kumait
26-10-2012, 03:58 PM
أحبوا أنفسكم
بدر شبيب الشبيب
لعل البعض يتساءل: وهل هناك من لا يحب نفسه؟
وهو سؤال في حد ذاته مشروع ومفهوم، إذ يجد كل واحد منا هذا الأمر بديهيا لا يحتاج إلى دليل. ولكن مع قليل من التعمق سنكتشف أن كثيرا من الناس لا يحبون أنفسهم من حيث لا يشعرون. وبالتالي فإنهم يقومون بممارسات ضد أنفسهم ربما تتسبب في هلاكها الأبدي «وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً». إنهم أشبه بالمكتئب الذي يقدم على الانتحار أو المريض الذي يطلب رفع الأجهزة الطبية عنه طلبا لما يسمى خطأ وتخفيفا بالموت الرحيم، يطلبان بذلك راحة نفسيهما كما يظنان، وينسيان في الوقت نفسه ما بعد الموت.
وهكذا يخطئ الكثير التشخيص، فيقعون فيما يحذرون. يتحدث صاحب «تهذيب الأخلاق» العالم الأخلاقي المشهور «مسكويه» المتوفى سنة 421 هـ، عن أحد وزراء عصره ممن لم يحسن تشخيص مصلحة نفسه، فأوقعها في مهاوي الردى. وينقل في كتابه «آداب العرب والفرس والهند» قول الوزير في أحد المجالس: «إن عشتُ فسأحسن إلى نفسي». ثم يعلق مسكويه قائلا: « فتدبرتُ كلامه وفعاله، وإذا هو لا يدري كيف يحسن إلى نفسه، ولا يفرق بين الإحسان إلى بدنه بركوب الشهوات، وبين الإحسان إلى نفسه بمعرفة الحقائق والتقرب إلى الله عز وجل بأنواع القربات».
إن حب النفس يستدعي أولا معرفة النفس ذاتها، وما ينفعها وما يضرها. ولا أدل على أهمية ذلك من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من عرف نفسه فقد عرف ربه. فإذا كان شرف العلم بالمعلوم، فأي شرف أعظم من شرف معرفة النفس باعتبارها طريقا لمعرفة الله تعالى.
ومن هنا جاءت التوصيات الكثيرة في النصوص الشريفة بالنفس. يقول تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ». فالنفس في هذه الآية مقدمة على غيرها لأنها الألصق بالإنسان، وهو مسؤول عنها أولا، حيث تكون هي دائرة نفوذه الأولى، وتأتي بقية الدوائر الأخرى بعدها. وكلما كان نفوذه في هذه الدائرة أقوى، استطاع توسيع نفوذه إلى الدوائر التالية كالأهل والمجتمع المحلي والعالمي أيضا.
أما إذا فشل في دائرة نفسه، فسيكون الفشل نصيبه في تلك الدوائر، وإن حقق نجاحا وهميا هنا أو هناك. وهذا ما ينبه عليه الإمام علي عليه السلام في قوله: «كيف يُصلِح غيره من لا يصلح نفسه». وقد أوصى عليه السلام بالاهتمام الشديد بالنفس، مبينا مكانتها العزيزة الكريمة. يقول عليه السلام : عِبَادَ اللَّهِ، اللَّهَ اللَّهَ فِي أَعَزِّ الْأَنْفُسِ عَلَيْكُمْ، وَأَحَبِّهَا إِلَيْكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْضَحَ لَكُمْ سَبِيلَ الْحَقِّ وَأَنَارَ طُرُقَهُ، فَشِقْوَةٌ لَازِمَةٌ أَوْ سَعَادَةٌ دَائِمَةٌ. فَتَزَوَّدُوا فِي أَيَّامِ الْفَنَاءِ لِأَيَّامِ الْبَقَاءِ.
ولكي نعرف محورية النفس في الوصول إلى الحق، علينا أن نتأمل الرواية التالية:
فقد ورد أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم رَجُلٌ اسْمُهُ مُجَاشِعٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ؟
فَقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم مَعْرِفَةُ النَّفْسِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى مُوَافَقَةِ الْحَقِّ؟
قَالَ مُخَالَفَةُ النَّفْسِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى رِضَا الْحَقِّ؟
قَالَ سَخَطُ النَّفْسِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى وَصْلِ الْحَقِّ؟
قَالَ هَجْرُ النَّفْسِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى طَاعَةِ الْحَقِّ؟
قَالَ عِصْيَانُ النَّفْسِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى ذِكْرِ الْحَقِّ؟
قَالَ نِسْيَانُ النَّفْسِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى قُرْبِ الْحَقِّ؟
قَالَ التَّبَاعُدُ مِنَ النَّفْسِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى أُنْسِ الْحَقِّ؟
قَالَ الْوَحْشَةُ مِنَ النَّفْسِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى ذَلِكَ؟
قَالَ الِاسْتِعَانَةُ بِالْحَقِ عَلَى النَّفْسِ.
الحديث عن النفس وحبها طويل سنكمله بإذن. دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا..
أحبوا أنفسكم «2»
بدر شبيب الشبيب
هل يكره الإنسان نفسه؟
دعونا نسأل القرآن الكريم - وهو الذي فيه تبيان كل شيء - هذا السؤال، ونستعلم منه الجواب.
تستوقفنا هنا الآية العاشرة من سورة غافر: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ ﴾. هذه الآية تتحدث عن أشد البغض وهو المقت، وأن الإنسان في الواقع يمقت نفسه - أي يبغضها بغضا شديدا - حين يستنكف عن الاستجابة لدعوة الإيمان، وأن مقت الله له حينذاك أكبر من مقته لنفسه. يقول صاحب تفسير الميزان: " وظاهر الآية والآية التالية أن هذا النداء المذكور فيها إنما ينادَون به في الآخرة بعد دخول النار حين يذوقون العذاب لكفرهم فيظهر لهم أن كفرهم في الدنيا إذ كانوا يدعون من قبل الأنبياء إلى الإيمان كان مقتا وشدة بغض منهم لأنفسهم حيث أوردوها بذلك مورد الهلاك الدائم.
و ينادَون من جانب الله سبحانه فيقال لهم: أُقسِم لمقتُ الله وشدة بغضه لكم أكبر من مقتكم أنفسكم وشدة بغضكم لها إذ تدعون - حكاية حال ماضية - إلى الإيمان من قبل الأنبياء فتكفرون. "
المشكلة إذن أن الإنسان قد لا يشعر ببغضه لنفسه لأنه غافل عنها، سادر في ظلمات الغي والجهل، وهو ما عبر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ﴾ الحشر: 19
وفيها يقول صاحب تفسير الأمثل: « والنقطة الجديرة بالملاحظة أنّ القرآن الكريم يعلن هنا - بصراحة - أنّ الغفلة عن اللّه تسبّب الغفلة عن الذات، ودليل ذلك واضح أيضا، لأنّ نسيان اللّه يؤدّي من جهة إلى انغماس الإنسان في اللذات المادية والشهوات الحيوانية، وينسى خالقه، وبالتالي يغفل عن ادّخار ما ينبغي له في يوم القيامة».
إن الإنسان حين يغفل عن الله يغفل أول ما يغفل عن نفسه، فيعطل حواسها الظاهرة والباطنة، ويحملها على انتهاك حرمتها بارتكاب المعاصي والذنوب، مُنزِلة بذلك مقامها من «أحسن تقويم» إلى «أسفل سافلين» لتكون كالأنعام بل أضل سبيلا. يقول تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ ﴾ الأعراف: 179
لذا فإن من المهم علينا أن نراجع حساباتنا لنعلم هل نحب أنفسنا فعلا. فإن كانت علاقتنا بالله تعالى وطيدة وثيقة، فذلك هو المبتغى والمراد، وإن كانت العلاقة مقطوعة - والعياذ بالله - أو في مستوى منخفض، فإن علينا التدارك قبل فوات الأوان، كي نعيد العلاقة أو نرفع مستواها، انطلاقا من حبنا لأنفسنا، إذ الله غير محتاج لتلكم العلاقة، لأنه الغني المطلق. «إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها».
فلنتأكد من حبنا لأنفسنا قبل فوات الأوان، وقبلَ: ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ «56» أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ «57» أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ «58» بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ «59» ﴾ سورة الزمر.
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.
بدر شبيب الشبيب
لعل البعض يتساءل: وهل هناك من لا يحب نفسه؟
وهو سؤال في حد ذاته مشروع ومفهوم، إذ يجد كل واحد منا هذا الأمر بديهيا لا يحتاج إلى دليل. ولكن مع قليل من التعمق سنكتشف أن كثيرا من الناس لا يحبون أنفسهم من حيث لا يشعرون. وبالتالي فإنهم يقومون بممارسات ضد أنفسهم ربما تتسبب في هلاكها الأبدي «وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً». إنهم أشبه بالمكتئب الذي يقدم على الانتحار أو المريض الذي يطلب رفع الأجهزة الطبية عنه طلبا لما يسمى خطأ وتخفيفا بالموت الرحيم، يطلبان بذلك راحة نفسيهما كما يظنان، وينسيان في الوقت نفسه ما بعد الموت.
وهكذا يخطئ الكثير التشخيص، فيقعون فيما يحذرون. يتحدث صاحب «تهذيب الأخلاق» العالم الأخلاقي المشهور «مسكويه» المتوفى سنة 421 هـ، عن أحد وزراء عصره ممن لم يحسن تشخيص مصلحة نفسه، فأوقعها في مهاوي الردى. وينقل في كتابه «آداب العرب والفرس والهند» قول الوزير في أحد المجالس: «إن عشتُ فسأحسن إلى نفسي». ثم يعلق مسكويه قائلا: « فتدبرتُ كلامه وفعاله، وإذا هو لا يدري كيف يحسن إلى نفسه، ولا يفرق بين الإحسان إلى بدنه بركوب الشهوات، وبين الإحسان إلى نفسه بمعرفة الحقائق والتقرب إلى الله عز وجل بأنواع القربات».
إن حب النفس يستدعي أولا معرفة النفس ذاتها، وما ينفعها وما يضرها. ولا أدل على أهمية ذلك من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من عرف نفسه فقد عرف ربه. فإذا كان شرف العلم بالمعلوم، فأي شرف أعظم من شرف معرفة النفس باعتبارها طريقا لمعرفة الله تعالى.
ومن هنا جاءت التوصيات الكثيرة في النصوص الشريفة بالنفس. يقول تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ». فالنفس في هذه الآية مقدمة على غيرها لأنها الألصق بالإنسان، وهو مسؤول عنها أولا، حيث تكون هي دائرة نفوذه الأولى، وتأتي بقية الدوائر الأخرى بعدها. وكلما كان نفوذه في هذه الدائرة أقوى، استطاع توسيع نفوذه إلى الدوائر التالية كالأهل والمجتمع المحلي والعالمي أيضا.
أما إذا فشل في دائرة نفسه، فسيكون الفشل نصيبه في تلك الدوائر، وإن حقق نجاحا وهميا هنا أو هناك. وهذا ما ينبه عليه الإمام علي عليه السلام في قوله: «كيف يُصلِح غيره من لا يصلح نفسه». وقد أوصى عليه السلام بالاهتمام الشديد بالنفس، مبينا مكانتها العزيزة الكريمة. يقول عليه السلام : عِبَادَ اللَّهِ، اللَّهَ اللَّهَ فِي أَعَزِّ الْأَنْفُسِ عَلَيْكُمْ، وَأَحَبِّهَا إِلَيْكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْضَحَ لَكُمْ سَبِيلَ الْحَقِّ وَأَنَارَ طُرُقَهُ، فَشِقْوَةٌ لَازِمَةٌ أَوْ سَعَادَةٌ دَائِمَةٌ. فَتَزَوَّدُوا فِي أَيَّامِ الْفَنَاءِ لِأَيَّامِ الْبَقَاءِ.
ولكي نعرف محورية النفس في الوصول إلى الحق، علينا أن نتأمل الرواية التالية:
فقد ورد أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم رَجُلٌ اسْمُهُ مُجَاشِعٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ؟
فَقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم مَعْرِفَةُ النَّفْسِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى مُوَافَقَةِ الْحَقِّ؟
قَالَ مُخَالَفَةُ النَّفْسِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى رِضَا الْحَقِّ؟
قَالَ سَخَطُ النَّفْسِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى وَصْلِ الْحَقِّ؟
قَالَ هَجْرُ النَّفْسِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى طَاعَةِ الْحَقِّ؟
قَالَ عِصْيَانُ النَّفْسِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى ذِكْرِ الْحَقِّ؟
قَالَ نِسْيَانُ النَّفْسِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى قُرْبِ الْحَقِّ؟
قَالَ التَّبَاعُدُ مِنَ النَّفْسِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى أُنْسِ الْحَقِّ؟
قَالَ الْوَحْشَةُ مِنَ النَّفْسِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى ذَلِكَ؟
قَالَ الِاسْتِعَانَةُ بِالْحَقِ عَلَى النَّفْسِ.
الحديث عن النفس وحبها طويل سنكمله بإذن. دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا..
أحبوا أنفسكم «2»
بدر شبيب الشبيب
هل يكره الإنسان نفسه؟
دعونا نسأل القرآن الكريم - وهو الذي فيه تبيان كل شيء - هذا السؤال، ونستعلم منه الجواب.
تستوقفنا هنا الآية العاشرة من سورة غافر: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ ﴾. هذه الآية تتحدث عن أشد البغض وهو المقت، وأن الإنسان في الواقع يمقت نفسه - أي يبغضها بغضا شديدا - حين يستنكف عن الاستجابة لدعوة الإيمان، وأن مقت الله له حينذاك أكبر من مقته لنفسه. يقول صاحب تفسير الميزان: " وظاهر الآية والآية التالية أن هذا النداء المذكور فيها إنما ينادَون به في الآخرة بعد دخول النار حين يذوقون العذاب لكفرهم فيظهر لهم أن كفرهم في الدنيا إذ كانوا يدعون من قبل الأنبياء إلى الإيمان كان مقتا وشدة بغض منهم لأنفسهم حيث أوردوها بذلك مورد الهلاك الدائم.
و ينادَون من جانب الله سبحانه فيقال لهم: أُقسِم لمقتُ الله وشدة بغضه لكم أكبر من مقتكم أنفسكم وشدة بغضكم لها إذ تدعون - حكاية حال ماضية - إلى الإيمان من قبل الأنبياء فتكفرون. "
المشكلة إذن أن الإنسان قد لا يشعر ببغضه لنفسه لأنه غافل عنها، سادر في ظلمات الغي والجهل، وهو ما عبر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ﴾ الحشر: 19
وفيها يقول صاحب تفسير الأمثل: « والنقطة الجديرة بالملاحظة أنّ القرآن الكريم يعلن هنا - بصراحة - أنّ الغفلة عن اللّه تسبّب الغفلة عن الذات، ودليل ذلك واضح أيضا، لأنّ نسيان اللّه يؤدّي من جهة إلى انغماس الإنسان في اللذات المادية والشهوات الحيوانية، وينسى خالقه، وبالتالي يغفل عن ادّخار ما ينبغي له في يوم القيامة».
إن الإنسان حين يغفل عن الله يغفل أول ما يغفل عن نفسه، فيعطل حواسها الظاهرة والباطنة، ويحملها على انتهاك حرمتها بارتكاب المعاصي والذنوب، مُنزِلة بذلك مقامها من «أحسن تقويم» إلى «أسفل سافلين» لتكون كالأنعام بل أضل سبيلا. يقول تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ ﴾ الأعراف: 179
لذا فإن من المهم علينا أن نراجع حساباتنا لنعلم هل نحب أنفسنا فعلا. فإن كانت علاقتنا بالله تعالى وطيدة وثيقة، فذلك هو المبتغى والمراد، وإن كانت العلاقة مقطوعة - والعياذ بالله - أو في مستوى منخفض، فإن علينا التدارك قبل فوات الأوان، كي نعيد العلاقة أو نرفع مستواها، انطلاقا من حبنا لأنفسنا، إذ الله غير محتاج لتلكم العلاقة، لأنه الغني المطلق. «إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها».
فلنتأكد من حبنا لأنفسنا قبل فوات الأوان، وقبلَ: ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ «56» أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ «57» أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ «58» بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ «59» ﴾ سورة الزمر.
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.