المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحسين.. الشعيرة الرسالية!


kumait
12-11-2012, 05:13 AM
الحسين.. الشعيرة الرسالية!
ايمن رجاء النخلي

الحمد لله السابغ نعمته، السابق رحمته، المنعم على من يشاء، وهو الودود الكريم، هو الله الأحد فلا ضد له في ملكوت سلطانه، وهو الله الصمد فلا شريك معه في توحيد شأنه، وهو السميع البصير، ذو العرش المجيد، رب السماوات والأرض، بيده ملكوت كل شيء، خلق الإنسان من حمإٍ مسنون، ثم الإنسان عن آيات ربه من الغافلين، وعن ذكره تعالى من القالين، وعن تقديس سبحات وجه ربه من العمين، إلا عباد الله المخلصين.

الحمد لله ولي المؤمنين، ناصر المظلومين، مغيثُ المكروبين، دليلُ المتحيرين، أنيسُ المستوحشين، واسع الرحمة، قابل التوبة، ستارُ لمن عصاه، ومنعمٌ على من ناواه، نبادله بالإساءة والعصيان، ويبادلنا بالرحمة والغفران، إن نسيناه ذكرنا، وإن ذكرناه شكرنا، وإن شكرناه زادنا.

اللهم أدخلنا في عبادك الصالحين، واجعلنا من المؤمنين الرساليين، وارفعنا مع المقربين، واجعلنا من ورثة جنة النعيم، وإيدنا بما تحب وترضى، واغفر لنا خطايانا وإسرافنا في أمرنا، واجعل لنا مع الحسين الشهيد إلى بيتك الحرام سبيلا، وفي عبادتك نصيبا، واجمعنا عليك بخدمةٍ توصلنا إليك، ورحمةٍ تزلفنا لديك، ونظرةٍ تُكرمنا عليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور وتصل إلى معدن العظمة، وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك، والحمد لله أولاً وأخيرا، ومبدأً ومعيدا.

شعائر الله.. صمام الأمان للأمة

إن الإسلام رسالة حركية تعمل للوصول بالبشرية إلى توحيد الله وعبادته طوعاً وعقلاً بتمام نور الله، ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ وتشكل الشعائر الرسالية صمام الأمان أمام تحديات الأمة لحفظها ولتشييد الدين، وتعتبر الشعائر الرسالية وسائل عملية ليستخدمها أئمة الدين وقادة الإصلاح الذين يأمرون بالحق وبه يعدلون.

فمن فوائد صلاة الجمعة مثلاً، وهي من شعائر الله، أنها منبراً لتوعية المسلمين وتقويم أمرهم، وتصحيح أخطائهم بشكل إسبوعي قبل أن تستفحل أي مشكلة أو أن لا تفوتهم فرص النهضة والتقدم، فهي تتقدم بالتكوينات الإجتماعية في كيان الأمة، وتصلح شأنها. وكذلك من فوائد الحج، وهو من الشعائر الكبرى، هو نشر الإسلام بين الأمم، وتشييد الدين وحفظ بؤرته، ولذلك كان وجوب الحج على جميع الناس.

وتعتبر الشعيرة الحسينية ميقات زماني ومكاني لرفض الظلم والطغيان وللدفاع عن الأمة الإسلامية وإصلاحها، والحفاظ على عزتها وكرامتها، فهي منبر للأحرار والمجاهدين المصلحين، وإنها لَتؤتي أكلها كل حينٍ بإذن ربها، إن الله على كل شيءٍ قدير.

فالشعائر هي أعمال رسالية لا يؤسسها إلا رساليين وأئمة يبارك الله في قرباتهم، ويثمر أعمالهم، فهم قدوة المصلحين، وهداية السالكين، وسبيل العاملين. ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ فكان بناء البيت عمل رسالي لا يقوم به إلا إمام لأنه يهدي الأمم إلى سبيل الله، وكان الحج أيضاً عملا رسالياً لما فيه من الإعلام والتعبد لإقامة دين الله، وكان صدع الرسول الأعظم بالدعوة لتوحيد الله وعبادته قمة الأعمال الرسالية وذروتها، وكانت ثورة الإمام الحسين ع للإصلاح في الأرض عملاً رسالياً لا يقوم به إلا إمام.

بناء البيت بداية المشروع الرسالي

إن المشروع الرسالي في إقامة دين الله على الأرض يبدأ وينطلق من بيت الله في مكة المكرمة الذي هو صورة لبيت الله المعمور. ولقد أقام إبراهيم الخليل وإسماعيلع بيت العبادة والتوحيد والتقديس لله عز وجل والكعبة المشرفة في الأرض المقدسة، حيث تجليات الرحمة وتجليات العظمة وتجليات الجلال، وأذَّنَ في الناس بالحج إيذاناً وتمهيداً لنشر الرسالة المحمدية، وعبادة الله في الأرض، وإيذاناً بأن تسجد الخلائق للخالق الجبار، وتشييداً لدولة التوحيد الإلهي. فوفود الحجاج إلى بيت الله من كافة أقطار الأرض في إيامٍ معدودة ثم إنطلاقهم إلى كل مكان وفّر الوسيلة الكافية والإعلامية للرسول الخاتم لنشر الدين في كافة أرجاء الأرض والصدع بالدعوة إلى توحيد الخالق وحمده وشكره. فلو لم يكن هناك بيت يحج إليه الناس لما انتشر الإسلام بهذه السرعة الهائلة.

التعبد والتذلل وسيلة القرب!

لا يمكن للإنسان أن يكون رسالياً، ولا من أصحاب الأعمال العظيمة والجليلة، أو أن يدخل إلى ساحة القدس والحب، أو أن يصبح من السالكين إلا أن تتغمده يدُ الرحمة الإلهية، وتتولاه عين الرعاية الربانية، توفيقاً منه تعالى للسالكين، وهدايتاً من لدنه للمجاهدين في سبيله، وجذباً من لطفه للعاشقين، ونوراً من رحمته للمحبين، وأنساً من ذكره للذاكرين.

فجعل الحج إلى بيته تثبيتاً من قلوب المؤمنين في طلبه، وتعريضاً لهم لرحمته، وخضوعاً له عند بيته، وتذللاً ببابه، وقرباناً من أمولهم إليه، وطرداً للشياطين عن صدورهم، وذكراً له بمنّه، وتطهيراً لأرواحهم من تعلقات الدنيا، وإدخالهم برحمته في ساحة قدسه، وتطوّفاً بالبيت الحرام مع ملائكته. وذلك كله إعداداً لهم ليكونوا محلاً لقدسه، وتطهيراً لأرواحهم لذكره، واتخاذاً منهم أعواناً لرسوله في إقامة دينه، وأنصاراً لرسالته.

فلا يمكن للمؤمنين أن يكونوا من العاملين وهم ملطخين بتعلقات الدنيا، ولايمكن أن تتُقبل أعمالهم وقد خالجت أسباب التكبر والإستعلاء أرواحهم، وإنما يتقبل الله من المتقين. فكيف لمن لا يُتقبل عمله أن يُثمر، وكيف لمن يتقبل عمله أن ينقص حظه من رحمة ربه.

فالحج إلى بيت الله هو بداية التوفيق للأعمال الرسالية، وتهيئةً للمؤمنين لتحمل مسؤولياتهم، وليشكروا نِعَم الله عليهم، وينطلقوا في سبيل القرب، ويستلهموا أسباب الحب، ويرجموا الشيطان بإرادة الجذب، ويسمعوا كلمات الرب، ويشاهدوا علامات الدرب، إن الله يهدي من يشاء إلى سراطٍ مستقيم.

ليالي عاشوراء.. ليالي الأعمال

إن الحجيج ليلة المبيت بمزدلفة يتزودوا من الأعمال الصالحة والصلوات وتلاوة الآيات ليثبتوا أنفسهم لويفقهم المولى عز وجل ليرموا الشيطان بالجمرات مع بزوغ فجر العاشر من ذي الحجة ، وهو العيد الأكبر، الذي يضحي فيه المؤمنين بأموالهم قرباناً إلى بارئهم، وهو يوم انتصار الإيمان على الشرك، وانتصار الأعمال الصالحة على الفساد في الأرض، وانتصار المؤمنين على الشيطان وأعوانه، وإرغامهم وإذلالهم. وفيه تُقبل أعمال الصالحين حيث يدخلهم المولى عز وجل في رحمته ويأذن لهم للتطوف ببيته المحرم والدخول في عباده السالكين، والدخول إلى جنة الأنس به مع السابقين المقربين.

وكذلك في ليلة عاشوراء كان أنصار الإمام الحسين ع يثبّتوا أنفسهم ويتقربوا إلى ربهم بأعمالهم، فهم ما بين راكع وساجد، وتالي للقرآن ومسبح، ليوفقهم المولى في قتال أعداء الدين وأنصار الشيطان مع بزوغ فجر العاشر من محرم، وهو يوم التضحية الأكبر للسالكين والرساليين في تقبل أعمالهم وقرابينهم في ساحة القدس، حيث يدخلهم المولى عز وجل في رحمته مع الشهداء والصالحين وحسن ألئك رفيقا، ويأذن لهم للتطوف ببيته المعمور وأن يصبحوا محلاً لتقديسه وتسبيحه وتكبيره.

عاشوراء.. الميقات الإلهي

يجب أن تكون عاشوراء محطة لرفع المعنويات الرسالية، يتزود منها الأحرار والعاملين المصلحين في الأرض بالطاقات الروحية التي تتوهج بهم في أوقات المحن، فيصبحوا كالجبال في ثباتهم على الحق، وكالأنهار والسيول في عطائهم الذي لا يتوقف أو ينضب حتى آخر نبضة من فؤادهم، وكذلك كان الإمام الحسين ع .

إن عاشوراء محطة وميقات الرساليين يراجعوا فيها أهدافهم وأعمالهم الرسالية، ويستلهموا من وحي الملحمة الحسينية ما يشائون من صبر وثبات وإباء ومعرفة الطريق، وتضحية وفداء وحرية، وحب وعطاء لا محدود للآخر وللدين. ويجعلوا منها ميقاتاً يضيئوا بها الدرب للتائهين، وسراجاً للسالكين، وطريقاً واسعاً إلى ساحة القدس للعاشقين على أثر خطى الإمام الحسين ع إمام العاشقين.

فعاشوراء محطة عاطفية وتوعوية لتحريك ضمائر الأمة للعمل في نصرة الرسالة المحمدية، ونشر الإصلاح والأمل والخير في الأرض. وهي ميقات تتحول فيه أرواح التائهين في متاهات الدنيا لتهتدي إلى سبيل النجاة والعمل الرسالي ويكونوا أمة في الحق والأمر بالعدل ليلحقوا بركب الإمام الحسين ويكونوا من أنصاره والطالبين بثأره.

وألا يكونوا من المذبذبين الذين لا يثبتوا في مواقف الحق فيخذلوه في الفتن، أو الذين لا يميزوا بين الصواب والخطأ، فينقلبوا عليه جاهلين، ويقاتلوه بسيوفٍ سلّة له، ثم عادة عليه تقاتله، والعياذ بالله، إن الله لا يهدي القوم الظالمين. ولكن حتى مجرد الضجيج في صف الإمام الحسين ع هو من الأعمال الجليلة والمتقبلة، فلقد نصر الإمام الحسين حتى النساء في الخدور والأطفال الذين لا يجيدون قتالاً. فيوم عاشوراء من أيام غفران الذنوب وتقبل الأعمال، كما قبلت توبة الحر بن يزيد الرياحي واهتدى بعد التيه إلى الرسالية في العمل، والحرية في الحياة.
عاشوراء .. دعوة الرساليين

إن الرساليين في العالم وعلى مر التاريخ يستلهموا من ثورة الإمام الحسين ع ومناسبة عاشوراء المعنويات العالية والطاقات الروحية التي تلهمهم الإباء والحرية والعمل الرسالي في الحياة والشهادة في سبيل الإصلاح في الأرض ونشر كلمة التوحيد والعدالة الإلهية. وتُعد عاشوراء محطة لمثل هؤلاء الرساليين الذين لا يملكون أن تكون حياتهم عبثية بلا رسالة يحققونها وأعمال ينصرون بها نبيهم على أرض الواقع، أعمال بقدر حجمهم ونِعَم بارئهم عليهم، ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾، فهي محطة لهم ليجددوا الولاء لأبي الأحرار الإمام الحسين ع ، وعلى سبيل جده خاتم المرسلين وقائد الرساليين الرسول الأعظم ص .

وفي عاشوراء الحسين يحدد الرساليين القيم التي يحتاجون أن يتحلوا بها في قادم سنتهم الجديدة، ويراجعوا أهدافهم وأعمالهم الرسالية، وهي محطة للإحتفال بانتصاراتهم الروحية والعملية بمدى إنجازاتهم لأدوارهم الرسالية والتي أنجزوها في سنتهم المنصرمة، وتحديد أسباب ومستوى إخفاقاتهم في الأهداف التي لم ينجزوها، ويشحذوا القوى والهمم ويراجعوا أولوياتهم لمزيد من العمل الدؤوب والنصرة لأمرهم وإمامهم المنتظر، وتصحيح أخطائهم.

صادق العارضي
12-11-2012, 08:24 AM
الله (http://www.imshiaa.com/vb)م صل على محمد (http://www.imshiaa.com/vb) وال محمد (http://www.imshiaa.com/vb)
في ميزان اعمالكم