د. حامد العطية
28-11-2012, 10:39 PM
اصبع المالكي وحقيقة قطر وجاكيتة مرسي
د. حامد العطية
يتخاطب البشر بلغتين، لغة اللسان ولغة الجسد، والثانية أكثر استعمالاً من الأولى، وأكثر صدقاً، هي لغة تدون على صفحات الوجوه لا على الورق، وتعبر عنها دواوين حركات الجسد، ليس لها قواعد أو نحو ولا حتى قاموس، لكننا نتفاهم بها، ارسالاً وتلقياً، والفراسة أعلى درجات البراعة فيها، اهتم الغربيون بها، كتبوا ونشروا حولها الكتب والمقالات، ولعل أشهر المؤلفات عنها كتاب ادوارد هال اللغة الصامتة.
هنالك مشتركات بين الساسة والمقامرين، كلهم لاعبون بطريقة أو أخرى، المقامرون بمالهم والسياسي المنحرف بمقدرات وأموال الرعية، وفي العملية السياسية كما لعبة القمار اخفاء وتمويه المشاعر الحقيقية ضروري، حتى لا يقرأ المنافسون خلجات وتعابير الوجوه ورسائل الجسد الخفية.
رفع الاصبع عادة متكررة في خطابات رئيس الوزراء العراقي المالكي، تعبير عن القوة والحزم، وتنبيه حاد للخصوم، وانذار لهم بالويل والثبور، لكن احداً لا يكترث لاصبع المالكي، وبالأمس هدد شيخ عشائري بقطع كل اصابع يده، فرضخت اليد، ومن كثرة الاذعان احتارت اليدان، فالاتفاقات التي تبرمها اليمين تلغيها الشمال، والدليل صفقات السلاح، ورفع الاصابع المطاطية وضرب المنصة باليدين لم يخف برزان ولا أوقف تدخلات أردوغان، لذلك ننصح المالكي بأن يقرن الكلام الصريح أو التلميح بالفعل أو ليُسكت الاصبع واليد واللسان.
عملت رئيساً للمستشارين في شركة سعودية، صاحبها كذاب أشر، إذا وعد اخلف، تفضحه لغة الجسد، يصفر وجهه وترتجف يداه ويتلعثم، ويهرب من عقله الكلام، فيلجأ إلى عبارة " في الحقيقة"، يرددها مرة واحدة على الأقل من كل عشر كلمات يتفوه بها، من كثرة أكاذيبه استشطت غضباً في أحد الأيام فقلت : صحيح انكم أحفاد مسيلمة الكذاب! فضمرها في نفسه وانتقم بعد حين، ذكرتني به كلمة رئيس وزراء قطر في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الاخير حول غزة، فهو الاخر تكلم "في الحقيقة"، ثم تحدث عن النعاج والذئاب، وبعد الاقرار بأنه واشباهه من العرب نعاج، عاد ليؤكد بأنهم راضون عن كونهم من المجترات، ثم نفى عن أصدقائه الصهاينة صفة الذئاب، وحاول هو وحلفاؤه جهدهم اقناعنا بأن الزيارات التضامنية والمفاوضات في الخفاء لا الصواريخ الايرانية حققت صمود وانتصارغزة.
بعد "انتصاره" الدبلوماسي في غزة، وبشهادة أصدقائه الأمريكان، ظهر الرئيس المصري مرسي ليدافع عن قرارات تنصيب نفسه حاكماً مطلقاً، كان سواد شعر رأسه أقل غمقاً - اتراه استعمل طلاءً للشعر؟ وأقصر من المعتاد، حتى لحيتها شذبها إلى حد لا يرضي السلفيين، لا بد أن أحدهم نصحه بذلك، لكي يقلل من تجهم سحنته، هي محاولة لبعث رسالة بأنه ليس مخيفاً كما يصوره المعارضون، لكن يده اليمنى لم تترك عادتها، كل بضع دقائق تهبط لتمسك بياقة الجاكتة أو السترة، لتضمها قليلاً على كرشه الكبير، الذي يشذ عن بطون غالبية المصريين الضامرة، وهو اليوم متهم بالانقياد لشهوة أعظم وأخطر، أي شهوة السلطة والتسلط.
وأخيراً ننصح حكام العرب بقول الحقيقة لا على طريقة قطر وحكام الخليج واتباعهم من النعاج لأن ما يخبئه اللسان تفصح عنه اليد المضطربة والاصبع المهزوز والشعر المصبوغ والكرش البارزة والسحنة المتجهمة والصواريخ أيضاً.
28 تشرين الثاني 2012م
د. حامد العطية
يتخاطب البشر بلغتين، لغة اللسان ولغة الجسد، والثانية أكثر استعمالاً من الأولى، وأكثر صدقاً، هي لغة تدون على صفحات الوجوه لا على الورق، وتعبر عنها دواوين حركات الجسد، ليس لها قواعد أو نحو ولا حتى قاموس، لكننا نتفاهم بها، ارسالاً وتلقياً، والفراسة أعلى درجات البراعة فيها، اهتم الغربيون بها، كتبوا ونشروا حولها الكتب والمقالات، ولعل أشهر المؤلفات عنها كتاب ادوارد هال اللغة الصامتة.
هنالك مشتركات بين الساسة والمقامرين، كلهم لاعبون بطريقة أو أخرى، المقامرون بمالهم والسياسي المنحرف بمقدرات وأموال الرعية، وفي العملية السياسية كما لعبة القمار اخفاء وتمويه المشاعر الحقيقية ضروري، حتى لا يقرأ المنافسون خلجات وتعابير الوجوه ورسائل الجسد الخفية.
رفع الاصبع عادة متكررة في خطابات رئيس الوزراء العراقي المالكي، تعبير عن القوة والحزم، وتنبيه حاد للخصوم، وانذار لهم بالويل والثبور، لكن احداً لا يكترث لاصبع المالكي، وبالأمس هدد شيخ عشائري بقطع كل اصابع يده، فرضخت اليد، ومن كثرة الاذعان احتارت اليدان، فالاتفاقات التي تبرمها اليمين تلغيها الشمال، والدليل صفقات السلاح، ورفع الاصابع المطاطية وضرب المنصة باليدين لم يخف برزان ولا أوقف تدخلات أردوغان، لذلك ننصح المالكي بأن يقرن الكلام الصريح أو التلميح بالفعل أو ليُسكت الاصبع واليد واللسان.
عملت رئيساً للمستشارين في شركة سعودية، صاحبها كذاب أشر، إذا وعد اخلف، تفضحه لغة الجسد، يصفر وجهه وترتجف يداه ويتلعثم، ويهرب من عقله الكلام، فيلجأ إلى عبارة " في الحقيقة"، يرددها مرة واحدة على الأقل من كل عشر كلمات يتفوه بها، من كثرة أكاذيبه استشطت غضباً في أحد الأيام فقلت : صحيح انكم أحفاد مسيلمة الكذاب! فضمرها في نفسه وانتقم بعد حين، ذكرتني به كلمة رئيس وزراء قطر في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الاخير حول غزة، فهو الاخر تكلم "في الحقيقة"، ثم تحدث عن النعاج والذئاب، وبعد الاقرار بأنه واشباهه من العرب نعاج، عاد ليؤكد بأنهم راضون عن كونهم من المجترات، ثم نفى عن أصدقائه الصهاينة صفة الذئاب، وحاول هو وحلفاؤه جهدهم اقناعنا بأن الزيارات التضامنية والمفاوضات في الخفاء لا الصواريخ الايرانية حققت صمود وانتصارغزة.
بعد "انتصاره" الدبلوماسي في غزة، وبشهادة أصدقائه الأمريكان، ظهر الرئيس المصري مرسي ليدافع عن قرارات تنصيب نفسه حاكماً مطلقاً، كان سواد شعر رأسه أقل غمقاً - اتراه استعمل طلاءً للشعر؟ وأقصر من المعتاد، حتى لحيتها شذبها إلى حد لا يرضي السلفيين، لا بد أن أحدهم نصحه بذلك، لكي يقلل من تجهم سحنته، هي محاولة لبعث رسالة بأنه ليس مخيفاً كما يصوره المعارضون، لكن يده اليمنى لم تترك عادتها، كل بضع دقائق تهبط لتمسك بياقة الجاكتة أو السترة، لتضمها قليلاً على كرشه الكبير، الذي يشذ عن بطون غالبية المصريين الضامرة، وهو اليوم متهم بالانقياد لشهوة أعظم وأخطر، أي شهوة السلطة والتسلط.
وأخيراً ننصح حكام العرب بقول الحقيقة لا على طريقة قطر وحكام الخليج واتباعهم من النعاج لأن ما يخبئه اللسان تفصح عنه اليد المضطربة والاصبع المهزوز والشعر المصبوغ والكرش البارزة والسحنة المتجهمة والصواريخ أيضاً.
28 تشرين الثاني 2012م