صادق العارضي
17-12-2012, 08:55 AM
من خطب الشهيد الثائر زيد بن علي عليهما السلام
كان زيد معروفاً بفصاحة المنطق وجزالة القول، والسرعة في الجواب وحسن المحاضرة، والوضوح في البيان والايجاز في تأدية المعاني على أبلغ وجه، وكان كلامه يشبه كلام جدّه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، بلاغةً وفصاحة فلا بِدعَ إِذاً إنْ عدّه الجاحظ من خطباء بني هاشم، ووصفه أبو اسحاق السبيعي والأعمش بأنه أفصح أهل بيته لِساناً وأكثرهم بياناً ويشهد له أن هشام بن عبدالملك لم يزل منذ دخل زيد الكوفة يبعث الكتاب أثر الكتاب إلى عامل العراق، يأمره بإخراج زيد من الكوفة ومنع الناس من حضور مجلسه، لأنّه الجذّاب للقلوب بعِلمه الجمّ وبيانه السهل، وأنّ له لساناً أقطع من السيف وأحدّ من شبا الأسنّة، وأبلغ من السحر والكهانة ومن النفث في العُقد وجوابُه لهشام بن عبدالملك يوم قال له: « بلغني أنّك تذكر الخلافة وتتمّناها ولستَ هناك وأنتَ ابن أمَة » شاهد عدلٍ على تلك الدعوى التي لم تقع محل التشكيك؛ فلقد بان على هشام في ذلك المجلس المحتشد بوجوه أهل الشام؛ العجز والانقطاع؛ حدّث معمَّر بن خُثَيم عنه أنه يقول: كنت أماري هشاماً وأكايده الكلام ولم أترك له مخرجاً؛ دخلت عليه يوماً فذكر بني أمية وافتخر بهم؛ فقال: كانوا أشد قريش أركاناً، وأعلاهم مكاناً وسلطاناً؛ وكانوا رؤوس قريش في جاهليتها ومُلوكها في اسلامها.
فقلت: على مَن تفتخر، على هاشم وهو أول من أطعم الطعام وضرب الهام وخضعت له قريش بإرغام، أم على عبدالمطلب سيّد مضر جميعاً ؟! وإن قلت معدّ كلّها صدقت، إذا ركب مشوا، وإذا انتعل احتفوا، وإذا تكلّم سكتوا، وهو مُطعم الوحش في رؤوس الجبال، والطير والسباع والإنس في السهل، حافر زمزم، وساقي الحجيج، وربيع العُمرتين، أم على بَنيه أشراف الرجال، أم على سيّد ولد آدم رسول الله صلّى الله عليه وآله المحمول على البُراق، أم على أمير المؤمنين وسيّد الوصيين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، أخي رسول الله صلّى الله عليه وآله وابن عمّه، والمفرّج عنه الكُرب، وأوّل من قال « لا إله إلا الله » بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، لم يُبارزه فارس قطّ إلاّ قتله، وقال فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله ما لم يقله في أحدٍ من أصحابه ولا لأحد من أهل بيته. فاحمرّ وجه هشام وبُهِتَ ولم يُحِرْ جواباً
وإليك ما وجدناه من خطبه محفوظاً في الجوامع ليكون مثالاً لتلك الدعوى التي لم تقع محل التشكيك.
1. حدّث أبو الجارود قال: خطب زيد بن عليّ عليه السّلام أصحابه حين الخروج فقال: « الحمدلله الذي منّ علينا بالبصيرة، وجعل لنا قلوباً عاقلة وأسماعاً واعية، قد أفلح مَن جعل الخير شعاره والحقّ دِثاره، وصلّى الله على خير خلقه الذي جاء بالصدق من عند ربّه وصدّق به الصادق [محمّد]؛ وعلى آله الطاهرين من عترته وأُسرته، والمنتجبين من أهل بيته.
أيّها الناس، العَجَل العَجَل قبل حُلول الاجل، وانقطاع الأمل، فوراً.. كم طالب لا يفوته هارب إلاّ هرب منه إليه، ففِرّوا إلى الله بطاعته، واستجيروا بثوابه من عقابه، فقد أسمعكم وبصّركم ودعاكم إليه وأنذركم، وأنتم اليوم حجّة على مَن بعدكم، إن الله يقول: ليتفقّهوا في الدِّينِ وليُنذروا قومَهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يَحذرون . ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات أولئك لهم عذاب عظيم. عِبادَ الله، إنّا ندعوكم إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ الله ولا نُشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً مِن دون الله سبحانه وتعالى، إنّ الله دمّر قوماً اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله.
عباد الله، كأنّ الدنيا إذا انقطعت وتقضّت لم تكن، وكأنّ ما هو كائن قد نزل، وكأن ما هو زائل قد رحل، فسارعوا في الخيرات واكتسبوا المعروف تكونوا مِن الله بسبيل، فإنّ من سارع في الشر واكتسب المنكر ليس من الله في شيء.
أنا اليوم أتكلّم وتسمعون ولا تنصرون، وغداً بين أظهركم هامة فتندمون، ولكن الله ينصرني إذا ردّني إليه، فهو الحاكم بينا وبين قومنا بالحق، فمن سمع دعوتنا وأناب إلى سبيلنا وجاهد بنفسه نفسه ومَن يليه من أهل الباطل لادّعائهم الدنيا الزائلة الآفلة على الآخرة الباقية، فالله من أولئك بريء؛ وهو يحكم بيننا وبينهم. إذا لقيتم قوماً فادعوهم إلى أمركم؛ فإن يُستجبْ لكم برجلٍ واحد خيرٌ مما طلعت عليه الشمس من ذهب وفضة؛ وعليكم بسيرة أمير المؤمنين عليه السّلام بالبصرة؛ لا تتبعوا مُدبراً؛ ولا تُجهزوا على جريح؛ ولا تفتحوا باباً مغلقاً، والله على ما نقول وكيل.
عبادَ الله، لا تقاتلوا عدوكم على الشكّ فتضلّوا عن سبيل الله، ولكن البصيرة ثمّ القتال؛ فإنّ الله يجازي عن اليقين أفضل جزاء يجزي به على حقّ؛ إنّه مَن قتل نفساً يشكّ في ضلالتها كمن قتل نفساً بغير حق. عبادالله البصيرة ثمّ البصيرة.
قال أبو الجارود: قلت له: يا بن رسول الله، الرجل يبذل نفسه على غير بصيرة؛ قال: نعم، أكثر مَن ترى عشقت قلوبهم الدنيا والطمع أرداهم إلا القليل، والذين لا يحضرون الدنيا على قلوبهم ولا لها يسعون أولئك مني وأنا منهم.
2. وحدّث عمر بن صالح العجلي أنه سمع زيد بن عليّ يخطب أصحابه ويقول: « الحمد لله مُذعناً له بالاستكانة، مقرّاً له بالوحدانية؛ وأتوكّل عليه توكّل من لجأ غليه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده المصطفى ورسوله المرتضى الأمين على وحيه؛ المأمون على خلقه، المؤدي إليهم ما استرعاه من حقه؛ حتّى قبضه صلّى الله عليه وآله.
أيّها الناس، أُوصيكم بتقوى الله، فإنّ الموصي بتقوى الله لم يدّخر نصيحة ولم يقصر عن إبلاغ عِظة؛ فاتّقوا الله في الأمر الذي لا يصل إلا إلى الله تعالى إن أطعتموه؛ ولا ينقص من ملكه شيء إن عصيتموه؛ ولا تستيعينوا بنعمته على معصيته؛ وأجملوا في طلب مباغي أموركم،
3. وحدّث فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره أنّ زيد بن عليّ عليه السّلام خطب الناس فقال: أيّها الناس، إنّ الله بعث في كلّ زمان خيرة، ومن كلّ خيرة منتجباً حبوةً منه؛ فإنّ الله أعلم حيث يجعل رسالته؛ ولم يزل الله يتناسخ خيرته حتّى أخرج محمّداً صلّى الله عليه وآله من أفضل بريّته وأطهر عترة أُخرجت للناس. فاتّقوا الله عبادَ الله وأجيبوا إلى الحق، وكونوا أعواناً لمن دعاكم إليه ولا تأخذوا سُنّة بني إسرائيل يكذّبون أنبياءهم وقتلوا أهل بيت نبيهم. ثمّ أنا أذكّركم أيها السامعون لدعوتنا، المتفهمون لمقالتنا، بالله العظيم الذي لم يُذكّر المذكِّرون بمثله؛ إذا ذكروه وَجِلت قلوبُهم؛ واقشعّرت جُلودُهم. ألستم تعلمون أنّا أهل بيت نبيّكم المظلومون المقهورون؛ فلا سهم وُفِّينا؛ ولا تراث أُعطينا؛ ينشأ ناشئُنا بالقهر؛ ويموت ميّتنا بالذلّ.
وَيْحكم، إنّ الله فرض عليكم جهاد أهل البَغي والعدوان؛ وفرض نُصرة أوليائه الداعين إليه وإلى كتابه؛ قال الله: ولينصرَنّ اللهُ مَن ينصرُه وإنّا قوم غضِبنا لله ربِّنا، ونقمنا الجور المعمول به في أهل ملّتنا، ووضعنا كلّ من توارث الخلافة؛ وحكم بالأهواء ونقض العهد؛ وصلّى الصلاة لغير وقتها، وأزال الأفياء والأخماس والغنائم؛ ومنعها الفقراء والمساكين وأبناء السبيل؛ وعطّل الحدود؛ وأخذ بها الجزيل من المال، وحكم بالرشا والشفاعات والمنازل، وقرّب الفاسقين، ومثّل بالصالحين، واستعمل الخونة؛ وخوّن أهل الامانات، وسلّط المجوس، وجهّز الجيوش، وقتل الوالدان، وأمر بالمنكر ونهى عن المعروف، ويحكم بخلاف حكم الله، ويصدّ عن سبيل الله، وينتهك المحارم، فمن أشرّ عند الله منزلة ممّن افترى على الله كذباً، أو صدّ عن سبيله وبغى في الأرض ؟! ومَن أعظم عند الله منزلةً ممّن أطاعه، ودان بأمره وجاهد في سبيله ؟! ومَن أحسن قولاً ممّن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ؟! أولئك يدخلون الجنة، فمن سألَنا عن دعوتنا هذه فإنّا ندعو إلى الله وإلى كتابه وايثاره على ما سواه، وأن نصلّي الصلاة لوقتها، ونأخذ الزكاة لوجهها، وندفعها إلى أهلها، وننسك المناسك بهديها، ونضع الفيء والأخماس في مواضعها، ونجاهد المشركين بعد أن ندعوهم إلى الحنيفية، وأن نجبر الكسير، ونفكّ الأسير، ونرِدُ على الفقير، ونضع النخوة والتجبّر والعدوان والكبر؛ وأن نرفق بالمعاهدين ولا نكلّفهم ما لا يطيقون. اللهمّ هذا ما ندعو إليه، ونعين ونستعين عليه، وإنا نُشهدك عليه أكبر الشاهدين، ونُشهد عليه جميع مَن أسكنته أرضك وسماواتك.
اللهمّ ومن أجاب إلى ذلك مِن مسلمٍ فأعظِم أجره وأحسن ذِكره، ومِن عاجلِ السوء وآجله فاحفَظْه وكُن له وليّاً وهادياً وناصراً. ونسألك اللهمّ من أعوانك وأنصارك على أحياء خلقك، عصابة تحبّهم ويحبونك ويجاهدون في سبيلك لا تأخذهم فيك لومة لائم. اللهمّ وأنا أوّل من أناب وأوّل من أجاب، فلبيّك يا ربّ وسعديك، فواجبوا إلى الحقّ وأجيبوا إليه أهلَه وكونوا أعواناً، فإنّما ندعوكم إلى كتاب الله وسُنّة نبيّه
كان زيد معروفاً بفصاحة المنطق وجزالة القول، والسرعة في الجواب وحسن المحاضرة، والوضوح في البيان والايجاز في تأدية المعاني على أبلغ وجه، وكان كلامه يشبه كلام جدّه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، بلاغةً وفصاحة فلا بِدعَ إِذاً إنْ عدّه الجاحظ من خطباء بني هاشم، ووصفه أبو اسحاق السبيعي والأعمش بأنه أفصح أهل بيته لِساناً وأكثرهم بياناً ويشهد له أن هشام بن عبدالملك لم يزل منذ دخل زيد الكوفة يبعث الكتاب أثر الكتاب إلى عامل العراق، يأمره بإخراج زيد من الكوفة ومنع الناس من حضور مجلسه، لأنّه الجذّاب للقلوب بعِلمه الجمّ وبيانه السهل، وأنّ له لساناً أقطع من السيف وأحدّ من شبا الأسنّة، وأبلغ من السحر والكهانة ومن النفث في العُقد وجوابُه لهشام بن عبدالملك يوم قال له: « بلغني أنّك تذكر الخلافة وتتمّناها ولستَ هناك وأنتَ ابن أمَة » شاهد عدلٍ على تلك الدعوى التي لم تقع محل التشكيك؛ فلقد بان على هشام في ذلك المجلس المحتشد بوجوه أهل الشام؛ العجز والانقطاع؛ حدّث معمَّر بن خُثَيم عنه أنه يقول: كنت أماري هشاماً وأكايده الكلام ولم أترك له مخرجاً؛ دخلت عليه يوماً فذكر بني أمية وافتخر بهم؛ فقال: كانوا أشد قريش أركاناً، وأعلاهم مكاناً وسلطاناً؛ وكانوا رؤوس قريش في جاهليتها ومُلوكها في اسلامها.
فقلت: على مَن تفتخر، على هاشم وهو أول من أطعم الطعام وضرب الهام وخضعت له قريش بإرغام، أم على عبدالمطلب سيّد مضر جميعاً ؟! وإن قلت معدّ كلّها صدقت، إذا ركب مشوا، وإذا انتعل احتفوا، وإذا تكلّم سكتوا، وهو مُطعم الوحش في رؤوس الجبال، والطير والسباع والإنس في السهل، حافر زمزم، وساقي الحجيج، وربيع العُمرتين، أم على بَنيه أشراف الرجال، أم على سيّد ولد آدم رسول الله صلّى الله عليه وآله المحمول على البُراق، أم على أمير المؤمنين وسيّد الوصيين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، أخي رسول الله صلّى الله عليه وآله وابن عمّه، والمفرّج عنه الكُرب، وأوّل من قال « لا إله إلا الله » بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، لم يُبارزه فارس قطّ إلاّ قتله، وقال فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله ما لم يقله في أحدٍ من أصحابه ولا لأحد من أهل بيته. فاحمرّ وجه هشام وبُهِتَ ولم يُحِرْ جواباً
وإليك ما وجدناه من خطبه محفوظاً في الجوامع ليكون مثالاً لتلك الدعوى التي لم تقع محل التشكيك.
1. حدّث أبو الجارود قال: خطب زيد بن عليّ عليه السّلام أصحابه حين الخروج فقال: « الحمدلله الذي منّ علينا بالبصيرة، وجعل لنا قلوباً عاقلة وأسماعاً واعية، قد أفلح مَن جعل الخير شعاره والحقّ دِثاره، وصلّى الله على خير خلقه الذي جاء بالصدق من عند ربّه وصدّق به الصادق [محمّد]؛ وعلى آله الطاهرين من عترته وأُسرته، والمنتجبين من أهل بيته.
أيّها الناس، العَجَل العَجَل قبل حُلول الاجل، وانقطاع الأمل، فوراً.. كم طالب لا يفوته هارب إلاّ هرب منه إليه، ففِرّوا إلى الله بطاعته، واستجيروا بثوابه من عقابه، فقد أسمعكم وبصّركم ودعاكم إليه وأنذركم، وأنتم اليوم حجّة على مَن بعدكم، إن الله يقول: ليتفقّهوا في الدِّينِ وليُنذروا قومَهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يَحذرون . ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات أولئك لهم عذاب عظيم. عِبادَ الله، إنّا ندعوكم إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ الله ولا نُشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً مِن دون الله سبحانه وتعالى، إنّ الله دمّر قوماً اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله.
عباد الله، كأنّ الدنيا إذا انقطعت وتقضّت لم تكن، وكأنّ ما هو كائن قد نزل، وكأن ما هو زائل قد رحل، فسارعوا في الخيرات واكتسبوا المعروف تكونوا مِن الله بسبيل، فإنّ من سارع في الشر واكتسب المنكر ليس من الله في شيء.
أنا اليوم أتكلّم وتسمعون ولا تنصرون، وغداً بين أظهركم هامة فتندمون، ولكن الله ينصرني إذا ردّني إليه، فهو الحاكم بينا وبين قومنا بالحق، فمن سمع دعوتنا وأناب إلى سبيلنا وجاهد بنفسه نفسه ومَن يليه من أهل الباطل لادّعائهم الدنيا الزائلة الآفلة على الآخرة الباقية، فالله من أولئك بريء؛ وهو يحكم بيننا وبينهم. إذا لقيتم قوماً فادعوهم إلى أمركم؛ فإن يُستجبْ لكم برجلٍ واحد خيرٌ مما طلعت عليه الشمس من ذهب وفضة؛ وعليكم بسيرة أمير المؤمنين عليه السّلام بالبصرة؛ لا تتبعوا مُدبراً؛ ولا تُجهزوا على جريح؛ ولا تفتحوا باباً مغلقاً، والله على ما نقول وكيل.
عبادَ الله، لا تقاتلوا عدوكم على الشكّ فتضلّوا عن سبيل الله، ولكن البصيرة ثمّ القتال؛ فإنّ الله يجازي عن اليقين أفضل جزاء يجزي به على حقّ؛ إنّه مَن قتل نفساً يشكّ في ضلالتها كمن قتل نفساً بغير حق. عبادالله البصيرة ثمّ البصيرة.
قال أبو الجارود: قلت له: يا بن رسول الله، الرجل يبذل نفسه على غير بصيرة؛ قال: نعم، أكثر مَن ترى عشقت قلوبهم الدنيا والطمع أرداهم إلا القليل، والذين لا يحضرون الدنيا على قلوبهم ولا لها يسعون أولئك مني وأنا منهم.
2. وحدّث عمر بن صالح العجلي أنه سمع زيد بن عليّ يخطب أصحابه ويقول: « الحمد لله مُذعناً له بالاستكانة، مقرّاً له بالوحدانية؛ وأتوكّل عليه توكّل من لجأ غليه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده المصطفى ورسوله المرتضى الأمين على وحيه؛ المأمون على خلقه، المؤدي إليهم ما استرعاه من حقه؛ حتّى قبضه صلّى الله عليه وآله.
أيّها الناس، أُوصيكم بتقوى الله، فإنّ الموصي بتقوى الله لم يدّخر نصيحة ولم يقصر عن إبلاغ عِظة؛ فاتّقوا الله في الأمر الذي لا يصل إلا إلى الله تعالى إن أطعتموه؛ ولا ينقص من ملكه شيء إن عصيتموه؛ ولا تستيعينوا بنعمته على معصيته؛ وأجملوا في طلب مباغي أموركم،
3. وحدّث فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره أنّ زيد بن عليّ عليه السّلام خطب الناس فقال: أيّها الناس، إنّ الله بعث في كلّ زمان خيرة، ومن كلّ خيرة منتجباً حبوةً منه؛ فإنّ الله أعلم حيث يجعل رسالته؛ ولم يزل الله يتناسخ خيرته حتّى أخرج محمّداً صلّى الله عليه وآله من أفضل بريّته وأطهر عترة أُخرجت للناس. فاتّقوا الله عبادَ الله وأجيبوا إلى الحق، وكونوا أعواناً لمن دعاكم إليه ولا تأخذوا سُنّة بني إسرائيل يكذّبون أنبياءهم وقتلوا أهل بيت نبيهم. ثمّ أنا أذكّركم أيها السامعون لدعوتنا، المتفهمون لمقالتنا، بالله العظيم الذي لم يُذكّر المذكِّرون بمثله؛ إذا ذكروه وَجِلت قلوبُهم؛ واقشعّرت جُلودُهم. ألستم تعلمون أنّا أهل بيت نبيّكم المظلومون المقهورون؛ فلا سهم وُفِّينا؛ ولا تراث أُعطينا؛ ينشأ ناشئُنا بالقهر؛ ويموت ميّتنا بالذلّ.
وَيْحكم، إنّ الله فرض عليكم جهاد أهل البَغي والعدوان؛ وفرض نُصرة أوليائه الداعين إليه وإلى كتابه؛ قال الله: ولينصرَنّ اللهُ مَن ينصرُه وإنّا قوم غضِبنا لله ربِّنا، ونقمنا الجور المعمول به في أهل ملّتنا، ووضعنا كلّ من توارث الخلافة؛ وحكم بالأهواء ونقض العهد؛ وصلّى الصلاة لغير وقتها، وأزال الأفياء والأخماس والغنائم؛ ومنعها الفقراء والمساكين وأبناء السبيل؛ وعطّل الحدود؛ وأخذ بها الجزيل من المال، وحكم بالرشا والشفاعات والمنازل، وقرّب الفاسقين، ومثّل بالصالحين، واستعمل الخونة؛ وخوّن أهل الامانات، وسلّط المجوس، وجهّز الجيوش، وقتل الوالدان، وأمر بالمنكر ونهى عن المعروف، ويحكم بخلاف حكم الله، ويصدّ عن سبيل الله، وينتهك المحارم، فمن أشرّ عند الله منزلة ممّن افترى على الله كذباً، أو صدّ عن سبيله وبغى في الأرض ؟! ومَن أعظم عند الله منزلةً ممّن أطاعه، ودان بأمره وجاهد في سبيله ؟! ومَن أحسن قولاً ممّن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ؟! أولئك يدخلون الجنة، فمن سألَنا عن دعوتنا هذه فإنّا ندعو إلى الله وإلى كتابه وايثاره على ما سواه، وأن نصلّي الصلاة لوقتها، ونأخذ الزكاة لوجهها، وندفعها إلى أهلها، وننسك المناسك بهديها، ونضع الفيء والأخماس في مواضعها، ونجاهد المشركين بعد أن ندعوهم إلى الحنيفية، وأن نجبر الكسير، ونفكّ الأسير، ونرِدُ على الفقير، ونضع النخوة والتجبّر والعدوان والكبر؛ وأن نرفق بالمعاهدين ولا نكلّفهم ما لا يطيقون. اللهمّ هذا ما ندعو إليه، ونعين ونستعين عليه، وإنا نُشهدك عليه أكبر الشاهدين، ونُشهد عليه جميع مَن أسكنته أرضك وسماواتك.
اللهمّ ومن أجاب إلى ذلك مِن مسلمٍ فأعظِم أجره وأحسن ذِكره، ومِن عاجلِ السوء وآجله فاحفَظْه وكُن له وليّاً وهادياً وناصراً. ونسألك اللهمّ من أعوانك وأنصارك على أحياء خلقك، عصابة تحبّهم ويحبونك ويجاهدون في سبيلك لا تأخذهم فيك لومة لائم. اللهمّ وأنا أوّل من أناب وأوّل من أجاب، فلبيّك يا ربّ وسعديك، فواجبوا إلى الحقّ وأجيبوا إليه أهلَه وكونوا أعواناً، فإنّما ندعوكم إلى كتاب الله وسُنّة نبيّه