المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما هي الفلسفة؟


الحوزويه الصغيره
08-11-2012, 01:37 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم

http://www.alsada.org/gallery/images/fa/0012.gif

ما هي الفلسفة؟



1- الحاجة إلى الفلسفة:

إنّ من أهمّ الغرائز الإنسانيّة هي غريزة البحث عن الحقيقة، وغريزة حسّ التتبّع الذي لا يعرف الكلل ولا الملل. فالإنسان في تعطّشٍ دائمٍ للمعرفة. وهذه الغريزة موجودةٌ عند الجميع وإن كانت بشكلٍ متفاوتٍ. وقد أفرد الإنسان لكلّ مجموعةٍ من المسائل المترابطة فيما بينها علماً خاصاً بها. ومن بين تلك العلوم هو علم الفلسفة، الذي يجيب عن أسئلةٍ كثيرةٍ تخطر في ذهن الإنسان، كالتي تسأل عن أصل الوجود، وعن بداية العالم ونهايته، وعن وجود الملائكة أو الروح، وعن سعادة الإنسان وشقائه. ولا يوجد إنسانٌ في هذه الدنيا لا يحاول أن يجيب على هذه الأسئلة في نفسه، وحين لا يجد الجواب قد يقنع نفسه بالأسطورة. والعلم الذي يؤمّن لنا الإجابة على هذه الأسئلة ونحوها هو الفلسفة. ونلاحظ أنه لا يمكن الاستغناء عن هذا العلم، لأن هذه الأسئلة فطريةٌ وموجودةٌ في طبيعة كلّ إنسان، وهو بطبيعته يبحث عن حلول وإجابة لأسئلته هذه، فكان علم الفلسفة هو الذي يروي عطش هذه الحاجة.

وكثيراً ما نجد أنّ الإنسان يخطئ في حياته ومعتقداته، فيعتقد بأمورٍ لا أساس لها من الصحة، وتنعكس هذه المعتقدات لتؤثر مباشرة على سلوكه في الحياة. فقد كان الإنسان يعتقد بخرافاتٍ كثيرةٍ أثبت العلم الحديث بطلانها.

وما زال بعض البسطاء يعتقدون بوجود الحظ أو الغول وما شابه ذلك. ونجد أنّ أخلاقهم وأعمالهم وملكاتهم النفسيّة تتأثّر بهذه المعتقدات. وهنا تكمن أهمية علم الفلسفة فإنّه يُعطي الميزان والمعيار للأشياء الحقيقية الموجودة، التي من خلالها نستطيع أن نميّز الموجود الحقيقي عن غيره من الأوهام والخرافات، وما أعظمها من حاجةٍ للإنسان.

http://www.alsada.org/gallery/images/fa/0012.gif

2- أسلوب البحث الفلسفي:

وحيث إنّ علم الفلسفة هو الذي يؤمن الاعتقاد الصحيح للإنسان، فلا بد له أن يعتمد على أسلوبٍ محكمٍ وأساسٍ ثابتٍ في استدلالاته، لأجل أن يكوّن الاعتقاد الصحيح، فالشعر الذي يبتنى على الصور والتشبيه والخيال لا يكوّن اعتقاداً محكماً، والخطابة التي تقنع المستمع بأسلوبها الساحر وما يستعمله الخطيب من مؤثراتٍ لا يمكن أن يشكّل أساساً محكماً للاعتقاد، لذلك نجد علم الفلسفة لا يعتمد إلا على البرهان واليقين، الذي يكشف الحقيقة بشكلٍ تامٍ وواضحٍ لا يعتريه أي شك، ولا يمكن زعزعته على الإطلاق.

http://www.alsada.org/gallery/images/fa/0012.gif

مصطلح الفلسفة والسفسطة:

أجمع العلماء- ممّن اطلع على اللغة اليونانية قديماً وحديثاً وعلى تاريخ اليونان العلمي القديم- أن لفظ الفلسفة معرب من (فيلوسوفيا)، المؤلفة من كلمتين في الأصل: (فيلو) و(سوفيا)، والأولى منهما تعني المحب، والثانية تعني الحكمة، فيكون معنى الكلمة هو محب الحكمة .
وقد ظهرت جماعةٌ في اليونان القديم قبل سقراط أطلقت على نفسها اسم (سوفيست)، أي العالِم، واتخذت من إدراك الإنسان مقياساً لمعرفة الحقائق، ثم بدأت باستعمال المغالطة في استدلالاتها، فأوجدت موجةً من الشك والفوضى،خاصةً بعد أن أتقنت هذه الجماعة فنَّ الخطابة، ومارست مهنة القضاء والمحاماة، فكانت ما تثبته اليوم تنفيه بالغد، وما تنفيه بالغد تثبته فيما بعده، فظهر بذلك الشك في كلّ شيء وأدّى إلى إنكار الحقائق والواقعيات، عندها أفرغت هذه الكلمة من معناها الحقيقي، وصارت مرادفة للمغالطة، وعُرِّبت هذه الكلمة (السفسطة) لتستعمل في معنى المغالطة، وما زال هذا الاستعمال رائجاً حتى اليوم.

تصدى لهذه الجماعة سقراط. ولأجل هذا المعنى الجديد الذي التصق بلفظ (سوفيست) رفض أن يسمي نفسه بها، وإنما أطلق على نفسه اسم (فيلوسوفوس) أي محب الحكمة. ثم ارتقت بعد ذلك هذه الكلمة لتصبح بمعنى العالِم. وفي المقابل انحطت كلمة (سوفيست) من معنى العالِم إلى معنى المغالِط. وبعد تعريب الكلمة صارت كلمة الفلسفة مرادفةً للعِلم، والفيلسوف للعالِم .

http://www.alsada.org/gallery/images/fa/0012.gif

موضوع الفلسفة:

ولكي نحدد موضوع الفلسفة نقوم أولاً بتشبيه العالَم بجسم الإنسان، ونحن بإمكاننا دراسة جسم الإنسان بنحوين وكيفيتين:

الأولى: هي أن ندرس هذا الجسم لكن من زاوية خاصة، كأن ندرس الأعضاء عضواً عضواً، فندرس العين والأعصاب والقلب وهكذا، فإن هذا النحو من الدراسة دراسة خاصة واختصاص ضيق صغير بالنسبة لكل جسم الإنسان، وذلك لأن موضوع هذا العلم ضيّق ومحصور في مجال العضو الذي يبحث عنه.

الثانية: هي أن ندرس جسم الإنسان من ناحية عامة، فنسأل مثلاً: متى جاء هذا الجسم؟ وإلى متى يبقى؟ وهل لهذا الجسم علة أوجدته؟ وما هي علاقة الجسم بعلته؟ ما هي الصفات التي ينبغي أن تتصف به علّة هذا الجسم؟ هل
هذا الجسم حيّ؟ هل كل أعضائه حيّة حتى الظفر والعظم؟ هل لهذا الجسم بمجموعه غاية وهدف يسير نحوه؟ وهل هدف الجسم هو كماله؟ أو أنه لا هدف ولا غاية له أصلاً؟

ومن الواضح جداً الفرق بين هذين النحوين من الدراسة، فالنحو الأول من الدراسة الذي يهتم بدراسة أعضاء العالَم هو العلم الخاص، والنحو الآخر الذي يهتم بدراسة كلّ العالم هو الفلسفة.

فهي التي تبحث عن الموجود بشكل عام، لا من ناحية خاصة وجهة خاصة، بل تبحث عن صفات الوجود العامة، وكليات المسائل، كالأسئلة التي تقدم ذكرها. ومن هنا كان موضوعها ليس عضواً خاصاً أو موجوداً خاصاً ومحدداً، وإنما كان موضوعها الموجود على الإطلاق، أو الموجود المطلق، أي أنها تبحث عن الموجود مهما كان، ولكن بالأسلوب العلمي التعقلي البرهاني، ومن ناحية عامة، لا من ناحية خاصة كما تقدم.

http://www.alsada.org/gallery/images/fa/0012.gif

خلاصة الدرس

يمكن القول إن هناك حاجتين أساسيتين للفلسفة، فكرية وعملية. فهناك أسئلةٌ كثيرةٌ تخطر في ذهن الإنسان، كالتي تسأل عن أصل الوجود، وعن بداية العالم ونهايته، وعن سعادة الإنسان وشقائه. والعلم الذي يؤمّن لنا الإجابة على هذه الأسئلة ونحوها هو الفلسفة. وكثيراً ما نجد الإنسان يخطئ في حياته ومعتقداته، فيعتقد بأمورٍ لا أساس لها من الصحة، وهي تؤثر على أخلاقه وسلوكه. والفلسفة هي التي تُعطي الميزان والمعيار للأشياء الحقيقية الموجودة، التي من خلالها نستطيع أن نميّز الموجود الحقيقي عن غيره من الأوهام والخرافات.

وحيث إنّ علم الفلسفة هو الذي يؤمن الاعتقاد الصحيح للإنسان، فلا بد له أن يعتمد على أسلوبٍ محكمٍ وأساسٍ ثابتٍ في استدلالاته، لذلك نجد علم الفلسفة لا يعتمد إلا على البرهان واليقين، الذي يكشف الحقيقة بشكلٍ تامٍ وواضحٍ لا يعتريه أي شك، ولا يمكن زعزعته على الإطلاق.

كما أنّ موضوع الفلسفة ليس موجوداً خاصاً ومحدداً، وإنما هو الموجود على الإطلاق، أو الموجود المطلق، أي أنها تبحث عن الموجود مهما كان، ولكن بالأسلوب العلمي التعقلي البرهاني، ومن ناحية عامة، لا من ناحية خاصة كما تقدم.

الحوزويه الصغيره
08-11-2012, 02:10 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم

http://www.alsada.org/gallery/images/fa/0193.gif

تعريف الفلسفة


تعريف الفلسفة:

ولعل أوّل سؤالٍ يطرحه طالب هذا العلم هو: ما هي الفلسفة؟ فهو يريد تعريف هذا العلم، حتى يستطيع من خلال التعريف أن يميزه عن غيره من العلوم، وحتى يعرف طبيعة المسائل التي تذكر عادةً في هذا العلم. كما أنّ ملاحظة موضوع الفلسفة السابق يساعدنا كثيراً على فهم التعريف.

أ- التعريف اللفظي:

كثيراً ما نسأل عن أشياء لا نعرفها ويكون هدفنا من السؤال أن نعرف معناها اللغوي، فنسأل عن معنى كلمة تصادفنا أثناء مطالعاتنا، ما هي هذه الكلمة؟ أو ما معنى هذا اللفظ؟ فعلى سبيل المثال لو لم يعرف شخصٌ معنى كلمة الهدهد، فنجده سوف يسأل: ما معنى الهدهد؟ وبمراجعة كتب اللغة يجد أنّ الهدهد اسم طير. فكتب اللغة قد عرّفت له معنى الكلمة ومعنى اللفظ، لكن هذا التعريف يعبّر عنه أنّه تعريفٌ لغوي، أو هو تعبيرٌ آخر عن شرحٍ وتفصيلٍ لهذا اللفظ وهذه الكلمة، لذلك أُطلق على هذا النوع من التعريف اصطلاح التعريف اللفظي.

ب- التعريف المعنوي (الحقيقي):

ولكن كثيراً ما يكون الإنسان عارفاً المعنى اللغوي للفظ والكلمة، ولكنّه يجهل حقيقة هذه الكلمة، فنجده شوقاً للمعرفة يسأل: ما هو هذا اللفظ؟ وما هي هذه الكلمة؟ فمثلاً يقول: ما هو الهدهد؟
وفي الحقيقة إن هذا الشخص يسأل عن حقيقة الهدهد، فهو يراه أمامه مثلاً، ويعرف أن لفظ الهدهد قد وضع لهذا المعنى، ولكنه يريد معرفة حقيقة هذا الموجود، فيسأل أيضاً عنه بما هو، ويريد أن يعرف عنه أكثر وأكثر. فيأتيه الجواب هنا لا من اللغة، بل من الفيلسوف المتخصّص بمعرفة حقائق الأشياء: الهدهد حيوانٌ طائرٌ ذو جناحين. وهذا النوع من التعريف الذي لا يطلب منه شرح اللفظ، وإنما يطلب منه معرفة حقيقة الأشياء التي لا تختلف من علم لآخر هو الذي يعبر عنه بالتعريف الحقيقي، أو التعريف المعنوي.

وقد ذكرنا هذه المقدمة لأنّنا نجد للفلسفة تعاريف مختلفة. ونحن سوف نذكر بعضاً من هذه التعاريف. ومن خلال المقدمة السابقة نستطيع تمييز التعريف الحقيقي عن التعريف اللفظي.

وأما التعريف الحقيقي للفلسفة فهو العلم الباحث عن الأحوال العامة للموجود.

http://www.alsada.org/gallery/images/fa/0193.gif

تعريفات أخرى للفلسفة:

بعد أن عرفنا ما هي الفلسفة، لا بأس بالإشارة إلى بعض التعاريف الأخرى المذكورة لهذا العلم:

أ- اسم لكل العلوم العقلية :

لقد كانت الفلسفة اسماً للعلم. والفيلسوف هو ذلك العالم الذي يطلع على كلّ العلوم. فلم تكن الفلسفة بالمصطلح الشائع بين المسلمين اسماً لفنٍّ خاصٍ، أو لعلمٍ مخصوصٍ، بل كانت شاملةً لجميع العلوم العقلية- في قبال العلوم النقلية من قبيل اللغة والنحو والصرف والمعاني والتفسير والحديث والفقه وعلوم القرآن، فقد كانت العلوم العقلية تقسّم عند أرسطو بشكل أساس إلى قسمين رئيسين:

1- العلوم العملية: وهي التي كان يدرس فيها ما ينبغي أن يعمل، وهي ثلاثة أقسام:

أ- الأخلاق: وهي ما ينبغي أن يفعله الإنسان مع نفسه.
ب- تدبير المنزل: وهو ما ينبغي أن يفعله الإنسان مع زوجه وعائلته.
ج- سياسة المدن: وهي ما ينبغي أن يفعله الإنسان مع المجتمع من حوله.

2- العلوم النظرية: وهي التي كان يدرس فيها ما ينبغي أن يعمل، وهي ثلاثة أقسام أيضاً:

أ- الرياضيات: وهي التي يدرس فيها الموجود من ناحية كونه كمّاً.
ب- الطبيعيات: وهي الفيزيك التي يدرس فيها الموجود من ناحية كونه جسماً.
ج- (الفلسفة الأولى): وهي التي يدرس فيها الموجود لا من ناحية خاصة.

وكل هذه الأقسام كان يطلق عليها اسم الفلسفة، والعالم بها فيلسوفاً.

ب- ما بعد الطبيعة، أو الميتافيزيك :

بعد أن جمعت آثار أرسطو في دائرة المعارف، لاحظوا أن أرسطو لم يضع اسماً خاصاً للقسم الأخير أي للفلسفة الأولى. وبما أنه قد وقع من حيث الترتيب بعد قسم الطبيعيات، أطلقوا عليه اسم ميتافيزيك. وميتا في اللغة اليونانية تعني بعد. وعندما ترجمت هذه اللغة إلى العربية ترجمت بما بعد الطبيعة. ومن هنا صار اصطلاح ما بعد الطبيعة أو الميتافيزيك اسماً خاصاً للقسم الثالث من العلوم النظرية، وهو خصوص الفلسفة الأولى.

وقد أدّت هذه التسمية إلى ترجمتها إلى اللغة العربية بما بعد الطبيعة كما ذكرنا. واشتبه على البعض وتصوّر أن هذا تعريف حقيقي للفلسفة، وأن هذا العلم قد وضع للتعرض للمسائل الغيبية التي لا ربط لها بالطبيعة كالبحث عن الله والروح والملاك وما شابه ذلك. واشتبه آخرون فقالوا إنه ينبغي تسميتها بما وراء الطبيعة. والصحيح ما تقدّم من وجه تسمية هذا العلم بما بعد الطبيعة.

وهي ليست إلا تسميات لهذا العلم الذي لم يضع أرسطو له اسماً خاصاً. وأما التعريف الحقيقي لهذا العلم: فهو العلم الباحث عن الموجود، سواء كان غيبيّاً أم لا، وسواء كان الله أم الروح أم الملاك أو أي موجود آخر لكن من جهةٍ عامة، ومن حيث وجوده.

ويطلق على هذا العلم تسميات أخرى من قبيل: الفلسفة الأولى، تمييزاً لها عن الفلسفة الثانية وهي الرياضيات والثالثة وهي الطبيعيات. ويطلق عليها اسم الفلسفة العليا مقابل الوسطى أي الرياضيات والدنيا أي الطبيعيات، وقد يعبر عنها بعض فلاسفة المسلمين بالإلهيات بالمعنى الأعم.

http://www.alsada.org/gallery/images/fa/0193.gif

خلاصة الدرس

كثيراً ما نسأل عن أشياء لا نعرفها ويكون هدفنا من السؤال أن نعرف معناها اللغوي، فنسأل عن معنى اللفظ، وإذا حصلنا على تعريف اللفظ فيعبّر عنه بالتعريف اللغوي. ولكن إذا كنّا نعرف المعنى اللغوي للفظ ونجهل حقيقته، وسألنا ما هي هذه الكلمة؟ ونريد معرفة حقيقة هذه الكلمة، والجواب عبارة عن معرفة حقيقة الشيء، وهو المعبّر عنه بالتعريف الحقيقي، أو التعريف المعنوي.

والتعريف الحقيقي للفلسفة هو العلم الباحث عن الأحوال العامة للموجود.

وقد ذكرت للفلسفة عدة تعاريف أشهرها أنها ذلك العلم الجامع لكل العلوم النظرية والعملية. وقد يعبر عن الفلسفة بعلم ما بعد الطبيعة أو بالفلسفة الأولى أو الميتافيزيقيا. وأغلب هذه التسميات عبارة عن تعاريف لفظية.

(بنت بغداد)
08-11-2012, 03:52 PM
والله بالفعل الفلسفه ام العلوم والي مادارس هالعلم او ماعنده معلومات عنه اكيد ثقافته تكون ناقصه بارك الله بيج ومشكوره

رضا الله غايتي
21-12-2012, 09:51 PM
شكرا جزيلا لك بحث جميل جداااا

الحوزويه الصغيره
16-01-2013, 02:15 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم

(بنت بغداد)
رضا الله غايتي

أسعدني كثيرا مروركم وتعطيركم هذه الصفحه
اسعد الله قلوبكم وامتعها بالخير دوماً
دمتم بخير وعافية
تحيتي

الحوزويه الصغيره
16-01-2013, 02:43 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم


نبذةٌ عن تاريخ الفلسفة الإسلاميّة


نبذة تاريخية:

يُعدّ تاريخ الفلسفة في الإسلام جزءاً من تاريخ العلوم الإسلامية، سواءً في ذلك العلوم التي أبدعها المسلمون، كالفقه، والأصول، والتفسير، والحديث، والدراية، والرجال، والصرف، والنحو، والمعاني، والبديع، والبيان، أم تلك التي تُرجمت من خارج العالَم الإسلامي، ثمّ صارت جزءاً من علوم المسلمين، كالطبّ والنجوم، والحساب، والهندسة، والمنطق، والفلسفة.

الحياة الفكريّة: إنّ التعرّض للحياة العلميّة والفكريّة لدى المسلمين يضطرّرنا لدراسة الفكر الإسلاميّ منذ نزول الوحي على النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وممّا لا شكّ فيه أنّ القرآن الكريم قد تعرّض في بعض آياته لبعض المسائل العقليّة والفكريّة، وقد استعمل الاستدلالات المنطقيّة والقياسيّة، وحثّ كثيراً على التعقّل والتأمّل والتدبّر.

كما أنّنا نجد في الكلمات المأثورة عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وبالخصوص في الآثار المرويّة عن أمير المؤمنين عليه السلام ، أبحاثاً عقليّةً دقيقةً وعميقةً. وهذا يعني رسوخ التفكير العلميّ والأبحاث العقليّة في المجتمع الإسلاميّ. ومن الشواهد على هذا الجوّ العلميّ السائد آنذاك، الأبحاث الكلاميّة العقليّة والاستدلاليّة، والنقاشات الفكريّة حول الجبر والاختيار والمشيئة الإلهيّة والتفويض وكلام الله وخلق القرآن وما شابه ذلك من الأبحاث التي تعرّض لها المسلمون في بدايات العهد الإسلاميّ.

الحياة الفلسفيّة: بعد قرنين من بزوغ الإسلام ساد المجتمع الإسلاميّ جوٌّ خاصٌّ من الحياة العلميّة العقليّة، هي ما نعبّر عنه بالحياة الفلسفيّة، بدأت بترجمة الآثار اليونانيّة والإسكندرانيّة إلى اللغة العربيّة، وإن كان عهد الترجمة لم يدم طويلاً، حيث تعود الترجمات إلى القرون الثاني والثالث والرابع الهجريّة، وبلغت الترجمة أوجها في خصوص القرن الثالث، لكنّها انحسرت في هذا القرن حيث بدأ المسلمون بالتأليف والتصنيف والتحقيق. ويُعدُّ يعقوب بن إسحاق الكنديّ المتوفّى 260هـ، أوّل فيلسوفٍ إسلاميّ ترك آثاراً ومؤلّفاتٍ كثيرةً.

http://www.alsada.org/gallery/images/fa/0172.gif

مراحل الفلسفة الإسلاميّة:

وبعد أن اتسعت منطقة النفوذ الإسلاميّ، ودخلت في الإسلام أممٌ متنوّعةٌ، خضع كثيرٌ من المراكز العلميّة للنّفوذ الإسلاميّ، فتبادل العلماء العلم والمعلومات، والكتب والمكتبات، من شتى المعارف والعلوم واللغات، ممّا ساعد أيضاً على نموّ الثقافة، لا سيما الفلسفيّة منها.

لكن تبقى المشكلة الأساس هي فقدان اللغة المشتركة والاصطلاحات المتّفق عليها بين المترجمين، والمؤلّفين، والاختلاف في الأُسُس الفلسفيّة بين الشرق والغرب. وهذه المشكلة جعلت تعليم الفلسفة أمراً عسيراً، وعمليّة البحث والاختيار أمراً أشدّ عسراً. لكنّه لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى ظهر نوابغٌ من قبيل أبي نصر الفارابي وابن سينا، وغيرهما ممّن بذلوا جهداً جبّاراً، فتعلّموا مجموعة الأفكار الفلسفيّة في ذلك العصر، وبدأوا بالبحث والاصطفاء، بما مُنحوا من مواهب واستعداداتٍ تفتّحت في ظلّ أنوار الوحي وأحاديث قادة الدين، فصاغوا نظاماً فلسفيّاً ناضجاً يتضمّن أفكار أفلاطون، وأرسطو، والأفلاطونيّين المحدثين، وأفكاراً أخرى جديدةً هم ابتكروها، وإن كانت صبغة الفلسفة الأرسطيّة والمشائيّة هي الغالبة على فلسفتهم.

ثمّ خضع هذا النظام الفلسفيّ للنقد مجدّداً على يد علماء آخرين أمثال: الغزالي، وأبي البركات البغدادي، والفخر الرازي. وفي المقابل أسّس السهروردي مذهباً جديداً خاصّاً عُرف باسم
المذهب الإشراقيّ، مستفيداً من آثار حكماء إيران القديمة، ومقارنتها بأفكار أفلاطون والأفلاطونيّين المحدثين، وإن كانت صبغة الفلسفة الأفلاطونيّة هي الغالبة على فلسفته. وبذلك توفّرت الأرضيّة مجدّداً في الساحة الفكريّة الإسلاميّة، لصراعٍ فكريٍّ فلسفيٍّ جديدٍ بين مدرسةِ أفلاطون ومدرسةِ أرسطو المدعّمتين بالتفكير الإسلامي، ممّا ساعد على نموّ التفكير الفلسفيّ الإسلاميّ.

ومرّت عدّة قرون ظهر فيها فلاسفةٌ عظامٌ كالشيخ نصير الدين الطوسيّ، والمحقّق الدوّاني، والسيد صدر الدين الدشتكي، والشيخ البهائي، والميرداماد، فأغنوا الفلسفة الإسلاميّة بأفكارهم
الخصبة والنيّرة، إلى أن انتهى الأمر إلى صدر الدين الشيرازي المعروف بالملا صدرا، أو بصدر المتألّهين، الذي جاء- نتيجة نبوغه الفريد- بنظامٍ فلسفيٍّ جديدٍ، ركّب بين جميع الفلسفات المتقدّمة عليه بشكل منسجمٍ، وأضفى عليها الغطاء القرآنيّ والروائيّ، مضيفاً أفكاراً عميقةً وآراءً قيّمةً، وسمّى فلسفته بالحكمة المتعالية.

http://www.alsada.org/gallery/images/fa/0172.gif

مسائل الفلسفة:

بعد أن اطلعنا على موضوع الفلسفة وأنّه الوجود أو الموجود بشكلٍ مطلقٍ، وتعرّضنا لنبذةٍ تاريخيّةٍ مختصرةٍ حول سير الفلسفة في الأوساط الإسلاميّة، فمن المناسب جدّاً أن نطّلع على المسائل الفلسفيّة التي يدور البحث عنها في هذا العلم، ولو كإشارةٍ مع بعض التوضيحات حتى يصبح هذا العلم واضحاً عمّا يتحدّث، وحول أيّ شيءٍ يتمحور.

تدور مسائل الفلسفة حول محور الوجود أو الموجود، فهو من قبيل جسم الإنسان بالنسبة لعلم الطبّ، أو من قبيل العدد بالنسبة لعلم الحساب. وجميع مسائل الفلسفة تدور حول هذا الموضوع الذي هو الوجود. ومن الطبيعيّ جدّاً أن لا تتعرّض الفلسفة للبحث عن الموجودات الجزئيّة حيث إنّها لا حصر لها، فهي تتعرّض للبحث عن الوجود من ناحيةٍ كليّةٍ، ولكن يمكن أن نرتقي أكثر من ذلك ونوضّح طبيعة هذه المسائل عبر بيان أنواع المسائل الفلسفيّة:

1- المسائل المرتبطة بالوجود:
والتي تشكّل نقطةً مقابلةً له، أي الماهيّة والعدم. ففي الواقع والعالَم العينيّ لا يوجد شيءٌ سوى الوجود، ولكنّ الذهن البشريّ- القادر على خلق الصور والمفاهيم

- ينتج في مقابل الوجود مفهوم العدم، ومفهوم الماهيّة. وفي الفلسفة الإسلاميّة توجد سلسلةٌ من المسائل ترتبط بالوجود والعدم، وهناك سلسلةٌ أخرى ترتبط بالوجود والماهيّة.

2- المسائل المساوية للوجود:
فهناك بعض الصفات والمسائل التي تبحث عنها الفلسفة وتريد أن تثبتها للوجود وهي عبارةٌ عن أشياء مساويةٌ لنفس الوجود، من قبيل: كلّ وجودٍ هو شيءٌ، وكلّ شيءٍ هو وجودٌ. فالشيئيّة من أحكام الوجود ومساويةٌ للوجود. ومن قبيل العينيّة والخارجيّة فهي مساويةٌ للوجود، فكلّ موجودٍ خارجيٌّ، يعني له عينيّة، وكلّ خارجيٌّ موجودٌ. ومن قبيل الأصالة فإنّها مساويةٌ للوجود، فكلّ وجودٍ أصيلٌ، وكلّ أصيلٌ وجودٌ. والوحدة مساويةٌ للوجود، فكل وجودٍ واحدٌ، وكلّ واحدٍ وجودٌ.

3- المسائل التي تعدّ أخصّ من الوجود:
وهذا النوع هو البحث عن تقسيمات الوجود. فهناك صفاتٌ ومسائلٌ غير مساويةٍ للوجود، ولكن مع ذلك لها مقابلٌ وجوديٌّ. وتكون هذه الصفات مع مقابلها مساويةً للوجود، نذكر منها:
أ- يقسّم الموجودٍ إلى موجود بالفعل أو موجود بالقوة:
فبالفعل وبالقوّة معاً مساويان للوجود. فبعض الموجودات فعليّة بالنسبة لبعض الموجودات بالقوّة، وبعض الموجودات هي موجودات بالقوّة بالنسبة لموجودات فعليّة. فعلى سبيل المثال النطفة والإنسان، تكون النطفة بالقوّة إنساناً، ويكون الإنسانُ فعليةَ النطفة، فالنطفة بالقوّة بالنسبة للإنسان، والإنسان موجود بالفعل بالنسبة للقوّة، ومن قبيل ب- الموجود إمّا خارجيّ أو ذهنيّ،
ج- وإمّا واحدٌ أو كثيرٌ،
د- وإمّا واجبٌ أو ممكنٌ،
ه- وإمّا حادثٌ أو قديمٌ،
و- وإمّا ثابتٌ أو متغيّرٌ، وهكذا.
ومن الطبيعيّ جدّاً أن يكون المراد هو التقسيمات الأوليّة للوجود، أي التي يتصف بها الوجود من الناحية الكليّة، أي من حيث هو وجودٌ، فلا تتعرّض الفلسفة للتقسيمات الثانوية، كتقسيم
الموجود إلى أبيضٍ أو أسود، و كبيرٍ أو صغيرٍ، و مفردٍ أو زوجٍ، وهكذا، فإنّها تقسيمات للموجود لكن بما هو جسمٌ لا بما هو موجودٌ.

4- المسائل المرتبطة بالقوانين الكليّة:
الحاكمة على الوجود، من قبيل العليّة، فإن عالَم الوجود بأسره خاضعٌ لنظام العلّة والمعلول، ومن قبيل الضرورة الحاكمة على نظام العليّة، والتقدّم والتأخر والمعيّة التي هي من مراتب الوجود.

5- المسائل المرتبطة بإثبات طبقات الوجود :
أو ما يعبّر عنه بعوالم الوجود، فالحكماء المسلمون يعتقدون بأنّ للوجود أربع نشآت أو أربعة عوالم كليّة وهي:

عوالِم الوجود:

أ- عالَم الطبيعة ويعبّر عنه بعالَم الناسوت، وهو عالَم المادة والحركة والزمان والمكان، أي عالم الدنيا والمحسوسات.
ب- عالَم المثال ويعبّر عنه بعالَم الملكوت، وهذا العالَم أعلى من الطبيعة، وله صورٌ وأبعادٌ لكنّه يفتقد الحركة والزمان والتغيّر.
ج- عالَم العقل ويعبّر عنه بعالَم الجبروت، وهذا العالم هو عالم العقول وعالَم المعنى المتجرّد عن الصوَر والأشباح وهو فوق عالَم الملكوت.
د- عالَم الألوهيّة ويعبّر عنه بعالَم اللاهوت، وهو عالَم الأحديّة.

ونلاحظ أنّ كلّاً من هذه العوالِم له مسائلٌ ترتبط به، ولكن بعضٌ منها يرتبط بعالَم الطبيعة مع ما فوقها، وهي المسائل التي تتعلّق بالسير النزولي للوجود من عالََم اللاهوت حتى عالَم الطبيعة، وبالسير الصعودي للوجود من عالَم الطبيعة حتى العوالم التي فوقها، خصوصاً بالنسبة للوجود الإنساني، والذي يعبّر عنه بالمَعاد، وهو البحث الذي احتلّ قسماً كبيراً من الفلسفة الإسلاميّة خصوصاً فلسفة الحكمة المتعالية لصدر المتألّهين.

http://www.alsada.org/gallery/images/fa/0172.gif

خلاصة الدرس

1- عند دراسة الحياة العلميّة والفكريّة لدى المسلمين نضطرّ لدراسة الفكر الإسلاميّ منذ نزول القرآن الكريم، فنجد أنّه قد تعرّض لبعض المسائل العقليّة، واستعمل الاستدلالات المنطقيّة والقياسيّة. كما أنّنا نجد في الكلمات المأثورة عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وبالخصوص في الآثار المرويّة عن أمير المؤمنين عليه السلام ، أبحاثاً عقليّةً دقيقةً وعميقةً، وهذا يعني رسوخ التفكير العلميّ في المجتمع الإسلاميّ.

وبعد قرنين من بزوغ الإسلام ساد المجتمع الإسلاميّ جوٌّ خاصٌّ من الحياة العلميّة العقليّة، نعبّر عنه بالحياة الفلسفيّة، بدأت بترجمة الآثار اليونانيّة والإسكندرانيّة إلى اللغة العربيّة، لكنّها
انحسرت في القرن الثالث حيث بدأ المسلمون بالتأليف والتصنيف والتحقيق.

2- وبعد دخول أمم متنوّعة في الإسلام، خضع كثيرٌ من المراكز العلميّة للنّفوذ الإسلاميّ، فتبادل العلماء العلم والمعلومات، ممّا ساعد على نموّ الثقافة، لا سيما الفلسفيّة منها. ولم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى ظهر نوابغٌ من قبيل أبي نصر الفارابي وابن سينا، وغيرهما ممّن بذلوا جهداً جبّاراً في الفلسفة وصاغوا نظاماً فلسفيّاً ناضجاً يتضمّن أفكار أفلاطون، وأرسطو، والأفلاطونيّين المحدثين، وأفكاراً أخرى جديدةً هم ابتكروها.

ثمّ خضع هذا النظام الفلسفيّ للنقد مجدّداً على يد علماء آخرين أمثال: الغزالي، والفخر الرازي. وفي المقابل أسّس السهروردي مذهباً جديداً خاصّاً عُرف باسم المذهب الإشراقيّ. وتوفّرت بذلك الأرضيّة مجدّداً في الساحة الفكريّة الإسلاميّة، لصراعٍ فكريٍّ فلسفيٍّ جديدٍ بين مدرسةِ أفلاطون ومدرسةِ أرسطو المدعّمتين بالتفكير الإسلامي، ممّا ساعد على نموّ التفكير الفلسفيّ الإسلاميّ.

ومرّت عدّة قرون ظهر فيها فلاسفةٌ عظامٌ كالشيخ نصير الدين الطوسيّ، والشيخ البهائي، فأغنوا الفلسفة الإسلاميّة بأفكارهم الخصبة، إلى أن انتهى الأمر إلى الملّا صدرا، الذي أتى بنظامٍ فلسفيٍّ جديدٍ، وأطلق على فلسفته اسم الحكمة المتعالية.

3- تدور مسائل الفلسفة حول محور الوجود، فهو من قبيل جسم الإنسان بالنسبة لعلم الطبّ، والفلسفة لا تتعرّض للبحث عن الموجودات الجزئيّة لأنّها لا حصر لها، ويمكن تقسيمها إلى:

1- المسائل المرتبطة بالوجود والتي تشكّل نقطةً مقابلةً له، أي الماهيّة والعدم.
2- المسائل المساوية للوجود.
3- المسائل التي تعدّ أخصّ من الوجود.
4- المسائل المرتبطة بالقوانين الكليّة: الحاكمة على الوجود، من قبيل العليّة.
5- المسائل المرتبطة بإثبات طبقات الوجود، أو ما يعبّر عنه بعوالم الوجود. فالحكماء المسلمون يعتقدون بأنّ للوجود أربعة عوالم كليّة وهي:

أ- عالَم الطبيعة ويعبّر عنه بعالَم الناسوت.
ب- عالَم المثال ويعبّر عنه بعالَم الملكوت.
ج- عالَم العقل ويعبّر عنه بعالَم الجبروت.
د- عالَم الألوهيّة ويعبّر عنه بعالَم اللاهوت.

الحوزويه الصغيره
26-04-2013, 05:27 AM
http://www.alsada.org/gallery/images/bas/0033.gif

اللهم صل على محمد و آل محمد و عجل فرجهم و فرجنا بهم يا كريم

تقسيم الأبحاث الفلسفية

http://www.alsada.org/gallery/images/fa/0199.gif

دور المسلمين في العلوم:

يتفق المحقّقون والمؤلّفون في تاريخ العلوم على أنّ كلّ هذه العلوم المذكورة في بداية الدرس، تطوّرت وتكاملت في العالم الإسلاميّ، وكان للمسلمين من خلالها دور بارز في تقدّم الثقافة البشريّة وتكامل العلوم.

يقول دليس أوليري: "إنّ ما وصل من اليونان إلى العرب (المسلمين)، لم ينتقل إلى الآخرين كما كان في البداية وبدون أيّ تغييرٍ، وإنّما لا بدّ من القول بأنّ العلوم اليونانيّة، كانت قد اتخذت لنفسها حياةً، ونشوءاً، ونموّاً خاصّاً، في المحيط العربيّ (الإسلاميّ). فلقد استوعب هؤلاء أعمال الهنود واليونان في النجوم، والرياضيّات، ثمّ نظّموها ورتّبوها ترتيباً جيّداً. ولهذا تقدّم هذان الفرعان من العلوم تقدُّماً ملحوظاً، على أيدي الناطقين بالعربيّة.

ويمكن القول بأنّ علم الجبر، والمثلّثات المستوية والكرويّة، كانت من العلوم التي أوجدها العلماء العرب (المسلمون) ووسّعوها. فلقد أفلح هؤلاء في الأرصاد الفلكيّة، وإعداد كتب الزيجات ، بمهارةٍ كاملةٍ. ولم يكتفوا بتوسعة ما أخذوه عن اليونان، بل دقّقوا في الزيجات والأرصاد القديمة، وقاموا بإصلاحها".

وقد زاد عدد المسائل الفلسفيّة على يد الفلاسفة المسلمين. فقد كانت في عهد اليونان ما يقارب المئتي مسألة، فصارت في العهد الإسلاميّ سبع مائة مسألة، أي زادت ثلاثة أضعاف ونصفاً، وهذا يدلّ على مدى تأثير الحكماء المسلمين في مسائل الفلسفة، وتعمّقهم فيها، وتأثيرهم بحيث يمكن القول إنّها صارت فلسفةً جديدةً.

التقسيم التاريخي لأبحاث الفلسفة الإسلاميّة:

ويمكن إلقاء نظرة تاريخيّة على هذه الأبحاث المتقدّمة، ومدى دخالة الحكماء المسلمين فيها، بعد أن تقدّم منّا أن لحكماء المسلمين دوراً مهمّاً في مسائل الفلسفة. وعلى هذا الصعيد يمكن تقسيم مسائل الفلسفة إلى خمسة أنواع:

1- المسائل التي بقيت على صورتها الأولى:

ولم يحدث فيها أي تغييرٍ أو تكميلٍ تقريباً، من هذا القبيل مباحث المقولات العشر، العلل الأربع، قوى النفس، فإنّ هذه المسائل قد احتفظت بمظهرها العام إجمالاً، أي إنّ التغيير الحاصل عليها لم يكن بدرجةٍ أخرجها فيها عن صورتها الأولى. فالمقولات قد تعرّض لها الحكماء المسلمون. وأورد ابن سينا تحقيقاتٍ قيّمةً فيها، وكذلك من بعده الملّا صدرا، وغيرهما من الحكماء، إلا أنّ شكل المقولات العشر والمظهر العام لها ما زال على حاله من عهد أرسطو.

2- المسائل التي أكملها الفلاسفة المسلمون:

بنحوٍ ثبّتوا أُسُسَها، ورسّخوا استدلالها، إمّا بتغيير برهانها، أو بإضافة براهين جديدةٍ عليها. ومن هذا القبيل مسألة امتناع التسلسل ، تجرّد النفس، إثبات الواجب، توحيد الواجب. وتجدر الإشارة إلى البراهين القيّمة التي أضيفت إليها، فإنّ إضافة البراهين لها قيمة عاليةٌ في الفلسفة، بخلافه في الرياضيّات، فإنّ المفاهيم الرياضيّة لسهولتها تقتنع النفس بها وتصدّقها من خلال برهانٍ واحدٍ، وإضافة أي برهانٍ جديدٍ يعدّ لوناً من التفنّن الفكريّ لا غير. أمّا في الفلسفة فلصعوبة مفاهيمها ومطالبها فإنّ النفس قد لا تقتنع من برهانٍ واحدٍ، لذلك فإنّ أي برهانٍ جديدٍ قد يكون أسهل لبعض الأذهان من غيره، وهذا يضفي على الإكثار من البراهين الفلسفية قيمة رفيعة.

وأوضح مثالٍ على هذا النوع من المسائل هو برهان التسلسل، فقد ذكر أرسطو برهاناً واحداً على امتناع التسلسل، ولكنّ المتأخرين ذكروا ما يقارب عشرة براهين. وهناك برهان ذكر عن الميرداماد، وآخر عن صدر المتألهين.

وكذلك مسألة إثبات الواجب، فقد ذكر القدماء برهان المحرّك الأوّل، ولكن استطاع المسلمون أن يقيموا براهين عدّةً ومحكمةً لإثبات الواجب، فقد ذكر ابن سينا برهاناً عن طريق الوجوب والإمكان، اسماه ببرهان الصدّيقين، وجاء
صدر المتألّهين ليذكر برهان الصديقين الخاص به القائم على أسس فلسفته هو، بشكلٍ مختلفٍ عن برهان ابن سينا.

3- المسائل التي ظلّت على عنوانها ولكن تغيّر محتواها تغيراً كليّاً في العهد الإسلاميّ:

فهي رغم قدمها إلا أنها كانت مبهمةً وغير واضحةٍ. وبالتدريج اتضحت وظهرت وبذلك يكون المحتوى والمضمون لهذه المسائل قد تغيّر بالكامل، بحيث لو عُرضت على قائلها لما عرف منها إلا اسمها.

ومن ذلك "المثل الأفلاطونيّة"، فإنّ القول بالمثُل اشتهرت نسبته إلى أفلاطون، وقام أرسطو في مواجهة هذه النظريّة، وهاجمها ابن سينا في العهد الإسلاميّ بشدّةٍ، إلا أنّه تبنّاها شيخ الإشراق السهروردي، وأيّدها الميرداماد، حتى جاء صدر المتألّهين ليهاجم ابن سينا ويدافع عن هذه النظرية بشدةٍ. ولو راجعنا عبارات القائلين بنظريّة المثل لوجدنا أنّهم مختلفون في المضمون وما يريدون إثباته من خلالها، ولا يتّفقون إلا بالإسم.

4- المسائل المستحدثة:

وهي المسائل التي طُرحت ولأوّل مرّةٍ في العهد الإسلاميّ، فعنوانها ومحتواها لم يطرحا من قبل. وهذه المسائل تشكّل العمود الفقري للفلسفة الإسلاميّة.

وأبرز تلك المسائل هي مسائل الوجود، كالبحث عن أصالة الوجود، والوجود الذهني، أحكام العدم، امتناع إعادة المعدوم، ملاك الاحتياج إلى العلّة، أقسام الحدوث، الحركة الجوهرية، المعاد الجسماني البرزخي، العلم البسيط الإجمالي للباري.

5- المسائل التي تغيّر موضعها في العلوم:

وهي المسائل التي كانت تدرج في الطبيعيّات أو المنطق، لكنها نقلت بالتدريج في العهد الإسلاميّ لتدرج في الفلسفة الأولى.

من هذا القبيل مبحث المقولات، فقد ذكرها أرسطو في المنطق، وتابعه على ذلك ابن سينا فذكرها في "منطق الشفاء"، و"منطق النجاة"، لكن بالتدريج أدرجها الفلاسفة المسلمون ضمن أبحاث الفلسفة الأولى.

ومن قبيل مبحث الحركة، فقد ذكرها أرسطو في كتاب الطبيعيّات، باعتبار أن الحركة من مسائل الجسم الطبيعيّ، وتابعه على ذلك ابن سينا. لكن عندما جاء صدر المتألّهين أثبت الحركة في الجوهر، وصار هذا البحث من المقومات الحقيقية لوجود الجسم فأدخلت في مباحث الفلسفة الأولى.

ومن هذا القبيل مباحث النفس، فقد ذكرها أرسطو في كتاب الطبيعيّات، وتابعه على ذلك ابن سينا، وقال الأخير في كتاب "إلهيات الشفاء": إنّ بعض المسائل ذات وجهين، فمن جهة تدخل في أبحاث الطبيعيّات، ومن جهةٍ أخرى تدخل في أبحاث الفلسفة الأولى. وقد غلب صدر المتألّهين الجهة الثانية على الجهة الأولى.

http://www.alsada.org/gallery/images/fa/0199.gif

خلاصة الدرس

يتفق المحقّقون في تاريخ العلوم على أنّ كلّ هذه العلوم المذكورة تطوّرت وتكاملت في العالم الإسلاميّ، وكان للمسلمين من خلالها دور بارز في تقدّم الثقافة البشريّة وتكامل العلوم.

يمكن تقسيم مسائل الفلسفة إلى خمسة أنواع:

1- المسائل التي بقيت على صورتها الأولى، ولم يحدث فيها أي تغييرٍ أو تكميلٍ تقريباً.
2- المسائل التي أكملها الفلاسفة المسلمون، بنحوٍ ثبّتوا أُسُسَها، ورسّخوا استدلالها، إمّا بتغيير برهانها، أو بإضافة براهين جديدةٍ عليها.
3- المسائل التي ظلّت على عنوانها ولكن تغيّر محتواها تغيراً كليّاً في العهد الإسلاميّ.
4- المسائل المستحدثة، وهي المسائل التي طُرحت ولأوّل مرّةٍ في العهد الإسلاميّ.
5- المسائل التي تغيّر موضعها في العلوم، وهي المسائل التي كانت تدرج في الطبيعيّات أو المنطق، لكنها نقلت بالتدريج في العهد الإسلاميّ لتدرج في الفلسفة الأولى.

الحوزويه الصغيره
26-04-2013, 05:46 AM
http://www.alsada.org/gallery/images/bas/0033.gif

اللهم صل على محمد و آل محمد و عجل فرجهم و فرجنا بهم يا كريم

المدرسة المشائية

http://www.alsada.org/gallery/images/fa/0199.gif

تمهيد:

بعد أن تعرّضنا لنبذةٍ عن سير الفلسفة الإسلاميّة، لا بأس بالإشارة إلى أهمّ المدارس الفلسفيّة التي سادت في الأوساط العلميّة الإسلاميّة، وتأثّر بها الحكماء المسلمون. وقد درج الباحثون في تاريخ الفلسفة لا سيما الإسلاميّة على التعرّض لهذه المدارس العلميّة. وقد اتضحت الفروق بين هذه المدارس بشكل أكثر كلّما ترسّخت فلسفةٌ جديدةٌ وكثر مناصروها ومحاربوها، ممّا ساعد على البحث والتنقيح لإثبات ميزات الفلسفة البديلة وكشف عيوب الفلسفة المناوئة. ومن أبرز تلك المدارس: الفلسفة المشّائيّة، الفلسفة الإشراقيّة، وفلسفة الحكمة المتعالية.

1- الفلسفة المشّائية:

أ- سبب التسمية:

يُنقل عادةً لتسمية هذه الفلسفة بالمشّائية سببان أساسان:
الأول: ما يذكره صاحب الملل والنحل "أمّا المشّاؤون بشكل مطلق فهم من أهل لوقين وأفلاطون لاحترامه الحكمة كان يعلّمها دائماً وهو في حال المشي، وتبعه على ذلك أرسطو، ومن هذا الباب سُمي (والظاهر أنّه أرسطو) وأتباعه بالمشّائين".

الثاني: إنّ أتباع هذه المدرسة يتّبعون المنهج العقليّ- على ما سيأتي توضيحه- وهو أنّهم يسيرون من المقدّمات ليشكّلوا الدليل حتى يصلوا إلى النتيجة، وهم يرفضون أيّ منهجٍ آخر، ولهذا المشي العقليّ وسموا بالمشّائين. "وإذا أردنا أن نستعمل كلمةً وتسميةً تحمل في طيّاتها طريقتهم الفلسفيّة فلا يوجد أفضل من كلمة الاستدلاليين ".

المعلّم الأول:

استطاع أرسطو وهو تلميذ أفلاطون، وكبير فلاسفة اليونان، أن يؤسّس مدرسةً فلسفيّةً عظيمة، سيطرت على التفكير البشريّ بشتى اتجاهاته لفترة قرونٍ متواليةٍ، وما ذلك إلا للأسُس المنطقيّة والعقليّة التي وضعها في قالبٍ علميٍّ دقيقٍ. ويعود الفضل الكبير في تدوين هذه القواعد، وإخراجها من فطرة التفكير البشريّ السليم إلى حيّز التقنين والقواعد، لتشكل علماً مستقلاً، وقواعد عقليّةً يرجع إليها في فصل الخصومات، ويبنى على أساسها الفكر الصحيح، والاستدلال القويم، يعود ذلك كلّه إلى أرسطو، ولذلك حاز لقب المعلّم الأول. ولم يزل كثيرٌ من قواعد هذه المدرسةِ التي أسّسها يُعمل بها إلى عصرنا الحاليّ.

الفلسفة المشائيّة في الأوساط الإسلاميّة:

انتقلت هذه الفلسفة من اللغة اليونانيّة إلى الأوساط العربيّة على يد المترجمين في عهد الترجمة الإسلاميّة. وكان من أبرز الفلاسفة العرب المسلمين يعقوب بن إسحاق الكنديّ، إلا أنّ "دوره لم يتجاوز الشرح والتفسير بالنحو الذي يجعلها مطابقةً مع الأفكار الأساسيّة في الدين الإسلاميّ".

وظلّت الحركة الفكريّة في الأوساط الإسلاميّة تتناقل أفكار حكماء هذه المدرسة، ترجمةً وشرحاً وتفسيراً، حتى جاء دور العلَمين الكبيرين، أبي نصر الفارابي الملقّب بالمعلّم الثاني، وأبي علي بن سينا الملقّب بالشيخ الرئيس، وهو رئيس المدرسة المشائيّة في الفكر الإسلاميّ. فقد استطاع هذان العَلَمان- بعد هضم الفلسفات والأفكار السابقة والمطروحة ونقدها- تطويرَ كثيرٍ من الأصول الفلسفيّة حتى بلغت المدرسة المشّائية الرشد والكمال المطلوب.

لم يكن للفلسفة قبل هذين العلَمين كيان مستقل عن فلسفة أرسطو، وسائر الفلسفات المنقولة. لكن بالجهود الجبّارة التي بذلاها خرجت الفلسفة ككيانٍ مستقلٍّ في الأوساط الفكريّة الإسلاميّة، وروّجا لهذه الفلسفة بشكلٍ كبيرٍ جدّاً ولذلك استحقّا بكل تقديرٍ هذه الألقاب التي أُضيفت إليهما.

ميّزات المدرسة:

إنّ لكلّ مدرسةٍ طريقةَ تفكيرٍ خاصةً بها، وأسلوبَ بحثٍ يختلف عن المدارس الأخرى، لذلك بقواعدها وطريقتها وأسلوبها تشكّل مدرسةً مستقلّةً. ومن الضروري جدّاً التعرّف إلى خصائص وميّزات كلّ مدرسةٍ على حدةٍ، ليمكن تمييزها وأتباعها عن الأخرى، وعلى هذا فالمدرسة المشائيّة تمتاز بعدّة خصائص وميّزات.

الأولى: المنهج العقليّ الذي يعتمد عليه في تحقيق المسائل الفلسفيّة، حتى في المسائل المتعلّقة بالأخلاق والسياسة، فإنّ هذه المدرسة حاولت أن تستخرج مسائلها من المبادئ العقليّة عبر الطرق المنطقيّة. ومن هنا نجد أنّ المحور الأساس الذي يقوم عليه البناء الفلسفيّ لمدرسة الشيخ الرئيس هو حاكميّة المنهج العقليّ. ونجد من أهمّ الخطوط العريضة العامة التي تحكم هذا النوع من التفكير، هو الموقف السلبيّ تجاه المكاشفة والشهود. وهي تبتنى على أن الطريق الوحيد للمعرفة هو العقل، وأن طريق إثباتها للآخرين هو الاستدلال العقليّ لا غير.

الثانية: إنّ الروح العامّة التي تحكم هذه الفلسفة هي الاهتمام بالإلهيّات خصوصاً، وبأبحاث الفلسفة الأولى عموماً. ويبدو ذلك واضحاً من خلال مراجعة أبحاث هذه الفلسفة، ومؤلفاتها.

الثالثة: تحاول هذه الفلسفة أن تربط أبحاثها الفلسفيّة بقضايا الإنسان، لذلك نجدها تهتمّ بالقضايا الأخلاقيّة، وانتقلت هذه المسألة إلى الفلاسفة المسلمين، فجعلوا ذلك من صميم أفكار فلسفتهم الأساسيّة. وهذا يعني وجود بعدٍ عمليّ طُعِّمت به الفلسفة النظريّة لمعالجة مشاكل الحياة الإنسانيّة.

فلاسفة هذه المدرسة:

يمكن أن نذكر أهمّ الفلاسفة المسلمين الذين ينتمون إلى المدرسة المشائيّة، ونعدّ منهم يعقوب بن إسحاق الكندي، أبا نصر الفارابي، أبا علي بن سينا، الخواجة نصير الدين الطوسي، الميرداماد، ابن رشد الأندلسي، وابن باجة الأندلسي، ويعتبر الشيخ الرئيس هو الفيلسوف الكامل والبارز لهذه المدرسة.

والأعم الأغلب من كتب هؤلاء الفلاسفة يبتنى على المنهج العقلي والاستدلالي، ونذكر منها بعض كتب الشيخ الرئيس كالإشارات والتنبيهات، وقد شرح هذا الكتاب الشيخ الطوسي، وكتب:

الشفاء، التعليقات، المباحثات، المبدأ والمعاد، النجاة، وعيون الحكمة.

الموقف من الشريعة:

وبما أنّ هذه الفلسفة قد تبناها هؤلاء الفلاسفة المسلمون، شرحاً وتكميلاً وتدعيماً وبناءً جديداً، فمن المفروض أن تأخذ هذه الفلسفة طابعها الإسلاميّ، وتكون موافقة في أصولها العامة وخطوطها الكليّة لأفكار الشريعة الإسلاميّة.

لذلك كان أتباع هذه الفلسفة بصدد المطابقة بين المقولات الفلسفيّة التي يتبنونها نظريّاً وبين معطيات الشريعة التي يعتقدون بها عمليّاً، وما ذلك إلا لأنّهم كانوا عباقرةً مسلمين قبل أن يكونوا فلاسفةً مشّائين. ومن هنا لا يمكن أن نعتبر هذه الفلسفة أنها فلسفة عقليّة محضةً ولا تعتني أبداً بالمطابقة بين محتواها وبين الشريعة محتواها للشريعة السمحاء.

تقويم هذه المدرسة:

بعد اكتمال هذه المدرسة ونضوجها في الأوساط الإسلاميّة، يبقى السؤال عن مدى قدرتها على المطابقة بين العقل والشريعة. فهل استطاعت هذه الفلسفة أن تثبت المعطيات الأساس للدين الإسلاميّ من خلال القواعد العقليّة والمنطقيّة التي تتبناها على مستوى النظريّة؟ وبتعبيرٍ آخر: هل استطاعت هذه الفلسفة أن تبني صرحاً فلسفيّاً مدعّما بالعقل والبرهان يوافق أصولَ الشريعة وموازينها؟

"يمكن القول: إنّ المدرسة المشائيّة لم يحالفها التوفيق كثيراً في هذا المجال، بالأخص في البحوث المرتبطة بعلم النفس الفلسفيّ، وعلم المعاد، وكذلك ما يرتبط بالنشآت الوجوديّة التي سبقت عالمنا المشهود، وغيرها من المسائل الأساسيّة الكثيرة التي أخفقت في تحقيقها فلسفيّاً وعقليّاً".

ولعلّ أبرز أسباب هذا الإخفاق هو اعتمادهم على القواعد العقليّة التي أسّسوها، ومعاملتهم لها معاملة النصوص المنزلة التي لا يمكن المساس بها، وأنّها قضايا عقليّةٌ ضروريّةٌ لا تقبل الخطأ ولا النقد ولا التمحيص. ولذلك أخذوا بالتفكير بالمعطيات الشرعيّة والدينيّة، محاولين تطبيقها على هذه القواعد الفلسفيّة المعصومة بنظرهم، فوقعوا في إشكاليّة "وورطة تأويل النصوص الدينيّة بما ينسجم مع النتائج العقليّة".

فكأنّ التفكير الباطنيّ لهؤلاء الفلاسفة كان يعتمد على أنّ معطيات العقل لا تقبل البحث والنقد، بخلاف المعطيات الشرعيّة، حيث تقبل الأخيرة التفسير والتأويل والتطبيق، فابتعدوا بذلك عن ظواهر الشريعة، فواجهوا تيّاراً فكريّاً من المتكلّمين المسلمين يتّهمهم بعدم رعاية حرمة ظواهر الشريعة، واهتمامهم الشديد بحرمة مقولاتهم العقليّة والمنطقيّة.

http://www.alsada.org/gallery/images/fa/0199.gif

خلا صة الدرس

سادت في الأوساط العلميّة الإسلاميّة بعض الفلسفات، وتأثّر بها الحكماء المسلمون، من أبرزها، الفلسفة المشّائيّة، الفلسفة الإشراقيّة، وفلسفة الحكمة المتعالية.

1- الفلسفة المشائيّة: استطاع أرسطو أن يؤسّس مدرسةً فلسفيّةً عظيمةً سيطرت على التفكير البشريّ بشتى اتجاهاته لفترة قرونٍ متواليةٍ. ولم يزل كثيرٌ من قواعد هذه المدرسةِ التي أسّسها يُعمل بها إلى عصرنا الحاليّ.

ثم انتقلت هذه الفلسفة إلى الأوساط الإسلاميّة، وظلّت الحركة الفكريّة تتناقل أفكار حكماء هذه المدرسة حتى جاء دور العلَمين الكبيرين، أبي نصر الفارابي، وأبو علي بن سينا، فبلغت المدرسة المشائية الرشد والكمال المطلوب. وقد تميّزت بأمورٍ:
الأول: اعتمادها المنهج العقليّ في تحقيق المسائل الفلسفيّة، حتى في المسائل المتعلّقة بالأخلاق والسياسة.
الثاني: اهتمامها بالإلهيّات خصوصاً، وبأبحاث الفلسفة الأولى عموماً.
الثالث: تحاول هذه الفلسفة أن تربط أبحاثها الفلسفيّة بقضايا الإنسان، لذلك نجدها تهتمّ بالقضايا الأخلاقيّة، وهذا يعني وجود بعدٍ عمليّ طُعِّمت به الفلسفة النظريّة لمعالجة مشاكل الحياة الإنسانيّة.

لكن يبقى السؤال عن مدى قدرتها على المطابقة بين العقل والشريعة، فهل استطاعت أن تبني صرحاً فلسفيّاً مدعّما بالعقل والبرهان يوافق أصولَ الشريعة وموازينها؟

يمكن القول: إنّ المدرسة المشائيّة لم يحالفها التوفيق كثيراً في هذا المجال، بالأخص في البحوث المرتبطة بعلم النفس الفلسفيّ، وعلم المعاد، ولعلّ أبرز أسباب هذا الإخفاق هو اعتماد أتباعها على القواعد العقليّة التي أسّسوها، وتعاملهم معها على أنّها قضايا عقليّةٌ ضروريّةٌ لا تقبل الخطأ ولا النقد ولا التمحيص.

الحوزويه الصغيره
26-04-2013, 06:03 AM
http://www.alsada.org/gallery/images/bas/0033.gif

اللهم صل على محمد و آل محمد و عجل فرجهم و فرجنا بهم يا كريم

المدرسة الاشراقية

http://www.alsada.org/gallery/images/fa/0199.gif

شيخ الإشراق:

يعتبر الشيخ شهاب الدين السهروردي شيخ الإشراق(549-587 هـ)، زعيماً لهذه المدرسة في العصر الإسلاميّ. وهو ينسب في أول كتابه "حكمة الإشراق" امتداد هذه المدرسة لجماعة من الفلاسفة المتقدمين اليونانيين أمثال فيثاغورس وأفلاطون، معتبراً أنّهم كانوا من دعاة الحكمة الذوقيّة الإشراقيّة، زاعماً أنّ أفلاطون هو شيخ الإشراقيّين. ونحن لا يهمّنا مدى صحّة هذا الزعم، وأنّه كان بصدد تأييد فلسفته هذه بانتسابها للحكماء السابقين أم لا، وما يهمّ هو أنّه أسّس مدرسةً في الأوساط الإسلاميّة، تختلف عن المدرسة المشائيّة، عُرفت بِاسمِ المدرسة الإشراقيّة، أو بفلسفة الإشراق.

سبب التسمية:

لماذا يُطلق على هذه المدرسة اسم فلسفة الإشراق؟

الإشراق يعني انبثاق النور. ومن خلال هذه الكلمة أراد أصحاب هذه المدرسة أن يبيّنوا المنهج الذي يعتمدون عليه، بحيث يميّزهم عن المنهج المشّائي. يقول المحققون: إنّ سبب ذلك هو أنّ العلم نورٌ يُشرق في قلب العارف، فهم يعتقدون "أنّ مثل القلب مثل المرآة المجلوّة المصقولة، محاذياً للّوح المحفوظ وما عليه من العلوم والحقائق الإلهيّة، فكما لا يمكن أن يكون شيءٌ محاذياً للمرآة المصقولة ولا يؤثر فيها، فكذلك لا يمكن أن يكون شيءٌ محاذياً للوح المحفوظ وهو لا يرى في المرآة القلبيّة الصافية". فهم يدّعون أنّهم بتطهير القلب من أدران الذنوب، وبصقل النفوس من أوساخ التعلّقات الدنيويّة، تشرق العلوم والمعارف في قلوبهم، فيطّلعون على حقائق الأشياء.

ميّزات الفلسفة الإشراقيّة:

يميّز هذه المدرسة عن غيرها من المدارس اعتمادها في تحصيل معارفها على عدة أمورٍ:

الأول: العقل والاستدلال المنطقيّ والفلسفيّ، فالسهروردي يقول في كتابه "المشارع والمطارحات": "ومن لم يتمهّر في العلوم البحثيّة، فلا سبيل إلى كتابي الموسوم بحكمة الإشراق. وهذا الكتاب ينبغي أن يقرأ قبله وبعد تحقيق المختصر الموسوم بالتلويحات".

الثاني: الذوق الفطري وصفاء الباطن، "وأمّا أنت إذا أردتَ أن تكون عالماً إلهيّاً من دون أن تتعب وتداوم على الأمور المقرّبة من القدس، فقد حدّثتَ نفسَك بالممتنع، أو شبيه الممتنع، فإن طلبتَ واجتهدت لا تلبث زماناً طويلاً إلا ويأتيك البارقة النورانيّة وسترتقي إلى السكينة الإلهيّة الثابتة".

فهذه المدرسة في الوقت الذي تتحرّى فيه الدليل العقليّ والاستدلال المنطقيّ والفلسفيّ، تبتنى على كمال الطالب المعنوي، ورياضته الروحيّة في جلاء الباطن حتى يصفو القلب من الكدورات، فتشرق في أعماقه المعارف. وعلى هذا فإنّ حكمة الإشراق تسعى لإيجاد الرابطة بين عالم العقل والاستدلال وعالم الإشراق، وبعبارةٍ أخرى بين الاستدلال العقلي والشهود الباطنيّ، فهي برزخٌ بين الفلسفة المشائيّة والكلام وبين التصوّف، فمزجت بين المنهجين ممّا جعلها مدرسةً مستقلّةً.

بل تترقى هذه الفلسفة لتقارن بين المشاهدة والبرهان: "وأمّا من حيث وجدان الدليل وتأكد البرهان المبين، فإن المشاهدة أقوى من الاستدلال (...) وقد سئل بعض الصوفيّة: ما الدليل على وجود الصانع؟ فقال: قد أغنى الصباح عن المصباح".

الثالث: اعتمادها على ظواهر القرآن الكريم، والسنّة الشريفة، وهذا ملحوظ في كثيرٍ من أبحاثها ومطالبها، فعلى سبيل المثال عند تفسيره للوطن يقول السهروردي: "ومعنى قوله تعالى في كلامه المجيد ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً﴾، فالرجوع يقتضي سابقة الحضور، ولا يقال لمن ما رأى مصر: ارجع إلى مصر. وإيّاك أن تفهم من الوطن دمشق أو بغداد وغيرهما، فإنهما من الدنيا، وقد قال الشارع (حب الدنيا رأس كلّ خطيئة).

وعلى هذا تكون هذه الفلسفة قد مزجت بين العقل والشهود والقرآن الكريم والسنّة الشريفة، طبعاً على مستوى النظريّة.

الرابع: سعت هذه المدرسة لتقدّم رؤيةً كونيّةً، عن الوجود والكون والله والآخرة. ومن هنا نجدها تتعرّض لأهمّ النظريّات التي ذكرها أفلاطون، وتدافع عنها بأسلوبها وطريقتها، وهي المثُل الأفلاطونيّة، والروح، والاستذكار.

تقويم هذه المدرسة:

لقد استطاعت هذه المدرسة أن تتخلّص من المشكلة التي واجهت المدرسة المشائيّة، وأوجدت لقواعدها ورؤيتها أصولاً مستقاةً من أكثر من منبعٍ واحدٍ، وحاولت أن تمزج بين هذه المباني، فتعتمد عليها جميعاً، خصوصاً أن مؤسّسها فيلسوفٌ مسلمٌ مطلّعٌ على الكتاب الكريم والسنّة النبويّة، وقد اطلع على الفلسفات السابقة عليه، وهو كما اشتهر عنه نابغة عصره، وآثاره ومدرسته دليلٌ على ذلك. لكن إلى أيّ حدّ استطاعت هذه المدرسة أن تطبّق النظريّة على الواقع؟ وكم كانت قدرتها على إثبات هذه الدعاوى من استعمال كلّ هذه الأصول في إثباتها ذوقيّاتها ومعارفها؟ إنّ الإجابة على هذا السؤال بحاجةٍ إلى دراسةٍ عميقةٍ لآراء هذه المدرسة، وتتبع نتاجها العلميّ والذوقيّ، ولكن يمكن القول، بنحو الإجمال: لم تستطع هذه المدرسة أن تحقّق النجاح العملي الذي حقّقته على مستوى التنظير، وإنّما كان حليف مدرسة الحكمة المتعالية.

أهم كتب السهروردي:

لشيخ الإشراق مصنّفات كثيرة، جُمعت مؤخراً تحت عنوان مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق، مؤلفة من خمسة مجلدات، تحوي كلّ مؤلفاته ورسائله وكتبه العربية والفارسيّة،وأشهرها:

1- حكمة الإشراق.
2- المطارحات.
3- التلويحات.
4- اللمحات.
5- الألواح العماديّة.
6- هياكل النور.
7- المقاومات.

ويمكن القول على العموم إنّ أغلب لغة هذه المؤلفات رمزيّة، لا يمكن فهمها على ظاهرها دون اطلاعٍ على مدرسته واصطلاحاتها ورموزها.

http://www.alsada.org/gallery/images/fa/0199.gif

خلاصة الدرس

فلسفة الإشراق: يعتبر الشيخ شهاب الدين السهروردي شيخ الإشراقيين في العصر الإسلاميّ. والذي يميّز هذه المدرسة عن غيرها من المدارس اعتمادها في تحصيل معارفها على عدة
أمورٍ:

الأول: العقل والاستدلال المنطقيّ والفلسفيّ.
الثاني: الذوق الفطري وصفاء الباطن.
الثالث: اعتمادها على ظواهر القرآن الكريم، والسنّة الشريفة.
وعلى هذا تكون هذه الفلسفة قد مزجت بين العقل والشهود والقرآن الكريم والسنّة الشريفة، على مستوى النظريّة.
الرابع: سعت هذه المدرسة لتقدّم رؤيةً كونيّةً، عن الوجود والكون والله والآخرة.

وقد استطاعت هذه المدرسة أن تتخلّص من المشكلة التي واجهت المدرسة المشائيّة، وأوجدت لقواعدها ورؤيتها أصولاً مستقاةً من أكثر من منبعٍ واحدٍ، وحاولت أن تمزج بين هذه المباني، فتعتمد عليها جميعاً. لكن إلى أيّ حدّ استطاعت هذه المدرسة أن تطبّق النظريّة على الواقع؟

إنّ الإجابة على هذا السؤال بحاجةٍ إلى دراسةٍ عميقةٍ لآراء هذه المدرسة، وتتبع نتاجها العلميّ والذوقيّ. ولكن يمكن القول، بنحو الإجمال: لم تستطع هذه المدرسة أن تحقّق النجاح العملي الذي حقّقته على مستوى التنظير.

الحوزويه الصغيره
26-04-2013, 07:01 PM
http://www.alsada.org/gallery/images/bas/0033.gif

اللهم صل على محمد و آل محمد و عجل فرجهم و فرجنا بهم يا كريم

صدرا والحكمة المتعالية

http://www.alsada.org/gallery/images/fa/0199.gif

تمهيد:

يمكن القول إنّ الفكر الفلسفيّ السائد هذه الآونة، ولا سيما في الأوساط العلميّة الإسلاميّة وخصوصاً في الحوزات العلميّة، هو فكر وفلسفة الحكمة المتعالية، التي أرسى دعائمَها وأسّس قواعدَها في القرن الحادي عشر الهجريّ صدرُ الدين الشيرازيّ، الملقّب بصدر المتألّهين أو بالملا صدرا. ولا يمكن دراسة هذه الفلسفة من دون إطلالةٍ على الحياة العلميّة لهذا الرجل العظيم.

من هو صدر؟

ولد في شيراز دون أن تحدّد بالدقة سنة ولادته ، من والدٍ صالحٍ اسمه إبراهيم بن يحيى القوامي، وقيل إنّه كان أحد وزراء دولة فارس. وكان هو الولد الوحيد حيث حظي باهتمامٍ كبيرٍ عند والده، الذي وجّهه لطلب العلم، فبدأ دراسته في شيراز عاصمة الدولة آنذاك. وانتقل بعد وفاة والده إلى أصفهان، وأنفق كلّ ماله الذي ورثه في تحصيل العلم، فتتلمذ على يد الشيخ بهاء الدين العامليّ (953- 1031هـ)، الذي وجّهه بعد فترة إلى فيلسوف عصره السيّد محمد باقر الداماد ( المتوفّى سنة 1040 هـ). ويمكن تقسيم حياة فيلسوفنا العلميّة إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى، التلمذة:

حيث كان يتتبّع آراء المتكلّمين والحكماء ومناقشاتهم، ولم يكن في هذه المرحلة قد نضج من الناحية الفلسفيّة، ولم ينفتح له المسلك العرفانيّ. وفي هذه الفترة " استوعب في هذا المجال من حكماء اليونان خصوصاً، أفلاطون وأرسطو، وما أبانته دراسات كبار حكماء الإسلام كالفارابيّ وابن سينا وشيخ الإشراق وغيرهم، وما ابتكره هؤلاء، كما هضم ما وصل إليه كبار العرفاء عن طريق الذوق والوجدان".

لكن مع ذلك كلّه يعبّر هو عن هذه المرحلة بقوله: " وإنّي كنت سالفاً كثير الاشتغال بالبحث والتكرار، وشديد المراجعة إلى مطالعة كتب الحكماء والنظّار، حتى ظننتُ أنّي على شيءٍ، فلمّا انفتحت بصيرتي ونظرتُ إلى حالي رأيتُ نفسي (...) فارغةً من العلوم الحقيقيّة وحقائق العيان، ممّا لا يدرك إلا بالذوق والوجدان".

ثم نجده في مقدّمة كتابه الأسفار يقول: " ثمّ إنّي قد صرفتُ قوّتي في سالف الزمان، منذ أوّل الحداثة والريعان في الفلسفة الإلهيّة، (...) واقتفيت آثار الحكماء السابقين، والفضلاء اللاحقين، (...) وحصّلت من ما وجدته من كتب اليونانيين، والرؤساء والمعلّمين، تحصيلاً يختار اللباب من كلّ باب، (...) من غير أن يظفر من الحكمة بطائلٍ، أو يرجع البحث إلى نائلٍ". وكأنّه يظهر الندم على هذا الجهد الذي بذله. ولكن سيبدو أنّه استفاد كثيراً في هذه المرحلة لتكوين فلسفته، وتدعيمها.

المرحلة الثانية، العزلة:

فقد انقطع عن الناس إلى كهك، وهي إحدى قرى قم المقدّسة، خمسة عشر عاماً على ما قيل، تفرّغ فيها للعبادة وتصفية الفكر وتهذيب الخيال. فهو يقول بعد أن يذكر في مقدمة كتابه الأسفار أحوال أهل ذلك الزمان، ومعاداتهم له: " فأمسكتُ عناني عن الاشتغال بالناس ومخالطتهم، وآيستُ من مرافقتهم، ومؤانستهم، وسهلت عليّ معاداة الدوران، ومعاندة أبناء الزمان، وخلصت عن إنكارهم وإقرارهم، وتساوى عندي إعزازهم وإضرارهم، فتوجّهتُ توجّهاً عزيزاً نحو مسبّب الأسباب، وتضرّعت تضرّعاً جبلّيّاً إلى مسهّل الأمور الصعاب، فلمّا بقيتُ على هذا الحال من الإستتار والإنزواء (...) زماناً مديداً وأمداً بعيداً، اشتعلت نفسي لطول الجاهدات اشتعالاً نوريّاً، والتهب قلبي لكثرة الرياضات التهاباً قويّاً، ففاضت عليها أنوار الملكوت، وحلّت بها خبايا الجبروت، ولحقتها الأضواء الأحديّة...". وبذلك يكون قد انتقل إلى:

المرحلة الثالثة، التأليف:

فيقول "فألهمني الله الإفاضةَ ممّا شربنا جرعةً للعطاش الطالبين، واْلإِلَاحةَ ممّا وجدنا لعُمهِ للقلوب السالكين، ليحيا من شرب منه جرعةً، ويتنوّر قلب من وجد منه لعمه، فبلغ الكتاب أجله، وأراد الله تقديمه وقد كان أجّله، فأظهره في الوقت الذي قدّره، وأبرزه على من له يسّره، فرأيتُ إخراجه من القوّة إلى الفعل والتكميل، وإبرازه من الخفاء إلى الوجود والتحصيل، فأعملتُ فيه فكري، وجمعت على ضمّ شوارده أمري، وسألتُ الله تعالى أن يشدّ أزري، ويحطّ بكرمه وزري، ويشرح لإتمامه صدري، فنهضَت عزيمتي بعد ما كانت قاعدةً، وهبّت همّتي غبّ ما كانت راكدةً، واهتزّ الخامد من نشاطي..."، فصنّف كتاباً إلهياً- الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة- وبدأ في مرحلته هذه بالتأليف والكتابة.

أهم مؤلفات صدر المتألّهين بعد كتاب الأسفار:

1- تفسر القرآن الكريم.
2- شرح على أصول الكافي.
3- مفاتيح الغيب.
4- المبدأ والمعاد.
5- رسالة في حدوث العالم.
6- كتاب المشاعر.
7- الشواهد الربوبيّة.
8- العرشيّة.
9- رسالة التصوّر والتصديق.

وقد طبع أكثر مؤلفاته التي يبلغ عددها 32 كتاباً ورسالةً تقريباً.

ميّزات هذه المدرسة:

إنّ المنهج المتّبع في مدرسة الحكمة المتعالية، منهجٌ مختلفٌ عن كلّ المدارس السابقة عليه، فهو ليس منهجاً مشّائياً بحتاً، ولا إشراقيّاً بحتاً، ولا صوفيّاً، ولا كلاميّاً، "وليست فلسفةً تجميعيّة، بل لها بناؤها الفلسفيّ المشخّص". فهي بحقٍّ مزيجٌ من كلّ هذه المناهج والمدارس. وبملاحظة حياة صدر المتألّهين بمراحلها الثلاث، يمكن استنتاج ركائز الفلسفة الني شيّدها، والأُسُس التي اعتمد عليها. فهو فيلسوف إسلاميّ قرأ كلّ ما تقدّم عليه من أفكارٍ وفلسفاتٍ، وطاقت نفسه لحياة العزلة والتصوّف، لكنّه خرج من عزلته منتصراً، يحمل فلسفةً جديدةً، لم يكن ليوفّق إليها من قبله، فكانت فلسفته مزيجاً من البرهان والوجدان والقرآن، أو قل مزيجاً من العقل والكشف والشرع.

1- الجمع بين البرهان والوجدان:

أولاً: إنّ الحكمة المتعالية تتّخذ من العقل أساساً لها، ومن الشهود والمكاشفة أساساً آخر، لكن لا بنحو الفلسفة المشائيّة تنكر على الشهود كلّ النكير، ولا كالصوفيّة يعترضون ويسفّهون العقل أيّ تسفيه، بل هي تحارب من يعتمد على الشهود والكشف فقط، كما وتذمّ من يعتمد على العقل والبرهان فقط.

فنجد صدرا يشنّع على من ينكر العلم اللّدنيّ، بينما هو يعتبره أقوى وأشدّ فيقول: " إنّ كثيراً من المنتسبين إلى العلم ينكرون العلم الغيبيّ اللّدنيّ، الذي يعتمد عليه السلّاك والعرفاء، وهو أقوى وأحكم من سائر العلوم، قائلين ما معنى العلم إلا الذي يحصل من تعلّمٍ أو فكريّة ورويّة".

ويذمّ المعتمدين على البحث والعقل فقط فيقول: " (...) لا على مجرّد الأنظار البحثيّة، التي سيلعب بالمعوّلين عليها والمعتمدين بها الشكوك، يلعن اللاحق منهم فيها السابق، ولم يتصالحوا عليها ويتوافقوا فيها، بل كلّما دخلت أمةٌ لعنت أختها".

فأولى "أنّ يرجع إلى طريقتنا في المعارف والعلوم الحاصلة لنا بالممازجة بين طريقة المتألّهين من الحكماء، والملّيين من العرفاء".

ويقول في موضعٍ آخر في وصف كتابه الأسفار بأنه: "قد اندمجت فيه العلوم التألهية في الحكمة البحثيّة وتدرعت فيه الحقائق الكشفيّة بالبيانات التعليميّة".

ويفتخر بالطريقة التي وصل إليها بأنّها " ممّا لست أظنّ أن قد وصل إليه أحدٌ ممّن أعرفه من شيعة المشّائين ومتأخّريهم، دون أئمّتهم ومتقدّميهم، كأرسطو ومن سبقه. ولا أزعم، إن كان يقدر على إثباته بقوّة البحث والبرهان شخصٌ من المعروفين بالمكاشفة والعرفان، من مشايخ الصوفيّة من سابقيهم ولاحقيهم".

وهذا يعني أنّه لم يبلغ المشاؤون ما بلغه هو من المكاشفة والوجدان، ولا الإشراقيّون والعرفاء بلغوا ما بلغه هو بالبحث والبرهان، نعم يمكن القول: "إنّ فلسفة صدر المتألّهين تشبه المدرسة الإشراقيّة من ناحية الأسلوب، أي إنّها تعتمد كلاً من الاستدلال والمكاشفة، إلا أنّها تختلف عنها في الأُسُس والاستنتاجات".

ثانياً: يقدّم البحث الفلسفيّ على الشهود الوجدانيّ، شفقةً بالمتعلّمين، وتسهيلاً عليهم، لأنّ الطالب قد لا يقتنع بالمشاهدة ولا يصدّق بها ابتداءً، لكنّه إذا وجد الدليل البحثيّ العقليّ واقتنع به، ثمّ سمع بالمشاهدة والكشف أمكنه التصديق أكثر: "ونحن أيضاً سالكو هذا المنهج في أكثر مقاصدنا الخاصّة، حيث سلكنا أوّلاً مسلك القوم في أوائل الأبحاث وأواسطها، ثم نفترق عنهم في الغايات، لئلا تنبو الطبائع عمّا نحن بصدده في أوّل الأمر، بل يحصل لهم الإستيناس به، ويقع في أسماعهم كلامنا موقع القبول إشفاقاً بهم".

2- المطابقة بين الشرع والعقل:

وهذه الميزة التي تفصل بين هذه المدرسة وسائر المدارس من حيث النتائج، فلم يقع فيما وقع به المشاؤون من تطبيق الشريعة وتأويلها بما يلائم العقل، ولم يفشل من حيث النتيجة بعدم الحصول على البراهين العقليّة بما يلائم الشريعة كما حصل للإشراقيّين، بل وجد في كلّ مسائله الفلسفيّة الحكميّة التي طرحها مطابقةً بين العقل والشرع: "وحاشا الشريعة الحقّة الإلهيّة البيضاء أن تكون أحكامها مصادمةً للمعارف اليقينيّة الضروريّة، وتبّاً لفلسفةٍ تكون قوانينها غير مطابقةٍ للكتاب والسنّة". وعلى هذا لا يزال يستشهد على كلّ مسألةٍ فلسفيّةٍ عويصةٍ بالآيات القرآنيّة والآثار الإسلاميّة. وهو بارعٌ في تطبيق ما يستشهد به على فلسفته. ولم يكن استشهاده بها لرفع شبهة المتّهمين له بالخروج عن الدين، بل هو من الذين يدّعون أنّه لا أحد يفهم أسرار القرآن الكريم، والسنّة الشريفة كما يفهمها هو. وهو يسعى في كلّ ما ألّفه إلى أن يبيّن هذا المنهج الفريد، فيهدف من كتبه الفلسفيّة إلى بيان تأييد العقل للدين، ومن كتبه الدينيّة بيان تأييد الدين للعقل، فكانت كتبه كلّها دينيّةً فلسفيّةً.

3- محوريّة القرآن:

وقد يتبادر للأذهان من هذا الأسلوب الفريد الذي يتّبعه الملّا صدرا، أنّ البرهان والعرفان والقرآن في عرضٍ واحدٍ، وأنّها طرقٌ ثلاثٌ توصل إلى الحقيقة وتكشف عنها، وأنّه لا تقدّم لبعضها على الآخر، إلا بالأسلوب التأليفيّ والكتابيّ لإقناع الطلاب، وشفقةً بهم كما تقدّم، ولكنّ الصحيح أنّ المحوريّة الأساس للقرآن في مدرسته: " إنّ الحكمة المتعالية وجدت كمالها في الجمع بين الأدلّة، البرهان والعرفان والقرآن، وأنّه لا يوجد أي اختلافٍ بينها، وإنّما هي توافقٌ وانسجامٌ تامٌّ، نعم في مقام المقايسة الداخليّة بين هذه الطرق الثلاث، فإنّ المحوريّة والأصالة هي للقرآن، والآخران يدوران حوله، لا ينفكّان عنه".

حدود العقل:

ومن الضروريّ جداً وضوح مكانة العقل في هذه المدرسة. فقد يتصوّر أن الحقائق، التي كشفت اللثام عنها الحكمة المتعالية، يتوصّل إليها بالطرق الثلاث المتقدّمة، وأنّ ما يصل إليه الكشف والشهود، وما يحكي ويخبر عنه القرآن والسنّة، يمكن للعقل والبرهان أن يصل إليه، ويستدلّ عليه. وقد يتصوّر أنّه يوجد تنافٍ بين القرآن والوجدان من جهةٍ، والبرهان من جهةٍ ثانيةٍ، حيث إن هذه الطرق في عرض بعضها، والتنافي واقعٌ فيما بينها.

لكن الحقّ غير هذا، فإنّ هذه الطرق ليست في عرض بعضها البعض حتى يقع التنافي فيما بينها، وإنّما هي في طول بعضها البعض، ويأتي دور المكاشفة والشهود حينما ينتهي دور العقل والبرهان.

يقول صدر المتألّهين: "ثمّ إنّ بعض أسرار الدين وأطوار الشرع المبين بلغ إلى حدّ ما هو خارجٌ عن طور العقل الفكريّ، وإنّما يعرف بطور الولاية والنبوّة، ونسبة طور العقل ونوره إلى طور الولاية ونورها، كنسبة نور الحسّ
إلى نور الفكر، فليس لميزان الفكر كثير فائدةٍ وتصرّف هناك" .

وقال أيضاً: "إنّ مقتضى البرهان الصحيح ممّا ليس إنكاره في جِبلّة العقل السليم من الأمراض والأسقام الباطنة. نعم ربما يكون بعض المراتب الكماليّة مما يقصر عن غورها العقول السليمة، لغاية شرفها وعلوّها عن إدراك العقول، لاستيطانها في هذه الدار وعدم مهاجرتها إلى عالم الأسرار، لا أنّ شيئاً من المطالب الحقّة ممّا يقدح فيها ويحكم بفسادها العقل السليم والذهن المستقيم".

وينقل عن الغزالي فيقول: "قال الشيخ الفاضل الغزالي: اعلم أنّه لا يجوز في طور الولاية ما يقضي العقل باستحالته. نعم يجوز أن يظهر في طور الولاية ما يقصر العقل عنه، بمعنى أنه لا يدرك بمجرّد العقل. ومن لم يفرّق بين ما يحيله العقل وبين ما لا يناله العقل فهو أخسّ من أن يخاطب فيترك وجهله".

تقويم هذه المدرسة:

لقد استطاع "صدر المتألّهين أن يجمع بين الفلسفة والعرفان، واستفاد في ذلك بالسنّة والقرآن، وبيّن المعارف الذوقيّة في صورة الدليل والبرهان، فتولّد بهذا الترتيب بين مناهج المعرفة منهجٌ حديثٌ، وسمّي بالحكمة المتعالية". و"استطاع أن يحقّق إنجازاً ضخماً على مستوى القواعد والمباني الفلسفيّة، أدّت إلى بناء نظامٍ عقليٍّ جديدٍ قائمٍ على أسسٍ برهانيّةٍ يمكنها تفسير العالَم الإمكانيّ وعلاقته بمبدئه المتعالي".
وقد حسمت هذه المدرسة النزاع بين الفلسفة المشائيّة والإشراقيّة، ولم يعد معنى للصراع بين أرسطو وأفلاطون في هذه المدرسة، حيث وضعت كل مسألةٍ في مكانها، واستفادت من المناهج المعرفيّة كلّها. يقول المطهري: "وقد وضع صدر المتألّهين نهايةً حاسمةً لهذا النزاع الطويل (أي بين أرسطو وأفلاطون) بالأساس الجديد الذي شاده في فلسفته. ومنذ هذا الزمن لم يعد معنى لوقوف أحد هذين الاتجاهين في مقابل الآخر. وقد لاحظ كلّ من جاء بعده واطلع على فلسفته، أنّ النزاع الذي امتدّ لألفي عامٍ بين المشّائين والإشراقيّين قد حسم على يد هذا الفيلسوف العظيم".

http://www.alsada.org/gallery/images/fa/0199.gif

خلاصة الدرس

إنّ الفكر الفلسفيّ السائد هذه الآونة، لا سيما في الأوساط العلميّة الإسلاميّة، وخصوصاً في الحوزات العلميّة، هو فكر وفلسفة الحكمة المتعالية، التي أرسى دعائمَها وأسّس قواعدَها صدرُ الدين الشيرازيّ، الملقّب بصدر المتألّهين. ويمكن تقسيم حياة فيلسوفنا العلميّة إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى، التلمذة: حيث كان يتتبّع آراء المتكلّمين والحكماء ومناقشاتهم. ولم يكن في هذه المرحلة قد نضج من الناحية الفلسفيّة. ولم ينفتح له المسلك العرفانيّ. ولكنّه استفاد كثيراً في هذه المرحلة لتكوين فلسفته، وتدعيمها.

المرحلة الثانية، العزلة: فقد انقطع عن الناس إلى إحدى قرى قم المقدّسة خمسة عشر عاماً على ما قيل، تفرّغ فيها للعبادة وتصفية الفكر وتهذيب الخيال، إلى أن دخل في:

المرحلة الثالثة، التأليف: فصنّف كتاباً إلهياً- الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة- ويكون بذلك قد دخل مرحلةً جديدة من حياته، قدّم فيها أنفس ما قدّمه للفلسفة الإسلاميّة.

يعدّ المنهج المتبع في مدرسة الحكمة المتعالية، منهجاً مختلفاً عن كلّ المدارس السابقة عليه. فهو ليس منهجاً مشّائياً بحتاً، ولا إشراقيّاً بحتاً، ولا صوفيّاً، ولا كلاميّاً. وليست هذه المدرسة فلسفةً تجميعيّة، بل لها بناؤها الفلسفيّ المشخّص.وهي بحقٍّ مزيجٌ من كلّ هذه المناهج والمدارس. وقد تميّزت عن غيرها من المدارس بأنّها:

1- تجمع بين البرهان والوجدان: فالحكمة المتعالية تتّخذ من العقل أساساً لها، ومن الشهود والمكاشفة أساساً آخر، لكن لا بنحو الفلسفة المشائيّة تنكر على الشهود كلّ النكير، ولا كالصوفيّة يعترضون ويسفّهون العقل أيّ تسفيه، بل هي تحارب من يعتمد على الشهود والكشف فقط، كما وتذمّ من يعتمد على العقل والبرهان فقط.

2- تطابق بين الشرع والعقل: وهذه الميزة التي تفصل بين هذه المدرسة وسائر المدارس من حيث النتائج. فلم يقع فيما وقع به المشّاؤون من تطبيق الشريعة وتأويلها بما يلائم العقل. ولم يفشل من حيث النتيجة بعدم الحصول على البراهين العقليّة بما يلائم الشريعة كما حصل للإشراقيّين، بل وجد في كلّ مسائله الفلسفيّة الحكميّة التي طرحها مطابقةً بين العقل والشرع. ولهذا لا يزال يستشهد على كلّ مسألةٍ فلسفيّةٍ عويصةٍ بالآيات القرآنيّة والآثار الإسلاميّة.

3- محوريّة القرآن: وقد يتبادر للأذهان من هذا الأسلوب الذي يتّبعه الملّا صدرا، أنّ البرهان والعرفان والقرآن في عرضٍ واحدٍ، وأنّها طرقٌ ثلاثٌ توصل إلى الحقيقة وتكشف عنها، وأنّه لا تقدّم لبعضها على الآخر، إلا بالأسلوب التأليفيّ والكتابيّ لإقناع الطلاب وشفقةً بهم كما تقدّم. ولكن الصحيح أنّه في مقام المقايسة الداخليّة بين الطرق الثلاث، فإنّ المحوريّة والأصالة هي للقرآن، والآخران يدوران حوله، لا ينفكان عنه.
حدود العقل: ومن الضروريّ جداً وضوح مكانة العقل في هذه المدرسة. فقد يتصوّر أن الحقائق، التي كشفت اللثام عنها الحكمة المتعالية، يتوصّل إليها بالطرق الثلاث المتقدّمة، وأنّ ما يصل إليه الكشف، وما تحكي عنه السنّة، يمكن للعقل أن يصل إليه، ويستدلّ عليه. وقد يتصوّر أنّ هذه الطرق في عرض بعضها، والتنافي واقعٌ فيما بينها.

لكن الحقّ غير هذا، فإنّ هذه الطرق ليست في عرض بعضها البعض حتى يقع التنافي فيما بينها، وإنّما هي في طول بعضها البعض، ويأتي دور المكاشفة والشهود حينما ينتهي دور العقل والبرهان.


انتهى