المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حب مع إيقاف التنفيذ


علاء ناصر حسين
04-12-2012, 08:14 AM
حب مع إيقاف التنفيذ




قصة ، من : الدكتور محمود عبد الناصر نصر - مصر

-1-
نطقت عيناها, فسكت لسانها. أفصحت نظراتها عما عجزت كلماتها عن التعبير عنه. لم تجد من عينيه رداً, و لا من نظراته إجابة. صار ذاك ديدنه و ديدنها. تأتى إليه كل مرة, و مشاعرها حُبلى, تود أن تفضفض عما بها, فلا تجد سوى صمت أصبح عدوها الأول و الأخير. ترتقب اللقاء بعد اللقاء لتريح قلبها العميد مما يصول و يجول في جنباته من عواطف حبيسة تبحث عمن يفتح لها قلبه, فلا تجد سوى قلب خانع قابع بين ضلوع أحاطت به إحاطة السلاسل بأيدي سجين مذنب. ودَّ قلبها الدنف مرات و مرات أن يبوح بما تئق به من حب و غرام, فلا يجد إلا أذناً صاغية, ثم لا شيء. تمنى عقلها الصبوب المستهام و فكرها الوامق العانى أن يستريحا, و لو لثوان, مما يعمرهما من توق و حنين و اشتياق, فلا يجدا سوى طأطأة بالرأس و غمضات بالعين و همسات تباعدت بينها المسافات. رجت العاشقة الهائمة أن يأتي اليوم الذي تستريح فيه مما ألهب إحساسها, و أذهب النوم عن عينيها, و أطال لياليها, و جعلها تتقلب في فراشها كالملدوغة. تمنت الكثير, و ودَّت الكثير, و لم تجد منه سوى نظرات, ما أن تبدأ حتى تنتهي .

-2-

في رحلة عائلية قصيرة مع والده و والدته و خالته و ابنة خالته المولودة معه في نفس الأسبوع, لم يكن يترى إلى ذهن ابن السادسة أن تلك الليلة آخر عهده بكلمة حبيبة إلى قلبه, كلمة "بابا". لم يكن ليدرى ما يخبئه له القدر بعد دقائق ليتحكم في مصيره إلى نهاية حياته. لم يكن الطفل البريء ليعلم أن ضحكاته العالية الرنانة التي تتطاير إلى مسامع والده فيبادله بمثلها ستكون كلمات الوداع بينهما. اختار إطار السيارة اللعين تلك اللحظة لينفجر فيها مفجراً مأساة تطل بوجهها الأشوه. اختلت عجلة القيادة في يد من أمسك بها. تقلبت السيارة عدة مرات كالمارد الأرعن لتستقر على جانب الطريق, و قد احتوت بين أحضانها ما احتوت. كانت قد احتوت خمسة جسوم بخمسة أرواح. خرجت منها أربعة أجسام تشكوا ما قد أصابها, و بقيت جثة تمزقت أشلاءها, و هربت منها الروح صاعدة لبارئها, و كُتب على الطفل البريء أن يبيت يتيم الأب.

-3-

أيام و شُفيت إصابات الأم و الخالة و ابنتها, و لكن إصابة الطفل المسكين قُدر لها أن تطول مدة شفاءها. أفاق من غيبوبته ليجد نصفه السفلى في حالة يُرثى لها. ينظر في أنحاء جسده فإذا بضمادة هنا و غُرز هناك, و ما خفي كان أعظم.

-4-

في كل مرة يلتقي بزملائه ذاك المراهق و قد جاوز السادسة عشر, يشعر بأن هناك شيء يكاد يجعل منه كائناً مختلفاً عنهم. أحياناً يسهرون معاً للاستذكار, أو لمشاهدة التلفاز, أو للتنزه في شوارع المدينة. و في كل مرة يعود إلى حجرته و قد علقت بذهنه ذات الفكرة, و ازدادت رسوخاً. إن زملائه يتحدثون عن أمور لا يدرى عنها شيئاً. أمور يتصاعد الدم إلى وجهه, و يتصبب العرق من جبينه إذا ما تحادث معه أحد من زملائه من المراهقين بخصوصها. "يا إلهي! لماذا هذا الفارق بيني و بينهم؟ ألست بمراهق مثلهم؟" إنهم من نفس سنه, بل إنه قد يكبرهم ببضعة شهور, و مع ذلك لا يجد أثراً مما يهمسون به في آذان بعضهم البعض بعيداً عن رقابة المنزل و أسماع من فيه. لم يكن اليتيم ليجد قلب أب حنون يأوي إليه ليبوح له بما يختلج في نفسه. كان على يقين من أنه لن يلجأ في مثل هذا الأمر إلى والدته, حتى و إن انطبقت السماء على الأرض. استشار عقله و قلبه ذات ليلة فوجد أن الانسحاب خير علاج. فليقلص من علاقاته و احتكاكاته بالآخرين علَّه يجد في ذلك حصناً مما يساوره بين لحظة و أخرى. أصبحت حجرته كل عالمه. صارت قلعته و صومعته و شرنقته و قُمقمه الذي يحتمي به خشية أن تتطرق إليه سهام ذلك الكابوس الذي ودَّ أن يهرب منه.

-5-

ذهبت سنوات الطفولة لحالها بما حملته من معنى اليتم. تلتها سنوات المراهقة بما جلبته من إحساس بالنقص و شعور بالانكفاء على الذات و التقوقع حولها. و ها هي سنوات الشباب بحسنه و جماله, بقوته و جبروته قد هلَّت. هلَّت لتجد باباً مغلقاً على شخص آثر الحياة مع نفسه. و لكن هناك على الطرف الآخر من تعيش ربيع شبابها, و قد تباسقت دوح أنوثتها و فتنتها و سحرها و دلالها. هناك من ظلَّت تحلم ليال و ليال بأن تطرق هذا الباب لتخرج هذا المنكفئ على نفسه من كبوته. لقد قضت أيام طفولتها و شيء من أيام مراهقتها معه. لم تكن خلال هذه الأيام تشعر بشيء نحوه أكثر من كونه ابن خالتها, أو كأخ لها لم تلده أمها. يوم يجر يوم, بدأت الفتاة الغضة تشعر بشعور غريب يداخلها نحو من كانت تعتبره أخاً لها بالأمس القريب. شعور ما أن ينتابها حتى يحمَّر وجهها و تتسع مقلتاها و تتسارع أنفاسها و تسمع دقات قلبها تعلو و تعلو. شعور يجعلها دائمة التفكير فيه, راغبة في الحديث معه و الاقتراب منه و الجلوس بجواره, بل و مصافحته حتى تلامس أنامله أصابعها. شعور جعل تفكيرها يشرد بين حين و آخر, خاصة عندما تخلو إلى نفسها, فيصور لها فكرها أن هذا القابع في حجرته إنما هو لها وحدها. فلماذا تتركه للوحدة تستحوذ عليه و تأخذه بعيداً عنها؟ لماذا تدعه لصمته و عزلته و سلبيته؟ لماذا لا تحاول الاقتراب منه لتًشعره بما تشعر به؟ لماذا لا تغزو هذا القلب المنغلق لتجد فيه متسعاً للتفريج عما يزدحم به قلبها؟ مرات و مرات تحاول العاشقة التالهة الوالهة المهملة كسر حاجز الجمود بينها و بينه. حاولت مراراً اقتحام ذلك القلب المستكين و ذاك العقل الأسير و هذا الفكر المكبل بالقيود. و في كل مرة تجد الحاجز ما زال قائماً. و في كل مرة يحاول جاهداً الإكثار من وضع الحدود و تقويتها بينه و بينها. و في كل مرة تشعر به و هو يحاول التملص و الهروب. فحتَّام تظل عيناها تناشدان عينيه, فلا تجدان منهما سوى إرخاء السدول؟


مما راق لي ونقلته لكم :o:o

خادمة الحوراء
05-12-2012, 05:50 PM
كلمات جميله وحزينه شكرا لك اخي الكريم موفق ان شاء الله

عازفه الليل
05-12-2012, 06:11 PM
تسلم يا اخي

علاء ناصر حسين
06-12-2012, 07:05 AM
خادمة الحوراء **-** عازفه الليل

تشرّفت بمروركن أخواتي الفاضلات

آمالٌ بددتها السنونْ
11-12-2012, 03:57 PM
اختيار جميل منكم اخي الفاضل
علاء شكري وامتناني وتحيه
تعبق بالياسمين..

علاء ناصر حسين
11-12-2012, 07:11 PM
أفتقدنى قلمك أختي الفاضلة وفاء ؟ حياكم الله وأعزّكم

سكينه الحزينه
18-12-2012, 12:52 AM
قصه جميله فعلا ومؤثرة ,شكرا جزيلا اخي الفاضل

علاء ناصر حسين
18-12-2012, 08:09 AM
سكينه الحزينه حياكم الله وسلمكم أختي الفاضلة