المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عاشوراء وسرمدية الثورة مبادىء تتبلور ومواقف لا تتغير


صادق العارضي
12-11-2012, 08:35 AM
عاشوراء وسرمدية الثورة مبادىء تتبلور ومواقف لا تتغير


وبعد: أحداث الكون تتغير ولكن مبادىء الكون لا تتغير، إنما تتبلور، فالإنسان يموت والبناء ينهار والنهار ينتهي .. ولكن الصدق والعدل والأمانة .. تتبلور مفاهيمها ومصاديقها ولا تتغير، فالصدق لا ينتهي .. والعدل لا يموت .. والأمانة لاتندثر..
والأحداث تتغير لأنها طارئة بمواصفاتها الفردية المحدودة بالزمان والمكان، والمبادىء لا تتغير بمواصفاتها العامة غير المحدودة بالزمان والمكان، فإذا تجَّسد مبدأُ في حدثٍ حتى ذوِّب مواصفاته الفردية، يكون ذلك الحدث مستمراً يتبلور ولا يتغير، لأنه تلاشى في المبدأ ذاته.
وعاشوراء حدث جسَّد مبدأً، فهي ثورة الحق المكبوت على الباطل الطاغي، وتلاشت المواصفات الفردية فيه، لان الإمام الحسين عليه السلام صاغه صياغة بعيدة عن أية شخصية وأنانية، بشكلٍ يبدو مبدءاً محضً لا حدث فيه، فأصبح مستمراً في كل مظهر من مظاهر ثورة الحق المكبوت على الباطل الطاغي.
فعاشوراء مستمر لا يمكن مسحه من ذاكرة الحياة مع بقية مبادىء الكون التي لا تنمحي من ذاكرة الحياة،بل عاشوراء روح الحياة والمبدأ وأساس الانبعاث الإنساني نحو العدالة والحياة الكريمة، عاشوراء صرخة الثائرين وملجأُ الخائفين نصير المظلومين وأمل المكتوبين ودليل المتحيرين والنور في الظلمات وطريق السالكين.
هكذا ... يمكن أن نقيّم عاشوراء ـ إذا أردنا أن نكون موضوعيين ـ لا أن نقّيمه ورقة في ارشيف العزاء، ولا أن نصفه ذكرى رجل عظيم يحفظ في صحف العظماء.
ومن هنا: لم تنعكس أصداء عاشوراء على الحياة بعد واقعة كربلاء فقط، وإنما كان مبدأً مكمّلا لمبادىء الكون، فكان متوقعاً أن يظهر في الوقت المناسب له، فانعكست أصدائه على الحياة بتحرك أول الأحياء على الأرض لاكتساب رحمة السماء يوم أراد آدم أن يتوب، وتتابعت تلك الأصداء كلما تحرك إنسان نحو مبادىء الكون، فالأنبياء جميعاً تذكروا عاشوراء وتفاعلوا به وهم ينجزون أكبر أعمالهم ولا يمكن أن يمارس أي عظيم أهم أعماله دون أن يتذكر عاشوراء ويتفاعل به، ومن هنا: نجد العظماء يمجدون عاشوراء كما يمجدون بقية مبادىء الكون، رغم مذاهبهم الفكرية والدينية.
فالحسين لم يبق ملك طائفة ولا ملك نفسه وهو يحقق عاشوراء وإنما أصبح مبدءاً يرفض الإستملاك كبقية المبادىء، فقد سلخ فرديته ليجري مع العقل متناغم مع روح كل إنسان ينمر للاستعلاء على واقعٍ فاسد.
ومن هنا لو سلطنا الضوء بتركيز أكثر على وقائع الثورة وأحداثها لتبيَّن لنا المراد من الإستمرار أكثر فالثورة الحسينية ثورة إصلاح مستمر.
لقطات مركزة في الثورة الحسينية:
قتلوا الحسين في كربلاء..
لا... هكذا لا تنتهي القضية.
القضية هي: ان كربلاء امتدت من تحت الأجساد الثائرة، وامتدت لحظات، وامتدت.. وامتدت.. حتى اصبحت ملىء الأرض وحديث السماء.
وحملت الرياح ذرات الرمال لتتحدى، فكانت ثورة التوّابين.. وثورة المختار.. وانتفاضة في مصر.. وحركة في اليمن.. وتمرّد في الشام... وانقلاب في خراسان....
تكريم الشهادة:
الإمام الحسين عليه السلام قُتل في وقت كان الناس كثيراً ما يقتلون في سبيل الأهداف المختلفة، وكثر الشهداء في سبيل الإسلام، وكان لهم سيد هو: (حمزة بن عبد المطلب) عم الرسول صلى الله عليه وآله، فلم تكن للقتل قيمة، ولكنه قتل بشكل أعطى للقتل قيمة واعتبار.
قوة الثورة:
لو كان الإمام الحسين عليه السلام يلجأ الى قوة الخطابة لشهر يزيد في وجهه ألف خطيب وخطيب، فلجأ الى قوة الثورة حيث لم يكن يزيد يملك الثائرين وانما يملك التجار.
أداة التعبير الأكمل:
إن الإئمة عليهم السلام آمنوا، فقالوا ولكن القول وحده ليس التعبير الكامل عن واقع الفرد، فلذلك: لا يؤثر التأثير الكامل. فعملوا، ولكن العمل ـ أيضاً ـ ليس التعبير الكامل عن واقع الفرد، فهو (لذلك) قليل التأثير أيضاً. فأثّروا، ولكن هناك يوجد تعبير أكمل، وأن نطاق الإيثار ضيّق لا يسع كل الناس. فضحّوا، إذ لا يوجد تعبير أكمل من التضحية، ولا أوسع منها.
الموقف المختار:
كان الإمام الحسين عليه السلام ان يختار أحد المواقف الثلاثة:
الأول: ان يبايع ليزيد، ويربح كل بحبوحة ممكنة في الحياة إذا كانت الحياة تقاس يمقياس الحياة الحيوانية: الإستمرار في التنفس والأكل والشرب.
الثاني: ان لايبايع ولا يخرج الى العراق بل يلجأ الى احد الثغور كاليمن ـ مثلاً ـ وفق اقتراح محمد بن الحنفية.
الثالث: ولكن: كان على الحسين أن يختار الموقف فقط، لان الأمة انقسمت ـ في أيامه ـ الى الأقسام التالية:
1ـ الذين خسروا الثقة بقيادة أهل البيت عليهم السلام، وبخاصة بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام.
2ـ التافهون الذين كانوا يقولون: ما لنا والدخول بين السلاطين؟!
3ـ الثابتون المنتشرون في مختلف أقطار الأرض، الذين لم تجمعهم رابطة حتى يعملوا شيئاً.
فكان على الحسين عليه السلام ان يحوّل كل الأمة من واقعها الفاسد الى واقع أفضل، بمثل ثورة في حجم ثورته.
بناء أيديولوجية الثورة:
الإمام الحسين عليه السلام لم يكن يريد الحكم: بدليل أن أخبر بأنه سيقتل، وبدليل أنه كان يفرّق الناس عنه عندما خطب: «خطّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة...» وعندما أخبر بمقتل مسلم بن عقيل عليه السلام، وحتى في ليلة عاشوراء. وإنما كان يريد أن يبقي معه الأفراد الذين يؤدون أدواراً تضحوية عميقة، حتى ولو كانوا أطفالاً.
صعوبة وعظمة عاشوراء:
لقد كان الإمام الحسين عليه السلام يتمتع بسلطة روحية غير معترف بها إلا لدى النخبة من المسلمين، بينما يزيد يتمتع بسلطة زمنية مطلقة وسلطة روحية مفروضة على الجماهير ما عدا النخبة المتمثلة في الحسين وأصحابه، ومن هنا: جائت صعوبة وعظمة عاشوراء معاً.
المنتصر والمنهزم:
المنهزم في المواجهة العسكرية، قد ينتصر لان الحق يقف الى جانبه والمنتصر في المواجهة العسكرية، قد ينهزم لان الحق يقف ضده. ومن هنا: انتصر الحسين عليه السلام المقتول على يزيد القاتل.
ثم: تناصرت الدنيا لاقتلاع الحسين فتأصل أكثر.. فأكثر.. لانه ارتفعت ظلامته، وفضح ظلم قاتليه بعد يزيد.
ان الزمام لم تبتلع نداء الحسين عليه السلام، وحتى أنينه لم يمت مع صبيانه في عطش الصحراء
الروح الثابتة:
بالروح الثابتة خرج الحسين عليه السلام من المدينة ودخل كربلاء، وبقي يتلقى الأحداث بروح رياضية غير مترجرجة، فقد خرج ليضحي في سبيل الله، فأصعب التضحيات تهون عليه ما دامت بعين الله: «هوّن عليّ ما نزل بي انه بعين الله».
تأمين الجانب العاطفي للإسلام:
الإمام الحسين عليه السلام أمّن الجانب العاطفي للإسلام بكل الوان العاطفة، فترسّب نوره في القلوب الحالكة التي لم يسقط فيها بريق الايمان بالله كاملاً.
غيرة الإمام:
لما سقط الإمام الحسين عليه السلام عن جواده تحاماه الجيش الأموي، ففكروا في طريقة لاكتشاف ما اذا كان سقوطه خطة عسكرية؟ فحملوا على المخيم ربما ليعرفوا ما اذا كان حياً؟ وذلك: لمعرفتهم الكاملة بمدى غيرة الإمام.
مثالية الإمام:
كان الإمام الحسين عليه السلام يحضر على رأس كل صريع رغم فاصل الجيش، فقد حضر على رأس (علي الأكبر) وهو في قلب المعسكر وعلى رأس (العباس) وهو على بعد شاسع من المخيّم وهكذا.
مناقبية العباس:
لم يصب (العباس) في ذهابه الى الماء، وإنّما أصيب في عودته لأنه لا يأبه بشيء الا بإيصال الماء الى المخيّم، تنفيذاً لأمر الإمام ولذلك: أُصيب.
عظمة العباس:
لم يأذن الإمام الحسين لـ(العباس) بالمبارزة لأنه يعلم ان العباس سوف يغيّر مقاييس المعركة.
تماسك جيش الإمام:
بعد الحملة الأولى صبيحة عاشوراء، لم يحمل الجيش الأموي على معسكر الإمام الحسين عليه السلام حملة اخرى. وذلك لأنه تعلم درساً لا يمكن ان ينساه. فلم يحمل الثانية إلا بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام.
جنود الإمام:
كان كل واحد من جنود الإمام الحسين يشغل الجيش الأموي كلّه بقتاله، وذلك: بعد مقتل خمسين رجلاً منهم ـ في الحملة الأولى ـ وبقاء عشرين فقط.
مهمات أهل بيت الإمام:
أخرج الحسين معه عائلته، ليستمرّوا في خطّه، من أجل توضيف ثورته في أهدافها، وعدم تركها لتهريجها عدوّ يخطط لتدميرها ومحب يجهل توضيفها.
المضحى الحكيم:
الإمام الحسين عليه السلام ضحّى بالكثير وبالغالي، ولكنه لم يضح بالأكثر والأغلى، ضحى بالمال والأهل والنفس، ولم يضحِّ بالمثل والقيم والدين. ويزيد ضحّى بالأكثر والأغلى، ولم يضح بالكثير وبالغالي، ضحّى بالمثل والقيم والدين ولم يضحِّ بالسلطة والأنانية فأيهما ضحى وأيهما استأثر؟!
والإمام الحسين عليه السلام ضحى ولكنه لم يرخص التضحية، فهو يعلم من هو؟ وبماذا يضحي؟ فلم يرخص قطرة من دمه ولم يرخص قطرة من دماء من معه، وإنما كان يستوفي ما يريد، ثم يدفع ما لا يريد وهل قتل الحسين، أو ترك أحداً مِن مَن معه يقتل قبل ان ينتزع الاعتراف من خصومه: من هو، وماذا يريد منهم؟؟ ومن هم، وماذا يريدون منه؟؟
انه ضحى بقدر.. وعصر التضحيات إلى أقل عدد ممكن حيث كان يصرف الناس الذين يلتفون حوله، ولكنه كسب كل ما أراد كسبه.
توريط يزيد:
الإمام الحسين أراد أن يورّط يزيد في جريمة نكراء لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال وبأي شكل من الأشكال ولذلك حمل معه النساء والأطفال ولذلك عرض عليهم الطفل بذلك الشكل الخاص ولذلك صلى بين الصفين وكان باستطاعته أن يصلي في خيمة.
سلاح الصلاة:
صلّى الإمام الحسين عليه السلام بين الصفين، وضحى باثنين من أصحابه في سبيل تلك، ليعلن، أن أعدائه لا يصلون ولا يدعون ابن رسول الله يصلي وهم يدّعون أنهم جنود خليفة الله.
التحلل الغريب:
كم يجب أن يكون الفرد قد تحلل حتى لا ينسجم هو مع نفسه فقلبه يتّجه ويده تتجه إلى عدوه فيكون: «قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أمية»؟!.
الاستفادة الأفضل من الثورة:
ما استفدنا من ثورة الإمام الحسين؟.
إن ثورة الإمام الحسين عليه السلام مدرسة علينا اخذ الدروس منها لا مجرد أن ندخلها كل عام من باب ونخرج، فعاشوراء كنز لا نفاذ له ولا انتهاء له بل امتداد روحي وأخلاقي وسياسي وثوري، رسم معالم الحياة اللاحقة وميّز بين الحق والباطل والمؤمن والمنافق والظالم والمظلوم.
والحمد لله رب العالمين.
مما راق لي

وسام القاسمي
12-11-2012, 08:45 AM
السلام عليك يابا عبد الله
بارك الله فيك اخ الغزيز

صادق العارضي
12-11-2012, 10:49 PM
الله (http://www.imshiaa.com/vb)م صل على محمد (http://www.imshiaa.com/vb) وعلى آل محمـد
شكرا لمروركم العذب اخي وسام

ابراهيم العبيدي
12-11-2012, 11:54 PM
الله (http://www.imshiaa.com/vb)م صل على محمد (http://www.imshiaa.com/vb) وعلى آل محمـد
شكرا لاختيارك اخي المبارك
للموضوع

صادق العارضي
14-11-2012, 07:20 AM
الله (http://www.imshiaa.com/vb)م صل على محمد (http://www.imshiaa.com/vb) وعلى آل محمـد
شكرا لمروركم العطر اخي ابراهيم