المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اهتمام الامام علي عليه السلام الحاكم بمراقبة السوق


الشيخ علي محمد حايك
16-12-2012, 07:58 PM
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

من الأمور التي اهتم بها الإمام عليّ (عليه السلام ) أثناء حكومته اهتماما بالغا مراقبة السوق، انطلاقا من حرصه على تجسيد العدالة في مرافق الحياة الإنسانية كافّة، ويعتبر الشأن الاقتصادي من أهم المرافق تأثيرا على حياة الناس واستقرارهم، وأي تقصير فيه يشكل تهديدا لحياتهم وتضييعا لأموالهم ، وقد قيل إن ثاني مؤسسة قامت بعد المسجد في المدينة المنورة هي السوق، من أجل ذلك كان عليه السلام يتفقد السوق بنفسه وقد وضع برنامجا يوميا لمراقبة السوق، ورد في الكافي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام انه قال لرجل من أهل الكوفة : " كان أمير المؤمنين عليه السلام عند كونه بالكوفة عندكم يغتدي كل يوم بكرة من القصر ، فيطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا ، معه الدرة(بكسر الدال وهي السوط) على عاتقه ، وكان لها طرفان ، وكانت تسمى السبيبة (أو السبتية بكسر السين وهي جلود البقر) فيقف على أهل كل سوق ، فينادي : يا معشر التجار اتقوا الله عز وجل ، فإذا سمعوا صوته ألقوا ما بأيديهم وارعوا إليه بقلوبهم ، وسمعوا بآذانهم فيقول عليه السلام : قدموا الاستخارة (يحثهم على طلب الخير من الله في أوله) وتبركوا بالسهولة( ابتغوا البركة من الله تعالى بالسهولة في البيع والشراء)، واقتربوا من المبتاعين(أي لا تغالوا في الثمن حتى لا ينفر الناس منكم ) وتزينوا بالحلم ، وتناهوا عن اليمين وجانبوا الكذب ، وتجافوا(ابتعدوا) عن الظلم ، وانصفوا المظلومين ، ولا تقربوا الربا وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ، ولا تعثوا في الأرض مفسدين . فيطوف في أسواق الكوفة ، ثم يرجع فيقعد للناس "
ويستفاد من هذه الرواية انه لشدة ما يترتب على عدم تنظيم وضع السوق من مخاطر كان لا يكتفي بجولة شهرية أو أسبوعية بل في كل يوم كان له جولة ليكون هذا المرفق تحت نظره دائما، وهذا ما يوجب على القيمين على الأسواق في كل زمان الاقتداء بإمام العدالة علي بن أبي طالب في ذلك، وان لا يكتفوا بجولة عابرة قد لا تتكرر إلا خلال سنوات.
ويستفاد أيضا انه لا بد من ضبط السوق وان استلزم استخدام القوة، لذا كان يخرج ومعه الدرة على عاتقه، لينفذ بنفسه العقاب المناسب بكل شخص يضبط عليه أي مخالفة كالغش والخداع,والأيمان الكاذبة,والعقود الفاسدة, وبخس المكيال والميزان وبيع البضائع الفاسدة ، والتلاعب بالأسعار، ونحو ذلك.
والاهم من ذلك تركيزه على إيجاد الرادع الذاتي في نفوسهم، فكان يحثهم على التقوى، ويوقظ ضمائرهم، لأن أصحاب الضمائر الميتة والنفوس المريضة والتي لا تخاف الله واليوم الآخر يصل بها الجشع المالي إلى حد ارتكاب جرائم تمس الأمن الغذائي للناس أين منها الحروب والإفساد في الأرض لذا كان عليه السلام يذكرهم بقوله تعالى(ولا تعثوا في الأرض مفسدين)
وقد كان صلوات الله عليه يبين لهم الأحكام والقوانين التي عليهم أن يتعلموها حتى لا يتذرع احدهم بالجهل ليفلت من العقاب ، بل انه كان يلفت نظرهم إلى أدق تفصيل فعن أبي النوار قال :
« رأيتُ عليّاً (عليه السلام) وقف على خيّاط ، فقال له: يا خيّاط ! صلِّبِ الخيطَ ، ودقِّقِ الدَّرزَ ، وقارِبِ الغرزَ ، فإنِّي سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : يُؤتى يوم القيامة بالخيّاط الخائن وعليه قميصٌ ورِداءٌ ممّا خاطَهُ ، وخانَ فيه ، فَيُفْتَضَحُ على رؤوسِ الأشهاد . ثمّ قالَ : يا خيّاطُ ! إيّاكَ والفضلاتِ والسّقطاتِ فإنّ صاحِبَ الثّوبِ أحقُّ بها »
وكان لشدة اهتمامه بهذا الأمر يذكرهم به سواء في السوق بشكل يومي أو على المنبر في خطبه العامة فقد روى الصدوق عن الأصبغ بن نباته ، قال : سمعت عليا عليه السلام يقول على المنبر : " يا معشر التجار ، الفقه ثم المتجر ، الفقه ثم المتجر ، والله للربا في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفا ، شوبوا أيمانكم بالصدق ، التاجر فاجر والفاجر في النار إلا من أخذ الحق وأعطى الحق " . وكان يقول: " من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم ". وكان ينهى غير المتفقهين في التجارة عن ممارستها، حيث قال: " لا يقعدن في السوق إلا من يعقل الشراء والبيع "
هكذا جسّد علي بن أبي طالب (عليه السلام) العدالة الاجتماعية في جانبها الاقتصادي بأدقِّ تفاصيلها وأبهى صورِها ، وهكذا كان عليه السلام يعيش آلام الأمة حتّى قطفت أروع ثمرات العدل في تاريخها كما كانت في عهد رسول الله (ص) سواء بسواء .والحمد لله رب العالمين