kumait
08-11-2012, 12:13 AM
فن صناعة الفرعون
فهمي هويدي
أثناء صلاة العيد جلس الرئيس محمد مرسي محاطا بكبار المسئولين في الدولة. نائب الرئيس ورئيس الوزراء وشيخ الأزهر ووزيرا الدفاع والداخلية وغيرهم. إلا أن الرئيس وحده وضعت أمامه سجادة صغيرة. فوق سجادة المسجد الكبير . التي كانت قد غسلت ونظفت سواء بمناسبة العيد أو بمناسبة صلاة الرئيس في المسجد. لم أتابع بث صلاة العيد عبر التلفزيون، لكن أكثر من واحد نبهني إلى حكاية سجادة الرئيس بعد صلاة الجمعة، ورأيتها واضحة بعد ذلك في الصور التي نشرتها الصحف في اليوم التالي «أمس السبت 22/10».
أحد الأسئلة التي أثارها عندي المشهد كالتالي: لماذا خصُّوا الرئيس بسجادة له وحده، ولم يفعلوها مع غيره من كبار المسؤولين المحيطين به؟ الرد المباشر الذي خطر لي أن ذلك حدث لأن هناك من رأى أن الرئيس ينبغي أن يختلف عن غيره، حتى في الوقوف أمام الله.
قد تبدو الملاحظة بسيطة، ولست أشك في أن الرئيس لا علاقة له بما حدث، ولكني وجدت لها دلالة جديرة بالتسجيل. شجعني على ذلك أنني سمعت كلاما يلوكه البعض عن الاستعدادات الخاصة التي ترتب لاستقبال الرئيس، حتى في صلوات الجمعة التي يحرص على أدائها بين الناس.
حدثني نفر من هؤلاء عما حدث حين أدى صلاة الجمعة في مرسى مطروح، فتم تغيير السجاد في المسجد الذي أعيد طلاؤه، وكانت الرسالة واضحة في أن ذلك كله لم يحدث لأجل الناس، وإنما كان تعبيرا عن الحفاوة بالرئيس، ولست أشك في أن ذلك يحدث للرئيس حيثما حل. وإذا صح ذلك فهو يعني أن الرئيس كلما ذهب إلى مكان فإنه لا يراه على حقيقته، وإنما يتم تحسينه وتجميله لكي تطمس فيه الحقيقة، وإذا ضممت ذلك الانطباع إلى معلومة السجادة التي وضعت للرئيس دون غيره أثناء صلاة العيد، فقد توافقني في أن البيروقراطية المصرية لا تكف عن توجيه الرسائل إليه، التي توحي له بأنه يجب أن يتميز عن غيره من كبار المسئولين، في الوقت الذي تسعى فيه أصابع البيروقراطية لتزوير الواقع الذي تقع عليه عيناه، بحيث لا يتمكن من أن يرانا على حقيقتنا.
ما دعاني إلى إبداء أمثال تلك الملاحظات الصغيرة أن مسئولا مخضرما عاش في المطبخ الرئاسي ردحا من الزمن قال لي ذات مرة إن البيروقراطية المصرية تملك قدرا كبيرا من الحكمة والدهاء والصبر. ذلك أنه ما من مسؤول كبير يتولى موقعه ويريد أن يتصرف على سجيته، إلا ونسجت حوله الأجهزة البيروقراطية خيوطها في هدوء شديد حتى تضعه في القالب الذي تريده هي وليس ما يريده هو. بحيث يتحول صاحبنا بمضي الوقت إلى شخص آخر غير الذي تسلم المنصب. سيظل بنفس الاسم والشكل بطبيعة الحال، لكنه سيختلف في السلوك والأداء وربما في ثيابه التي يرتديها، بل وفي مشيته وكيفية تواصله مع الآخرين. يكفي أن تشعره الأجهزة بأنه ليس كائنا عاديا، لكنه شخص مختلف عن غيره، ولأنه مهم فلابد أن يكون مستهدفا، الأمر الذي لا يتم التعامل معه إلا بتكثيف الإجراءات والاحتياطات الأمنية. وحينذاك تتوالى سلسلة من الإجراءات التي لا يستطيع أحد مناقشتها أو ردها. إذ من أجل الحفاظ على حياة الرئيس أو المسئول الكبير لابد من احتياطات معينة تتعلق بمسكنه وموكبه واستقبالاته وخطوط الاتصال به.. الخ.
صحيح أنه عادة ما يتمنع في البداية، ولكن أساليب الدهاء والنفس الطويل التي تجيدها الأجهزة البيروقراطية تجعله يستسلم في نهاية المطاف، بحيث تصنع من الإنسان الذي قدم إلى المنصب، فرعونا لا يشق له غبار.
إن ترزية القوانين يمثلون وحدة أخرى في مؤسسة تصنيع الفراعين، وهي وثيقة الصلة بالمؤسسة الأمنية. لأنها تتولى تغطية ممارساتها وتقنينها لتأمين الفرعون وتبييض صورته. وتقاس براعة هؤلاء جميعا بمقدار إتقانهم للدور بحيث يتم تصنيع الفرعون دون أن يشعر بالتحول الذي يفرض عليه وينسج من حوله. في هذا الصدد قال لي أحد العارفين بأساليب الأجهزة البيروقراطية إن الرئيس مرسي فاجأ المحيطين به حين ظهر فوق إحدى المنصات في ميدان التحرير يوم حلفه لليمين وفتح سترته أمام الملأ قائلا إنه لا يرتدي السترة الواقية من الرصاص. أضاف صاحبنا إن الرئيس فعلها لأنه كان جديدا على المنصب، لكنه لن يكررها بعد عام، وسيكون ذلك قراره الذي لن يفرضه عليه أحد. إذ سيكون عندئذ أكثر حذرا خصوصا أنه بدأ يستمع إلى الرسائل الأمنية التي تسرب إليه.
لقد أكد لي أحد المقربين من الرئيس ما سبق أن ذكرته من أنه لا علاقة له بكل ما يرتب له ويثير اللغط في بعض الأوساط، ثم سألني: ما الذي يفعله الرجل في هذه الحالة؟ قلت: بوسعه أن يعلن على الملأ رفضه للترتيبات الاستثنائية التي تعد له، وأن يبلغ المسئولين في كل جهة يقصدها بأنه يريد أن يرى الواقع كما هو دون تزوق أو تزوير. أضفت بعد ذلك أن الرئيس لو طوى السجادة التي خصصت له في صلاة العيد ونحاها جانبا لأوصل تلك الرسالة إلى الذين فعلوها، ولأسكت اللغط الذي أثارته اللقطة.
عن جريدة الشرق القطرية
فهمي هويدي
أثناء صلاة العيد جلس الرئيس محمد مرسي محاطا بكبار المسئولين في الدولة. نائب الرئيس ورئيس الوزراء وشيخ الأزهر ووزيرا الدفاع والداخلية وغيرهم. إلا أن الرئيس وحده وضعت أمامه سجادة صغيرة. فوق سجادة المسجد الكبير . التي كانت قد غسلت ونظفت سواء بمناسبة العيد أو بمناسبة صلاة الرئيس في المسجد. لم أتابع بث صلاة العيد عبر التلفزيون، لكن أكثر من واحد نبهني إلى حكاية سجادة الرئيس بعد صلاة الجمعة، ورأيتها واضحة بعد ذلك في الصور التي نشرتها الصحف في اليوم التالي «أمس السبت 22/10».
أحد الأسئلة التي أثارها عندي المشهد كالتالي: لماذا خصُّوا الرئيس بسجادة له وحده، ولم يفعلوها مع غيره من كبار المسؤولين المحيطين به؟ الرد المباشر الذي خطر لي أن ذلك حدث لأن هناك من رأى أن الرئيس ينبغي أن يختلف عن غيره، حتى في الوقوف أمام الله.
قد تبدو الملاحظة بسيطة، ولست أشك في أن الرئيس لا علاقة له بما حدث، ولكني وجدت لها دلالة جديرة بالتسجيل. شجعني على ذلك أنني سمعت كلاما يلوكه البعض عن الاستعدادات الخاصة التي ترتب لاستقبال الرئيس، حتى في صلوات الجمعة التي يحرص على أدائها بين الناس.
حدثني نفر من هؤلاء عما حدث حين أدى صلاة الجمعة في مرسى مطروح، فتم تغيير السجاد في المسجد الذي أعيد طلاؤه، وكانت الرسالة واضحة في أن ذلك كله لم يحدث لأجل الناس، وإنما كان تعبيرا عن الحفاوة بالرئيس، ولست أشك في أن ذلك يحدث للرئيس حيثما حل. وإذا صح ذلك فهو يعني أن الرئيس كلما ذهب إلى مكان فإنه لا يراه على حقيقته، وإنما يتم تحسينه وتجميله لكي تطمس فيه الحقيقة، وإذا ضممت ذلك الانطباع إلى معلومة السجادة التي وضعت للرئيس دون غيره أثناء صلاة العيد، فقد توافقني في أن البيروقراطية المصرية لا تكف عن توجيه الرسائل إليه، التي توحي له بأنه يجب أن يتميز عن غيره من كبار المسئولين، في الوقت الذي تسعى فيه أصابع البيروقراطية لتزوير الواقع الذي تقع عليه عيناه، بحيث لا يتمكن من أن يرانا على حقيقتنا.
ما دعاني إلى إبداء أمثال تلك الملاحظات الصغيرة أن مسئولا مخضرما عاش في المطبخ الرئاسي ردحا من الزمن قال لي ذات مرة إن البيروقراطية المصرية تملك قدرا كبيرا من الحكمة والدهاء والصبر. ذلك أنه ما من مسؤول كبير يتولى موقعه ويريد أن يتصرف على سجيته، إلا ونسجت حوله الأجهزة البيروقراطية خيوطها في هدوء شديد حتى تضعه في القالب الذي تريده هي وليس ما يريده هو. بحيث يتحول صاحبنا بمضي الوقت إلى شخص آخر غير الذي تسلم المنصب. سيظل بنفس الاسم والشكل بطبيعة الحال، لكنه سيختلف في السلوك والأداء وربما في ثيابه التي يرتديها، بل وفي مشيته وكيفية تواصله مع الآخرين. يكفي أن تشعره الأجهزة بأنه ليس كائنا عاديا، لكنه شخص مختلف عن غيره، ولأنه مهم فلابد أن يكون مستهدفا، الأمر الذي لا يتم التعامل معه إلا بتكثيف الإجراءات والاحتياطات الأمنية. وحينذاك تتوالى سلسلة من الإجراءات التي لا يستطيع أحد مناقشتها أو ردها. إذ من أجل الحفاظ على حياة الرئيس أو المسئول الكبير لابد من احتياطات معينة تتعلق بمسكنه وموكبه واستقبالاته وخطوط الاتصال به.. الخ.
صحيح أنه عادة ما يتمنع في البداية، ولكن أساليب الدهاء والنفس الطويل التي تجيدها الأجهزة البيروقراطية تجعله يستسلم في نهاية المطاف، بحيث تصنع من الإنسان الذي قدم إلى المنصب، فرعونا لا يشق له غبار.
إن ترزية القوانين يمثلون وحدة أخرى في مؤسسة تصنيع الفراعين، وهي وثيقة الصلة بالمؤسسة الأمنية. لأنها تتولى تغطية ممارساتها وتقنينها لتأمين الفرعون وتبييض صورته. وتقاس براعة هؤلاء جميعا بمقدار إتقانهم للدور بحيث يتم تصنيع الفرعون دون أن يشعر بالتحول الذي يفرض عليه وينسج من حوله. في هذا الصدد قال لي أحد العارفين بأساليب الأجهزة البيروقراطية إن الرئيس مرسي فاجأ المحيطين به حين ظهر فوق إحدى المنصات في ميدان التحرير يوم حلفه لليمين وفتح سترته أمام الملأ قائلا إنه لا يرتدي السترة الواقية من الرصاص. أضاف صاحبنا إن الرئيس فعلها لأنه كان جديدا على المنصب، لكنه لن يكررها بعد عام، وسيكون ذلك قراره الذي لن يفرضه عليه أحد. إذ سيكون عندئذ أكثر حذرا خصوصا أنه بدأ يستمع إلى الرسائل الأمنية التي تسرب إليه.
لقد أكد لي أحد المقربين من الرئيس ما سبق أن ذكرته من أنه لا علاقة له بكل ما يرتب له ويثير اللغط في بعض الأوساط، ثم سألني: ما الذي يفعله الرجل في هذه الحالة؟ قلت: بوسعه أن يعلن على الملأ رفضه للترتيبات الاستثنائية التي تعد له، وأن يبلغ المسئولين في كل جهة يقصدها بأنه يريد أن يرى الواقع كما هو دون تزوق أو تزوير. أضفت بعد ذلك أن الرئيس لو طوى السجادة التي خصصت له في صلاة العيد ونحاها جانبا لأوصل تلك الرسالة إلى الذين فعلوها، ولأسكت اللغط الذي أثارته اللقطة.
عن جريدة الشرق القطرية