المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسالة عاشوراء ....


kumait
16-11-2012, 08:42 PM
الحسين (ع) قيادة الإصلاح والتغيير
حسين احمد بزبوز

منذ أن خلق الله هذا الكون وعوامل البناء والهدم فيه مستمرة في عملها، والخير والشر فيه في صراعٍ مستمر. ولم يخترع أحدٌ من البشر الفساد في المعمورة، لأنه قد ولد مع الخليقة ذاتها، وسيظل حاضراً دائماً بنسبة ما في كل الأزمنة. لكن ذلك لا يعني أيضاً أبداً أن الفساد مقبولٌ، أو أن حربه يجب أن تتوقف أو تنتهي. فلا بد من صراعٍ ممتد بين الخير والشر، كي يستمر التصحيح والسعي الحثيث لخلق توازنات هذه الحياة بمصالحها المتناقضة.

لقد وجد الحسين عأمام نموذجٍ سياسي واجتماعي فاشل وفاسد، من نماذج الفساد والخراب والدمار الكثيرة في هذه المعمورة. وكان لا بد من نصرة الحق ولا بد من دورٍ إنساني بطولي شجاع في وجه ذلك الفساد الذي أرادته فئةٌ قررت سرقة الأمة وخيراتها وإهانة الإنسان الذي أكرمه الله وأراد له الرقي والنعيم في هذه الدنيا قبل الآخرة. ومع ذلك فلم يكن الحسين عنموذجاً للعنف أو للغضب والانفعال أو ساعياً لتفتيت الأمة وبث الفرقة والشتات في أوصالها. لكن وكما تفعل الطغاة في كل عصر ومصر نتيجة الخوف والتكبر وغطرسة القوة ورعب الهزيمة وقلق استرداد الأمة لمقدراتها وخيراتها، فقد أبى المذنبون السلم الذي أراده الحسين ع، فقادوا معركتهم مع الحسين عبطريقة دامية شنيعة، ثم تمادوا فأرادوا إلصاق تهمة الخروج والعنف بالحسين علتشويه صورته الناصعة عندما شاهدوا وشاهد الناس صورتهم البشعة، وبقيت آثار ذلك في التاريخ كله.

ورغم أنف التشويه والقبح، فقد كان الحسين عولازال في نظر الشعوب المنصفة والقيادات المخلصة أياً كان لونها، بطل الإصلاح والتغيير ورمز السلم ونصير الضعفاء والمساكين والمظلومين والمستضعفين ونقطة مضيئة في تاريخ البشرية يشع منها النور والضياء، وسيظل الحسين عأبد الدهر هكذا. ومهما اختلف الشيعة والسنة في عقائدهم وطقوسهم أو في فهمهم للحسين ع ، فلن يكون هناك أمامهم أبداً أية فرصة لاختلافٍ حقيقي حول حقيقة الحسين ع، ابن بنت نبيهم جميعاً وسيداً مع أخيه الحسن ع سيد شباب أهل الجنة، كمثلٍ أعلى. فهو رمز وحدتهم كقائدٍ مشترك في مشروع الإصلاح والتغيير في وجه الظلم، وقائد الأمة ورمزها في سبيل تحقيق العدالة الإنسانية والصمود القيمي، خصوصاً في أزمنة الظلم وتراجع الحقوق والقيم. ولن يكون أبداً رمزاً فقط للشيعة أو للسنة وحدهم، أو لغيرهم فقط من فئات البشر المفتتة والمتشتتة.

الحسين عكان وسيظل للجميع هكذا دائماً: «رمز الوحدة والإصلاح والتغيير في وجه الظلم والظلمة والمفسدين وأعداء الإنسانية»... وإلى الأبد.

************ ************
هكذا أزور الحسين
احمد علي العلي

السلام عليك أيها الإنسان قبل أن أنت تكون أي شي اخر.
السلام عليك كما عرفتك علما من أعلام الدنيا قبل أن تكون مناسبة عابرة تتلى في كل عام.
السلام عليك يا موطنا يحط على رحلك كل من أضاع بوصلة الشهادة لا كل من يشهد أو يستشهد بإسمك وهو موطن شبهة.
السلام على تربتك التي تحتضن أسمى معاني البطولة القيمة التي جسدتها في تاريخيك المضيء لا البطولة الوقتية الانية التي نرها في هذا الزمن الخرب.
السلام على روحك الطاهرة التي بين جنبتاك وهي تهدي للعالم باقات من زهور الياسمين وعطور الرياحين لا على الرائحة الكريهة التي نشتمها ممن يتاجر بك.
السلام عليك يا من رصعت جبين التاريخ بكلماتك في يوم الشهادة لا على الكلمات التي تخرج من أفواه الكذبه التي لايمكن حصرها بسهولة اذا ما أردنا جمع المآتم الكاذبة التي تحتاج الى مجلدات كما قال مطهري
السلام على كربلاء الكرامة التي أقمت فيها لا على المدعيين الإقامة فيها.
السلام عليك ياملهم الجهاديين في أنحاء المعمورة لا على متسربلي ثوب الجهاد.
السلام على كلماتي الزاحفة الى عراقك الزاهي لا على الذين يزحفون الى قبرك كل عام.
السلام على سيفك الذي ضربت به هامة الطغيان الى الأبد لا على السيف الذي يضرب على هاماتنا بإسمك.
السلام على جموع المعزيين الى رحاب قدسك لا على جموع المتزمتين.
السلام على الحسين الصامد كصمود الجبال الراسيات لا على الذين تعلوا اصواتهم بالبكاء والنحيب في كل عام والتي من الأحرى أن تبكي وتنحب واقعنا المزري كي نتمكن من تغييره.
السلام على ملهم الأجيال معنى التجديد لا على الخطباء او العلماء الذين لا يعيشون عصرهم ولا يفهمون ذهنية الجيل الذي يعيشون معه مما يجعل هوة عميقة بين الدين والأجيال القادمة كما قال السيد فضل الله
السلام على الذكرى الحسينية الخالدة لا على الذكرى الحسينية التي تحولت الى مأتم حسيني فقدت فيه دلالاتها السياسية الاجتماعية ومغزاها العميق في التزام موقف حياتي وجودي واقعي إزاء تحديات الواقع البائس بل غدت الذكرى في هذه المأتم دعوة الى الزهد في الدنيا وتحولت الى وعظ سلبي يدعوا الشيعي الى الإنصراف الى العمل الحياتي الواقعي.
السلام على من خط بدمه معنى الحياة الكريمة لا على المتسولين.
السلام على من تلقى سهام الظلم والطغيان لا على من يوجهون سهام تخلفهم وتحجرهم ضدنا.
السلام على نهجك الفعال لا على الخطابات المنفعلة التي نسمعها من هنا وهناك.
السلام على من تجتمع حول مائدته عقول الواعيين الثائرين لا موائد تملئ بطون وكروش الآكلين.
السلام على زوار الحسين في كل وقت لا على جموع زوار الحسين يوم الاربعين التي وصفها مطهري بالخرافة
السلام على من يرتل سورتك الثورية صبح مساء ويحسنون لحنها لا من يلحنون مصبيتك المذلة التي تورث الكآبة.
السلام على كل قطرة دم فجرت ثورة لا على كل دمعة أخمدت نيران الثورة.
السلام على محرر العبيد نعم العبيد في هذ الزمن.
السلام على من يحتل قلوب الأحرار.
السلام على دمك الزكي الذي أنبت أوراق العزة على سفوح أرضنا المجدبة.
السلام على الحسين كما عرفه محرر الهند غاندي عندما قال «لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحسين، شهيد الإسلام الكبير،
ودققت النظر في صفحات كر بلاء وإتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلابد لها من اقتفاء سيرة الإمام الحسين «.
السلام على الحسين الثوري في كتب الثوار المستلهمين.
السلام على من يقف المدح خاشعا ا مام كبريائه.

ابراهيم العبيدي
16-11-2012, 08:50 PM
جزاك الله خير الجزاء

صادق العارضي
16-11-2012, 09:54 PM
الله (http://www.imshiaa.com/vb)م صلّ على محمد (http://www.imshiaa.com/vb) وآل محمد (http://www.imshiaa.com/vb)
جزاكم الله خيرا اخي كميت

kumait
18-11-2012, 10:34 PM
http://annabaa.org/nbanews/2012/11/Images/122.jpg
أطفالنا ومبادئ المنهج الحسيني

شبكة النبأ: يحتاج الطفل الى الاهتمام في التربية والتثقيف والتعليم بقدر ما يحتاجه الشاب او اكثر، فالطفل الصغير صفحة بيضاء، يمكننا أن نكتب فيها ما نشاء، ونعلمه على ما نريد من مبادئ وسلوكيات، لذا لابد من تعويد الطفل على المنهج الحسيني بمبادئه الانسانية العظيمة، حتى نظمن سلوكا مجتمعيا قائما على العدل والمساواة وعدم محاباة الحاكم على الخطأ او الاستغلال.

والجميع يتفق (حتى المعادين للفكر الحسيني من المتطرفين)، أن الامام الحسين ساوى كما هو جده الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بين صديقه وعدوه، أملا بإصلاح الانسان وثنيه عن المسار الخاطئ، بغض النظر عن قناعاته السابقة، لذا يحتاج الصغار الى الفكري النقي والمنهج الانساني الاصيل، لكي يدعم بها سلوكه القويم، بمعنى أن الفرصة لما تزل وستبقى متاحة للجميع، لكي يعودوا الى المسار الصحيح، حتى لو أوغلوا بالخطأ، أي أن هناك نافذة دائمة للتصحيح، وهو الامل الذي يتجسد بالآية القرآنية المباركة (قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله)، لذا تعد المبادئ الحسينية منبع متدفق وأزلي للقيم الانسانية العظيمة، وهي قاعدة الاخلاق التي ينبغي أن ترتكز إليها الشخصية البشرية منذ أوائل نشوئها.

لذا فأن الانسان حين يولد في محيط معتدل، يفهم الطبيعة الانسانية، وله القدرة على ترويض النفس، ويضع أمامها البدائل التي تتمثل بفروع الخير، كالحق والصدق والامانة والاخلاص وحسن القول والسلوك وما الى ذلك من قيم تسمو بالانسان عاليا، فإننا في هذه الحالة نضمن فردا ناجحا متماسكا ومنتجا في آن، ولو حرصنا على انتاج مثل هؤلاء الاطفال فإننا سنصل الى بناء قاعدة بشرية تصلح لصنع مجتمع أخلاقي متطور ومعتدل في الوقت نفسه، وهذا النوع من المجتمعات كلنا نحلم بالوصول إليه، ومبادئ الحسين عليه السلام بجوهرها الانساني الخلاق كفيلة بتخليق بشر من هذا النوع منذ بوادر الطفولة، شريطة أن يتم غرسها كما هي في إنسانيتها العالية وقيمها الخالدة.

إذن ما هو مطلوب منا هو بذل الجهد الكافي لغرس المبادئ الحسينية بجوهرها الحقيقي في نفوس الاطفال لكي تكتمل شخصياتهم وفقا لهذه المبادئ والقيم الخلاقة، لأن أطفالنا صفحات بيضاء خالية من لطخات السواد، وبياض القيم الحسينية يليق بها تماما، فمن باب أولى أن يحرص المسلمون أولا، ثم الانسانية جمعاء، على ملء صفحات الطفولة البشرية بهذه القيم والمبادئ المستمدة من كتاب الله الحق، ومن سيرة رسولة الحق ومن سيّر آله الحق أيضا، كونها لا تتناقض قيد أنملة مع أنبل الافكار والقيم والمبادئ الانسانية التي عرفتها الارض منذ أن نشأ فيها الانسان.

وفيما لو أننا تمكنا من أن نحوّل هذه الافكار الى عمل ملموس، لأمكننا الوصول بسرعة قياسية الى بناء المجتمع المأمول، تطورا واستقرارا وترفيها وأخلاقا وقيما لا يرقى إليها الزلل قط، فهل يمكن لنا غرس القيم والمبادئ الحسينية في نفوس اطفالنا؟

وما هي السبل التي يمكن أن تؤدي الى هذا الهدف؟، إن الكلام وحده لن يحقق الهدف المبتغى، أيا كان نوعه او حجمه، وهو يشبه الاماني التي لا تتحقق بسبب عدم السعي العملي إليها، هذا يعني أننا نحتاج الى عمل مرادف للقول والافكار والتخطيط الذي نضعه على الورق او في العقول او ضمن التمنيات، كما أننا نحتاج الى غرس ما طالب به الحسين عليه السلام في جوهره الحقيقي.

إن الوصول الى هذا الهدف يتطلب مهاما عملية كبيرة ومعقدة لكنها ليست مستحيلة، أي أننا نحتاج الى قراءة الواقع الاسلامي والبشري عموما بتأنٍ ودقة، أو على الاقل دراسة مجتمعنا بوضوح ودقة، ثم وضع خطط مرسومة بتعقل وحكمة، من لدن ذوي الاختصاص، لكي ننجح فعلا في غرس القيم الحسينية في نفوس صغارنا، كما نزرع النبتة في الارض البتول، ويمكن لنا القيام بما يلي:

- أن توضع برامج واضحة لتأهيل الأسرة (المحيط العائلي)، للقيام بدورها الأولي في غرس قيم الحسين عليه السلام السابق ذكرها.

- أن تأخذ دور الحضانة مجالها الصحيح وليس المزاجي او غير المخطط له، للقيام بتأهيل الاطفال وفق هذا المنظور لتشكل رديفا للدور الاسري.

- أن يصل الطفل الى المرحلة الابتدائية وهو محمّل بجوهر المبادئ الحسينية الحقة.

- أن يتضاعف الجهد العلمي العملي المخطط له في المراحل اللاحقة، المراهقة الشباب، لضمان تنامي بذور الخير في شخصية الفرد.

- أن تقوم الدولة والوزارات المعنية بدورها الصحيح من حيث التخطيط والتنفيذ والدعم المالي خاصة، اذا اتفقنا ان الهدف هو بناء الشخصية الايجابية بكل ما تعنيه هذه الكلمة.

- أن تقوم المؤسسة الدينية بدورها الحقيقي في هذا المجال وهو واضح كل الوضوح.

- أن تقوم المنظمات والمؤسسات الأهلية المعنية ببناء شخصية الطفل بدورها المبرمج والصحيح في هذا المجال.

kumait
19-11-2012, 01:44 AM
خطاب إلى يزيد - بدر شاكر السياب

ارمِ السماءَ بنظـــرةِ استهـــــزاءِ
واجعلْ شرابَكَ من دم الأشــلاءِ

واسحق بظلك كلَّ عرضٍ ناصع
وأَبحْ لنعلك أعظْمَ الضعفـــــــاء

واملأ سراجك إن تقضَّى زيتـــه
مـــمـــا تدر نـــواضبُ الأثــداء

واخلع عليه كما تشـــاء ذبالــــةً
هدب الرضيـع وحلمة الـعـذراء

واسدر بغيِّكَ يايزيد فقد ثـــــوى
عنك (الحسين) ممزَّقَ الأحشـاء

والليل أظلَمَ والقطيع كمــا ترى:
يرنو اليــــك بأعيـنٍ بلهـــــــــاء

أحنى لسوطِكَ شاحبـاتِ ظهوره
-شأن الذليلِ- ودبَّ في استرخاء

وإذا اشتكى فَمَنِ المغيثُ؟ وان غفا
أين المهـيب به إلى العليــــــاء؟!

مثلتُ غدرَكَ.. فاقشعــــر لهولــه
قلبي وثارَ, وزلزلتْ أعضــائي

واستقطرتْ عيني الدموعَ ورنقتُ
فيها بقايــــــا دمعـــةٍ خرســــاء

يطفو ويرسبُ في خيالي دونـــها
ظلٌ أدقُّ من الجنـــاح النــــائي

حيرانُ في قعر الجحيمِ معـــــلقٌ
ما بين أَلسنة اللظى الحمـــراء!

أبصرتُ ظلَّك يا (يزيد) يرجُّـــه
موجُ اللهيــب وعاصفُ الأنواء

رأس تكلَّلَ بالخنا, واعتاض عن
ذاك النضار بحــــــيَّةٍ رقطـــاء

ويدانِ موثقتانِ بالســـــوط الذي
قد كان يعبثُ أمسِ بالأحيــــاء!

قم واسمعِ اسْمَكَ وهو يغدو سُبَّةً
وانظر لمجدك وهو محضُ هباء

وانظر إلى الأجيال يأخذُ مقبِلٌ
عن ذاهبٍ ذكرى أبي الشهـــداء

كالمشعل الوهَّاج- إلا إنهــــــا
نور الإِلـــه يجلُّ عن إطفـــــــاء

عصفتْ بيَ الذكرى, فألقتْ ظلَه
في ناظريَّ, كواكبُ الصحــراء

مبهورةَ الأضواء يغشَى ومضَها
أشباحُ ركبٍ لجًّ في الأســــــراء

أضفَى عليه الليلُ ستراً حِيكَ من
عَرفِ الجنان ومن ظـلالِ حِراء

أسرى ونام.. وليس إلا همســـة
باسمِ (الحسينِ) وجهشة استبكاء

تلك (ابنةُ الزهراء) وَلْهَى راعها
حلم ألمَّ بهـــــــا مع الظلمـــــــاء

تُنبي أخاها وهي تخـــفي وجهها
ذعراً, وتلوي الجيد من إعيــــاء

عن ذلك السهل الملَبَّدِ يرتـــــمي
في الأفق مثل الغيمـــة الســوداء

يكتظ بالأشباح ظمأى حشرجتْ
ثم اشرأبتْ في انتــــظار المـــاء

مفــــغورة الأفـــواه- إلا جثــــة
من غير رأسٍ لطخـــتْ بدمــــاء

زحفتْ إلى مـــاءٍ تراءَى, ثم لم
تبلغه- وانكفأتْ على الحصبــــاء

غِير (الحسين) تصده عما انتوى
رؤيا.. فكُفِّي يا ابنةَ الزهــــــراء

من للضعاف إذا استغاثوا والتظت
عينا (يزيدَ) سوى فتى الهيجــاء؟

بأبي عطاشى لاغبين, ورضَّعاً
صفرَ الشفاهِ حمائصَ الأحشــاء

أيد تمد إلى السماء, وأعيـــــن
ترنو إلى الماء القريــب النــائي

طامٍ, أحلَّ لكلِّ صــــادٍ وِرْدَه:
من سائبٍ يعوي ومن رقطـــاء

عزَّ الحسين وجلَّ عن أن يشتري
رِيَّ الغليلِ بخطـــةٍ نكـــــــراء

آلَى يموتُ ولايــــوالي مـــارقا
جمَّ الخطايا, طائشَ الأهــــواء

فليصرعوه كما أرادوا.. إنمـــا
مـــا ذنبُ أطفالٍ وذنبُ نســـاء

عاجتْ بيَ الذكرى عليها ساعةً
مرَّ الزمانُ بها على استحيـــاء

خفقتْ لتكشفَ عن رضيعٍ ناحلٍ
ذبلتْ مراشفـــه, ذبولَ خبـــاء

ظمآنَ بين يديْ أبيــــه كأنـــــه
فرخُ القطاةِ يدفُّ في نكبـــــاء

لاح الفرات له فأجهشَ باسطـاً
يمنـــاه نحو اللجَّةِ الزرقـــــاء

واستشفع الاب حابسيه على الصدى
بالطفل يومئ باليد البيضــــاء

رجى الرواه فكان سهماً خَزَّ في
نحر الرضيعِ وضحكةِ استهزاء

فاهتز واختلجَ اختلاجةَ طــــائر
ظمآن رفَّ ومات قرب المــاء

ذكرى ألمَّتْ, فاقشعر لهولهــــا
قلبي وثارَ, وزلزلت أعضـائي

واستقطرتْ عيني الدموع ورنقت
فيها بقايا دمعةٍ خرســــــــاء

يطفو ويرسب في خيالي دونهـــا
ظلٌّ أدقُّ من الجناحِ النـــائي

حيران في قعر الجحيمِ معلَّــــــقٌّ
ما بين ألسنةِ اللظى الحمراء

kumait
24-11-2012, 07:47 PM
جريمة بشعة.. طفولة رضيع تنتهك!
علي آل غراش

من أكثر الصور بشاعة ومأساوية.. صور أطفال صغار منهم الرضع يسبحون في برك من دمائهم الحمراء وأشلائهم مقطعة..، أطفال كان من الطبيعي أن يكونوا في هذا السن في أحضان أو على صدور أمهاتهم!!.

الطفولة تعني البراءة والصفاء والنقاء والشفافية والرقة والجمال..، ومن الطبيعي أن تتمتع الطفولة بالحماية والرعاية..، ولكن على أرض الواقع في عالمنا الذي يدعي الديمقراطية وإحترام حقوق الانسان والمواساة.. والذي أصبح كالقرية الصغيرة بفضل تقنية الاتصالات الانترنت والفضائيات فالأمور مختلفة ومعاكسة حيث تم بث صور أطفال ورضع قد تم إستهدافهم بالبنادق والدبابات والطائرات، وشاهد العالم صور أطفال رضع قد تم إستهدافهم بالرصاص مباشرة كالطفلة إيمان في فلسطين حيث إخترقت رصاصة حاقدة قلبها البريء، وصورإستهداف الطفل محمد الدرة الذي قتل وهو يحتمي بوالده، وصور أطفال تم إنتشالهم جثث من تحت الأنقاض بعدما إستهدف العدو الصهيوني بيوتهم، وهناك أطفال تم إستخراجهم من تحت الأنقاض وهم يصرخون بعد وفاة أمهاتهم تحت الأنقاض لا يريدون الحياة في عالم الناس فيه ماتت ضمائرهم، وأصبحوا لا يتأثرون بسماع صراخ الأطفال الإبرياء!.

ومن الغرائب في الدول العربية والاسلامية أن هناك آباء أوأمهات ينتهكون براءة أبنائهم كما فعل الاعلامي الذي يدعي أنه داعية ديني الذي قتل إبنته لمى بالضرب، وكما تفعل بعض الأنظمة العربية بقتل الأطفال بالغازات السامة كما يحدث في البحرين!!.

وفي حادثة يوم عاشوراء الدموية في كربلاء الحسين ع ، حيث إرتكبت فيها أبشع الجرائم ضد الإنسانية من قبل - عدو يدعي العروبة والاسلام - عدو لم يحترم الدين ولا العروبة ولا العادات والتقاليد ولم يحترم ثقافة وآداب الحروب، أنها مجزرة رهيبة لم يحترم فيها الشيوخ ولا النساء ولا الصبية ولم يسلم الأطفال بل لم يسلم الرضع الأبرياء من القتل بأبشع الصور حيث قتلوا بأبشع طريقة وتم تقطيعهم أشلاء وسحبهم من أحضان أمهاتهم، صور لم تنقل عبر وسائل الإعلام الجديد بالصوت والصورة ليرى العالم حجم المأساة الدموية وتتحرك ضمائرهم.

ومن أبشع الإنتهاكات التي وقعت على أرض كربلاء الحسين ع المليئة بما يصنف بالجريمة الانسانية الوحشية حيث قتل أبناء وأحفاد خاتم الأنبياء الرسول محمد ص بل تم فصل رؤسهم عن أجسادهم وتم حرق مخيم بنات الرسول وأخذهن سبايا من بلد إلى بلد!!.

الأبشع فيها كان مقتل عبدالله الرضيع «علي الأصغر» إبن الامام الحسين، فبعد أن تم قتل أصحاب وأقرباء وأخوة وأبناء الحسين ولم يبق له أي ناصر ولا معين، جاءت إليه أخته السيدة زينب عبالطفل الرضيع وهو مدلوع اللسان في حالة يرثى لها بسبب الجوع والعطش، بعد ثلاثة أيام من منع الماء عن مخيم الحسين، أي أن الرباب أم الرضيع ثلاثة أيام لم تشرب الماء وقد جف صدرها من اللبن، أخذ الامام الحسين طفله الرضيع طالبا من الجيش الأموي بقيادة عمر إبن سعد شربة من الماء للطفل فقط، وقد وضح الإمام الحسين للقوم أن هذا طفل صغير وليس له دخل بالحرب - أي أن الحسين حاول تذكير هؤلاء الأعداء بالبعد الانساني وبحقوق الطفولة - ولم يتأخر جواب القوم كثيرا حيث جاء الرد بشكل سريع جدا عبر قتل الرضيع وهو على صدر والده بسهم ذبحه بل نحره من الوريد الى الوريد أي قطع رأسه عن الجسد عبر إستهداف رقبته الرقيقة الناعمة البراقة، ومن شدة ألم وحرارة السهم رفرف الطفل بيديه وهو على صدر والده المفجوع وكأنه يطير الى عالم الإله العادل ليقدم شكوته ومظلوميته، والدماء البريئة تنزف منه!!.

بأي ذنب يحرم هذا الطفل الرضيع البريء من الماء ومن الحياة كي يقتل وهو عطشان وتنتهك طفولته؟!.
هذا الطفل الرضيع المحروم من الماء والحياة هو حفيد سيد البشرية ورحمة العالمين وخاتم النبيين سيدنا محمد رسول الله ص؟

إن تلك العملية صورة بشعة ومأسوية لإنتهاك الطفولة في يوم عاشوراء، وهذه الحادثة المؤلمة تستحق الإهتمام وتخصيص برامج خاصة لها خلال أيام إحياء عاشوراء، لتكون مناسبة للدفاع عن حقوق الطفولة في عالمنا المليئ بالصور المرعبة بقتل وإنتهاك الطفولة، كما يحدث في فلسطين ولبنان على يد العدو الإسرائيلي وكما يحدث في العديد من البلاد العربية والاسلامية على أيدي الأنظمة الحاكمة الظالمة الفاسدة ومنها البحرين حيث تنتهك الطفولة عبر إستهداف الأمهات بإعتقالهن وسجنهن وتعذيبهن و«..» وقتلهن وفصلهن عن أطفالهن، أو عبر قتل الأطفال مباشرة بالرصاص أو بالدهس أو بالغازات السامة!!. في ظل صمت العالم!!.

على الأحرار والشرفاء وأصحاب الضمائر الحية والنشطاء والعاملين في مجال حقوق الانسان والدفاع عن حقوق الطفولة، المساهمة والمشاركة لإحياء يوم الطفولة في أول جمعة من أيام عاشوراء، شهر محرم الحرام والتي يطلق عليها باليوم العالي للطفل الرضيع ع أو يوم الرضيع العالمي، بحضور الأمهات والنساء والأطفال الرضع للإستفادة من أجواء شهر محرم العاطفية الحزينة ومن أهداف ثورة عاشوراء الحرية والعزة والكرامة والإباء والثورة ضد الظلم والطغيان والفساد، والإستفادة من الحضور والتفاعل الكبير في تلك المناسبة العالمية للثورة الحسينية الخالدة لتسليط الأضواء على الطفولة وحقوقها.

الطفولة مرحلة البراءة والنقاء والصفاء، وهي إحدى المراحل التي يمر عبرها كل إنسان، وهي مرحلة مهمة ينبغي الإهتمام والرعاية والعناية بها، فالطفولة أمانة في عنق كل أب وأم ومسؤول ومن لديه ضمير إنساني ينبض بالحب للإنسان، فمن حق الطفل في هذا السن مهما كان دينه ومذهبه وعرقه أن يحصل على الرعاية والحماية الغذاء والدواء والتعليم، فأطفالنا أكبادنا تمشي على الأرض.

السلام على الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى إبنه حفيد رسول الله محمد ص عبد الله الرضيع ع المقتول وهو عطشان ولم يبلغ من العمر إلا ستة أشهر بسهم مثلث ذي ثلاث شعب صوبه له عدو الله ورسوله والانسانية والطفولة حرملة بن كاهل الأسدي في نحره الشريف وذبحه من الوريد إلى الوريد وهو في حجر أبيه، والسلام على إخوة الحسين وأصحاب الحسين، والسلام على من إتبع منهج الحسين ع في الإصلاح وتحرير الناس من عبودية الذل والإستبداد.


أين حظ الأنثى من العَشَرة؟
بدر شبيب الشبيب

بكل ثقة أقول: لو أُعطِيَت الأنثى في مجتمعنا نصف حصة الذكر من الاهتمام، كما هو حظها في آية الإرث، لتغير حال مجتمعنا بشكل إيجابي أضعافا مضاعفة، غير أن الواقع كما نشهده يعاني من مرض تصلب الشرايين بسبب ارتفاع نسبة الكوليسترول الذكوري في دمه.
كم هو نصيب الأنثى في الأندية الأدبية والجمعيات والمنتديات والملتقيات الثقافية والأنشطة الاجتماعية المختلفة حضورا ومشاركة؟
كم هي نسبة المؤسسات النسوية إلى أختها الرجالية؟ كم وكم، والقائمة تطول؟!

من الأمور التي تسترعي انتباهي في الأيام العشرة الأولى من المحرم - والتي تعتبر موسما دينيا وثقافيا واجتماعيا كبيرا في منطقتنا، حيث مراسم إحياء ذكرى عاشوراء الإمام الحسين ع - هو قلة التركيز على دور المرأة وإسهامها الإيجابي في هذا الحدث. فلم يتم مثلا تخصيص يوم من الأيام العشرة للحديث عن الشخصيات النسائية الفاعلة التي شاركت في نصرة الإمام الحسين ع بمواقف مختلفة.

وكان على رأس تلك الشخصيات عقيلة الطالبيين زينب بنت علي بن أبي طالب ع التي تحملت من الأعباء والآلام ما لا يستطيع حمله الأشداء من الرجال، وقامت بمهامها قبل المعركة وفي أثنائها وبعدها خير قيام. والحديث حول ذلك يحتاج لأكثر من مقال.

لقد قامت العديد من النساء بأدوار تفوقن فيها على الرجال بجدارة، بل كشفن فيها عورات أشباه الرجال، كما فعلت مارية بنت منقذ العبدية التي كان منزلها في البصرة « مألفا لشيعة أهل البيت يتحدثون فيه في ما يهمهم من أمور دينية وغيرها» كما يقول الشيخ فوزي آل سيف في كتابه «نساء حول الرسول وأهل البيت»، وكان ستة من أنصار الإمام الحسين عمن خريجي ذلك المجلس. بينما نرى في الجانب الآخر، سقوط ثلاثة من إخوتها الذكور في الاختبار سقوطا مدويا، وهم رضي ورجاء ومرة بن منقذ، حيث كانوا في المعسكر الآخر ضد الحسين.

من النساء اللاتي لعبن دورا رائدا قبل المعركة هي أم القاسم زوجة حبيب بن مظاهر الأسدي. فعندما كان الإمام الحسين ع يسير من مكة إلى الكوفة كتب كتابا إلى حبيب، يقول فيه: من الحسين بن علي بن أبي طالب ع إلى الرجل الفقيه حبيب بن مظاهر، أمّا بعد يا حبيب، فأنت تعلم قرابتنا من رسول اللهص وأنت أعرف بنا من غيرك، وأنت ذو شيمة وغيرة، فلا تبخل علينا بنفسك، يجازيك جدّي رسول اللهص يوم القيامة.

يضيف التاريخ: ثم أرسله إلى حبيب، وكان حبيب جالساً مع زوجته، وبين أيديهما طعام يأكلان، إذ غصَّت زوجته فقالت: الله أكبر يا حبيب! الساعة يرد علينا كتاب كريم من رجل كريم، فبينما هم في الكلام وإذا بطارق يطرق الباب، فخرج إليه حبيب وقال: من الطارق؟ قال: أنا رسول الحسين ع إليك، فقال حبيب: الله أكبر! صدقت الحرَّة بما قالت، ثم ناوله الكتاب، ففضَّه وقرأه، فسألته زوجته عن الخبر فأخبرها فبكت وقالت: بالله عليك يا حبيب لا تُقصّر عن نصرة ابن بنت رسول الله ص.

في المقابل كان موقف بني عمه سلبيا حيث حاولوا منعه من الخروج لنصرة الحسين ع .

ومنهن أيضا دلهم بنت عمرو زوجة زهير بن القين التي حثت زوجها على اتخاذ القرار الحكيم الأصوب، مقدمة عقلها على عاطفتها، قائلة له: خار الله لك يا زهير. أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين.

ومنهن كما ذكرنا في مقال مستقل «طوعة» التي آوت سفير الحسين إلى الكوفة مسلم بن عقيل بعد أن تخلى عنه رجالها، فسجلت موقفها البطولي ناصعا في صفحات التاريخ؛ وكذلك أم وهب التي استشهدت في طف كربلاء بعد مصرع زوجها عبد الله بن عمير الكلبي الذي شجعته على نيل الشهادة.

ومنهن بل في مقدمتهن نساء أهل البيت اللاتي أبلين البلاء الحسن بعد المعركة، وكان لهن الدور الأكبر في نشر ظلامة الحسين وفضح أعدائه.

إننا نحتاج في هذا العصر بالذات لتسليط الضوء على النهضة الحسينية بكافة أبعادها المشرقة، وأن نقدمها للعالم أجمع في صورتها الأبهى التي احتضنت الإنسان والإنسانية.

kumait
07-12-2012, 08:59 PM
قراءة تأملية فى خطاب الإمام الحسين يوم عاشوراء
احمد علي الشمر

لاشك أن خطب الإمام الحسين ع فى يوم عاشوراء، تعد أحد أركان وأضلاع مكونات الثورة التى فجرها ضد طغاة الحكم الأموي الظالم. وقد تجسد بروز مضامين أهم هذه الخطب الثورية مع تصاعد حدة المواقف الغاشمة، التى واجهها الإمام على خلفية دعوته للإصلاح ورفضه للمبايعة الأموية، وقد توضحت أبرز صور ومشاهد هذه الخطب فى خطبته يوم عاشوراء، وحينما كان الحسين يواجه الموت وهو يقف بكل صلابه وشجاعة مع ثلة قليلة من أنصاره وأهل بيته أمام تلك الجموع الكبيرة من القوى المعادية التى جاءت وإجتمعت وتكالبت لمحاربته وقتاله، بقيادة عمر بن سعد، الذى قاد هذه الجموع لمواجهة الحسين.

ولاشك أيضا بأنها كانت خطبة تاريخية خالدة مزلزلة وفريدة فى حقبة تاريخ خطب القادة والزعماء القلائل الذين خلدهم التاريخ، وحتى بقيت آثارزلزالها الثوري المدوي والخالد مستمر إلى اليوم، مهددا بدك عروش الطغاة والظالمين والفاسدين والمنحرفين، كما كان ومازال صدى وبعد وعمق تأثير مفردات معاني كلماتها البلاغية والفلسفية والمنطقية والإعلامية بمنطق العصر مثار إعجاب ودهشة إلى اليوم، من قبل كثير من المفكرين فى الشرق والغرب، الذين أعدوا وكتبوا وقدموا لها الكثير من الأعمال الفكرية والبحثية والدراسية بجميع اللغات، التى تناولت تشريح وتقريض أبعاد قوتها وفلسفتها ومنطقها البلاغي والإعلامي المؤثر.

وبذلك تمثل خطب الحسين فى هذه الثورة ركنا هاما لمسيرة كفاحه وجهاده الإصلاحي ضد الطغاة والفاسدين من حكام الدولة الأموية الظالمة، وتعد نموذجا فريدا لمنظومة فكرية مستقلة، وفريدة فى تكوينها ونوعها الإنشائي واللغوي والبلاغي، وإلى حد يفوق التصور ويعجز عنه الوصف، وهي رائعة من الروائع الأدبية والفكرية الناذرة فى القاموس الفكري والأدبي القديم والحديث نثرا وشعرا، كما يصفه الكثير من المفكرين والعلماء فى العالم الإسلامي، وأرى من هذا المنطلق أنه لا يمكن من وجهة نظري تقييم ووصف منجزها ومشروعها الفكري بنفس أساليب القوالب المعروفة فى التعاطي الأدبي والفكري الكلاسيكي المتداول والمطروح فى الساحات الأدبية الحديثة.

وأعتقد أيضا فى هذا بأن مضامين وقوالب ما جاء فى هذه الخطب «الإنشائية والبيانية» لا تحتاج منا إلى أي تعليق أو مدح أو ثناء أوإ طراء على قيمتها الإبداعية، فهذه الخطب تفرض نفسها، وتعطي المتتبع والدارس والباحث مدلولات واضحة للمشاهد التسجيلية النوعية المبهرة والفريدة، وتنقل إليه صورة واضحة وبليغة للمتحدث، وبأنه كيان مختلف عما ألفه من قبل فى مثل تلك الخطابات التقليدية الحديثة أوحتى المتأخرة فى العهود السابقة.

وأود هنا أن أشير إلى تنويه هام حول الموضوع، وهوأن هذه القراءة المتواضعة، تتناول فقط بعض أجزاء مقتضبة ومختصرة ومجتزئة ومأخودة من بعض أهم خطبه ع فى يوم عاشوراء، وبحسب ترتيب إيجازها من بعض مراجعها ومصادرها المعروفة، وقد خصت أبرز الجوانب الهامة مما ورد فى هذه الخطب، وخاصة أهم ما تناقلته مصادر خطبه ع فى يوم عاشوراء.

والحقيقة أن المتتبع لهذه الخطب القيمة والمتفردة فى لغتها وإشاراتها يلحظ بوضوح تام أهمية النماذج والدلالات البارزة فى قيمة هذه الخطب، والدالة على عمق وبلاغة وفصاحة وقوة مضامينها ومحتواها، وما تعكسه من تأثيرات، وخاصة ماتركته من إنعكاسات فى نفوس الكثير من رواد الفكر الإسلامي والمهتمين بمتابعة ودراسة هذه الخطب، يقول أحد الكتاب المهتمين بثورة الحسين.. إعتمد الحسين على قوة المنطق، لبينما إعتمد عدوه على منطق القوة، فلما سقطت قوة عدوه إنتصر منطق الحسين وكان إنتصاره أبديا.

ويقول آخر: فتح الإمام الحسين كتابا صيغ بدمه وعرقه أمام المجتمع كله لينهل منه حسب قابليته.

وقيل فى السياق نفسه، أراد الحسين أن تكون ثورته ثورة حق ضد الباطل، وثورة الإسلام كله، ضد الشرك كله.

وحينما نتابع تفاصيل وقائع هذه الخطب، نكتشف حقيقة أن كل ما قيل عن الحسين من أقوال دونتها أقلام المفكرين والباحثين، لا تفي بحقه، فالحسين مشروع كبير ليس بوسع أحد أن يفيه حقه، ولكنها على كل حال مجرد إجتهادات خيرة، تصب فى خدمة الحسين وأهل بيته الطيبين الطاهرين، صلوات الله وسلامه على نبينا الكريم وعليهم أجمعين، ونسأل الله تعالى أن يتقبلها فى موازين أعمالهم.

وأما مواقف الأحداث فى التسلسل الدرامي لسيناريو خطبه ع القوية فى كربلاء يوم عاشوراء، فسنجدها تتجلى بداية فى خطبته الأول كما تذكر المصادر، وبدايتها حينما إمتطى الحسين ع راحلته «فرسه» ونادى بصوت عال موجها حديثه لجيش عمر بن سعد سمعه جلهم وقال لهم.. «أيّها الناس اسمعوا قولي، ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما هو حق لكم عليَّ، وحتّى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتهم عذري، وصدّقتم قولي، وأعطيتموني النصف من أنفسكم، كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم عليّ سبيل، وإن لم تقبلوا منّي العذر، ولم تعطوني النصف من أنفسكم، فاجمعوا أمركم وشركاءكم، ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة، ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون، إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولّى الصالحين».

وتشير سيرة الحدث فى هذا السياق إلى أن النساء لمّا سمعن هذا منه صحن وبكين، وارتفعت أصواتهن، فأرسل إليهن أخاه العباس ، وابنه علياً الأكبر وقال لهما: «سكتاهن، فلعمري ليكثر بكاؤهن» ولمّا سكتن، تابع الحسين خطابه وحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمّد وعلى الملائكة والأنبياء، وقال في ذلك ما لا يحصى ذكره، ولم يسمع متكلم قبله ولا بعده ولا أبلغ منه في منطقه.

وتبدو هنا ومن أول وهلة رباطة جأش الحسين ع وشجاعته، من خلال هذه التوجيهات الصارمة الحاسمة، وتكمن أولا من خلال مبادئته فى الخطاب الذى وجهه لجيش إبن سعد بصورة حاسمة ومباشرة وهادئة فى ذات الوقت أراد الحسين من خلاله أن يعضهم، وقد رفع صوته ليسمعه الجميع وهو يقول لهم بكل هدوء ودون إنفعال، كما هو واضح من خلال لغة وصيغة الخطاب «أيّها الناس اسمعوا قولي، ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما هو حق لكم عليَّ» ونجد أن الحسين هنا كان يريد من خلال ذلك إلقاء الحجة على القوم إبراء لذمته وتعريفهم بنفسه وبمكانته التى يجهلونها أو يتجاهلونها، محاولا تذكيرهم بأسباب مقدمه لهم الذى جاء بدعوة منهم، «وليبين لهم بالتالي مصداقية قوله، فإن صدقوا قوله كانوا بذلك أسعد، وإن لم يصدقوا فعليهم أن يجمعوا أمرهم وشركاءهم، ثمّ لا يكن أمرهم عليهم غمّة، إلى أن يقول ع فى هذا.. ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون، إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولّى الصالحين.

وهذا يبين دون ريب صورة الحسم فى موقفه المصيرى مع القوم من خلال إسترساله فى وعضهم بهذا الخطاب، و بالتالى ما تصوره مفردات كلاماته الحاسمة الفاصلة لهم بهذه المعاني الراقية فى سموها وبعدها المنطقي، قمة السلاسة والوضوح فى إنسياب كلماتها بصورة السهل الممتنع، فى لغة الخطاب وبلاغته وقوته وفصاحته وسهوله فهمه فى ذات الوقت، وهذا أيضا، هوما أكده بالتحديد راوي السيرة الحسينية نفسه الذى وثق هذه المشاهد والصور التاريخية الخالدة، وذلك حينما إشار إلى إستطراد الإمام فى خطابه الموجه لجيش إبن سعد، بعد أن أمر بإسكات نسائه، بقوله أي الراوي أنه قال فى فحوى ومضمون ذلك الخطاب.. بما لا يحصى ذكره، ولم يسمع متكلم قبله ولا بعده ولا أبلغ منه في منطقه، ولاغرابة فى أن يقيم الخطاب من هذا المنظور، بأنه من أكثر الخطب فى التاريخ بلاغة وقوة ومنطقا وفصاحة.

وهذا الواقع بالتأكيد هو نفسه ما عكس الحقائق الجلية الواضحة والملموسة فعلا لمصداقية هذا الخطاب عند إستطراد الإمام لخطابه لجيش عدوه، وهو يبين مايريد توضيحه لهم برفعة وسمو تلك المفردات الفصيحة والبليغة مما تضمنته، والتى تبين ذروة الرقى فى بعدها وعمقها الديني والعقائدي والفكري، وما يتميز به الحسين ع من حس ووعي وإدراك يعجزعنه الوصف، تضاف إلى جملة رصيده وقائمة موقعه ومكانته الدينية والعلمية، والتى تكون فى مجموعها كل المميزات الفريدة لباكورة التميز التى خص وأكرم بها الله سبحانه وتعالي رسوله صلوات الله عليه وعلى آله وأهل بيته الكرام، من العلوم العقائدية والمعرفية بما يغطي حاجة المجتمع فى ذلك العصر، وكذلك بما يزيد فى سبقها لمختلف العصور التى تلتها، وهو ما يتضح الآن فعلا، ومن ثم لا ننسى أيضا أبعاد وأعماق مواقف الإمام الدعوية والجهادية البطولية الإيمانية، فى مقارعة الطغاة والظلم والإنحراف الذى ساد فى ضل حكم إبن زياد، برفضه لهذا الوضع الشاذ الذى لايمكن السكوت والتغاضي عنه، بعد أن رأى.. ان الامر بالمعروف لا يعمل به وان المنكر لا يتناهى عنه.

ومن هنا جاء مصداقية قوله «إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما» ولأجل ذلك كانت هذه الثورة لحسينية الخالدة، التى إنتصر فيها الحسين كعقيدة وكمشروع ثوري نهضوي لمقارعة الظلم والجور والفساد، خلدها التاريخ للأجيال الطالعة لكي يستلهمون منها مستقبلهم المشرق.

وحينما نتتبع قراءة خطابه ع فى ذلك الموقف، نكتشف وبسهولة فائقة هذه السمات التى ينذرمن أن يماثلها أحد فى عطائها، وفى أوصاف وتفصيلات كلماتها ومفرداتها البلاغية والفكرية، وخاصة من خارج الدائرة المطهرة لشجرة أهل بيت النبوة ع فى ذلك العصر، ولذا فإني أؤكد جازما ومن هذا المنطلق وبحسب رأيي المتواضع، أن الحسين ع فى خطابه هذا، قد سبق عصره الذى كان يعيش فيه، ليس فقط فى صيغة وضع مفردات الكلمات والعبارت التى إحتواها مضمون الخطاب ووضعها فى موقعها وموضعها الصحيح والدقيق، ولكن أيضا فى قدرته الفائقة فى التوصيف البلاغي والمنطقي الحاسمين فى دقتهما وفصاحتهما، ولا أعتقد جازما أيضا بأن أحدا من المفكرين والعباقرة ورواد الثقافة والفكر، سواء فى العصورالتى تلته وحتى عصرنا الحديث قد جاء بهذه العبقرية الفذة فى نهجه ولغته الخطابية الفريدة.

ولكي نلامس عبقرية الإمام ع فى خطابه نتابعه، وهو يستأنف ع مخاطبته للقوم الذين كانوا يحيطونه من كل جانب.. فيقول:

«الحمد لله الذي خلق الدنيا، فجعلها دار فناء وزوال، متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرورمن غرته، والشقي من فتنته، فلا تغرنّكم هذه الدنيا، فإنّها تقطع رجاء من ركن إليها، وتخيب طمع من طمع فيها، وأراكم قد اجتمعتم على أمرقد أسخطتم الله فيه عليكم، وأعرض بوجهه الكريم عنكم، وأحلّ بكم نقمته، وجنبكم رحمته، فنعم الرب ربنا، وبئس العبيد أنتم.

أقررتم بالطاعة، وآمنتم بالرسول محمّد ص ثمّ إنّكم زحفتم إلى ذرّيته وعترته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم، فتباً لكم ولما تريدون، إنا لله وإنا إليه راجعون، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم، فبعداً للقوم الظالمين» ثم يتابع ع خطابه فى تشريح واقع الموقف الذى يثقف منه عدوه لقتله ظلما وعدوانا بعد أن جحدوا فضله وأنكروا عليه مكانته، متسائلا عن الأسباب التى جعلهم بموجبها يحلون فيه هدردمه وقتله، مبينا بأنه إبن بنت نبيهم وإبن وصيه وإبن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق لرسوله بماجاء من عند ربه..؟ وبأن حمزة سيد الشهداء هوعم أبيه، وأن جعفر الطيار هوعمه..؟ مستشهدا بشهادة قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله فيه وفى أخيه، بأنهما سيدا - شباب أهل الجنة - وأن هناك بينهم ممن يعرفه حق المعرفه، فلو سألوه سيخبرهم بصدق مقالته، فيشير إلى جابر بن عبد الله الأنصاري، وأبا سعيد الخدري وسهل بن ساعد الساعدي، وزيد بن الأرقم، وأنس بن مالك، فهؤلاء هم من سمعوا هذه المقالة من رسول الله ص له ولأخيه، فيسألهم أما في هذه الشواهد والدلالات الواضحة من شفاعة أوحاجز يمنعهم عن سفك دمه..؟. فيوضح لهم جملة هذه الحقائق الدامغة من خلال إسترساله فى الخطاب قائلا:

«أيها الناس: انسبوني من أنا، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، وانظروا هل يحل لكم قتلي، وانتهاك حرمتي، ألست ابن بنت نبيكم، وابن وصيه وابن عمّه، وأوّل المؤمنين بالله، والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربه..؟ أوليس حمزة سيد الشهداء عم أبي..؟ أوليس جعفر الطيار عمي..؟

أولم يبلغكم قول رسول الله ص لي ولأخي: «هذان سيّدا شباب أهل الجنّة» فإن صدّقتموني بما أقول وهو الحق، والله ما تعمّدت الكذب منذ علمت، أنّ الله يمقت عليه أهله، ويضرّبه من اختلقه، وإن كذّبتموني، فإنّ فيكم من أن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري، وأبا سعيد الخدري، وسهل بن سعد الساعدي، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك، يخبرونكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله ص لي ولأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي..؟»

وفى هذا السياق وبينما كان الحسين ع يواصل توجيه خطابه فى تبيان المشهد العام لرسالته للقوم، يشير الراوي فى تلك الأثناء إلى ظهور «الشمر» وهو يقاطع الحسين قائلا - هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول - فييجيبه الصحابي الجليل حبيب بن مظاهر الأسدي ساخرا وموبخا - والله إنّي أراك تعبد الله على سبعين حرفاً، وأنا أشهد أنّك صادق ما تدري ما يقول، قد طبع الله على قلبك.

فيستمر الحسين ع بعد ذلك فى إستئناف خطابه قائلا:

«إن كنتم في شك من هذا القول، أفتشكّون فيّ أنّي ابن بنت نبيكم..؟ فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم، ولا في غيركم، ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته..؟ أومال لكم استهلكته..؟ أوبقصاص جراحة..؟»

و هنا يبدوأن القوم قد بيتوا له النية وأصروا على غيهم وعنادهم فى الخاينة والغدر ونكث مواثيقهم وعهودهم، فأخذوا لا يكلّمونه، فنادى الحسين ع : «يا شبث بن ربعي، ويا حجار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث، ويا زيد بن الحارث، ألم تكتبوا إليّ أن أقدم، قد أينعت الثمار، واخضر الجناب، وإنما تقدم على جند لك مجندة..؟
فقالوا: لم نفعل.. فقال ع سبحان الله، بلى والله لقد فعلتم.
فقالوا: لم نفعل.. فقال ع : «سبحان الله، بلى والله لقد فعلتم»
ثمّ قال ع «أيها الناس: إذا كرهتموني فدعوني انصرف عنكم إلى مأمن من الأرض»
فقال له قيس بن الأشعث: أولا تنزل على حكم بني عمّك..؟ فإنّهم لن يروك إلاّ ما تحب، ولن يصل إليك منهم مكروه..؟
فقال ع «أنت أخو أخيك، أتريد أن يطلبك بنو هاشم أكثر من دم مسلم بن عقيل، لا والله، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد، «او مثلي يبايع مثله - هيهات منا الذلة يابى الله ذلك لنا ورسوله وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام» عباد الله إني عذت بربّي وبربّكم إن ترجمون، أعوذ بربّي وربّكم من كل متكبّرلا يؤمن بيوم الحساب»

الخطبة الثانية فى كربلاء

وما سطرته مضامين محتوى خطبة الحسين ع الثانية فى كربلا ء، وهي كذلك ضمن خطب عديده، وتأتي إستطرادا لذات المضمون التبليغي الرسالي للقوم الذين أحتشدوا لقتاله، وتعد هذه الخطبة كمثيلاتها من الخطب، وبكل المقاييس العلمية والفكرية، تعد رائعة من روائع الخطب التاريخية التراثية لهذا الإمام الجليل من رموزوأقطاب الأمة، آلا وهوأبي الأحرار وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي ع ، الذى فجر هذه الثورة، وهي أول ثورة عربية إسلامية خالدة فى تاريخ الإسلام، سطر مدادها بدمه الطاهروأهله وأصحابه فى ملحمة كربلاء الخالدة، ووثقها التاريخ ومصادر المسلمين بحروف من نور.

وفى سياق ومضمون هذا الخطاب الذى أعرضه مفصلا لتكتمل صورة هذا المشهد الفريد لهذا الخطاب، نتعرف على المزيد من الحقائق عن خصوصية الإمام فى نهجه العقائدي الإصلاحي والدعوي الحازم والحاسم، فنجد من خلال مضامين مفرداته اللغوية، الصمود والقوة والحزم فى تفنيد الأكاذيب ودفع الحقائق للقوم، والرد على المتأولين والناكثين للعهود من الذين كتبوا له المكاتيب ، وهم يطالبون بقدومه وإلإيحاء له بأيعان الثمار واخضرار الجناب، دلالة على تسوية الأمور، وبأن مقدمه سيكون على جند له مجندة أي أنهم سينضمون لثورته وتحت طاعته وإمرته، وقد خص هؤلاء بذكرهم بالإسم حين قال «يا شبث بن ربعي، ويا حجاربن أبجر، ويا قيس بن الأشعث، ويا زيد بن الحارث، ألم تكتبوا إليّ أن أقدم، قد أينعت الثمار، واخضرّ الجناب، وإنّما تقدم على جند لك مجنّدة..؟» فلم يكن ردهم عليه، إلا بالكذب والنكران لهذه المواثيق بكل عنجهية وصلافة، بل ودعوته للإستسلام والجبن والخضوع من قبل أحدهم وهوقيس بن الأشعث، للنزول على حكم إبن زياد لمبايعته، والذى دفع إليه الحسين ع ، برد قاطع حازم حاسم قائلا: او مثلي يبايع مثله - هيهات منا الذلة يابى الله ذلك لنا ورسوله وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّفرارالعبيد.

وهناك تأكد للحسين ع مكر وغدر هؤلاء القوم به وما تنطوي عليه نفوسهم الخبيثة من خداع وخيانه، وتخاذلهم عن نصرته والإنقلاب عليه لقتله، وكشف الحسين لهم نواياهم، مشخصا طبيعة ما ترجع إليه أصولهم الخبيثة فى الغدر واللؤم والخيانة، وتشريح هذا الواقع.

ودعونا أعزائي نستطرد فى هذه القراءة التأملية المقتضبة لنتابع أحداث تسلسل جانبا من نص بعض ما جاء فيما أصطلح عليه فى خطبة الحسين الثانية يوم عاشوراء، وهي بالطبع صورة مختصرة لأبرز ما جاء فى ذات الخطبة، ولنترك التعليق مؤقتا، حتى لا نفسد جمالية نصوص ومفردات محتواها من العبارات المضيئة، ولنلمس كيفية ترابط قواعدها ومراجعاتها واستشهاداتها المؤثرة، بصورة مبهرة، ولنعطي بعضا من الرؤى المتواضعة فى قرائتنا على هذه المشاهد المسجلة فى سيناريوهذا الخطاب بعد نهايته - مع ملاحظة الإنتباه لوجود بعض التداخلات فى نص بعض العبارات فيما بين الخطبتين الأولى والثانية من نفس المصدر.

تقول سيرة الحدث فى هذ الفصل من الخطبة، أن الإمام الحسين فى ذلك الموقف قد إمتطى فرسه، وأخذ مصحفاً ونشره على رأسه، ووقف أمام القوم وقال لهم:

ياقوم إن بيني وبينكم كتاب اللّه وسنّة جدّي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثمّ استشهدهم عن نفسه المقدّسة، وما عليه من سيف النبي ودرعه وعمامته، فأجابوه بالتصديق، فسألهم عمّا أقدمهم على قتله - قالوا: طاعةً للاميرعبيداللّه بن زياد.

فقال ع : تباً لكم أيّتها الجماعة وترحاً أحين استصرختمونا والهين، فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم فأصبحتم ألباً لأعدائكم على أوليائكم، بغيرعدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، فهلاّ لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لما يستصحف، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش ثمّ نقضتموها، فسحقاً لكم يا عبيد الاُمّة، وشذاذ الأحزاب، ونَبَذَةَ الكتاب، ومحرّفي الكلم، وعصبة الإثم، ونفثة الشيطان، ومطفئي السنن، ويحكم أهؤلاء تعضدون، وعنا تتخاذلون أجـَلْ واللّه غدرٌ فيكم قديم، وشجت عليه اُصولكم، وتأزرت فروعكم فكنتم أخبث ثمر شجٍ للناظر، وأكلة للغاصب، ألا وإنّ الدّعي بن الدّعي «يعني ابن زياد» قدْ ركزبين اثنتين، بين السـّلة والذّلة، وهيهات منّا الذّلة يأبى اللّه لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحـُجور طابت وحجور طهرت واُنوف حمية، ونفوس أبية من أن نؤثرطاعة اللئام على مصارع لكرام، فسلام عليكم يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حيا.

ألا وإني زاحف بهذه الاُسرة على قلة العدد وخذلان الناصر.. ثم انشد هذه الأبيات:

فإن نهزم فهزّامون قدما وإن نـُهْزَم فغير مُهزَّمينا
وما ان طبنا جُبـْن ولكن منايانا ودولة آخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا

ويسترسل ع فى توجيه خطابه قائلا:

أما واللّه لا تلبثون بعدها إلاّ كريثما يركب الفرس، حتى تدوربكم دورالرحى، وتقلِقَ بكم قلق المحور، عهد عهدهُ اليّ أبي عن جدّي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، فأجمعوا أمركم وشركاء كم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غـُمّة، ثمّ اقضوا إليّ ولا تـُنظرون إني توكلت على اللّه ربّي وربكّم، ما من دابة إلاّ هوآخذ بناصيتها، إنّ ربّي على صراط مستقيم.

ثم رفع يديه وقال:

اللّهم احبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبـّرة فإنهم كذّبونا وخذلونا، وانت ربُّنا عليك توكّلنا وإليك المصير.

عبارات وكلمات ومفردات صيغت بماء الذهب، سهلة وبليغة، وعميقة وقوية وصلبة، وضعت نصوص كلماتها الموجهة لشخوصها فى مكانها وموقعها الصحيح، وقد إنطلقت بلسان عربي فصيح وكأنها تنساب من ماء رقراق، تلمس فى معانيها القوة، وفى نظمها الشعر والفلسفة والذكاء والمنطق والنفس الطويل، تم توظيفها بصورة إبداعية مذهلة، تنطلق بسرعة البديهة، ولكنها محكمة فى إستدلالاتها وإشاراتها الصارمة، وفى بناء روابط إستشهاداتها، وتأصيل كلماتها ومفرداتها، بذات الأهداف والأحداث والوقائع والشخوص المنوه عنها، وبصورة جريئة وقاطعة ومباشرة وجلية لاتقبل التشكيك.

وإجمالا أستطيع أن أقول أن خطب الحسين ع ، جاءت كمكون رئيسي لثورته ضد الظلم والفساد والعدوان أبانت بتفاصيلها جميع الأحداث المأساوية، حتى نهاية مقتله وأستشهاده وأهل بيته وأصحابة ع ، وكشفت فضائح الطغاة الذين ذهبوا إلى مزابل التاريخ، لبينما بقي مجد الحسين خالدا عبر التاريخ والأزمان تسطرمجده وتستلهم إشعاعه العباقرة والزعماء ورموز الأمة من العارفين بموقعه وبمكانته فى الشرق وفى الغرب من الذين أرخوا لتراثه وثورته الخالدة.

فسلام الله على الحسين يوم ولد ويوم أستشهد ويوم يبعث حيا.

kumait
07-12-2012, 09:06 PM
هل نحن عشّاق الحسين
حسين عبد الله الجعفر

في كل عام نُهيّأ أنفُسنا لنلطم على الامام الحسين ع ونحزن على مصابه، ولكن هل فكرنا ماهي فلسفة اللطم؟ أم هي مجرد عادة او ظاهرة تتكرر سنوياً؟

ليس الهدف من اللطم هو إحمرار الصدر او توجيع القلب، فهناك لغة ترتسم في عاشوراء علينا الإنتباه لها.

فعندما نلطم الصدر فنحن نلطم الضمير الميت لكي نوقظه من سباته.

نلطم الصدر لكي نسقط الذنوب والنقط السوداء المتكدسة... ونسقط الأحقاد والكراهية المتعلقة في جدارن قلوبنا.

عندما نلطم على رؤوسنا فنحن نلطم تلك الأفكار السيئة والظنون البائسة والنيّات القاتلة لتسقط منه فتتبدل بفكر الحسين ع وبثقافته وإيمانه وتسامحه وأخلاقه.

عندما نضرب على أرجلنا نضربها لأنها قادتنا إلى معصية الله فنوقظها من نومها من أجل أن تعود إلى رشدها وتتوجه بنا إلى أماكن يحبها الله ورسوله ص .

عندما تدمع أعيننا لمصاب الحسين ع فنحن نغسلها وننظفها من تلك النظرات الشهوانية وتلك الأفلام الماجنة وتلك اللحظات التي غزت أعيننا محارم الآخرين وتعود بعدها نظيفة طاهرة نقية فتتمعن في خلق السموات والأرض.

عندما نرفع أيدينا أثناء اللطم فنحن نعلن إستسلامنا لله عزوجل وخضوعنا التام له ونعلنها أننا مع الحسين ع وأننا من أنصاره فنرفع أيدينا تلبية لنداء الحسين ع « لبيك يا حسين ».

اللطم لا يعني أنني قريب من الحسين ع والبكاء لايعني قبول العمل... فعمر بن سعد وغيره بكوا على الحسين ع ولكن القبول الحقيقي هو تطبيق منهج الحسين ع لا إستخدامه للتحريض ونشر الفتن والشبهات على المجتمع والمحاولة للتشفي من الآخرين وشعائر الحسين ع هي تلك الشعائر التي تتحقق من خلالها ثورة الحسين لا تلك الشعائر التي لا ترتبط بمنهج وسلوكيات الإمام الحسين ع .

هدف الحسين ع لم يكن لإضافة رصيد أحزان إلى قلوب المؤمنين، هدف الحسين ع هو توعية الناس من الظلم والظلام والإستبداد وفتح باباً من طريقه يتعرف الناس على كيفية المطالبة بحقوقهم.

الحسين ع فكر توعوي وثقافي تنموي، الحسين ع منهج تسامح وأخلاقي ولكم في ذلك موقفه الرحيم والمتعاطف مع الشّمر في واقعة النهروان.

قلب الحسين ع يتسع للجميع وقد دخل في ثورته السني والشيعي والمسيحي والعبد والشيخ الكبير والطفل الرضيع والنساء فهذا التكوين في واقعة الطف يحمل معاني سامية وقد شكّل الإمام الحسين ع انموذجاً للمجتمع الحقيقي الواقعي الناجح الوحدوي والصادق فلا يفرق بين الاديان ولا بين الطوائف ولا بين أطياف المجتمع ويرفض العنصرية والطائفية والطبقية البغيضة والحسين ع تقبل الرأي والرأي الآخر ولم يسّقط من أختلف معه في الرأي.

هكذا نعرف إذا كنا فعلاً عشّاق الحسين ع عندما تتجذر فينا قيم الحسين ع ومبادئه وأهدافه وعندما نشعر بالتغيير في أخلاقنا بعد أنتهاء موسم العزاء.

رسالة لمن تهمه الرسالة: إختلاف الرأي معك لا يعني خروجي من الدّين والتدين ولايعني أن تقوم بتوزع شهادات حسن سيرة وسلوك على من يتطابق رأيه معك وتسحبها ممن يخالفك الرأي. فهذا النهج يرفضه الإمام الحسين ع ... «هل تفهم ما أقول؟»

لنكن رسل سلام ومحبة ووحدة متماسكة في أيام عاشوراء الأليمة لكي نقول بعدها «نحن عشاق الحسين».


كيف نقرأ الحسين
السيد علي عبد المحسن السلمان

تتباين القراءات الشخصية لثورة وشخصية الامام الحسين ع وخاصة لدى النخب الثقافية وان اتفقت على القواسم المشتركة لتلك الشخصية التي لا يختلف فيها اثنان. لقد اخذت هذه الشخصية ابعاداً كثيرة قلما تجتمع في شخصية ما، بحيث يصعب على المتابع الوقوف على محتواها والوصول الى اعماق كينونتها، لا نها شخصية انطوت على ثورة انسانية، لا ولن تتكرر في تاريخ الانسانية قاطبة من حيث الاهداف والمقاصد.

ولكي لا نطيل على القارئ نوجز بعض تلك القراءات في نقاط:

1 - قراءة تاريخية:

لقد اخذت شخصية الامام الحسين ع طابعاً متميزاً في تراجم السيرة والتاريخ التي دونت شخصيته كشخصية بارزة في طيات الكتب والمصادر التاريخية وكحركة وثورة اسلامية، حالها حال الحركات الاسلامية والثورات الاخرى، ابتدأت لكي تنتهي كما ابتدأ وانتهى غيرها، كما في ثورة التوابين وثورة عمر المختار الثقفي وغيرها، فلم تتميز عن غيرها من حيث الهدف والغاية، وهذه الرؤية تتبناها بعض الفرق الاسلامية كحدث تاريخي ضمن الاحداث التي جرت في الحقب الماضية لا اكثر ولا اقل.

2 - قراءة منهجية فكرية:

انها رؤية ثقافية لحركة الامام الحسين ع وثورته من منظور منهجي وخط اصلاحي فكري، ولقد اخذت هذه الرؤية صدى واسع في الفكر الثقافي الاسلامي فهي تضع ثورته والتي لم تكتمل فصولها «حتى يخرج مهديها» ضمن الرسالة السماوية المنزلة على قلب جده ص بخطة مرسومة على اساس الامتداد «حسين من وانا من حسين» في تمثيل شامل للنهج الاسلامي ولذا نجد ان ثورته عكست ملامح نهجه من ولادته الى استشهاده ارثاً يتجدد نهضوياً مع تعاقب الاجيال في فكر حر ثوري جديد، فأينما تجد وقائع الظلم تجد وهج الثورة الحسينية يضئ ساحات غسق تلك الوقائع ويزيح الستار عن فجر الحرية والكرامة. ان مفردة الثورة الحسينية تعني للسائرين على خطاها نهجاً وخطاً خطه الحسين ع بدمه الطاهر فهو يختزل بالإمكانيات الرسالية جميع قوى الرسالات السماوية وان تباينت الصور واختلفت المواقف لان ثورته تبنت جميع مناهج الحركات الاصلاحية برمتها لا نها اخذت في تجلياتها صوراً حية لتضحياته ومبادئه وقيمه.

3 - قراءة جهادية:

وتعتبر هذه القراءة طريقة تحقق بها الامة عزتها وكرامتها وذلك بتقديم الغالي والنفيس في سبيل كيانها ووجودها، انها الرؤية الحقيقية لشخصية نضالية تحمل فكراً تناغي به جميع قضايا التحرر والاباء بغض النظر عن الفوارق المذهبية او العقدية، لان شخصيته تناشد اهداف البشرية جمعاء كما في دعوة جده الرسول الاكرم ص.

ان الحركة الجهادية تأتي ضمن مراتب الايمان بالنهج والفكر الحسيني الثوري، فتكون انعكاساً واقعاً ميدانياً لذلك الفكر والسير على ذلك الخط، لذا تتخذ الحركات المقاومة السابقة منها واللاحقة من وقائع وفجائع الطف ما يسكن آلامها ويضمد جراحها، فلها في الحسين ع وما اصابه قدوة واسوة يهون مقابلها ما تلاقيه من احن ومصائب، ومن جهة اخرى ترى تلك الحركات التحررية ان الانتصار مقرون بالإرادة والعزيمة على نيل المطالب واسترداد الحقوق بل وكسر قيود الهيمنة والاستكبار، وهذا ما نراه في شخصية ممن اخذوا من الحسين ع مظلوميته للانتصار وهو المحرر من نير الاستعمار البريطاني لشبه القارة الهندية غاندي الذي وضع وبنى اسس نجاح ثورته على اسس ثورة كربلاء فأدرك نجاحها وانتصارها، والامثلة على ذلك كثيرة مما لا تسعه هذه العجالة.

4 - قراءة عاطفية:

اخذت قراءة فاجعة الامام الحسين ع العاطفية مساحة كبيرة غطت على باقي القراءات الاخرى لما لهذه القضية من صدق هول ما حدث وفجائع ووحشية ما جرى والذي يندى له الجبين، مما جعل منها محكاً ومعياراً حقيقياً يعرض في مقابلها كل ما تبتلى وتصاب به البشرية جمعاء، لهذا انبرت الاقلام بتفجعها وحنينها شعراً ونثراً تروي فضائع تلك المصيبة والواقعة، فحركت المشاعر الانسانية نحوها وزادت في تظلمها، فاستحكمت وطغت على فسيفساء ومفردات جوانب تلك الرزية، ولهذا كانت هذه القراءة قاسم مشترك بين الجميع زماناً ومكاناً. وللحق ان يقال ان هذه القراءة هي اساس القراءات السابقة وذلك تجسيداً لقول الرسول الكريم ص «ان لابني الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تنطفئ ابداً»

5 - القراءة الجامعة:

وهي القراءة التي ضمت جميع جوانب تلك الثورة وتلك الشخصية من جميع الزوايا وهي القراءة الصحيحة. انها الرؤية الشاملة التي حوت كل المعطيات والابعاد في اتزان تام، فهي تراه تاريخاً يختصر جميع القماقم والرموز وتراه فكراً نيراً وطريقاً ونهجاً يكمل التاريخ مسيره به، وتراه دماً خالداً يستنهض الحق في نفوس اصحابه ويثير الرعب في قلوب الطغاة، وتراه رحمة جده ص ينبوعاً يتدفق حناناً عطفاً ورحمة وهو مثخن في جراحه حتى مع الد اعدائه.


عاشوراء الحسين (ع) قراءة متعددة
محمد محمد المبارك

نهض الإمام الحسين ع وثار لهدف عظيم وسامي إلا وهو إعلاء الحق وكلمته التي هي كلمة الله تعالى وتخليد الإسلام ليبقى راسخا في هذه الأرض وعلى مر العصور ولهذا الهدف العظيم ولمكانته العظيمة استحق الإمام الحسين ع أن يكون عظيما وخالدا في الأزمان وعلى الألسن.

يقول الرسول الأعظم ص «حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا» [1] .

وقال الإمام الشافعي: ذبيح بلا جرم كأن قميصه*** صبيغ بماء الأرجوان خضيب [2] .

وقال الشاعر الكبير أحمد شوقي: -

في مهرجان الحق ويوم الدم*** مهج من الشهداء لم تتكلم
يبدو على هاتور نور دمائها***كدم الحسين على هلال محرم[3]

وقال الرئيس الراحل «حافظ الأسد» «تمر العصور والدهور والإمام الحسين خالدا في ذاكرة الأحرار الذين ينشدون الحرية لشعوبهم» [4] .

نعم، فكثيرا أستقرؤا حريتهم وثورتهم من فكر الإمام الحسين ع وثورته، فكيف نقرأ عاشوراء من جوانبها المتعددة؟

فمثلا أذا أردنا أن نقرأها على أنها قضية تاريخية وقد وقعت في زمان معين ولأشخاص معينين، فهل أقرأها على أنها حدثت بين من يمثل الحق والباطل، فإذا كانت كذلك فكيف نقول بإن كل منهما مأجور ونترضى عن الطرفين؟ أليس في ذلك تناقض إلا يحدث ذلك شك وريبة في النفس؟ ومتى كان من يمثل الباطل مأجورا؟.

وفي الحقيقة أنه لا يمكن أن أجمع في قلبي العدو والصديق، أن فلسفة الترضي عن المؤمن وغيره والمحق وخلافه لهي فلسفة غير الصادقين. ثم هل نقرأ عاشوراء على أنها مأساة تستنهض فينا الدمعة والعبرة وتستثير عواطفنا أو أقرأها أنها عِبرة ورسالة تستنهض فينا الجهاد والمطالبة بالحق وإثبات الحقيقة.

نقول أن نهضة الامام الحسين ع هي رسالة العبرة والعِبرة هي للبكاء على الإمام الحسين «فمن بكى وأبكى واحدا فله الجنة، ومن تباكى فله الجنة» [5] والعبرة لاستلهام دروس الكفاح والجهاد في سبيل الله «أني ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا وإنما خرجت أريد الإصلاح في أمة جدي» [6] . وهل أستطيع قراءة عاشوراء على أنها صراع بين فئتين على أهداف مختلفة، فئة همها الكرسي والسلطة وفئة أخرى همها الاصلاح في الامة والنهوض بها إلى بر الأمان في الدنيا والآخرة.

والواقع أن واقعة الطف هي ملحمة تمثل ذلك كله، تمثل كل قيم ومبادئ الخير تمثل التضحية وتمثل الفداء في سبيل الله. وواقعة كربلاء هي بكل الابعاد ملحمة دينية وإنسانية عظيمة فالإمام الحسين ع فيها هو ذلك الإنسان الذي ينشد التكامل الدنيوي والآخروي للمؤمن الذي ضحى من أجله للعيش بكرامة وعزة الاسلام المحمدي الأصيل، وبهذه التضحية رسم الإمام الحسين ع الطريق واضحا جليا وبعد تضحيته ع استرد الإسلام عافيته «إن صح التعبير» ليعود الإسلام عزيزا ومن أجل هذا كانت مقولة «الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء».

ومن أجل هذا أيضا تربع الإمام الحسين ع في قلوب المؤمنين لأنه سبب آخر بعد جده ص لإنقاذهم من الضلالة وهو سبب استمرار سعادتهم بما أعطاهم من دروس وأنار لهم الطريق المستقيم الذي لن يستطيع أحد إطفائه ﴿ ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ﴾ [7] .

1 النيسابوري، الامام الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبدالله الحاكم - المستدرك على الصحيحين - دراسة وتحقيق مصطفى عبد القادر عطا - ج 3 ص 195 - دار الكتب العلمية - بيروت.
2 دخيل، علي محمد علي - أروع ما قيل في الامام الحسين ع - ص 57 - ط، 1، 1424هـ - دار المرتضى - بيروت.
3 زميزم، سعيد رشيد - الإمام الحسين ع شاغل الدنيا - ص16 - ط، 1، 1431هـ، مؤسسة البلاغ - بيروت.
4 نفس المصدر ص 64.
5 المجلسي، العلامة المولى الشيخ محمد باقر - بحار الأنوار - ج44 ص 288 - ط، 3، 1403هـ - مؤسسة الوفاء - بيروت.
6 حيدر، العلامة الشيخ أسد - مع الحسين في نهضته - ص 68 - ط، 3، 1399هـ - دار التعارف للمطبوعات - بيروت.
7 سورة التوبة\ آية: 32

ابوكرار2
07-12-2012, 10:21 PM
بارك الله بك

kumait
07-12-2012, 11:48 PM
الحسين ممارسا للحرية
بدر شبيب الشبيب

حين تفقد السلطات الشرعية، فإنها تستخدم تقنيات متعددة للسيطرة على الآخرين أو «ضبط الرعاع» و«ترويض الوحش» إذا استخدمنا المصطلحات التشومسكية، نسبة إلى نعوم تشومسكي.

تتراوح تلك التقنيات بين الترهيب أو ما يعرف اليوم بسياسة العصا الغليظة أو القبضة الحديدية، حيث يستخدم البطش والتنكيل والسجن والنفي والحصار بشتى أنواعه لإرهاب الناس وإرغامهم على قبول الواقع والتعايش معه؛ وبين الترغيب وما يعرف بسياسة الجزرة لاستمالة بعض قوى التأثير الاجتماعي وكسبها إلى جانبه من خلال قوة المال والمناصب، وكثيرا ما تفلح في ذلك، إذ «الناس عبيد الدنيا» كما قال الإمام الحسين «عليه الصلاة والسلام» ؛ وبين الجمع بين العصا والجزرة في عملية احتواء مزدوج.

الإمام الحسين «عليه الصلاة والسلام» كان على نقيض السلطة تماما يرفض استخدام أي من هذه الأساليب لتطويع الناس. فقد خرج مطالبا بالحرية، ولا يقبل أن يكون معه إلا الأحرار الذين يختارون مواقفهم الحرة انطلاقا من قناعاتهم الراسخة دون أدنى إملاء.

لذا كان واضحا في جميع خطاباته من أولها لآخرها. أعلن منذ البداية أن أنصاره ينبغي أن يكونوا ذوي صفات متميزة، عمادها القرار الحر: «من كان باذلا فينا مهجته وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل فإني راحل مصبحا إن شاء الله».

وإذا كانت السلطات عموما حتى الديمقراطية منها، تقدم في الظروف الاستثنائية على تقييد الحريات بإعلان حالة الطوارئ، فإن الحسين ظل حتى النهاية متمسكا بخيار الحرية. فبالرغم من بيعة أصحابه الصادقة له، واجتيازهم للعديد من محطات التصفيات الدقيقة، فإنه ترك لهم الخيار لاتخاذ قرارهم دون أي ضغوط أو إكراه، ولم يفرض عليهم شرعيته الحقة، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث أحلهم من بيعتهم له دون أي تبعات. فقد خاطبهم ليلة العاشر من المحرم قائلا: اللهم إني لا أعرف أهل بيت أبر ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي، ولا أصحابا هم خير من أصحابي، وقد نزل بي ما قد ترون، وأنتم في حل من بيعتي، ليست لي في أعناقكم بيعة، ولا لي عليكم ذمة، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، وتفرقوا في سواده، فإن القوم إنما يطلبونني، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري.

يقول التاريخ متحدثا عن قرارات الأنصار الحرة ردا على خطابه الأبوي الرحيم: فقام إليه عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب، فقال: يا بن رسول الله، ماذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وابن سيد الأعمام، وابن نبينا سيد الأنبياء، لم نضرب معه بسيف، ولم نقاتل معه برمح! لا والله أو نرد موردك، ونجعل أنفسنا دون نفسك، ودماءنا دون دمك، فإذا نحن فعلنا ذلك فقد قضينا ما علينا وخرجنا مما لزمنا.

وقام إليه رجل يقال له زهير بن القين البجلي، فقال: يا بن رسول الله، ووددت أني قتلت ثم نشرت، ثم قتلت ثم نشرت، ثم قتلت ثم نشرت فيك وفي الذين معك مائة قتلة، وإن الله دفع بي عنكم أهل البيت.

إن ما أنجزه الحسين «عليه الصلاة والسلام» من ممارسة للحرية حتى في أقسى اللحظات الحرجة هو من أعظم دروس كربلاء حيث انتصر الحسين للحرية بالحرية والأحرار.

الإمام الحسين... روحٌ إيمانية
رضي منصور العسيف

كيف نتعامل مع الأزمات؟

قد تعصف بالإنسان أزمة معينة، أزمة مالية، أو اجتماعية، أو نفسية، وتترك أثرها على نفسيته وروحه، وتؤثر في مسيرته الحياتية تأثيراً واضحاً، فقد تدفعه هذه الأزمة للتراجع عن المضي في تحقيق أهدافه، وقد تؤثر على نفسيته فيصاب بالتعب النفسي، أو القلق، وقد يتطور الأمر لإصابته بأحد الأمراض النفسية المزمنة!!

فما الذي يبقي الإنسان صامداً متحدياً مثل هذه الأزمات، وكيف يتجاوز الإنسان مرحلة الأزمة محافظاً على رباطة جأشه؟!

إن الإجابة عن مثل هذا التساؤل تتركز في جملة واحدة، وهي «الروح الإيمانية»، فمن يمتلك روحاً إيمانية وقلبًا مفعمًا بالإيمان فإنه يستطيع تجاوز الأزمات دون أن تُغير في مسيرته، بل يمضي في مسيرته بكل إصرار وصمود.

وفي هذا الصدد يقول آية الله السيد هادي المدرسي: «الإيمان سلاح الروح ضد الموبقات، وملجأ النفس عند الملحات، ووسيلة المؤمنين في معترك الحياة.

الإيمان بالله تعالى يعطيك مضاءً في العزيمة، وقوة في القلب، وصفاء في الضمير، ووضوحاً في الرؤية، وثقة بالنصر. أفلح من انشغل بنفسه عن الناس، وأفلح منه، من انشغل بالله تعالى عن نفسه، وعن الناس معاً.

وفي مقطع آخر يقول آية الله السيد هادي المدرسي: «في أصعب حالات المعاناة احتفظ بإيمانك، فإن الإيمان قادر على زحزحة الجبال الراسيات، وتغيير مجرى الرياح السافيات، وتبديل الأحزان إلى مسرات». 1

وهذا ما نجده في سيرة الإمام الحسين «عليه الصلاة والسلام» الذي كان يمثل روحاً إيمانية تحدت كل تلك الجيوش وكل تلك المحن والمصائب التي تجلت في يوم عاشوراء.

ويتجلى الإيمان في كربلاء...

في اللحظات الأخيرة من حياة الإمام الحسين «عليه الصلاة والسلام» تعرض جسده للعديد من الضربات من مختلف الأسلحة، وجسمه الشريف أصبح كالقنفذ من كثرة نبت السهام عليه، حتى قال الإمام الباقر «عليه الصلاة والسلام» : أصيب الإمام الحسين «عليه الصلاة والسلام» ووجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون طعنة برمح وضربة بسيف أو رمية بسهم». 2

وعند مقتل طفله الرضيع، قال «عليه الصلاة والسلام» تلك الكلمة المفعمة بالإيمان: «هوّن عليّ ما نزل بي أنه بعين الله» 3 .

«إن الإمام الحسين «عليه الصلاة والسلام» حينما يقول «الله أكبر» فإن قلبه يتجدد استقامة وصبراً وصموداً، وحينما هوى إلى الأرض لا يجد كلمة يعبر بها عن واقعه إلا تلك الكلمة التي تكشف طبيعته وشخصيته وتصبغ حركته كلها بصبغة الإيمان، قال: «رضاً برضاك، لا معبود سواك».

هذه هي الكلمة الوحيدة التي قالها الإمام الحسين «عليه الصلاة والسلام» في تلك اللحظات، يقول المؤرخون: حينما وقع الإمام الحسين «عليه الصلاة والسلام» وبه تلك الجراحات الكثيرة وحوله الأعداء، جمع حفنة من التراب جعلها كالوسادة، ووضع رأسه عليها وأخذ يناجي ربه وكأنه في طرف والدنيا كلها في طرف آخر، ولا يهمه إلا كسب رضا الله سبحانه وتعالى.. ليؤكد مسيرته الالهية الخاصة» 4 .

ولهذا ينبغي لنا أن نتعلم من الحسين كيفية تنمية الروح الإيمانية في ذواتنا، وذلك من خلال:

أولاً: الارتباط الدائم بالله تعالى

وهذا دأب أهل البيت «عليهم الصلاة والسلام» ، فهم على صلة وارتباط دائم بالله تعالى، ففي كل حركة وكل عمل يقومون به نجدهم متوكلين على الله تعالى. ومن يقرأ سيرتهم يجد فيها كمًّا هائلاً من الأدعية التي تدعو الإنسان للتقرب إلى الله تعالى، بل لقد وضع أهل البيت «عليهم الصلاة والسلام» برنامجاً متكاملاً من شأنه أن يقوي العلاقة بين الخالق والمخلوق، ففي كل موقف هناك دعاء خاص بهذا الموقف، ويبقى على الإنسان أن يلبي نداء الرحمن: «ادعوني استجب لكم»، ليكون في ضيافة الله. وقد تجلى هذا الأمر في حياة الإمام الحسين «عليه الصلاة والسلام» ، فمن يقرأ أدعية الإمام «عليه الصلاة والسلام» ويتدبر فيها، سيجد تلك الكلمات الروحانية التي تنم عن قوة العلاقة الروحية، وتنم عن قوة الرابطة بين الإمام الحسين وبين الله تعالى. ومن يقرأ خطب الامام الحسين «عليه الصلاة والسلام» ، ورسائله، سيكتشف الشخصية الإيمانية التي كان يتمتع بها الإمام الحسين «عليه الصلاة والسلام» . وفي يوم عاشوراء كان الحسين «عليه الصلاة والسلام» على اتصال دائم مع الله تعالى، حيث نجده يقف أمام تلك الجيوش رافعاً يديه قائلاً:

اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب، وأنت رجائي في كلّ شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدّة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك رغبة منّي إليك عمّن سواك، ففرّجته عنّي وكشفته، فأنت وليّ كلّ نعمة وصاحب كل حسنة، ومنتهى كلّ رغبة 5 .

ثانياً: التخطيط للمستقبل

إننا في هذه الحياة الدنيا نعيش في غفلة عظيمة جدًّا، فنحن نعيش في دائرة محدودة جدًّا ولم نفكر فيما بعد هذه الحياة!! وأصبح الإنسان يلهث وراء المادة متجاهلاً ذلك العالم الذي ينتظره، ولذا تجده ينهار أمام أقلّ أزمة تعصف، فهو يفتقر إلى الرصيد الروحي، ولم يخطط لمستقبله الأبدي. أما الإمام الحسين «عليه الصلاة والسلام» فكان ينظر لهذه الحياة الزائلة والفانية، ويرغب في لقاء الله معتبراً الموت قنطرة إلى السعادة الأبدية. ينقل أنه لمّا اشتدّ الأمر بالحسين بن عليّ بن أبي طالب «عليه الصلاة والسلام» نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم، لأنّهم كلّما اشتدّ الأمر تغيّرت ألوانهم وارتعدت فرائصهم ووجلت قلوبهم، وكان الحسين صلوات الله عليه وبعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم، وتهدأ جوارحهم، وتسكن نفوسهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا، ﻻ يبالي بالموت، فقال لهم الحسين «عليه الصلاة والسلام» :

صبراً بني الكرام! فما الموت إلاّ قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر؟ وما هو لأعدائكم إلاّ كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب، إن أبي حدثني عن رسول الله ص أنّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، والموت جسر هؤلاء إلى جنّاتهم، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم، ما كذبت ولا كذبت 6 .

ثالثاً: قوة الإيمان تُحجم الأزمة

مهما كانت حجم الأزمة إلا أنها تبقى ضئيلة جدًّا أمام قوة الإيمان التي يتمتع بها الإنسان، وهذا ما يعلِّمنا إياه الإمام الحسين «عليه الصلاة والسلام» ، حيث يقول حميد بن مسلم: «فو الله ما رأيت مكسوراً قط قتل أصحابه وأبناؤه وأهل بيته أربط جأشاً منه».

نعم، فقد كل شيء في الحياة ولكنه لم يفقد شيئاً واحداً هو أهم الأشياء، وهو الله سبحانه وتعالى، وهذا هو أقوى سلاح في مواجهة الأزمات.

وفي الختام، ينبغي لنا أن نقتدي بالإمام الحسين ونتعامل مع الأزمات بروح إيمانية صلبة، ولا يتسنى لنا ذلك إلا بالبناء الإيماني لشخصياتنا عبر البرامج الإيمانية المكثفة.

1 المدرسي، هادي، طرق مختصرة إلى المجد، الإيمان.
2 القمي، الشيخ عباس، نفس المهموم في مصيبة سيدنا الحسين المظلوم، ص 325 الطبعة الأولى 1412هـ 1992م ـ دار المحجة البيضاء، بيروت ـ لبنان.
3 المصدر السابق، ص 218.
4 المدرسي، محمد تقي، عاشوراء استمرار لحركة الأنبياء ص 116.
5 الشيرازي، السيد حسن، كلمة الإمام الحسين ص 183 الطبعة الثانية 1421هـ 2000م، دار العلوم، بيروت ـ لبنان.
6 المصدر السابق، ص 159.
7 نفس المهموم، مصدر سابق، ص 329.

المحبون عن وعي
بدر شبيب الشبيب

أدلى قائد ميداني من قواد جيش يزيد في معركة كربلاء بتصريح خطير جاء في سياق توبيخه لجيشه ونهيه لهم عن قتال المبارزة مع جيش الإمام الحسين. قال عمرو بن الحجاج الزبيدي لجيشه كما نقل الطبري في تاريخه: «ويلكم يا حمقاء، مهلا، أتدرون من تقاتلون؟ إنما تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوما مستميتين». فقد تضمن كلامه وصفا دقيقا ينم عن معرفة بالجيش المقابل، وأنه يضم شخصيات لها باع طويل في ميدان الفروسية والحرب، فهم ليسوا نكرات أو مغمورين، وأنهم بالإضافة لذلك يمتلكون وعيا ثاقبا أو «أهل البصائر» بحسب تعبيره، كما أنهم أفراد استشهاديون يحملون أرواحهم على أكفهم.

«أهل البصائر» كما يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه «أنصار الحسين» هو «تعبير يعنى به الواعون الذين يتخذون مواقفهم عن قناعات تتصل بالمبدأ الاسلامي، ولا تتصل بالاعتبارات النفعية».

الإمام الحسين «عليه الصلاة والسلام» لم يكن يريد أن يكون معه إلا المحبون عن وعي، وعي بالواقع المرير الذي تمر به الأمة حينذاك، ووعي بالموقف الشرعي الصحيح الذي يجب أن يتخذ لتغيير الواقع، ووعي بمكانة القيادة ومقامها العظيم. لم يبحث الحسين «عليه الصلاة والسلام» عن إمَّعات أو همج رعاع أتباع كل ناعق، بل كان ينتقي أصحابه انتقاء ويصفيهم تصفية بعد تصفية، حتى لا يبقى إلا المحبون المخلصون.

تسأله أخته العقيلة زينب «عليها الصلاة والسلام» ليلة العاشر من المحرم سؤال الشفيق: أخي، هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم فإنّي أخشى أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنّة!

فبكى «عليه الصلاة والسلام» وقال: أَما وَاللهِ! لَقَدْ نَهَرْتُهُمْ وَبَلَوْتُهُمْ وَلَيْسَ فيهِم إِلاَّ الأشْوَسَ الأقْعَسَ؛ يَسْتَأْنِسُونَ بِالْمَنِيَّةِ دُوني اسْتِئْناسَ الطِّفْلِ بِلَبَنِ أُمِّهِ.

ويسأل هو ابن أخيه، الشاب اليافع «القاسم بن الحسن» سؤال المختبر الخبير: يا بني كيف الموت عندك؟! فأجابه القاسم جواب المحب العاشق لعمه وللشهادة: يا عم أحلى من العسل.

وعندما عرض على أصحابه مفارقته، وأبوا إلا ملازمته ونصرته، أوضح لهم المصير المحتوم الذي ينتظرهم ليكونوا على بصيرة تامة من أمرهم، قائلا: «يا قوم إني في غد أقتل وتقتلون كلكم معي، ولا يبقى منكم واحد!». فقالوا بلسان المحبين الواعين: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك وشرفنا بالقتل معك، أوَ لا نرضى أن نكون معك في درجتك يا ابن رسول الله؟.

وفي موقف اختباري آخر، رأى نافع بن هلال ليلة العاشر مفردا، فقال له: يا هِلالُ! ألا تَسْلُكُ ما بَيْنَ هذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ مِنْ وَقْتِكَ هذا وَانْجُ بِنَفْسِكَ. فوقع على قدميه وقال: إذن ثكلت هلالاً أُمّه! سيّدي، إنّ سيفي بألف وفرسي مثله، فو الله الذي منّ عليّ بك لا أفارقك حتّى يَكِلاّ عن فَري وجَري.

وفي موقف آخر أيضا، وصل الخبر إلى محمد بن بشير الحضرمي أن ابنه قد أُسِر بثغر الري، فقال: عند الله أحتسبه ونفسي ما كنت أؤثر أن يؤسر وأبقى بعده. فسمع الحسين «عليه الصلاة والسلام» قوله، فأذن له في المضي، لاستنقاذ ولده من الأسر. فكان الرد من «الحضرمي» المحب الواعي: أكلتني السباع حيا إن فارقتك.

أما ابنه علي بن الحسين الملقب بالأكبر، فقد استوقفه فعل تكرر من أبيه بطريقة ملفتة، وهم في الطريق إلى كربلاء. فسأل أباه الحسين «عليه الصلاة والسلام» : مم حمدت الله واسترجعت؟ فقال: «يا بني، إني خفقتُ خفقة فَعَنَّ لي فارس على فرس وهو يقول: القوم يسيرون، والمنايا تسير إليهم، فعلمت أنها أنفسنا نُعِيَت إلينا» فقال له: يا أبت لا أراك الله سوءا، ألسنا على الحق؟ قال: «بلى، والذي إليه مرجع العباد» قال: فإننا إذن لا نبالي أن نموت محقين.

محب آخر من المحبين الواعين هو زهير بن القين الذي عبر حبه ويقينه قائلا للإمام الحسين: والله لوددتُ أني قُتِلتُ ثم نُشِرتُ ثم قتلت حتى أقتل هكذا ألف مرة وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك لفعلت.

أما مسلم بن عوسجة، فإنه كان مشغولا بمحبوبه الحسين «عليه الصلاة والسلام» حتى اللحظات الأخيرة، فقد جاءه حبيب بن مظاهر الأسدي، وهو في الرمق الأخير، وقال له: لولا أني في الأثر لأحببتُ أن توصي إلي بما يهمك. فقال مسلم لحبيب: أوصيك بهذا، يعنى الحسين «عليه الصلاة والسلام» .

الحب حبان؛ حب يصدر عن أهواء النفس وشهواتها، وحب يصدر عن وعي عميق ومعرفة دقيقة بالمحبوب، وشتان بين الحبين.

عن الحبين تحدث القرآن فقال: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِله ﴾.

دمتم بحب... أحبكم جميعا..