المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفكر الوهابي.. الى أين يأخذ المنطقة ؟


kumait
04-11-2012, 11:33 PM
الفكر الوهابي.. الى أين يأخذ المنطقة؟
د. علي طه

الفكر و المنهج الوهابي يأخذ المنطقة العربية الى هاوية لا قرار لها و العواقب قد تكون خطيرة بل و خطيرة جدا على مصير شعوب المنطقة و مستقبلها القريب و ليس البعيد.. أن هذا الفكر { الذي اقل ما يمكن ان يوصف بأنه متخلف بعيد عن الواقع } و المدعوم بقوة من قبل بعض انظمة البترول العربي يسعى و منذ فترة ليست بالبسيطة الى تمزيق شمل الامة و ذلك عبر زرع فتنة طائفية و مذهبية بين السنة و الشيعة في الوطن العربي.. و من يعرف تاريخ المنطقة يدرك ان جميع طوائف و مذاهب الاسلام تعايشت و على مدى قرون من الزمن في هذه المنطقة بسلام و محبة.. بل ان التاريخ يخبرنا بأن اليهود و النصارى لم يجدوا مكانا أمنا للعيش الا في المنطقة العربية و عندما تعرض اليهود الى مجازر في اوربا هربوا و لجأوا الى بلاد الاسلام طلبا للامن و الامان..

و من يقرأ تاريخ الاندلس يكتشف ان المسلمين عندما هزموا و رحلوا عن تلك الارض الى المغرب و شمال افريقيا قرر اليهود الذين كانوا يعتاشون معهم هناك الرحيل ايضا خوف من بطش الافرنج و ذهبوا الى المغرب و هذا يفسر سبب تواجد اعداد كبيرة من اليهود { و لغاية اليوم } في اراضى المغرب العربي.. و الشواهد كثيرة و لا اريد ان اعددها جميعا و لكن الخلاصة ان عالمنا العربي عرف بالتسامح و قبول الغير و التعايش معه رغم الاختلافات الدينية او المذهبية او العرقية او القومية.. و هذه سمة من سمات الحضارة و التي عززها ديننا الاسلامي الحنيف و عبر أيات قرأنية عديدة و أحاديث نبوية شريفة حثت جميعها على التعامل بالحسنى مع الغير و خاصة أهل الكتاب و عدم الاعتداء عليهم و أحترام حقوقهم الاساسية.. بل أن الدعوة الى الدين و المجادلة معهم لا يجب أن تتم الا بالحسنى و قول المعروف..

أذن من أين أتى أتباع أبن عبد الوهاب بهذا الدين الجديد و كيف أباحوا لانفسهم تكفير الاخرين و أضطهادهم بل و أهدار دمهم ؟

و هل يمكن اعتبار ان الحركة الوهابية دينية ام انها حركة سياسية بأمتياز أنشات بمساعدة الانكليز و الصهيونية و في ظروف تاريخية معينة تحكمت بجزيرة العرب و هيئت الارضية لقيام و نهوض هذه الحركة.. أن الثابت و الاكيد ان هناك تحالف و زواج سياسي بين الحركة الوهابية و مؤسسة الحكم في السعودية و ان هذا التحالف هو سر بقاء أل سعود في الحكم و هو سر قوة المؤسسة الوهابية في المملكة و تردد بل و عدم قدرة القيادة السعودية على لجم هذه المؤسسة أو ألغائها رغم انها أخذت تعيث في الارض فسادا بل و ان رائحة فضائحها و تجاوزاتها بدأت تزكم الانوف.. و لعل اسوء ما أفرزته الحركة الوهابية هو الفكر المتبنى من قبل التنظيمات الارهابية كالقاعدة مثلا و التى وجدت في تزمت فكر ابن عبد الوهاب ضالتها التي تبحث عنها فصدرت فتاوى التكفير بحق اليهود و النصارى ثم بحق الشيعة و الاشاعرة والصوفية و من ثم بحق كل من لا يتفق معهم في الرأى أو العقيدة و يقف اما متفرجا او بالضد منهم..

و اذا نظرنا الى ما أرتكبه تنظيم القاعدة في العديد من البلدان و خاصة في العراق نجد تجسيدا كاملا و حرفيا للفكر المذكور اعلاه.. اذ قام هؤلاء بأعدام الابرياء من الذين يشهدون ان لا اله الا الله و ان محمدا عبده و رسوله و في العلن بغية ارسال رسالة مفادها ان لم تكن معنا فأنت ضدنا.. و هذا يذكرني بالفكر المتطرف الذى خرج علينا به سىء الذكر جورج بوش الابن بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر و خطبته المشهورة في هذا السياق و التى لا تزال عالقة في الاذهان.. كما انهم هاجموا المسيحيين و ارتكبوا الفظائع بحقهم لا لذنب ارتكبوه سوى انهم نصارى و انهم على الطرف الاخر من المعادلة.. ثم انتهوا الى قتل اتباعهم من اهل السنة و الجماعة لانهم وقفوا ضدهم في بعض التصرفات و الاعمال التى ارتكبوها و كان هذا المؤشر على بداية نهايتهم في ارض الرافدين.. لقد أدرك العراقييون سريعا ان هذا فكر هدفه الموت و ليس الحياة و كان قرار العراقيين الحياة فطردوهم جميعا {او كادوا} من مدنهم و قراهم و لفظوهم وراء الحدود و من حيث أتوا..

و لآن أتباع هذا التنظيم مثل الجراثيم فأنهم دائما يبحثون عن المناطق الرخوة و الموبؤة لكي ينفذوا منها و يتغلغلوا فيها فلا مكان لهم في مجتمعات متحضرة مسالمة او مجتمع يسوده الحب و التفاهم او بلد تبسط فيه الدولة سلطتها و يسوده القانون.. بأختصار انهم يبحثون عن الفوضى و هى بغيتهم بالتأكيد.. و مع الاسف وجدوها مؤخرا في أرض الشام العزيزة و أثر الانفلات الامنى و الصراع الدائر هناك مع نظام بعثى قمع شعبه و استباح حقوقه على مدار عقود من الزمان و هو يمثل امتدادا لحقبة الانظمة الشمولية و الاستبدادية التي حكمت العالم العربي عقب الحرب العالمية الثانية و لغاية اليوم..

و ليس الحديث هنا عن ثورة اهلنا في سوريا و لعل الفرصة تسنح في القريب لكي نقف بالتحليل و النقاش عند هذه الثورة.. و لكن الذى حصل في منطقة الحجيرة و السيدة زينب في ريف دمشق في الأيام القليلة الماضية يستحق التوقف اذ انه يثير أكثر من علامة أستفهام عن مصير هذه الثورة و ماذا يراد بسوريا الوطن قبل سوريا النظام.. و الحق أقول اننى أشعر بالخوف و القلق مما هو قادم في المستقبل على أرض الشام و أهلها بل و على المنطقة برمتها.. فما الذى حصل هناك على أرض الشام..

في ظل الصراع المحتدم مع النظام السورى سيطر الجيش السوري الحر على بعض من مناطق الحجيرة و السيدة زينب و كان المقاتلون عبارة عن خليط من السوريين و الأجانب المقاتلين الى جانبهم و قد وصفهم السكان وفق شهادات لهم جمعت فيما بعد بأن لهجاتهم خليجية او مغاربية و ان سنحهم كريهة.. و اول عمل قام به هؤلاء هو التكبير في الجوامع و الطلب من جميع المواطنين الشيعة ان يتركوا بيوتهم و الا فأنهم سيتعرضون للذبح مما خلف حالة من الفزع عند سكان المنطقة فنزحوا عن بكرة أبيهم و هم في الغالب أطفال و نساء لا ناقة لهم و لا جمل بالنظام القائم و لعلهم عانوا كغيرهم من السوريين من سياسات النظام على مدى سنوات..

و لم يكتفي هؤلاء بذلك بل أنهم طلبوا بعد ذلك من الآخرين الانضمام إليهم و إلا فأنهم بحكم الأعداء.. أي إنهم طبقوا نفس المبدأ الذي اشرنا إليه آنفا .. إن لم تكن معي فأنت ضدي.. و الطامة الكبرى هو أن بعض هؤلاء و بعد ان اقتربوا من مقام السيدة زينب أتوا بالجارفات و كانوا يرمون ان يهدوا مقام حفيدة الرسول و بنت فاطمة الزهراء و على بن أبي طالب سلام الله عليهم أجمعين بحجة إن المقام بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ذلك في النار.. و هنا أنتفض الاهالي و نظموا أنفسهم و قاموا بالدفاع عن أنفسهم و الضريح و أبعدوا عناصر القاعدة عن المكان رغم ان الانباء اشارت إلى أنهم كانوا قاب قوسين او أدنى من تنفيذ خطتهم الإجرامية و التي كانت ستؤدى الى عواقب خطيرة في سوريا بل و في المنطقة و تنظيم القاعدة يعي ذلك جيدا اذ سبق و ان جرب حظه في أرض الرافدين عندما قام أزلامه بتفجير مرقد الإمام العسكري رضوان الله عليه في مدينة سامراء و أدخل العراق بعدها في أزمة سياسية و أمنية لا تزال بعض تداعياتها ظاهرة الى اليوم..

كل ذلك جرى في ذات الوقت الذى كانت بعض فضائيات الوهابية الممولة بالبترودولار تمعن في أثارة الفتنة الطائفية و المذهبية و تحرض عليها و بدون أى اعتراض او ممانعة من قبل الانظمة الممولة لهذه القنوات بل ان المرء يكاد يجزم ان ما تبثه هذه القنوات و تحرض عليه يمثل السياسة العامة لتلك الدول الساعية الى زرع الفتنة و الخراب بأعتبار ذلك السبيل الوحيد لبقاء الحكام على كراسيهم المتهالكة ..

و اللعبة قديمة و مكشوفة و تتمثل بألهاء الشعوب بصراعات جانبية و طائفية او مذهبية او عرقية و ايهام الناس ان هناك عدو متربص بهم و ان المخلص الوحيد هو الحاكم و بالتالي لا يجب الثورة عليه او القيام ضده لان القادم سيكون اسوء و ان قدر الشعب هو هذا الحاكم ليس الا.. معادلة برع بعض الحكام و من يسير في فلكهم من الاعلاميين و انصاف المثقفين و الذين باعوا أقلامهم مقابل الدولار في تسويقها لفترة من الزمن و لكن سرعان ما كشفتها الشعوب المتطلعة الى الانعتاق و بدأت الانظمة تتهاوى كقطع الدومينو في مشهد مسرحي قل نظيره..

و قبل أن اختم مقالتي أود الاشارة الى ان اتباع الفكر الوهابي القاعدي و الذين سيطروا على شمال مالي و مدينة تمباكتو قاموا بهدم الاضرحة و القبور هناك حتى قبل ان يبسطوا سيطرتهم على كل مقاليد الامور و قد أدانت الامم المتحدة و كل منظمات حقوق الانسان هدم هذا التراث الانساني على يد هذه الثلة من عتاة المجرمين.. كما أن احد الاصدقاء بعث لي بمشاهد فيديو لبعض انصار القاعدة في ليبيا و هم يهدمون القبور هناك وسط احتجاج السكان المحليين من أبناء ليبيا البسطاء و الطيبين.. بأختصار هؤلاء القوم لديهم مشكلة مع الاموات قد تفوق مشاكلهم العصية و المزمنة مع الاحياء و مع ذلك تجد من يدافع عنهم و يتبنى فكرهم بل و يتحزم بالديناميت لكي يفجر نفسه في الابرياء و العزل.. حيرة .. أليس كذلك ؟