ابراهيم العبيدي
10-11-2012, 11:22 PM
بسم الله الرحمن الرحيم ..
الَلَّهٌمَّ صَلَِ عَلَىَ مٌحَمَّدْ وَآلِ مُحّمَّدْ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وَالْعَنْ أَعْدَائَهُمْ
السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك ..
عليك مني سلام الله أبدا ما بقيت وبقي الليل و النهار ..
السلام عليك ياصاحب الزمان ..
السلام عليك ياشريك القرآن ..
واقعة كربلاء جسدت أوضح مظاهر التكبر .الوضع الذي كان يعيشه الإمام الحسين كان استكبار سياسي واقتصادي وجماعي ..
فلم تكن تنفع الكلمة .. فكان هذا الوضع يحتاج إلى دم ..يحتاج إلى ثورة تثور هذه الأمة.. ولم ينفع ولم يبقي الإسلام إلا دم الحسين عليه السلام ..
نلاحظ في واقعة كربلاء...الشيطان لا يستطيع أن يقول للامام الحسين "ع" اجلس .. ولا تثر .. و لا تقف أمام يزيد .. وما فعله الشيطان هو أن وسوس أفراد المجتمع من أصحاب النفوس الضعيفة وكل فئة استغل نقطة ضعفها في ذاك المجتمع حتى وصل بهم الحال الى أن يقولون ( مالنا والدخول بين السلاطين ) !!
فنظروا الى الامام الحسين على انه سلطان .. وسوس شياطين الجن لشياطين الانس بأن الامام سلطان يزاحم سلطان يزيد وانه يبحث عن الرئاسة وعن المقام ليس دفاعا عن العقيدة والدين ولهذا لقب بالخارجي يعني خرج على حاكم زمانه .. فلهذا تجاهلوا ان الامام خرج للدفاع عن الحق فشياطين الجن و الإنس ربت شخصيات متذبذبة لاتحركها الا إراقة الدماء .. لا يحركها الا أن ترفع رأس الحسين فوق الرمح .. مع أن هناك رواية بأن من نادى ياللمسلمين فلم يجبه أحد فليس بمسلم ..
ياترى عندما ظلم الامام الحسين و نادى أما من ناصر ينصرنا أليس هو بمسلم ؟؟
أليس هو حفيد رسول الله "ص " اذن الامام مظلوم .. فالدين كان مظلوما في عصر يزيد ..
وظلمت العقيدة في عصر يزيد .. فقام الامام الحسين "ع" بنصرة هذا المظلوم نصرة الدين .
وسيد الشهداء (ع) الذي مارس أرقى صور العبودية لرب العالمين ، من خلال استنقاذ العباد من الجهالة وحيرة الضلالة ، مجسدا بذلك شعار احياء الخلق ، لانهم عباد الله .. واحب الخلق الى الله انفعهم لعياله .
ان حق الحسين (ع) عظيم على الامة جمعاء ، لانه احدث بشهادته هزة عنيفة ايقظت الامه من سباتها .. واي سبات اعظم من ان يستبدل خير الخلق الى الله تعالى في زمانه ، بشارب الخمور ومستحل الحرمات زاعما امرة المؤمنين !!.. و إن ما آل اليه امر الامة ، كانت نتيجة طبيعية لمخالفة المنهج الرباني الذي رسمه الله تعالى للامة يوم الغدير .
ان من اعظم وظائف المحبين في هذه الايام ، هو تجسيد الحب - لا من خلال مظاهر العزاء فحسب - بل من خلال الترجمة العملية لهذا الحب .. اذ الحب ليس الا التجانس بين المحب والمحبوب ، وهذا التجانس لا يتم بالدعوى المجردة ، بل بمحاولة التقريب بين الذات المحبة والذات المحبوبة في الصفات والملكات .. وان اعظم قربان يقرب الى الله تعالى في هذه الايام ، هو نفي إنية النفس الأمارة : اجتثاثا لملكة خبيثة ، اواقلاعا عن منكر نعكف عليه .
ان البكاء على سيد الشهداء (ع) يعتبر مشاطرة لجميع الانبياء والاوصياء في تاثرهم بمصيبة الحسين (ع) .. إذ لم يتحقق على وجه الارض منذ ان خلق آدم ، كارثة جامعة لكل صور المصيبة في : النفس والعيال حتى في الطفل الرضيع كمصيبة الحسين (ع) .. ومن المعلوم ان هذه الظلامة قائمة ، لم يتحقق القصاص منها قبل خروج القائم (ع) ، فإن مرور الليالي والايام ، لا يخفف ثقل هذا الرزء الجلل الذى اقشعرت له اظلة العرش قبل اركان الارض .. ولا ننسى ان صاحب دعاء عرفة بعرفانه البليغ لرب العالمين ، هو الذي وطاته الخيل بحوافرها ، وترك على رمضاء نينوى بلا غسل ولا كفن !!.. رزقنا الله تعالى طلب ثاره مع قيام قائمهم المهدي (ع).
يظن البعض أن مسألة النهضة الحسينية واقعة تاريخية ، انتهت بموت العناصر المتواجهة فيها ، وهذا خطأ جسيم .. فكما أن تاريخ المواجهات لم تمت - طوال التاريخ - بين الأنبياء وأعدائهم ، ومن هنا جعله القرآن عبرة لأولي الألباب ، فكذلك قضية الحسين (ع) خالدة ، لان منهجه ( منهج المواجهة مع الظلم الفكري والعملي ) لا زال حياً ماثلاً للجميع .. فمتى مات الباطل ، لتموت المواجهة معه ؟..
إن الحسين (ع) في زمان أخيه الحسن (ع) كان رمزاً لطاعة إمام زمانه ، رغم انه يشترك مع أخيه في وصف السيادة لأهل الجنة ، ولهذا نراه يتعامل مع أخيه الإمام معاملة المأموم .. وهذا درس في زماننا المعاصر ، وهو أن نعيش حالة الطاعة المطلقة لبقية الماضين من سلسلة الائمة الاثني عشر .. وثمرتها في زمان الغيبة ، هو الرجوع إلى المجتهد : الصائن لنفسه ، والمطيع لمولاه ، والمخالف لهواه ، كما ورد في الحديث الشريف.
أن الحسين (ع) بحركته الخالدة التي تعرض فيها هو وعياله لما قل مثيله في التاريخ - سواء قبل الاستشهاد وحينه وبعده - أراد أن يبـّين للأمة ثمرة الغرس الذي نشأ بعيداً عن : نمير الغدير ، ودوحة المباهلة ، وواحة الثقلين .. ولولا هذه الهزّة العنيفة لضمير الأمة ، لسارت الأمور في مجرى آخر لا يعلم عاقبته إلا الله تعالى .. ومن هنا نعلم معنى قول النبي (ص) : ( .. وأنا من حسين ).
أن مأساة الحسين (ع) بدءً من خروجه من المدينة ، الى عودة سباياه الى المدينة مرة اخرى ، وما بينهما من الاحداث الجسام ، رغم تعدد الوانها المأساوية ، إلا أنها مصطبغة بلون واحد ، وهو العنصر المميز لكل حركته ، الا وهي العبودية المطلقة لله رب العالمين ، وهي تتجلى تارة : في مناجاته مع رب العالمين في مقتله .. وتارة في صلاة اخته زينب (ع) في جوف ليلة الحادي عشر من محرم .. وتارة في مناجاة السجاد (ع) مع ربه والاغلال الجامعة في عنقه الشريف!
من معالم الثورة الحسينية ، حرص سبايا الحسين (ع) تبليغ رسالته في شتى الظروف القاسية ، وذلك بمنطق المنتصر ، وان كان مغلوباً ظاهرا.. فهذه زينب (ع) يصفها الراوي : ما رأيت خفرة ( أي شديدة الحياء ) بأنطق منها.. فإنها جمعت بين : كمال الالتزام بما تمليه الشريعة على الانثى عند حديثها مع الرجال ، وبين بيان المنهج الفكري الذي ينبغي أن ترجع اليه الامة ، والتي من اجلها ضحى اخوها الحسين (ع) بنفسه.
أن الطبع البشري يميل الى تخليد الذكر ، وبقاء الاثر بعد الرحيل من هذه الدنيا الفانية.. ولا سبيل الى ذلك ، إلا بالارتباط بمبدأ الخلود ، فهو الذي لو بارك في عمل أو وجود ربطه بأسباب الدوام والخلود ، كما ورد فيما اوحاه الله تعالى الى نبي من انبيائه : ( اذا اطعت رضيت ، واذا رضيت باركت ، وليس لبركتي نهاية ) وهو ما نراه متجليا في نهضة الحسين (ع).. ففي كل سنة تمر علينا ذكراه ، وكأنها ذكرى جديدة ، وسيبقى الامر كذلك ، الى ظهور الدولة الكريمة لولده المهدي (ع) الذي يثأر لخط الظلم الذي بدأ بقتل هابيل ، واستمر طوال التاريخ مرورا بكربلا ، الى اليوم الاخير لما قبل الظهور.
إذا أردنا أن نصف ما جرى في كربلاء بعبارة موجزة ، فإن من خير ما يقال في هذا المجال : أن الذين حضروا تلك الواقعة لم تبق لهم ذوات حاكمة في قبال مرضاة الله سبحانه وتعالى .. وهذا هو مقام الفناء في الله ، الذي طالما طرحه القوم نظرية في عالم التصور ، إلا أنها تحققت على صعيد كربلاء في فتية صدقوا ما عاهدوا الله تعالى عليه.
إن الذين ضحوا بارواحهم للاسلام مع الحسين (ع) كانت من شرائح مختلفة .. فمنهم من هو قديم العهد في الوفاء لرب العالمين كحبيب بن مظاهر ، ومنهم من هو جديد العهد بالهداية كالحر بن يزيد ، ولكن العاقبة كانت واحدة ألا وهي الاستقرار في مقعد الصدق عند مليك مقتدر ، مما يدفع أحدنا لعدم اليأس مهما غرق في بحر المعاصي ، فإن الأمور بخواتيمها.
إن دور الإمام في قيادة الأمة يتجلى من خلال واقعة الطف أيضاً .. فإن النفوس الصالحة من أصحابه الميامين لم تكن لتصل إلى ملكة الرشد والكمال الفعلي إلا من خلال رعايته وتربيته الروحية والعقائدية .. وهكذا لو ثنيت الوسادة للمعصوم (ع) في الأمة ، لحوّل الطاقات الكامنة فيها إلى ملكات فعلية ، تتجلى في التضحية والإيثار في سبيل المبدأ .. ومن هنا يشتد أسفنا لما وقع من الظلامة على أوصياء النبي (ص) بتنحيتهم عن هرم الهداية والارشاد بشتى صور الظلم .
هنالك صور من التضحية والفداء ، يقف الإنسان أمامهـا مدهوشاً ، فهذا وهب بن عبد الله يقاتل مع الحسين (ع) ثم يسأل أمه : يا أماه أرضيت ؟!.. فتقول : ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين (ع) ، ثم ذهبت امرأته تمسح الدم عن وجهه ، فبصر بها شمر فأمر غلاما له فضربها بعمود كان معه ، فشرخها وقتلها وهي أول امرأة قتلت في معسكر الحسين (ع).
تأمل في الولاء المذهل لولي الأمر ، حتى في اللحظات الأخيرة من الحياة التي يذهل فيها العبد عن كل شيء.. فهذا حبيب بن مظاهر يدنو من مسلم بن عوسجة ليسمعه يقول بصوت خفي: أوصيك بهذا !.. وأشار إلى الحسين (ع) ، فقاتل دونه حتى تموت. فقال له حبيب : لانعمنّك عيناً ، ثم مات رضوان الله تعالى عليه.
وهذا أبو ثمامه الصيداوي يقول للحسين (ع) : أحب أن ألقى الله ربي وقد صليت هذه الصلاة ، فقال الحسين (ع) : ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين ، فصلى الحسين (ع) بهم صلاة الخوف .. وكان سعيد بن عبد الله الحنفي أمام الحسين (ع) يقوم بين يديه كلما أخذ الإمام (ع) يمينا وشمالاً في صلاته ، ويتلقى سهام الأعداء فوجد به ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السيوف.
وهذا جون مولى أبي ذر يقول للحسين : يا بن رسول الله!.. أنا في الرخاء ألحس قصاعكم ، وفي الشدة أخذلكم ، والله إن ريحي لمنتن ، وإن حسبي للئيم ، ولوني لأسود ، فتنفس عليّ بالجنة ، فتطيب ريحي ويشرف حسبي ، ويبيّض وجهي !.. لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم .
خرج شاب قتل أبوه في المعركة ، وكانت أمه معه ، فقالت له أمه: اخرج يا بني !.. وقاتل بين يدي ابن رسول الله .. فخرج فقال الحسين : هذا شاب قُتـل أبوه ، ولعل أمه تكره خروجه ، فقال الشاب: أمي أمرتني بذلك.. وقاتل حتى قُـتل وجزّ رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين (ع) ، فحملت أمه رأسه ، وقالت: أحسنت يا بني!.. يا سرور قلبي ويا قرة عيني.
على الرغم من أن مجالس الحسين (ع)، مجالس نحيب وبكاء، ولا يخلو الأمر من تأذي باطني.. إلا أننا نلاحظ هذا الشعور الذي ينتاب المعزي بعد المجلس، وهو نفسه الذي يجده الصائم ساعة إفطاره، وفي عيد الفطر، وبعد انتهاء الحج.. إن هذه الحالة من السرور، والارتياح الباطني، والأنس الشديد؛ سببها نظرة رب العالمين، والتفاته إلى عباده.. ومع ذلك لا ينبغي المبالغة في هذا الأمر، بل إن عليه السيطرة على هذه المشاعر؛ كيلا يتحول الأمر إلى هرج ومرج، فنغفل بأننا قبل قليل كنا من المعزين، وأن هذا الشهر هو شهر أحزان أهل البيت (ع).
الَلَّهٌمَّ صَلَِ عَلَىَ مٌحَمَّدْ وَآلِ مُحّمَّدْ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وَالْعَنْ أَعْدَائَهُمْ
السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك ..
عليك مني سلام الله أبدا ما بقيت وبقي الليل و النهار ..
السلام عليك ياصاحب الزمان ..
السلام عليك ياشريك القرآن ..
واقعة كربلاء جسدت أوضح مظاهر التكبر .الوضع الذي كان يعيشه الإمام الحسين كان استكبار سياسي واقتصادي وجماعي ..
فلم تكن تنفع الكلمة .. فكان هذا الوضع يحتاج إلى دم ..يحتاج إلى ثورة تثور هذه الأمة.. ولم ينفع ولم يبقي الإسلام إلا دم الحسين عليه السلام ..
نلاحظ في واقعة كربلاء...الشيطان لا يستطيع أن يقول للامام الحسين "ع" اجلس .. ولا تثر .. و لا تقف أمام يزيد .. وما فعله الشيطان هو أن وسوس أفراد المجتمع من أصحاب النفوس الضعيفة وكل فئة استغل نقطة ضعفها في ذاك المجتمع حتى وصل بهم الحال الى أن يقولون ( مالنا والدخول بين السلاطين ) !!
فنظروا الى الامام الحسين على انه سلطان .. وسوس شياطين الجن لشياطين الانس بأن الامام سلطان يزاحم سلطان يزيد وانه يبحث عن الرئاسة وعن المقام ليس دفاعا عن العقيدة والدين ولهذا لقب بالخارجي يعني خرج على حاكم زمانه .. فلهذا تجاهلوا ان الامام خرج للدفاع عن الحق فشياطين الجن و الإنس ربت شخصيات متذبذبة لاتحركها الا إراقة الدماء .. لا يحركها الا أن ترفع رأس الحسين فوق الرمح .. مع أن هناك رواية بأن من نادى ياللمسلمين فلم يجبه أحد فليس بمسلم ..
ياترى عندما ظلم الامام الحسين و نادى أما من ناصر ينصرنا أليس هو بمسلم ؟؟
أليس هو حفيد رسول الله "ص " اذن الامام مظلوم .. فالدين كان مظلوما في عصر يزيد ..
وظلمت العقيدة في عصر يزيد .. فقام الامام الحسين "ع" بنصرة هذا المظلوم نصرة الدين .
وسيد الشهداء (ع) الذي مارس أرقى صور العبودية لرب العالمين ، من خلال استنقاذ العباد من الجهالة وحيرة الضلالة ، مجسدا بذلك شعار احياء الخلق ، لانهم عباد الله .. واحب الخلق الى الله انفعهم لعياله .
ان حق الحسين (ع) عظيم على الامة جمعاء ، لانه احدث بشهادته هزة عنيفة ايقظت الامه من سباتها .. واي سبات اعظم من ان يستبدل خير الخلق الى الله تعالى في زمانه ، بشارب الخمور ومستحل الحرمات زاعما امرة المؤمنين !!.. و إن ما آل اليه امر الامة ، كانت نتيجة طبيعية لمخالفة المنهج الرباني الذي رسمه الله تعالى للامة يوم الغدير .
ان من اعظم وظائف المحبين في هذه الايام ، هو تجسيد الحب - لا من خلال مظاهر العزاء فحسب - بل من خلال الترجمة العملية لهذا الحب .. اذ الحب ليس الا التجانس بين المحب والمحبوب ، وهذا التجانس لا يتم بالدعوى المجردة ، بل بمحاولة التقريب بين الذات المحبة والذات المحبوبة في الصفات والملكات .. وان اعظم قربان يقرب الى الله تعالى في هذه الايام ، هو نفي إنية النفس الأمارة : اجتثاثا لملكة خبيثة ، اواقلاعا عن منكر نعكف عليه .
ان البكاء على سيد الشهداء (ع) يعتبر مشاطرة لجميع الانبياء والاوصياء في تاثرهم بمصيبة الحسين (ع) .. إذ لم يتحقق على وجه الارض منذ ان خلق آدم ، كارثة جامعة لكل صور المصيبة في : النفس والعيال حتى في الطفل الرضيع كمصيبة الحسين (ع) .. ومن المعلوم ان هذه الظلامة قائمة ، لم يتحقق القصاص منها قبل خروج القائم (ع) ، فإن مرور الليالي والايام ، لا يخفف ثقل هذا الرزء الجلل الذى اقشعرت له اظلة العرش قبل اركان الارض .. ولا ننسى ان صاحب دعاء عرفة بعرفانه البليغ لرب العالمين ، هو الذي وطاته الخيل بحوافرها ، وترك على رمضاء نينوى بلا غسل ولا كفن !!.. رزقنا الله تعالى طلب ثاره مع قيام قائمهم المهدي (ع).
يظن البعض أن مسألة النهضة الحسينية واقعة تاريخية ، انتهت بموت العناصر المتواجهة فيها ، وهذا خطأ جسيم .. فكما أن تاريخ المواجهات لم تمت - طوال التاريخ - بين الأنبياء وأعدائهم ، ومن هنا جعله القرآن عبرة لأولي الألباب ، فكذلك قضية الحسين (ع) خالدة ، لان منهجه ( منهج المواجهة مع الظلم الفكري والعملي ) لا زال حياً ماثلاً للجميع .. فمتى مات الباطل ، لتموت المواجهة معه ؟..
إن الحسين (ع) في زمان أخيه الحسن (ع) كان رمزاً لطاعة إمام زمانه ، رغم انه يشترك مع أخيه في وصف السيادة لأهل الجنة ، ولهذا نراه يتعامل مع أخيه الإمام معاملة المأموم .. وهذا درس في زماننا المعاصر ، وهو أن نعيش حالة الطاعة المطلقة لبقية الماضين من سلسلة الائمة الاثني عشر .. وثمرتها في زمان الغيبة ، هو الرجوع إلى المجتهد : الصائن لنفسه ، والمطيع لمولاه ، والمخالف لهواه ، كما ورد في الحديث الشريف.
أن الحسين (ع) بحركته الخالدة التي تعرض فيها هو وعياله لما قل مثيله في التاريخ - سواء قبل الاستشهاد وحينه وبعده - أراد أن يبـّين للأمة ثمرة الغرس الذي نشأ بعيداً عن : نمير الغدير ، ودوحة المباهلة ، وواحة الثقلين .. ولولا هذه الهزّة العنيفة لضمير الأمة ، لسارت الأمور في مجرى آخر لا يعلم عاقبته إلا الله تعالى .. ومن هنا نعلم معنى قول النبي (ص) : ( .. وأنا من حسين ).
أن مأساة الحسين (ع) بدءً من خروجه من المدينة ، الى عودة سباياه الى المدينة مرة اخرى ، وما بينهما من الاحداث الجسام ، رغم تعدد الوانها المأساوية ، إلا أنها مصطبغة بلون واحد ، وهو العنصر المميز لكل حركته ، الا وهي العبودية المطلقة لله رب العالمين ، وهي تتجلى تارة : في مناجاته مع رب العالمين في مقتله .. وتارة في صلاة اخته زينب (ع) في جوف ليلة الحادي عشر من محرم .. وتارة في مناجاة السجاد (ع) مع ربه والاغلال الجامعة في عنقه الشريف!
من معالم الثورة الحسينية ، حرص سبايا الحسين (ع) تبليغ رسالته في شتى الظروف القاسية ، وذلك بمنطق المنتصر ، وان كان مغلوباً ظاهرا.. فهذه زينب (ع) يصفها الراوي : ما رأيت خفرة ( أي شديدة الحياء ) بأنطق منها.. فإنها جمعت بين : كمال الالتزام بما تمليه الشريعة على الانثى عند حديثها مع الرجال ، وبين بيان المنهج الفكري الذي ينبغي أن ترجع اليه الامة ، والتي من اجلها ضحى اخوها الحسين (ع) بنفسه.
أن الطبع البشري يميل الى تخليد الذكر ، وبقاء الاثر بعد الرحيل من هذه الدنيا الفانية.. ولا سبيل الى ذلك ، إلا بالارتباط بمبدأ الخلود ، فهو الذي لو بارك في عمل أو وجود ربطه بأسباب الدوام والخلود ، كما ورد فيما اوحاه الله تعالى الى نبي من انبيائه : ( اذا اطعت رضيت ، واذا رضيت باركت ، وليس لبركتي نهاية ) وهو ما نراه متجليا في نهضة الحسين (ع).. ففي كل سنة تمر علينا ذكراه ، وكأنها ذكرى جديدة ، وسيبقى الامر كذلك ، الى ظهور الدولة الكريمة لولده المهدي (ع) الذي يثأر لخط الظلم الذي بدأ بقتل هابيل ، واستمر طوال التاريخ مرورا بكربلا ، الى اليوم الاخير لما قبل الظهور.
إذا أردنا أن نصف ما جرى في كربلاء بعبارة موجزة ، فإن من خير ما يقال في هذا المجال : أن الذين حضروا تلك الواقعة لم تبق لهم ذوات حاكمة في قبال مرضاة الله سبحانه وتعالى .. وهذا هو مقام الفناء في الله ، الذي طالما طرحه القوم نظرية في عالم التصور ، إلا أنها تحققت على صعيد كربلاء في فتية صدقوا ما عاهدوا الله تعالى عليه.
إن الذين ضحوا بارواحهم للاسلام مع الحسين (ع) كانت من شرائح مختلفة .. فمنهم من هو قديم العهد في الوفاء لرب العالمين كحبيب بن مظاهر ، ومنهم من هو جديد العهد بالهداية كالحر بن يزيد ، ولكن العاقبة كانت واحدة ألا وهي الاستقرار في مقعد الصدق عند مليك مقتدر ، مما يدفع أحدنا لعدم اليأس مهما غرق في بحر المعاصي ، فإن الأمور بخواتيمها.
إن دور الإمام في قيادة الأمة يتجلى من خلال واقعة الطف أيضاً .. فإن النفوس الصالحة من أصحابه الميامين لم تكن لتصل إلى ملكة الرشد والكمال الفعلي إلا من خلال رعايته وتربيته الروحية والعقائدية .. وهكذا لو ثنيت الوسادة للمعصوم (ع) في الأمة ، لحوّل الطاقات الكامنة فيها إلى ملكات فعلية ، تتجلى في التضحية والإيثار في سبيل المبدأ .. ومن هنا يشتد أسفنا لما وقع من الظلامة على أوصياء النبي (ص) بتنحيتهم عن هرم الهداية والارشاد بشتى صور الظلم .
هنالك صور من التضحية والفداء ، يقف الإنسان أمامهـا مدهوشاً ، فهذا وهب بن عبد الله يقاتل مع الحسين (ع) ثم يسأل أمه : يا أماه أرضيت ؟!.. فتقول : ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين (ع) ، ثم ذهبت امرأته تمسح الدم عن وجهه ، فبصر بها شمر فأمر غلاما له فضربها بعمود كان معه ، فشرخها وقتلها وهي أول امرأة قتلت في معسكر الحسين (ع).
تأمل في الولاء المذهل لولي الأمر ، حتى في اللحظات الأخيرة من الحياة التي يذهل فيها العبد عن كل شيء.. فهذا حبيب بن مظاهر يدنو من مسلم بن عوسجة ليسمعه يقول بصوت خفي: أوصيك بهذا !.. وأشار إلى الحسين (ع) ، فقاتل دونه حتى تموت. فقال له حبيب : لانعمنّك عيناً ، ثم مات رضوان الله تعالى عليه.
وهذا أبو ثمامه الصيداوي يقول للحسين (ع) : أحب أن ألقى الله ربي وقد صليت هذه الصلاة ، فقال الحسين (ع) : ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين ، فصلى الحسين (ع) بهم صلاة الخوف .. وكان سعيد بن عبد الله الحنفي أمام الحسين (ع) يقوم بين يديه كلما أخذ الإمام (ع) يمينا وشمالاً في صلاته ، ويتلقى سهام الأعداء فوجد به ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السيوف.
وهذا جون مولى أبي ذر يقول للحسين : يا بن رسول الله!.. أنا في الرخاء ألحس قصاعكم ، وفي الشدة أخذلكم ، والله إن ريحي لمنتن ، وإن حسبي للئيم ، ولوني لأسود ، فتنفس عليّ بالجنة ، فتطيب ريحي ويشرف حسبي ، ويبيّض وجهي !.. لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم .
خرج شاب قتل أبوه في المعركة ، وكانت أمه معه ، فقالت له أمه: اخرج يا بني !.. وقاتل بين يدي ابن رسول الله .. فخرج فقال الحسين : هذا شاب قُتـل أبوه ، ولعل أمه تكره خروجه ، فقال الشاب: أمي أمرتني بذلك.. وقاتل حتى قُـتل وجزّ رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين (ع) ، فحملت أمه رأسه ، وقالت: أحسنت يا بني!.. يا سرور قلبي ويا قرة عيني.
على الرغم من أن مجالس الحسين (ع)، مجالس نحيب وبكاء، ولا يخلو الأمر من تأذي باطني.. إلا أننا نلاحظ هذا الشعور الذي ينتاب المعزي بعد المجلس، وهو نفسه الذي يجده الصائم ساعة إفطاره، وفي عيد الفطر، وبعد انتهاء الحج.. إن هذه الحالة من السرور، والارتياح الباطني، والأنس الشديد؛ سببها نظرة رب العالمين، والتفاته إلى عباده.. ومع ذلك لا ينبغي المبالغة في هذا الأمر، بل إن عليه السيطرة على هذه المشاعر؛ كيلا يتحول الأمر إلى هرج ومرج، فنغفل بأننا قبل قليل كنا من المعزين، وأن هذا الشهر هو شهر أحزان أهل البيت (ع).