مرتضى علي الحلي
16-12-2012, 08:47 AM
زيارةُ الأربَعين في بُعديها الحُسَيني والمَهدوي:
===============================
قراءةٌ في الظاهرة والخطاب
==================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
من المعلوم تأريخيا أنَّ زيارة الأربعين الشريفة بدأتْ في يوم العشرين من صفر من سنة :61: للهجرة
: حيثُ كان رجوع حرم الإمام الحسين : عليه السلام:
من الشام إلى مدينة الرسول: صلى الله عليه وآله :
بعد ما مرّوا بكربلاء
وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله إلى زيارة الحسين :عليه السلام : وهو أول من زاره من الناس :
:وسائل الشيعة : الحر العاملي:ج14:ص479
ففي يوم العشرين من صفر رُدَّ الرأسُ الشريف للإمام الحسين :عليه السلام: إلى بدنه بكربلاء
وقد ذكر السيد الأجل المرتضى - قدس الله روحه –
في بعض مسائله
: أنَّ رأس الحسين بن علي :عليه السلام:
رُدَّ إلى بدنه بكربلاء من الشام وضُمَّ إليه والله أعلم :
: إعلام الورى بأعلام الورى:الطبرسي:ج1:ص477:
وعن ابن طاووس :أيضا
: إنَّ رأس الإمام الحسين :عليه السلام:
أُعيدَ فدفن مع بدنه بكربلاء :
:وسائل الشيعة:الحر العاملي:ج10:ص312:
من هنا برزتْ ظاهرة زيارة الإمام الحسين:عليه السلام:
في أربعينيَّته الشريفة وبصورة جليّة وشرعيّة
إذ وردَ فيها حثٌ وترغيبٌ شرعي من لدن الأئمة المعصومين:عليهم السلام:
فعن صفوان بن مهران الجمّال
قال:
قال لي مولاي الإمام جعفر الصادق : صلوات الله عليه :
في زيارة الأربعين :
تزور عند ارتفاع النهار :
:تهذيب الأحكام:الطوسي:ج 6 :ص 113 :
وعن الحسين بن علي بن ثوير بن أبي فاختة
قال :
قال لي أبو عبد الله الإمام الصادق:عليه السلام : :
يا حسين من خرج من منزله يريد زيارة الحسين ابن علي بن أبي طالب : عليهما السلام:
إن كان ماشيا كتبَ اللهُ له بكل خطوة حسنة ، وحُطَّ بها عنه سيئة
وإن كان راكباً كتبَ الله له بكل حافر حسنة ، وحُطَّ عنه بها سيئة
حتى إذا صار بالحائر كتبه الله من الصالحين
وإذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين
حتى إذا أراد الانصراف أتاه ملك
فقال : له : أنا رسول الله :
ربّك يقرئك السلام
ويقول لك :
استأنف فقد غفر لك ما مضى :
: وسائل الشيعة:الحر العاملي:ج14:ص439:
وروي عن أبي محمد الإمام الحسن العسكري :عليه السلام :
أنه قال:
: علامات المؤمن: خمسٌ:
صلاة الإحدى والخمسين
وزيارة الأربعين
والتختم في اليمين
وتعفير الجبين
والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم :
: مصباح المتهجد: الشيخ الطوسي: ص787 :
ومعلومٌ أنَّ هذه النصوص هي عامة ومطلقة فتشمل الرجال والنساء في إستحباب زيارة الإمام الحسين :عليه السلام:
أما مع الإمام المهدي :عليه السلام :
فظاهرة زيارة الإمام الحسين :عليه السلام:
جاءتْ بصورة الإطلاق في زيارته المفتوحة
إذ وردَ عن الإمام المهدي:عليه السلام:
في زيارته لجده الإمام الحسين:ع :
: فلئن أخرتني الدهور ، وعاقني عن نصرك المقدور
ولم أكن لمن حاربكَ مُحاربا ، ولمن نصبَ لك العداوة مُناصبا فلأندبنك صباحا ومساء
ولأبكين عليك بدل الدموع دما ، حسرة عليك وتأسفا على
ما دهاك وتلهفا حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتياب:
:المَزار:المشهدي:ص501:
بحار الأنوار:المجلسي:ج98:ص238:
إذاً بعد الذي تقدّم من التمهيد الشرعي والأخلاقي من لدن المعصومين:ع: لزيارة الإمام الحسين:ع:
في أربعينيته ومطلق زياراته
يتبين
أنَّ زيارة المعصوم:عليه السلام: هي حقٌ له على كل مَن يعتقد به إماماً منصوباً من الله تعالى
وفي هذا المجال
قال الإمام علي بن موسى الرضا :عليه السلام :
: إنّ لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته
وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحُسن الأداء
زيارة قبورهم
فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا
بما رغَّبوا فيه كان أئمته شفعاءه يوم القيامة :
: الكافي :الكليني:ج4:ص567:
وهنا يتضح مفهوم ومعنى الزيارة بصراحة أكبر
بحيث يجعل الإمام الرضا :ع :
ضابطة كلية قيميَّة تحدد وتفرض مسؤولية عقدية وأخلاقية في عنق أتباع الإمام المعصوم:ع: وشيعته
وهي التعهد الذاتي والواعي وجدانيا وذهنيا في المواظبة على
زيارة المعصوم:ع :
وهذا الحق :أعني حق المعصوم:ع: علينا في زيارته يستبطن في ذاتياته الظاهرة والخطاب
فالظاهرة هي زيارته مشياً على الأقدام أوركوبا
والمهم هو
البروز العلني في تفعيل هذا الحق بالظاهرة العيانية
وهي زيارة الأربعين المعنيّة
ذلك أنَّ لهذه الظاهرة لسانٌ :خطاب: وإن لم يك ناطقا
فلسان حالها يغني عن البيان
لكن مع هذا لا بدّ من ترشيد الظاهرة وخطابها ترشيدا قيميا ممتدا في معطياته وأبعاده بإتجاه التمهيد والتعجيل لفرج إمامنا المهدي:ع :
وهذا الترشيد إنما يأتي مُنطلِقا من الرشد والبصيرة في القرآن الكريم
ومن ضرورة الإنتماء الفكري الواعي والمُستَبصِر الى العقيدة والشريعة
قال الله تعالى
{قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }يوسف108
ففي ظاهرة زيارة الإمام الحسين:ع :
يجب أن يأخذ الهدف الحسيني الشريف القسط الأكبر في تحققاته في مجتمعنا وذواتنا أخلاقيا وسلوكيا وحتى فكريا
بصورة تنعكس في إنطباعاتها الحسينية إلى معاهدة الإمام المهدي :ع:
معاهدة أخلاقية وفكرية ونفسية وحتى تمهيدية تصبُ في صلاحنا وصالحنا الديني والمجتمعي
كون مُنعَكس ظاهرة زيارة الأربعين وخطابها الشريف أخذا حيزا واسعا في واقعنا المعاصر
لا يمكن التفريط به ولا تفويت أهدافه
وخصوصا إقتران هذه الظاهرة الشريفة بالتضحية والفداء بالنفس والمال وبكل شيء
حتى لاتكاد تمر سنة إلاّ وقد قدّم المؤمنون أنفسهم شهداء في سبيل الله تعالى
وتمسكا بمنهج الإمام الحسين:ع :
وفي نفس الوقت يزداد الأعداء حقدا وعداوة على مُحييها
و لنقف متأملين في مفردة زيارة الإمام المهدي:ع:
لجده الإمام الحسين:ع: التي ذكرناها سالفا
وهي
: فلئن أخرتني الدهور ، وعاقني عن نصرك المقدور
ولم أكن لمن حاربك محاربا ، ولمن نصب لك العداوة مناصبا ، فلأندبنك صباحا ومساء ، ولأبكين عليك بدل الدموع دما ، حسرة عليك وتأسفا على ما دهاك وتلهفا ، حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتياب:
ومن المعلوم يقيناً أنّ الإمام المهدي:ع: لو كان موجودا في زمن جده الحسين:ع: لنصرنه نصرا مبينا
ولكن كما عبّر روحي له الفدا
بقوله
أخرتني الدهور:
وعاقني عن نصرك المقدور :
وهذه أمور خارج إرادة الإنسان
إذ لايمكن لنا إختراق جدار الزمن وإسترجاع الماضي بمادياته
ولكن يمكن لنا إختزال أهداف الإمام الحسين:ع:
وترجمتها وجوديا في هذه الحياة
فالإمام المهدي :ع: هنا في هذه الفقرة يُظهر :ع :
تأسفه وتحسره على ما جرى على جده الإمام الحسين:ع :
وهو:عليه السلام: يحمل في ذهنه ووجدانه الشريف الشوق لنصرة جده الحسين:ع: قيميا وماديا
وإن حالت المقادير بين نصرته المادية في وقتها
ولكنها ستكون في عناية ورعاية الإمام المهدي:ع:
في نصرته المعنوية لجده الحسين:ع
حينما يظهر ويُحقق العدل كاملا في ربوع الأرض قاطبة
وهذه المفردات من زيارة الإمام المهدي:ع:
لجده الإمام الحسين:ع::
تضعنا في درجة عالية من أهمية فهم نصرة المعصوم:ع:
ولو بأقل الممكن قدراً
وهي أيضا ترفدنا بمزيد معرفة بضرورة التفاعل الوجداني والسلوكي مع منهج إمام الوقت
وأعني الإمام المهدي:عجّلَ اللهُ تعالى فرجه الشريف :
نحن حينما نُحي زيارة الأربعين الشريفة كظاهرة حقة
علينا أن نُحافظ على خطابها وخاصة في إمتداداته القيمية على مستوى أنفسنا ومجتمعنا
لأنّ منهج الإمام الحسين:ع: يؤسس للإصلاح والتغيير
وهو عين ما يقصده ويطلبه الإمام المهدي:ع :
في ظهور وقيامه الشريف .
ومن أبرز ما يجب أن يتوفر عليه خطاب ظاهرة زيارة الأربعين الشريفة
ووفق ما جاء في متون زيارات المعصومين:ع :
:عارفاً بحقكم :
: مُستَبصِراً بشأنكم:
:مُعاديا لأعدائكم :
: موالياً لأوليائكم :
:: المقنعة: المفيد: ص475
هو
:1:
معرفة حق المعصومين:ع :
من ضرورة الإعتقاد بهم أئمةً منصوبين من قبل الله تعالى للناس أجمعين
وأنّ لكل زمان إمام حجة
وخاصة إمامنا المهدي:ع :
:2:
:الإستبصار بشأن المعصومين:ع:
بمعنى الإقتداء والإهتداء بهديهم وببصيرتهم السديدة
كما عبّر القرآن الكريم عن حقيقة الإهتداء بالهادين
قال اللهُ تعالى
{أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ }الأنعام90
وهذا الإستبصار بمنهج المعصومين:ع:
يجب أن يبرز جليّا على سطح الذات والمجتمع
:3:
:التولي والتبري :
وهما فرعان من فروع الدين الإسلامي العشرة
فالتولي :يعني ولاية المعصومين:ع: في منهاجهم عقدياً وفكريا بيحث ينتج عنه تطبيقا صحيحا.
والتبري: هو البراءة الفكرية والسلوكية من مناهج أعداء الله تعالى ورسوله والمعصومين
فعن الإمام محمد الباقر:ع: أنه قال
: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء و رضا الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته
إنّ الله عز وجل يقول
: من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا :
أما لو أنّ رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره
ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ،
ما كان له على الله عز وجل حق في ثوابه
ولا كان من أهل الايمان ،
ثم قال:عليه السلام :
أولئك المُحسن منهم يدخله الله الجنة بفضل رحمته :
:الكافي: الكليني: ج2: ص19 :
ويجب أن تقترن ظاهرة زيارة الأربعين الشريفة برضا ألله تعالى والمعصومين:ع:
وخاصة رضا الإمام الحسين:ع: والذي عبّر في يوم عاشوراء عن هذه الحقيقة
بقوله :
: رضا ألله رضانا أهل البيت:
: : اللهوف : السيد ابن طاووس : ص126
وعلى هذا الأساس القيمي والإيماني يجب تحصيل القدرالمُتَيَقَن من رضا الإمام الحسين :ع:
ورضا إمام العصر الإمام المهدي:ع :
والذي هو رضا الله تعالى
وقطعاً أنّ الإمام الحُسين :ع : سيرضى عنا
إن تمسكنا وإعتبرنا بمنهجه الشريف منهج الحرية والكرامة. الإنسانية
و بفهمنا العلمي لأهداف نهضة عا شوراء الشريفة
وإتخاذها محطة للوقوف على إصلاح أنفسنا ومجتمعنا دوريا
وبتقوية الإعتقاد بإمامة الإمام المهدي:ع: وحقيقة وجوده الشريف وحتمية ظهوره الحق .
وما زيارة الأربعين إلاّ صراط مستقيم سيوصل سالكيه يقيناً إلى عصر الظهور والقيام المهدوي الشريف وبإذن الله تعالى
وماهذه النُخب البشرية المؤمنة والتي تحمل في وجدانها الولاء والوعي والتضحية إلاّ مدادا بشريا
سيُسهم بصورة مباشرة وغير مباشرة في خلق أجيال قادمة مؤمنة وصالحة
ستؤهل لنصرة الإمام المهدي:ع: لا محالة إن شاء الله تعالى
وسلامٌ على الإمام الحسين في العالمين
وعجّلَ الله تعالى فرج إمامنا المهدي:عليه السلام:
وجعلنا من أنصاره الواعين والعاملين بين يديه
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف
===============================
قراءةٌ في الظاهرة والخطاب
==================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
من المعلوم تأريخيا أنَّ زيارة الأربعين الشريفة بدأتْ في يوم العشرين من صفر من سنة :61: للهجرة
: حيثُ كان رجوع حرم الإمام الحسين : عليه السلام:
من الشام إلى مدينة الرسول: صلى الله عليه وآله :
بعد ما مرّوا بكربلاء
وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله إلى زيارة الحسين :عليه السلام : وهو أول من زاره من الناس :
:وسائل الشيعة : الحر العاملي:ج14:ص479
ففي يوم العشرين من صفر رُدَّ الرأسُ الشريف للإمام الحسين :عليه السلام: إلى بدنه بكربلاء
وقد ذكر السيد الأجل المرتضى - قدس الله روحه –
في بعض مسائله
: أنَّ رأس الحسين بن علي :عليه السلام:
رُدَّ إلى بدنه بكربلاء من الشام وضُمَّ إليه والله أعلم :
: إعلام الورى بأعلام الورى:الطبرسي:ج1:ص477:
وعن ابن طاووس :أيضا
: إنَّ رأس الإمام الحسين :عليه السلام:
أُعيدَ فدفن مع بدنه بكربلاء :
:وسائل الشيعة:الحر العاملي:ج10:ص312:
من هنا برزتْ ظاهرة زيارة الإمام الحسين:عليه السلام:
في أربعينيَّته الشريفة وبصورة جليّة وشرعيّة
إذ وردَ فيها حثٌ وترغيبٌ شرعي من لدن الأئمة المعصومين:عليهم السلام:
فعن صفوان بن مهران الجمّال
قال:
قال لي مولاي الإمام جعفر الصادق : صلوات الله عليه :
في زيارة الأربعين :
تزور عند ارتفاع النهار :
:تهذيب الأحكام:الطوسي:ج 6 :ص 113 :
وعن الحسين بن علي بن ثوير بن أبي فاختة
قال :
قال لي أبو عبد الله الإمام الصادق:عليه السلام : :
يا حسين من خرج من منزله يريد زيارة الحسين ابن علي بن أبي طالب : عليهما السلام:
إن كان ماشيا كتبَ اللهُ له بكل خطوة حسنة ، وحُطَّ بها عنه سيئة
وإن كان راكباً كتبَ الله له بكل حافر حسنة ، وحُطَّ عنه بها سيئة
حتى إذا صار بالحائر كتبه الله من الصالحين
وإذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين
حتى إذا أراد الانصراف أتاه ملك
فقال : له : أنا رسول الله :
ربّك يقرئك السلام
ويقول لك :
استأنف فقد غفر لك ما مضى :
: وسائل الشيعة:الحر العاملي:ج14:ص439:
وروي عن أبي محمد الإمام الحسن العسكري :عليه السلام :
أنه قال:
: علامات المؤمن: خمسٌ:
صلاة الإحدى والخمسين
وزيارة الأربعين
والتختم في اليمين
وتعفير الجبين
والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم :
: مصباح المتهجد: الشيخ الطوسي: ص787 :
ومعلومٌ أنَّ هذه النصوص هي عامة ومطلقة فتشمل الرجال والنساء في إستحباب زيارة الإمام الحسين :عليه السلام:
أما مع الإمام المهدي :عليه السلام :
فظاهرة زيارة الإمام الحسين :عليه السلام:
جاءتْ بصورة الإطلاق في زيارته المفتوحة
إذ وردَ عن الإمام المهدي:عليه السلام:
في زيارته لجده الإمام الحسين:ع :
: فلئن أخرتني الدهور ، وعاقني عن نصرك المقدور
ولم أكن لمن حاربكَ مُحاربا ، ولمن نصبَ لك العداوة مُناصبا فلأندبنك صباحا ومساء
ولأبكين عليك بدل الدموع دما ، حسرة عليك وتأسفا على
ما دهاك وتلهفا حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتياب:
:المَزار:المشهدي:ص501:
بحار الأنوار:المجلسي:ج98:ص238:
إذاً بعد الذي تقدّم من التمهيد الشرعي والأخلاقي من لدن المعصومين:ع: لزيارة الإمام الحسين:ع:
في أربعينيته ومطلق زياراته
يتبين
أنَّ زيارة المعصوم:عليه السلام: هي حقٌ له على كل مَن يعتقد به إماماً منصوباً من الله تعالى
وفي هذا المجال
قال الإمام علي بن موسى الرضا :عليه السلام :
: إنّ لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته
وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحُسن الأداء
زيارة قبورهم
فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا
بما رغَّبوا فيه كان أئمته شفعاءه يوم القيامة :
: الكافي :الكليني:ج4:ص567:
وهنا يتضح مفهوم ومعنى الزيارة بصراحة أكبر
بحيث يجعل الإمام الرضا :ع :
ضابطة كلية قيميَّة تحدد وتفرض مسؤولية عقدية وأخلاقية في عنق أتباع الإمام المعصوم:ع: وشيعته
وهي التعهد الذاتي والواعي وجدانيا وذهنيا في المواظبة على
زيارة المعصوم:ع :
وهذا الحق :أعني حق المعصوم:ع: علينا في زيارته يستبطن في ذاتياته الظاهرة والخطاب
فالظاهرة هي زيارته مشياً على الأقدام أوركوبا
والمهم هو
البروز العلني في تفعيل هذا الحق بالظاهرة العيانية
وهي زيارة الأربعين المعنيّة
ذلك أنَّ لهذه الظاهرة لسانٌ :خطاب: وإن لم يك ناطقا
فلسان حالها يغني عن البيان
لكن مع هذا لا بدّ من ترشيد الظاهرة وخطابها ترشيدا قيميا ممتدا في معطياته وأبعاده بإتجاه التمهيد والتعجيل لفرج إمامنا المهدي:ع :
وهذا الترشيد إنما يأتي مُنطلِقا من الرشد والبصيرة في القرآن الكريم
ومن ضرورة الإنتماء الفكري الواعي والمُستَبصِر الى العقيدة والشريعة
قال الله تعالى
{قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }يوسف108
ففي ظاهرة زيارة الإمام الحسين:ع :
يجب أن يأخذ الهدف الحسيني الشريف القسط الأكبر في تحققاته في مجتمعنا وذواتنا أخلاقيا وسلوكيا وحتى فكريا
بصورة تنعكس في إنطباعاتها الحسينية إلى معاهدة الإمام المهدي :ع:
معاهدة أخلاقية وفكرية ونفسية وحتى تمهيدية تصبُ في صلاحنا وصالحنا الديني والمجتمعي
كون مُنعَكس ظاهرة زيارة الأربعين وخطابها الشريف أخذا حيزا واسعا في واقعنا المعاصر
لا يمكن التفريط به ولا تفويت أهدافه
وخصوصا إقتران هذه الظاهرة الشريفة بالتضحية والفداء بالنفس والمال وبكل شيء
حتى لاتكاد تمر سنة إلاّ وقد قدّم المؤمنون أنفسهم شهداء في سبيل الله تعالى
وتمسكا بمنهج الإمام الحسين:ع :
وفي نفس الوقت يزداد الأعداء حقدا وعداوة على مُحييها
و لنقف متأملين في مفردة زيارة الإمام المهدي:ع:
لجده الإمام الحسين:ع: التي ذكرناها سالفا
وهي
: فلئن أخرتني الدهور ، وعاقني عن نصرك المقدور
ولم أكن لمن حاربك محاربا ، ولمن نصب لك العداوة مناصبا ، فلأندبنك صباحا ومساء ، ولأبكين عليك بدل الدموع دما ، حسرة عليك وتأسفا على ما دهاك وتلهفا ، حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتياب:
ومن المعلوم يقيناً أنّ الإمام المهدي:ع: لو كان موجودا في زمن جده الحسين:ع: لنصرنه نصرا مبينا
ولكن كما عبّر روحي له الفدا
بقوله
أخرتني الدهور:
وعاقني عن نصرك المقدور :
وهذه أمور خارج إرادة الإنسان
إذ لايمكن لنا إختراق جدار الزمن وإسترجاع الماضي بمادياته
ولكن يمكن لنا إختزال أهداف الإمام الحسين:ع:
وترجمتها وجوديا في هذه الحياة
فالإمام المهدي :ع: هنا في هذه الفقرة يُظهر :ع :
تأسفه وتحسره على ما جرى على جده الإمام الحسين:ع :
وهو:عليه السلام: يحمل في ذهنه ووجدانه الشريف الشوق لنصرة جده الحسين:ع: قيميا وماديا
وإن حالت المقادير بين نصرته المادية في وقتها
ولكنها ستكون في عناية ورعاية الإمام المهدي:ع:
في نصرته المعنوية لجده الحسين:ع
حينما يظهر ويُحقق العدل كاملا في ربوع الأرض قاطبة
وهذه المفردات من زيارة الإمام المهدي:ع:
لجده الإمام الحسين:ع::
تضعنا في درجة عالية من أهمية فهم نصرة المعصوم:ع:
ولو بأقل الممكن قدراً
وهي أيضا ترفدنا بمزيد معرفة بضرورة التفاعل الوجداني والسلوكي مع منهج إمام الوقت
وأعني الإمام المهدي:عجّلَ اللهُ تعالى فرجه الشريف :
نحن حينما نُحي زيارة الأربعين الشريفة كظاهرة حقة
علينا أن نُحافظ على خطابها وخاصة في إمتداداته القيمية على مستوى أنفسنا ومجتمعنا
لأنّ منهج الإمام الحسين:ع: يؤسس للإصلاح والتغيير
وهو عين ما يقصده ويطلبه الإمام المهدي:ع :
في ظهور وقيامه الشريف .
ومن أبرز ما يجب أن يتوفر عليه خطاب ظاهرة زيارة الأربعين الشريفة
ووفق ما جاء في متون زيارات المعصومين:ع :
:عارفاً بحقكم :
: مُستَبصِراً بشأنكم:
:مُعاديا لأعدائكم :
: موالياً لأوليائكم :
:: المقنعة: المفيد: ص475
هو
:1:
معرفة حق المعصومين:ع :
من ضرورة الإعتقاد بهم أئمةً منصوبين من قبل الله تعالى للناس أجمعين
وأنّ لكل زمان إمام حجة
وخاصة إمامنا المهدي:ع :
:2:
:الإستبصار بشأن المعصومين:ع:
بمعنى الإقتداء والإهتداء بهديهم وببصيرتهم السديدة
كما عبّر القرآن الكريم عن حقيقة الإهتداء بالهادين
قال اللهُ تعالى
{أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ }الأنعام90
وهذا الإستبصار بمنهج المعصومين:ع:
يجب أن يبرز جليّا على سطح الذات والمجتمع
:3:
:التولي والتبري :
وهما فرعان من فروع الدين الإسلامي العشرة
فالتولي :يعني ولاية المعصومين:ع: في منهاجهم عقدياً وفكريا بيحث ينتج عنه تطبيقا صحيحا.
والتبري: هو البراءة الفكرية والسلوكية من مناهج أعداء الله تعالى ورسوله والمعصومين
فعن الإمام محمد الباقر:ع: أنه قال
: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء و رضا الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته
إنّ الله عز وجل يقول
: من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا :
أما لو أنّ رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره
ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ،
ما كان له على الله عز وجل حق في ثوابه
ولا كان من أهل الايمان ،
ثم قال:عليه السلام :
أولئك المُحسن منهم يدخله الله الجنة بفضل رحمته :
:الكافي: الكليني: ج2: ص19 :
ويجب أن تقترن ظاهرة زيارة الأربعين الشريفة برضا ألله تعالى والمعصومين:ع:
وخاصة رضا الإمام الحسين:ع: والذي عبّر في يوم عاشوراء عن هذه الحقيقة
بقوله :
: رضا ألله رضانا أهل البيت:
: : اللهوف : السيد ابن طاووس : ص126
وعلى هذا الأساس القيمي والإيماني يجب تحصيل القدرالمُتَيَقَن من رضا الإمام الحسين :ع:
ورضا إمام العصر الإمام المهدي:ع :
والذي هو رضا الله تعالى
وقطعاً أنّ الإمام الحُسين :ع : سيرضى عنا
إن تمسكنا وإعتبرنا بمنهجه الشريف منهج الحرية والكرامة. الإنسانية
و بفهمنا العلمي لأهداف نهضة عا شوراء الشريفة
وإتخاذها محطة للوقوف على إصلاح أنفسنا ومجتمعنا دوريا
وبتقوية الإعتقاد بإمامة الإمام المهدي:ع: وحقيقة وجوده الشريف وحتمية ظهوره الحق .
وما زيارة الأربعين إلاّ صراط مستقيم سيوصل سالكيه يقيناً إلى عصر الظهور والقيام المهدوي الشريف وبإذن الله تعالى
وماهذه النُخب البشرية المؤمنة والتي تحمل في وجدانها الولاء والوعي والتضحية إلاّ مدادا بشريا
سيُسهم بصورة مباشرة وغير مباشرة في خلق أجيال قادمة مؤمنة وصالحة
ستؤهل لنصرة الإمام المهدي:ع: لا محالة إن شاء الله تعالى
وسلامٌ على الإمام الحسين في العالمين
وعجّلَ الله تعالى فرج إمامنا المهدي:عليه السلام:
وجعلنا من أنصاره الواعين والعاملين بين يديه
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف