kumait
07-11-2012, 09:05 PM
دور الشباب في المشروع المهدوي
الشيخ جلال الدين الصغير
كيف تتعاطى المدرسة المهدوية مع طموحات الشباب ؟
لاشك أن أية عملية تغيير حضارية لا يمكنها إلّا أن تعطي الشباب الدور الأكبر في عملية الحراك الحضاري، ولا يمكن تصور وجود حضارة من دون أن يكون ثمة منهج تعبوي خاص بهذا الشريحة التي تمثل عماد المستقبل، وفيها الكثير من الحيوية والحماس الذي تحتاجه أي حضارة إن في مرحلة التأسيس أو في مرحلة الحراك، بل إن الحضارة التي تغفل هذا الدور لا يمكنها أن تبقى فالمشاريع المعادية ستجد فيهم أرضية خصبة للتحرك المضاد، مما يعني أن الشباب هم حجر الرحى الذي يمكنه أن يوجّه مسار الأحداث في نتائجها العملية، وهو سلاح ذو حدين فإن لم تجر العناية به فإن ذلك سيعني إنقلابه على هذه العملية، الأمر الذي جعل أهل البيت عليهم السلام يولون الشباب أهمية قوى، فهم بعنوانهم طاقة اجتماعية وثابة من جهة، وباعتبار أن مرحلة عدم نضوج التجربة لديهم بسبب قصر العمر من جهة أخرى، وبسبب طهارة قلوبهم وصدق نفسياتهم التي لم تلوثها الدنيا بعد من جهة ثالثة، جعلتهم مطمح النظر، وهذا ما يتبين في الكثير من سيرتهم صلوات الله عليهم، وكيف لا؟ وهم من رعوا أهم نماذج الشباب في تأريخ الأمة، ومن يتأمل في سيرة نماذج كعلي الأكبر أو القاسم بن الحسن عليهما السلام يجد أي نتاج لهذا المنهج، بل من يتأمل في ظاهرة الإمامة الشابة والمتمثلة بغالبية إمامة الإمامين الجواد والهادي صلوات الله عليهما، ومقدار من مرحلة إمامة الإمام المنتظر في زمن الغيبة الصغرى، يجد فيما يجد أن الشارع المقدّس في إيحاء هذا الأمر إنما أعطى الشباب زخم هائل كي يسيروا بهمة نحو المقامات المتقدمة في قيادة الأمة، فهم يستطيعون إن أرادوا أن يقطعوا الأشواط في هذا المجال أسرع من غيرهم، نتيجة لمزاياهم المعنوية والوجدانية، ولو ضممت بمعية ذلك أمثلة النبي إسماعيل ويوسف ويحيى وعيسى عليهم السلام أجمعين لوجدت مركزية خاصة للشباب في الفكر التربوي الإسلامي.
وفيما طرح منهج أهل البيت عليهم السلام القيم العليا والنظم التربوية ووضعها كمنهج لتربية الشباب وإثراء عقولهم العملية والعلمية وتوجيههم باتجاه عدم الخضوع والإستسلام لإغراءات الدنيا ومخاوفها، وهي أحد أهم الوسائل التي تستخدمها الديكتاتوريات المعلنة كنظام المجرم صدام أو غير المعلنة المغلفة بأقنعة العلمانية الغربية وسائر أنظمة السوء، فإنه في نفس الوقت لم يطرح منهجه بصورة معقّدة أو على شكل نظم تربوية لا يستفاد منها إلّا في إطار النخبة الفكرية أو العلمية بل جعله مبسّطاً جداً وفي متناول كل يد، بصورة لا يشعر قليل الثقافة بأنه غريب عليه أو عصي على فهمه، وفي نفس الوقت يجد العالم الكبير فيه زاده الذي لا غنى لعلمه عنه، فعلى سبيل المثال طرحت قضية الإنتماء إلى المجتمع الصالح والإبتعاد عن مجتمع السوء بطرق مختلفة منها يتجلى بقوله عليه السلام في زيارة الحسين عليه السلام: إني سلم لمن سالمكم، وعدو لمن عاداكم، أو قوله: معكم معكم لا مع عدوكم، وهذا النص على صغره إلّا أنه ينطوي على بعد اجتماعي عميق جداً، ولكنه حينما طرح بين يدي الناس طرح بشكل غير معلن ضمن أبسط أساليب التثقيف الشعبية التي يمارسها عامة الناس بسلاسة، وترك الإسلام للزمن أن يتعمق الإنسان في معاني ذلك وفي طرق تجسيده في الواقع، وذلك بمعية أساليب كثيرة تعطي للإنسان دفقاً صغيراً ولكنه مستمر، وهذا المثال في الوقت الذي نراه بسيطاً جداً إلّا أنه يخفي مئات الضوابط والالتزامات الاجتماعية، ومع هذه الطريقة التي نجد فيها الإسلام يتواضع للشباب ويراعي نشاة عقولهم، إلّا أنه يترك الباب كبيراً جداً لهم لكي يتقدّموا باتجاه هذه الضوابط والمنظومات التي تتخفى في عمق هذه الكلمات، ومن الواضح أن لدينا المئات من الأمثلة حول ذلك.
وما يمكننا أن نلخّصه في هذا المجال أن أهل البيت عليهم السلام يستهدفون إثارة النوازع الإنسانية الخيرة والراقية في داخل الإنسان، بغية الحفاظ عليها أو إبرازها بشكل أكبر ضمن المنطق الذي يعبّر عنه الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام بقوله: من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة.(معاني الأخبار: 342).
ويقابل هذا المنطق المنهج التربوي الذي تعتمده العلمانية الغربية والذي تغلفه بشعارات الحرية، ولا شك أن الحرية قيمة فضلى، ولكن الدعوة لها وفق المنطق الغربي يجعلها سلاح ذو حدين بل هي أقرب إلى تخريب النفس الإنسانية منها إلى إثراء نوازع الكمال فيها، لأن الحرية حينما تكون متحللة من أي ضابطة اخلاقية تحوّل الإنسان إلى آلة همها أن تأكل وتمارس البقاء دونما هدف حقيقي، فضلاً عن أن ترقى به إلى الأعلى، ولو نظرنا إلى حصاد الحضارة الغربية المعاصرة لبرز جوهرها التخريبي للذات الإنسانية، وخصوصاً للشباب الذين قد تستهويهم شعاراتها ومظاهرها، إذ أن توجيه الإنسان إلى ذاته بمعزل عن ربطه بالوجود الكوني وفلسفة وجوده في هذه الحياة يجعله في همّ دائم لإرواء الذات حتى ولو على حساب غيره، مما يجعل هذا الشاب أسيراً لظروف مراهقته وما تمليه هذه الظروف من استحقاقات هي الأخطر على تكوينه التربوي لأنها هي التي يفتتح بها ممارسته الحياتية والاجتماعية، مما يجعله يتجه إلى الجانب السفلي في هذه الذات لأن الغريزة الجنسية تلح عليه والإثارة العملية متوافرة بشكل كبير، وسجية الثراء تضغط عليه في بيئة اقتصادية غاية في القسوة والجفاء، ودوافعه نحو القيم الفاضلة تخمد لديه في مقابل نزوع سريع باتجاه القيم الدنيئة، وإقباله نحو الذات تقتل فيه روح المسؤولية تجاه المجتمع وتدفعه إلى التحلل من أي شيء، وغير ذلك كثير، فهو حر والآخر حر، والثقافة العامة تثري الصراع بينهما، فأي نتيجة سنخرج بها؟
لعل التعرف على معدلات الجريمة الجنائية وحدها كاف لرسم صورة المشهد، والمشلكة أنه لا يوجد أي ضبط تربوي باتجاه الفعل الاجتماعي اللهم إلا بمقدار ما يحتاجونه في العمل، مما يجعل الرأسمالي هو المستفيد دوماً من هذا الإنسان، ولكنه بلا أدنى مسؤولية تجاهه لو انه لم يجد وسيلة عيشه الكريمة، ومسيرة 3 قرون أظهرت قدرة هذا المنهج على احتقار الذات الإنسانية بل وامتهانها وتأمل بسيط في غارة الأوربيين على بلدان العالم واستباحتهم بأبشع صور الإستباحة وتحويلهم إلى عبيد كما حصل في أفريقيا أو إلى عمّال سخرة يلهثون وراء فتات الثروة المنهوبة منهم، وما آل إليه الحال من تكالب على الثروة مما حدا بهم إلى خوض واحدة من أقذر الجرائم قباحة في التاريخ الإنساني والمتمثلة بحربين عالميتين ضروس اجتاحت الملايين في النصف الأول من القرن الماضي.
من الواضح أن المنهج العلماني المعاصر يتصارع منذ أكثر من قرن ونصف على شباب الامة كي يجتذب أنفسهم إلى مظاهر الحياة الغربية (كالجنس والرقص والغناء وتعاطي المواد الروحية والتحلل من الضوابط الأخلاقية والجنس ورفض القيم العليا في مقابل الإهتمام بالقيم الصغيرة) ويبعدهم عن دينهم وأمتهم، لأنهم هم من سيكون في الغد قادة هذه الشعوب، فإن كانوا متحللين أمكن الغرب العلماني من أن يبقي هذه الشعوب تحت رحمته، لأن التحلل الأخلاقي لن يجعلهم يصمدون أمام الإغراءات الكبرى التي تقدم أثناء بيع الشعوب، كما ولا يمكنهم من الثبات أمام المخاطر التي تعترض حرية هذه الشعوب واستقلالها عن ربقة الغرب العلماني.
إلّا أن منهج الإسلام وأهل البيت عليهم السلام في تربية الشباب، بمقدار ما تحقق منه، وبما جادت ظروف الضغط العلماني من أن تفسح المجال لبعض تطبيقات هذا المنهج، يبثّ في الشباب روح الممانعة والمقاومة لكل المحاولات التي ترمي لمسخ هويتهم الثقافية والحضارية، ويمنعهم من الإنهيار الأخلاقي أمام زخارف الغرب، ويبصّرهم بواقع النهضة الذي يجب أن يكونوا عليه، ومن نعم الله أن شبابنا بدأ يستجيب بعد أن انفضحت أساليب الإستكبار وبدأ الوعي يتخذ أشكالاً متقدمة تارة عبر الصحوة الإسلامية وأخرى عبر ما يسمى الآن بالربيع العربي.
وتمثل القضية المهدوية أحد المحاور الأساسية في هذا المنهج، لأنها من جهة تثير الأمل العظيم بالمستقبل، ومن أولى بالشباب من المستقبل، خاصة وأن هذه القضية رهنت ركناً أساسياً من أركانها معلّق بحركة التغيير في داخل الأمة من أجل إيجاد الناصر، وإلا فإن الإمام صلوات الله عليه ما غاب لأنه محب للغيبة ولكن قلة الناصر هي التي حالت دون النهوض بمشروعه الحضاري كل هذا الوقت، ولك أن تتأمل حينما يعي الشباب أن غيبة إمامهم بأبي وأمي مرهونة بطبيعة تغييرهم لأنفسهم ومجتمعهم، عند ذلك لن تجد هؤلاء مكتوفي الأيدي أو يرهنون أنفسهم إلى الهموم الصغيرة التي تلقيها أمامهم الحضارة العلمانية، بل سيتطلعون لما هو أكبر وأعظم، ولئن رأيت كيف أن شباب الأمة في زمن الأنظمة القمعية قاومت هذه الأنظمة وتحملت كل حالات القمع، ومن ثم قنعت بالشهادة بل أقبلت عليها، لأنها لم ترهن أنفسها لهذه الهموم بعد ان تطلعت إلى مهمتها الكبرى المتمثلة بالتمهيد للظهور المهدوي الشريف، ولعل نماذج كنماذج المقاومة الإسلامية في عهد الطاغية المجرم صدام وفي مواجهة الإرهاب التكفيري والبعثي، أو المقاومة الإسلامية في لبنان ضد الصهاينة او المقاومة الإسلامية في إيران ضد الإستكبار بكل شروره كافية لتبيّن لنا أي دور عظيم لعبه الشباب حينما يتسلح بسلاح هذه العقيدة المباركة.
إن إطلالة سريعة على النتاج المهدوي في المستقبل يعطينا صورة على طبيعة الدور الذي يجب أن يتهيأ شبابنا له، فالإمام صلوات الله عليه سيقيم دولة العدل الإلهية وسيسيطر على كل العالم ويُنهي سلطان الجور والظلم الذي يسيطر على العالم، ولن يحصل ذلك بمعجزة، وإنما يحصل ضمن الظروف الطبيعية لعمليات التغيير الاجتماعي الكبرى، وهذه العملية حتى تتم لا بد وأن تكون هناك قاعدة صالحة تحتضن المشروع المهدوي وتلبي له مشاريعه الحضارية وبرامجه القيادية وتلتزم بطاعته، وقد قدّر للعراق في نفس الوقت أن يكون عاصمة العالم باعتبار أن عاصمة الإمام أرواحنا له الفدا ستكون النجف الأشرف، مما يعني أن الشباب العراقي على وجه الخصوص سيكون صاحب النصيب الكبير في التوفيق للنصرة، ولا أتحدث هنا عن حس وطني، بل حديثي عن استحقاقات الإقامة في مكان كالعراق وأسباب إنتخابه الإمام صلوات الله عليه، وما كان ذلك ليكون لولا خصائص اعتنى بها الأئمة عليهم السلام والتزم بها شبابنا جيلاً من بعد جيل، وقد أرتنا المسيرة الأربعينية التي تتميز بأن غالبها الأعظم هم من هؤلاء الورود، كيف يمكن للشباب أن يصنعوا عز المذهب وفخر المعتقد ويقرّوا عين إمامهم روحي فداه.
وكما تعلمون فإن النصرة لا تتهيأ إلّا من خلال تعبئة شاملة لكل القدرات والإمكانات التي تستلزمها معارك شرسة واستحقاقات ضخمة، خصوصاً وأن فترة ما قبل الظهور الشريف ستشهد الهجوم السفياني على العراق مما يضاعف مسؤولية الشباب وغيرهم لمواجهة استحقاقات تلك المرحلة ولكي يرتقوا لمصاف الحاملين أعباء القضايا الكبرى والحاسمة للأمة، خصوصاً بعد أن أرتهم الدنيا كيف غدرت بهم السياسة، وكيف سقطت بأعينهم أكاذيب الإستكبار، وما أحسوا لأئمتهم صلوات الله عليهم إلّا كل رحمة ومحبة لهم، ولو تأملت في ظاهرة الكرامات التي يرزق بها الناس نتيجة للإرتباط بأهل العصمة والطهارة عليهم السلام، والتي نسمع بها ونشاهده آلاف النماذج منها عن كثب لوجدت أن الأئمة في غيبتهم الحاضرة كلهم رحمة ومحبة، فما بالك لو حضر قائمهم صلوات الله عليه؟
أعتقد أن شبابنا ومن خلال ما تحقق طوال هذه الفترة قد تقدموا بشكل كبير باتجاه حمل الأمانة، برغم ما نراه من انحرافات هنا وهناك، وبالرغم من شذوذ البعض غافلاً عن هذا الطريق إلا أننا يجب ان لا نغفل أن القطاع الأكبر منهم توّاق لتجسيد ولائه لأهل البيت عليهم السلام ولإمامنا المنتظر روحي فداه، غاية ما هنالك أن سبل التوعية لا زالت دون المستوى المطلوب الذي يتناسب وطبيعة الغزو الثقافي والفكري الذي تعمل عليه مئات الفضائيات ضد شبابنا وأمتنا، بالرغم أننا نمتلك اليوم الفضائيات، والمنبر بكل أصنافه يعيش حالة حرية فريدة في التاريخ الشيعي إلّا أن من الواضح أن بعض المبلّغين لم يرتقوا إلى المستوى الذي يجب عليه أن يصل إليه.
الشيخ جلال الدين الصغير
كيف تتعاطى المدرسة المهدوية مع طموحات الشباب ؟
لاشك أن أية عملية تغيير حضارية لا يمكنها إلّا أن تعطي الشباب الدور الأكبر في عملية الحراك الحضاري، ولا يمكن تصور وجود حضارة من دون أن يكون ثمة منهج تعبوي خاص بهذا الشريحة التي تمثل عماد المستقبل، وفيها الكثير من الحيوية والحماس الذي تحتاجه أي حضارة إن في مرحلة التأسيس أو في مرحلة الحراك، بل إن الحضارة التي تغفل هذا الدور لا يمكنها أن تبقى فالمشاريع المعادية ستجد فيهم أرضية خصبة للتحرك المضاد، مما يعني أن الشباب هم حجر الرحى الذي يمكنه أن يوجّه مسار الأحداث في نتائجها العملية، وهو سلاح ذو حدين فإن لم تجر العناية به فإن ذلك سيعني إنقلابه على هذه العملية، الأمر الذي جعل أهل البيت عليهم السلام يولون الشباب أهمية قوى، فهم بعنوانهم طاقة اجتماعية وثابة من جهة، وباعتبار أن مرحلة عدم نضوج التجربة لديهم بسبب قصر العمر من جهة أخرى، وبسبب طهارة قلوبهم وصدق نفسياتهم التي لم تلوثها الدنيا بعد من جهة ثالثة، جعلتهم مطمح النظر، وهذا ما يتبين في الكثير من سيرتهم صلوات الله عليهم، وكيف لا؟ وهم من رعوا أهم نماذج الشباب في تأريخ الأمة، ومن يتأمل في سيرة نماذج كعلي الأكبر أو القاسم بن الحسن عليهما السلام يجد أي نتاج لهذا المنهج، بل من يتأمل في ظاهرة الإمامة الشابة والمتمثلة بغالبية إمامة الإمامين الجواد والهادي صلوات الله عليهما، ومقدار من مرحلة إمامة الإمام المنتظر في زمن الغيبة الصغرى، يجد فيما يجد أن الشارع المقدّس في إيحاء هذا الأمر إنما أعطى الشباب زخم هائل كي يسيروا بهمة نحو المقامات المتقدمة في قيادة الأمة، فهم يستطيعون إن أرادوا أن يقطعوا الأشواط في هذا المجال أسرع من غيرهم، نتيجة لمزاياهم المعنوية والوجدانية، ولو ضممت بمعية ذلك أمثلة النبي إسماعيل ويوسف ويحيى وعيسى عليهم السلام أجمعين لوجدت مركزية خاصة للشباب في الفكر التربوي الإسلامي.
وفيما طرح منهج أهل البيت عليهم السلام القيم العليا والنظم التربوية ووضعها كمنهج لتربية الشباب وإثراء عقولهم العملية والعلمية وتوجيههم باتجاه عدم الخضوع والإستسلام لإغراءات الدنيا ومخاوفها، وهي أحد أهم الوسائل التي تستخدمها الديكتاتوريات المعلنة كنظام المجرم صدام أو غير المعلنة المغلفة بأقنعة العلمانية الغربية وسائر أنظمة السوء، فإنه في نفس الوقت لم يطرح منهجه بصورة معقّدة أو على شكل نظم تربوية لا يستفاد منها إلّا في إطار النخبة الفكرية أو العلمية بل جعله مبسّطاً جداً وفي متناول كل يد، بصورة لا يشعر قليل الثقافة بأنه غريب عليه أو عصي على فهمه، وفي نفس الوقت يجد العالم الكبير فيه زاده الذي لا غنى لعلمه عنه، فعلى سبيل المثال طرحت قضية الإنتماء إلى المجتمع الصالح والإبتعاد عن مجتمع السوء بطرق مختلفة منها يتجلى بقوله عليه السلام في زيارة الحسين عليه السلام: إني سلم لمن سالمكم، وعدو لمن عاداكم، أو قوله: معكم معكم لا مع عدوكم، وهذا النص على صغره إلّا أنه ينطوي على بعد اجتماعي عميق جداً، ولكنه حينما طرح بين يدي الناس طرح بشكل غير معلن ضمن أبسط أساليب التثقيف الشعبية التي يمارسها عامة الناس بسلاسة، وترك الإسلام للزمن أن يتعمق الإنسان في معاني ذلك وفي طرق تجسيده في الواقع، وذلك بمعية أساليب كثيرة تعطي للإنسان دفقاً صغيراً ولكنه مستمر، وهذا المثال في الوقت الذي نراه بسيطاً جداً إلّا أنه يخفي مئات الضوابط والالتزامات الاجتماعية، ومع هذه الطريقة التي نجد فيها الإسلام يتواضع للشباب ويراعي نشاة عقولهم، إلّا أنه يترك الباب كبيراً جداً لهم لكي يتقدّموا باتجاه هذه الضوابط والمنظومات التي تتخفى في عمق هذه الكلمات، ومن الواضح أن لدينا المئات من الأمثلة حول ذلك.
وما يمكننا أن نلخّصه في هذا المجال أن أهل البيت عليهم السلام يستهدفون إثارة النوازع الإنسانية الخيرة والراقية في داخل الإنسان، بغية الحفاظ عليها أو إبرازها بشكل أكبر ضمن المنطق الذي يعبّر عنه الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام بقوله: من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة.(معاني الأخبار: 342).
ويقابل هذا المنطق المنهج التربوي الذي تعتمده العلمانية الغربية والذي تغلفه بشعارات الحرية، ولا شك أن الحرية قيمة فضلى، ولكن الدعوة لها وفق المنطق الغربي يجعلها سلاح ذو حدين بل هي أقرب إلى تخريب النفس الإنسانية منها إلى إثراء نوازع الكمال فيها، لأن الحرية حينما تكون متحللة من أي ضابطة اخلاقية تحوّل الإنسان إلى آلة همها أن تأكل وتمارس البقاء دونما هدف حقيقي، فضلاً عن أن ترقى به إلى الأعلى، ولو نظرنا إلى حصاد الحضارة الغربية المعاصرة لبرز جوهرها التخريبي للذات الإنسانية، وخصوصاً للشباب الذين قد تستهويهم شعاراتها ومظاهرها، إذ أن توجيه الإنسان إلى ذاته بمعزل عن ربطه بالوجود الكوني وفلسفة وجوده في هذه الحياة يجعله في همّ دائم لإرواء الذات حتى ولو على حساب غيره، مما يجعل هذا الشاب أسيراً لظروف مراهقته وما تمليه هذه الظروف من استحقاقات هي الأخطر على تكوينه التربوي لأنها هي التي يفتتح بها ممارسته الحياتية والاجتماعية، مما يجعله يتجه إلى الجانب السفلي في هذه الذات لأن الغريزة الجنسية تلح عليه والإثارة العملية متوافرة بشكل كبير، وسجية الثراء تضغط عليه في بيئة اقتصادية غاية في القسوة والجفاء، ودوافعه نحو القيم الفاضلة تخمد لديه في مقابل نزوع سريع باتجاه القيم الدنيئة، وإقباله نحو الذات تقتل فيه روح المسؤولية تجاه المجتمع وتدفعه إلى التحلل من أي شيء، وغير ذلك كثير، فهو حر والآخر حر، والثقافة العامة تثري الصراع بينهما، فأي نتيجة سنخرج بها؟
لعل التعرف على معدلات الجريمة الجنائية وحدها كاف لرسم صورة المشهد، والمشلكة أنه لا يوجد أي ضبط تربوي باتجاه الفعل الاجتماعي اللهم إلا بمقدار ما يحتاجونه في العمل، مما يجعل الرأسمالي هو المستفيد دوماً من هذا الإنسان، ولكنه بلا أدنى مسؤولية تجاهه لو انه لم يجد وسيلة عيشه الكريمة، ومسيرة 3 قرون أظهرت قدرة هذا المنهج على احتقار الذات الإنسانية بل وامتهانها وتأمل بسيط في غارة الأوربيين على بلدان العالم واستباحتهم بأبشع صور الإستباحة وتحويلهم إلى عبيد كما حصل في أفريقيا أو إلى عمّال سخرة يلهثون وراء فتات الثروة المنهوبة منهم، وما آل إليه الحال من تكالب على الثروة مما حدا بهم إلى خوض واحدة من أقذر الجرائم قباحة في التاريخ الإنساني والمتمثلة بحربين عالميتين ضروس اجتاحت الملايين في النصف الأول من القرن الماضي.
من الواضح أن المنهج العلماني المعاصر يتصارع منذ أكثر من قرن ونصف على شباب الامة كي يجتذب أنفسهم إلى مظاهر الحياة الغربية (كالجنس والرقص والغناء وتعاطي المواد الروحية والتحلل من الضوابط الأخلاقية والجنس ورفض القيم العليا في مقابل الإهتمام بالقيم الصغيرة) ويبعدهم عن دينهم وأمتهم، لأنهم هم من سيكون في الغد قادة هذه الشعوب، فإن كانوا متحللين أمكن الغرب العلماني من أن يبقي هذه الشعوب تحت رحمته، لأن التحلل الأخلاقي لن يجعلهم يصمدون أمام الإغراءات الكبرى التي تقدم أثناء بيع الشعوب، كما ولا يمكنهم من الثبات أمام المخاطر التي تعترض حرية هذه الشعوب واستقلالها عن ربقة الغرب العلماني.
إلّا أن منهج الإسلام وأهل البيت عليهم السلام في تربية الشباب، بمقدار ما تحقق منه، وبما جادت ظروف الضغط العلماني من أن تفسح المجال لبعض تطبيقات هذا المنهج، يبثّ في الشباب روح الممانعة والمقاومة لكل المحاولات التي ترمي لمسخ هويتهم الثقافية والحضارية، ويمنعهم من الإنهيار الأخلاقي أمام زخارف الغرب، ويبصّرهم بواقع النهضة الذي يجب أن يكونوا عليه، ومن نعم الله أن شبابنا بدأ يستجيب بعد أن انفضحت أساليب الإستكبار وبدأ الوعي يتخذ أشكالاً متقدمة تارة عبر الصحوة الإسلامية وأخرى عبر ما يسمى الآن بالربيع العربي.
وتمثل القضية المهدوية أحد المحاور الأساسية في هذا المنهج، لأنها من جهة تثير الأمل العظيم بالمستقبل، ومن أولى بالشباب من المستقبل، خاصة وأن هذه القضية رهنت ركناً أساسياً من أركانها معلّق بحركة التغيير في داخل الأمة من أجل إيجاد الناصر، وإلا فإن الإمام صلوات الله عليه ما غاب لأنه محب للغيبة ولكن قلة الناصر هي التي حالت دون النهوض بمشروعه الحضاري كل هذا الوقت، ولك أن تتأمل حينما يعي الشباب أن غيبة إمامهم بأبي وأمي مرهونة بطبيعة تغييرهم لأنفسهم ومجتمعهم، عند ذلك لن تجد هؤلاء مكتوفي الأيدي أو يرهنون أنفسهم إلى الهموم الصغيرة التي تلقيها أمامهم الحضارة العلمانية، بل سيتطلعون لما هو أكبر وأعظم، ولئن رأيت كيف أن شباب الأمة في زمن الأنظمة القمعية قاومت هذه الأنظمة وتحملت كل حالات القمع، ومن ثم قنعت بالشهادة بل أقبلت عليها، لأنها لم ترهن أنفسها لهذه الهموم بعد ان تطلعت إلى مهمتها الكبرى المتمثلة بالتمهيد للظهور المهدوي الشريف، ولعل نماذج كنماذج المقاومة الإسلامية في عهد الطاغية المجرم صدام وفي مواجهة الإرهاب التكفيري والبعثي، أو المقاومة الإسلامية في لبنان ضد الصهاينة او المقاومة الإسلامية في إيران ضد الإستكبار بكل شروره كافية لتبيّن لنا أي دور عظيم لعبه الشباب حينما يتسلح بسلاح هذه العقيدة المباركة.
إن إطلالة سريعة على النتاج المهدوي في المستقبل يعطينا صورة على طبيعة الدور الذي يجب أن يتهيأ شبابنا له، فالإمام صلوات الله عليه سيقيم دولة العدل الإلهية وسيسيطر على كل العالم ويُنهي سلطان الجور والظلم الذي يسيطر على العالم، ولن يحصل ذلك بمعجزة، وإنما يحصل ضمن الظروف الطبيعية لعمليات التغيير الاجتماعي الكبرى، وهذه العملية حتى تتم لا بد وأن تكون هناك قاعدة صالحة تحتضن المشروع المهدوي وتلبي له مشاريعه الحضارية وبرامجه القيادية وتلتزم بطاعته، وقد قدّر للعراق في نفس الوقت أن يكون عاصمة العالم باعتبار أن عاصمة الإمام أرواحنا له الفدا ستكون النجف الأشرف، مما يعني أن الشباب العراقي على وجه الخصوص سيكون صاحب النصيب الكبير في التوفيق للنصرة، ولا أتحدث هنا عن حس وطني، بل حديثي عن استحقاقات الإقامة في مكان كالعراق وأسباب إنتخابه الإمام صلوات الله عليه، وما كان ذلك ليكون لولا خصائص اعتنى بها الأئمة عليهم السلام والتزم بها شبابنا جيلاً من بعد جيل، وقد أرتنا المسيرة الأربعينية التي تتميز بأن غالبها الأعظم هم من هؤلاء الورود، كيف يمكن للشباب أن يصنعوا عز المذهب وفخر المعتقد ويقرّوا عين إمامهم روحي فداه.
وكما تعلمون فإن النصرة لا تتهيأ إلّا من خلال تعبئة شاملة لكل القدرات والإمكانات التي تستلزمها معارك شرسة واستحقاقات ضخمة، خصوصاً وأن فترة ما قبل الظهور الشريف ستشهد الهجوم السفياني على العراق مما يضاعف مسؤولية الشباب وغيرهم لمواجهة استحقاقات تلك المرحلة ولكي يرتقوا لمصاف الحاملين أعباء القضايا الكبرى والحاسمة للأمة، خصوصاً بعد أن أرتهم الدنيا كيف غدرت بهم السياسة، وكيف سقطت بأعينهم أكاذيب الإستكبار، وما أحسوا لأئمتهم صلوات الله عليهم إلّا كل رحمة ومحبة لهم، ولو تأملت في ظاهرة الكرامات التي يرزق بها الناس نتيجة للإرتباط بأهل العصمة والطهارة عليهم السلام، والتي نسمع بها ونشاهده آلاف النماذج منها عن كثب لوجدت أن الأئمة في غيبتهم الحاضرة كلهم رحمة ومحبة، فما بالك لو حضر قائمهم صلوات الله عليه؟
أعتقد أن شبابنا ومن خلال ما تحقق طوال هذه الفترة قد تقدموا بشكل كبير باتجاه حمل الأمانة، برغم ما نراه من انحرافات هنا وهناك، وبالرغم من شذوذ البعض غافلاً عن هذا الطريق إلا أننا يجب ان لا نغفل أن القطاع الأكبر منهم توّاق لتجسيد ولائه لأهل البيت عليهم السلام ولإمامنا المنتظر روحي فداه، غاية ما هنالك أن سبل التوعية لا زالت دون المستوى المطلوب الذي يتناسب وطبيعة الغزو الثقافي والفكري الذي تعمل عليه مئات الفضائيات ضد شبابنا وأمتنا، بالرغم أننا نمتلك اليوم الفضائيات، والمنبر بكل أصنافه يعيش حالة حرية فريدة في التاريخ الشيعي إلّا أن من الواضح أن بعض المبلّغين لم يرتقوا إلى المستوى الذي يجب عليه أن يصل إليه.