kumait
17-11-2012, 01:15 PM
رحلة في التاريخ الياباني (1)
من مفكرة سفير عربي لليابان
رتبت وزارة الخارجية اليابانية الموقرة رحلة لدبلوماسيي مدينة طوكيو إلى اقليم "مييه" للتعرف على منطقة صناعية يابانية مهمة وزيارة مدينة الروحانيات. وقد لفت نظري في هذه الزيارة سبب التطور الاقتصادي والتكنولوجي الذي حققته اليابان، والذي تم بفضل تنوع مهارات العمل للقوى العاملة اليابانية، وارتفاع نسب الانتاجية، بالإضافة لتناغم التصنيع بين مختلف اقاليم اليابان. والجدير بالذكر بأن اليابان مقسمة إلى 47 اقليم منذ بدأ عصر الانفتاح والحداثة مع حكم الإمبراطور ميجي في عام 1871، ويتم انتخاب في كل اقليم الحاكم والبرلمان، وتكون له ميزانيته الخاصة.
ومن الملفت للنظر، بأن اقليم "مييه" يتميز بجمع التصنيع والعلوم والتكنولوجية مع الروحانيات اليابانية. فبهذا الاقليم صناعة تكنولوجية متقدمة وثقافة تاريخية عريقة، فهناك صناعات تكنولوجية صغيرة متطورة جدا، كصناعة التلفون والكومبيوتر، بالإضافة للصناعات الثقيلة كصناعة السيارات والجرارات. ويقدر عدد سكان هذا الاقليم بحوالي 1.85 مليون، ويصل عدد قوته العاملة إلى 940 ألف، وتبلغ مساحته الاجمالية 5762 كيلومتر مربع. وقد وصل ناتجه المحلي الاجمالي في العام الماضي إلى 7,155,303 مليون ين ياباني، أي لما يقارب 90 مليار دولار. تصور عزيزي القارئ 1.85 مليون مواطن ينتجون 90 مليار دولار سنويا، من منطقة لا تملك أي موارد طبيعية.
كما يكتشف الزائر في هذا الاقليم سر روحانية اليابان الذي خلق الشخصية اليابانية بسلوكها المتزن، وصدق تعاملها، ولطف معاشرتها، وبإنتاجيتها المرتفعة، وبمهارتها اليدوية المتقنة، وبرزانتها وحكمة ذكائها العاطفي. ويمكننا أن نكتشف هذا السر حينما نزور معبد إلهة الشمس، فإلهة الشمس تعتبر روحانية عقيدة الشنتو، التي يعتبرها الشعب الياباني الطريق الروحاني للحياة، ولكن لا يسمونه دينا، حيث يركز الشعب الياباني على البوذية كطريقه للآخرة. فبينما يحتفل الشعب الياباني بولادة الطفل في معبد الشنتو، يكملون مراسيم الوفاة من خلال الديانة البوذية بمعابدها. وتعتبر الشمس في اساطير الشنتو أصل الوجود، فهي توفر الطاقة للتدفئة، وتساعد اشعتها على تبخر مياه المحيطات وتشكل السحب ونزول الأمطار، لتوفير المياه العذبة على الأرض. كما تساعد أشعة الشمس على نمو النباتات والأشجار، لتوفر العشب للحيوانات على سطح كرتنا الأرضية، وللأسماك في بحارها ومحيطاتها وأنهارها، وذلك لتوفير غذاء الإنسان وصحته.
وتربط الاسطورة اليابانية بين تعدد الالهة وولادة العائلة الامبراطورية اليابانية من إلهة الشمس والتي تعتبر اصل الشعب الياباني باكمله. فتوضح الأسطورة اليابانية في كتاب النهون شوكي، الذي يجمع التاريخ الياباني باساطيره الجميلة، بدء خلق اليابان من خلال أسطورة جلوس الإلهه ازنامي مع زوجته الإلهة ازناجي على العرش السماوي، وتحريك العصاة الإلاهلية المرصعة بالمجوهرات في بحر اليابان، لتتشكل جزر اليابان. كما تحمل الزوجة ازناجي من زوجها أزنامي لتلد بإلهة الشمس، التي تعتبر في الأسطورة اليابانية أصل العائلة الإمبراطورية اليابانية، وسلالة الشعب الياباني بأكمله.
وقد بني باقليم مييه، وفي مدينة الروحانيات"إسه"، معبد الهة الشمس، في وسط غابة كبيرة جميلة، وبجوار هذا المعبد بني معبد إلهة الغذاء، التي توفر في الاساطير اليابانية الغذاء للشعب الياباني. ويهيأ الرهبان في هذا المعبد وجبتين من الغذاء، يقوم رهبان المعبد بتقديمها في احتفالية روحانية متميزة مرتين يوميا إلى إلهة الشمس. وطبعا بعد تقديمها لإلهة الشمس يتم توزيع الأكل على رهبان المعبد.
ويتكون هذا المعبد العظيم من عدد كبير من المعابد المبنية من الخشب، وبدون استخدام اي نوع من المسامير. وهنا يلفت نظر الزائر في المتحف الخاص بالمعبد، الإتقان العجيب الذي يتم فيه بناء هذا المعبد، بدون أي قطعة من الحديد أو اي سائل صمغي. والجدير بالذكر بأنه يتم تجديد هذا المعبد كل عشرين عام بنقله بالتناوب لأرض مجاورة. ويعتمد بناء المعبد الجديد على أشجار غابات المعبد، ويتم دائما تجديد هذه الغابات بزرع أشجار جديدة، بينما ترسل قطع الخشب من المعبد القديم لباقي معابد الشنتو في اليابان للتبرك به واستخدامه في بناء المعابد الاخرى. ويشرح رهبان المعبد سبب أهمية تجديد المعبد كل عشرين عاما للمحافظة على شباب الهة الشمس، ولإبقاء المهارات التقليدية في بناء المعابد بين الاجيال المتعاقبة من الشعب الياباني.
والجدير بالذكر بأنه في الروحانيات اليابانية هناك ما يقارب بحوالي الخمسة مليون إلهه، والتي تعتبر إلهة الشمس هي إلهة الالهة جميعا، وقد علق أحد رهبان المعبد على فلسفة تعدد الألهة في الروحانيات اليابانية بقولة: "تعكس فلسفة تعدد الألهة في الرحانيات اليابانية سر التناغم في الثقافة اليابانية، فتعدد الألهة تعبر عن قبول الإحتمالات المتعددة في الحياة، بدل التركيز على حقيقة فريدة، فلا تعتقد الثقافة اليابانية بحقيقة فريدة مطلقة، بل هناك دائما هناك أفكار ونظريات متعددة في الحياة، ويجب احترمها لخلق التناغم بحوار جميل للوصول لفكرة شاملة قد تصلح لزمن ما، ولحدث ما، ولتنفذ بطريقة ما. وبجمع هذه الافكار يمكن خلق رواء متناغمة، لتلعب دورا في تنمية مستدامة، وإزدهار مستمر، لإثراء الشعوب وسعادتها. بينما الفكرة المطلقة الفريدة ليس لها اعتبار في الثقافة اليابانية، لأنها تؤدي للتطرف في الفكر، وللنزاع على حقيقة فريدة حالمة، ولتسبب فقد التالف والتناغم المجتمعي.
ولنراجع عزيزي القارئ في هذه الرحلة الجميلة التاريخ الياباني، للاستفادة منه في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا العربي، وخاصة بعد أكثر من عام على ما سمى "بالرببع العربي". وأتذكر هنا مقولة أستاذنا الفاضل الدكتور محمد جابر الأنصاري، في كتابه، مسألة ألهزيمة، حيث كتب يقول:"فالخطاب الفكري العربي لم يتجاوز بعد بشكل حاسم المقولات العاطفية والوجدانية المرتبطة باللغة والتاريخ والمصير...إلى المقولات العقلية الواقعية التي لها علاقة بالهياكل الاقتصادية والصراع الاجتماعي والتنمية والسياسة الدولية." فها هو أستاذنا الفاضل يدعونا لمراجعة تاريخنا العربي الإسلامي بدراسات بحثية عقلية واقعية، ونرجو من دراسة التاريخ الياباني أن نستطيع تحقيق ما طالب به أستاذنا الفاضل، ومفكرنا المستنير.
لقد بدأ اليابانيون بدراسة تاريخهم من جديد منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، فقد صدر كتاب بعنوان "من جسر ماركو بولو إلى بيرل هاربر.. من هو المسئول؟" تصور بعد أكثر من ستة عقود من الزمن تشكل لجنة من الصحفيين من الصحيفة اليومية الأكثر توزيعا، يوميوري، لبحث المسؤولية التاريخية. وتصور لمن كان إهداء هذا الكتاب؟ أهدي الكتاب لجيرانهم الصينيون والكوريون وباقي دول أسيا، التي عانت من ويلات الحرب والاحتلال.
فقد بحث اليابانيون تاريخهم بصدق ووعوه بضمير، واستطاعوا من خلاله أن يستقرءوا، ويقرروا المستقبل. فقد لاحظتم بعد أن أعلنت كوريا الشمالية تجربتها النووية، لم ينفعل اليابانيون، مع إن تكنولوجيتهم النووية السلمية متطورة، بل أصروا على الحوار الدبلوماسي والضغط الاقتصادي وحافظوا على سياستهم اللانووية ومحاربة هذا السلاح الرهيب الذي عانوا من دماره، فقد استفادوا فعلا من ماسي تاريخهم لبناء مستقبل مزدهر.
سنأحاول عزيزي القارئ من جديد عرض التاريخ الياباني من خلال تحليلي المتواضع ومناقشات وقراءات لمؤرخين يابانيين وغربيين. فقد يساعد ذلك القارئ العربي أن ينزل من حلم ربيعه العربي إلى تحديات واقع العولمة المعقد والمتشابك الذي يعيشه، حيث سيجد بأن التاريخ الياباني لم يختلف عن تاريخنا العربي في المعاناة من الفرقة والحروب الطاحنة والاحباطات المتكررة، وقد نستفيد من هذه التجربة اليابانية لدراسة حقيقة تاريخنا والاستفادة من نجاحاته وتجنب هفواته لبناء مستقبل أطفالنا.
يعتقد المؤرخون بأن شعب اليابان متعدد الأعراق ومن أصول مغولية مع قرابته من الشعب لصيني والكوري. وفي حوالي القرن المائة قبل الميلاد وفي عهد "الجومون" بدءوا حياتهم بالصيد والعمل في في صناعة الفخار وتطور مجتمعهم في عهد "اليايو" (300ق.م.) إلى مجتمع زراعي وبنظام ري متميز لزراعة الرز، ثم برزوا في عهد "تولمولوس" (300 ب.م) كمجتمع سياسي وبقوة عسكرية.
ويبداء تاريخ اليابان بأسطورتي كوجيكي ونهون شوكي التي تروي قصة هبوط أبن الآهة الشمس للأرض ومباركتها لتبدءا دولة اليابان تاريخها وفي عام 660 ق.م. وفي القرن الرابع قبل الميلاد برزت قبيلة "الياماتو"، والتي تعتبر بأنها أصل الشعب الياباني، كجماعات منظمة في وحدات متخصصة في مجالات مختلفة كالزراعة وصناعة الفخار والنسيج وإنتاج البضائع، ومحكومة بإدارة مدنية وعسكرية، ويقودها زعماء العشائر وبمباركة الآلة.
وبداء اليابانيون في القرن الأول بعد الميلاد التعرف على حضارة الصين وسلالاتها الحاكمة. وفي عام 552، أدخلت الديانة البوذية في اليابان من خلال كوريا. وقد كانت البوذية خلال القرن الخامس والسادس بعد الميلاد العربة التي انتقلت من خلالها الحضارة الصينية إلى اليابان. ففي عهد "نارا " (710-794) تعلمت اليابان الكثير عن الحضارة والثقافة الصينية، وأما في عهد "هيين" (794-1185) أتسمت اليابان ببزوغ وأفول البلاط الحاكم، وفي عهد "الكاماكورا" (1185-1333) تحولت اليابان إلى دولة المحاربين. فقد أرسل حفيد جنكيز خان في عام 1268 خطاب لحاكم اليابان طالبا منه الاعتراف بسيادته على البلاد ودفع الجزية، ولكن اليابانيون تجاهلوا طلبه. فقام بعدة محاولات شرسة ،حتى موته عام 1294، لغزو اليابان ولكن جميعها باءت بالفشل، لبسالة المحاربين اليابانيين، وشدة الرياح والطوفان، الذي أدت لتحطم سفن العدو. واشتهرت منذ ذلك الوقت تلك الرياح والطوفان "بالكاميكز" أي الرياح الالاهيه التي حمت أرض لألهه. ولنا لقاء.
د خليل حسن
سفير مملكة البحرين في اليابان
من مفكرة سفير عربي لليابان
رتبت وزارة الخارجية اليابانية الموقرة رحلة لدبلوماسيي مدينة طوكيو إلى اقليم "مييه" للتعرف على منطقة صناعية يابانية مهمة وزيارة مدينة الروحانيات. وقد لفت نظري في هذه الزيارة سبب التطور الاقتصادي والتكنولوجي الذي حققته اليابان، والذي تم بفضل تنوع مهارات العمل للقوى العاملة اليابانية، وارتفاع نسب الانتاجية، بالإضافة لتناغم التصنيع بين مختلف اقاليم اليابان. والجدير بالذكر بأن اليابان مقسمة إلى 47 اقليم منذ بدأ عصر الانفتاح والحداثة مع حكم الإمبراطور ميجي في عام 1871، ويتم انتخاب في كل اقليم الحاكم والبرلمان، وتكون له ميزانيته الخاصة.
ومن الملفت للنظر، بأن اقليم "مييه" يتميز بجمع التصنيع والعلوم والتكنولوجية مع الروحانيات اليابانية. فبهذا الاقليم صناعة تكنولوجية متقدمة وثقافة تاريخية عريقة، فهناك صناعات تكنولوجية صغيرة متطورة جدا، كصناعة التلفون والكومبيوتر، بالإضافة للصناعات الثقيلة كصناعة السيارات والجرارات. ويقدر عدد سكان هذا الاقليم بحوالي 1.85 مليون، ويصل عدد قوته العاملة إلى 940 ألف، وتبلغ مساحته الاجمالية 5762 كيلومتر مربع. وقد وصل ناتجه المحلي الاجمالي في العام الماضي إلى 7,155,303 مليون ين ياباني، أي لما يقارب 90 مليار دولار. تصور عزيزي القارئ 1.85 مليون مواطن ينتجون 90 مليار دولار سنويا، من منطقة لا تملك أي موارد طبيعية.
كما يكتشف الزائر في هذا الاقليم سر روحانية اليابان الذي خلق الشخصية اليابانية بسلوكها المتزن، وصدق تعاملها، ولطف معاشرتها، وبإنتاجيتها المرتفعة، وبمهارتها اليدوية المتقنة، وبرزانتها وحكمة ذكائها العاطفي. ويمكننا أن نكتشف هذا السر حينما نزور معبد إلهة الشمس، فإلهة الشمس تعتبر روحانية عقيدة الشنتو، التي يعتبرها الشعب الياباني الطريق الروحاني للحياة، ولكن لا يسمونه دينا، حيث يركز الشعب الياباني على البوذية كطريقه للآخرة. فبينما يحتفل الشعب الياباني بولادة الطفل في معبد الشنتو، يكملون مراسيم الوفاة من خلال الديانة البوذية بمعابدها. وتعتبر الشمس في اساطير الشنتو أصل الوجود، فهي توفر الطاقة للتدفئة، وتساعد اشعتها على تبخر مياه المحيطات وتشكل السحب ونزول الأمطار، لتوفير المياه العذبة على الأرض. كما تساعد أشعة الشمس على نمو النباتات والأشجار، لتوفر العشب للحيوانات على سطح كرتنا الأرضية، وللأسماك في بحارها ومحيطاتها وأنهارها، وذلك لتوفير غذاء الإنسان وصحته.
وتربط الاسطورة اليابانية بين تعدد الالهة وولادة العائلة الامبراطورية اليابانية من إلهة الشمس والتي تعتبر اصل الشعب الياباني باكمله. فتوضح الأسطورة اليابانية في كتاب النهون شوكي، الذي يجمع التاريخ الياباني باساطيره الجميلة، بدء خلق اليابان من خلال أسطورة جلوس الإلهه ازنامي مع زوجته الإلهة ازناجي على العرش السماوي، وتحريك العصاة الإلاهلية المرصعة بالمجوهرات في بحر اليابان، لتتشكل جزر اليابان. كما تحمل الزوجة ازناجي من زوجها أزنامي لتلد بإلهة الشمس، التي تعتبر في الأسطورة اليابانية أصل العائلة الإمبراطورية اليابانية، وسلالة الشعب الياباني بأكمله.
وقد بني باقليم مييه، وفي مدينة الروحانيات"إسه"، معبد الهة الشمس، في وسط غابة كبيرة جميلة، وبجوار هذا المعبد بني معبد إلهة الغذاء، التي توفر في الاساطير اليابانية الغذاء للشعب الياباني. ويهيأ الرهبان في هذا المعبد وجبتين من الغذاء، يقوم رهبان المعبد بتقديمها في احتفالية روحانية متميزة مرتين يوميا إلى إلهة الشمس. وطبعا بعد تقديمها لإلهة الشمس يتم توزيع الأكل على رهبان المعبد.
ويتكون هذا المعبد العظيم من عدد كبير من المعابد المبنية من الخشب، وبدون استخدام اي نوع من المسامير. وهنا يلفت نظر الزائر في المتحف الخاص بالمعبد، الإتقان العجيب الذي يتم فيه بناء هذا المعبد، بدون أي قطعة من الحديد أو اي سائل صمغي. والجدير بالذكر بأنه يتم تجديد هذا المعبد كل عشرين عام بنقله بالتناوب لأرض مجاورة. ويعتمد بناء المعبد الجديد على أشجار غابات المعبد، ويتم دائما تجديد هذه الغابات بزرع أشجار جديدة، بينما ترسل قطع الخشب من المعبد القديم لباقي معابد الشنتو في اليابان للتبرك به واستخدامه في بناء المعابد الاخرى. ويشرح رهبان المعبد سبب أهمية تجديد المعبد كل عشرين عاما للمحافظة على شباب الهة الشمس، ولإبقاء المهارات التقليدية في بناء المعابد بين الاجيال المتعاقبة من الشعب الياباني.
والجدير بالذكر بأنه في الروحانيات اليابانية هناك ما يقارب بحوالي الخمسة مليون إلهه، والتي تعتبر إلهة الشمس هي إلهة الالهة جميعا، وقد علق أحد رهبان المعبد على فلسفة تعدد الألهة في الروحانيات اليابانية بقولة: "تعكس فلسفة تعدد الألهة في الرحانيات اليابانية سر التناغم في الثقافة اليابانية، فتعدد الألهة تعبر عن قبول الإحتمالات المتعددة في الحياة، بدل التركيز على حقيقة فريدة، فلا تعتقد الثقافة اليابانية بحقيقة فريدة مطلقة، بل هناك دائما هناك أفكار ونظريات متعددة في الحياة، ويجب احترمها لخلق التناغم بحوار جميل للوصول لفكرة شاملة قد تصلح لزمن ما، ولحدث ما، ولتنفذ بطريقة ما. وبجمع هذه الافكار يمكن خلق رواء متناغمة، لتلعب دورا في تنمية مستدامة، وإزدهار مستمر، لإثراء الشعوب وسعادتها. بينما الفكرة المطلقة الفريدة ليس لها اعتبار في الثقافة اليابانية، لأنها تؤدي للتطرف في الفكر، وللنزاع على حقيقة فريدة حالمة، ولتسبب فقد التالف والتناغم المجتمعي.
ولنراجع عزيزي القارئ في هذه الرحلة الجميلة التاريخ الياباني، للاستفادة منه في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا العربي، وخاصة بعد أكثر من عام على ما سمى "بالرببع العربي". وأتذكر هنا مقولة أستاذنا الفاضل الدكتور محمد جابر الأنصاري، في كتابه، مسألة ألهزيمة، حيث كتب يقول:"فالخطاب الفكري العربي لم يتجاوز بعد بشكل حاسم المقولات العاطفية والوجدانية المرتبطة باللغة والتاريخ والمصير...إلى المقولات العقلية الواقعية التي لها علاقة بالهياكل الاقتصادية والصراع الاجتماعي والتنمية والسياسة الدولية." فها هو أستاذنا الفاضل يدعونا لمراجعة تاريخنا العربي الإسلامي بدراسات بحثية عقلية واقعية، ونرجو من دراسة التاريخ الياباني أن نستطيع تحقيق ما طالب به أستاذنا الفاضل، ومفكرنا المستنير.
لقد بدأ اليابانيون بدراسة تاريخهم من جديد منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، فقد صدر كتاب بعنوان "من جسر ماركو بولو إلى بيرل هاربر.. من هو المسئول؟" تصور بعد أكثر من ستة عقود من الزمن تشكل لجنة من الصحفيين من الصحيفة اليومية الأكثر توزيعا، يوميوري، لبحث المسؤولية التاريخية. وتصور لمن كان إهداء هذا الكتاب؟ أهدي الكتاب لجيرانهم الصينيون والكوريون وباقي دول أسيا، التي عانت من ويلات الحرب والاحتلال.
فقد بحث اليابانيون تاريخهم بصدق ووعوه بضمير، واستطاعوا من خلاله أن يستقرءوا، ويقرروا المستقبل. فقد لاحظتم بعد أن أعلنت كوريا الشمالية تجربتها النووية، لم ينفعل اليابانيون، مع إن تكنولوجيتهم النووية السلمية متطورة، بل أصروا على الحوار الدبلوماسي والضغط الاقتصادي وحافظوا على سياستهم اللانووية ومحاربة هذا السلاح الرهيب الذي عانوا من دماره، فقد استفادوا فعلا من ماسي تاريخهم لبناء مستقبل مزدهر.
سنأحاول عزيزي القارئ من جديد عرض التاريخ الياباني من خلال تحليلي المتواضع ومناقشات وقراءات لمؤرخين يابانيين وغربيين. فقد يساعد ذلك القارئ العربي أن ينزل من حلم ربيعه العربي إلى تحديات واقع العولمة المعقد والمتشابك الذي يعيشه، حيث سيجد بأن التاريخ الياباني لم يختلف عن تاريخنا العربي في المعاناة من الفرقة والحروب الطاحنة والاحباطات المتكررة، وقد نستفيد من هذه التجربة اليابانية لدراسة حقيقة تاريخنا والاستفادة من نجاحاته وتجنب هفواته لبناء مستقبل أطفالنا.
يعتقد المؤرخون بأن شعب اليابان متعدد الأعراق ومن أصول مغولية مع قرابته من الشعب لصيني والكوري. وفي حوالي القرن المائة قبل الميلاد وفي عهد "الجومون" بدءوا حياتهم بالصيد والعمل في في صناعة الفخار وتطور مجتمعهم في عهد "اليايو" (300ق.م.) إلى مجتمع زراعي وبنظام ري متميز لزراعة الرز، ثم برزوا في عهد "تولمولوس" (300 ب.م) كمجتمع سياسي وبقوة عسكرية.
ويبداء تاريخ اليابان بأسطورتي كوجيكي ونهون شوكي التي تروي قصة هبوط أبن الآهة الشمس للأرض ومباركتها لتبدءا دولة اليابان تاريخها وفي عام 660 ق.م. وفي القرن الرابع قبل الميلاد برزت قبيلة "الياماتو"، والتي تعتبر بأنها أصل الشعب الياباني، كجماعات منظمة في وحدات متخصصة في مجالات مختلفة كالزراعة وصناعة الفخار والنسيج وإنتاج البضائع، ومحكومة بإدارة مدنية وعسكرية، ويقودها زعماء العشائر وبمباركة الآلة.
وبداء اليابانيون في القرن الأول بعد الميلاد التعرف على حضارة الصين وسلالاتها الحاكمة. وفي عام 552، أدخلت الديانة البوذية في اليابان من خلال كوريا. وقد كانت البوذية خلال القرن الخامس والسادس بعد الميلاد العربة التي انتقلت من خلالها الحضارة الصينية إلى اليابان. ففي عهد "نارا " (710-794) تعلمت اليابان الكثير عن الحضارة والثقافة الصينية، وأما في عهد "هيين" (794-1185) أتسمت اليابان ببزوغ وأفول البلاط الحاكم، وفي عهد "الكاماكورا" (1185-1333) تحولت اليابان إلى دولة المحاربين. فقد أرسل حفيد جنكيز خان في عام 1268 خطاب لحاكم اليابان طالبا منه الاعتراف بسيادته على البلاد ودفع الجزية، ولكن اليابانيون تجاهلوا طلبه. فقام بعدة محاولات شرسة ،حتى موته عام 1294، لغزو اليابان ولكن جميعها باءت بالفشل، لبسالة المحاربين اليابانيين، وشدة الرياح والطوفان، الذي أدت لتحطم سفن العدو. واشتهرت منذ ذلك الوقت تلك الرياح والطوفان "بالكاميكز" أي الرياح الالاهيه التي حمت أرض لألهه. ولنا لقاء.
د خليل حسن
سفير مملكة البحرين في اليابان