kumait
21-11-2012, 01:22 AM
الاستضعاف في القرآن ومسؤوليتنا
السيد محمد حسين فضل الله
يعالج القرآن الكريم في بعض آياته حالة الضَّعف الذي قد يعيشه الإنسان أمام الذين يملكون القوة، ويضغطون عليه في فكره لينسجم مع أفكارهم، أو في خطه ليسير على خطهم، أو في أي موقفٍ من المواقف التي يؤمن بها في شرعية أوضاعه، فقد يسقط الضعفاء أمام قوَّة الأقوياء، أو يستضعف بعض الناس أنفسهم بحجَّة أنهم لا يملكون عناصر القوة التي يستطيعون من خلالها أن يصمدوا ويثبتوا ويواجهوا الأقوياء، ولكنَّهم يعيشون حالة الاسترخاء التي تدفعهم إلى السّقوط أمام الأقوياء.
فقد تحدَّث اللهُ سبحانه وتعالى عن حال هؤلاء المستضعفين، وكيف سقطوا تحت تأثير المستكبرين، فساروا في خطِّ الانحراف نتيجة ضغط المستكبرين عليهم، كما تحدّث عن مسؤوليَّة المستضعفين، وأنّهم عندما يحتجّون لمصلحة موقفهم، بأنهم لم يكونوا يملكون قوَّةً ذاتية في ما كانوا يملكونه من وسائل القوة، فإن الملائكة في لحظة الحساب تقول لهم، إذا كنتم لا تملكون عناصر القوة في مواقعكم، فلماذا لم تطلبوا مواقع القوّة في أرض أخرى وفي مواقع أخرى، حيث تمارسون حريتكم في ما تلتزمون به، ثم تعملون على صناعة القوى لترجعوا إلى مواقعكم الأولى، فتحرّكوا القوَّة الفعلية ضدّ المستكبرين.
فالهجرة قد تعتبر في النظرة القرآنية، وسيلةً من وسائل الابتعاد عن الضغوط التي تُفرض على المستضعفين ليأخذوا بأسباب القوّة في مواقع أخرى. يقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ}(النساء/97) أي ظلموا أنفسهم بالكفر، لأنهم خضعوا للكافرين في إضلالهم، أو بالشرك، أو بالانحراف بكلِّ خطوط الانحراف، فماتوا وهم على هذه الحال، من الكفر والشّرك والضلال.
القرآن يعتبر أنَّ الإنسان إذا التزم الشرك والكفر والضلال فقد ظلم نفسه، لأنه يُعرِّض نفسه للسقوط في الدّنيا من خلال العناصر السلبية الموجودة فيها، أو في الآخرة من جهة ما يواجهه من عذاب الله ومن خسارة نفسه، {قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} أي في أية حالة كنتم؟ ما هي أوضاعكم، ما هي الظروف التي دفعتكم إلى أن تكفروا أو تشركوا أو تنحرفوا، لماذا ضللتم؟ {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} كنا نعيش تحت ضغط المستكبرين، حيث كانوا يستضعفوننا ويفرضون سلطتهم علينا، ويجبروننا على أن نرى ما يرون، ونتحرك في الخطوط التي يتحركون فيها، فقادونا إلى ما نحن عليه من الكفر أو الشرك أو الضلال. وكأنّهم يعتبرون أن هذا العذر هو من الأعذار المقبولة، لأنهم يتحدثون عن عجز، ومن الطبيعي أن الإنسان الذي لا يملك القدرة، معذورٌ في ما يجبر عليه أو يعجز عنه.
مسؤولية المستضعفين:
{قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} إنّ الأرض ليست فقط المنطقة التي ولدتم فيها ونشأتم فيها والّتي سيطر فيها الظالمون والمستكبرون، فهناك أرض واسعة يمكنكم أن تهاجروا إليها لتأخذوا حريتكم في ما تختارونه وفي ما تلتزمونه من نهج وعقيدة. {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}، ولا جواب، لذلك استحقُّوا غضب الله، {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} من خلال كفرهم وشركهم وضلالهم، {وَسَاءَتْ مَصِيراً}.
{إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}(النّساء/98). هؤلاء الذين لا يملكون أيَّة نافذة للخروج من هذا الوضع، ولا يملكون أية قدرة على الهجرة، أو على التخفّف من ضغوط المستكبرين، {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ}، لأنَّ الله سبحانه وتعالى يعذِّب الإنسان بحسب الظروف المحيطة بانحرافه، فإذا كان في هذه الحالة عاجزاً لا يملك أن يتخفف من هذه الضغوط، ولا يملك أن يخرج من بلده إلى بلد آخر يعيش فيه حريته، فالله يقدّر له ذلك ويعفو عنه {وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً}(النّساء/99).
الهجرة إلى الله :
ثم يؤكِّد الله سبحانه وتعالى فائدة الهجرة، لأنّ الإنسان عندما يهاجر ويخرج من الظروف الضاغطة، سواءً كانت ظروفاً طبيعية أو ظروفاً مفتعلة ضاغطة، فإنه سيجد في الآفاق الجديدة في هجرته، الكثير من الفرص التي تحلّ له مشكلته، وتوسع له أمره، وتمنحه حريته، {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً _ يعني متحوّلاً عن حالته التي كان فيها مما تنطلق بها السلبيات إلى حالة جديدة _ وَسَعَةً}.
ثم تشير الآية إلى بعض الحالات التي قد تحدث للإنسان، فقد يموت الإنسان في هجرته، إمَّا في الطريق إلى المنطقة التي يهاجر إليها، أو في تلك المنطقة نفسها، فإذا كانت هجرته هجرة شرعية، لا يقصد بها إلا وجه الله، وإلاّ السير في طريق الله وسبل الله، فإن أجره يقع على الله، فيعطيه الله كل الأجر وكل الرضى، {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}.
وبهذا يأخذ كل الأجر من الله تعالى {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}(النّساء/100).
وعلى ضوء هذا، فإننا نستطيع أن نخرج من أجواء هذه الآية بنتيجة، وهي أن الضعف ليس مبرراً إلا إذا كان الإنسان لا يملك أية وسيلة للقوة، أما إذا كان له وسيلة للحصول على القوة ولم يأخذ بها، فإنه يستحقُّ عذاب الله سبحانه وتعالى.
السيد محمد حسين فضل الله
يعالج القرآن الكريم في بعض آياته حالة الضَّعف الذي قد يعيشه الإنسان أمام الذين يملكون القوة، ويضغطون عليه في فكره لينسجم مع أفكارهم، أو في خطه ليسير على خطهم، أو في أي موقفٍ من المواقف التي يؤمن بها في شرعية أوضاعه، فقد يسقط الضعفاء أمام قوَّة الأقوياء، أو يستضعف بعض الناس أنفسهم بحجَّة أنهم لا يملكون عناصر القوة التي يستطيعون من خلالها أن يصمدوا ويثبتوا ويواجهوا الأقوياء، ولكنَّهم يعيشون حالة الاسترخاء التي تدفعهم إلى السّقوط أمام الأقوياء.
فقد تحدَّث اللهُ سبحانه وتعالى عن حال هؤلاء المستضعفين، وكيف سقطوا تحت تأثير المستكبرين، فساروا في خطِّ الانحراف نتيجة ضغط المستكبرين عليهم، كما تحدّث عن مسؤوليَّة المستضعفين، وأنّهم عندما يحتجّون لمصلحة موقفهم، بأنهم لم يكونوا يملكون قوَّةً ذاتية في ما كانوا يملكونه من وسائل القوة، فإن الملائكة في لحظة الحساب تقول لهم، إذا كنتم لا تملكون عناصر القوة في مواقعكم، فلماذا لم تطلبوا مواقع القوّة في أرض أخرى وفي مواقع أخرى، حيث تمارسون حريتكم في ما تلتزمون به، ثم تعملون على صناعة القوى لترجعوا إلى مواقعكم الأولى، فتحرّكوا القوَّة الفعلية ضدّ المستكبرين.
فالهجرة قد تعتبر في النظرة القرآنية، وسيلةً من وسائل الابتعاد عن الضغوط التي تُفرض على المستضعفين ليأخذوا بأسباب القوّة في مواقع أخرى. يقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ}(النساء/97) أي ظلموا أنفسهم بالكفر، لأنهم خضعوا للكافرين في إضلالهم، أو بالشرك، أو بالانحراف بكلِّ خطوط الانحراف، فماتوا وهم على هذه الحال، من الكفر والشّرك والضلال.
القرآن يعتبر أنَّ الإنسان إذا التزم الشرك والكفر والضلال فقد ظلم نفسه، لأنه يُعرِّض نفسه للسقوط في الدّنيا من خلال العناصر السلبية الموجودة فيها، أو في الآخرة من جهة ما يواجهه من عذاب الله ومن خسارة نفسه، {قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} أي في أية حالة كنتم؟ ما هي أوضاعكم، ما هي الظروف التي دفعتكم إلى أن تكفروا أو تشركوا أو تنحرفوا، لماذا ضللتم؟ {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} كنا نعيش تحت ضغط المستكبرين، حيث كانوا يستضعفوننا ويفرضون سلطتهم علينا، ويجبروننا على أن نرى ما يرون، ونتحرك في الخطوط التي يتحركون فيها، فقادونا إلى ما نحن عليه من الكفر أو الشرك أو الضلال. وكأنّهم يعتبرون أن هذا العذر هو من الأعذار المقبولة، لأنهم يتحدثون عن عجز، ومن الطبيعي أن الإنسان الذي لا يملك القدرة، معذورٌ في ما يجبر عليه أو يعجز عنه.
مسؤولية المستضعفين:
{قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} إنّ الأرض ليست فقط المنطقة التي ولدتم فيها ونشأتم فيها والّتي سيطر فيها الظالمون والمستكبرون، فهناك أرض واسعة يمكنكم أن تهاجروا إليها لتأخذوا حريتكم في ما تختارونه وفي ما تلتزمونه من نهج وعقيدة. {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}، ولا جواب، لذلك استحقُّوا غضب الله، {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} من خلال كفرهم وشركهم وضلالهم، {وَسَاءَتْ مَصِيراً}.
{إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}(النّساء/98). هؤلاء الذين لا يملكون أيَّة نافذة للخروج من هذا الوضع، ولا يملكون أية قدرة على الهجرة، أو على التخفّف من ضغوط المستكبرين، {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ}، لأنَّ الله سبحانه وتعالى يعذِّب الإنسان بحسب الظروف المحيطة بانحرافه، فإذا كان في هذه الحالة عاجزاً لا يملك أن يتخفف من هذه الضغوط، ولا يملك أن يخرج من بلده إلى بلد آخر يعيش فيه حريته، فالله يقدّر له ذلك ويعفو عنه {وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً}(النّساء/99).
الهجرة إلى الله :
ثم يؤكِّد الله سبحانه وتعالى فائدة الهجرة، لأنّ الإنسان عندما يهاجر ويخرج من الظروف الضاغطة، سواءً كانت ظروفاً طبيعية أو ظروفاً مفتعلة ضاغطة، فإنه سيجد في الآفاق الجديدة في هجرته، الكثير من الفرص التي تحلّ له مشكلته، وتوسع له أمره، وتمنحه حريته، {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً _ يعني متحوّلاً عن حالته التي كان فيها مما تنطلق بها السلبيات إلى حالة جديدة _ وَسَعَةً}.
ثم تشير الآية إلى بعض الحالات التي قد تحدث للإنسان، فقد يموت الإنسان في هجرته، إمَّا في الطريق إلى المنطقة التي يهاجر إليها، أو في تلك المنطقة نفسها، فإذا كانت هجرته هجرة شرعية، لا يقصد بها إلا وجه الله، وإلاّ السير في طريق الله وسبل الله، فإن أجره يقع على الله، فيعطيه الله كل الأجر وكل الرضى، {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}.
وبهذا يأخذ كل الأجر من الله تعالى {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}(النّساء/100).
وعلى ضوء هذا، فإننا نستطيع أن نخرج من أجواء هذه الآية بنتيجة، وهي أن الضعف ليس مبرراً إلا إذا كان الإنسان لا يملك أية وسيلة للقوة، أما إذا كان له وسيلة للحصول على القوة ولم يأخذ بها، فإنه يستحقُّ عذاب الله سبحانه وتعالى.