المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفة مع (رسالة الحقوق) و (روائع سجادية) لم تسمعها


علي وكفى
10-12-2012, 07:42 PM
وقفة مع (رسالة الحقوق) و (روائع سجادية) لم تسمعها

قرِحَتْ جفونك من قذىً وسهادِ
إن لم تفض لمصيبة السجـــــــادِ

فأسل فؤادك من جفونك أدمعاً
وأقدح حشاك من الأسى بزنـادِ

واندب إماماً طاهراً هــو سيدٌ
للساجدين وزينة العُـبّـــــــــــــادِ

نجمٌ في فلك الأسحار أضاء بعبادة الله ، تهجدَ يسمو في فلك السماء ، ويذوب في عشق الإله ، راكعاً وساجداً تتقطر دموعه كلؤلؤ يجتمع في أصداف كنوز رحمة الله ، ويصنع مسبحة العشقِ ليهلل ويقدسك يارب! قلبي يخاطبك بانكسار: «عَوِّضْنِي مِنْ عَفْوِي عَنْهُمْ عَفْوَكَ وَمِنْ دُعَائِي لَهُمْ رَحْمَتَكَ حَتَّى يَسْعَدَ كُلُّ وَاحِد مِنَّا بِفَضْلِكَ وَيَنْجُوَ كُلٌّ مِنَّا بِمَنِّكَ»(1).

تتقدم جماعة أنبياء أولي العزم (ع) بأحر التعازي و المواساة إلى صاحب الأمر الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه .. و إلى علمائنا الكرام وكافة المؤمنين والمؤمنات .. بوفاة ندى الباكين وخير الساجدين علي بن الحسين (عليهما السلام وأتم التسليم)..


لقد أخذ الإمام السجاد (عليه السلام) يربي الشعب نحو الكمال الحقيقي ، من موقف العفو والرحمة الذي يفتقد فنياتها الكثير من الناس والدعاة ، فكانت له اليد الطولا في نجاة الأمة من المَهلكة والضياع على مرّ الزمان ، فقدم للعالَم أفضل الصور التربوية والأخلاقية.

ورغم مواجهة الإحسان بالإساءة إلا أنه لم يقف مكتوف الأيدي ، إذ أخذ يسقي قلوب البشر من نبع أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام).

لقد ربى الناس علمياً -كما عملياً- على المكارم الرفيعة ، ولا شك أن الإمام (عليه الصلاة والسلام) لم يكن يقصد أو يهدف للمقايسة ، لكن الناس لجئت إلى المقارن بين أخلاق الأخيار وأخلاق الأشرار ، خاصة إذا كان الأشرارُ متصدّين لإدارة الناس ؛ أي كانوا من السلطات الحاكمة.

وهنا سنسلط الضوء في فلك طريقة الدعاء من الصحيفة السجاديّة على بعض القيم العظيمة التي أشار إليها في رسالة "الحقوق" كما يلي:

1- حقّ الله ؛ حيث قال (عليه السلام) : «فأمّا حقّ الله الأكبر فأنّك تعبده ولا تشرك به شيئاً ، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل الله على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ويحفظ لك ما تحبّ منهما».

2- حقّ القادة ؛ «فأمّا حقّ سائسك فأن تعلم أنّك جُعلت له فتنة ، وأنّه ابتُلي فيك ، بما جعله الله له عليك من السلطان ، وأن تخلص له في النصيحة ، وأن لا تماحكه وقد بسط يده عليك ، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه ، وتذلَّل وتلطَّف لإعطائه من الرضى ما يكفّه عنك ولا يضرّ بدينك ، وتستعين عليه في ذلك بالله».

3- حقّ المالك ؛ «وأمّا حقّ سائسك بالمُلك فنحوٌ من سائسك ، إلا أنّ هذا يملك ما لا يملكه ذاك ، تلزمك طاعته في ما دقّ وجلّ منك إلاّ أن تخرجك من وجوب حقّ الله ، ويحول بينك وبين حقّه وحقوق الخلق ، فإذا قضيته رجعت إلى حقّه ، فتشاغلت به ، ولا قوّة إلاّ بالله».

4- حقّ المملوك ؛ «وأمّا حقّ رعيّتك بملك اليمين فأن تعلم أنّه خَلْقُ ربِّك ، ولحمك ودمك ، وأنّك تملكه لا أنت صنعته دون الله ، ولا خلقتَ له سمعاً ولا بصراً ولا أجريت له رزقاً ، ولكنّ الله كفاك ذلك بمن سخّره لك وائتمنك عليه واستودعك إياه لتحفظه فيه وتسير فيه بسيرته فتطعمه ممّا تأكل ، وتلبسه ممّا تلبس ، ولا تكلّفه ما لا يطيق ، فإن كرهته خرجت إلى الله منه واستبدلت به ، ولم تعذّب خلق الله».

5- حقّ من أساء القضاء ؛ «وأمّا حقّ مَن ساءك القضاء على يديه بقول أو فعل ، فإن كان تعمّدها كان العفو أولَى بك ، لما فيه له من القمع وحسن الأدب مع كثير أمثاله من الخلق ، فإنّ الله يقول: {وَلـَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ} » (2).


ومن الصور العظيمة التي قدمها الإمام السجاد سلام الله عليه في مجال العفو ؛ ما روي عن الإمام الباقر سلام الله عليه وغيره أنه: «وقف على عليّ بن الحسين سلام الله عليه رجل فأسمعه وشتمه ، فلم يكلّمه ـ أي لم يردّ عليه الإمام(ع) ـ فلما انصرف قال سلام الله عليه لجلسائه: لقد سمعتم ما قال هذا الرجل ، وأنا أحبّ أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا منّي ردّي عليه. فقالوا له:

نفعل. ولقد كنّا نحب أن يقول له ويقول ، فأخذ نعليه ومشى وهو يقول:
{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (3).

فعلمنا أنه لا يقول له شيئاً ، قال (الراوي): فخرج حتى أتى منزل الرجل فصرخ به ، فقال سلام الله عليه: قولوا له: هذا عليّ بن الحسين.

قال: فخرج إلينا متوثّباً للشرّ وهو لا يشكّ أنه إنما جاء مكافئاً له على بعض ما كان منه. فقال له علي بن الحسين سلام الله عليه:

يا أخي! إنك كنت قد وقفت عليَّ آنفاً فقلتَ وقلتَ ، فإن كنتَ قلتَ ما فيّ فاَستغفر الله منه ، وإن كنتَ قلتَ ما ليس فيّ فغفَر الله لك. قال: فقبَّل الرجل بين عينيه ، وقال: بل قلتُ فيك ما ليس فيك ، وأنا اَحَقُّ به» (4).

إنّ الإمام سلام الله عليه يحرص أن يشهد الناس ويلاحظوا بأنفسهم العفو عن المسيء ؛ ليقتدوا به ويتربّوا على ذلك ويتعاملوا فيما بينهم بمثل هذه الأخلاقيات العظيمة.

ونُقِلَ أنه سلام الله عليه كان خارجاً فلقيه رجل فسبَّه ، فثارت إليه العبيد والموالي ، فقال لهم الإمام سلام الله عليه: «مهلاً كفّوا ، ثم أقبل على ذلك الرجل فقال: ما سُتِرَ عنك من أمرنا أكثر ، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيى الرجل ، فألقى إليه الإمام سلام الله عليه خميصة كانت عليه ، وأمر له بألف درهم ، فكان ذلك الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنك من أولاد الرُسُل» (5).

كان عليٌ فيها ينــاجي * ربَّه والجوى كالســـــراج
كان يتلوا ويدعوا ويبكي * مشعلاً قلبه في الدِّيــاج

شاركوه عروجه واغرَقوا * في بحور ِ الدعـاء
اخضعوا للإله و ذوبـــــوا * وتخلوا عنِ الكبرياء

(السلام عليك يا بحر الندى ، السلام عليك يا بدر الدجى ، السلام عليك أيها الأواه الحليم ، السلام عليك أيها الصابر الحكيم ، السلام عليك يا رئيس الباكين ، السلام عليك يا مصباح المؤمنين ، السلام عليك يا مولاي يا أبا محمد ، أشهدُ أنك حُجة الله ورحمة الله وبركاته).


المصادر:
(1)الصحيفة السجادية دعاء في "طلب العفو والرحمة"
(2) رسالة الحقوق للإمام زين العابدين من الصحيفة السجادية، سورة الشّورى: الآية 41
(3)سورة آل عمران(134)
(4) بحار الأنوار"العلامة المجلسي": ج 46، ص 54 ـ 55
(5) بحار الأنوار"العلامة المجلسي": ج 46 ص 99