علاء ناصر حسين
15-11-2012, 08:52 AM
مسافاتٌ باردة
http://www.alshiaclubs.com/upload//uploads/images/alshiaclubs-5b50842bc4.jpg
كعصفورٍ أنيق حطّ على غصني النحيل ، أنشدَ حزنَه بترفٍ ثم رحل ، بعد أن تركَ لي نافذتين إحداهما أخشى الاقتراب منها حتى لا أتورّط بفتنة حضوره أكثر ، أغلقتُها بينما أبقيتُ الأخرى مشرعة يتلصّصُ منها الحنين بين فينة وأخرى .
مضتْ سنتان على آخر رسالةٍ أهملتُها في البريد ، تركتُها مستلقية تقرضُ أطرافها الحيرة ، أقلّبُ أحرفها حتى كلّتْ ، وتبدّد عطرها الذي كان يحاولُ إيقاظ جهةٍ من القلب باتت مُهمَلة .
نفضتُ الغبار عنها اليوم وفككتُ أقفالها ، بدتْ صفراء كأنها أرضٌ فطّرَ تربتها الجفاف ، لكنّ عطراً مندسّاً بين سطورها يقاوم التبدّد ، أغراني على وصلِ أطرافها المبتورة منذ زمن ، في آخرها كتبَ رقماً لهاتفه الجديد ، أطرقُ أزراره متى ما دعاني الحنين ، دوّنته في قصاصةٍ سأحرّضُ بها نفسي إلى الحديث معه ، كنتُ كورقة فارغة في يدٍ ترتجف ، حين أنهيتُ آخر رقمٍ كان قلبي يركلُ خفقاته نحو صدري الذي وضعتُ كفي لأتحسسَ اضطرابه الشديد .
أجابني بـ : ( مرحباً ) بصوتٍ خامرهُ هدوءٌ معتاد ، ميّزتُ راءَهُ الثقيلة فسكنني اليقين ، ها هو لم تغيّرهُ السنون ، ذاتُ المسافة تفصلنا غير أن الزمن بيننا قد امتدّ أكثر ، أعادها ثانية فأغلقتُ الخط ؛ لم أستطع ترتيبَ أنفاسي التي تبعثرت مع كل نبرةٍ في صوته ، كانت تهرولُ نحو أيامه التي غادرتني فجأة ، ولم أتهيأ للفاجعة بعد ، استلقيتُ أحتضنُ دواراً اجتاحني فلم أفلتْ منه إلا على صوتِ إعادتهِ للاتصال ، تركتُهُ يومضُ بين يديّ قليلا ، لكنّ حنيناً كان يجذبني بقوّة حتى ارتطمتُ بجدارٍ أشبهُ بالزجاج الذي لا يُخفي ما وراءه ، فأجبتُه بصوتٍ خفيض جداً ، خبأتُ فيه ارتباكي ، يبدو أنه لم يميّز صوتي ، فغرزَ في قلبي أوّلَ شظيّةٍ دون أن يعلم : ( أنتِ جُمان ؟! )
ألجمتْني المفاجأة ثم أجبتُه بصوتٍ متكسّر : ( أنا سَما يا خالد !! ) .
كانَ كمَن غاصَ في الأرض وهو يستعيدُ صوتي ، حاولتُ شرخَ السكوت الذي تكوّنَ بيننا ولو بسؤالٍ باهت ، صوتُ طفلٍ صغير يلهو بالقربِ منه ، سألتُه من يكون ، ويبدو أنّ الصمت هو الأليَق بأسئلة الغياب ، فبعضها يكون الردّ عنها أشبهُ بغصّة لا تريد المرور بسلام ، لم يدمْ ذاك السكوتُ طويلاً ، فالإجابات قد يرتّبها القدر بلطفٍ شديد ، ( بابا ... ) .
كرهتُها من فمِ ذلك الطفل حين سمعتُها ؛ لأنه بها غرز شظيّة أخرى في قلبي دون حذر ، وبقيتُ بعدها أعيشُ تفاصيلَ متخيّلة أرسمُها كيفما شاءَ قلبي ، فإذا هزمني الحزنُ بترتُها ثم جثوتُ أبكي ككلّ النساء بعد نوبةِ فقد .
أغلقتُ الخطّ دون إذنٍ بالانسحاب ، وأنا أستعيدُ حوارنا الأخير قبل ثلاثِ سنواتٍ انصرمتْ .
منقولة بقلم القاصّة زهراء المقداد
http://www.alshiaclubs.com/upload//uploads/images/alshiaclubs-5b50842bc4.jpg
كعصفورٍ أنيق حطّ على غصني النحيل ، أنشدَ حزنَه بترفٍ ثم رحل ، بعد أن تركَ لي نافذتين إحداهما أخشى الاقتراب منها حتى لا أتورّط بفتنة حضوره أكثر ، أغلقتُها بينما أبقيتُ الأخرى مشرعة يتلصّصُ منها الحنين بين فينة وأخرى .
مضتْ سنتان على آخر رسالةٍ أهملتُها في البريد ، تركتُها مستلقية تقرضُ أطرافها الحيرة ، أقلّبُ أحرفها حتى كلّتْ ، وتبدّد عطرها الذي كان يحاولُ إيقاظ جهةٍ من القلب باتت مُهمَلة .
نفضتُ الغبار عنها اليوم وفككتُ أقفالها ، بدتْ صفراء كأنها أرضٌ فطّرَ تربتها الجفاف ، لكنّ عطراً مندسّاً بين سطورها يقاوم التبدّد ، أغراني على وصلِ أطرافها المبتورة منذ زمن ، في آخرها كتبَ رقماً لهاتفه الجديد ، أطرقُ أزراره متى ما دعاني الحنين ، دوّنته في قصاصةٍ سأحرّضُ بها نفسي إلى الحديث معه ، كنتُ كورقة فارغة في يدٍ ترتجف ، حين أنهيتُ آخر رقمٍ كان قلبي يركلُ خفقاته نحو صدري الذي وضعتُ كفي لأتحسسَ اضطرابه الشديد .
أجابني بـ : ( مرحباً ) بصوتٍ خامرهُ هدوءٌ معتاد ، ميّزتُ راءَهُ الثقيلة فسكنني اليقين ، ها هو لم تغيّرهُ السنون ، ذاتُ المسافة تفصلنا غير أن الزمن بيننا قد امتدّ أكثر ، أعادها ثانية فأغلقتُ الخط ؛ لم أستطع ترتيبَ أنفاسي التي تبعثرت مع كل نبرةٍ في صوته ، كانت تهرولُ نحو أيامه التي غادرتني فجأة ، ولم أتهيأ للفاجعة بعد ، استلقيتُ أحتضنُ دواراً اجتاحني فلم أفلتْ منه إلا على صوتِ إعادتهِ للاتصال ، تركتُهُ يومضُ بين يديّ قليلا ، لكنّ حنيناً كان يجذبني بقوّة حتى ارتطمتُ بجدارٍ أشبهُ بالزجاج الذي لا يُخفي ما وراءه ، فأجبتُه بصوتٍ خفيض جداً ، خبأتُ فيه ارتباكي ، يبدو أنه لم يميّز صوتي ، فغرزَ في قلبي أوّلَ شظيّةٍ دون أن يعلم : ( أنتِ جُمان ؟! )
ألجمتْني المفاجأة ثم أجبتُه بصوتٍ متكسّر : ( أنا سَما يا خالد !! ) .
كانَ كمَن غاصَ في الأرض وهو يستعيدُ صوتي ، حاولتُ شرخَ السكوت الذي تكوّنَ بيننا ولو بسؤالٍ باهت ، صوتُ طفلٍ صغير يلهو بالقربِ منه ، سألتُه من يكون ، ويبدو أنّ الصمت هو الأليَق بأسئلة الغياب ، فبعضها يكون الردّ عنها أشبهُ بغصّة لا تريد المرور بسلام ، لم يدمْ ذاك السكوتُ طويلاً ، فالإجابات قد يرتّبها القدر بلطفٍ شديد ، ( بابا ... ) .
كرهتُها من فمِ ذلك الطفل حين سمعتُها ؛ لأنه بها غرز شظيّة أخرى في قلبي دون حذر ، وبقيتُ بعدها أعيشُ تفاصيلَ متخيّلة أرسمُها كيفما شاءَ قلبي ، فإذا هزمني الحزنُ بترتُها ثم جثوتُ أبكي ككلّ النساء بعد نوبةِ فقد .
أغلقتُ الخطّ دون إذنٍ بالانسحاب ، وأنا أستعيدُ حوارنا الأخير قبل ثلاثِ سنواتٍ انصرمتْ .
منقولة بقلم القاصّة زهراء المقداد