المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : :: أدلة إستحباب التطبير ::


هامة التطبير
19-11-2012, 03:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلى على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

http://im16.gulfup.com/FRNu2.jpg (http://www.gulfup.com/?cJCkN1)

:: أدلة إستحباب التطبير ::

قد يتساءل البعض هل التطبير في عزاء الحسين (عليه السلام) عمل جائز في الشريعة الإسلامية أم لا؟

وإذا كان جائزاً هل يصح فعله في هذه الأيام أم لا؟

وللإجابة على هذين السؤالين نقول:

نعم.. التطبير جائز في الشريعة الإسلامية بل هو عمل مستحب بل أفتى بعض العلماء بوجوبه العيني وبعضهم بوجوبه الكفائي.. ولنا في ذلك أدلة نذكر أبرزها..

أصالة الإباحة:

الأول: لقد ثبت في علم الأصول أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا إذا قام الدليل على حرمتها وقد اتفق الأصوليون على هذا المبنى ولم يخالف فيه أحد..

وهم جميعاً في الفقه يعملون بهذا الأصل عند فقدان النص على الخلاف.. وقد وردت في ذلك مجموعة من الروايات منها:

قوله (عليه السلام): (كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام) (1).

وقوله (عليه السلام) (كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي) (2).

والظاهر أن المراد من قوله (عليه السلام) (حتى يرد) حتى يصل فالورود بمعنى الوصول هنا لا الصدور.

وسواء أريد من (كل شيء حلال) و(كل شيء مطلق) الإباحة الشرعية الواقعية أو الإباحة الظاهرية المجهولة للشاك (3) لا فرق، كلا الاحتمالين يدلان على أصالة الإباحة والحل في الأشياء التي لم يقم الدليل على حرمتها.. هذا بناءً على كون مسألة الأصل في الأشياء الحظر والإباحة هو عين مسألة البراءة والاشتغال وان كان لا يختلف الأمران سواء قلنا انهما بحثان أو بحث واحد فإن كليهما يدللان على أصالة الإباحة في الأشياء سوى أن الفرق بينهما أن الأول عقلي قبل الشريعة والثاني بعد الشريعة.

قال المحقق الأنصاري في الرسائل الصفحة (199):

(قوله (عليه السلام) في مرسلة الفقية كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي استدل به الصدوق... واستند إليه في أماليه حيث جعل إباحة الأشياء حتى يثبت الحظر من دين الأمامية. ودلالته على المطلوب أوضح من الكل).

وقال المحقق الخراساني في الكفاية الصفحة (49) طبعة بغداد لدى الاستدلال بالحديث الأول: (ومنها قوله (عليه السلام) (كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه) حيث دل على حليّة ما لم يعلم حرمته مطلقاً).

وقد أيد جميع الأصوليين قديماً وحديثاً هذا المبنى، بل أيد هذا المبنى الأخباريون أيضاً فإنهم يرون أن الحكم فيما لم يرد فيه دليل عقلي أو نقلي على تحريمه من حيث أنه مجهول الحكم في الشبهات البدوية التحريمية فقط وهو الاحتياط العقلي والشرعي، وإلا فإن الموارد التي لا يوجد فيها دليل على الحرمة ونحوها أتفق الأصوليون والأخباريون معاً على جريان الإباحة فيها (4).

بل هناك إجماع عملي عند المسلمين كاشف عن رضا المعصوم (عليه السلام) قائم على معاملة الأشياء معاملة الإباحة عند فقد النص على الخلاف. فإن سيرة المسلمين من أول الشريعة بل لعله في كل شريعة على عدم الالتزام والإلزام بترك ما يحتمل ورود النهي عنه من الشارع بعد الفحص وعدم وجدان الأدلة وإن طريقة الشارع كانت تبليغ المحرمات دون المباحات وليس ذلك إلا لعدم احتياج الرخصة والإباحة في الفعل إلى البيان وكفاية عدم وجدان النص الدال على النهي فيها على الإباحة.

قال المحقق الحلي (قدس سره) (5):

(إن أهل الشرائع كافة لا يخطئون من بادر إلى تناول شيء من الشبهات سواء علم الإذن فيها من الشرع أم لم يعلم ولا يوجبون عليه عند تناول شيء من المأكول والمشروب إن يعلم التنصيص على إباحته ويعذرونه في كثير من المحرمات إذا تناولها من غير علم، ولو كانت محظورة لأسرعوا إلى تخطئته حتى يعلم الإذن).

أقول: وهذا أيضاً مما يؤيد حكم العقل أيضاً إذ أن العقل البشري يحكم بقبح العقاب على شيء دون بيان حكمه ووصوله إلى العبد من قبل مولاه.

وقد جمع الفقهاء هذا الدليل بجملة واحدة اعتبروها قاعدة مسلمة في الأصول والفقه هي قاعدة البراءة العقلية القائلة بـ (قبح العقاب بلا بيان).

وفي كل ما تقدم بحوث مفصلة ذكرها الأعلام في كتب الأصول ليس هنا محل ذكرها. ولكن المستفاد من كل ما تقدم هو: إن الأصل في الأشياء هو الإباحة حتى يعلم بوجود النهي عنها..

والتطبير حسب هذا الأصل يكون مباحاً.. حيث لم ينه عنه الشارع المقدس وليس في المصادر الفقهية الموجودة بأيدينا دليل على حرمة الجرح والإدماء. وكل ما لم ينه عنه الشارع يعد مباحاً في الشريعة.

ومن هنا أفتى سائر الفقهاء بإباحته وجوازه.

وإذا ثبتت إباحته يثبت استحبابه أيضاً إن لم يثبت الوجوب كما قال بعض الفقهاء وذلك لقيام جملة من الأدلة على الاستحباب ولما ثبت في محله أيضاً أن العمل بالمباحات في الجملة هو بنفسه عمل مستحب كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

زينب (عليها السلام) تشق جبينها:

الثاني: صدور الإدماء من بعض أهل بيت الحسين (عليهم الصلاة والسلام) وهم أهل بيت العصمة والطهارة، ففي الخبر المصحح:

أن زينب الكبرى (عليها صلوات الله وسلامه) لما رأت في الكوفة رأس أخيها على رأس رمح نطحت جبينها بمقدم المحمل حتى سال دمها.

قال العلامة المجلسي (قدس سره) في البحار (6):

(رأيت في بعض الكتب المعتبرة روى مرسلاً عن مسلم الجصاص قال:

دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة فبينما أنا أجصص الأبواب وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة فأقبلت على خادم كان معنا فقلت: مالي أرى الكوفة تضج؟ قال: الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد فقلت: من هذا الخارجي؟ فقال: الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: فتركت الخادم حتى خرج ولطمت وجهي حتى خشيت على عيني أن يذهب (بصرها). وغسلت يدي من الجص وخرجت من ظهر القصر وأتيت إلى الناس. فبينما أنا واقف والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس إذ أقبلت نحو أربعين شقة تحمل على أربعين جملاً فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة (عليها السلام) وإذ بعلي بن الحسين (عليهما السلام) علي بعير بغير وطاء وأوداجه تشخب دماً وهو مع ذلك يبكي ويقول:

يا أمة السوء لا سقياً لربعكم***يا أمة لم تراع جدنا فينا

لو أننا ورسول الله يجمعنا***يوم القيامة ما كنت تقولينا

تسيرونا على الأقتاب عارية***كأننا لم نشيد فيكمو دينا

.. حتى قال:

أليس جدي رسول الله ويلكمو***أهدى البرية من سبل المضلينا

يا وقعة الطف قد أورثتني حزناً***والله يهتك أستار المسيئينا

قال: وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز فصاحت بهم أم كلثوم وقالت: يا أهل الكوفة إن الصدقة علينا حرام وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به الأرض قال كل ذلك والناس يبكون على ما أصابهم..

ثم أن أم كلثوم أطلعت رأسها من المحمل وقالت لهم: صه! يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم وتبكينا نساؤكم؟ فالحكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء فبينما هي تخاطبهن إذا بضجة قد ارتفعت فإذا هم أتوا بالرؤوس يتقدمهم رأس الحسين (عليه السلام) وهو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول الله (صلى الله عليه وآله) ولحيته كسواد السّبح قد انتصل منها (7) الخضاب ووجهه دائرة قمر طالع والرمح (8) تلعب بها يميناً وشمالاً (فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدم المحمل حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها وأومأت إليه بحرقة وجعلت تقول:

يـا هـلالاً لما استتـم كمـالا***غـاله خسفه فأبدا غروبـا

مـا توهمت يا شقيق فـؤادي***كـان هـذه مقدّرا مكتوبـا

يـا أخي فاطم الصغيرة كلمهـا***فقد كـاد قلبها أن يذوبـا

يـا أخي قلبـك الشفيق علينـا***ماله قد مشى وصار صليبا؟

يا أخي لو ترى علياً لدى الأسر***مـع اليتم لا يطيق وجوبا

كـلما أوجعوه بـالضرب نادا***ك بذلّ يغيـض دمعاً سكوبـا

يـا أخـي ضمّه إليـك وقربّه***وسـكّن فـؤاده المـرعوبـا

مـا أذلّ اليـتم حـين يـنادي***بـأبيه ولا يـراه مجيـبـا)

إلى آخر الكلام.

وقد روى هذه الحادثة أيضاً في العوالم والسيد عبد الله شبر (قدس سره) في جلاء العيون الجزء الثاني صفحة (238) (9)، وفخر الدين الطريحي في المنتخب الجزء الثاني المجلس العاشر الصفحة (478)، وقد صحح هذا الخبر شيخ الشريعة الأصفهاني (قدس سره) مع جملة من الأخبار الواردة بشأن عزاء سيد الشهداء وإظهار الجزع وإيلام النفس حسرة على ما دهاه (10).

هامة التطبير
19-11-2012, 03:25 AM
ومن موقف عقيلة الطالبيين هذا يستفاد جواز إسالة الدم أو إظهار الجزع على المولى سيد الشهداء وذلك لأمرين:

الأول: إن هذا الموقف حصل في محضر الإمام المعصوم علي بن الحسين (عليهما السلام) ونال تقريره وكان في وسع الإمام (عليه السلام) أن ينهاها عن هذه العملية لو كان فيها حضر شرعي، ولكنه لم ينهها، وعدم نهيه دليل موافقته، وقد ثبت في محله من علم الأصول إن تقرير الإمام المعصوم حجة شرعية.

الثاني: نفس العقيلة الكبرى (عليها صلوات المصلين) تحظى بمقام العصمة الصغرى، وهو مقام معنوي رفيع يبعد عنها احتمال الإقدام على عمل لم تحرز جوازه الشرعي، وقد شهد لها بهذا المقام السامي الرفيع عدة كبيرة من الأعيان والأعلام فضلاً عن شهادة الإمام المعصوم (عليه السلام) وكفى بتعريف الإمام زين العابدين لها بقوله (عليه السلام):

(أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهّمه) (11).

يريد أن مادة علمها (عليها السلام) من سنخ ما منح به رجالات بيت النبوة ومعدن العلم وأهل بيت الوحي، فعلومهم (عليهم السلام) ليست اكتسابية تحصل بالدراسة والتخرج على يد الأساتذة والمعلمين بل علومهم حضورية.. تحصل بالإلهامات الربانية أو بالإفاضات على حسب القابليات، كما ثبت بالأدلة العقلية والنقلية أنهم يملكون الاسم الأعظم (12) كما عندهم آيات الأنبياء: وراثة كما ورد في الزيارة الجامعة (وعندكم مواريث الأنبياء) كألواح موسى وعصاه وخاتم سليمان بل لديهم جميع كتب الأنبياء وعلومهم وآياتهم أيضاً، وعندهم الجفر والجامعة ومصحف فاطمة وما يحدث بالليل والنهار بل هم أوعية العلم الإلهي.

وقد شهد لأهل البيت بذلك حتى يزيد بن معاوية بقوله في الإمام السجاد (عليه السلام) في الشام (إنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقّا) (13) وقد فصل ذلك علماؤنا الأعلام في الكتب الكلامية فراجع.

أقول: وزينب بنت علي (عليها السلام) من أهل هذا البيت علومها لدنية إلا أنها دون مرتبة الإمامة والعصمة الكبرى الثابتة للمعصومين الأربعة عشر.. ومن هنا كانت مصدراً للفتوى ونشر الأحكام..

فعن الصدوق محمد بن بابويه القمي طاب ثراه (14):

(كانت زينب (عليه السلام) لها نيابة خاصة عن الحسين (عليه السلام) وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى برئ زين العابدين (عليه السلام) من مرضه).

وقال الطبرسي:

أن زينب (عليها السلام) روت أخباراً كثيرة عن أمها الزهراء (عليها السلام) وعن عماد المحدثين... أن زينب كانت تروي عن أمها وأبيها وأخويها وعن أم سلمة وأم هاني وغيرهما من النساء وممن روى عنها ابن عباس وعلي بن الحسين وعبد الله بن جعفر وفاطمة بنت الحسين الصغرى وغيرهم.

وقال أبو الفرج الأصفهاني:

زينب العقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة صلى الله عليها في فدك فقال حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي (عليها السلام).

ومعنى العقيلة في النساء السيدة، كعقال في الرجال يقال للسيد.

بل ويظهر من العلامة الدربندي وغيره: أنها كانت تعلم علم المنايا والبلايا كجملة من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) منهم ميثم التمار ورشيد الهجري وغيرهما، بل جزم في (أسرار الشهادة) إنها صلوات الله عليها أفضل من مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم وغيرهما من فضليات النساء.

زينب الكبرى... يكفي في جلالة قدرها ونبالة شأنها ما ورد في بعض الأخبار من أنها دخلت على الحسين (عليه السلام) وكان يقرأ القرآن فوضع القرآن على الأرض وقام لها إجلالاً.

وبعد كل هذا المقام العظيم وجلالة القدر عصمة وعلماً والتي شهد بها أعلام المسلمين نفهم أن ما صدر من مولاتنا العقيلة في مصاب أخيها سيد الشهداء في شق جبينها الطاهر بمقدم المحمل وإسالة الدم هو وحده كاف في الدلالة على جواز شق الرؤوس وإسالة الدماء حزناً وتأسفاً عليه لما لها من مقام وعظمة.. فكيف به إذا حضي بتقرير الإمام المعصوم (عليه السلام) وموافقته له.

قال الفاضل الدربندي (قدس سره) سنة 1286 هجرية في (أسرار الشهادة) صفحة (474 - 475) عن هذه الحادثة وما يستفاد منها شرعاً (مع تصرف قليل):

(أعلم إن قضية نطح زينب بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) رأسها بمقدم المحمل بحيث أنه جرح وجرى الدم منه يكشف فحوىً عن أن ما لا يجوز فعله في مصيبة غير آل محمد من الجزع الشديد وشق الثياب والجيوب ولطم الصدور وخمش الوجوه وحث التراب والرماد على الرؤوس وضربها بالأكف وتلطخ الجسد بالوحل والألوان المسودة وما يشبه ذلك يجوز فعله في مصائب آل محمد صلوات الله عليهم ولا سيما في مصائب سيد الشهداء روحي له الفداء بل إن استنباط الكل ما أشرنا إليه من الأخبار الكثيرة وفقرات الزيارات الوفيرة استنباطاً تطابقاً أو التزاماً مما لا يشك فيه العالم العريض التتبع والشديد التيقظ. بل يمكن أن يقال أن جواز كل ذلك بل استحبابه مما عليه السيرة والضرورة من المذهب. وأما بالنسبة إلى ما فعلته زينب بنت أمير المؤمنين (عليها السلام) فلا إشكال في الإفتاء عليه أصلاً، لأن ما فعلته (عليها السلام) كان في محضر من حجة الله على جميع خلقه سيد الساجدين فكما أن فعل المعصوم وقوله حجتان فكذا تقريره، على أنه قد تقدم ما يدل على كون زينب محدثة وتالية لمرتبة العصمة بل هي من جملة من اتصف بالعصمة لكن على النهج الذي أشرنا إليه..

فإن قلت: إن قضية نطح زينب رأسها بمقدم المحمل لم يرد إلا في خبر مرسل عن مسلم الجصّاص وهو أيضاً الحال فكيف يجوز أن تخصص به العمومات وبعض القواعد البالغة حد أصول المذهب بالمعنى الأخص على أن الحكم بحرمة مثل ذلك ولو كان ذلك في تعزية سيد الشهداء وعند ذكر مصائبه من المسائل الاتفاقية الإجماعية؟

قلت: إن وصف المحقق المجلسي الكتاب الذي اخذ هذا الخبر عنه بكونه من الكتب المعتبرة يصيّر هذا الخبر بمنزلة ما هو محرز لشرائط العمل به. فعلى البناء على اتساع الدائرة في باب الأخبار يجوز تخصيص العمومات به. وأما دعوى أن القاعدة التي على خلاف ما يفيده هذا الخبر من أصول المذهب بالمعنى الأخص كدعوى أن هذه المسألة بخصوصها من المسائل الاتفاقية والإجماعية فمن الدعاوى الجزافية. إذ كون القاعدة من أصول المذهب بالمعنى الأخص أول الكلام. والمسألة بخصوصها لم تعنون بكتاب من كتب الأصحاب فكيف تكون من الاتفاقيات أو مما أدعي في شأنها الاتفاق والإجماع؟!

فقد بان من ذلك كله أن الحكم بالجواز مما لا يخلو عن قوة ولا سيما إذا لوحظ ما في الأمصار وفي جميع الإعصار ما يفعله جمع من شبان الشيعة بل وكهولهم وشيوخهم أيضاً من لطمهم صدورهم وجباههم ورؤوسهم بالحجر والحديد ونحو ذلك حتى تدمى هذه الأعضاء وتجرح في محضر من أكابر الدين وأعاظم المذهب من العلماء والصلحاء وهم لا يمنعونهم عن ذلك، بل يشتد بكاؤهم ويعلو نحيبهم فكأن طبايع جمع قد جبلت على فعل أمثال ذلك في أيام العشر الأول من المحرم. أما سمعت حديث مسلم الجصّاص حيث قال ولطمت وجهي حتى خشيت على عيني أن تذهبا. وبالجملة فإن ذلك ليس إلا لأمر أصلي صادر من رضا المعصومين (عليهم السلام) وبذلك مع كونه على طبق الأصل الأولي، لكون المقام من صقع الشبهة التحريمية الحكمية مع عدم سبق العلم الإجمالي في البين) انتهى (15).

أهل البيت يبكون دماً على الحسين (عليه السلام):

الثالث: صدور الإدماء بالفعل من قبل عدد من المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) حزناً على الحسين (عليه السلام) ليس من الرأس بل من العين التي هي أخطر وأرق من الرأس...

ففي رواية رواها المجلسي في البحار وفي جلاء العيون:

(أن الإمام زين العابدين إذا أخذ إناءً ليشرب يبكي حتى يملأه دماً).

وفي الأمالي للصدوق الصفحة (78) عن إبراهيم بن محمود عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: (... إن يوم الحسين أقرح جفوننا...) وفي زيارة الناحية يندب الإمام ولي العصر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) جده الحسين بما هو أكبر وأعظم حتى من الإدماء حيث يقول (عليه السلام):

(ولئن أخرتني الدهور وعاقني نصرك المقدور ولم أكن لمن حاربك محارباً ولمن نصب لك العداوة مناصباً فلأندبنّك صباحاً ومساءً ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً حسرة عليك وتأسفاً على ما دهاك وتلهفاً حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتياب) (16).

وفي قوله (عجل الله تعالى فرجه): (ولأبكين عليك بدل الدموع دماً) تأكيد، لأن: (اللام) و(النون) مما يشير إلى شدة البكاء وكثرته ودوامه إن في الفعل المضارع (أبكين) دلالة على الدوام والاستمرار.. ومن الواضح أن من يستمر طول دهره يبكي دماً سينتابه من الآلام والأمراض ما قد يؤول به إلى الموت ومن هنا جعل الإمام (عجل الله فرجه الشريف) الموت غاية ينتهي بها بكاؤه (عليه السلام) فهو يبكي ويظل يبكي طول دهره وعمره الشريف حتى يموت أسىً ولوعة حيث قال (عليه السلام): (حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتياب).

كما أن في قول الرضا (عليه السلام): (إن يوم الحسين أقرح جفوننا) دلالة واضحة على استمرار بكاء أهل البيت (عليهم السلام) طول حياتهم، حيث أن القرح في العين لا يحصل إلا بعد كثرة البكاء وشدته في مدة طويلة كما يفصح به قوله (عليه السلام) في تتمة الحديث: (وأسبل دموعنا) والدمع يسبل إذا هطل كما لا يخفى.

وهذا طبعاً ليس مبالغة في الكلام من قبل المعصوم (عليه السلام) لعدم صحته على مذهبنا، ولأصالة حمل كلام المتكلم على الحقيقة، لأن المبالغة نوع من المجاز، والأصل عدم المجاز، ويؤيد هذا ما ورد في الأخبار أن هذا شأن الزهراء (عليها السلام) كل يوم، فإنها تشهق على ولدها حتى يسكتها أبوها (17) والشهيق له معان عديدة كلها تشترك في بيان عظم البكاء والحزن، منها ما جاء في تفسير الفخر الرازي لدى تفسير هذه الآية: (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق):

الزفير: ما يجتمع في الصدر من النفس عند البكاء الشديد فينقطع النفس، والشهيق: هو الذي يظهر عند اشتداد الكربة والحزن وربما تبعها الغشية وربما حصل عقيبة الموت (18).

ومن هنا نعرف استحباب شدة البكاء على الحسين (عليه السلام) ولو استلزم قرح العين بل ولو استلزم حصول آفة في العين أو ذهاب نور البصر أو أذاها.. عند جماعة من الفقهاء كالعلامة الطباطبائي الحائري (قدس سره) والشيخ علي البحراني المتوفى سنة 1319 في رسالته المسماة (قامعة أهل الباطل) في الصفحة 20 – 27 (19).

قال الطريحي في المنتخب، المجلس الثامن من الجزء الثاني - الباب الأول - الصفحة: 395:

(فيا هذا... أيلام من شق الجيوب القلوب لا جيوب الثياب؟! أو يعنف من أجرى الدماء لا الدموع على هذا المصاب؟! كلا.. حاشا لله حقهم لا يقضى، وشكرهم لا يؤدى، لكن من بذل الاجتهاد كان جديراً أن يحصل المراد). وقال في الصفحة (70) أيضاً:

(فلعمري لو تضاعفت أحزاني وتزايدت أشجاني وأجريت عوض الدموع دماً وجعلت عمري كله مأتماً وبقيت من شدة الجزع والاكتياب كالحلال لم أوف ببعض ما يجب علي من حق الآل).

كما قال السيد محسن الأمين في المجالس السنية الجزء الرابع - المجلس الواحد الثلاثون بعد المائتين - الصفحة 260.

(قد قضى العقل والدين باحترام عظماء الرجال أحياء وأمواتاً وتجديد الذكرى لوفاتهم وإظهار الحزن عليهم لا سيما من بذل نفسه وجاهد حتى قتل لمقصد سام وغاية نبيلة، وقد جرت على ذلك الأمم في كل عصر وزمان وجعلته من أفضل أعمالها وأسنى مفاخرها، فحقيق بالمسلمين بل جميع الأمم أن يقيموا الذكرى للحسين (عليه السلام) فإنه من عظماء الرجال وأعاظمهم في نفسه ومن الطراز الأول... وحقيق بمن كان كذلك أن تقام له الذكرى في كل عام وتبكي له العيون دماً بدل الدموع وأي رجل في الكون قام بما قام به الحسين (عليه السلام)..)

وشبيه هذا الكلام ذكره المقرّم في المقتل (20) وكذلك أيضاً قول الحجة المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف): (ولأبكين عليك بدل الدموع دماً) ليس من قبيل المبالغة في التعبير وإنما من باب بيان ما يستحقه من إظهار التأسف والحسرة مقابل تلك المصائب كما هو المتعارف في التعبير عند البعض لدى إرادة الكشف عن أمر مهم، وذلك لما ثبت في محلة من أصول الدين من تنزيه كلام المعصوم (عليه السلام) عن المبالغات الكلامية التي لا واقعية لها، لاستلزامه الكذب أحياناً - والعياذ بالله - ومن ثم الإضلال في بيان الواقع مما قد يناقض وجودهم ودورهم في هذا الوجود (عليهم السلام).

ومن الثابت أن البكاء بدل الدمع دماً قسمان:

القسم الأول: أن تشتد حرارة الباكي وتتدفق دموعه حتى تمزق الشرايين الرقيقة في الأجفان فيهمي منها الدم.

والقسم الثاني: أن ينشج الباكي بالبكاء وتتدفق دموعه حتى لا تتاح الفرصة للدم حتى ينقلب دمعاً لأن الدمع هو بخار الدم فإذا قلّت الرطوبة وكثر البكاء أو أسرع البكاء من قابلية تبخر رطوبات الدم فإن الدم نفسه يجري في عروق الأجفان (21).

أقول: ومن كل ما تقدم يظهر جواز إسالة الدم من الرأس حزناً على سيد الشهداء (عليه السلام) في مواكب التطبير بشكل أولى، وذلك لأنه إذا جاز إدماء العيون التي هي من أهم وأرق أعضاء الإنسان، بل وصدر ذلك من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) فقد جاز التطبير بطريق أولى، بل إذا كان الإمام صاحب العصر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يبكي الحسين دماً طول عمره الشريف حتى يموت ألماً وحسرة عليه، فكيف لا يجوز لشيعته الموالين أن يشقوا رؤوسهم ويجرون دماءهم يوم عاشوراء حزناً عليه وتلهفاً لما دهاه وأطفاله وعياله في وادي الكرب والبلاء.

ولعل من هذا ما ورد عن أبي ذر الغفاري (رضوان الله عليه) أنه قال لما ذكر بعض الناس مقتل الحسين، ما معناه: (لو علمتم بعظم تلك المصيبة لبكيتم حتى تزهق أنفسكم) (22).

كما وردت في خطبة للأمام السجاد (عليه الصلاة والسلام) عند رجوعه إلى المدينة بعد وقائع عاشوراء ومسيرة السبايا كلمات شجية أشارت إلى صحة تحمل الآلام والأضرار حتى بما هو أعظم وأشد من إسالة الدم على مصاب المولى سيد الشهداء (عليه السلام) حيث قال في ضمن ما قال:

(أيها الناس إي قلب لا ينصدع لقلته؟ أم أي فؤاد لا يحن إليه؟ أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام ولا يصم؟!) (23) قال المرحوم السيد عبد الرزاق المقرم في المقتل:

(فمصابه يقل فيه البكاء ويعز عنه العزاء! فلو تطايرت شظايا القلوب وزهقت النفوس جزعاً لذلك الحادث الجلل لكان دون واجبه) (24).

خمش الوجوه:

الرابع: ورود الأدلة العديدة بجواز خمش الوجوه في مصيبة الإمام الحسين (عليه السلام) ومن الواضح إن خمش الوجه يلازم الإدماء عادة فإذا جاز خمش الوجه فقد جاز الإدماء أيضاً في الجملة، خصوصاً وأنه حاز على تقرير الإمام المعصوم (عليه الصلاة والسلام)، بما يجعله حجة شرعية، فقد روى السيد ابن طاووس في كتابه (اللهوف) ولما أخبر بشير بن حذلم أهل المدينة بمقتل الحسين (عليه السلام) ورجوع زين العابدين (... فما بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا برزن من خدورهن مخمشة وجوههن ضاربات خدودهن يدعون بالويل والثبور) (25).

بل جاء في بعض الروايات خمش الوجه بصيغة الأمر، حيث ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث موثق أنه قال:

(على مثل الحسين فلتشق الجيوب ولتخمش الوجوه ولتلطم الخدود) (26).

وقد ثبت في محله من الأصول أن الأمر ظاهر الوجوب وتتأكد الدلالة في الوجوب إذا كان الأمر بصيغة المضارع كما في قوله (عليه السلام): (فلتشق ولتخمش) وإذا اتصل به لام الأمر، فيتضاعف تأكيد الوجوب أكثر ولعله بهذه التأكيدات (صيغة المضارع، واللام) المنضمة إلى ظهور الأمرية في الوجوب يمكن أن يستدل على وجوب خمش الوجه وليس جوازه فقط.. وإذا تنزلنا من الوجوب نحمله على الاستحباب، وبذلك يظهر أن خمش الوجه على الحسين (عليه السلام) مستحب أن لم يكن واجبا. وبما أن خمش الوجه يلازم الإدماء، يصبح الإدماء مستحباً أيضاً لأنه يلازم المستحب، بناء على أن اللازم يأخذ حكم ملزومه أيضا، أو يكون جائزا على الأقل، وإلا يلزم منه المحال إذ لا يعقل أن يكن خمش الوجه واجبا أو مستحبا أو حتى مباحا كما في الأدلة المتقدمة ولكن يكون حكم لازمه - وهو الإدماء - الحرمة، للزوم الخلف، ولعدم القدرة على الامتثال حينئذ (فتأمل).

ومن مجموع الأدلة المتقدمة يستفاد إباحة التطبير على الحسين (عليه الصلاة والسلام) وجوازه على أقل التقادير، ولكن هناك مجموعة من الأدلة الأخرى التي يمكن أن نستفيد منها استحبابه أيضا نذكر بعضها:

أدلة استحباب التطبير:

الأول: تحبيب الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) الجزع على الحسين (عليه السلام) فقد روى الشيخ في المصابيح مسندا عن أبي جعفر (عليه السلام) فيمن يزور الحسين عن بعد في يوم عاشوراء...

(وليقم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه) (27).

وقد جزع الإمام السجاد (عليه السلام) يوم الحادي عشر من المحرم كما في الزيارات من قوله (عليه السلام) لعمته العقلية (كيف لا أجزع ولا أهلع وقد أرى أبي وعمومتي وولد عمي صرعى لا يوارون) (28).

بل أن الإمام الصادق (عليه السلام) دعا بالرحمة لمن جزع على مصائب أهل البيت (عليهم السلام). ولم يكن الجزع محبوباً مرغوباً فيه في الشريعة السمحاء لما دعا الإمام (عليه السلام) للجازعين في رواية رواها المجلسي في مزار البحار باب (زيارة الحسين واجبة مفترضة) (29) عن ابن أبي عمير عن معاوية بن وهب قال:

دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وهو في مصلاه فجلست حتى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربه ويقول: يا من خصنا بالكرامة ووعدنا بالشفاعة وحمّلنا الرسالة وجعلنا ورثة الأنبياء وختم بنا الأمم السالفة وخصنا بالوصية وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقى وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا اغفر لي ولإخواني وزوار قبر أبي الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) الذين أنفقوا أموالهم واشخصوا أبدانهم رغبة في برّنا...

اللهم ارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس وارحم تلك الخدود التي تقلبت على قبر أبي عبد الله (عليه السلام) وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا... الخ.

وقد مدح الإمام الصادق (عليه السلام) مسمع كردين بقوله:

(أما انك من الذين يعدون من أهل الجزع لنا).

والرواية مفصلة رواها ابن قولوية في كامل الزيارات في الصفحة: (101)، أقول: ومعلوم أن الجزع في مقابل الصبر.. وليس التطبير وشج الرؤوس إلا من أهون معاني الجزع ومصاديقه.

ولعل من أجلى مصاديق الجزع على الحسين (عليه السلام) التي آلت إلى الموت والذي حظي بتقرير السجاد (عليه السلام) والعقيلة زينب (عليها السلام) هو موقف الرباب زوجة الحسين (عليه السلام).

فقد روى في الوافي عن الكافي (باب ما جاء في الحسين بن علي (عليهما السلام) الصفحة: 175) أنها بكت (رضوان الله عليها) على الحسين (عليه السلام) حتى جفت دموعها فأخبرتها بعض جواريها بأن السويق يسيل الدمعة فأمرت بذلك فصنع لها لاستدرار الدمع..

وواضح كم في البكاء حتى جفاف الدمع من الآلام والأوجاع.

وروي أنها ما استظلت من الشمس - حتى اقشعر جلدها وذاب لحمها وان الصديقة الصغرى (سلام الله عليها) كانت تسألها التحول من الشمس والجلوس مع النسوة في المأتم فكانت تأبى ذلك حتى لحقت بسيدها الحسين (عليه السلام).

وفي الكامل لابن الأثير الجزء الرابع (الصفحة 36):

(وبقيت بعده سنة لم يظلها سقف حتى بليت وماتت كمدا).

ومن كل هذا وذاك يعرف استحباب التطبير وإدماء الرؤوس والجبهات لأنها من معاني الجزع على شهيد كربلاء ومصاديقه.

التطبير نوع من الحجامة:

الثاني: وردت روايات عديدة في مصادرنا الروائية تؤكد على حجامة الرأس. وتجعلها من المستحبات الشرعية لما لها من الفوائد الصحية الجمة كوقاية من بعض الأمراض الخطرة أو كعلاج لبعضها الآخر، ننقل بعضها:

في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (الحجامة في الرأس هي المغيثة تنفع من كل داء إلا السام، وشبر من الحاجبين إلى حيث بلغ إبهامه ثم قال هاهنا) (30).

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الحجامة في الرأس شفاء من كل داء) (31).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الحجامة على الرأس على شبر من طرف الأنف وفتر من بين الحاجبين وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسميها بالمنقذة) (32).

وفي حديث آخر كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحتجم على الرأس ويسميه المغيثة أو المنقذة.

وعن زرارة قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليهم السلام) يقول: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحجامة في الرأس شفاء من كل داء إلا السام) (33).

وعن الصادق (عليه السلام): (الحجامة في الرأس شفاء من سبع من الجنون والجذام والبرص والنعاس ووجع الضرس وظلمة العين والصداع) (34).

ومن جملة هذه الروايات المتقدمة نستفيد أمورا:

الأول: إن فعل النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) للحجامة واحتجامه برأسه وحده كاف للدلالة على استحبابها كما ورد في الرواية انه (صلى الله عليه وآله) - بناء على أن أفعال الأنبياء لا تخرج عن الواجبات والمستحبات - كان يحتجم ويسميها المنقذة.

الثاني: كون الحجامة منقذة ومغيثة وشفاء من كل داء ونحو ذلك يؤكد استحباب فعلها حتى وان أصيب صاحبها ببعض الألم أو بعض الأضرار من قبيل الجروح وإسالة الدم ونحو ذلك، ولهذا أفتى جماعة من الفقهاء المتقدمين فضلا عن المتأخرين باستحباب حجامة الرأس (35).

منهم الشهيد الأول (قدس سره) في السرائر حيث قال: (يستحب الحجامة في الرأس فإن فيها شفاء من كل داء).

ومنهم العلامة المجلسي (قدس سره): حيث قال:

(فضل حجامة الرأس ومنافعها وردت في روايات الخاصة والعامة وقال بعض الأطباء الحجامة وسط الرأس نافعة جداً وقد روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) فعلها).

ويفهم من كلام المجلسي (قدس سره) أيضا إن استحباب الحجامة في الرأس لا يقول به الشيعة فقط بل هناك روايات عند العامة أيضا تؤكد استحبابها.

الثالث: بعض الروايات المتقدمة عينت موقع حجامة الرأس منه وهي عادة في الربع الأول من قمة الرأس أي في مسافة فتر تقريبا ما بين رأس الأنف إلى نهاية ما يصل إليه الإبهام.. وواضح أن محل التطبير وضرب القامات والسيوف على الرأس يأتي في نفس هذا الموضع لمن أراد أن يعتني ويدقق في عمله..

وبهذا يمكن أن يكون التطبير نوعا من الحجامة فيكون مستحبا في نفسه لأن الحجامة مستحبة وان لم نقصد فيه أي عنوان آخر، وواضح أن استحباب التطبير يتأكد إذا أنضم إليه عنوان مستحب جديد وهو عنوان التأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله) واتباع سنته في حجامة الرأس كما تقدمت الروايات في ذلك فإنه سوف ينطبق عليه عنوان الاقتداء والتأسي فضلا عن الاحتجام..

وقد ذكر الفقهاء انه إذا وجب شيء بالنص ثم انطبق عليه عنوان واجب آخر فإن هذا الوجوب يتأكد، فمثلا: لو نذر الإنسان إقامة الصلاة اليومية الواجبة، فإن وجوبها يتأكد بالنذر بمعنى تداخل الواجبين في وجوب واحد.

وهكذا إذا كان الشيء مستحبا في نفسه مثل الحجامة ثم انطبق عليه عنوان مستحب آخر وهو العمل بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والاقتداء به فإن الاستحباب يتأكد.

هامة التطبير
19-11-2012, 03:26 AM
أقول: فكيف بشيعة علي والحسين سددهم الله تعالى إذا جمعوا في التطبير عناوين ثلاثة مستحبة وليس عنوانين وهي:

1- الحجامة.

2- التأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله).

3- تعظيم الشعائر.

وقد قال الفقهاء إن تعظيم الشعائر وخاصة الشعائر الحسينية من المستحبات الشرعية (36) قال تعالى (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) (37).

ومن مجموع هذه المستحبات الثلاثة يتأكد استحباب التطبير ويصبح كله مستحبا في مستحب، بل إذا قلنا بتداخل المستحبات فربما يتاخم الوجوب، ولعل من هنا أفتى جماعة من فقهاء السلف بوجوبه - أي التطبير - العيني كما سيأتي، وبعض الفقهاء المعاصرين بوجوبه الكفائي كما أخبرني بعض الثقاة أن بعض أعلام الأساتذة في الحوزة سأل في أحد المجالس عن رأيه في التطبير فأجاب أنه يرى أنه واجب عيني تخييري وستمر عليك بعض الإشارات إلى ذلك فانتظر.

مواساة الحسين (عليه السلام) عمل مستحب:

الثالث: قامت الأدلة الشرعية على استحباب المواساة بين المؤمنين في المصائب والآلام وخاصة مواساة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) حيث ورد عنهم (شيعتنا منا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا) كما ورد عن الإمام علي (عليه السلام) (إن الله أطلع إلى أرض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أنفسهم وأموالهم فينا أولئك منا وإلينا) (38).

كما ورد عنهم (عليهم السلام) أنهم قالوا (إن ذلك - أي البكاء على الحسين - صلة منكم لنا وإحسان وإسعاد) (39) وصلة لرسول الله (40) وأداء لحقه وحقوق الأئمة، ففي الرواية أن الباكي قد أدى حقنا (41) وكذلك في البكاء نصرة للحسين وأسوة بالأنبياء والأئمة والملائكة، وفي هذا أيضا قال علماؤنا الأعاظم وعملوا به.

بل يظهر جملة من الأخبار أيضا أن الله عز وجل أحب مواساة الحسين (عليه السلام) في مصائبه، بل ساق سبحانه ركب أنبيائه وأوليائه إلى كربلاء ليواسوه في مصائبه ويذكروا ما دهاه من آلام وفجائع بالدماء والدموع قبل أن ينتهي إليها ركب الحسين بمئات الأعوام والسنين فأشرك الله سبحانه أنبياءه في أهوال هذه الأرض مع السبط الشهيد كما أشركهم معه في إسالة دمائهم على تربة كربلاء الزاكية حتى أولو العزم منهم (عليهم السلام)، ففي أخبار معتبرة: أن آدم (عليه السلام) لما وصل إلى كربلاء وبلغ مقتل الحسين عثر بصخرة فجرى الدم من قدمه ثم أوحى الله إليه: إن في هذه الأرض سيقتل ولدك الحسين فأدرت أن تشاركه في الألم والحزن ويراق دمك عليها كما يراق عليها دمه.

وإن سفينة نوح (عليه السلام) لما وصلت إلى كربلاء جاءها موج فاضطربت حتى كادت أن تغرق فنزل جبرائيل وقال: يا نوح أن هذه أرض يقتل فيها سبط نبي آخر الزمان وابن خير الأوصياء.

وان سليمان (عليه السلام) كان على بساط الريح يجوب الأفاق تجري به الريح رخاء حيث أصاب، إذ وصل إلى كربلاء فطافت به حول نفسه ثلاثا ولما عاتب سليمان الريح أجابت: بأن في هذا المكان يقتل سبط أحمد المختار.

وان إبراهيم (عليه السلام) كان يوما راكباً جواده ماراً بصحراء كربلاء إذ كبا فرسه وانقلب على الأرض فأصيب رأسه بصخرة وجرى منه الدم فبدأ إبراهيم (عليه السلام) بالاستغفار وقال يا إبراهيم لم يصدر منك ذنب ولكنه موضع يقتل فيه سبط محمد المصطفى ونجل علي المرتضى (عليه السلام) ظلما وجورا فأراد الله أن تواسيه ويراق دمك فيه.

وإن موسى بن عمران مر بصحراء كربلاء مع وصيه يوشع بن نون فلما دخلها انقطع شسع نعله وأدمت الأشواك قدمه فسأل الله عن سبب ذلك فأوحى الله إليه إن في هذه الأرض يراق دم عبدي الحسين فأردت أن يراق دمك فيها.

ولعل أصرح هذه الروايات دلالة ما رواه الصدوق في العلل وابن قولويه وفي الوسائل أيضا عن الإمام الصادق (عليه السلام):

(أن إسماعيل ابن حزقيل كان نبيا من أنبياء الله بعثه إلى قومه فسلخوا جلدة وجهه ورأسه فأتاه ملك يخبره: إن الله أمره بإطاعته فيما يريد فقال: لي أسوة بما يصنع بالحسين) (42).

وهناك روايات عديدة في هذا الشأن تركناها للاختصار، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتاب البحار للعلامة المجلسي الجزء (44) طبعة بيروت.

كما عقد المجلسي فصلا خاصا في الآيات المؤولة بشهادته (صلوات الله عليه) وأنه يطلب الله بثأره (في الجزء 44 ص: 217) واستعرض في ذلك آراء جملة من المفسرين وجملة الحديث كتفسير علي بن إبراهيم القمي والعياشي والصافي ونور الثقلين والخصائص الحسينية ونحوها.

ومن كل هذه الروايات المتقدمة نستخلص أمورا:

إن مصيبة الحسين (عليه السلام) لم تكن كباقي مصائب الأولين والآخرين بل كانت مصيبة فجع بها كل ما خلق الله مما يرى وما لا يرى وأصابت الناس والحيوانات والجمادات وبكته السماء والأرض وسرت المصيبة إلى الآخرة فبكى لها رضوان ومالك، ولطمت الحور العين، وبكى كل من يتقلب في الجنة والنار، وندب عليها الأنبياء والأوصياء قبل ميلاده، وأقيمت له المآتم يوم ولادته، كما في الأدلة المعتبرة، فلابد يقام لها مقياس آخر غير مقاييس بقية المصائب مهما عظمت وعظم من يصاب بها.

ومن هنا أحب الله سبحانه أن يشارك جميع أنبيائه الحسين ويواسونه في إراقة دمائهم على تربة كربلاء ولو كان عن غير قصد مع إن العديد من أنبيائه وأوليائه قتل على أيدي الكفر والإلحاد أيضا حتى إن يحيى ذبح وقطع رأسه، وإسماعيل سلخ جلدة وجهه ورأسه بالإضافة إلى أن أهل البيت (عليهم السلام) بما فيهم الرسول (صلى الله عليه وآله) تعرض لأشق الأحوال والآلام، حتى ورد عنهم (عليهم السلام) (ما منا إلا مسموم أو مقتول) (43) وورد عنه (صلى الله عليه وآله) (ما أوذي نبي مثل ما أوذيت) (44).

ومع كل هذا وذاك لا نجد مصيبة في هذا الوجود أفجعت الكون وأبكت أركانه و أبكت عين السماء والأرض كمصيبة المولى سيد الشهداء (عليه صلوات المصلين) مما يدل على أن الله سبحانه منح الحسين عناية خاصة ومقاما خاصا وأراد أن تكون مصيبته ممتازة على سائر المصائب والآلام.

أقول: إذا كان الأنبياء يواسون الحسين بدمائهم.. بل صبر إسماعيل على سلخ جلدة وجهه ورأسه أسوة بالحسين، مع أنه لم يقصد التأسي في بادئ الأمر بل سلخها قومه كرهاً ثم احتسبها تأسيا فقبلها منه الله سبحانه، فإن تطبير الشيعة من محبي الحسين وإسالة دمائهم بقصد التأسي بالحسين من أول الأمر ربما يكون من أنواع التأسي المحبوب المقبول بشكل أولى، بل إذا كان بكاء أحد على ميت مواساة لأهله وأداء لحقوقهم لأنه من مظاهر الحزن عليه، فإن الإدماء - الذي هو أظهر مصاديق الجزع المستحب على الحسين (عليه السلام) كما تقدم - أولى بأن يكون أسوة ومواساة ومشمولا بالحديث الذي رواه السيد ابن طاووس في كتابه (المقتل) عن الإمام السجاد (عليه السلام): (أيما مؤمن أذى مسه أذى فينا صرف الله عن وجهه الأذى يوم القيامة وأمنه من النار) (45).

إذن من مجموع الأخبار المتقدمة - وحدها - كفاية للدلالة على رجحان التطبير مواساة للحسين وأصحابه (عليهم الصلاة والسلام) بل مع لحاظ الفارق بين موقف الأنبياء وبين موقف سائر الخلق في إسالة الدم على الحسين (عليه السلام)، ربما يصبح رجحان التطبير من الأوليات، وذلك لأن الأنبياء واسوا الحسين (عليه السلام) بدمائهم قبل الواقعة ونحن نواسيه بعدها، بالإضافة إلى أن دماء الأنبياء أغلى وأهم عند الله من ساير الدماء، ومع ذلك تعد رخيصة في سبيل الحسين (عليه السلام)، فكيف بدمائنا إذن!!

مشاطرة الحسين في المصائب والآلام:

ومن هنا ورد في العديد من الأخبار أدلة على محبوبية مشاطرة الإمام الحسين في كافة مصائبه من الحزن والخوف والجوع والعطش وغيرها.

منها ما جاء في زيارة الناحية الواردة عن مولانا صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يخاطب جده المقتول المظلوم فيقول:

(السلام عليك فإني قصدت إليك ورجوت الفوز لديك السلام عليك سلام العارف بحرمتك المخلص في ولايتك المتقرب إلى الله بمحبتك البراء من أعدائك سلام من قلبه بمصابك مقروح ودمعه عند ذكرك مسفوح سلام المفجوع المحزون الواله المستكين سلام من لو كان معك في الطفوف لوقاك بنفسه حد السيوف وبذل حشاشته دونك للحتوف وجاهد بين يديك ونصرك على من بغى عليك ونصرك وفداك بروحه وجسده وماله وولده. وروحه لروحك فداء وأهله لأهلك وقاء، فلئن أخرتني الدهور وعاقني عن نصرك المقدور ولم أكن لمن حاربك محارباً ولمن نصب لك العداوة مناصباً فلأندبنك صباحا ومساء ولأبكين لك بدل الدموع دما حسرة عليك وتأسفا على ما دهاك وتلهفا حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتياب) (46).

والذي يتأمل في مضامين هذه الكلمات الشريفة علماً بأنها صدرت من إمام معصوم إلى إمام معصوم آخر، يجد في نفسه إن التطبير من أبسط ما يمكن أن يقدمه شيعي محب في سبيل إمامه مواسيا له في عزائه ومصابه. ونحن هنا نلفت نظر القارئ الشريف إلى عدة أمور ونترك جوابها إلى شروح الزيارات وكتب الكلام..

فما معنى أن يقول الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه):

إني قصدت إليك ورجوت الفوز لديك مع أنه إمام معصوم مثله؟

سلام العارف بحرمتك المخلص في ولايتك المتقرب إلى الله بمحبتك؟

سلام من قلبه بمصابك مقروح ودمعه عند ذكرك مسفوح سلام المفجوع المحزون الواله المستكين سلام من لو كان معك في الطفوف لوقاك بنفسه حد السيوف وبذل حشاشته دونك للحتوف وجاهد بين يديك ونصرك وفداك بروحه وجسده وماله وولده.. وروحه لروحك فداء...؟

ولأندبنك صباحا ومساء.. ولأبكين لك بدل الدموع دما... حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتياب؟

أليس كل ذلك مواساة من الإمام الحجة لجده المظلوم العطشان.

ولا أظن أحدا إذا تدبر وتبصر يشك في أن إدماء الرؤوس مواساة للمولى سيد الشهداء (عليه السلام) عمل غير جائز أو ليس بصحيح أو مستحب.

التطبير إحياء لأمرهم(عليهم السلام):

الرابع: ورد في بعض الروايات المعتبرة التأكيد على إحياء أمر أهل البيت وتذكره والتذكير به بل بعض الروايات تضمنت حث الشيعة وتحريكهم نحو هذا العمل، ففي البحار -كتاب العشرة - باب تزاور الأخوان (47).

ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) يخاطب خيثمة... ومن جملة ما يقول:

(..يا خيثمة أبلغ من ترى من موالينا السلام. وأوصيهم بتقوى الله العظيم.. وأن يتلاقوا في بيوتهم فإن لقيا بعضهم بعضا حياة لأمرنا رحم الله عبدا أحيا أمرنا..).

وفي قرب الإسناد الصفحة: (18) والبحار الحديث (18)..

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قائلا لفضيل: (تجلسون وتتحدثون؟ قال: نعم جعلت فداك قال: إن تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا.. فرحم الله من أحيا أمرنا.. يا فضيل: من ذكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كان أكثر من زبد البحر).

وفي أمالي الطوسي الجزء الأول الصفحة: (59) عن العقرقوفي قال: سمعت أبا عبد الله يقول لأصحابه وأنا حاضر (اتقوا الله وكونوا أخوة بررة متحابين في الله متواصلين متراحمين تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا وأحيوا أمرنا).

وفي الخصال الجزء الأول الصفحة: (14) عن خيثمة قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): (تزاوروا في بيوتكم فإن ذلك حياة لأمرنا رحم الله عبدا أحيا أمرنا).

وفي بشارة المصطفى الصفحة: (133) عن معتب مولى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول لداود بن سرحان: (يا داود أبلغ موالي مني السلام وأني أقول: رحم الله عبدا اجتمع مع آخر فتذكر أمرنا فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما وما اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياء لأمرنا وخير الناس من بعدنا من ذاكر بأمرنا وعاد إلى ذكرنا). وغيرها عشرات الروايات التي جاءت في هذا المجال.

والظاهر أن هذه الروايات وأمثالها مطلقة تشتمل كل معاني الإحياء إذ هي تؤكد على ضرورة الإحياء وتدعو لمن قام به بالرحمة ولم تحدد بالخصوص الأساليب والسبل التي يتم بها الإحياء المندوب. ومن الواضح أن من مصاديق أحياء أمرهم (عليهم الصلاة والسلام) مجالس العلم والتفقه، ومنها الشعائر الحسينية ومنها التطبير، كما سنوضح في الاستدلال ولكن قبل ذلك هناك بعض النقاط لا بأس بالإشارة إليها.

الأولى: صحيح أن بعض الروايات قالت: (تزاوروا في بيوتكم) و (تجلسون وتحدثون) مما قد يفهم البعض منها أنها وردت في خصوص المجالس البيتية ونحو ذلك التي اعتاد عليها الشيعة منذ سالف الأزمان إلا أن الظاهر انه لا خصوصية للمجالس البيتية، وإنما الأئمة (عليهم الصلاة والسلام) ذكروا ذلك من باب أجل المصاديق وأظهرها وقد ثبت في الأصول أن بيان المصداق لا يقيد الإطلاق كما لا يخصص العام، خاصة وأن الشيعة - عادة - كانوا في ظروف تقية لا تسمح لهم بإعلان ذلك في الأسواق والطرقات والمحافل العامة، فاضطراراً كانوا يعقدونها في البيوت والمحلات الخاصة حفاظا على أنفسهم وأعراضهم. وأنت إذا راجعت التأريخ وكتب الرجال تتلمس ذلك بوضوح.

إذن أحياء الأمر مطلوب مندوب عند أهل البيت (عليهم السلام) بأي صيغة وفي أي صورة كان، استفادة من إطلاق الروايات، ولعل مما يؤيد ذلك ما جاء في حاشية مقتل المقرم: (عقد المحافل للتذكير بتلك الفاجعة المؤلمة لا يقتصر فيه على ذكرها في البيوت فقط فإنه خلاف إطلاق الأخبار). ففي أمالي الصدوق عن الرضا (عليه السلام): (من ذكر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تعمى العيون).

وهذه الأخبار إلى نظائرها الكثير تحث بعمومها على كل وسيلة يتذكر بها مصاب الحسين أو مصاب أهل البيت (عليهم السلام) سواء في ذلك عقد المأتم أو بذل المال لأجله أو نظم الشعر أو كتابة تلك الفوادح أو تدوينها أو إنشاد ما جرى عليهم أو تصوير تلك الفاجعة أمام الناس بكل مظهر من مظاهره كالتمثيل والتطبير فأن الجامع لهذه الإنحاء قوله (عليه السلام) من ذكر بمصابنا (48).

الثانية: في قوله (عليه السلام): (من ذكرنا) أيضا مطلق يشمل كل أنواع الذكر والتذكير ومما لا شك فيه أن إقامة الشعائر الحسينية ومنها التطبير من أجلى مصاديق ذكرهم والتذكير بهم، فيكون مندوبا ويعد صاحبه من خير الناس من بعد الأئمة (عليهم الصلاة والسلام): (وخير الناس من بعدنا من ذاكر بأمرنا) (49).

الثالثة: في قوله (عليه السلام): (فإن لقيا بعضهم بعضا حياة لأمرنا) و(فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياء لأمرنا) احتمالان:

الأول: انه ظاهر في العلية المعدة بمعنى أنه له ظهور في المقدمية والطريقية أي طريقية الجلوس والتحدث والمذاكرة أحياء أمرهم (عليهم السلام)، بمعنى انه لما كان الجلوس والتحدث والمذاكرة طريقا إلى إحياء أمرهم (عليهم السلام) حث عليه الإمام (عليه السلام).

الثاني: أو أنه ظاهر في العلية التامة المبقية بمعنى أن الجلوس والتحدث والمذاكرة علة تامة مبقية لإحياء أمرهم في مقام العمل ونشر الفقه والأحكام وإظهار الحب والمودة والتبصرة ونحو ذلك منها، إذ لولا هذه المجالس لمحا الطغاة آثارهم (عليهم السلام) كما قد يظهر هذا الاحتمال من عبارة العلامة المجلسي (قدس سره) في تفسير معنى أمرنا. وهناك احتمالات أخرى لا مجال لذكرها.

وقد ثبت في علم الأصول أيضا أن العلة تعمم وتخصص كما لو قال الطبيب لا تأكل الرمان لأنه حامض فإنه لا خصوصية في الرمان حتى يمنع عنه الطبيب وإنما الخصوصية التي استدعت منع الطبيب هي الحموضة، ولهذا فإنه يفهم من كلام الطبيب هذا أن كل حامض لا يصح أكله وان لم يكن رمانا، فهذه جهة التعميم كما يفهم منه أيضا أن الرمان إذا كان حلوا لا بأس بأكله وهذه جهة التخصيص.

وهنا العلة تعمم أيضا لأن الهدف هو الإحياء فأي عمل يتم به الغرض ويتحقق به الهدف يصبح مطلوبا أيضا ونحن بأي احتمال أخذنا يكفي في الدلالة على رجحان التطبير، ولذلك أساليب - سواء بنحو المقدمات والطرق أو العلة المبقية - لأن المهم - أولا وبالذات كما يظهر من الروايات هو أحياء أمرهم ولهذا الأحياء أساليب منها مجالس المذاكرة ومنها مراسم الشعائر كالتطبير والزنجيل واللطم والشبيه ونحو ذلك فتكون كلها مندوبات لأنها أساليب لإحياء أمرهم (عليهم السلام).

إذن يستفاد من إطلاق قولهم (عليهم الصلاة والسلام) (أحيوا أمرنا) جواز بل استحباب أي نوع من أنواع الإحياء بما فيها التطبير، إلا إذا كان هناك دليل على الحرمة ولا دليل يحرم ذلك.

وأما كيفية الاستدلال على الندب في كل ذلك فنقول:

أولا: قولهم (عليهم السلام) (أحيوا أمرنا) صيغة أمر، وقد ثبت أن الأمر ظاهر في الوجوب إلا إذا كانت قرينة على الندب والاستحباب فنحملها عليه. والروايات المتقدمة لا يخلو أمرها من هاتين الحالتين إذ هي أما مجردة عن القرائن فتحمل على الوجوب كما هو الأصل، أو هي كما قال البعض تحمل على الاستحباب لوجود قرائن صارفة عن الوجوب، منها: ظهور الجمل الواردة في الروايات يعطي معنى الاستحباب لا الوجوب.

ومنها قولهم (عليهم الصلاة والسلام): (رحم الله من أحيا أمرنا) فإنه أما بمعنى الدعاء لمن يحيي أمرهم (عليهم السلام). أو هو إنشاء إيجاد وتنزيل للرحمة الإلهية بالفعل لمن يقيم أمرهم ويحييه من باب الولاية التكوينية والتشريعية التي منحها الله سبحانه وتعالى لهم إذ جعل سبحانه أزمة الإعطاء والمنع بأيديهم حتى صاروا (عليهم الصلاة والسلام) مجاري الفيوضات الإلهية وأوعية المشيئة الربانية في الأشياء؛ فهم (عليهم السلام) ينزلون الرحمة على من يحيي أمرهم؛ أو هو إنشاء بلسان الأخبار أي يخبرون عن واقع متحقق وحقيقة موجودة في الكون وهي أن من يحيي أمرهم (عليهم السلام) تتنزل عليه الرحمة إيجادا.

وعلى أي معنى من هذه المعاني الثلاثة حملنا كلام الإمام (رحم الله من أحيى أمرنا) فإنه قرينة على الاستحباب لا الوجوب فتأمل.

وعلى كل حال بأي القولين أخذنا (التجرد من القرينة على الندب) أو (عدمه) فنحمله على الوجوب لا يخلو أمر التطبير من الوجوب أو الندب كما سنوضح.

ماذا يعني أمرنا؟

ثانيا: ما هو المراد من أمرنا؟ احتمالات عديدة أهمها اثنان:

1- أن يكون المراد من (أمرنا) أي حكمنا (فالمراد من الأمر هو الحكم وما بمعناه كالدين والشريعة ونحوه، ويؤيده إن بعض الروايات جاءت في مجالس الذكر والحديث عنهم والتفقه بآدابهم وسننهم وهذا المعنى هو الذي احتمله العلامة المجلسي (قدس سره) في البحار حيث قال لدى شرح هذه الرواية القائلة: (فإن لقيا بعضهم بعضا حياة لأمرنا): (حياة لأمرنا؛ أي سبب لإحياء ديننا وعلومنا ورواياتنا والقول بإمامتنا) (50). وهذا الحمل ظاهر في مجالس الفقه والحديث وأصول الدين وفروعه ونحوه لأن بها إحياء الدين.

2- أن يكون المراد من (أمرنا) هو شأننا وذلك لأنه من معاني الأمر - لغة - الشأن فيكون قولهم (عليهم السلام) (أحيوا أمرنا) أحيوا شأننا. ومن الواضح أن شأنهم (عليهم السلام) عام يشمل كل ما يرتبط بهم من قريب أو بعيد سواء كان في أصول الدين أو في فروعه أو في شعائره ونحوها فيكون هذا المعنى أعم من المعنى الأول.

وبأي الاحتمالين تمسكنا يشمل الشعائر الحسينية ومنها التطبير أيضا، لأن (أحيا أمرنا) إن كان بالمعنى الأول أي إحياء دينهم كما احتمله المجلسي فإن إحياء الدين يتم بأمور واجبة مثل الصلاة والصيام والحج ونحوها كما يتم بأمور مندوبة مثل بناء المساجد والحسينيات وزيارة المراقد المطهرة وإقامة الشعائر الحسينية.

نعم ربما هناك تفاوت وتفاضل في الرتبة إذ أن إقامة الدين وأحياءه يتم بالواجبات أولا ثم بالمندوبات ولكن تفاضل الرتب لا يضر بالرجحان. وأما إذا قلنا أن المراد من (أمرنا) هو المعنى الثاني فشموله للشعائر الحسينية يكون في غاية الوضوح ودلالته على المطلوب أتم (51).

هامة التطبير
19-11-2012, 03:27 AM
ولكن الظاهر أنه يمكن أن نقول انه قد ثبت في أصول الفقه وأصول الدين إن إقامة الدين وإحياء معالمه من الواجبات الشرعية كما في قوله تعالى (أن أقيموا الدين) (52).

كما ثبت أيضا بالدلالة العقلية والنقلية أن أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) هم عين الدين وجوهره الزكي بل لولاهم لما كان الدين.

ومن هذا وذاك يمكن أن نستفيد أن إحياء أمرهم الذي هو الآخر إحياء لنفس الدين وإحياء في بعض مراتبه، وذلك لأن إحياء الدين في بعض مصاديقه واجب مثل بيان العقائد والأحكام ونشرها بين الناس. وبعضها الآخر مستحب مثل المناقب والأخلاق والفضائل.. وبما أن إقامة الدين وأحياءه يتوقف في بعض مصاديقه على الشعائر في الجملة تصبح في الأخرى من الواجبات في الجملة أيضا، ويبقى الباقي تحت عنوان المستحب... ولعل من هنا أفتى بعض الفقهاء الراحلين والمعاصرين بوجوب التطبير العيني أو الكفائي كما سيمر عليك، والله العالم.

وإذا أراد البعض أن يناقش في كل ما تقدم من أدلة على استحباب التطبير ورجحانه الشرعي ولا يرضى بغير جوازه وإباحته فنقول:

حتى لو قلنا بذلك فإنه يبقى لدينا دليل على الاستحباب أيضا.

إذ ورد عنهم (عليهم الصلاة والسلام): (أن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه) (53)، والرخصة في مقابل العزيمة هي الواجبات والمحرمات أما الرخصة فهي المباحات.

فإذا كان العمل بالمباحات هو بنفسه عملا مستحبا من باب أنه حكم الله أيضا فيؤخذ به والله سبحانه أحب أن يؤخذ برخصه فيصبح المباح محبوبا عند الله مندوبا إليه فيدخل العمل المباح حينئذ في حيز المستحبات. وبهذا يصبح التطبير عملا مستحبا أيضا من هذا الباب فتأمل تعرف.

رأيان في وجوب التطبير:

الأول: وربما يستدل لمن قال بوجوب تعظيم الشعائر وإقامتها - في الجملة - بقوله سبحانه: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) (54).

بضميمة قوله سبحانه وتعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) (55).

حيث أن تحصيل التقوى وكسبها يعد من الأمور الواجبة شرعا وذلك لمكان صيغة الأمر في (فاتقوا) الذي قال فيها الأصوليون أنها - أي صيغة الأمر - دالة على الوجوب أو ظاهرة فيه - وكذلك (ما استطعتم) أي التقوى لازمة بمقدار الطاقة والجهد فالمؤمن يجتهد في تقوى الله ما استطاع، فإذا صار تحصيل التقوى من الأمور الواجبة وتعظيم الشعائر الإلهية (كما في منطوق الآية الأولى) من التقوى، يصبح إقامتها وتعظيمها من الأمور الواجبة أيضا.

وإذا أردنا أن نعبر عن المسألة بصيغة منطقية، نشكل قياسا منطقيا من الشكل الأول تعطينا نتيجة وجوب تعظيم الشعائر الإلهية والتي منها الشعائر الحسينية فنقول.

صغرى القياس نستفيدها من الآية الأولى بهذا الشكل:

تعظيم الشعائر من تقوى القلوب. وكبرى القياس نستفيدها من الآية الثانية بهذا الشكل:

وتقوى القلوب واجبة. فتكون النتيجة بهذا الشكل بعد حذف الحد الأوسط: إذن.. تعظيم الشعائر واجب. والقياس يتشكل بهذه الصيغة:

تعظيم الشعائر من تقوى القلوب، وتقوى القلوب واجب، إذن تعظيم الشعائر واجب.

وبما أن تعظيم الشعائر يتم بعوامل وطرق وأساليب لم تتحدد في الآيات الشريفة يصبح هذا التعظيم مطلقا.. بأي صيغة عظمتها يعد أداء للواجب المفروض على العباد. ومما لا شك فيه أن الشعائر الحسينية من وسائل التعظيم للشعائر الإلهية فتصبح واجبة - في الجملة والتطبير من هذه المعظمات إن لم يكن من أرقاها فيصبح واجبا أيضا (56).

الوجوب العيني التخييري:

الثاني: كما قد يستدل لمن قال بوجوب تعظيم الشعائر وإقامتها وجوبا عينيا تخييريا بقوله تعالى في سورة الشورى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور) (57).

وقد اتفق الفريقان - الشيعة والسنة - على أن المقصود من القربى في الآية هم علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم الصلاة والسلام) وأن الحسنة في الآية إنما هي مودتهم وأن الله تعالى غفور شكور لأهل ولايتهم. وهذا عندنا من الضروريات المفروغ عنها، وفيه صحاح متواترة عن أئمة العترة الطاهرة (58).

وفي آية المودة المتقدمة وقعت مودة القربى في حيز الطلب، مما يؤكد أن المودة هي الحب الظاهر لتعلق الأمر به أولاً. وثانياً إن محبة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) الواجبة هي المودة وليس الحب وحده، بمعنى أن الذي يجب على سائر الناس من محبة القربى ومودتهم هو إظهار الحب وإبرازه على جوارحهم ومواقفهم وأفعالهم وذلك بمدحهم والثناء عليهم.

- اتباعهم في مناهج العمل والآداب والسنن.

- الدفاع عنهم ونصرتهم أحياء وأمواتا.

- احترامهم وإجلالهم إحياء أيضا، وحيث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطيبين الأطهرين (عليهم الصلاة والسلام) جعلهم الله قدوة للناس يتأسون بهم في الدين والدنيا جعل الأمر بمحبتهم ومودتهم طريقا إلى الإقتداء والتأسي بهم، لأن دعوة الناس إلى محبتهم وولائهم تكون سببا إلى التفتيش عن موجبات هذه الدعوة وفلسفتها، وفي نهاية المطاف يكون هذا الأمر سببا إلى التفات الناس إلى سجاياهم وأخلاقهم التي تخلق المحبة في قلوب الناس. وبذلك يتضح أن دفع الناس إلى التعرف على عظمة الشخص يحصل بأحد أمرين:

الأول: رفع الستار عن سجاياه الأخلاقية وملكاته الفاضلة ببيان فضائله وهو عمل يوجه الناس إلى القائد بصورة مباشرة.

الثاني: الأمر بحبه ومودته وموالاته ويكون سببا لإقبال الناس عليه والتعرف بالتدريج على مؤهلاته وصفاته وسجاياه.

وعلى هذا الأساس يعتبر الأمر بمودتهم (عليهم السلام) منطلقا للتعريف وأساسا للإتباع ولعل من هنا قال سبحانه: (وما سألتكم من أجر فهو لكم) (59).

إذن، الظاهر أن المقصود من المودة في الآية هو الارتباط، وبالنتيجة: التعرف على المعارف والأصول، وفي مرحلة أخرى الإتباع والاقتداء العملي فيصير طلب المودة نوعا من طلب الإتباع للرسول وكتابه.

قال تعالى:

(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) (60).

ومن كل ما تقدم نفهم:

أن مودة أهل البيت (عليهم السلام) واجبة. والمقصود من المودة هو الحب الظاهر على جوارح الموالين وأفعالهم ومواقفهم.

وبما أن إظهار الحب والموالاة يختلف من إنسان لآخر... ومن مظهر لأخر، يصبح وجوب الإظهار عينياً تخييرياً.

أما عينياً فلأن الجميع مكلف بمودتهم (عليهم السلام) والحسين (عليه السلام) منهم.

بل أن للحسين (عليه السلام) في هذه الآية عناية ربانية خاصة وتأكيدا على الحب والمودة فقد ورد في أمالي شيخ الطائفة (قدس سره) بإسناده إلى ابن عباس قال:

(كنا جلوسا مع النبي (صلى الله عليه وآله) إذ هبط عليه الأمين جبرائيل (عليه السلام) ومعه جام من البلور مملوء مسكا وعنبرا. وكان إلى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي ابن أبي طالب وولداه الحسن والحسين إلى أن قال: فلما صارت الجام في كف الحسين (عليه السلام)، قالت:

(بسم الله الرحمن الرحيم قل لا أسألكم علية أجرا إلا المودة في القربى) (61).

وأما تخييرياً فلأن كل واحد يظهر هذا الولاء والحب بطريقته الخاصة، فبعضهم بواسطة اللطم على أحزانهم وبعضهم البكاء وبعضهم بالإطعام، وبعضهم بالزيارة، وبعضهم بالتطبير وهكذا.

كل يجب عليه إظهار حبه وولائه لأهل البيت، ولكن عليه انتخاب الطريقة التي يريدها، وذلك لأن من شروط المحبة والموالاة الفرح لفرح المحبوب والحزن لحزنه (62) ومما لا شك فيه أن التطبير من أجلى مظاهر إبراز الحب والموالاة بل والمواساة للحسين (عليه السلام) وآل الحسين (عليهم الصلاة والسلام) في جروحهم وآلامهم كما قال الشاعر.

وإن الأولى بالطف من آل هاشم***تآسوا فسنوا للكرام التآسيا

وبذلك يظهر أن التطبير واجب عيني تخييري (63).

هل الضرر يمنع من التطبير؟

أما من يزعم أن التطبير عمل محرم في الشريعة، فالظاهر أنه لم يقم لنا دليلا على حرمته كي نتأمل في صحته وسقمه... ورغم ذلك سنتطرق للضرر بعض الشيء لنرى هل يمكن أن يشمل التطبير في الموضوع أو الحكم أم لا؟

يقول الفقهاء: أن الضرر الذي لا يجوز الإقدام على ارتكابه هو ما لازمه أحد أمور ثلاثة:

الأول: قتل النفس، فإن هذا لا يجوز لأدلة حرمة قتل النفس (64).

الثاني: قطع عضو من أعضائه كأن يقطع يده أو رجله أو يقلع عينه أو يصلم أذنه ونحو ذلك فإن مثل هذا الضرر لا يجوز ارتكابه ومرتكبه يعد عاصيا في الشريعة.

الثالث: أن يشل قوة من قواه على عمل يؤدي إلى فقدان بصره أو فقدان سامعته أو شل يده أو رجله ونحو ذلك. فإن مثل هذه الأعمال التي تؤدي إلى هذه الأضرار محرمة ومرفوعة بدليل (لا ضرر في الإسلام) وأما سائر الأضرار الأخرى التي لا تصل إلى هذا الحد من الضرر فإنها جائزة مباحة في الشريعة بل أحيانا مستحبة كما تقدم.

قال السيد أبو القاسم الخوئي في مصباح الأصول (ج 2 ص 551) أنه يجوز للإنسان أن يضر نفسه (ما عدا القتل وقطع الأعضاء) إذ لا دليل على حرمته.

ننقله (بتوضيح منا):

(التحقيق عدم ثبوت ذلك (أي حرمة الإضرار بالنفس) على إطلاقه. أي حتى في غير التهلكة وما هو مبغوض في الشريعة المقدسة كقطع الأعضاء ونحوه، لأن المتقين من حرمة الضرر في النفس هو ثلاثة فقط هي:

1- قتل النفس فهو حرام.

2- قطع عضو من أعضاء البدن.

3- إسقاط قوة من قوى النفس أو البدن.

فإن العقل لا يرى محذورا في إضرار الإنسان بما له بأن يصرفه كيف يشاء بداع من الدواعي العقلائية ما لم يبلغ حد الإسراف والتبذير، ولا بنفسه بأن يتحمل ما يضر ببدنه فيما إذا كان له غرض عقلائي بل جرت عليه سيرة العقلاء، فإنهم يسافرون للتجارة مع تضررهم من الحرارة والبرودة بمقدار لو كان الحكم الشرعي واجبا لهذا من الضرر لكان الحكم المذكور مرفوعا بقاعدة لا ضرر.

(وكذا النقل لم يدل على حرمة الإضرار بالنفس) انتهى.

والتطبير كما هو معروف مشهور بين الناس لا يلازم أي نوع من هذه الأضرار المتقدمة فلا تشمله أدلة حرمة الضرر بمعنى أن دليل لا ضرر منصرف عن هذه الأضرار الطفيفة التي لا تلازم قتل النفس أو قطع الأعضاء أو إسقاط قواها.

كيف وقد ثبت بالوجدان والمشاهدة والتجارب العديدة المتكررة على مرور الأيام والأعوام أن التطبير يحظى بعناية خاصة من الحسين وأهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) وقد ظهرت من المعاجز والكرامات فيه ما يعجز الكلام عن وصفه وتقصر هذه الوريقات البسيطة على احتوائه، خاصة ونحن على هذه العجالة في الوقت لا مقدور لنا على أن نصفها ونذكرها، ولعل من أجلى المعاجز والكرامات فيه ما يظهر في الضرب القاسي بالسيف المسلول والقامات الحادة على الرأس المحلوق ونزول السيف حتى العظم، فإنه لابد أن يقضي على الإنسان حسب القوانين الطبيعية، كما يؤكده الطب القديم والحديث. ولكننا نرى ألوف المتطبرين يتطبرون صباحا ثم ينظمون أنفسهم في مواكب تطوف في الشوارع والأزقة والطرقات ثم تعود إلى الحمام وتطوف في بقية البلاد مسافات معتد بها في لفح الصيف وعواصف الشتاء ولكن عندما يدخلون الحمام يغسلون رؤوسهم بلا مبالاة طبية ثم يخرجون ويشتركون في مواكب اللطم والسلاسل حتى الليل، ومع ذلك، ومع توفر أكثر الدواعي للانهيارات البدنية ولكن لا يصاب أحدهم بمكروه.

ولئن سقط أحدهم حين الضرب لكثرة نزف الدماء وتغلب الضعف عليه فسرعان ما ينهض ويواصل دوره في موكب التطبير وبقية المواكب. يقول بعض الأعلام في هذا المجال:

(وإنني شخصيا لم أسمع برجل سقط فمات إلا وتتبعته فإذا به يمشي في الشوارع ويلعن أعداءه الذين أشاعوا موته كذبا) (65).

ويقول الإمام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء (قدس سره) في كتابه الآيات البينات الصفحة (18):

(لا ريب أن جرح الإنسان نفسه وإخراج دمه بيده في حد نفسه من المباحات الأصيلة ولكنه قد يجب تارة وقد يحرم أخرى وليس وجوبه أو حرمته إلا بالعناوين الثانوية الطارئة عليه وبالجهات والاعتبارات فيجب كما لو توقفت الصحة على إخراجه كما في الفصد والحجامة وقد يحرم كما لو كان موجبا للضرر والخطر من المرض أو الموت وقد تعرض له جهة تحسنه ولا توجبه. وناهيك بقصد مواساة أهل الأباء وخامس أصحاب العباء وسبعين باسل من صحبه وذويه حسبك بقصد مواساتهم وإظهار التفجع والتلهف عليهم وتمثيل شبح من حالتهم مجسمة أمام عيون محبيهم ناهيك بهذه الغايات والمقاصد جهات محسنة وغايات شريفة..

أما لو ترتب الضرر أحيانا بنزف الدم المؤدي إلى الموت أو المرض المقتضي لتحريمه فذاك كلام لا ينبغي أن يصدر من ذي لب فضلا عن فقيه أو متفقه..

أما أولا: فلقد بلغنا من العمر ما يناهز الستين وفي كل سنة تقام نصب أعيننا تلك المحاشد الدموية وما رأينا شخصا مات بها أو تضرر، ولا سمعنا به في الغابرين.

وأما ثانيا: فتلك الأمور على فرض حصولها إنما هي عوارض وقتية ونوادر شخصية لا يمكن ضبطها ولا جعلها مناطاً لحكم أو ملاكا لقاعدة وليس على الفقيه إلا بيان الأحكام الكلية أما الجزئيات فليس من شأن الفقيه ولا من وظيفته والذي علينا أن نقول: إن كل من يخاف الضرر على نفسه من عمل من الأعمال يحرم عليه ارتكاب ذلك العمل.

وقال العلامة الشيخ إبراهيم مظفر (قدس سره) في (نصرة المظلوم) الصفحة (10) رداً على مزاعم البعض الذين يقولون بموت بعض المتطبرين:

(وهنا ربما ينبري بعض... ليقول: إنه مات من (المطبرين): بعضهم في مواكب التطبير، لكنها فرية بلا مرية فإني منذ أدركت لليوم ما رأيت ولا سمعت أن واحدا مات بذلك في أي سنة وأي بلدة فضلا عن جماعة في كل سنة ولقد سألت كثيرا ممن جاوز السبعين والثمانين من سني عمره من ثقاة أهل النجف وكربلاء والكاظمية وغيرهم من علماء البلدان وصلحائهم وكل أنكر أن يكون رأي أو سمع أن واحدا من أولئك تألم ألما يوجب مراجعة الجراح كيف وأغلب أفراد مواكب السيوف يجرحهم كبراؤهم بسكين دقيقة جروحا خفيفة يظهر منها الدم بواسطة الضرب على الرأس لا بالجرح بمجرده من دون أن يحصل لهم إيلام مزعج لأن غرضهم صوري وهو البروز بصورة التقتيل والجريح).

وفضلا عن كل ذلك فقد نقل الثقاة أن عدة من مراجعنا العظام (قدس الله أسرارهم) كانوا يرون وجوب التطبير عينا وبعضهم كفاية كالشيخ المامغاني (قدس سره) حيث كتب رسالة خاصة في وجوب التطبير وكان في كل يوم عاشوراء هو وكل مقلديه يتطبرون..

وكذلك المولى الدربندي صاحب أسرار الشهادة وكان من مراجع التقليد في كربلاء المقدسة المعاصرين للشيخ الأنصاري فكان يفتي بوجوب التطبير ويتطبر هو ومقلدوه في كل عام.

وغيرهم من علماء السلف.. كما أن العديد من علماء اليوم أيضا يفتون بوجوبه وهم عملاً يمارسون هذه الشعيرة العظيمة. ولو كانوا يرون إضرار النفس عملا محرما في الشريعة لما أفتوا بوجوبه ولما عملوا به أيضا..

كما أن بعض الأطباء عقدوا في الحسينيات التي يقام فيها التطبير ندوة طبية في هذا الشأن بعد إجراء عمليات اختبار عديدة على المتطبرين ودمائهم وحتى السيوف والقامات التي يضرب بها المواسون للحسين رؤوسهم فلم يتمكنوا من تفسير عدم التلوث والإصابات المرضية عند المتطبرين إلا بالمعجزة. حتى قال بعضهم (إن هذه الظاهرة لا يتمكن الطب الحديث أن يجد لها تفسيرا صحيحا سوى الغيب). إذن.. إن وجود هذه المعجزة البينة في موكب التطبير يكشف عن أن الإمام الحسين (عليه السلام) يوليه عناية خاصة وكفاه دليلا على الرجحان.

أهل البيت (عليهم السلام) يقدمون على الضرر:

وأخيرا نقول حتى لو كان التطبير يقترن ببعض الأضرار التي قد يعتد في بعض مراتبها العقلاء مما قد يتوهم أنها مشمولة بأدلة حرمة الضرر، إلا أن الظاهر من سيرة العقلاء في تمشية أمور معاشهم ومعادهم أنهم يقدمون على ارتكاب بعض الأضرار إذا كانت تتزاحم بمصلحة أهم أو يحصلون من وراء الوقوع في الضرر مصالح أخرى يمكن أن تعوض عن خسارات الأضرار. وكما يبدو أن هذه السيرة يقبلها أي عاقل إذا رجع إلى وجدانه. فمثلا: نجد أن العقلاء يقدمون على إجراء العديد من العمليات الجراحية في سبيل اجتثاث بعض الأمراض من أبدانهم مع علمهم أحيانا أن احتمال الموت فيها 50% أو أكثر الأحيان يقدمون على هذه الأضرار البدنية مع علمهم بعدم خطورة المرض ولكنهم يفضلون الإقدام على العملية من اجل أن يتمتع المريض بعدها بصحة أفضل وجسم أسلم.

كما أن أصحاب التجارات يقدمون على ارتكاب أشق الأعمال وأهولها في سبيل نيل المكاسب وزيادة الأرصدة المالية وتقديم تجارتهم إلى الإمام وهكذا.

أقول: إذا كان الإقدام على ارتكاب بعض الضرر من أجل أمور الدنيا مقبولا عند العقلاء معمولا به بل مندوبا من أجل مصالح أهم..

فالإقدام عليه من أجل الأجر الأخروي يكون بشكل أولى محبوبا ومقبولا عندهم من أجل مصالح أهم، وقد ثبت أن مصالح الآخرة لا تعدلها مصلحة، وفوائدها لا يقوم مقامها شيء من فوائد الدنيا.

ومن هنا نجد أن سادات الشريعة (محمد وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام) وهم أقرب الناس عند الله سبحانه وتعالى كانوا يقومون ببعض الأعمال العبادية المستحبة التي تعود عليهم بالأضرار من أجل إظهار العبودية والتذلل والتقرب أكثر إلى ربهم سبحانه.

جاء في تفسير الصافي للفيض الكاشاني (قدس سره) عند تفسير قوله تعالى (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) (66):

(وأما طه فاسم من أسماء النبي (صلى الله عليه وآله) ومعناه يا طالب الحق الهادي إليه…

ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى؛ كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا صلى قام على أصابع رجليه حتى تورم فأنزل الله تبارك وتعالى طه (67).

والظاهر أن هذا المعنى مما اتفقت عليه كلمة المفسرين المسلمين بل قامت عليه الأخبار أيضا، ففي الكافي عن الباقر (عليه السلام) قال:

(كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند عائشة ليلتها فقالت: يا رسول الله لم تتعب نفسك وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا عائشة أولا أكون عبدا شكورا؟ قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقوم على أطراف أصابع رجليه فأنزل الله سبحانه طه ما أنزلنا…(68)، والشقاء هو الشدة والعسر.

وأيضا جاء في تفسير قوله تعالى في سورة المزمل خطابا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك) (69):

إن رسول الله والإمام أمير المؤمنين والصديقة الطاهرة وبعض الخواص من أصحاب رسول الله كانوا يقومون الليل بالعبادة حتى انتفخت أقدامهم...(70).

كما ورد في بعض الروايات فضل الحج إلى بيت الله الحرام مشيا على الأقدام وعمل الأئمة (عليهم السلام) به ففي الوسائل عن الحلبي قال:

(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فضل المشي فقال: الحسن بن علي (عليهما السلام) قاسم ربه ثلاث مرات حتى نعلا ونعلا وثوبا ثوبا ودينارا دينارا وحج عشرين حجة ماشيا على قدميه) (71).

وعن الصادق عن آبائه (عليهم السلام):

(إن الحسن بن علي (عليهما السلام) كان أعبد الناس وأزهدهم وأفضلهم في زمانه وكان إذا حج حج ماشيا ورمى ماشيا وربما مشى حافيا) (72).

وفي خبر آخر:

(وكان الحسين بن علي (عليهما السلام) يمشي إلى الحج ودابته تقاد وراءه) (73).

أقول: وعمل الأئمة (عليهم الصلاة والسلام) هذا لم ينحصر في مجال الحج بل في أكثر عباداتهم وأعمالهم كانوا يضغطون على أنفسهم الطاهرة في الجوع والعطش وقيام الليل ولبس الخشن والحج ومشيا بل حفاة من أجل التقرب إلى الله سبحانه ونيل الزلفة لديه، وقد ورد في بعض الأخبار (أن أفضل الأعمال أحمزها) (74) (وأن الأجر على قدر المشقة) (75) وسيرتهم معروفة مشهورة في كتب التاريخ فراجع.

أضرار في مصائب الحسين (عليه السلام):

وأما بالنسبة للحسين (عليه الصلاة والسلام) فهناك جهتان:

الأولى: جاء في بعض التواريخ والروايات أيضا أن أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) كانوا يضرون أنفسهم في مصاب سيد الشهداء (عليه السلام) من خمش الوجوه ولطمها وتقريح الأجفان ونحوها وقد تقدم عديد منها.. ونقل السيد ابن طاووس في اللهوف عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) هذه الرواية.

قال (76) (روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال أن زين العابدين (عليه السلام) بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله فإذا حضر الإفطار وجاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه فيقول: كل.. يا مولاي..

فيقول: قتل ابن رسول الله (صلى الله عليهما) جائعا قتل ابن رسول الله (صلى الله عليهما) عطشان فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبتل طعامه من دموعه ثم يمزج شرابه بدموعه فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل).

(وحدث مولى له أنه برز يوما إلى الصحراء قال: فتبعته فوجدته قد سجد على حجارة خشنة فوقفت وأنا أسمع شهيقه وبكاءه وأحصيت عليه ألف مرة يقول: لا إله إلا الله حقا لا إله ألا الله تعبدا ورقا لا إله إلا الله إيمانا وتصديقا صدقا..

ثم رفع رأسه من سجوده وإن لحيته ووجهه قد غمرا بالماء من دموع عينيه..

فقلت: يا سيدي أما آن لحزنك أن ينقضي ولبكائك أن يقل؟ فقال لي: ويحك أن يعقوب بن إسحاق كان نبيا ابن نبي له اثنا عشر ابنا فغيب الله واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغم وذهب بصره من البكاء وابنه حي في دار الدنيا.. وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي؟!) (77).

أقول: معلوم كم في البكاء ولمدة أربعين سنة متواصلة مقرونة بالصيام في النهار والقيام في الليل من الأذى والجهد والمشقة على البدن والنفس، ومع ذلك كان الإمام المعصوم (عليه السلام) يواصل العمل بها حتى ألحق بربه.. هذا أولا..

وثانيا.. كما يظهر من الرواية وكلمة الإمام (عليه السلام) عند الإفطار وإحضار الطعام أنه كان يريد من الصيام - بالإضافة للعبادة - مواساة والده وأخوته وعمومته في جوعهم وعطشهم في صحراء كربلاء، حيث كان يمزج طعامه وشرابه بدموع عينيه ويقول: قتل ابن رسول الله جائعا.. قتل ابن رسول الله عطشانا. ويؤكد هذا ما في الرواية الثانية حيث خرج الإمام (عليه السلام) إلى الصحراء يسجد هناك وعلى حجارة خشنة، إذ لولا أنه يريد المواساة وتعريض نفسه لأوضاع قد تشابه أوضاعهم في ما لاقوه من مشاق وهم عراة مطرحين على الرمضاء تصهرهم حرارة الشمس وتؤذيهم أشواك الأرض وأحجارها، لما أقدم على ذلك ويؤيده بكاؤه ونحيبه (عليه السلام) وجوابه لمولاه عندما سأله فإنه (عليه السلام) ربط بكاءه بقضية الحسين وما دهاهم من مصائب وآلام، ومقارنته لقضيتهم بقضية يوسف الصديق (عليه الصلاة والسلام).

كما روى السيد ابن طاووس أيضا (78) حادثة جرت مع أهل البيت في الكوفة قد تشبه ذلك قال: (وخطبت أم كلثوم بنت علي (عليه السلام).. رافعة صوتها بالبكاء... فقالت:

يا أهل الكوفة سوءة لكم ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه وانتهبتم أمواله وورثتموه وسبيتم نساءه ونكبتموه؟ فتبا لكم وسحقا.. قتلتم خير رجالات بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ونزعت الرحمة من قلوبكم ألا إن حزب الله هم الفائزون وحزب الشيطان هم الخاسرون ثم قالت - من ضمن ما قالت:

وأني لأبكي في حياتي على أخي***على خير من بعد النبي سيولد

بدمع غزير مستهل مكفكف***على الخد مني دائما ليس يجمد

قال الراوي فضج الناس بالبكاء والنوح، ونشر النساء شعورهن ووضعن التراب على رؤوسهن وخمشن وجوههن وضربن خدودهن ودعون بالويل والثبور.. وبكى الرجال ونتفوا لحاهم فلم ير باكية وباك أكثر من ذلك اليوم).

ومن الواضح أن هذه الحادثة وقعت بمرأى ومسمع من الإمام المعصوم زين العابدين (عليه السلام) وكان فيها خمش للوجوه وضرب على الخدود.. ونتف اللحى من قبل الرجال..

وكل هذه فيها الآلام والأضرار وخاصة - خمش الوجوه ونتف اللحى - بل وأحيانا يلازمها الإدماء ومع ذلك لم يردع عنها الإمام (عليه السلام) بل أقره وسكت عليه، هذا من الجهة الأولى.

هامة التطبير
19-11-2012, 03:27 AM
وفي زيارة الحسين (عليه السلام) أيضا:

وأما الثانية: فقد قامت عندنا مجموعة كبيرة من الروايات المعتبرة على استحباب زيارته حتى إذا خاف الإنسان الضرر أو كان في ظرف التقية، بل أفتى بعض العلماء بوجوبها كالمجلسي (قدس سره) في مزار البحار والشيخ خضر بن شلال (قدس سره) في أبواب الجنان كما عقد الحر العاملي (قدس سره) في الوسائل بابا خاصا أسماه (باب تأكد استحباب زيارة الحسين بن علي (عليهما السلام) ووجوبها كفاية).

وعلى أية حال يتأكد هذا الاستحباب إذا كان الذهاب إلى الزيارة مشيا على الأقدام. مما يؤكد أن الشريعة الطاهرة وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) أولوا الحسين (عليه السلام) وما يرتبط به من زيارة ومآتم ونحوها عناية فائقة خاصة لا يقوم مقامها شيء كما تقدمت كلماتهم (عليهم السلام) فيما مر عليك سابقا.

ففي الخبر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

(مروا شيعتنا بزيارة الحسين (عليه السلام) فإن إتيانه مفترض على كل مؤمن يقر للحسين بالإمامة من الله عز وجل) (79).

وفي خبر آخر أيضا قال:

(مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين (عليه السلام) فإن إتيانه يزيد في الرزق ويمد في العمر ويدفع مدافع السوء وإتيانه مفروض على كل مؤمن يقر للحسين بالإمامة من الله) (80).

والروايات في هذا المجال عديدة وأيضا هناك روايات أخرى تقول باستحباب تفضيل زيارة الحسين (عليه السلام) على الحج والعمرة المندوبين.

وأخرى تقول بأن ثواب زيارته (عليه السلام) تعادل ثواب عتق الرقاب والجهاد في سبيل الله، ذكرها الحر العاملي (قدس سره) في مزار الوسائل.

وأخرى تقول بأن ثواب زيارته (عليه السلام) تعادل ثواب عتق الرقاب والجهاد في سبيل الله، ذكرها الحر العاملي (قدس سره) في مزار الوسائل.

وفي روايات معتبرة وعديدة أيضا إن زيارة الحسين (عليه السلام) في حال الخوف والضرر مندوبة أيضا وفيها الثواب والأجر الجزيل..

فعن ابن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له:

(إن قلبي ينازعني إلى زيارة قبر أبيك وإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتى أرجع خوفا من السلطان والسعاة وأصحاب المصالح فقال: يا ابن بكير أما تحب أن يراك الله فينا خائفا؟

أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظله الله في ظل عرشه؟

وكان يحدثه الحسين (عليه السلام) تحت العرش وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة. يفزع الناس ولا يفزع فإن فزع وقرته الملائكة وسكنت قلبه البشارة) (81).

وعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل قال:

(قال لي هل تأتي قبر الحسين (عليه السلام) قلت: نعم على خوف ووجل فقال: ما كان من هذا أشد فالثواب فيه على قدر الخوف، ومن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم يقوم الناس لرب العالمين وانصرف بالمغفرة وسلمت عليه الملائكة وزاره النبي (صلى الله عليه وآله) وانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء وأتبع رضوان الله) (82) الحديث.

وحتى لو يركب البحر من أجل زيارة الحسين وخشي الضرر أو الموت بل حتى لو غرق فعلا ومات، فإن روايات أهل البيت (عليهم السلام) يؤكد على استحبابها بل أعطوا (عليهم السلام) لمن يصاب بذلك ضمانا بدخول الجنة، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) سأل بعض أصحابه: (تزورون الحسين وتركبون السفن قلت: أما تعلم إنها إذا تكفلت بكم نوديتم ألا طبتم وطابت لكم الجنة) (83).

استحباب زيارة الحسين (عليه السلام) حتى مع الضرر:

وأنت إذا تأملت في جملة ما جاء في الحسين (عليه السلام) وزياراته تجد أن زيارته مقدمة حتى على الحج الشرعي الواجب في الجملة وذلك لأن الحج إنما يجب على الإنسان الإتيان به إذا تحققت عنده شرائطه، ومن أوليات شرائطه تحقق الاستطاعة بأقسامها الأربعة، الاستطاعة المالية، والزمانية، والبدنية، والسربية - أي أمان الطريق وارتفاع موانعه.

فإذا لم تتحقق واحدة من هذه الاستطاعات الأربع يسقط فرض الحج عن المكلف بالرغم من أهميته الشديدة في الإسلام، بينما نجد أن زيارة الحسين تعد مندوبة بل أحيانا واجبة حتى إذا افتقد الإنسان كل هذه الاستطاعات بما فيها الاستطاعة البدنية (أي الصحة) لورود الأخبار باستحباب مواساته وزيارته في الجوع والعطش ونحوه وتقدم بعضها.

وكذلك الاستطاعة السربية لورود الأخبار أيضا باستحباب زيارته حتى في حالة الخوف بل الوقوع في الخوف والضرر أيضا بينما يسقط الحج في حالة خوف الضرر وان لم يقطع بوقوع الحاج في الضرر.

كل ذلك لما للحسين (عليه السلام) والاهتمام بشؤونه من زيارة ومآتم ومواساة وإظهار جزع وتفجع ونحوها مما يقام في مراسم الشعائر الحسينية من أعمال وخدمات من دور وأهميته في إحياء الدين وتقوية شريعة سيد المرسلين (عليه الصلاة والسلام) كما عبر عنه العلماء.

ولذا يقدم استحبابها على الأضرار التي تنجم عنها... كل ذلك لتدارك هذا الضرر الحاصل بمصالح الزيارة الأكثر والأهم على الشخص وعلى المجتمع كما لا يخفى على كل ذي لب راجح (84).

أقول: إذا كانت زيارته (عليه السلام) مستحبة حتى مع الوقوع في الضرر بل وانكفاء السفينة في البحر، فكيف بالتطبير الأخف منه بكثير وكثير؟!

إذن... من كل ما تقدم نفهم، أن سيرة العقلاء المدعومة بسيرة رسول الله والأئمة الطاهرين (عليهم الصلاة والسلام) قائمة على ارتكاب بعض الأضرار من أجل مصالح أهم وأكبر وأعظم في الدنيا أو في الآخرة.

ومما لا شك فيه أن أهمية الشعائر الحسينية ودورها الكبير في بناء الدين وإحياء الشريعة مما لا ينكر، بل يعدها الغربيون وبعض أعداء الدين من أهم المسائل التي تؤدي إلى نشر الدين في الشعوب غير المسلمة كما سنوضحه إن شاء الله.

هذا فضلا عن المقام المعنوي الرفيع ودرجة القرب الذي يحصله الحسيني المحب في خدماته بعزاء الحسين ولطمه وبكائه وتطبيره وكل ما يمت إلى الحسين بصلة عند الله وعند أهل البيت (عليهم السلام) وخاصة الصديقة الطاهرة كما في روايات عديدة وأدلة قاطعة ذكرت في محلها، مما يضمحل ضرر شق الرأس أو إسالة الدم حتى لو كان معتدا به في الجملة أمام هذه الفضائل والقربات والثواب الجزيل، بل إن بعض فقهاؤنا العظام (قدس الله أسرارهم) ذهب إلى أبعد من ذلك وقال إن الضرر الذي يتدارك بمصلحة دنيوية أو دينية لا يسمى ضرارا أصلا. وبذلك يصبح التطبير في مقابل ما يعود على الإنسان من نفع دنيوي في الصحة البدنية لما تقدم في حجامة الرأس، ونفع أخروي من ثواب وقربات عند الله لا يعد ضررا فيرتفع ما يمكن أن يستدل به على الحرمة من رأس.

قال المولى أحمد النراقي (قدس سره) في (عوائد الأيام) الصفحة: 23 - لدى حديثه عن قاعدة (لا ضرر) – ما يلي:

(إن صدق الضرر عرفا هو إذا كان النقصان ما لم يثبت بإزائه عوض مقصود للعقلاء يساويه مطلقا وأما مع ثبوت ذلك (أي العوض) بازائه فلا يصدق الضرر أصلا سيما إذا كان ما بازائه أضعافا كثيرة له وخيرا منه بكثير. ولا شك أن كل ما أمر به من التكاليف الموجبة لنقص في المال من الخمس والزكاة والحج والصدقة وإنفاق العيال وأمثالها مما يثبت بإزائها أضعاف كثيرة في الآخرة (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له) (85) (ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة) (86) الآية و(مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء) (87) بل في كثير منها وعد العوض في الدنيا أيضا وكيف يكون مثل ذلك ضررا إلا عند من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر.

ولو قال رجل يظن صدق وعده أن من أعطى عبدي شيئا أعوضه ضعفه فأعطى رجل عبده لا يقال أنه أضر بنفسه فكيف في حق لا خلف لوعده ولا كذب في قوله (الله سبحانه وتعالى) انتهى.

وفي القواعد الفقهية أيضا ذكر السيد البجنوردي هذا الأمر كأحد الاحتمالات المستفادة من قاعدة (لا ضرر) حيث قال (88).

ان مفادها نفي الضرر المتدارك بمعنى أن الشارع ينهى عن الضرر غير المتدارك وتقريبه: بأن يكون الضرر المتدارك في حكم العدم ولا يراه الشارع ضررا كما هو كذلك عند العرف والعقلاء فنفي الضرر المطلق (في لا ضرر) يرجع إلى نفي الضرر غير المتدارك بمصلحة أو فائدة أهم أو أكبر) انتهى بتوضيح قليل منا.

ومن كل ما تقدم ظهر أن قاعدة (لا ضرر) لا يمكن التمسك بها لمنع التطبير أو تحريمه لقصورها عن شمول مثل التطبير، وعلى فرض شمولها فإنها مخصصة ببناء العقلاء وسيرتهم أو مزاحمتها فائدة دنيوية وأخروية أهم.. بحيث لا يمكن أن تقف أمام مصلحة التطبير واستحبابه، والله العالم.

فالتطبير إذن.. مباح ذاتا ومستحب عرضا تأسيا بالحسين ومواساة له (عليه السلام) أولا، ولسائر الأدلة الأخرى التي ذكرت دليلا على الاستحباب، والله العالم.

====

مصادر البحث:
1-الوسائل الباب 4 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.
2- الوسائل باب 12 من أبواب صفات القاضي الحديث 60.
3- هناك احتمال ثالث في المراد من قوله (عليه السلام): (كل شئ مطلق) هو أن يكون المراد منه معنى الإطلاق اللغوي وهو الإرسال وعدم التقييد في مقابل المنع والحرمان وهو اعم من الحلية المستفادة من الدليل والحلية المستندة إلى إصالة الحل. وواضح أن هذا الاحتمال أيضاً يدل على المطلوب كالاحتمالين الأولين.
4- راجع رسائل الشيخ الأنصاري ص 202 ص 203.
5- المصدر السابق.
6- البحار ج 45. تاريخ الحسين بن علي (عليهما السلام) باب الوقائع المتأخرة عن قتله (عليه السلام) ص 114 ص 115.
7- السبح المعرب شبه وهو حجر أسود شديد السواد براق وله فوائد طبية. وأما النصل والانتصال فهو خروج اللحية من الخضاب ومنه لحيته ناصل.
8- ولعله (الرمح تلعب به) والله العالم.
9- وراجع أيضاً كتاب زينب الكبرى للعلامة المحقق الشيخ جعفر النقدي ص 112.
10- راجع نصرة المظلوم ص 18.
11- الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 31.
12- راجع الكافي باب ما أعطي الأئمة (عليهم السلام)من اسم الله الأعظم.
13- البحار ج 45. تاريخ الحسين بن علي باب الوقائع المتأخرة عن قتله ص 137 ص 138.
14- راجع كتاب زينب الكبرى للعلامة الشيخ جعفر النقدي ص 35.
15- أنظر المصدر / طبعة البحرين / ج 3 ص 331 ص 333.
16- نقلها في البحار نقلاً عن المفيد والمرتضى وبن طاووس وصاحب المزار الكبير (قدس الله أرواحهم) راجع كتاب المزار باب كيفية زيارته يوم عاشوراء ص 165 إلى 171. ومزار البحار باب كيفية زيارته (صلوات الله عليه) يوم عاشوراء ص 317 ص 328.
17- راجع كامل الزيارات ص 78. ونقله العلامة المجلسي في البحار ج 45 ص 225.
18- راجع التفسير الكبير لدى الآية: 106 من سورة هود في المجلد السابع ص 62. وراجع أيضاً مجمع البيان للطبرسي.
19- راجع أحسن الجزاء السيد محمد رضا الحسيني الأعرجي ج 2 ص 138.
20- راجع المقتل للمقرم ص 222.
21- راجع المقتل للمقرم ص 222.
22- راجع الخصائص الحسينية للتستري القصد الثالث الصراخ والنحيب القسم الثالث. وراجع أيضاً كامل الزيارات ص 84. ونقله العلامة المجلسي في البحار ج 45 ص 219.
23- راجع الملهوف ص 229 طبعة دار الأسوة الطبعة الأولى.
24- راجع مقتل المقرم ص 223.
25- البحار ج 45. تاريخ الحسين بن علي باب الوقائع المتأخرة عن قتله ص 147.
26- راجع وسائل الشيعة ج 15 ص 583 نقلا عن تهذيب الطوسي.
27- كامل الزيارات بن قولويه ص 175 الباب 71.
28- كامل الزيارات بن قولويه باب 88 ص 261.
29- راجع المصدر ص 8.
30- الوسائل (طبعة آل البيت) ج 17 ص112 باب 13، البحار (طبعة إيران) ج 62 ص 129.
31- مستدرك الوسائل ج 13 باب 11 ص 86، والبحار (طبعة إيران) ج 62 ص 134.
32- البحار (طبعة إيران) ج 62 ص 112 باب 54 رواية 13.
33- البحار ذات الطبعة ج 62 ص 112 باب 54 رواية 13.
34- البحار راجع المصدر.
35- راجع البحار ج 62 ص 138 ص 172.
36- وبعضهم قال بوجوبها.
37- سورة الحج: الآية 32.
38- تصنيف غرر الحكم ص 117 الطبعة الأولى. وبحار الأنوار ج 44 ص 287. كما ورد عن الصادق (عليه السلام) قال: شيعتنا منا وقد خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بنور ولايتنا ورضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة يبكيهم مصابنا ويحزنهم حزننا ويسرهم سرورنا ونحن أيضاً نتألم بتألمهم ونطلع على أحوالهم فهم معنا لا يفارقونا ونحن لا نفارقهم ... اللهم إن شيعتنا منا. فمن ذكر مصابنا وبكى لأجلنا إستحى الله أن يعذبه بالنار: راجع الطريحي ص 268 ص 229.
39- كامل الزيارة ص 81. ونقله في البحار ج 45 ص 207.
40- المصدر السابق.
41- المصدر السابق.
42- راجع وسائل الشيعة ج 2 ص 909 وفي الباب حديث آخر وروى مثله آخرون عن أنبياء آخرين ... كما أورد بن قولويه في كتاب الزيارة في ص 67 والباب الذي قبله وبعده روايات أيضاً مناسبة فراجع. وأيضاً راجع علل الشرائع ج 1 ص 73.
43- البحار ج 27 باب 9 ص 217 الحديث.
44- وفي نهج الفصاحة ص 543 الحديث 2626 (ما أوذي أحد ما أُذيت في الله).
45- راجع البحار أيضاً ج 44 ص 281 الحديث 13 طبعة بيروت.
46- راجع مزار البحار باب زيارته صلوات الله عليه يوم عاشوراء ص 317 ص 328. وتحفة الزائر ص 355 نقلا عن المفيد.
47- البحار كتاب العشرة ص 343 حديث 2 باب تزاور الإخوان.
48- مقتل المقرم ص 95 ص 96 بتصرف قليل.
49- تقدمت أسماء مصادرها.
50- راجع البحار كتاب العشرة باب تزاور الإخوان ج 2 ص 343.
51- هناك احتمال ثالث في معنى (أمرنا) وهو أمر الفرج وظهور مولانا صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه) كما في بعض الأخبار، إلا أن الظاهر أنه من باب بيان المصداق لوضوح أن أمرهم أعم من الفرج والظهور وإطلاق (أمرنا) يشير إلى إحياء أمرهم مطلقاً ...
52- سورة الشورى: الآية 13.
53- راجع البحار ج 66 الباب 38 ص 360 ط بيروت.
54- سورة الحج: الآية 32.
55- سورة التغابن: الآية 16.
56- استفدنا هذه المعاني بجمع تفسير الآيتين الواردة في التفاسير التالية: 1- مجمع البيان. 2- التفسير الكبير. 3- تفسير الصافي. 4- نور الثقلين. 5- تقريب القران إلى الأذهان. 6- الميزان ... فراجع.
57- سورة الشورى: الآية 23.
58- راجع الفصول المهمة للإمام شرف الدين ص 218 ط قم.
59- سورة سبأ: الآية 47.
60- سورة آل عمران: الآية 31.
61- راجع تفسير نور الثقلين ج 4 ص 574.
62- راجع المجالس السنية للسيد محسن الأمين ج 4 ص 262.
63- راجع أصول المظفر ج 1 الواجب التخييري.
64- أولاً يخفى أنه قد ورد في القرآن الكريم صحة التعبد بالقتل ونيل القربة إلى الله عز وجل بقتل النفس مما يشير إلى صحة أن يجعل الله سبحانه القتل نوعاً من العبادة الداعية إلى غفران الذنوب وتكفير السيئات. ولا يقال أن هذا إلقاء للنفس بتهلكة وهو محرم بنص الآية الشريفة: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)[سورة البقرة: الآية 195]. فالجواب هو أولاً: إن التهلكة ما يصير عاقبته إلى الهلاك، والهلاك هو ضياع مصير الشيء بحيث لا يدري أين هو؟ ومنه يقال للكافر هالك (مجمع البيان ج 1 ص 288 تفسير الآية 195 من سورة البقرة) ومن الواضح أن الذي يقتل نفسه عبادة لله سبحانه وتقربا إليه يدري أين هو ويعرف مصيره فلا يسمى تهلكة بذلك يخرج القتل التعبدي عن معنى التهلكة موضوعا.

ثانياً: على فرض أنه تهلكة موضوعا فإن التهلكة المنهي عنها يراد منها كل ما يوجب الهلاك من إفراط وتفريط ولا يتخصص بالقتل بل يشمل حتى إنفاق الأموال كما جاء في الآية الشريفة ( وأنفقوا في سبيل الله وتلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وكذلك أداء الوظائف ونحوها. ومن الواضح أن الذي يقتل نفسه في سبيل الله لا يعد إفراطاً ولا تفريطاً وإلا لكان الجهاد في سبيل الله والقتل والقتال في نصرة دينه التهلكة !! وهذا مالا يقره القرآن والشرع الحكيم بالإضافة إلى حكم العقلاء. أما صحة كون قتل النفس نوعا من العبادة وكفارة للذنوب فقد جاء في قوله تعالى: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم)([سورة البقرة: الآية 45]. وراجع تفسير مجمع البيان والصافي والقمي في بيان معناها ودلالتها على صحة التعبد بالقتل. وراجع الميزان ج1 ص 190 ص 191. فقد نقل بعض الروايات عن قتل بني إسرائيل لأنفسهم). حيث جعلت الآية قتل النفس طريقا للتوبة ورضا الله سبحانه وتعالى. وقد وردت روايات عديدة تبين أن المراد من عدم إلقاء النفس في التهلكة لا يشمل موارد القتل في سبيل الله سبحانه فقد ذكر صاحب المقتل المروي عن مولانا الصادق (عليه السلام) في تفسير آية التهلكة ما يليق بالعقل: (فروى عن أسلم قال غزونا نهاوند وقال غيرها واصطفينا والعدو صفين لم أر أطول منها وأعرض والروم قد ألصقوا ظهورهم بحائط مدينتهم فحمل رجل منا على العدو فقال الناس: لا إله إلا الله فألقى نفسه إلى التهلكة. فقال أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله إنما تؤولون هذه الآية على أن حمل هذا الرجل يلتمس الشهادة وليس كذلك إنما نزلت هذه الآية فينا لأنا كنا اشتغلنا بنصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتركنا أهلينا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلح ما فسد منها فقد ضاعت بتشاغلنا عنها فأنزل الله انكال لما وقع في نفوسنا من التخلف عن نصرة رسول الله لإصلاح أموالنا: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) معناه: إن تخلفتم عن رسول الله وأقمتم في بيوتكم بأيديكم إلى التهلكة وسخط الله عليكم فهلكتم وذلك رد علينا فيما قلنا وعزمنا عليه من الإقامة وتحريض لنا على الغزو وما أنزلت هذه الآية في رجل حمل على العدو ويحرض أصحابه أن يفعلوا كفعله أو يطلب الشهادة بالجهاد في سبيل الله رجاء ثواب الآخرة (راجع تفسير الميزان ج2 ص 73 ص 74 ينقل رواية عن الدر المنثور بمعنى مقارب جدا لهذا) وبهذا يتضح أن التطبير معنية التعبد والقربة لله بمواساة الحسين ومشاطرة أهل البيت في الآلام والمصائب يعد عبادة حتى لو لازمه الضرر بشكل أولا لأنه أخف من قتل النفس تعبدا بكثير.
65- راجع الشعائر الحسينية للشهيد الشيرازي ص 130.
66- سورة طه: الآية 1، 2.
67- تفسير الصافي ج2 ص 59 ص 60.
68- راجع المصدر.
69- سورة المزمل: الآية 20.
70- راجع المصدر السابق.
71- الوسائل كتاب الحج الباب 32 استحباب المشي في الحج على المركوب الحديث 3 ص 55.
72- راجع المصدر.
73- راجع المصدر.
74- البحار ج 67 باب 53 ص 191 حديث 2 ط بيروت.
75- في غرر الحكم ص 156 الطبعة الأولى (ثواب العمل على قدر المشقة).
76- اللهوف في قتل الطفوف السيد بن طاووس ص 92 ص 93.
77- راجع المصدر.
78- راجع المصدر ص 67 ص 68.(بتصرف).
79- الوسائل المزار من أبواب متعددة.
80- المصدر السابق.
81- الوسائل المزار من أبواب متعددة.
82- المصدر السابق.
83- المصدر السابق.
84- راجع (الخصائص الحسينية) للشيخ جعفر الشوشتري، الباب الخامس، من أحكام خاصة لزيارته.
85- سورة الحديد: الآية 11.
86- سورة التوبة: الآية 121.
87- سورة البقرة: الآية 261.
88- القواعد الفقهية ج 1 ص 182 السيد ميرزا حسن البجنوردي.

ومع السلامة.