kumait
28-10-2012, 12:55 AM
التفسير الأثري عند المسلمين
الشيخ حيدر محمد حب الله
مطالعة في المفهوم، الأدوار، التاريخ، الأعمال، والإشكاليات
تمهيد
تتعدّد الأدوار التي يقوم بها الحديث الشريف والأثر، فإلى جانب كونه أحد المصادر العمدة في الاجتهاد الفقهي، يقدّم خدمات جليلة في مجالات أخرى مختلفة كالتاريخ والتفسير والأخلاق والعقيدة وغير ذلك.وسوف نحاول هنا أن ندرس ـ بعون الله تعالى ـ دور الحديث والأثر في تفسير القرآن الكريم خاصّة، ونعتمد ـ ضمنيّاً ـ على عنصر المقارنة أيضاً بين الفريقين: السني والشيعي، لنحاول من خلال ذلك الكشف عن طبيعة العلاقة التي تحكم الكتاب بالحديث في الزاوية التفسيرية، وعن قواعد هذه العلاقة ومعاييرها.
أولاً: ما هو التفسير الأثري أو التفسير بالمأثور؟
يقصد بالتفسير الأثري تفسير القرآن الكريم بالنصوص الإسلامية الأولى ذات الطابع المصدري وهي: الكتاب الكريم نفسه، والسنّة النبوية، وسنّة أهل البيت، وما أثر عن الصحابة والتابعين وتابعيهم. مع الأخذ بعين الاعتبار وجود نقاش في تفسير التابعين، من حيث اندراجه في الأثر أو في التفسير بالرأي1 .وهذا التعريف جامع يستوعب الخلافات المثارة بين المسلمين، لكنّ مرحلة الاعتبار والحجية تفرض خلافاً بين التيارات الإسلامية في قيمة هذا التفسير، فالإمامية في الغالب يأخذون بالتفاسير المروية عن النبي وأهل بيته، لكنّهم لا يتركون تفاسير الصحابة والتابعين مطلقاً، وإن لم يروا حجيّتها كحجية التفسير النبوي، أمّا أهل السنّة فيرون التفسير الأثري شاملاً لذلك كلّه، لكنّهم لا يرجعون كثيراً ـ من الناحية العملية ـ للتفاسير المأثورة شيعيّاً عن أهل البيت من الأئمة الاثني عشر، كما وبينهم نقاش في حجية تفسير الصحابي والتابعي.
ثانياً: حجية الحديث والأثر في تفسير القرآن الكريم
يقع البحث هنا في مرحلتين:
الأولى: حجية الأثر الواقعي بصرف النظر عن كيفية وصوله إلينا، فنحن نبحث عن أنّ التفسير النبوي في نفسه ـ كما لو سمعناه بالمباشرة من شخص الرسول| ـ هل هو حجّة في تفسير الكتاب أم لا؟ وهنا يتفق المسلمون على حجية التفسير النبوي من باب كونه تبليغاً عن الدين ومضمون الوحي، وهذا المقدار مما يرون فيه العصمة للنبي|، وأدلّة حجيّة السنّة النبوية تشمله.
لكنّ الخلاف وقع على ثلاثة محاور:
1 ـ سنّة أهل البيت النبوي، فقد ذهب الشيعة إلى حجيّة سنّتهم كحجية سنّة الرسول، مستندين في ذلك إلى حديث الثقلين وغيره مما جُعلوا فيه عدل القرآن ومرجعاً في تفسيره وبيانه، لكنّ أهل السنّة لم يقبلوا بهذه الحجيّة، وقالوا بأنّ أهل البيت كسائر الصحابة والتابعين، يلحقهم ما يراه الباحث في حجية قول الصحابي أو التابعي.
2 ـ سنّة الصحابي، ونقصد بها قوله الذي لا يكون إخباراً عن أمر، وقد وقع خلافٌ هنا بين من يقول بحجية سنّة الصحابي مطلقاً، كونهم أعرف بالدين ومواقعه منّا، ومن يقول بعدم الحجيّة مطلقاً؛ لاحتمال اعتمادهم على الاجتهاد الذي لا يُلزمنا، ومن يرى التفصيل بين ما ظاهره أنّهم اعتمدوا على الاجتهاد وما كانوا فيه معتمدين على غيره، بعدم الحجية في الأوّل دون الثاني. وهذا الانقسام في الرأي موجود بين أهل السنّة أنفسهم، أمّا الشيعة فإذا استثنينا أهل البيت من الصحابة لم يكن للبقية عندهم حجيّة في القول، ما لم يكن إخباراً أو ما هو في قوّة الإخبار، مع ثبوت وثاقة الصحابي المخبِر بعد القول بعدم ثبوت نظرية عدالة جميع الصحابة. وقد بحثنا في مناسبة أخرى حول حجية سنّة الصحابي بالتفصيل2، وتوصّلنا إلى أنّ الحقّ مع القائلين بعدم الحجيّة بما هي سنّة، إلى مع قرائن حافّة ذات دلالة، ومع عدم تحقّق سيرة متشرّعية كاشفة، فلا نطيل.
3 ـ قول التابعي، والرأي الأبرز والأقوى هنا هو أنّ قول التابعي يمكن أن يستفاد منه في بعض الجوانب التاريخية واللغوية وأمثال ذلك، أمّا عن الحجيّة فلا يوجد أيّ دليل يعطي قوله الحجيّة والاعتبار، لاسيما بعد كثرة الاجتهادات في كلماتهم.
الثانية: حجيّة الأثر المنقول المحكي، وذلك في مجال تفسير القرآن، فلو جاءت رواية ظنية الصدور معتبرة الإسناد تخبر عن معنى هذه الآية أو تلك، فهل هذه الرواية تحمل قيمةً يمكن على أساسها تفسير الآية الكريمة بهذا المعنى الذي ذكرته الرواية أم لا؟ من الواضح هنا أنّنا نتحدّث من حيث المبدأ، فنحن ندرس هنا السنّة المنقولة عن المعصوم ـ كلّ حسب اعتقاده ـ فيما إذا لم تبلغ درجة اليقين أو الاطمئنان في نقلها، بل كانت ظنية، كما هو الغالب في روايات التفسير من حيث ظنية الصدور فيها.
كما أنّ بحثنا هنا ليس عن تقويم واقع الروايات التفسيرية الموجودة في كتب السنّة مثل تفسير جامع البيان للطبري أو الدرّ المنثور للسيوطي، وفي كتب الشيعة مثل تفسير القمي وتفسير العياشي، من حيث صدقيّتها وقوّتها وخصائصها، فهذا ما سنتعرّض له لاحقاً بعون الله تعالى، إنما نبحث في أصل حجية السنّة المحكية المفسّرة للكتاب بطريق ظني، حتى لو بنينا على حجيتها بالطريق القطعي وكان المصدر معصوماً.
للمزيد من القراءة الموضوع كامل للتنزيل كمرفق
الشيخ حيدر محمد حب الله
مطالعة في المفهوم، الأدوار، التاريخ، الأعمال، والإشكاليات
تمهيد
تتعدّد الأدوار التي يقوم بها الحديث الشريف والأثر، فإلى جانب كونه أحد المصادر العمدة في الاجتهاد الفقهي، يقدّم خدمات جليلة في مجالات أخرى مختلفة كالتاريخ والتفسير والأخلاق والعقيدة وغير ذلك.وسوف نحاول هنا أن ندرس ـ بعون الله تعالى ـ دور الحديث والأثر في تفسير القرآن الكريم خاصّة، ونعتمد ـ ضمنيّاً ـ على عنصر المقارنة أيضاً بين الفريقين: السني والشيعي، لنحاول من خلال ذلك الكشف عن طبيعة العلاقة التي تحكم الكتاب بالحديث في الزاوية التفسيرية، وعن قواعد هذه العلاقة ومعاييرها.
أولاً: ما هو التفسير الأثري أو التفسير بالمأثور؟
يقصد بالتفسير الأثري تفسير القرآن الكريم بالنصوص الإسلامية الأولى ذات الطابع المصدري وهي: الكتاب الكريم نفسه، والسنّة النبوية، وسنّة أهل البيت، وما أثر عن الصحابة والتابعين وتابعيهم. مع الأخذ بعين الاعتبار وجود نقاش في تفسير التابعين، من حيث اندراجه في الأثر أو في التفسير بالرأي1 .وهذا التعريف جامع يستوعب الخلافات المثارة بين المسلمين، لكنّ مرحلة الاعتبار والحجية تفرض خلافاً بين التيارات الإسلامية في قيمة هذا التفسير، فالإمامية في الغالب يأخذون بالتفاسير المروية عن النبي وأهل بيته، لكنّهم لا يتركون تفاسير الصحابة والتابعين مطلقاً، وإن لم يروا حجيّتها كحجية التفسير النبوي، أمّا أهل السنّة فيرون التفسير الأثري شاملاً لذلك كلّه، لكنّهم لا يرجعون كثيراً ـ من الناحية العملية ـ للتفاسير المأثورة شيعيّاً عن أهل البيت من الأئمة الاثني عشر، كما وبينهم نقاش في حجية تفسير الصحابي والتابعي.
ثانياً: حجية الحديث والأثر في تفسير القرآن الكريم
يقع البحث هنا في مرحلتين:
الأولى: حجية الأثر الواقعي بصرف النظر عن كيفية وصوله إلينا، فنحن نبحث عن أنّ التفسير النبوي في نفسه ـ كما لو سمعناه بالمباشرة من شخص الرسول| ـ هل هو حجّة في تفسير الكتاب أم لا؟ وهنا يتفق المسلمون على حجية التفسير النبوي من باب كونه تبليغاً عن الدين ومضمون الوحي، وهذا المقدار مما يرون فيه العصمة للنبي|، وأدلّة حجيّة السنّة النبوية تشمله.
لكنّ الخلاف وقع على ثلاثة محاور:
1 ـ سنّة أهل البيت النبوي، فقد ذهب الشيعة إلى حجيّة سنّتهم كحجية سنّة الرسول، مستندين في ذلك إلى حديث الثقلين وغيره مما جُعلوا فيه عدل القرآن ومرجعاً في تفسيره وبيانه، لكنّ أهل السنّة لم يقبلوا بهذه الحجيّة، وقالوا بأنّ أهل البيت كسائر الصحابة والتابعين، يلحقهم ما يراه الباحث في حجية قول الصحابي أو التابعي.
2 ـ سنّة الصحابي، ونقصد بها قوله الذي لا يكون إخباراً عن أمر، وقد وقع خلافٌ هنا بين من يقول بحجية سنّة الصحابي مطلقاً، كونهم أعرف بالدين ومواقعه منّا، ومن يقول بعدم الحجيّة مطلقاً؛ لاحتمال اعتمادهم على الاجتهاد الذي لا يُلزمنا، ومن يرى التفصيل بين ما ظاهره أنّهم اعتمدوا على الاجتهاد وما كانوا فيه معتمدين على غيره، بعدم الحجية في الأوّل دون الثاني. وهذا الانقسام في الرأي موجود بين أهل السنّة أنفسهم، أمّا الشيعة فإذا استثنينا أهل البيت من الصحابة لم يكن للبقية عندهم حجيّة في القول، ما لم يكن إخباراً أو ما هو في قوّة الإخبار، مع ثبوت وثاقة الصحابي المخبِر بعد القول بعدم ثبوت نظرية عدالة جميع الصحابة. وقد بحثنا في مناسبة أخرى حول حجية سنّة الصحابي بالتفصيل2، وتوصّلنا إلى أنّ الحقّ مع القائلين بعدم الحجيّة بما هي سنّة، إلى مع قرائن حافّة ذات دلالة، ومع عدم تحقّق سيرة متشرّعية كاشفة، فلا نطيل.
3 ـ قول التابعي، والرأي الأبرز والأقوى هنا هو أنّ قول التابعي يمكن أن يستفاد منه في بعض الجوانب التاريخية واللغوية وأمثال ذلك، أمّا عن الحجيّة فلا يوجد أيّ دليل يعطي قوله الحجيّة والاعتبار، لاسيما بعد كثرة الاجتهادات في كلماتهم.
الثانية: حجيّة الأثر المنقول المحكي، وذلك في مجال تفسير القرآن، فلو جاءت رواية ظنية الصدور معتبرة الإسناد تخبر عن معنى هذه الآية أو تلك، فهل هذه الرواية تحمل قيمةً يمكن على أساسها تفسير الآية الكريمة بهذا المعنى الذي ذكرته الرواية أم لا؟ من الواضح هنا أنّنا نتحدّث من حيث المبدأ، فنحن ندرس هنا السنّة المنقولة عن المعصوم ـ كلّ حسب اعتقاده ـ فيما إذا لم تبلغ درجة اليقين أو الاطمئنان في نقلها، بل كانت ظنية، كما هو الغالب في روايات التفسير من حيث ظنية الصدور فيها.
كما أنّ بحثنا هنا ليس عن تقويم واقع الروايات التفسيرية الموجودة في كتب السنّة مثل تفسير جامع البيان للطبري أو الدرّ المنثور للسيوطي، وفي كتب الشيعة مثل تفسير القمي وتفسير العياشي، من حيث صدقيّتها وقوّتها وخصائصها، فهذا ما سنتعرّض له لاحقاً بعون الله تعالى، إنما نبحث في أصل حجية السنّة المحكية المفسّرة للكتاب بطريق ظني، حتى لو بنينا على حجيتها بالطريق القطعي وكان المصدر معصوماً.
للمزيد من القراءة الموضوع كامل للتنزيل كمرفق