العلويه الاء
22-11-2012, 11:36 PM
اللهم صلي على محمد وآل محمد
صلى الله عليك يا مولاي يأباعبدالله صلى الله عليك وعلى جدك وابيك وامك واخيك السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين
يا ليتنا كنا معكم سادتي فنفوز فوزا عظيما
يا غريب يا مظلوم كربلاء
يا محي الزوار يا ابا عبدالله
روحي يا مولاي وارواح من في الوجود لك الفداء وأقل الفداء يا قتيل العداء ومسلوب العمامة والرداء
السلام عليك يا باب الحوائج السلام عليك يا ابا الفضل العباس نعم الاخ المواسي لاخيه عظم الله اجورنا واجوركم بمصيبة ابو الفضل العباس والله لكشف لنا الغطاء لرأينا صاحب الزمان واضع عمامته على الارض وهو يبكي وينادي وااااعباساه واااعباساه
دخلت زينب على العباس تطلب منه الماي والناعي يصور هالحالة
اجت زينب اجت زينب وذبت المعصب
جدام اخوها والدمع صب
تقله يا خويا اجيتك ابمطلب
عطاشا ونريد الماي نشرب
والله رجف شاربه من ذاك الطلب
انا لله وانا اليه راجعون
لما جاء الدور الى العباس واولاد أم البنين
جمعهم أبا الفضل وكان أكبرهم فقال لهم:
(تقدّموا يا بني أمّي حتى أراكم نصحتم لله ولرسوله، فإنه لا ولد لكم...)(لقد طلب من أخوانه الممجدين أن يقدموا نفوسهم قرابين لدين الله، وأن ينصحوا في جهادهم لله ورسوله، ولم يلحظ في تضحيتهم أي اعتبار آخر من النسب وغيره، والتفت أبو الفضل إلى أخيه عبد الله فقال له:
(تقدّم يا أخي حتى أراك قتيلاً، وأحتسبك..)استجابت الفتية إلى نداء الحق فهبّوا للدفاع عن سيّد العترة وإمام الهدى الحسين (عليه السلام).
واستجاب السادة أخوة العباس إلى نداء أخيهم فهبّوا للجهاد، ووطّنوا نفوسهم على الموت دفاعاً عن أخيهم ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حتى قنلوا جميعهم وبقي أبا الفضل العباس وحيده مع أخيه الحسين عليه السلام
ولما رأى أبو الفضل (عليه السلام) وحدة أخيه، وقتل أصحابه، وأهل بيته الذين باعوا نفوسهم لله انبرى إليه يطلب الرخصة منه ليلاقي مصيره المشرق فلم يسمح له الإمام، وقال له بصوت حزين النبرات:
(أنت صاحب لوائي..).
لقد كان الإمام يشعر بالقوّة والحماية ما دام أبو الفضل فهو كقوة ضاربة إلى جانبه يذبّ عنه، ويردّ عنه كيد المعتدين، وألحّ عليه أبو الفضل قائلاً:
(لقد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين، وأريد أن آخذ ثأري منهم..).
لقد ضاق صدره، وسئم من الحياة حينما رأى النجوم المشرقة من أخوته، وأبناء عمومته صرعي مجزرين على رمضاء كربلاء فتحرّق شوقاً للأخذ بثأرهم والالتحاق بهم.
وطلب الإمام منه أن يسعى لتحصيل الماء إلى الأطفال الذين صرعهم العطش فانبرى الشهم النبيل نحو أولئك الممسوخين الذين خلت قلوبهم من الرحمة والرأفة فجعل يعظهم، ويحذّرهم من عذاب الله ونقمته، ووجّه خطابه بعد ذلك إلى ابن سعد:
(يابن سعد هذا الحسين بن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قتلتم أصحابه وأهل بيته، وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى فاسقوهم من الماء، قد أحرق الظمأ قلوبهم،
وساد صمت رهيب على قوّات ابن سعد، ووجم الكثيرون، وودّوا أن الأرض تسيخ بهم، فانبرى إليه الرجس الخبيث شمر بن ذي الجوشن فردّ عليه قائلاً:
(يابن أبي تراب، لوكان وجه الأرض كلّه ماءً، وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد…).
لقد بلغت الخسّة، ولؤم العنصر، وخبث السريرة بهذا الرجس إلى مستوى ما له من قرار... وقفل أبو الفضل راجعاً إلى أخيه فأخبره بعتوّ القوم وطغيانهم، وسمع فخر عدنان صراخ الأطفال، وهم يستغيثون، وينادون:
(العطش العطش..).
ورآهم أبو الفضل قد ذبلت شفاههم، وتغيّرت ألوانهم، وأشرفوا على الهلاك، من شدّة العطش، وفزع أبو الفضل، وسرى الألم العاصف في محيّاه، واندفع ببسالة لإغاثتهم، فركب فرسه، وأخذ معه القربة، فاقتحم الفرات، فانهزم الجيش من بين يديه، واستطاع أن يفكّ الحصار الذي فرض على الماء، فاحتلّه، وكان قلبه الشريف كصالية الغضا من شدّة العطش، فاغترف من الماء غرفة ليشرب منه، إلا أنه تذكّر عطش أخيه، ومن معه من النساء والأطفال، فرمى الماء من يده، وامتنع أن يروي غليله، وقال:
يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت أن تكوني
هـــــذا الحــــسين وارد المنون وتشربين بارد المعين
تــــالله مــــا هــــذا فــعال ديني
إن هذا الإيثار الذي تجاوز حدود الزمان والمكان كان من أبرز الذاتيات في خلق سيّدنا أبي الفضل، فلم تمكّنه عواطفه المترعة بالولاء والحنان أن يشرب من الماء قبله، فأي إيثار أنبل أو اصدق من هذا الإيثار، … واتجه فخر هاشم مزهواً نحو المخيم بعدما ملأ القربة، وهي عنده أثمن من حياته، والتحم مع أعداء الله وأنذال البشرية التحاماً رهيباً فقد أحاطوا به من كلّ جانب ليمنعوه من إيصال الماء إلى عطاشى آل النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وأشاع فيهم القتل والدمار وهو يرتجز:
لا أرهــب الـــموت اذ المـــوت زقا حـــتى أواري في المـــصاليت لقى
نفــسي لسبط المصطفى الطهر وقا إني أنا العــــباس أغــــدو بــالسقا
ولا أخــــاف الشــــرّ يـــوم الملتقى
لقد أعلن بهذا الرجز عن شجاعته النادرة، وأنّه لا يخشى الموت، وإنّما يستقبله بثغر باسم دفاعاً عن الحق، وفداءً لأخيه سبط النبيّ (صلى الله عليه وآله).. وأنه لفخور أن يغدو بالسقاء مملوءً من الماء ليروي به عطاشى أهل البيت.
وانهزمت الجيوش من بين يديه يطاردها الفزع والرعب، فقد ذكرهم ببطولات أبيه فاتح خيبر، ومحطّم فلول الشرك، إلا أن وضراً خبيثاً من جبناء أهل الكوفة كمن له من وراء نخلة، ولم يستقبله بوجهه، فضربه على يمينه ضربة غادرة فبراها، لقد قطع تلك اليد الكريمة التي كانت تفيض برّاً وكرماً على المحرومين والفقراء، والتي طالما دافع بها عن حقوق المظلومين والمضطهدين، ولم يعن بها بطل كربلاء وراح يرتجز:
والله إن قــــطعــــتم يــــميـــني إنّـــي أحــــامي أبداً عــن ديني
وعـــن إمــــام صــــادق اليقين نجــــل الــــنبيّ الــطاهر الأمين
ودلل بهذا الرجز على الأهداف العظيمة، والمثل الكريمة التي يناضل من أجلها فهو إنّما يناضل دفاعاً عن الإسلام، ودفاعاً عن إمام المسلمين وسيّد شباب أهل الجنّة.
ولم يبعد العباس قليلاً حتى كمن له من وراء نخلة رجس من أرجاس البشرية الطفيل فضربه على يساره فبراها، وجعل يركض ليوصل الماء إلى عطاشى أهل البيت(عليهم السلام) وهو غير حافل بما كان يعانيه من نزف الدماء وألم الجراح، وشدّة العطش، وكان ذلك حقّاً هو منتهى ما وصلت إليه الإنسانية من الشرف والوفاء والرحمة… وبينما هو يركض وهو بتلك الحالة إذ أصاب القربة سهم غادر فأريق ماؤها، ووقف البطل حزيناً، فقد كان إراقة الماء عنده أشدّ عليه من قطع يديه، وشدّ عليه رجس فعلاه بعمود من حديد على رأسه الشريف ففلق هامته، وهوى إلى الأرض، وهو يؤدّي تحيّته، ووداعه الأخير إلى أخيه قائلاً:
(عليك منّي السلام أبا عبد الله...).
وحمل الأثير محنته إلى أخيه فمزّقت قلبه، ومزّقت أحشاءه، وانطلق نحو نهر العلقمي حيث هوى إلى جنبه أبو الفضل، واقتحم جيوش الأعداء، فوقف على جثمان أخيه فألقى بنفسه عليه، وجعل يضمخه بدموع عينيه، وهو يلفظ شظايا قلبه الذي مزّقته الكوارث قائلاً:
(الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي، وشمت بي عدوي...).
يقول حميد بن مسلم رايت الحسين أقبل وانحنى على العباس وبكى ولكن فجأة اختفى الحسين فلم اراه نظرت قليلا واذا بي أرى الحسين متمدد مع اخيه العباس وهو يشهق من البكاء اي واويلاه.
.................................................. .......
وجعل إمام الهدى يطيل النظر إلى جثمان أخيه، وقد انهارت قواه، وانهدّ ركنه وتبددت جميع آماله، وودّ أن الموت قد وافاه قبله،
ثم ناداه الحسين اخي عباس فلم يجبه صاح الحسين عبااااااس فلم يجبه
ثم حركه واذا به ميت رحم الله من نادا واعبااااااس واسيداااااه
واتجه صوب المخيّم، وهو يكفكف دموعه، فاستقبلته سكينة قائلة:
(أين عمّي أبو الفضل،..).
فغرق بالبكاء، وأخبرها بنبرات متقطّعة من شدّة البكاء بشهادته، وذعرت سكينة، وعلا صراخها، وفي بعض الروايات ان الحسين عندما اقبل الى الخيام تلقته زينب ورأته محدب الظهر باكي العين فعلمت ان العباس قتل ثم صاحت(وا أخاه، واعبّاساه، واضيعتنا بعدك...).
تقله وحدك وحدك عليمن ونتك يا حسين وحدك
يا بعد اختك احسين اجيت وحدك
اخوك ابيا كتر عفته رمية
يجاوبها الحسين :
يقلها يا زينب يا وديعة اخيج مقطع يم الشريعة مصوبة عينه ومقطوعة جفينه
..............................................
لقد ضجّت البقعة من كثرة الصراخ والبكاء، وأخذت عقائل النبوة يلطمن الوجوه وقد أيقن بالضياع بعده، وشاركهنّ الثاكل الحزين أبو الشهداء في محنتهنّ ومصابهنّ، وقد علا صوته قائلاً:
(واضيعتنا بعدك يا أبا الفضل…).
لقد شعر أبو عبد الله (عليه السلام) بالضيعة والغربة بعد فقده لأخيه الذي ليس مثله أخ في برّه ووفائه ومواساته، فكانت فاجعته به من أقسى ما مُني به من المصائب والكوارث.
وداعاً يا قمر بني هاشم.
وداعاً يا فجر كل ليل.
وداعاً يا رمز المواساة والوفاء.
سلام عليك يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث حيّاً.
صلى الله عليك يا مولاي يأباعبدالله صلى الله عليك وعلى جدك وابيك وامك واخيك السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين
يا ليتنا كنا معكم سادتي فنفوز فوزا عظيما
يا غريب يا مظلوم كربلاء
يا محي الزوار يا ابا عبدالله
روحي يا مولاي وارواح من في الوجود لك الفداء وأقل الفداء يا قتيل العداء ومسلوب العمامة والرداء
السلام عليك يا باب الحوائج السلام عليك يا ابا الفضل العباس نعم الاخ المواسي لاخيه عظم الله اجورنا واجوركم بمصيبة ابو الفضل العباس والله لكشف لنا الغطاء لرأينا صاحب الزمان واضع عمامته على الارض وهو يبكي وينادي وااااعباساه واااعباساه
دخلت زينب على العباس تطلب منه الماي والناعي يصور هالحالة
اجت زينب اجت زينب وذبت المعصب
جدام اخوها والدمع صب
تقله يا خويا اجيتك ابمطلب
عطاشا ونريد الماي نشرب
والله رجف شاربه من ذاك الطلب
انا لله وانا اليه راجعون
لما جاء الدور الى العباس واولاد أم البنين
جمعهم أبا الفضل وكان أكبرهم فقال لهم:
(تقدّموا يا بني أمّي حتى أراكم نصحتم لله ولرسوله، فإنه لا ولد لكم...)(لقد طلب من أخوانه الممجدين أن يقدموا نفوسهم قرابين لدين الله، وأن ينصحوا في جهادهم لله ورسوله، ولم يلحظ في تضحيتهم أي اعتبار آخر من النسب وغيره، والتفت أبو الفضل إلى أخيه عبد الله فقال له:
(تقدّم يا أخي حتى أراك قتيلاً، وأحتسبك..)استجابت الفتية إلى نداء الحق فهبّوا للدفاع عن سيّد العترة وإمام الهدى الحسين (عليه السلام).
واستجاب السادة أخوة العباس إلى نداء أخيهم فهبّوا للجهاد، ووطّنوا نفوسهم على الموت دفاعاً عن أخيهم ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حتى قنلوا جميعهم وبقي أبا الفضل العباس وحيده مع أخيه الحسين عليه السلام
ولما رأى أبو الفضل (عليه السلام) وحدة أخيه، وقتل أصحابه، وأهل بيته الذين باعوا نفوسهم لله انبرى إليه يطلب الرخصة منه ليلاقي مصيره المشرق فلم يسمح له الإمام، وقال له بصوت حزين النبرات:
(أنت صاحب لوائي..).
لقد كان الإمام يشعر بالقوّة والحماية ما دام أبو الفضل فهو كقوة ضاربة إلى جانبه يذبّ عنه، ويردّ عنه كيد المعتدين، وألحّ عليه أبو الفضل قائلاً:
(لقد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين، وأريد أن آخذ ثأري منهم..).
لقد ضاق صدره، وسئم من الحياة حينما رأى النجوم المشرقة من أخوته، وأبناء عمومته صرعي مجزرين على رمضاء كربلاء فتحرّق شوقاً للأخذ بثأرهم والالتحاق بهم.
وطلب الإمام منه أن يسعى لتحصيل الماء إلى الأطفال الذين صرعهم العطش فانبرى الشهم النبيل نحو أولئك الممسوخين الذين خلت قلوبهم من الرحمة والرأفة فجعل يعظهم، ويحذّرهم من عذاب الله ونقمته، ووجّه خطابه بعد ذلك إلى ابن سعد:
(يابن سعد هذا الحسين بن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قتلتم أصحابه وأهل بيته، وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى فاسقوهم من الماء، قد أحرق الظمأ قلوبهم،
وساد صمت رهيب على قوّات ابن سعد، ووجم الكثيرون، وودّوا أن الأرض تسيخ بهم، فانبرى إليه الرجس الخبيث شمر بن ذي الجوشن فردّ عليه قائلاً:
(يابن أبي تراب، لوكان وجه الأرض كلّه ماءً، وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد…).
لقد بلغت الخسّة، ولؤم العنصر، وخبث السريرة بهذا الرجس إلى مستوى ما له من قرار... وقفل أبو الفضل راجعاً إلى أخيه فأخبره بعتوّ القوم وطغيانهم، وسمع فخر عدنان صراخ الأطفال، وهم يستغيثون، وينادون:
(العطش العطش..).
ورآهم أبو الفضل قد ذبلت شفاههم، وتغيّرت ألوانهم، وأشرفوا على الهلاك، من شدّة العطش، وفزع أبو الفضل، وسرى الألم العاصف في محيّاه، واندفع ببسالة لإغاثتهم، فركب فرسه، وأخذ معه القربة، فاقتحم الفرات، فانهزم الجيش من بين يديه، واستطاع أن يفكّ الحصار الذي فرض على الماء، فاحتلّه، وكان قلبه الشريف كصالية الغضا من شدّة العطش، فاغترف من الماء غرفة ليشرب منه، إلا أنه تذكّر عطش أخيه، ومن معه من النساء والأطفال، فرمى الماء من يده، وامتنع أن يروي غليله، وقال:
يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت أن تكوني
هـــــذا الحــــسين وارد المنون وتشربين بارد المعين
تــــالله مــــا هــــذا فــعال ديني
إن هذا الإيثار الذي تجاوز حدود الزمان والمكان كان من أبرز الذاتيات في خلق سيّدنا أبي الفضل، فلم تمكّنه عواطفه المترعة بالولاء والحنان أن يشرب من الماء قبله، فأي إيثار أنبل أو اصدق من هذا الإيثار، … واتجه فخر هاشم مزهواً نحو المخيم بعدما ملأ القربة، وهي عنده أثمن من حياته، والتحم مع أعداء الله وأنذال البشرية التحاماً رهيباً فقد أحاطوا به من كلّ جانب ليمنعوه من إيصال الماء إلى عطاشى آل النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وأشاع فيهم القتل والدمار وهو يرتجز:
لا أرهــب الـــموت اذ المـــوت زقا حـــتى أواري في المـــصاليت لقى
نفــسي لسبط المصطفى الطهر وقا إني أنا العــــباس أغــــدو بــالسقا
ولا أخــــاف الشــــرّ يـــوم الملتقى
لقد أعلن بهذا الرجز عن شجاعته النادرة، وأنّه لا يخشى الموت، وإنّما يستقبله بثغر باسم دفاعاً عن الحق، وفداءً لأخيه سبط النبيّ (صلى الله عليه وآله).. وأنه لفخور أن يغدو بالسقاء مملوءً من الماء ليروي به عطاشى أهل البيت.
وانهزمت الجيوش من بين يديه يطاردها الفزع والرعب، فقد ذكرهم ببطولات أبيه فاتح خيبر، ومحطّم فلول الشرك، إلا أن وضراً خبيثاً من جبناء أهل الكوفة كمن له من وراء نخلة، ولم يستقبله بوجهه، فضربه على يمينه ضربة غادرة فبراها، لقد قطع تلك اليد الكريمة التي كانت تفيض برّاً وكرماً على المحرومين والفقراء، والتي طالما دافع بها عن حقوق المظلومين والمضطهدين، ولم يعن بها بطل كربلاء وراح يرتجز:
والله إن قــــطعــــتم يــــميـــني إنّـــي أحــــامي أبداً عــن ديني
وعـــن إمــــام صــــادق اليقين نجــــل الــــنبيّ الــطاهر الأمين
ودلل بهذا الرجز على الأهداف العظيمة، والمثل الكريمة التي يناضل من أجلها فهو إنّما يناضل دفاعاً عن الإسلام، ودفاعاً عن إمام المسلمين وسيّد شباب أهل الجنّة.
ولم يبعد العباس قليلاً حتى كمن له من وراء نخلة رجس من أرجاس البشرية الطفيل فضربه على يساره فبراها، وجعل يركض ليوصل الماء إلى عطاشى أهل البيت(عليهم السلام) وهو غير حافل بما كان يعانيه من نزف الدماء وألم الجراح، وشدّة العطش، وكان ذلك حقّاً هو منتهى ما وصلت إليه الإنسانية من الشرف والوفاء والرحمة… وبينما هو يركض وهو بتلك الحالة إذ أصاب القربة سهم غادر فأريق ماؤها، ووقف البطل حزيناً، فقد كان إراقة الماء عنده أشدّ عليه من قطع يديه، وشدّ عليه رجس فعلاه بعمود من حديد على رأسه الشريف ففلق هامته، وهوى إلى الأرض، وهو يؤدّي تحيّته، ووداعه الأخير إلى أخيه قائلاً:
(عليك منّي السلام أبا عبد الله...).
وحمل الأثير محنته إلى أخيه فمزّقت قلبه، ومزّقت أحشاءه، وانطلق نحو نهر العلقمي حيث هوى إلى جنبه أبو الفضل، واقتحم جيوش الأعداء، فوقف على جثمان أخيه فألقى بنفسه عليه، وجعل يضمخه بدموع عينيه، وهو يلفظ شظايا قلبه الذي مزّقته الكوارث قائلاً:
(الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي، وشمت بي عدوي...).
يقول حميد بن مسلم رايت الحسين أقبل وانحنى على العباس وبكى ولكن فجأة اختفى الحسين فلم اراه نظرت قليلا واذا بي أرى الحسين متمدد مع اخيه العباس وهو يشهق من البكاء اي واويلاه.
.................................................. .......
وجعل إمام الهدى يطيل النظر إلى جثمان أخيه، وقد انهارت قواه، وانهدّ ركنه وتبددت جميع آماله، وودّ أن الموت قد وافاه قبله،
ثم ناداه الحسين اخي عباس فلم يجبه صاح الحسين عبااااااس فلم يجبه
ثم حركه واذا به ميت رحم الله من نادا واعبااااااس واسيداااااه
واتجه صوب المخيّم، وهو يكفكف دموعه، فاستقبلته سكينة قائلة:
(أين عمّي أبو الفضل،..).
فغرق بالبكاء، وأخبرها بنبرات متقطّعة من شدّة البكاء بشهادته، وذعرت سكينة، وعلا صراخها، وفي بعض الروايات ان الحسين عندما اقبل الى الخيام تلقته زينب ورأته محدب الظهر باكي العين فعلمت ان العباس قتل ثم صاحت(وا أخاه، واعبّاساه، واضيعتنا بعدك...).
تقله وحدك وحدك عليمن ونتك يا حسين وحدك
يا بعد اختك احسين اجيت وحدك
اخوك ابيا كتر عفته رمية
يجاوبها الحسين :
يقلها يا زينب يا وديعة اخيج مقطع يم الشريعة مصوبة عينه ومقطوعة جفينه
..............................................
لقد ضجّت البقعة من كثرة الصراخ والبكاء، وأخذت عقائل النبوة يلطمن الوجوه وقد أيقن بالضياع بعده، وشاركهنّ الثاكل الحزين أبو الشهداء في محنتهنّ ومصابهنّ، وقد علا صوته قائلاً:
(واضيعتنا بعدك يا أبا الفضل…).
لقد شعر أبو عبد الله (عليه السلام) بالضيعة والغربة بعد فقده لأخيه الذي ليس مثله أخ في برّه ووفائه ومواساته، فكانت فاجعته به من أقسى ما مُني به من المصائب والكوارث.
وداعاً يا قمر بني هاشم.
وداعاً يا فجر كل ليل.
وداعاً يا رمز المواساة والوفاء.
سلام عليك يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث حيّاً.