المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مصطلحات قرآنية


kumait
15-11-2012, 03:03 PM
مصطلحات قرآنية
مرتضى العسكري

لعلوم الاسلام كسائر العلوم مصطلحات بها تفتح أبوابها، وتدرك بحوثها ومع الاسف الشديد لم يعن العلماء منذ قرون بدراسة مصطلحات علوم القرآن كما عنوا ـ مثلا ـ بمصطلحات علوم الفقه ، وعلى أثرها عرف المسلمون أحكام الاسلام مدى القرون.ولعدم عنايتهم بدراسة مصطلحات علوم القرآن التبس أمر مصطلحات الاسلام في علوم القرآن بمصطلحات المسلمين فيها، ولم تفهم معنى الروايات التي رويت في شأن النسخ والقراءة والمصاحف وأمثالها من بحوث علوم القرآن، وأدَّى ذلك الى القول بعدم ثبوت النص القرآني الذي أوحي الى الرسول (ص) في عصرنا ـ معاذ اللّه ـ وأخطاء كبيرة أخرى تعرضنا لدراستها خلال بحوث هذا الكتاب، ويتوقف فهم المصطلحات القرآنية على استيعاب معاني المصطلحات التي شرحناها في الجزء الاول من كتابنا ((قيام الائمة بإحياء السنّة)).

وفي البحوث الاتية محاولة متواضعة لتعريف المصطلحات الاسلامية ومصطلحات المسلمين في علوم القرآن، فإن أصبتُ فيها فمن اللّه، وإن أخطأتُ فمني وحسبي نجاحا أن أوفّق لجلب نظر الباحثين في هذه العلوم إلى ضرورة القيام بدراسة تلك المصطلحات وعدم الركون إلى بحوث السلف الصالح في شأنها وتقليدهم فيها واللّه المسؤول ان يأخذ بايدينا في سلوك هذا الطريق إنّه نِعم المولى ونعم النصير.

أولا ـ الوحي ونزوله:

1 ـ الوحي في المصطلح الاسلامي: كلمة اللّه ـ جلّ اسمه ـ التي يلقيها إلى أنبيائه ورسله بسماع كلام اللّه ـ جلّ جلاله ـ دونما رؤية اللّه ـ سبحانه ـ مثل تكليمه موسى بن عمران (ع)، أو بنزول ملك يشاهده الرسول ويسمعه مثل تبليغ جبرائيل (ع) لخاتم الانبياء (ص)، أو بالرؤيا في المنام مثل رؤيا إبراهيم (ع) في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل (ع)، أو بانواع أخرى لايبلغ إدراكها علمنا.

2 ـ نزول الوحي: أنزل اللّه وحيه وكتابه ونزّله: جعله ينزل. وانزال القرآن والملائكة الى محل نزوله مثل قلب النبيّ والتنزيل: إنزال تدريجي للوحي أو الكتاب والانزال عامّ. والتنزّل: نزول في تمهل وتدرّج. واستعمل نزل وأنزل في القرآن الكريم بمعنى أوحاه، وكذلك العكس.

3 ـ ما أوحى اللّه الى رسله: ينقسم ما أوحى اللّه الى رسله الى قسمين:

أ ـ ما أوحي إليهم لفظه ومعناه وكان ذلك شأن كتبه التي أنزلها الى رسله وآخرها القرآن الكريم.
ب ـ ما أنزل اللّه المعنى وبلّغته رسله بلفظهم وهذا مايسمى بالمصطلح الاسلامي سنّة الرسول ومن جملتها أحاديث الرسول (ص) في تفسير آي القرآن وبيان مجملها ومتشابهها.

ثانيا ـ القران والكتاب والمصحف:

1 ـ القرآن:هو كلام اللّه الذي نزّله نجوما(1) على خاتم أنبيائه محمد (ص) بلسان عربي مبين، وهو ليس بشعر ولا نثر، في حين أنّ جميع كلام بني آدم في جميع اللغات إمّا أن يكون شعرا أو نثرا، وهذا أحد وجوه إعجاز القرآن. وقد سمّى اللّه جميع القرآن بالقرآن، وكذلك سمّى جزءا منه بالقرآن، فهو مصطلح إسلامي. ووصفه بالكتاب والذكر والنور، وأمثالها، فعدّ العلماء تلك الصفات من أسماء القرآن، وليس للقرآن إسم غير القرآن.

2 ـ الكتاب:
أ ـ في اللغة: كتب الكتاب كتبا وكتابا: دوّن حروف الهجاء على أشكال تكوّن منها الكلمات والجمل.
والكتاب: مصدر سُمّي به المكتوب مثل قول بلقيس: (أُلقْي إليَّ كِتابٌ كَريمٌ # وإنَّهُ مِن سُلَيمانَ)(2).
ب ـ في القرآن الكريم: اُطلق الكتاب في القرآن الكريم على كلّ كتاب أنزله اللّه مثل التوراة والانجيل والقرآن.
ج ـ في اصطلاح النحويين: اشتهر كتاب سيبويه في النحو باسم الكتاب.

3 ـ المصحف:
أ ـ في اللغة: اسم للصحف التي تجمع بين الدفتين ـ الجلدين ـ.
ب ـ في مصطلح المسلمين: استعمل المصحف الى عصر عثمان بهذا المعنى نفسه وكذلك في روايات أئمة أهل
البيت(ع) وفي أخبار مدرسة الخلفاء.
ج ـ سمِّي كتاب خالد بن معدان من التابعين بمصحف خالد بن معدان وكان قد جمع فيه علمه.
د ـ في مصطلح الامم السابقة: كان سهل مولى عتيبة قبل اسلامه نصرانيا له عمّ من علماء أهل الكتاب له مصحف دوّن فيه أوصاف النبيّ (ص).

والمصاحف التي بلغنا أخبارها هي:

هـ ـ مصحف فاطمة بنت النبيّ (ص): كان لفاطمة مصحف دون فيه أخبار ممّا يأتي به الزمان.
و ـ مصاحف الصحابة: كان للصحابة مصاحف دون صاحب كلّ منها ما سمعه من الرسول (ص) في بيان آي من القرآن الكريم مثل: مصحفا أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين حفصة حيث أمرتا ان يكتب في مصحفهما بعد آية (والصلاة الوسطى) وصلاة العصر، وكذلك كان لعدة من الصحابة مصاحف مثل:
مصحف عبد اللّه بن مسعود: روي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ (في مواسم الحج) بعد (ربّكم) في قوله تعالى في سورة البقرة الاية 198: (لَيسَ عَلَيكُمْ جُناحٌ أن تَبتغُوا فَضْلا مِّن رِّبِّكُمْ فإذا أفَضتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ). فان (في مواسم الحج) كان تفسيرا للاية وبيانا لزمان ابتغاء الفضيلة من الربّ تبارك وتعالى.

ز ـ مصحف الرسول (ص): أوصى الرسول الامام عليا أن يجمع الصحف المكتوب عليها القرآن وبيان الرسول ففعل فبقى ذلك المصحف عند الامام علي، وورثه من بعده مع ما ورث من صحف العلم الامام الحسن، وانتقلت بعد الامام الحسن (ع) الى الامام الحسين(ع) ومن بعده الى أولاده الائمة كابرا بعد كابر.

سياسة تجريد القرآن من حديث الرسول (ص):

اقتضت سياسة الخلفاء الثلاثة تجريد القرآن من حديث الرسول (ص) كي لا ينتشر بين المسلمين خارج الحرمين موقف سادة قريش عصبة الخلافة القرشية من الرسول (ص) والاسلام، ولا ينتشر بينهم من الثناء والنصّ في حقّ غيرهم من مخالفيهم فبدؤوا العمل بذلك على عهد الخليفة الاول ابي بكر حيث أمر بكتابة مصحف مجرد عن حديث الرسول (ص)، واستمر العمل على ذلك وانتهى في عصر الخليفة عمر، وأودعه عند أم المؤمنين حفصة، ثم استنسخ الخليفة الثالث عليها سبع نسخ ووزعها بين أمهات البلاد الاسلامية، فاستنسخ المسلمون منها مصاحفهم التي بقيت بأيدي المسلمين حتى اليوم مجردة عن حديث الرسول(ص)، وجُمع ما عداها من مصاحف الصحابة اللاتي كتب فيها القرآن مع بيان الرسول(ص)، واشتهر بين المسلمين في قرون متعاقبة حتّى اليوم أن المصحف اسم للقرآن الذي في متناول أيديهم. وبذلك اصبح المصحف في مصطلح المسلمين اسما علما للقرآن المجرد عن بيان الرسول حتى اليوم.

ولمّا حثّ الخليفة العباسي المنصور علماء المسلمين على تدوين العلوم، فقام بذلك علماء المسلمين وكان من ضمنها ما ألفوا في تفسير القرآن، جمعوا فيها بين النص القرآني وتفسير آياته وكان عملهم هذا مشابها لعمل الصحابة في كتابة مصاحفهم، فاشتهر بين المسلمين تسمية القرآن المجرد عن بيان وتفسير بالمصحف، والمصحف الذي دوّن فيه القرآن مع بيان آياته بالتفسير.

ثالثا ـ السورة والاية:

السورة في المصطلح القرآني جزء من القرآن يفتتح بالبسملة عدا سورة براءة، ويشتمل على آيات تميّز بالترقيم، ونرى أن اللّه قد سمّى كلّ سورة باسم واحد. وما اشتهر لها أكثر من اسم واحد مثل سورة الاسراء وسورة بني إسرائيل ينبغي أن يبحث في السنّة النبويّة عن اسمها في المصطلح القرآني.

(الاية) في اللغة: العلامة الواضحة على شي‌ء محسوس أو الامارة الدالة على شي‌ء معقول. وفي المصطلح الاسلامي قد تكون (الاية): معجزة من معاجز الانبياء أو جملة من ألفاظ سورة قرآنية معينة بالعدد أو فصلا أو فصولا من كتب اللّه تبيِّن حُكما من أحكام شريعته. ولا نقول: إنّ معنى الاية في المصطلح الاسلامي ينحصر بما ذكرناه، بل نقول: هذا ما عرفناه من معاني الاية الى اليوم، ولعلّ البحث يعرِّفنا بعد اليوم غيرها من معاني الاية في المصطلح الاسلامي. إذا لفظ الاية مشترك في المصطلح الاسلامي بين عدّة معان، ولا يستعمل اللفظ‍ المشترك في الكلام دونما قرينة تعيِّن المعنى المقصود.

رابعا ـ الجزء والحزب:

قسّم المسلمون القرآن الى ثلاثين قسما وكلّ قسمٍ سمّوه جزءا(3)، والجزء الى أربعة أحزاب، وهما من مصطلح المسلمين، لعدم استعمالهما بهذا المعنى في الكتاب والسنّة.

خامسا ـ التلاوة والقراءة:

يقال: تلا الكتاب لكتاب يجب العمل به مثل كتب اللّه المنزلة على رسله، ويقال في لغة العرب: قرأ الكتاب قراءة اذا تتبع كلماته نظرا ونطق بها.
وفي المصطلح الاسلامي: يقال قرأ القرآن واقترأه فهو قارئ اذا تعلّم تلاوة لفظ القرآن مع بيان معانيه ومعنى اقرأ ويقرئه: عُلِّم تلاوة لفظه مع تعليم معناه فهو عندئذ: مقرئ.

سادسا ـ الجامع والحافظ:

أ ـ الجمع والجامع:
1 ـ في اللغة: جاء الجمـع في لغـة العـرب بمعنى ضمّ الشي‌ء بتقـريب بعضـه الى بعـض يقال: جمعتـه فاجتمـع، وجمـع متفـرقا: لمَّ الاشياء المتفـرقة، وضمّ بعضها الى بعـض.
2 ـ جمع القرآن في المصطلح الاسلامي: جمع القرآن في كلام اللّه وحديث الرسول (ص) ومحاورة الصحابة: حفظا في الصدور، وكتبا في المصاحف.
ب ـ حافظ القرآن: يقال في اللغة: حَفَظ الشي‌ء، أي: رعاه وصانه وحرسه(4). ويقال ـ أيضا ـ الحفظ: لضبط في النفس، ويضادّه النسيان(5). والحافظة والذاكرة: قوّة في الانسان تحفظ معلوماته. وفي القرون الاخيرة قيل لمن يحفظ القرآن عن ظهر قلب: الحافظ. وكذلك يقال لمن يحفظ عددا كبيرا من الاحاديث: الحافظ(6).

سابعا ـ الترتيل والتجويد:

أ ـ الترتيل: قال الراغب: الترتيل، إرسال الكلمة بسهولة واستقامة. وروى ابن الجزري عن الامام علي أنه قال: الترتيل: تجويد الحروف ومعرفة الوقوف(7).
ب ـ التجويد: التجويد في اللغة يقال : جوّد القول، أي: أتى بالقول الجيّد، وجوّد القراءة: قرأ جيّدا.
وقال ابن الجزري: التجويد إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها مراتبها وردّ الحرف الى مخرجه وأصله وإلحاقه بنظيره وتصحيح لفظه وتلطيف النطق به على حال صيغته وكمال هيأته من غير إسراف ولا تعسف ولا إفراط ولا تلف.
قال المؤلف: هذا ماذكروه. ولا أرى التجويد إلاّ محاولة من مقرئ القرآن أن يؤدي اللفظ‍ باللّهجة التي أدّاها رسول اللّه (ص). ثمّ تمرّن عليها قرّاء القرآن جيلا بعد جيل منذ عصر الرسول (ص) حتّى اليوم. ونرى التجويد تعبيرا عن الترتيل ومصداقا له.

ثامنا ـ النسخ:

النسخ في اللغة: إزالة شي‌ء بشي‌ء يتعقّبه، يقال: نسخت الشمس الظلّ(8).
وفي المصطلح الاسلامي: نسخ أحكامٍ في شريعةٍ بأحكامٍ في شريعةٍ أخرى(9).
مثل نسخ بعض أحكام الشرائع السابقة بأحكامٍ في شريعة خاتم الانبياء (ص)(10).
وكذلك نسخ حكمٍ مؤقتٍ بحكمٍ أبدي في شريعة خاتم الانبياء (ص)، مثل نسخ حكم توارث المتآخيين من المهاجرين والانصار في‌المدينة قبل فتح مكّة بحكم توارث ذوي الارحام بعد فتح مكّة.

الهوامش

()1 نجوما أي في أوقاتها المعينة.
()2 النمل/ 29 و30.
()3 روي أنّ تقسيم القرآن الى ثلاثين جزءا كان في عصر الحجاج.
()4 مادة (حفظ) بمعاجم اللغة.
()5 مادة (حفظ) بمفردات الراغب.
()6 المعجم المفهرس لالفاظ الحديث.
()7 ابن الجزري: محمد بن محمد الشافعي (ت: 833 هـ) وروى الخبر في كتابه النشر في القراءات العشر، ط. المكتبة التجارية الكبرى بمصر. 1 / 209.
()8 مفردات الراغب والمعجم الوسيط مادة (نسخ).
()9 قال أبو الوليد: (النسخ: إزالة الحكم الثابت بشرع متقدم بشرع متأخّر عنه على وجه، لولاه لكان ثابتا).
كتاب الاصول في الحدود، تأليف الحافظ أبو الوليد سليمان بن خلف الاندلسي، (ت: 474 هـ ) ط.بيروت، سنة 1392، ص 490.
()10 كما سيأتي بيانه في بحث النسخ إن شاء اللّه تعالى.

kumait
17-11-2012, 02:04 AM
من أجمل المفردات القرآنية
السيد علي عبد المحسن السلمان

تتلاطم أمواج مفردات اللغة العربية في بحر المصحف الشريف لتأخذ البعد الحقيقي في عذوبتها وجمالها وتنعكس صورتها لتحمل أجمل الألوان الفنية التي تكوّن منها فسيفساء الحروف والكلمات والجمل. والمتمعن اليقظ يدرك ويتذوق الفن الحرفي والكلمي في المعنى واللفظ للآيات الكريمة من حيث الاستخدام، بحيث يفرق بين الكلمات التي تتحد في اللفظ وتختلف في المضمون..

ولكي لانطيل الحديث في هذا المجال اليك عزيزي القارئ بعض المفردات الواردة في القران الكريم والتي يجدر بي وبك ان نمعن النظر فيها.

المفردتان «الحمد – الشكر»

1- الحمد: ويعني الثناء على عملٍ أو صفةٍ عن إختيار كقوله ﴿ وقل الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ﴾ وقوله ﴿ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ﴾ أوكالثناء على الرجل الكريم لكرمه والشخص الخلوق لحسن أخلاقه.. وجاء في لسان العرب أن الحمد نقيض الذم ويكون عن يد وعن غير يد بمعنى الاختيار أو غير الاختيار، ويأتي هذا المصطلح بشكل أعم من الشكر لان الشكر لايكون إلا عن يدٍ اما المدح فيكون أعم الاثنين «الحمد والشكر»، فيقال مدحت فلاناً لحسن تصرفه «اختيار» ويقال مدحت القمر لجماله «خارج الاختيار»، ولايقال حمدته لجماله.

2- الشكر: هو الثناء على المنعم لنعمه، ويكون اخص من الاثنين «الحمد والمدح» وبذلك تكون هذه المفردة اشبه ماتكون لفئة خاصة من العباد ﴿ وقليل من عبادي الشكور ﴾ 13 سبإ. وكثير ماتشير الايات القرانية الى التزامن بين الشكر لله سبحانه والنعم السابغة على العبد رحمة منه بعبده كقوله ﴿ وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون ﴾ 78 النحل إشارة الى نعمة الجوارح والحواس أو كقوله ﴿ وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ﴾ 26 الانفال إشارة الى الامن والنصر منه سبحانه للمسلمين والرزق من الطيبات بعدما كانوا موطئ الاقدام يشربون الطرق ويقتاتون القد كما قالت السيدة الزهراء ع أو كقوله ﴿ ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون ﴾73 يس إشارة الى الانعام التي سخرها الله سبحانه..

المفردتان «الاسراف – التبذير»

1- الاسراف: تاتي هذه المفردة مصداق الصرف اكثر مما ينبغي في كثير من الموارد كما في الافراط في صرف المال ﴿ والذين اذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا ﴾ 67 الفرقان أو الافراط في ارتكاب المعاصي ﴿ قل ياعبادي الذين أسرفوا على انفسهم لاتقنطوا من رحمة الله ﴾ 53 الزمر أو تجاوز الحد ﴿ وكلوا وأشربوا ولاتسرفوا ﴾ 31 الاعراف أو مخالفة الواجب في التنفيذ ﴿ فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً ﴾33الاسراء. وعليه ومن خلال هذا التبسيط المختصر نستطيع ان نقول ان مفهوم الاسراف هو مجاوزة الحد في القول والفعل وهو مذموم، وهذا المفهوم يشمل العناوين الآنفة الذكر بحيث يأخذ مفهوم واسع وشامل. وعندما تأتي هذه المفردة بعنوان الانفاق يكون تعريفه: الانفاق صرف الشئ زائداً على ماينبغي، فنقول لاتسرف في صرف المال أو في الذنوب ولكن لايمكن ان نقول لاتبذر في الذنوب.

2- التبذير:كثيراً مايختص هذا المفهوم بالمال، والتبذير من البذر «بذر البذور» فالفلاح يبذر البذور أي يفرق بينها في البذر ولايجعلها متقاربة، والتبذير المالي هو التفريق في الاسراف بمعنى الانفاق فيما لاينبغي ويرى السيد الطباطبائي ان التبذير يكون على وجه الافساد ولايكون على وجه الاصلاح، ولهذا قرن الله سبحانه المبذرين بالشياطين ﴿ إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً ﴾.

المفردتان «الرؤيا – الحلم»

الرؤيا: وهي مايراه النائم في منامه صادق الوقوع ولقد تكرر ذكر الرؤيا كما يقول الدكتور الشيخ محمد الكرباسي سبع مرات في عدة مواضع وهي:

1- رؤيا النبي ابراهيم ع في ذبح ابنه اسماعيل ع .
2- رؤيا النبي يوسف ع في اخوته واخبار ابيه يعقوب ع .
3- رؤيا الفتيان اللذان في السجن مع يوسف الصديق .
4- رؤيا عزيز مصر في مجاعة بلاده.
5- رؤيا الرسول ص في غزوة بدر.
6- رؤيا الرسول ص في دخول مكة.
7- رؤيا الرسول ص في اعتلاء منبره من بني امية.

والمتمعن الحصيف يدرك ان جميع هذه الروئ صادقة الوقوع حيث انها تصنف من انواع الوحي كم جاء في لسان العرب «الرؤيا الصادقة جزء من النبوة»، وجاءعن امير المؤمنين ع انه قال: «رؤيا الانبياء وحي»..

وكذلك رؤيا بعض العباد الصالحين بالنبي الكريم ص او بالامام المعصوم فهذا يعني انها صادقة ولامجال لتفنيدها او لتكذيبها ولهذا جاء في الحديث عنه ص قوله: من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لايتمثل بي..

الحلم: مايراه النائم في نومه وليس له واقع بمعنى لاواقعية له ولهذا جاء في الحديث «الرؤيا من الله والحلم من الشيطان» وجاءت كلمة الاحلام: مفرد لكلمة الحلم تحمل عدة معاني مع «ملاحظة التفريق لمعنى كلمة «ح ل م» بحركة الحرف أو سكون».

الاحلام: وتعني العقول كما في قوله ﴿ أم تأمرهم احلامهم بهذا أم هم قوم طاغون ﴾32الطور، او بمعنى الرؤيا التي لاحقيقة لها كما في قوله ﴿ قالوا أضغاث أحلام ﴾ 44 يوسف والاضغاث جمع ضغث ويعبر عنه الشيخ الطبرسي في مجمع البيان قبضة من حشيش، بمعنى التباس الاحلام فلايعرف حقيقتها لتشابكها أو بمعني البلوغ كما في قوله ﴿ واذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستاذنوا كما استاذن الذين من قبلهم ﴾59 النور. او بمعنى الحلم وهو عكس الطيش اي ضبط النفس وسعة الصدر كما في قوله ﴿ ان ابراهيم لأواه حليم ﴾ 114 التوبة .

وأخيراً وليس أخيرا حريٌ بي وبك ايها القارئ الكريم أن نلتمس المعاني الحقيقية لكلمات القرآن الكريم وكيفية استخدامها لأنها تنبأ عن عمق معانيها وغزارة مفاهيمها ولهذا جاءت تصانيفها متعددة تحمل الكلمة عدة معاني في عدة جمل والتي افردت المعاجم اللغوية لها ابواباً لتصنيفها وبيانها على الوجه الصحيح.

kumait
21-11-2012, 04:46 PM
مفهوم الرفق في الإسلام
محمد حسين فضل الله

أكد الله سبحانه وتعالى على محورية الرفق في حركة الإسلام، واعتبره المحرك الأساس للدين، بعيداً عن الفتن، معتمداً أسلوب الجدال بالتي هي أحسن مع من يختلف معه المسلم في الدين أو المذهب أو السياسة وغير ذلك، ولما كان سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، قد استقى رؤيته ودينامية حركته من القرآن، فقد أفرد مساحة واسعة لهذا المفهوم، موضحاً معانيه ودلالاته، وذلك بعكس ما فهمه البعض، ما جعل الغرب يلصق تهمة الإرهاب بالإسلام، ولذلك رأينا أن نقتطف بعض النصوص التي سلّط سماحته الضوء عليها في أكثر من موقع ومناسبة.

مفهوما الرفق والعنف

من بين العناوين التي تمثل حركة السلوك في العلاقات الإنسانية العامة بين السلب والإيجاب، مفهوم الرفق والعنف. والمقصود بالرفق، أسلوب اللين المنفتح على مشاعر الآخرين، بحيث توصل إليهم الفكرة بالطريق الإنساني السلمي الذي يفتح العقل بسهولة، ويفتح القلب بمحبة، وبحيث يكون أسلوبك أسلوب اللين، عندما تخاطب الآخر بالكلمة الليّنة السهلة التي لا تقسو على مشاعره، ولا تثير عصبيته، ولا تبعده عن الخط المستقيم.

وهكذا عندما تريد أن تتعامل مع الآخر، حتى لو كان ذلك في داخل العائلة؛ في تعاملك مع أبيك وأمك، أو مع أولادك وزوجك ـ سواء كنت رجلاً يتعامل مع زوجته، أو امرأةً تتعامل مع زوجها ـ بأن تعتمد أسلوب اللين الذي يحترم مشاعر الآخرين ولا يسيء إليها، لأن ذلك هو السبيل لأن تُدخِل فكرتك في عقل الآخر، وأن تجذبه إليك في عاطفته ومشاعره وإحساسه؛ أن تكون كلمة القلب الذي يجتذب قلب الآخر، كما هي كلمة العقل الذي يجتذب عقل الآخر...

أما العنف، فهو أسلوب القسوة، وقد يتمثل في الشتائم تطلقها ضد الآخر الذي لا ترتاح إليه، أو الذي بينك وبينه مشكلة، بحيث تعمد إلى إثارة عصبيته، أو الضغط على مشاعره، بما يشعر معه أنك تُسقط كرامته، وتتحدى ذاته، وتوحي إليه بأنك في موقع العلو وهو في موقع الأسفل، كالكثيرين من الناس الذين يتحدثون مع الآخرين من فوق، لأنهم يملكون موقعاً للقوة أمامهم.

وهكذا في كل موقع من مواقع علاقتك بالإنسان الآخر، لأنّ مسألة العلاقات الإنسانية هي مسألة تتصل باحترام الإنسان للإنسان؛ أن تحترم فكره فلا تسقطه، بل تحاول أن تعالج خطأه في الفكر بالأسلوب الطيب الذي يناقش الفكرة الخاطئة بعقلانية وموضوعية، بحيث تستطيع أن تقنع الآخر، لأنك إذا عالجت الفكرة الخاطئة بالتشنّج ـ سواء كان خطأه في السياسة أو في الدين أو في العلاقات البيتية ـ بأن تضلله وتكفّره وتعنّفه بخطئه، من دون أن تعرض وجهة النظر الأخرى، فإنك بذلك تغلق قلبه عنك.

وهذه الفكرة أكّدها القرآن الكريم، سواء في تعاملنا مع الآخر في البيت أو في السوق أو في المجتمعات، فنحن نقرأ قوله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ـ إذا أردت أن تتكلم مع الآخرين، فتكلّم معهم بالكلمة الأفضل؛ الكلمة التي تجمع ولا تفرّق، تحبِّب ولا تبغّض، الكلمة التي تدخل إلى عقل الإنسان الآخر، فتلاحظ مستواه الفكري لترحم فكره وقابليته، فكما تختار الفاكهة الأحسن، والبيت الأحسن، والثوب الأحسن، لأن ذلك يؤثّر على وضعك الذاتي في ما تأكل وتشرب وتلبس، كذلك حاول أن تختار كلماتك، لأن الكلمة قد تُدخلك في حرب أو تثير أمامك عصبية ـ إن الشيطان ينزغ بينهم ـ يدخل الشيطان في "عبّ" الكلمة ليفحص ما في داخلها ليخلق لك مشكلة ـ إن الشيطان كان للإنسان عدوّاً مبيناً} (الإسراء:53).

الجدال بالأحسن

ثم، إذا أردت أن تجادل الآخرين ـ ونحن نختلف في الدين والمذهب والسياسة والعلاقات الاجتماعية، ومن الطبيعي أن هذا الاختلاف يجر إلى جدل حول كل القضايا المختلف عليها ـ فكيف تجادلهم؟ الله تعالى يقول: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن} (النحل:125). وحتى في الحوار مع أهل الكتاب، فإن الله تعالى يأمرنا أن نجادلهم بالتي هي أحسن. وإذا كان عندك عداوة مع الآخر، فإن الله يأمرك أن تختار الأسلوب الأحسن لكي تحوّله إلى صديق: {ولا تستوي الحسنة ـ وهي أسلوب الرفق ـ ولا السيئة ـ وهي أسلوب العنف ـ ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم ـ وهذه تحتاج إلى جهد وأعصاب قوية ـ وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} (فصِّلت:34-35)، وهذا هو الذي يجعلنا نربح العالم.

هناك من الناس مَنْ تجده غير مستعد لأن يناقشك أو يحاورك، بل يستعرض قوته وعضلاته، ولذلك استثنى الله تعالى في الجدال مع أهل الكتاب بالتي هي أحسن الذين ظلموا، لأنه تعالى قال: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} (البقرة:194)، وهو ما يعلّمه الله تعالى لنبيّه نوح(ع)، عندما كان قومه يسخرون منه وهو يصنع السفينة في مكان لا ماء فيه، فالله تعالى قال: {إن تسخروا منا فإنّا نسخر منكم كما تسخرون} (هود:38)، أما الذي يحاورك فحاوره بالتي هي أحسن، لأن الله تعالى يضع كل شيءٍ في موضعه.

أسلوب الرفق والرحمة هو الأصل:

في الإسلام، الأصل في سلوكية الإنسان هو الرفق؛ أن يعالج الإنسان كل قضاياه، في نفسه وفي علاقاته مع الآخرين، بالأسلوب الطيب الليّن، في الكلمة وفي العمل، يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً رسوله الكريم، مشيراً إلى طريقة تعامله مع أصحابه ومع الناس: {فبما رحمةٍ من الله لِنْت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك} (آل عمران:159)، ولذا كان(ص) يتعامل في خطابه مع أهله وعياله وأصحابه وكل الذين يتعاملون معه، بالكلمة الطيبة والليّنة التي تفتح في الإنسان الآخر عقله وقلبه.

فالناس إنما اتبعوك ـ يا محمد ـ لأن أسلوبك هو الأسلوب الذي يحترم الناس، فلا يقسو أو يغلظ عليهم، ولا يفحش فيهم، فلم تكن ـ يا محمد ـ في كلماتك فحّاشاً تتكلم مع الناس بكلمات الفحش، ولم تكن لعّاناً بحيث تلعن من يختلف معك، بل كنت الإنسان الرحيم الرؤوف الذي يدرس نقاط الضعف في الناس، فيرحم ضعفهم، ولا يحاول أن يضغط عليهم بها.

فالله سبحانه يؤكد للرسول(ص) أنّ سرّ نجاحه الرسالي واستماع الناس إليه والتفافهم حوله، لأنه كان الرسول الذي امتلأ قلبه بالرقة تجاه الناس، وتحرك لسانه بالكلام اللّين الذي ينفذ إلى قلوبهم ليتحرك نحو عقولهم، حيث كان ينظر إليهم نظرةً إنسانية تتجاوز كل المراتب، وقد جعله الباري في أعلى مرتبة في البشرية، فكان الرفيق والليّن الذي يعفو عن كثير من الناس إذا أخطأوا معه. فالإنسان الرسالي القائد، عليه أن يقدِّر ظروف أتباعه وظروف الناس الذين يعيشون معه، فيعفو عن أخطائهم إذا أخطأوا معه، ويعالجها بحكمة ورفق، ويعطيهم الثقة بأنفسهم، لأنَّ من سمات القائد أن ينمِّي فكر أتباعه، حتى يتحركوا معه من خلال ثقافتهم في الأمور التي ينطلق بها القائد: {وشاورهم في الأمر} (آل عمران:159)، شاورهم في الحرب أو السلم أو في القضايا التي تتحرك في تنظيم المجتمع، وادفعهم إلى أن يفكروا، ولا تجعلهم مجرد أناس يتبعون القيادة دون أن يفهموا القضايا التي تقودهم إليها. اصنع من كل واحد منهم مشروع قائد، واجعلهم يتعوّدون على التفكير وعلى التخطيط، حتى إذا ما دخلوا مع القيادة في أي مشروع، عاشوا وعي المشروع كما تعيشه القيادة، خلافاً للكثير من القياديين الذين ينظرون إلى أتباعهم كما ينظر الشخص إلى فئة من الجهَّال الذين لا يملكون إلا أن يهتفوا أو يصفّقوا...

ونحن نعلم أن النبي(ص) زوّده الله بالمعرفة القدسية التي لا يحتاج معها إلى أية مشورة، ولكن الله يريد من خلال رسوله أن يقدم لنا الأنموذج في تربية القاعدة على أن تفكر، وكيف تنقد القائد، لأن القيادات المستقبلية ليست كلها رسول الله. لذلك على القيادة أن تتشاور مع القاعدة، وأن تعرض عليها خططها؛ إلا الخطط السرية التي لا يمكن أن تعرضها بشكل عام، ولكن هذه لا بد من عرضها على أولي الخبرة وأولي الأمر {فإذا عزمتَ فتوكّل على الله إن الله يحب المتوكلين} (آل عمران:159).

الرسول (ص) الأسوة والقدوة

فنحن نقرأ أن النبي (ص) كان الرسول الذي يرفق بأصحابه وبالناس من حوله، وقد صوّره الله سبحانه وتعالى بصورة أكثر وضوحاً، عندما خاطب المسلمين ليعرّفهم شخصيته(ص): {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} (التوبة:128).

هذه كانت صفة الرسول الذي يرأف ويرحم ويحمل هموم أمته، ويلين في كلامه وفي قلبه، كان شأنه الرفق وحلّ الأمور بالرفق. وعلى كل القادة في كل المواقع، سواء كان الموقع فقهياً أو سياسياً أو اجتماعياً أو أمنياً، أن يقتدوا برسول الله، لأن الله يقول: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً} (الأحزاب:21). وهذا ما ينبغي للإنسان المؤمن أن يأخذ به، وأن يعالج الأمور بالطريقة السلمية التي ترفق بالإنسان الآخر حتى وهو في معرض الردّ عليه. فإذا ما حصلت مشكلة مثلاً، ودار الأمر في حلّها بين الرفق والعنف، فإن تمّت معالجتها بالرفق، فإن الله يثيب الإنسان أكثر مما لو عالجها بطريق العنف. وهذا ما نجد مصداقه في قوله تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌ حميم} (فصِّلت:34).

الإسلام دين الرفق

ومن هذا المنطلق، كنا نقول لكثير من الإعلاميين، وخصوصاً الغربيين منهم، إن الإسلام يعلّمنا أن نكون أصدقاء العالم، وأن نتبع الأساليب التي تجعلنا نربحهم كأصدقاء، ويعلّمنا أن لا نقاتل إلا من قاتَلَنا من باب الدفاع عن النفس. وهكذا، نلاحظ في القرآن الكريم قوله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} (الإسراء:53)، وفي حديث للنبي(ص) يقول فيه: "لو كان الرفق خلقاً يُرى ما كان مما خلق الله شيء أحسن منه"، وورد أيضاً في الحديث: "إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم باب رفق".

هذا هو الخط الإسلامي: الرفق لا العنف. ومن خلال ذلك، لا بد من أن ندرس هذه المسألة دراسة واقعية عملية، لأن الرفق هو الذي يسمح بأن يكون مجتمعنا مجتمع عدل وسلام ومحبة، لأن أغلب المشاكل التي تحدث في مجتمعنا هي نتيجة تعامل أفراده بعضهم مع بعض بأسلوب العنف، بحيث يعنف القوي على الضعيف، وكذلك يعنف الضعيف الذي يمتلك مقداراً من القوة على من هو أضعف منه...

الارتباط بين الإيمان والرفق

ومن هنا، فإن الله تعالى يوحي إلينا أن النبي(ص) استطاع من خلال أسلوبه أن يجذب الناس إليه، وأن يجعلهم يؤمنون برسالته ويلتفون حوله. وقد ورد عن النبي(ص)، وهو يتحدث عن هذا الخلق الإنساني، يقول: "إن الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه ـ إلا حسّنه، فإذا كنت رفيقاً، فإن الرفق عندما تستخدمه في علاقتك أو معاملتك مع الآخرين، فإنه يحسّن الموقف ـ ولا رُفع عن شيء ـ فاستبدلت الرفق بالعنف ـ إلا شانه"، إلا عابه، ويقول(ص): "إن الله رفيق يحبّ الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف"، فإذا حاولت أن تحل المشكلة بالأسلوب الليِّن، فإن الله يعطيك من الأجر على حلّ الأمور بهذا الأسلوب اللين أكثر مما يعطيك على حلّك إيّاها بالأسلوب العنيف.

وفي ذلك قصة حصلت مع النبي(ص)، حيث كان جالساً، وكانت زوجته أم المؤمنين عائشة إلى جانبه، ومرّ يهودي وألقى التحية على النبي(ص) بطريقة لا تتضمن التحية، بل تتضمن الدعاء بالموت على النبي من دون أن يُجهر بذلك، فقال اليهودي: "السّام عليك"، والسّام هو الموت، أراد بذلك أن يمرر هذه المسألة على النبي ليسخر منه عند جماعته، فأجاب النبي بكل هدوء: "وعليك"، فثارت ثائرة عائشة، ولم تلتفت إلى رد النبي(ص)، فبدأت تسبّ هذا اليهودي بكلام عنيف وفاحش، فالتفت النبي(ص) إليها بكل هدوء وقال لها: "يا عائشة، إن الفحش لو كان ممثّلاً لكان مثال سوء، إن الرفق لم يوضع على شيء قطّ إلا زانه، ولم يُرفع عنه قطّ إلا شانه". وأوضح لها بما ردّ به على اليهودي.

هذا منهج أخلاقي ينطلق به رسول الله(ص)، ليقول لنا إنّه حتى في مورد الإساءة، يمكن أن نردّها بمثلها من دون أن نزيد عليها ونخلق مشكلة، والله تعالى قال: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} (البقرة:194)، هذا من أجل أن يخلق حالة السلام في حياة الناس. وقد رُبطت مسألة الإيمان بالرفق، ففي الحديث عن الإمام الباقر(ع) يقول: "من قُسم له الرفق قُسم له الإيمان"، ثم يقول: "إن لكل شيء قفلاً، وقفل الإيمان الرفق"، باعتبار أن الإنسان الذي لا يرفق، فإنه يستبدل ذلك بالعنف، وإذا أخذ بأسلوب العنف، فقد يحمله ذلك على أن ينطلق بالغضب، سواء بالقول أو بالفعل، وربما يقوده هذا الغضب الذي يفقد الإنسان فيه توازنه وعقله، إلى أن يُخرج الإيمان من قلبه، فالرفق يغلق أسلوب العنف من أجل حفظ الإيمان.

ونقرأ في حديث الإمام الصادق(ع) أنه قال: "ما زوي الرفق عن أهل بيت إلا زوي عنهم الخير"، لأن العنف يقود إلى الشر. وفي كلام للإمام الكاظم (ع) كان يقول لبعض أصحابه: "إرفق بهم، فإنَّ كفر أحدهم في غضبه، ولا خير في من كان كفره في غضبه". ونقرأ أن النبي(ص) يريد لنا أن نرفق حتى في تعاملنا مع الحيوان، وليس فقط مع البشر، فقد ورد في الحديث عنه(ص) أنه قال: "إن الله يحبّ الرفق ويعين عليه، فإذا ركبتم الدواب العجف ـ الهزيلة ـ فأنزلوها منازلها ـ بحيث تنزلونها في المنازل التي تنتفع بها ـ فإن كانت الأرض مجدبة فانجوا عنها، وإن كانت مخصبة فأنزلوها منازلها".

ويقول النبي (ص) : "لو كان الرفق خلقاً يُرى ما كان مما خلق الله شيء أحسن منه". ويتحدث (ص) عن الناس الذين يترافقون في السفر أو في أي موقع من المواقع، أن الله يعطي الأجر أكثر لمن يكون رفيقاً بصاحبه فيؤنسه ويرعاه، يقول: "ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجراً وأحبّهما إلى الله عزّ وجلّ أرفقهما بصاحبه". هذا بالنسبة إلى الصاحب، فكيف بالزوج أو الزوجة، فأحبّ الزوجين إلى الله وأعظمهما أجراً عند الله من كان طيباً ورفيقاً مع صاحبه، فلا يعنف به ولا يقسو عليه، وهكذا بالنسبة إلى الأب مع أولاده، والأخ مع أخوته، وصاحب العمل مع عمّاله، وكذلك في كل المجالات. وفي حديث الإمام الصادق(ع)، نقرأ أن الرفق لا يعود بالمنفعة في الجانب الأخروي، بل حتى في الدنيا، يقول (ع) : "من كان رفيقاً في أمره، نال ما يريد من الناس"، لأن من طبيعة الناس وسجيّتهم أنهم إذا رأوا الرفق من شخص أحبّوه وعاونوه.

الرفق في المعاملة والمسؤولية

نحن أمام كل هذه الأحاديث عن رسول الله(ص) والأئمة من أهل البيت(ع)، بحاجة إلى أن نأخذ بهذا المنهج الأخلاقي التربوي، وهو منهج الرفق في المعاملة والمعاشرة والمسؤولية، حتى إن الله تعالى يريد للإنسان عندما يأخذ بأسباب الدين، أن لا يقسو على نفسه، فنقرأ في حديث النبي(ص): "إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، ولا تبغّض إلى نفسك عبادة ربك ـ تصوّروا شخصاً يصلي من الصبح إلى الليل، ويصوم طول الدهر، فمن الطبيعي أن يضعف التوجّه عنده في الصلاة، لأن النفس تريد أن ترتاح، فإذا قسوت على نفسك وحاصرتها ومنعتها من أن تنفتح على حاجاتها، فإنها تتعقّد من كل هذا الأسلوب ـ فإن المنبت ـ وهو الذي يمشي بالدابة ليلاً ونهاراً، بحيث لا يريح دابته ـ لا ظهراً أبقى، ولا أرضاً قطع"، فإنه قد لا يصل إلى منتهى الطريق، بل ينقطع في منتصفه. ويروى عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: "رآني أبي وأنا أتصبب عرقاً في الطواف، فقال لي: يا بني، إن الله يرضى منك بأقل من ذلك". إننا نُجهد حياتنا بالعنف، سواء في حياتنا الاجتماعية أو العائلية أو السياسية أو الدينية، وعلينا أن نحوّل مجتمعنا إلى مجتمع الأخوّة الإيمانية والصداقة والمحبة، حتى نكون كما قال النبي(ص): "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه، ويكره له ما يكره لها".

رفض العنف ضد المرأة

هناك نوعٌ من التمييز العنصري يمارسه الرجل ضد المرأة بشكل عام، حتى في الدول التي تسمى "متحضرة"، حيث يتمثَّل العنف هناك في جوانب عدة، سواء تمثل ذلك في ضرب المرأة أو تعذيبها أو قتلها، أو في عمليات الاغتصاب وبشكل فوق العادة، وقد بدأنا نلمس هذه الظواهر في مجتمعاتنا من خلال البرامج التلفزيونية الإباحية أو غيرها من الوسائل، وقد كشفت بعض الدراسات الصادرة عن الأمم المتحدة، أن أكثر من يُصاب بالأمراض المعدية كالإيدز (فقد المناعة) النساء، وذلك من خلال ما يمارسه الرجل من عنف ضدها وبأشكال متعددة. إن هذا النوع من العنف مرفوض إسلامياً بالمطلق.

ففي الحياة الزوجية على سبيل المثال، يقول سبحانه وتعالى: {وعاشروهنّ بالمعروف فإن كرهتموهنّ فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً} (النساء:19)، كذلك يخيّر الله الإنسان الزوج في الحياة الزوجية {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} (البقرة:229). وهناك من الرجال من يحاول أن يهجر المرأة دون أن يطلّقها، وبعضهم من تبذل له المرأة كلّ المهر وربما ما يفوقه ولا يطلقها، والله تعالى يقول: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} (النساء:19)، وهو سبحانه يُبيّن لنا أنه لا يجوز للإنسان أن يأخذ مهر زوجته بالإكراه: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً} (النساء:19).

وهناك نوع آخر من أنواع العنف، يتمثل بطرد الزوجة من بيتها، فهذا حرام، لأنه يجب على الرجل أن يسكن زوجته في البيت ما دامت هي في دائرة الزوجية، كما إن الزوجة في المقابل لا يحق لها أن تذهب إلى بيت ذويها، إذا لم يكن هناك خوف على حياتها أو ضغط فوق العادة. وهناك مسألة ضرب الزوجة، فالإسلام لا يفرِّق في الحرمة بين ضرب الزوجة وبين ضرب من هي من غير المحارم. هذا العنف محرَّم شرعاً. وكذلك يأتي عنف الكلمة عندما يسبُّ الزوج زوجته أو يشتمها، وهو أيضاً محرّم، لأنه لا فرق بينها وبين أيِّ امرأة في المجتمع، فالعقد الزوجي هو كأيِّ عقد آخر، يجب على الزوجين الالتزام به، والعقد إنما يحلّل للزوجين ما كان محرَّماً عليهما، في العلاقة الخاصة، وكل ما يتصل بها، وهو يلقي على الرجل مسؤولية الإنفاق وما إلى ذلك: {ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف وللرجال عليهنّ درجة} (البقرة:228).

العقد الزوجي لا يجعل المرأة أو الرجل أحدهما مستعبداً للآخر، وينحصر الأمر في الحقوق التي قضاها العقد لكليهما، حيث أراد الله سبحانه وتعالى للزوجين أن تكون الحياة الزوجية بينهما على أساس المودة والرحمة، {وجعل بينكم مودة ورحمة} (الروم:21)، فهما زوجان في الجسد، ولكنهما أخوان في الدين. وكذلك بالنسبة إلى البنت، فليس للأب ولا للأخ سلطة على البنت، بأن يضربها أو يشتمها؛ صحيح أنها ابنته، إلا أنها أخته في الإيمان، وإن كان له عليها حق الولاية، إلا أن ذلك لا يعطيه الحق بأن يضربها، إلا في حال التأديب، وإذا ضربها واحمرّ مكان الضرب فعليه أن يدفع الدية.

لا للعنف الاجتماعي باسم الدين

ولذلك، قلنا في عاشوراء، وأصدرنا فتوى تحرّم على الذين ينذرون أولادهم للتطبير هذا الفعل، لأن الله سوف يعاقبهم على ذلك، لأنه ليس للأب ولاية بأن يجرح ابنه، وإن كان يريد بذلك أن يعلّم ابنه حب الحسين، فالحسين(ع) لا يقبل القيام بمثل هذه التصرفات، لأنها تمثّل التخلف، بل يريد منّا السير على خطه ومنهجه. وكما بينّا سابقاً، فإن التلفزيونات العالمية تبرز صورة سيئة عن المسلمين، تصوِّر رجلاً وبين يديه ولده الذي ضرب على رأسه والدماء تسيل على وجهه، والولد يبكي بكاءً يقطّع نياف القلب، وقد كتبت إحدى الصحف الكندية: "هذا يُعمل باسم الله"، أي إن تعذيب الأطفال بهذه الطريقة الوحشية يرتكب باسم الله، وفي هذا تشويه لصورة الإسلام والمسلمين، والمؤسف أن هذه الحالة تزداد جراء العصبيات.

ومن العنف أيضاً أن يمنع الرجل أخته أو ابنته من التزوّج بالكفؤ وما إلى ذلك، وقد يدفعها جراء هذه الممارسات إلى القيام بـ"الخطيفة"، وساعتئذٍ:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يُراق على جوانبـه الدم

تحت عنوان أنه يريد أن يغسل العار، وهو من دفعها إلى القيام بمثل ذلك. وهناك أنواع أخرى من العنف الاجتماعي، حيث يفرض القوي، سواء كان حزباً أو شخصاً أو جماعةً أو حركةً، قوّته على الناس دون وجه حق، لأنه يريد أن يخضعهم لسلطته، وأن يمنع الناس من ممارسة حريتهم في ما يعتقدون وفي ما يؤمنون به... وهناك نوعٌ من أنواع العنف يمارس باسم الإسلام وباسم الدين. ولذلك، علينا أن نتثقف بثقافة رسول الله(ص) التي هي ثقافة القرآن، وأن نحاول أن نأخذ بأسباب الرفق وأسباب اللين في حياتنا العائلية والاجتماعية والسياسية. هذا هو مظهر الحضارة؛ أن نعترف بالآخر ونحترمه، وليس كما هو سائد، أن كل من ليس معك فهو كافر، أو زنديق، هذا ضال وذاك مضل وما إلى ذلك. وللأسف، لقد أصبحت ظاهرة متفشية بين مختلف الشرائح وعلى مختلف المستويات، والفتاوى بالقتل مستعرة من كل حدب وصوب، والنبي(ص) يقول: "ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يلعن بعضكم بعضاً ويضرب بعضكم رقاب بعض".

هذا هو الإسلام، فلا يقتصر الإنسان في إسلامه على الصلاة والصيام والحج، بل يجب أن يكون ذلك مقروناً بمعاملة جيدة مع الناس، وهكذا كان رسول الله(ص)، وهذه قيمة صلاة الجمعة وكل الصلوات والمواعظ، أنها تعلم الناس كيف يواجهون قضاياهم الاجتماعية والسياسية والروحية، حتى تكون صلاتنا مدارس، وليست مجرد ركوع وسجود: {وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضّوا إليها وتركوك قائماً قُل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين} (الجمعة:11).

علي الخزرجي
22-11-2012, 12:04 PM
مشكور اخي على هذه المعلومات القيمة تقبل تحياتي

الشاطي
03-12-2012, 10:57 PM
سلمت يداك على هذه المعلومات القيمة
وجزيتم خيرا

1983
04-12-2012, 09:15 AM
كتاب الله الكريم يجيزك ويجيزنا الف خير

مشكور

العراقي90
04-12-2012, 07:40 PM
سلمت يداك على هذه المعلومات القيمة
وجزيتم خيرا

الحسن الزكي
06-12-2012, 01:12 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
أحسنت بارك الله فيك , والقران الكريم نور في قلب المؤمن

الروح
09-12-2012, 09:23 PM
الغوص في مفاهيم القران الكريم يفتح افاق للتفكر
بوركتم ايها الكريم