المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شباب القرآن الباكي..!


kumait
27-10-2012, 04:20 PM
شباب القرآن الباكي..!
الشيخ محمد حسن آل ابراهيم

كم هو جميل أن تختلط معايشتنا للقرآن الكريم بدموع نسجل فيها ذكرياتنا مع الآيات الكريمة، وندون خواطرنا في الآيات ونوثقها بإيحاءاتها لنا، والتي بها تتوطد وشائج القرب وتترادف بواعث الأنس بين مجرى أدمعنا ومسارب سمعنا ومسرى المعنى. إن التوفيق لقطرة دمعٍ صادقة نقية مخلصة لدى سماع آيةٍ أو آيٍ من الذكر الحكيم أو قراءتها ليس هو بالأمر البسيط كما أنه ليس بالأمر البعيد.. ليس بسيطاً لأنه يشكل عملية مركبة من تفكّرٍ وتدبر وخيالٍ وتمثّلٍ في المسموع أو المقروء، وليس بعيداً إذ أن المجتمع المؤمن قد تربى على ذرف الدمعة في سبيل القيم والمبادئ والإيمان.

مقدمات العملية المركبة «البكاء»

إن تلك الدمعة تحتاج لمقدمات مهيئة لتسلل نور الآيات لحُجُب القلب إذ أن إحرازها لا يتأتى إلا في لحظات الإشراق الروحي بنور الإيمان وتبدد الحجب. من منا لم يسمع قصة الفضيل بن عياض الذي كان «سبب توبته أنه عشق جارية فواعدته ليلا، فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع قارئا يقرأ: «ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله» فرجع القهقرى وهو يقول: بلى والله قد آن فآواه الليل إلى خربة وفيها جماعه من السابلة1، وبعضهم يقول لبعض: إن فضيلا يقطع الطريق. فقال الفضيل: أواه! أراني بالليل أسعى في معاصي الله، قوم من المسلمين يخافونني! اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي إليك جوار بيتك الحرام 2 .

هذه القصة تكشف لنا عن حراك داخلي لدى هذا الفرد الذي رجحت أخيراً وعلى شفا هلاكه كفة القيم النبيلة وغلب بياض قلبه على سواده فاستقبل النور من كلام الله. ولعل أهم المقدمات لهذا المقام التوبة الجادة على طريق التصحيح، وإدراك سعة رحمة الله التي لا يخرج عنها إلا شقي عاتٍ يستوجب العذاب الأليم. وإن مجمعاتنا بما تسقبله من توجيه وتشجيع وحث في الخطابة الحسينية نحو البكاء والتقرب إلى الله بسكب الدموع، تحتاج فقط أن تربط بين بكائها حزناً وأسفاً على محالّ الذكر وأهله وخزنته بما يمثلونه من قرآن ناطق، وبين القرآن ذاته الذي يناديهم للخلاص والنجاة والإلتحاق بركب أهل الذكر.

التأثير الذاتي للقرآن الكريم

حيث أن القرآن الكريم يحمل في ذاته شحنات إيمانية متوهجة بالخشوع والرقة، عيون منبجسة بالإحساس وقطوف دانية من الوحي نحتاج فقط أن نوفر لها فرصتنا من الاستماع والإنصات من أجل أن يلامس شغاف قلوبنا حسيسها وننهل من بردها ونجني من ثمارها.

فـ «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ» 3

وقال تعالى: «وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» 4

إن من أهم الحجب التي تحجب عن إدارك واستقبال الرحمة الإلهية هو ضعف الإيمان بالآخرة وفتور الإحساس بما وراء الموت ولذلك قال تعالى: «وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً» 5 .

القرآن والشباب الباكي

إن الشباب تجارب جديدة في الحياة لاتزال قريبة من الفطرة والطهارة، سجلها الزمني القصير يؤهلها للرجوع «التوبة» أسرع من غيرها ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يولي هذه الفئة من المجتمع عناية خاصة.

فعن الصادق عليه السلامقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمأتى شبابا من الأنصار فقال إني أريد ان اقرأ عليكم فمن بكى فله الجنة فقرأ آخر الزمر «وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً...» 6 إلى آخر السورة فبكى القوم جميعا إلا شابا فقال يا رسول الله قد تباكيت فما قطرت عيني قال إني معيد عليكم فمن تباكى فله الجنة قال فأعاد عليهم فبكى القوم وتباكى الفتى فدخلوا الجنة جميعا» 7 .

إن لدى الشباب فرصة كبرى في استثمار لحظات العمر في مقتبله لتكون ذخائر لهم في المشيب، فكما يوفر الإنسان مبالغ التقاعد لما بعد الوظيفة فكذلك الاجتهاد في الشباب في الطاعة والقرب تظهر بركاته في السني المتأخرة من العمر. لقد بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلمللشباب الحالة التي ينبغي للمؤمن أن يكون عليها حال سماعه لآيات الوعد والوعيد وشوقهم إلى ذلك بذكر الجزاء العظيم الذي هو غاية منى المريدين وهو دخول الجنة والنجاة من النار.

ما معنى التباكي؟

التباكي عند سماع الموعظة الإلهية لا يعني بحال من الأحوال اللجوء إلى «الرياء» كما يفسر ذلك البعض في مورد التباكي في رثاء سيد الشهداء عليه السلام فإن ذلك خلفٌ للمطلوب ونقض للغرض وهو محالٌ أن يصدر من الحكيم إذ أن المطلوب الإخلاص والنقاء من الشرك الجلي والخفي. وبهذه الرواية وغيرها يظهر عدم الاستثناء في القضية الحسينية من قاعدة حرمة الرياء في البكاء كما ذهب إلى القول به البعض، بل يكشف ان ذلك المعنى الذي ذهب اليه هو تفسير ناتج عن استقراء غير تام لموارد التباكي، وللمعنى المراد منه.

فالتباكي تكتيك يلجأ إليه الإنسان في استدراج مدامعه على وجه القربة في أكثر من لون من العبادات. وهذه العملية تتم عبر التفكر والتدبر وإعمال المعاني في النفس واستشعار للحزن. فالإخلاص خط ثابت وشرط في سائر العبادات، فعن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «ما من قطرة أحب إلى الله عز وجل من قطرة دموع في سواد الليل مخافة من الله لا يراد بها غيره».

ويظهر أيضاً أن التباكي ليس هو مجرد اظهار صوت النشيج بل الغاية المرجوة والتي لها أثرها في تحقق الرحمة المغفرة هي الدمعة باختلاف أحوالها. وهو ما يحقق عنوان البكاء والذي يكفي فيه قطرة ولو مثل رأس الذباب كما في الرواية: «عن سعيد بن يسار بياع السابري قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «إني أتباكى في الدعاء وليس لي بكاء؟ قال: نعم ولو مثل رأس الذباب».

فتكون العبارة تباكى ولو بمثل رأس الذباب صارفة إن لم تكن هي حقيقة لمعنى البكاء كما عن قاموس المعاني «المعجم: الغني»: [ب ك ي]. «مصدر بَكَى». « لَمْ يَكُنْ بُكائِي إِلاَّ أَلَماً وَحُزْناً »: سَيَلانُ الدُّموعِ مِنَ الألَمِ والحُزْنِ.

نزل بالحُزْنِ فاقرأوه به

لقد ندب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مؤكداً قراءة القرآن بكيفية معينة قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «إن القرآن نزل بالحُزْن، فإذا قرأتموه فأبكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا» 8 ،

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن القرآن نزل بالحُزْن، فاقرؤوه بالحُزْن». 9 فالقراءة بالحزن طريق لنظم لالئ الدمع في مسبحة الرقة والخشوع.

قطرة واحدة تكفي

وقد يستقل المرء ذلك القدر من الدمع غير أن ما تعكسه قطرة الدمع هذه عظيم جداً، إذ إن قطرة واحدة تكفي لأن تطفئ بحاراً من نار، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ما من شئ إلا وله كيل ووزن إلا الدموع فإن القطرة تطفئ بحارا من نار، فإذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق وجها قتر ولا ذلة فإذا فاضت حرمه الله على النار ولو أن باكيا بكى في أمة لرحموا».

وعن إسماعيل البجلي عن أبي عبد الله عليه السلامقال: «إن لم يجئك البكاء فتباك، فان خرج منك مثل رأس الذباب فبخ بخ».

نوع من التباكي اللطيف

عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أكون أدعو فأشتهي البكاء ولا يجيئني وربما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرق وأبكي فهل يجوز ذلك؟ فقال: نعم فتذكرهم فإذا رققت فابك وادع ربك تبارك وتعالى. وهذا نوع من أنواع التباكي اللطيفة المفضية للبكاء التي لا تحدث جلبة ولاتخرج الإنسان عن طبيعته وتوازنه، بل تزيده رقة وإحساساً وخشوعاً.

المطلوب هو ترقيق الحجب وتليين القلب

الإنسجام الداخلي مع القرآن والتناغم الوجداني وإياه هو أسمى شعورٍ يرفع الإنسان لدرجات القرب والزلفى، إذ ليس المطلوب أن يزايد الإنسان في سلوكه العبادي كي يثبت لنفسه أو لأحد مدى حبه للدين والتدين!.

وهناك نماذج من التاريخ تاهت عن فهم هذه الحقيقة فضلت تتخبط في سلوكها العبادي وتستحدث طقوساً بعيدة عن وجدان القرآن وعاطفته؛ فعن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت: إن قوما إذا ذكروا شيئا من القرآن أو حدثوا به صعق أحدهم حتى يرى أن أحدهم لو قطعت يداه أو رجلاه لم يشعر بذلك؟ فقال سبحان الله ذاك من الشيطان ما بهذا نعتوا إنما هو اللين والرقة والدمعة والوجل» 10 .

نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لتلاوة القرآن حق تلاوته، وأن يضيئ سماء أفكارنا بنور معرفته، وأن يفتح بصائر قلوبنا بمفاتيح رحمته، وان يرزقنا خشوعه ورقته إنه ولي التوفيق والمن.

المصادر:

الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 481 - 484
وسائل الشيعة «آل البيت» - الحر العاملي - ج 6 - ص 219
القرآن الكريم - تفسير القرطبي

1 - السَّابِلة المارُّون عليه. والجمع: سوابل «قاموس المعاني».
2 - تفسير القرطبي - القرطبي - ج 17 - ص 251
3 - سورة الزمر، الآية: 23.
4 - سورة الأعراف، الآية: 204.
5- سورة الإسراء، الآية: 45.
6 - سورة الزمر، الآية: 71.
7 - وسائل الشيعة «آل البيت» - الحر العاملي - ج 6 - ص 219.
8 - مستدرك الوسائل ج4 ص270 باب19 ح4673 109
9 - وسائل الشيعة ج4 ص857 ب22 ح1 والكافي ج2ص614 ح2 112
10- الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 616 - 617.

ابراهيم العبيدي
28-10-2012, 12:51 PM
جزاك الله (http://www.imshiaa.com/vb) خير الجزاء بوركت