kumait
15-11-2012, 03:03 PM
مصطلحات قرآنية
مرتضى العسكري
لعلوم الاسلام كسائر العلوم مصطلحات بها تفتح أبوابها، وتدرك بحوثها ومع الاسف الشديد لم يعن العلماء منذ قرون بدراسة مصطلحات علوم القرآن كما عنوا ـ مثلا ـ بمصطلحات علوم الفقه ، وعلى أثرها عرف المسلمون أحكام الاسلام مدى القرون.ولعدم عنايتهم بدراسة مصطلحات علوم القرآن التبس أمر مصطلحات الاسلام في علوم القرآن بمصطلحات المسلمين فيها، ولم تفهم معنى الروايات التي رويت في شأن النسخ والقراءة والمصاحف وأمثالها من بحوث علوم القرآن، وأدَّى ذلك الى القول بعدم ثبوت النص القرآني الذي أوحي الى الرسول (ص) في عصرنا ـ معاذ اللّه ـ وأخطاء كبيرة أخرى تعرضنا لدراستها خلال بحوث هذا الكتاب، ويتوقف فهم المصطلحات القرآنية على استيعاب معاني المصطلحات التي شرحناها في الجزء الاول من كتابنا ((قيام الائمة بإحياء السنّة)).
وفي البحوث الاتية محاولة متواضعة لتعريف المصطلحات الاسلامية ومصطلحات المسلمين في علوم القرآن، فإن أصبتُ فيها فمن اللّه، وإن أخطأتُ فمني وحسبي نجاحا أن أوفّق لجلب نظر الباحثين في هذه العلوم إلى ضرورة القيام بدراسة تلك المصطلحات وعدم الركون إلى بحوث السلف الصالح في شأنها وتقليدهم فيها واللّه المسؤول ان يأخذ بايدينا في سلوك هذا الطريق إنّه نِعم المولى ونعم النصير.
أولا ـ الوحي ونزوله:
1 ـ الوحي في المصطلح الاسلامي: كلمة اللّه ـ جلّ اسمه ـ التي يلقيها إلى أنبيائه ورسله بسماع كلام اللّه ـ جلّ جلاله ـ دونما رؤية اللّه ـ سبحانه ـ مثل تكليمه موسى بن عمران (ع)، أو بنزول ملك يشاهده الرسول ويسمعه مثل تبليغ جبرائيل (ع) لخاتم الانبياء (ص)، أو بالرؤيا في المنام مثل رؤيا إبراهيم (ع) في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل (ع)، أو بانواع أخرى لايبلغ إدراكها علمنا.
2 ـ نزول الوحي: أنزل اللّه وحيه وكتابه ونزّله: جعله ينزل. وانزال القرآن والملائكة الى محل نزوله مثل قلب النبيّ والتنزيل: إنزال تدريجي للوحي أو الكتاب والانزال عامّ. والتنزّل: نزول في تمهل وتدرّج. واستعمل نزل وأنزل في القرآن الكريم بمعنى أوحاه، وكذلك العكس.
3 ـ ما أوحى اللّه الى رسله: ينقسم ما أوحى اللّه الى رسله الى قسمين:
أ ـ ما أوحي إليهم لفظه ومعناه وكان ذلك شأن كتبه التي أنزلها الى رسله وآخرها القرآن الكريم.
ب ـ ما أنزل اللّه المعنى وبلّغته رسله بلفظهم وهذا مايسمى بالمصطلح الاسلامي سنّة الرسول ومن جملتها أحاديث الرسول (ص) في تفسير آي القرآن وبيان مجملها ومتشابهها.
ثانيا ـ القران والكتاب والمصحف:
1 ـ القرآن:هو كلام اللّه الذي نزّله نجوما(1) على خاتم أنبيائه محمد (ص) بلسان عربي مبين، وهو ليس بشعر ولا نثر، في حين أنّ جميع كلام بني آدم في جميع اللغات إمّا أن يكون شعرا أو نثرا، وهذا أحد وجوه إعجاز القرآن. وقد سمّى اللّه جميع القرآن بالقرآن، وكذلك سمّى جزءا منه بالقرآن، فهو مصطلح إسلامي. ووصفه بالكتاب والذكر والنور، وأمثالها، فعدّ العلماء تلك الصفات من أسماء القرآن، وليس للقرآن إسم غير القرآن.
2 ـ الكتاب:
أ ـ في اللغة: كتب الكتاب كتبا وكتابا: دوّن حروف الهجاء على أشكال تكوّن منها الكلمات والجمل.
والكتاب: مصدر سُمّي به المكتوب مثل قول بلقيس: (أُلقْي إليَّ كِتابٌ كَريمٌ # وإنَّهُ مِن سُلَيمانَ)(2).
ب ـ في القرآن الكريم: اُطلق الكتاب في القرآن الكريم على كلّ كتاب أنزله اللّه مثل التوراة والانجيل والقرآن.
ج ـ في اصطلاح النحويين: اشتهر كتاب سيبويه في النحو باسم الكتاب.
3 ـ المصحف:
أ ـ في اللغة: اسم للصحف التي تجمع بين الدفتين ـ الجلدين ـ.
ب ـ في مصطلح المسلمين: استعمل المصحف الى عصر عثمان بهذا المعنى نفسه وكذلك في روايات أئمة أهل
البيت(ع) وفي أخبار مدرسة الخلفاء.
ج ـ سمِّي كتاب خالد بن معدان من التابعين بمصحف خالد بن معدان وكان قد جمع فيه علمه.
د ـ في مصطلح الامم السابقة: كان سهل مولى عتيبة قبل اسلامه نصرانيا له عمّ من علماء أهل الكتاب له مصحف دوّن فيه أوصاف النبيّ (ص).
والمصاحف التي بلغنا أخبارها هي:
هـ ـ مصحف فاطمة بنت النبيّ (ص): كان لفاطمة مصحف دون فيه أخبار ممّا يأتي به الزمان.
و ـ مصاحف الصحابة: كان للصحابة مصاحف دون صاحب كلّ منها ما سمعه من الرسول (ص) في بيان آي من القرآن الكريم مثل: مصحفا أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين حفصة حيث أمرتا ان يكتب في مصحفهما بعد آية (والصلاة الوسطى) وصلاة العصر، وكذلك كان لعدة من الصحابة مصاحف مثل:
مصحف عبد اللّه بن مسعود: روي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ (في مواسم الحج) بعد (ربّكم) في قوله تعالى في سورة البقرة الاية 198: (لَيسَ عَلَيكُمْ جُناحٌ أن تَبتغُوا فَضْلا مِّن رِّبِّكُمْ فإذا أفَضتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ). فان (في مواسم الحج) كان تفسيرا للاية وبيانا لزمان ابتغاء الفضيلة من الربّ تبارك وتعالى.
ز ـ مصحف الرسول (ص): أوصى الرسول الامام عليا أن يجمع الصحف المكتوب عليها القرآن وبيان الرسول ففعل فبقى ذلك المصحف عند الامام علي، وورثه من بعده مع ما ورث من صحف العلم الامام الحسن، وانتقلت بعد الامام الحسن (ع) الى الامام الحسين(ع) ومن بعده الى أولاده الائمة كابرا بعد كابر.
سياسة تجريد القرآن من حديث الرسول (ص):
اقتضت سياسة الخلفاء الثلاثة تجريد القرآن من حديث الرسول (ص) كي لا ينتشر بين المسلمين خارج الحرمين موقف سادة قريش عصبة الخلافة القرشية من الرسول (ص) والاسلام، ولا ينتشر بينهم من الثناء والنصّ في حقّ غيرهم من مخالفيهم فبدؤوا العمل بذلك على عهد الخليفة الاول ابي بكر حيث أمر بكتابة مصحف مجرد عن حديث الرسول (ص)، واستمر العمل على ذلك وانتهى في عصر الخليفة عمر، وأودعه عند أم المؤمنين حفصة، ثم استنسخ الخليفة الثالث عليها سبع نسخ ووزعها بين أمهات البلاد الاسلامية، فاستنسخ المسلمون منها مصاحفهم التي بقيت بأيدي المسلمين حتى اليوم مجردة عن حديث الرسول(ص)، وجُمع ما عداها من مصاحف الصحابة اللاتي كتب فيها القرآن مع بيان الرسول(ص)، واشتهر بين المسلمين في قرون متعاقبة حتّى اليوم أن المصحف اسم للقرآن الذي في متناول أيديهم. وبذلك اصبح المصحف في مصطلح المسلمين اسما علما للقرآن المجرد عن بيان الرسول حتى اليوم.
ولمّا حثّ الخليفة العباسي المنصور علماء المسلمين على تدوين العلوم، فقام بذلك علماء المسلمين وكان من ضمنها ما ألفوا في تفسير القرآن، جمعوا فيها بين النص القرآني وتفسير آياته وكان عملهم هذا مشابها لعمل الصحابة في كتابة مصاحفهم، فاشتهر بين المسلمين تسمية القرآن المجرد عن بيان وتفسير بالمصحف، والمصحف الذي دوّن فيه القرآن مع بيان آياته بالتفسير.
ثالثا ـ السورة والاية:
السورة في المصطلح القرآني جزء من القرآن يفتتح بالبسملة عدا سورة براءة، ويشتمل على آيات تميّز بالترقيم، ونرى أن اللّه قد سمّى كلّ سورة باسم واحد. وما اشتهر لها أكثر من اسم واحد مثل سورة الاسراء وسورة بني إسرائيل ينبغي أن يبحث في السنّة النبويّة عن اسمها في المصطلح القرآني.
(الاية) في اللغة: العلامة الواضحة على شيء محسوس أو الامارة الدالة على شيء معقول. وفي المصطلح الاسلامي قد تكون (الاية): معجزة من معاجز الانبياء أو جملة من ألفاظ سورة قرآنية معينة بالعدد أو فصلا أو فصولا من كتب اللّه تبيِّن حُكما من أحكام شريعته. ولا نقول: إنّ معنى الاية في المصطلح الاسلامي ينحصر بما ذكرناه، بل نقول: هذا ما عرفناه من معاني الاية الى اليوم، ولعلّ البحث يعرِّفنا بعد اليوم غيرها من معاني الاية في المصطلح الاسلامي. إذا لفظ الاية مشترك في المصطلح الاسلامي بين عدّة معان، ولا يستعمل اللفظ المشترك في الكلام دونما قرينة تعيِّن المعنى المقصود.
رابعا ـ الجزء والحزب:
قسّم المسلمون القرآن الى ثلاثين قسما وكلّ قسمٍ سمّوه جزءا(3)، والجزء الى أربعة أحزاب، وهما من مصطلح المسلمين، لعدم استعمالهما بهذا المعنى في الكتاب والسنّة.
خامسا ـ التلاوة والقراءة:
يقال: تلا الكتاب لكتاب يجب العمل به مثل كتب اللّه المنزلة على رسله، ويقال في لغة العرب: قرأ الكتاب قراءة اذا تتبع كلماته نظرا ونطق بها.
وفي المصطلح الاسلامي: يقال قرأ القرآن واقترأه فهو قارئ اذا تعلّم تلاوة لفظ القرآن مع بيان معانيه ومعنى اقرأ ويقرئه: عُلِّم تلاوة لفظه مع تعليم معناه فهو عندئذ: مقرئ.
سادسا ـ الجامع والحافظ:
أ ـ الجمع والجامع:
1 ـ في اللغة: جاء الجمـع في لغـة العـرب بمعنى ضمّ الشيء بتقـريب بعضـه الى بعـض يقال: جمعتـه فاجتمـع، وجمـع متفـرقا: لمَّ الاشياء المتفـرقة، وضمّ بعضها الى بعـض.
2 ـ جمع القرآن في المصطلح الاسلامي: جمع القرآن في كلام اللّه وحديث الرسول (ص) ومحاورة الصحابة: حفظا في الصدور، وكتبا في المصاحف.
ب ـ حافظ القرآن: يقال في اللغة: حَفَظ الشيء، أي: رعاه وصانه وحرسه(4). ويقال ـ أيضا ـ الحفظ: لضبط في النفس، ويضادّه النسيان(5). والحافظة والذاكرة: قوّة في الانسان تحفظ معلوماته. وفي القرون الاخيرة قيل لمن يحفظ القرآن عن ظهر قلب: الحافظ. وكذلك يقال لمن يحفظ عددا كبيرا من الاحاديث: الحافظ(6).
سابعا ـ الترتيل والتجويد:
أ ـ الترتيل: قال الراغب: الترتيل، إرسال الكلمة بسهولة واستقامة. وروى ابن الجزري عن الامام علي أنه قال: الترتيل: تجويد الحروف ومعرفة الوقوف(7).
ب ـ التجويد: التجويد في اللغة يقال : جوّد القول، أي: أتى بالقول الجيّد، وجوّد القراءة: قرأ جيّدا.
وقال ابن الجزري: التجويد إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها مراتبها وردّ الحرف الى مخرجه وأصله وإلحاقه بنظيره وتصحيح لفظه وتلطيف النطق به على حال صيغته وكمال هيأته من غير إسراف ولا تعسف ولا إفراط ولا تلف.
قال المؤلف: هذا ماذكروه. ولا أرى التجويد إلاّ محاولة من مقرئ القرآن أن يؤدي اللفظ باللّهجة التي أدّاها رسول اللّه (ص). ثمّ تمرّن عليها قرّاء القرآن جيلا بعد جيل منذ عصر الرسول (ص) حتّى اليوم. ونرى التجويد تعبيرا عن الترتيل ومصداقا له.
ثامنا ـ النسخ:
النسخ في اللغة: إزالة شيء بشيء يتعقّبه، يقال: نسخت الشمس الظلّ(8).
وفي المصطلح الاسلامي: نسخ أحكامٍ في شريعةٍ بأحكامٍ في شريعةٍ أخرى(9).
مثل نسخ بعض أحكام الشرائع السابقة بأحكامٍ في شريعة خاتم الانبياء (ص)(10).
وكذلك نسخ حكمٍ مؤقتٍ بحكمٍ أبدي في شريعة خاتم الانبياء (ص)، مثل نسخ حكم توارث المتآخيين من المهاجرين والانصار فيالمدينة قبل فتح مكّة بحكم توارث ذوي الارحام بعد فتح مكّة.
الهوامش
()1 نجوما أي في أوقاتها المعينة.
()2 النمل/ 29 و30.
()3 روي أنّ تقسيم القرآن الى ثلاثين جزءا كان في عصر الحجاج.
()4 مادة (حفظ) بمعاجم اللغة.
()5 مادة (حفظ) بمفردات الراغب.
()6 المعجم المفهرس لالفاظ الحديث.
()7 ابن الجزري: محمد بن محمد الشافعي (ت: 833 هـ) وروى الخبر في كتابه النشر في القراءات العشر، ط. المكتبة التجارية الكبرى بمصر. 1 / 209.
()8 مفردات الراغب والمعجم الوسيط مادة (نسخ).
()9 قال أبو الوليد: (النسخ: إزالة الحكم الثابت بشرع متقدم بشرع متأخّر عنه على وجه، لولاه لكان ثابتا).
كتاب الاصول في الحدود، تأليف الحافظ أبو الوليد سليمان بن خلف الاندلسي، (ت: 474 هـ ) ط.بيروت، سنة 1392، ص 490.
()10 كما سيأتي بيانه في بحث النسخ إن شاء اللّه تعالى.
مرتضى العسكري
لعلوم الاسلام كسائر العلوم مصطلحات بها تفتح أبوابها، وتدرك بحوثها ومع الاسف الشديد لم يعن العلماء منذ قرون بدراسة مصطلحات علوم القرآن كما عنوا ـ مثلا ـ بمصطلحات علوم الفقه ، وعلى أثرها عرف المسلمون أحكام الاسلام مدى القرون.ولعدم عنايتهم بدراسة مصطلحات علوم القرآن التبس أمر مصطلحات الاسلام في علوم القرآن بمصطلحات المسلمين فيها، ولم تفهم معنى الروايات التي رويت في شأن النسخ والقراءة والمصاحف وأمثالها من بحوث علوم القرآن، وأدَّى ذلك الى القول بعدم ثبوت النص القرآني الذي أوحي الى الرسول (ص) في عصرنا ـ معاذ اللّه ـ وأخطاء كبيرة أخرى تعرضنا لدراستها خلال بحوث هذا الكتاب، ويتوقف فهم المصطلحات القرآنية على استيعاب معاني المصطلحات التي شرحناها في الجزء الاول من كتابنا ((قيام الائمة بإحياء السنّة)).
وفي البحوث الاتية محاولة متواضعة لتعريف المصطلحات الاسلامية ومصطلحات المسلمين في علوم القرآن، فإن أصبتُ فيها فمن اللّه، وإن أخطأتُ فمني وحسبي نجاحا أن أوفّق لجلب نظر الباحثين في هذه العلوم إلى ضرورة القيام بدراسة تلك المصطلحات وعدم الركون إلى بحوث السلف الصالح في شأنها وتقليدهم فيها واللّه المسؤول ان يأخذ بايدينا في سلوك هذا الطريق إنّه نِعم المولى ونعم النصير.
أولا ـ الوحي ونزوله:
1 ـ الوحي في المصطلح الاسلامي: كلمة اللّه ـ جلّ اسمه ـ التي يلقيها إلى أنبيائه ورسله بسماع كلام اللّه ـ جلّ جلاله ـ دونما رؤية اللّه ـ سبحانه ـ مثل تكليمه موسى بن عمران (ع)، أو بنزول ملك يشاهده الرسول ويسمعه مثل تبليغ جبرائيل (ع) لخاتم الانبياء (ص)، أو بالرؤيا في المنام مثل رؤيا إبراهيم (ع) في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل (ع)، أو بانواع أخرى لايبلغ إدراكها علمنا.
2 ـ نزول الوحي: أنزل اللّه وحيه وكتابه ونزّله: جعله ينزل. وانزال القرآن والملائكة الى محل نزوله مثل قلب النبيّ والتنزيل: إنزال تدريجي للوحي أو الكتاب والانزال عامّ. والتنزّل: نزول في تمهل وتدرّج. واستعمل نزل وأنزل في القرآن الكريم بمعنى أوحاه، وكذلك العكس.
3 ـ ما أوحى اللّه الى رسله: ينقسم ما أوحى اللّه الى رسله الى قسمين:
أ ـ ما أوحي إليهم لفظه ومعناه وكان ذلك شأن كتبه التي أنزلها الى رسله وآخرها القرآن الكريم.
ب ـ ما أنزل اللّه المعنى وبلّغته رسله بلفظهم وهذا مايسمى بالمصطلح الاسلامي سنّة الرسول ومن جملتها أحاديث الرسول (ص) في تفسير آي القرآن وبيان مجملها ومتشابهها.
ثانيا ـ القران والكتاب والمصحف:
1 ـ القرآن:هو كلام اللّه الذي نزّله نجوما(1) على خاتم أنبيائه محمد (ص) بلسان عربي مبين، وهو ليس بشعر ولا نثر، في حين أنّ جميع كلام بني آدم في جميع اللغات إمّا أن يكون شعرا أو نثرا، وهذا أحد وجوه إعجاز القرآن. وقد سمّى اللّه جميع القرآن بالقرآن، وكذلك سمّى جزءا منه بالقرآن، فهو مصطلح إسلامي. ووصفه بالكتاب والذكر والنور، وأمثالها، فعدّ العلماء تلك الصفات من أسماء القرآن، وليس للقرآن إسم غير القرآن.
2 ـ الكتاب:
أ ـ في اللغة: كتب الكتاب كتبا وكتابا: دوّن حروف الهجاء على أشكال تكوّن منها الكلمات والجمل.
والكتاب: مصدر سُمّي به المكتوب مثل قول بلقيس: (أُلقْي إليَّ كِتابٌ كَريمٌ # وإنَّهُ مِن سُلَيمانَ)(2).
ب ـ في القرآن الكريم: اُطلق الكتاب في القرآن الكريم على كلّ كتاب أنزله اللّه مثل التوراة والانجيل والقرآن.
ج ـ في اصطلاح النحويين: اشتهر كتاب سيبويه في النحو باسم الكتاب.
3 ـ المصحف:
أ ـ في اللغة: اسم للصحف التي تجمع بين الدفتين ـ الجلدين ـ.
ب ـ في مصطلح المسلمين: استعمل المصحف الى عصر عثمان بهذا المعنى نفسه وكذلك في روايات أئمة أهل
البيت(ع) وفي أخبار مدرسة الخلفاء.
ج ـ سمِّي كتاب خالد بن معدان من التابعين بمصحف خالد بن معدان وكان قد جمع فيه علمه.
د ـ في مصطلح الامم السابقة: كان سهل مولى عتيبة قبل اسلامه نصرانيا له عمّ من علماء أهل الكتاب له مصحف دوّن فيه أوصاف النبيّ (ص).
والمصاحف التي بلغنا أخبارها هي:
هـ ـ مصحف فاطمة بنت النبيّ (ص): كان لفاطمة مصحف دون فيه أخبار ممّا يأتي به الزمان.
و ـ مصاحف الصحابة: كان للصحابة مصاحف دون صاحب كلّ منها ما سمعه من الرسول (ص) في بيان آي من القرآن الكريم مثل: مصحفا أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين حفصة حيث أمرتا ان يكتب في مصحفهما بعد آية (والصلاة الوسطى) وصلاة العصر، وكذلك كان لعدة من الصحابة مصاحف مثل:
مصحف عبد اللّه بن مسعود: روي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ (في مواسم الحج) بعد (ربّكم) في قوله تعالى في سورة البقرة الاية 198: (لَيسَ عَلَيكُمْ جُناحٌ أن تَبتغُوا فَضْلا مِّن رِّبِّكُمْ فإذا أفَضتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ). فان (في مواسم الحج) كان تفسيرا للاية وبيانا لزمان ابتغاء الفضيلة من الربّ تبارك وتعالى.
ز ـ مصحف الرسول (ص): أوصى الرسول الامام عليا أن يجمع الصحف المكتوب عليها القرآن وبيان الرسول ففعل فبقى ذلك المصحف عند الامام علي، وورثه من بعده مع ما ورث من صحف العلم الامام الحسن، وانتقلت بعد الامام الحسن (ع) الى الامام الحسين(ع) ومن بعده الى أولاده الائمة كابرا بعد كابر.
سياسة تجريد القرآن من حديث الرسول (ص):
اقتضت سياسة الخلفاء الثلاثة تجريد القرآن من حديث الرسول (ص) كي لا ينتشر بين المسلمين خارج الحرمين موقف سادة قريش عصبة الخلافة القرشية من الرسول (ص) والاسلام، ولا ينتشر بينهم من الثناء والنصّ في حقّ غيرهم من مخالفيهم فبدؤوا العمل بذلك على عهد الخليفة الاول ابي بكر حيث أمر بكتابة مصحف مجرد عن حديث الرسول (ص)، واستمر العمل على ذلك وانتهى في عصر الخليفة عمر، وأودعه عند أم المؤمنين حفصة، ثم استنسخ الخليفة الثالث عليها سبع نسخ ووزعها بين أمهات البلاد الاسلامية، فاستنسخ المسلمون منها مصاحفهم التي بقيت بأيدي المسلمين حتى اليوم مجردة عن حديث الرسول(ص)، وجُمع ما عداها من مصاحف الصحابة اللاتي كتب فيها القرآن مع بيان الرسول(ص)، واشتهر بين المسلمين في قرون متعاقبة حتّى اليوم أن المصحف اسم للقرآن الذي في متناول أيديهم. وبذلك اصبح المصحف في مصطلح المسلمين اسما علما للقرآن المجرد عن بيان الرسول حتى اليوم.
ولمّا حثّ الخليفة العباسي المنصور علماء المسلمين على تدوين العلوم، فقام بذلك علماء المسلمين وكان من ضمنها ما ألفوا في تفسير القرآن، جمعوا فيها بين النص القرآني وتفسير آياته وكان عملهم هذا مشابها لعمل الصحابة في كتابة مصاحفهم، فاشتهر بين المسلمين تسمية القرآن المجرد عن بيان وتفسير بالمصحف، والمصحف الذي دوّن فيه القرآن مع بيان آياته بالتفسير.
ثالثا ـ السورة والاية:
السورة في المصطلح القرآني جزء من القرآن يفتتح بالبسملة عدا سورة براءة، ويشتمل على آيات تميّز بالترقيم، ونرى أن اللّه قد سمّى كلّ سورة باسم واحد. وما اشتهر لها أكثر من اسم واحد مثل سورة الاسراء وسورة بني إسرائيل ينبغي أن يبحث في السنّة النبويّة عن اسمها في المصطلح القرآني.
(الاية) في اللغة: العلامة الواضحة على شيء محسوس أو الامارة الدالة على شيء معقول. وفي المصطلح الاسلامي قد تكون (الاية): معجزة من معاجز الانبياء أو جملة من ألفاظ سورة قرآنية معينة بالعدد أو فصلا أو فصولا من كتب اللّه تبيِّن حُكما من أحكام شريعته. ولا نقول: إنّ معنى الاية في المصطلح الاسلامي ينحصر بما ذكرناه، بل نقول: هذا ما عرفناه من معاني الاية الى اليوم، ولعلّ البحث يعرِّفنا بعد اليوم غيرها من معاني الاية في المصطلح الاسلامي. إذا لفظ الاية مشترك في المصطلح الاسلامي بين عدّة معان، ولا يستعمل اللفظ المشترك في الكلام دونما قرينة تعيِّن المعنى المقصود.
رابعا ـ الجزء والحزب:
قسّم المسلمون القرآن الى ثلاثين قسما وكلّ قسمٍ سمّوه جزءا(3)، والجزء الى أربعة أحزاب، وهما من مصطلح المسلمين، لعدم استعمالهما بهذا المعنى في الكتاب والسنّة.
خامسا ـ التلاوة والقراءة:
يقال: تلا الكتاب لكتاب يجب العمل به مثل كتب اللّه المنزلة على رسله، ويقال في لغة العرب: قرأ الكتاب قراءة اذا تتبع كلماته نظرا ونطق بها.
وفي المصطلح الاسلامي: يقال قرأ القرآن واقترأه فهو قارئ اذا تعلّم تلاوة لفظ القرآن مع بيان معانيه ومعنى اقرأ ويقرئه: عُلِّم تلاوة لفظه مع تعليم معناه فهو عندئذ: مقرئ.
سادسا ـ الجامع والحافظ:
أ ـ الجمع والجامع:
1 ـ في اللغة: جاء الجمـع في لغـة العـرب بمعنى ضمّ الشيء بتقـريب بعضـه الى بعـض يقال: جمعتـه فاجتمـع، وجمـع متفـرقا: لمَّ الاشياء المتفـرقة، وضمّ بعضها الى بعـض.
2 ـ جمع القرآن في المصطلح الاسلامي: جمع القرآن في كلام اللّه وحديث الرسول (ص) ومحاورة الصحابة: حفظا في الصدور، وكتبا في المصاحف.
ب ـ حافظ القرآن: يقال في اللغة: حَفَظ الشيء، أي: رعاه وصانه وحرسه(4). ويقال ـ أيضا ـ الحفظ: لضبط في النفس، ويضادّه النسيان(5). والحافظة والذاكرة: قوّة في الانسان تحفظ معلوماته. وفي القرون الاخيرة قيل لمن يحفظ القرآن عن ظهر قلب: الحافظ. وكذلك يقال لمن يحفظ عددا كبيرا من الاحاديث: الحافظ(6).
سابعا ـ الترتيل والتجويد:
أ ـ الترتيل: قال الراغب: الترتيل، إرسال الكلمة بسهولة واستقامة. وروى ابن الجزري عن الامام علي أنه قال: الترتيل: تجويد الحروف ومعرفة الوقوف(7).
ب ـ التجويد: التجويد في اللغة يقال : جوّد القول، أي: أتى بالقول الجيّد، وجوّد القراءة: قرأ جيّدا.
وقال ابن الجزري: التجويد إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها مراتبها وردّ الحرف الى مخرجه وأصله وإلحاقه بنظيره وتصحيح لفظه وتلطيف النطق به على حال صيغته وكمال هيأته من غير إسراف ولا تعسف ولا إفراط ولا تلف.
قال المؤلف: هذا ماذكروه. ولا أرى التجويد إلاّ محاولة من مقرئ القرآن أن يؤدي اللفظ باللّهجة التي أدّاها رسول اللّه (ص). ثمّ تمرّن عليها قرّاء القرآن جيلا بعد جيل منذ عصر الرسول (ص) حتّى اليوم. ونرى التجويد تعبيرا عن الترتيل ومصداقا له.
ثامنا ـ النسخ:
النسخ في اللغة: إزالة شيء بشيء يتعقّبه، يقال: نسخت الشمس الظلّ(8).
وفي المصطلح الاسلامي: نسخ أحكامٍ في شريعةٍ بأحكامٍ في شريعةٍ أخرى(9).
مثل نسخ بعض أحكام الشرائع السابقة بأحكامٍ في شريعة خاتم الانبياء (ص)(10).
وكذلك نسخ حكمٍ مؤقتٍ بحكمٍ أبدي في شريعة خاتم الانبياء (ص)، مثل نسخ حكم توارث المتآخيين من المهاجرين والانصار فيالمدينة قبل فتح مكّة بحكم توارث ذوي الارحام بعد فتح مكّة.
الهوامش
()1 نجوما أي في أوقاتها المعينة.
()2 النمل/ 29 و30.
()3 روي أنّ تقسيم القرآن الى ثلاثين جزءا كان في عصر الحجاج.
()4 مادة (حفظ) بمعاجم اللغة.
()5 مادة (حفظ) بمفردات الراغب.
()6 المعجم المفهرس لالفاظ الحديث.
()7 ابن الجزري: محمد بن محمد الشافعي (ت: 833 هـ) وروى الخبر في كتابه النشر في القراءات العشر، ط. المكتبة التجارية الكبرى بمصر. 1 / 209.
()8 مفردات الراغب والمعجم الوسيط مادة (نسخ).
()9 قال أبو الوليد: (النسخ: إزالة الحكم الثابت بشرع متقدم بشرع متأخّر عنه على وجه، لولاه لكان ثابتا).
كتاب الاصول في الحدود، تأليف الحافظ أبو الوليد سليمان بن خلف الاندلسي، (ت: 474 هـ ) ط.بيروت، سنة 1392، ص 490.
()10 كما سيأتي بيانه في بحث النسخ إن شاء اللّه تعالى.