم، سرق البعثيون حتى اسم ثورة العشرين ليطلقوه على إحدى عصاباتهم الإرهابية "كتائب ثورة العشرين"، لقتل أحفاد ثوار تلك الانتفاضة الشعبية العارمة التي كانت السبب المباشر لتأسيس الدولة العراقية الحديثة، وفي نفس الوقت ينعتون أحفاد الثوار بأقذع النعوت لتجريدهم حتى من عراقيتهم. فهذه الحيل الشيطانية لا يجيدها إلا البعثيون.
أعداء أم معارضة؟
ذكرت في مقابلة صحفية أجرتها معي صحيفة الطيف الغراء، أن دليلي على إخلاص السيد نوري المالكي للعراق هو أن الجهات التي تعاديه هي نفس الجهات التي ناصبت العداء للعراق في عهد ثورة 14 تموز، وقائدها الزعيم عبد الكريم قاسم، وتكللت جهودهم بانقلاب 8 شباط 1963 الدموي. فرد أحدهم في تعليق له على الفيسبوك قائلاً: "ولماذا تعتبر المعارضين للمالكي هم أعداء للعراق؟" لاحظ كيف يغيرون الكلمات لليّ عنق الحقيقة. فأنا لم أقل ذلك وبهذه الصيغة، فالمعارضة الديمقراطية تحت قبة البرلمان وخارجه حق مشروع ومقدس في الأنظمة الديمقراطية. وما قلته بكل وضوح هو عن أعداء العراق، وهم السعودية وقطر وتركيا، وعملائهم في العراق الذين ينفذون أجنداتهم، وتحت مختلف الشعارات الزائفة مثل الوطنية، والديمقراطية ومحاربة الدكتاتورية.
فهل هذه الدول تمثل معارضة ديمقراطية مشروعة للمالكي؟
وهل المعارض الحقيقي يلجأ إلى الإرهاب؟
ألم يلجأ طارق الهاشمي إلى الإرهاب؟
فهل حقاً هؤلاء معارضة ديمقراطية؟
ألم يكن طارق الهاشمي قيادياً في كتلة العراقية، وهو الآن محكوم عليه بالإعدام من قبل القضاء العراقي؟
وهل النائب البرلماني الذي يقوم بعمليات تفجير في البرلمان هو معارض أم عدو؟
وهل دولة مثل تركيا التي تأوي وتحمي الإرهابيين هي معارضة أم عدوة للعراق؟
نعم، إن البعث، ومن يساندهم من تنظيمات سياسية وتحت مختلف الأسماء، والإرهابيين ومن يأويهم، ومن يرسلهم إلى العراق مثل السعودية وقطر وتركيا، هم أعداء العراق وليسوا معارضة، وهم أعداء المالكي أيضاً، لذلك فهم الذين زكوا المالكي للشعب بأنه مخلص للعراق. وكلامي هذا لا يشمل التحالف الكردستاني والتيار الصدري، كما ادعى صاحب التعليق في الفيسبوك للصيد بالماء العكر، فهؤلاء معارضة رغم أنهم شركاء في الحكومة والعملية السياسية، ورغم أن البارزاني قدم الحماية والساندة للإرهابي طارق الهاشمي، ولكن مع ذلك لم يلجأوا إلى الإرهاب، وإذا ما تبنوا الإرهاب فعندها لكل حادث حديث.
مجازر البعث ضد البشر والشجر
أجل، يطالبنا هؤلاء بأن ننسى جرائم البعث، ويتهمون كل من يذكِّر شعبنا بجرائهم بأنه مهووس بالبعث، واتهامه بالطائفية والعنصرية. تصوروا ويا للسخرية، يتهم هؤلاء خصوم البعث بالطائفية والعنصرية، البعث الذي قام بتهجير نحو مليون عراقي لأسباب طائفية وعنصرية بتهمة التبعية الإيرانية، وارتكب جرائم الأنفال وحلبجة ضد الأكراد لأسباب عنصرية، ودمر الأخلاق، وأعاد المجتمع إلى عصر الجاهلية والقبلية.
ولم تتوقف جرائم البعثيين على إبادة البشر ونشر المقابر الجماعية في العراق، بل ومن حقدهم الشديد على العراق ارتكبوا أبشع جريمة بحق البيئة والاقتصاد، فالعراق الذي كان يسمى ببلاد السواد لكثافة مزارع النخيل فيه، أحالوه إلى خرائب وأرض محروقة، ينطبق عليهم قول الشاعر:
إذا كان الغراب دليل قوم ... سيهديهم إلى أرض الخراب
نرجو من القراء الكرام الضغط على الرابط ليروا صور الخراب الذي ارتكبه البعث بحق نخيل العراق.
مقابر النخيل الجماعية .. بعدسة الفنان احسان الجيزاني
http://www.iraker.dk/aljezany/nakhel/nakhel.htm
وبعد كل هذه الأهوال والبشاعات، يطالبنا هؤلاء بلا حياء، بعدم التطرق إلى جرائم البعث... ويعيدون بتكرار ممل أن البعث قد أنتهي وقبر، ولا يجوز تعليق غسيل الوضع الحالي على شماعة البعث! عجيب أمرهم.
نسي هؤلاء السادة أن جرائم البعث لم تقتصر على قتل البشر والشجر، بل وكذلك تدمير العقل والأخلاق، واستعداء مكونة على أخرى من نتائجها هذه الفوضى التي نشهدها اليوم، سواء في الحكم أو في المعارضة، واستقواء كل فئة بالخارج على حساب الوحدة الوطنية. لقد حاول البعث قولبة الشعب العراقي ليتلاءم مع أيديولوجيته الفاشية بحيث لا يمكن حكمه إلا بالقبضة الحديدية، أي اتبع سياسة تتريش القدم ليناسب الحذاء. إن غرض كتاب البعث ومن سقط في حبائلهم من المبالغة في سلبيات العراق الجديد، والتهويل من حجم الفساد، والمطالبة بعدم التطرق إلى جرائم البعث، هو التمهيد لخطوة لاحقة وهي المطالبة بتأهيل البعث ورد الاعتبار له.
لذلك تواجه العملية السياسية كل هذه الصعوبات، وما مشاركة البعثيين فيها، متخفين وراء مختلف المسميات، إلا لإفشالها ليقولوا أن الشعب العراقي لا تصلح له الديمقراطية، بل الحكم بالقبضة الحديدية كما كان في عهد حكمهم الجائر، ولسان حالهم يقول: "سلموا الحكم لنا نعيد لكم الأمن والاستقرار". ولكن هل حقاً كان الوضع في عهدهم آمناً ومستقراً؟
لماذا المطالبة بنسيان الماضي؟
غني عن القول أن معظم هؤلاء الكتاب الذين يطالبوننا بعدم التطرق إلى جرائم البعث هم من البعثيين السابقين، وبعضهم مازال مرتبطاً بهم ويتعاطف معهم. فخلال 35 سنة من حكمهم الجائر، تفننوا في أساليب التضليل وخدع الناس، وعرفوا كيف يقسموا الأدوار كل حسب اختصاصه، فتراهم يعملون الآن على عدة جبهات وبمختلف الواجهات والألوان، فريق لبس ثوب العفة والوقار ليقوم بدور الواعظ العقلاني، ينصح بنسيان الماضي وترك البعث المقبور، وهؤلاء يذكروننا بالثعلب الماكر الذي قال عنه الشاعر أحمد شوقي في قصيدة له:
"بـرز الثعلب يوماً بثياب الواعظين -----يمشى في الأرض يهدى ويسب الماكرين
أنهم قالوا وخير القول قول العارفين----------مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دين".
وفي حالتنا نقول: مخطئ من ظن يوماً أن للبعث دين.
وفريق آخر يقوم بصنع الإشاعات المغرضة ضد عراق ما بعد صدام، ويبالغ في حجم الفساد والتبذير في الأموال، وشظف العيش، وفريق ثالث لم يتردد حتى بالتظاهر بعدائه للبعث ولصدام من أجل أن يضفي المصداقية على أقواله ويكسب ثقة القارئ، وآخرون يقومون بالإرهاب وحرب الإبادة، ليقوم إعلامهم بتبرئة الإرهابيين من الجرائم وإلقائها على الحكومة (ابحثوا عن القتلة في معطف الحكومة!!)، وفريق خامس يشاركون في الحكومة والبرلمان يطالبون بإصدار قانون العفو العام عن الإرهابيين... وهكذا تتنوع أساليب البعث وحسب متطلبات المرحلة والأدوار.
خلاصة القول، غرضنا من ذكر جرائم البعث هو ليس الهوس كما يدعون، بل لعلمنا بجرائم البعثيين وأساليبهم الخبيثة، ولتذكير شعبنا كي لا تتكرر المأساة، وألا يلدغ العاقل من جحر مرتين، أو عشرات المرات كما في حالة شعبنا مع البعث الفاشي، وأن نتعلم من الدول الغربية التي سبقتنا في هذا المضمار، فلم تتوقف يوماً واحداً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وإلى الآن، عن تذكير شعوبهم بجرائم النازية والفاشية، وفي جميع وسائل إعلامهم وكتبهم وأفلامهم، وحتى في مسلسلاتهم الكوميدية. فالغرض من كل ذلك هو ليس هوس الغربيين بالنازية والفاشية وتعليق غسيلهم عليهما، بل كي لا تتكرر المأساة.
إذ كما قال الفيلسوف الأمريكي، جورج سانتايانا: "الذين لا يستطيعون تذكر أخطاء الماضي محكوم عليهم بتكرارها."