المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القرآن الكريم في أدعية الإمام السجاد


kumait
28-10-2012, 03:18 PM
القرآن الكريم في أدعية الإمام السجاد
عباس الموسى

جاء في الحديث المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «يا أيها الناس، إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنه قد عهد إليّ اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض». فقد جاء في الحديث الحث على الاهتمام والتمسك بالقرآن وبالعترة الطاهرة وهما معا، لا يمكن أن يفترقا مهما كان، والانتقاص من العترة ومحاولة إقصاءها محاولة للانتقاص من القرآن، لأن النتيجة تتبع أخس المقدمات وأخس المقدمات العترة، فانتقاص العترة انتقاص للكتاب. ومن تلك العترة الطاهرة التي تجسد فيها القرآن وأمرنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالتمسك بهم إضافة للتمسك بالقرآن هذا الإمام الجليل والعبد الصالح المطيع لله ورسوله الإمام علي بن الحسين السجاد عليه وعلى آباءه وأبناءه أفضل التحية والسلام.

والمتتبع لأدعية الإمام السجاد في الصحيفة وغيرها وكذلك بقية كلام الأئمة الهداة من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يجد الصورة الكاملة لهدي القرآن الكريم، وصراطه القويم في علومهم، وأخلاقهم، وأقوالهم، كيف لا وهم عدل القرآن بنص حديث الثقلين المروي من الفريقين.

وكلامنا في تلك الصحيفة الكريمة التي من قرأها وتصفح في مضمونها وجد أنها تنبع من القرآن وتفوح به تشع نوراً كنور القرآن، فقد حوت الصحيفة أفكار القرآن من خلال عرض الآيات الكريمة بشكل مباشر لتدعيم فكر قرآنية أو بشكل تضمين الآيات ضمن الدعاء بنسق واحدة وفكرة واحدة وحين يكون القارئ للصحيفة غير قارئ للكتاب المجيد ولا حافظاً لما تيسر من كتاب الله أو عارفاً بأسلوبه، لا يستطيع أن يميز بين ما هو قرآن عما هو ليس كذلك وسيأتي استعراض ذلك..

وحين يقرأ القارئ الكريم الصحيفة السجادية يحس ويشعر بروح من كتاب الله تسري في كيانه، فتجعلها تعبق ندية بأشذاء العقيدة الصافية الخالية من الشوائب، أو الفكرة الخيرة للعطاء، أو الفكر الإسلامي الإنساني الأصيل.

نعم الصحيفة السجادية ليست أدعية فحسب، بل مدرسة كاملة للمبدأ والعقيدة والتربية والأخلاق والصبر والتضحية والتسامح والرحمة والعطف والثورة على الشر والشيطان بل والفساد بشتى صوره وألوانه. وكل ما فيها - في الصحيفة - تقديس وتعظيم لجلاله تعالى، وكماله، وحمده، وشكر لفضله وكرمه، وطلب توفيقه، وهدايته، والنجاة من غضبه وعذابه، والتعوذ من الشيطان، وإغوائه وغير ذلك.

لذا فإنه حريٌّ بكل مسلم أن يقتني هذه الصحيفة في بيته. وكل ذلك مستلهم من القرآن الكريم الذي يجري في عروق إمامنا السجاد فكراً ومعنى، لفظاً وتجسيداً كما هو واضح لمن قرأ هذه الصحيفة. ونحن في هذه الدراسة نقتبس فكرة من الأفكار التي تحتويها وهي، وجود القرآن لفظاً ومعنى في الصحيفة ونبين ذلك من خلال النقاط التالية:

1- الاستشهاد بالآيات القرآنية لدعم المعنى:

فالإمام - روحي فداه - كان يتناول معاني متعددة في أدعيته وكان يؤكد على ذلك بآية كريمة ليدعم المعنى الذي بدأ به الكلام أو انتهى به إليه ويتجلى ذلك بوضوح في أدعية كثيرة يدعو بها الإمام عليه السلام منها:

دعاؤه الأول في تحميد الله تعالى حيث جاء فيه:

«....وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَوْ حَبَسَ عَنْ عِبَادِهِ مَعْرِفَةَ حَمْدِهِ عَلَى مَا أَبْلَاهُمْ مِنْ مِنَنِهِ الْمُتَتَابِعَةِ، وَ أَسْبَغَ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعَمِهِ الْمُتَظَاهِرَةِ، لَتَصَرَّفُوا فِي مِنَنِهِ فَلَمْ يَحْمَدُوهُ، وَ تَوَسَّعُوا فِي رِزْقِهِ فَلَمْ يَشْكُرُوهُ. وَ لَوْ كَانُوا كَذَلِكَ لَخَرَجُوا مِنْ حُدُودِ الْإِنْسَانِيَّةِ إِلَى حَدِّ الْبَهِيمِيَّةِ فَكَانُوا كَمَا وَصَفَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾...»

فكانوا كما وصف الله في محكم كتابه: ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ «الفرقان: من الآية44» فقد ذكر الآية الكريمة ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ عند وصف الكافرين المعرضين عن استعمال العقل وتحكيمه في شؤون حياتهم ووجودهم.

وفي مناجاة الذاكرين قال عليه السلام في الحث على ذكر الله وتأكيداً لما جاء في القرآن من الحث على الذكر حيث دعم الإمام قوله بآيات من الذكر الحكيم:

إلهي أنت قلت وقولك الحق: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾، وقلت وقولك الحق: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ فأمرتنا بذكرك ووعدتنا عليه أن تذكرنا تشريفاً لنا وتفخيماً وإعظاماً، وها نحن ذاكروك كما أمرتنا فأنجز لنا ما وعدتنا، يا ذاكر الذاكرين، ويا أرحم الراحمين.

2-تضمن آيات القرآن في الأدعية:

فقد حوت أدعية الإمام السجاد كثير من الحالات التي تضمن فيها الآية إما بشكل لفظي أو غير ذلك ويمكن تحديد ثلاث صور لذلك:

أ- تضمين آية قرآنية لفظية.
ب- تضمين لفظ الآية مع التصرف فيها قليلاً.
ج- تضمين معنى الآية. وإليك التفصيل:

الأول: تضمين آية قرآنية بلفظها في الدعاء:

وفي هذه الآية يضّمن الإمام كلام الله سبحانه ضمن كلامه بنسق واحد بحيث يستشعر القارئ بأنها جزء تام لها، ومن لم يقرأ القرآن لا يعرف أنها- الآية - شيء آخر فمن ذلك مثلاً:

دعاؤه في التحميد لله سبحانه وتعالى: «حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَقْصَى أَثَرِهِ، وَ اسْتَوْعَبَ حِسَابَ عُمُرِهِ، قَبَضَهُ إِلَى مَا نَدَبَهُ إِلَيْهِ مِنْ مَوْفُورِ ثَوَابِهِ، أَوْ مَحْذُورِ عِقَابِهِ، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى. عَدْلًا مِنْهُ، تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، وَ تَظاَهَرَتْ آلَاؤُهُ».

فانظر كيف جاء قوله تعالى: ﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾ الواردة في سورة «لنجم:31» بين قوله عليه السلام: «محذوراً عقابه» وبعد ذلك قوله «عدلاً منه..».

وهذا قد يخفى على من لا علم له بأسلوب القرآن المتميز، أو لم يحفظ ما تيسر منه.

ومثل ذلك ما ورد في دعائه عند الصلاة على حملة العرش إذ يقول عليه السلام «وَ رِضْوَانَ، وَ سَدَنَةِ الْجِنَانِ. وَ الَّذِينَ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ، وَ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ» فإن عبارة: «لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ» جزء من قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ «التحريم:6»

ومثل ذلك ما في مناجاة الخائفين حيث قال الإمام في وصف ما يحدث يوم القيامة «...إذا امتاز الأخيار من الأشرار، وحالت الأحوال، وهالت الأهوال، وقرب المحسنون، وبعد المسيئون ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون» فقد ضمن الإمام جزءاً من الآية الكريمة ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴾ «آل عمران:25».

وفي دعائه في الرهبة «اللَّهُمَّ إِنِّي وَجَدْتُ فِيمَا أَنْزَلْتَ مِنْ كِتَابِكَ، وَ بَشَّرْتَ بِهِ عِبَادَكَ أَنْ قُلْتَ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، وَ قَدْ تَقَدَّمَ مِنِّي مَا قَدْ عَلِمْتَ وَ مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي»

فقد ضمن الآية الكريمة بسياق لا يشعر القارئ بأنها من غير جنس الدعاء ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ «الزمر:53»

وفي دعائه يوم الأربعاء يقول عليه السلام:

«الحمد لله الذي جعل الليل لباساً، والنوم سباتاً، وجعل النهار نشوراً لك الحمد» وهنا ضمّن الإمام الجزء الأكبر من الآية الكريمة: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً ﴾ «الفرقان:47» وغير ذلك الكثير.

الثاني: تضمين الآية مع التصرف فيها:

وهذه قد تعود أكثر من حيث الفهم لحفظة القرآن الكريم أو لنقُل لمتدبري القرآن والتالين له بالليل والنهار إن لم يكونوا حافظين، ولكن الحافظ للقرآن يتبين اللفظ القرآني بغير عناء بعد التأمل في النص، ففي دعائه في الصلاة على حملة العرش يقول عليه السلام:
«السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَ الْحَفَظَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ»

وهذه عبارة عن تضمين لقوله تعالى: ﴿ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ «عبس:15- 16»

وقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ ﴾ «الانفطار:10-11»

وفي دعائه في الاشتياق إلى طلب المغفرة يقول في صفة النفس الإنسانية: «فإنها مُخْتارَةٌ لِلْباطِل إلاّ ما وَفَّقْتَ؛ أمّارَةٌ بِالسُّوءِ إلاّ ما رَحِمْتَ»

وهذا تضمين لفظي جزئي «أمّارَةٌ بِالسُّوءِ إلاّ ما رَحِمْتَ» لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ «يوسف:53»

وفي دعاء استكشاف الهموم يقول عليه السلام: «يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد اعصمني وطهرني واذهب ببليتي» وهو تضمين لسورة الإخلاص.

الثالث: تضمين معنى الآية في الدعاء:

وهنا لم يتعرض الإمام إلى لفظ الآية لا بتمامها ولا بجزئها وإنما بمعناها، فضمن المعنى ضمن الدعاء بسياق مشابه للقرآن دون اختلاف في النسق وهذه الطريقة متوفرة بكثرة في الصحيفة السجادية وفي الواقع إن هذه الطريقة - وهي تضمين معنى الآية في القرآن - قمة «التفسير الأدبي» الرائع لآيات القرآن الكريم فهي تبسط معنى الآية وتوضحها في أوجز عبارة وأنصعها وأدق لفظة وأفصحها وتبيين محتواها والكشف عن معناها ونوجز لذلك بعض الأمثلة منها:

قوله عليه السلام: «وجعله لباساً...وخلق لهم النهار مبصراً» وهي تضمين قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً**وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً ﴾ «10-11 النبأ».

وقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً ﴾ «يونس: من الآية67».

ومنه قوله عليه السلام: «يولج كل واحد منها في صاحبه ويولج صاحبه فيه».

تضمين معنوي لقوله تعالى: ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾ «فاطر: من الآية13». وغير ذلك من الآيات الشريفة والكثيرة.

وفي مناجاة «المطيعين لله»:

«إلهي اجعلني من المصطفَيْن الأخيار، وألحقني بالصالحين الأبرار، السابقين إلى المكرمات المسارعين إلى الخيرات، العاملين للباقيات الصالحات، الساعين إلى رفيع الدرجات، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير برحمتك يا أرحم الراحمين».

وفي ذلك تضمين لمعاني عدة جاءت في القرآن الكريم الحديث عن المصطفين الأخيار من الأنبياء وطلب الإمام ليكون منهم كما جاء في قوله تعالى ﴿ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ ﴾ «صّ:47».

كما طلب أن يتوفاه الله مع الأبرار «وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ» لماذا؟

لأن الأبرار في نعيم كما جاء في القرآن: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾ «الانفطار:13».

ثم استعرض صفات هؤلاء الأبرار والتي منها المسارعة في الخيرات كما في قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ «البقرة: من الآية148».

﴿ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ «آل عمران: من الآية114». ﴿ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾ «الأنبياء: من الآية90».

ومنها عمل الباقيات الصالحات كما يشير إليها القرآن الكريم:

﴿ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً ﴾ «الكهف: من الآية2».

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ﴾ «الكهف:46».

﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً ﴾«مريم:76».

وفي دعاء يوم الأحد يقول عليه السلام:«واحفظني بعينك التي لا تنام» وهو إشارة إلى قوله تعالى:

﴿ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ﴾ «البقرة: من الآية255».

وفي دعائه لنفسه ولأهل بيته جاء قوله عليه السلام «... ومن هديت لم يغوه إضلال المضلين...» وهذا معنى قوله تعالى: ﴿ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً ﴾ «الكهف: من الآية17»

ومن دعائه عليه السلام لأبويه «...وَ أَسْتَقِلَّ بِرِّي بِهِمَا وَ إِنْ كَثُرَ. اللَّهُمَّ خَفِّضْ لَهُمَا صَوْتِي، وَ أَطِبْ لَهُمَا كَلَامِي» وهذا معنى قوله تعالى: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾ «الاسراء:24»

ومن دعائه عليه السلام عند الاستسقاء بعد الجدب «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيثاً مَرِيعاً مُمْرِعاً عَرِيضاً وَاسِعاً غَزِيراً، تَرُدُّ بِهِ النَّهِيضَ، وَ تَجْبُرُ بِهِ الْمَهِيضَ»

والإمام هنا طلب السقاية بالغيث بعد الجدب كما في قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ «الشورى:28»

ولم يقل مطرنا كما هو متعارف بين الناس لأن المطر يستخدم للعذاب وليس للرحمة كما في قوله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً ﴾ «الفرقان:40»
﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ﴾ «الشعراء:173»

وفي دعائه في صلاة الليل:

«اللَّهُمَّ وَ أَنْتَ حَدَرْتَنِي مَاءً مَهِيناً مِنْ صُلْبٍ مُتَضَايِقِ الْعِظَامِ، حَرِجِ الْمَسَالِكِ إِلَى رَحِمٍ ضَيِّقَةٍ سَتَرْتَهَا بِالْحُجُبِ، تُصَرِّفُنِي حَالًا عَنْ حَالٍ حَتَّى انْتَهَيْتَ بِي إِلَى تَمَامِ الصُّورَةِ، وَ أَثْبَتَّ فِيَّ الْجَوَارِحَ كَمَا نَعَتَّ فِي كِتَابِكَ نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ عَظْماً ثُمَّ كَسَوْتَ الْعِظَامَ لَحْماً، ثُمَّ أَنْشَأْتَنِي خَلْقاً آخَرَ كَمَا شِئْتَ».

هذه إشارة إلى قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ *ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ*ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ «المؤمنون:12-14»

3-الدعاء القرآني في الصحيفة السجادية:

ولم يكن الإمام بعيداً عما ورد في القرآن من أدعية كيف لا وهو القارئ للقرآن بالليل والنهار، المتهجد، البكّاء، لذا فإن الدعاء القرآني الوارد بلفظ القرآن وجد في الصحيفة السجادية أيضاً ويمكن تقسيم ذلك إلى قسمين:

أ- ما دعا به الإمام لنفسه:

ولمن ودّ أن ينالهم الدعاء مضمناً إياه في كلامه كقوله عليه السلام في دعائه بعد صلاة الليل: «اللهم صل على محمد وآله كأفضل ما صليت على أحد من خلقك قبله وأنت مصل على أحد من بعده وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار» ففي هذا الدعاء دعاء المؤمنين القائلين في القرآن الكريم:

﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ «البقرة: من الآية201».

ب- ما حكاه الإمام من دعاء قرآني:

فقد ورد على لسان بعض من دعاء الأولين كالتابعين بإحسان لمن سبقهم من أهل الإيمان كما جاء في القرآن الكريم حيث قال عليه السلام في دعائه في الصلاة على أتباع الرسل: «اللَّهُمَّ وَ أَوْصِلْ إِلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَ لِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ خَيْرَ جَزَائِكَ. الَّذِينَ قَصَدُوا سَمْتَهُمْ، وَ تَحَرَّوْا وِجْهَتَهُمْ، وَ مَضَوْا عَلَى شَاكِلَتِهِمْ».

وهذا دعاء التابعين في قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ ﴾ «الحشر: من الآية10»

4-التأثر بالوصف القرآني:

والقارئ للصحيفة، يجد الوصف القرآني ذا أثر جلي فيها وبخاصة صور القرآن الوصفية للمتع الحسية في اليوم الآخر إذ هي كثيرة الورود فيها، حتى تبدو متناثرة هنا وهناك بحسب المناسبة والمقام وبحيث تتضمن صور تلك النعم بأسلوب الإمام الجذاب. كما وصف الجنة وما فيها من نعيم مقيم، وأنهار جارية ومنازل كريمة وحور حسان وغير ذلك مما يتجلى في دعائه - مثلاً -لأهل الثغور المرابطين للدفاع عن خوذة الإسلام إذ يقول:

«...وَ اجْعَلِ الْجَنَّةَ نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وَ لَوِّحْ مِنْهَا لِأَبْصَارِهِمْ مَا أَعْدَدْتَ فِيهَا مِنْ مَسَاكِنِ الْخُلْدِ وَ مَنَازِلِ الْكَرَامَةِ وَ الْحُورِ الْحِسَانِ وَ الْأَنْهَارِ الْمُطَّرِدَةِ بِأَنْوَاعِ الْأَشْرِبَةِ وَ الْأَشْجَارِ الْمُتَدَلِّيَةِ بِصُنُوفِ الثَّمَرِ حَتَّى لَا يَهُمَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْإِدْبَارِ، وَ لَا يُحَدِّثَ نَفْسَهُ عَنْ قِرْنِهِ بِفِرَارٍ».

فهذا النص الوصفي بيان بليغ لشيء مما ورد في القرآن من وصف الجنة وما فيها من متع وخيرات.

فقوله في الحور العين تفسير وتبيين لقوله تعالى: ﴿ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ **فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ **حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ﴾ «الرحمن: 727170».

ومثله قوله «والأشجار المتدلية بصنوف التمر» الذي هو تفسير وتبيين لقوله تعالى: ﴿ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ ﴾ «الرحمن: من الآية54».

وقوله: ﴿ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً ﴾ «الإنسان:14». وغير ذلك من الأمثلة.

وكل ذلك يدل على أن القرآن الكريم في دم ولحم وجلد وشعر الإمام السجاد بل في كل كيانه، وهذا غيض من فيض أحببت أن أوضحه والحال أن الكلام في مثل هذه يحتاج إلى أكثر من مجلد لا إلى كتابة قليلة ومختصرة. وقلمي في الواقع يقصر أن يلّم بكل ما جاء في الصحيفة المباركة.

ملامح طفولة
01-11-2012, 05:23 PM
مثابين ان شاء الله