kumait
22-11-2012, 04:28 AM
فقهاء الدروشة.. وفقهاء السلطان وفلاسفة الردة
محمد بوعزارة
http://alquds.co.uk/images/empty.gif
عادت بي الذاكرة هذه الأيام إلى بعض ما عشناه في الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي حيث أصبح بعض الدخلاء على الدين والأمور الفقهية خصوصا في تلك الفترة يفتون كيفما يشاءون، ويُشرعُون كيــــفما يحلو لهم، إذ يحللون الحرام، ويحرموا ما لا يجوز أصلا وشرعا وكأنهم علماء أفذاذ وفقهاء في الدين. وقد التف حول هذا الصنف من المتفيقهين آنذاك العديد من الناس الجاهلين بأمور الدين ومن الناقمين على بعض التجاوزات التي كانت تحدث في تلك الفترة.
كانت المساجد في مختلف أنحاء الجزائر تكتظ بدعاة الفتوى الجدد حتى رأيناهم يفتون في كل شيء، مثلما راح البعض يقيمون الحلقات هنا وهناك حتى أصبح كلام العلماء لا قيمة ولا معنى له، بل لا يجد حتى بعض الذين يسمعونه أو يصدقون ما يصدر منهم بدعوى أن أولئك العلماء كلهم من فقهاء السلطان. كان التحريض على النظام ومن يسيرون في فلكه وركبه يأخذ منحى خطيرا حتى أصبح تكفير الآخر خصوصا ممن لا يؤمن بالفكر الجديد لأولئك الفقهاء الجدد هو الموضة الجديدة في تلك الأيام المريرة في تاريخ الشعب الجزائري.
وأصبحت عبارة الطغاة تجاه كل من يعمل في الدولة ولصالح مؤسساتها مهما كانت صفته ــ حتى لو كان موظفا بسيطا ــ هي المصطلح السائد الذي يطال كل من لا يوافق هوى أصحاب تلك الموجة الوافدة على الجزائر بفعل (الأفغنة) التي توغلت في عمق البلد عن طريق بعض الشبان الذين التحقوا بجبال (التورا بورا) مجاهدين مع جماعة بن لادن باسم الإسلام لدحر الشيوعية ونصرة الإسلام ضد نظام بابراك كرمل وبزعامة السناتور الأمريكي تشارلي ويلسون والذي كان يجمع الأموال الطائلة من أمريكا ويحث على دعم تلك الجماعات الإسلامية التي رعتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. وقد كان مما قاله وزير الدفاع الأمريكي السابق غيتس ورئيس المخابرات المركزية الامريكية في فترة الحرب الأفغانية وهو ينعي تشارلي ويلسون إثر وفاته في شباط 2010 وصفه بـ الرجل الوطني الشجاع وغير الاعتيادي الذي غير مجرى التاريخ.
كانت اللحى على غير عادة الجزائريين السنة في أغلبهم وخاصة الشبان منهم تزداد طولا، وكانت السراويل الأفغانية القصيرة التي غزت الشارع الجزائري تكاد تصبح موضة جديدة في جزائر التسعينيات لأولئك الشبان المتأثرين بالفكر الجهادي لكثير من المفكرين المسلمين والإسلاميين الذين راحت فتاويهم وأفكارهم تنتشر بسرعة مذهلة وسط الشبان الجزائريين بشكل مغلوط في عمومياته. كانت الأفكار السلفية بما فيها بعض الأفكار التكفيرية الوافدة تنتشر بسرعة النار في الهشيم. وانقسم الناس بين مؤمن إلى حد التزمت المقيت بما يسمع من فتاوى محاولا تطبيق الكثير منها في الميدان، وبين محتار بشأنها خاصة فيما يتعلق ببعض الأفكار التكفيرية لكل مخالف لآراء واجتهادات أولئك الدعاة وترهاتهم.
مازلت اذكر الحوار الذي دار بيني وبين أحد المتفيقهين في بداية الأزمة التي عاشتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، فقد راح أحدهم يقول لي في نبرة تحد إنهم قادمون للحكم وأنهم سيواجهون دبابات الجيش بصدورهم العارية وبحفنات التراب ويسقطون طائرات النظام بأحجارهم. ثم توقف هذا المدعي وقال: ألا تعرف أن إخواننا من المجاهدين في أفغانستان حطموا الدبابات السوفياتية ودبابات النظام بواسطة التراب، وأنهم أسقطوا الطائرات السوفيتية بالحجر وبوسائل هي من المعجزات الربانية!!.
وعند هذا الحد وجدتني كمن يصاب بالدوار إذ كدت أفقد أعصابي لولا بقية من صبر وإيمان، لكنني مع ذلك لم أعد قادرا على مواصلة حوار الطرشان مع (إنسان) هو أقرب منه إلى الدروشة لا إلى العقل، إذ بعد أن أكدت له بأن المعجزات انتهت مع الرسل والأنبياء، وأن آخر أصحاب المعجزات هو النبي المصطفى محمد عليه أزكى الصلاة والسلام وجدتني أقول له بأنني لستُ على استعداد لتضييع وقتي ومواصلة الحديث مع الدراويش في هذا العصر العلمي بامتياز.
لقد تذكرتُ هذا وأنا أطالع هذه الأيام ردود الفعل التي أعقبت الدعوات الجديدة التي أطلقها بعض دراويش التدين السياسي الجدد في مصر وفي جهات أخرى من العالم العربي بهدم الأهرامات وأبو الهول وكل التماثيل الأخرى في مصر والتي تمثل جزء ثقافيا وفكريا وعمرانيا وحضاريا من تاريخ مصر والعالم ككل، فالأهرامات واحدة من عجائب الدنيا السبع التي يزورها الناس من كل أصقاع الدنيا وتدر على شعب مصر الفقير بثرواته، الغني بحضارته الملايين من العملة الصعبة وتشغل ألاف العمال وتطعم عائلاتهم وتترك مئات العلماء والباحثين من كل أصقاع الدنيا يأتون لمصر سائحين وباحثين في عظمة الحضارة المصرية التي حنطت الكائن البشري بوسائل ما يزال العلم المعاصر يعجزعن معرفة اسرارها لحد الآن.
لقد ابتُلي العالم العربي والإسلامي منذ العشريات الأخيرة من القرن الماضي بموجة جديدة من (فلاسفة) فكر جامد ومنطق لا صلة له بالعلم والمنطق والعقل، فكر كاسد لا يعرف بابا للمعرفة والاجتهاد، بل ولا يمت أصلا بصلة إلى الإسلام في عصوره الزاهية، ففي وقت كانت فيه أوروبا غارقة في الشعوذة والدجل والجهل، كان المفكرون والعلماء العرب والمسلمون قد جعلوا من بغداد ودمشق والقاهرة وتلمسان وبجاية وقرطبة والأندلس عموما حواضر للعلم والمعرفة والفلسفة الراقية، وعواصم يحج لها الطلبة من كل مكان ويتزودون منها وفيها بشتى المعارف وبالعلوم بما فيها الموسيقى التي كانت علوما دقيقة مثلها مثل الرياضيات تماما، بينما أصبحت الموسيقى اليوم من المحرمات في الفقه الجديد لفلاسفة الردة هؤلاء.
لقد سمعت خلال شهر سبتمبر الماضي ومن على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأخيرة رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو وهو يتطاول على العرب ويتفاخر عليهم بما حققته إسرائيل في شتى العلوم والمعارف وفي الاكتشافات بما فيها التقدم الطبي، فأصابني الذي قد أصابني من ألم وصداع، ثم أحسست بدوار ووجع في الرأس وأنا أشاهد هذه الفتاوى الجديدة الغارقة في الردة والشعوذة والتخلف وهي تنزل علينا كالصاعقة من بعض الشاشات الباحثة عن الإثارة وقد بات أصحابُها يفتون في فكر بليد غارق في التخلف والشعوذة والدجل.
فهل أن مثل هذه الأهرامات هي مكان يذهــــب الناس إليه للعبادة مثلما كان عليه الأمر قبل الإسلام حيث كان الجاهليون يتخذون من اللات والعزى ومن هبل مزارات وعبادات حتى جاء الإسلام ووضع حدا لتلك الأوثان وقام بهدم تلك الأصنام والأزلام لأنها كانت قمة الإشراك بوحدانية المولى جلت قدرته الذي لا يعبد أحد سواه. أما أهراماتُ مصر وأهراماتُ النوبة في السودان والمعالم السياحية والأثرية في مختلف مناطق الوطن العربي خصوصا سوريا والعراق والاردن وليبيا واليمن والجزائر بما فيها المعالم التي تبرز حضارتنا وحتى حضارة الآخرين ومن بينهم الرومان والفرنسيون والايطاليون والإنجليز الذين احتلوا بلداننا وتركوا بها بعض الآثار والمعالم فإنها مع ذلك كله تشكل تراثا إنسانيا وحضاريا مشتركا لا يمكن لنا نكرانه أو تجاهله.
فما يُعرف اليوم في صحراء الجزائر الفسيحة برسومات التاسيلي والهقار وإينغر عبر فضاء ومتحف مفتوح على الطبيعة يشكل لوحة كبيرة تمتد على مسافات كبيرة في صحراء الجزائر، وتعد من المعالم السياحية الهامة حيث يجد الباحث هياكل عظمية للإنسان القديم تعود إلى آلاف السنين التي سبقت الإسلام، مثلما يجد فيها رسومات نادرة لحيوانات منقرضة تكون قد عاشت في الزمن الغابر حيث يجد فيها السائح الأجنبي متعة وفرصة للاستزادة العلمية والمعرفية، بينما يجد فيها الزائر الوطني الراحة والسكينة إذ هي تذكره بأمجاد أجداده. فهو لا يأتيها للتعبد وبعث الوثنية الجديدة، لأنه مسلم مؤمن وليس من عبدة الحيوانات ولا من عبدة الأصنام والأوثان مثلما يزعم المتفيقهون الجدد.
لذلك فإذا كان الناس قد ظلوا على امتداد عدة قرون يرفضون الفتاوى الجاهزة التي تبيح كل ما يأتي به الحاكم المستبد الظالم فيخرجها علماء الحاكم المستبد والسلطان الجائر في أبهة وحلة مزركشة ليتقبلها الناس حتى يصبح الحاكم حاكما بأمره لا بأمر الله، وتصبح فتاوى (عالمه وفقيهه) وسيلة للتخدير وإطالة أمد الحكم والاستبداد، فإن دراويش العصر الجديد صاروا يتفننون في فتاوى تناقض العقل والمنطق وتحجر على العقل والفكر وتكفر الناس من حيث هم مؤمنون وتدخل علينا بأبواب مشرعة وتعبر الحدود والأوطان بعد أن كانت بالأمس تعيش في الدهاليز وتخاف أن يسمع كلامها أكثر من شخصين اثنين.
ولذلك فإن كنا ما نزال نرفض منطق فقهاء السلطان، فإننا نقول لدرايش اليوم كفوا هرطقة عنا، فقد مللنا من فتاويكم الجاهلة بعد أوصلتمونا إلى بحور من الدماء والدموع في ظل الجهل الذي يرفضه عصر اليوم.
محمد بوعزارة
http://alquds.co.uk/images/empty.gif
عادت بي الذاكرة هذه الأيام إلى بعض ما عشناه في الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي حيث أصبح بعض الدخلاء على الدين والأمور الفقهية خصوصا في تلك الفترة يفتون كيفما يشاءون، ويُشرعُون كيــــفما يحلو لهم، إذ يحللون الحرام، ويحرموا ما لا يجوز أصلا وشرعا وكأنهم علماء أفذاذ وفقهاء في الدين. وقد التف حول هذا الصنف من المتفيقهين آنذاك العديد من الناس الجاهلين بأمور الدين ومن الناقمين على بعض التجاوزات التي كانت تحدث في تلك الفترة.
كانت المساجد في مختلف أنحاء الجزائر تكتظ بدعاة الفتوى الجدد حتى رأيناهم يفتون في كل شيء، مثلما راح البعض يقيمون الحلقات هنا وهناك حتى أصبح كلام العلماء لا قيمة ولا معنى له، بل لا يجد حتى بعض الذين يسمعونه أو يصدقون ما يصدر منهم بدعوى أن أولئك العلماء كلهم من فقهاء السلطان. كان التحريض على النظام ومن يسيرون في فلكه وركبه يأخذ منحى خطيرا حتى أصبح تكفير الآخر خصوصا ممن لا يؤمن بالفكر الجديد لأولئك الفقهاء الجدد هو الموضة الجديدة في تلك الأيام المريرة في تاريخ الشعب الجزائري.
وأصبحت عبارة الطغاة تجاه كل من يعمل في الدولة ولصالح مؤسساتها مهما كانت صفته ــ حتى لو كان موظفا بسيطا ــ هي المصطلح السائد الذي يطال كل من لا يوافق هوى أصحاب تلك الموجة الوافدة على الجزائر بفعل (الأفغنة) التي توغلت في عمق البلد عن طريق بعض الشبان الذين التحقوا بجبال (التورا بورا) مجاهدين مع جماعة بن لادن باسم الإسلام لدحر الشيوعية ونصرة الإسلام ضد نظام بابراك كرمل وبزعامة السناتور الأمريكي تشارلي ويلسون والذي كان يجمع الأموال الطائلة من أمريكا ويحث على دعم تلك الجماعات الإسلامية التي رعتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. وقد كان مما قاله وزير الدفاع الأمريكي السابق غيتس ورئيس المخابرات المركزية الامريكية في فترة الحرب الأفغانية وهو ينعي تشارلي ويلسون إثر وفاته في شباط 2010 وصفه بـ الرجل الوطني الشجاع وغير الاعتيادي الذي غير مجرى التاريخ.
كانت اللحى على غير عادة الجزائريين السنة في أغلبهم وخاصة الشبان منهم تزداد طولا، وكانت السراويل الأفغانية القصيرة التي غزت الشارع الجزائري تكاد تصبح موضة جديدة في جزائر التسعينيات لأولئك الشبان المتأثرين بالفكر الجهادي لكثير من المفكرين المسلمين والإسلاميين الذين راحت فتاويهم وأفكارهم تنتشر بسرعة مذهلة وسط الشبان الجزائريين بشكل مغلوط في عمومياته. كانت الأفكار السلفية بما فيها بعض الأفكار التكفيرية الوافدة تنتشر بسرعة النار في الهشيم. وانقسم الناس بين مؤمن إلى حد التزمت المقيت بما يسمع من فتاوى محاولا تطبيق الكثير منها في الميدان، وبين محتار بشأنها خاصة فيما يتعلق ببعض الأفكار التكفيرية لكل مخالف لآراء واجتهادات أولئك الدعاة وترهاتهم.
مازلت اذكر الحوار الذي دار بيني وبين أحد المتفيقهين في بداية الأزمة التي عاشتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، فقد راح أحدهم يقول لي في نبرة تحد إنهم قادمون للحكم وأنهم سيواجهون دبابات الجيش بصدورهم العارية وبحفنات التراب ويسقطون طائرات النظام بأحجارهم. ثم توقف هذا المدعي وقال: ألا تعرف أن إخواننا من المجاهدين في أفغانستان حطموا الدبابات السوفياتية ودبابات النظام بواسطة التراب، وأنهم أسقطوا الطائرات السوفيتية بالحجر وبوسائل هي من المعجزات الربانية!!.
وعند هذا الحد وجدتني كمن يصاب بالدوار إذ كدت أفقد أعصابي لولا بقية من صبر وإيمان، لكنني مع ذلك لم أعد قادرا على مواصلة حوار الطرشان مع (إنسان) هو أقرب منه إلى الدروشة لا إلى العقل، إذ بعد أن أكدت له بأن المعجزات انتهت مع الرسل والأنبياء، وأن آخر أصحاب المعجزات هو النبي المصطفى محمد عليه أزكى الصلاة والسلام وجدتني أقول له بأنني لستُ على استعداد لتضييع وقتي ومواصلة الحديث مع الدراويش في هذا العصر العلمي بامتياز.
لقد تذكرتُ هذا وأنا أطالع هذه الأيام ردود الفعل التي أعقبت الدعوات الجديدة التي أطلقها بعض دراويش التدين السياسي الجدد في مصر وفي جهات أخرى من العالم العربي بهدم الأهرامات وأبو الهول وكل التماثيل الأخرى في مصر والتي تمثل جزء ثقافيا وفكريا وعمرانيا وحضاريا من تاريخ مصر والعالم ككل، فالأهرامات واحدة من عجائب الدنيا السبع التي يزورها الناس من كل أصقاع الدنيا وتدر على شعب مصر الفقير بثرواته، الغني بحضارته الملايين من العملة الصعبة وتشغل ألاف العمال وتطعم عائلاتهم وتترك مئات العلماء والباحثين من كل أصقاع الدنيا يأتون لمصر سائحين وباحثين في عظمة الحضارة المصرية التي حنطت الكائن البشري بوسائل ما يزال العلم المعاصر يعجزعن معرفة اسرارها لحد الآن.
لقد ابتُلي العالم العربي والإسلامي منذ العشريات الأخيرة من القرن الماضي بموجة جديدة من (فلاسفة) فكر جامد ومنطق لا صلة له بالعلم والمنطق والعقل، فكر كاسد لا يعرف بابا للمعرفة والاجتهاد، بل ولا يمت أصلا بصلة إلى الإسلام في عصوره الزاهية، ففي وقت كانت فيه أوروبا غارقة في الشعوذة والدجل والجهل، كان المفكرون والعلماء العرب والمسلمون قد جعلوا من بغداد ودمشق والقاهرة وتلمسان وبجاية وقرطبة والأندلس عموما حواضر للعلم والمعرفة والفلسفة الراقية، وعواصم يحج لها الطلبة من كل مكان ويتزودون منها وفيها بشتى المعارف وبالعلوم بما فيها الموسيقى التي كانت علوما دقيقة مثلها مثل الرياضيات تماما، بينما أصبحت الموسيقى اليوم من المحرمات في الفقه الجديد لفلاسفة الردة هؤلاء.
لقد سمعت خلال شهر سبتمبر الماضي ومن على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأخيرة رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو وهو يتطاول على العرب ويتفاخر عليهم بما حققته إسرائيل في شتى العلوم والمعارف وفي الاكتشافات بما فيها التقدم الطبي، فأصابني الذي قد أصابني من ألم وصداع، ثم أحسست بدوار ووجع في الرأس وأنا أشاهد هذه الفتاوى الجديدة الغارقة في الردة والشعوذة والتخلف وهي تنزل علينا كالصاعقة من بعض الشاشات الباحثة عن الإثارة وقد بات أصحابُها يفتون في فكر بليد غارق في التخلف والشعوذة والدجل.
فهل أن مثل هذه الأهرامات هي مكان يذهــــب الناس إليه للعبادة مثلما كان عليه الأمر قبل الإسلام حيث كان الجاهليون يتخذون من اللات والعزى ومن هبل مزارات وعبادات حتى جاء الإسلام ووضع حدا لتلك الأوثان وقام بهدم تلك الأصنام والأزلام لأنها كانت قمة الإشراك بوحدانية المولى جلت قدرته الذي لا يعبد أحد سواه. أما أهراماتُ مصر وأهراماتُ النوبة في السودان والمعالم السياحية والأثرية في مختلف مناطق الوطن العربي خصوصا سوريا والعراق والاردن وليبيا واليمن والجزائر بما فيها المعالم التي تبرز حضارتنا وحتى حضارة الآخرين ومن بينهم الرومان والفرنسيون والايطاليون والإنجليز الذين احتلوا بلداننا وتركوا بها بعض الآثار والمعالم فإنها مع ذلك كله تشكل تراثا إنسانيا وحضاريا مشتركا لا يمكن لنا نكرانه أو تجاهله.
فما يُعرف اليوم في صحراء الجزائر الفسيحة برسومات التاسيلي والهقار وإينغر عبر فضاء ومتحف مفتوح على الطبيعة يشكل لوحة كبيرة تمتد على مسافات كبيرة في صحراء الجزائر، وتعد من المعالم السياحية الهامة حيث يجد الباحث هياكل عظمية للإنسان القديم تعود إلى آلاف السنين التي سبقت الإسلام، مثلما يجد فيها رسومات نادرة لحيوانات منقرضة تكون قد عاشت في الزمن الغابر حيث يجد فيها السائح الأجنبي متعة وفرصة للاستزادة العلمية والمعرفية، بينما يجد فيها الزائر الوطني الراحة والسكينة إذ هي تذكره بأمجاد أجداده. فهو لا يأتيها للتعبد وبعث الوثنية الجديدة، لأنه مسلم مؤمن وليس من عبدة الحيوانات ولا من عبدة الأصنام والأوثان مثلما يزعم المتفيقهون الجدد.
لذلك فإذا كان الناس قد ظلوا على امتداد عدة قرون يرفضون الفتاوى الجاهزة التي تبيح كل ما يأتي به الحاكم المستبد الظالم فيخرجها علماء الحاكم المستبد والسلطان الجائر في أبهة وحلة مزركشة ليتقبلها الناس حتى يصبح الحاكم حاكما بأمره لا بأمر الله، وتصبح فتاوى (عالمه وفقيهه) وسيلة للتخدير وإطالة أمد الحكم والاستبداد، فإن دراويش العصر الجديد صاروا يتفننون في فتاوى تناقض العقل والمنطق وتحجر على العقل والفكر وتكفر الناس من حيث هم مؤمنون وتدخل علينا بأبواب مشرعة وتعبر الحدود والأوطان بعد أن كانت بالأمس تعيش في الدهاليز وتخاف أن يسمع كلامها أكثر من شخصين اثنين.
ولذلك فإن كنا ما نزال نرفض منطق فقهاء السلطان، فإننا نقول لدرايش اليوم كفوا هرطقة عنا، فقد مللنا من فتاويكم الجاهلة بعد أوصلتمونا إلى بحور من الدماء والدموع في ظل الجهل الذي يرفضه عصر اليوم.