صادق العارضي
17-12-2012, 08:57 AM
خروج واستشهاد زيد عليه السلام
كانت المظالم في بني أمية قد عمت وطمت، وكان أهل البيت على وجه أخص هم هدف هؤلاء الظالمين يخشونهم، ويبثون عليهم العيون والارصاد، ويضطهدون من يواليهم، ويتعقبونهم في كل أمر، وكانت الأمة تحمل من ذلك عنتا شديداً، وإرهاقا وإزعاجا، ومحاربة في عاطفتها الدينية وميولها الطبيعية لآل الرسول: فالفئ لا يقسم بالسوية، والمظالم لا ترد ولا تدفع، والجيوش والبعوث تبقى الزمان الطويل مُجمَّرة في أرض العدو لا تُقْفَل، ولا يستبدل بها، وعليٌّ وأبناء علي يلعنون ويطردون، وتحاك من حولهم الدسائس، ويضطهدون في أموالهم وأهليهم وضياعهم وعلومهم وذكراهم وأتباعهم، وكانت مقاتلهم ومذابحهم ومظالمهم هي هِجَّيري هؤلاء، وقصارى ما يفكرون فيه، ويشتغلون به، وقد جعلوها مباراة يتبارى فيها كل من شفه الشوق إلى النباهة بعد الخمول، والقرب بعد البعد، والصولة بعد الضعف من هؤلاء القواد المحترفين، والوزراء المتملقين، وعلماء السوء، ورواة الكذب، والبرعة في التلفيق والتشقيق، وكانت عين الزمان ما تزال باكية تتهاطل دموعها على الإمام الشهيد السبط سيد الشباب أبي عبد الله الحسين وكأن كل ما في الأرض من حي أو جماد، وكل ما في السماء من طير أو كوكب، السنة تنادي بالفجيعة فيه، وعيون تبكي، وقلوب تخفق، وصدور تضيق، وجباه تقطب، وأعصاب تهتز وتضطرب أن أوذي ابن رسول الله، وقُطِّعت بأهله وأصحابه الأرض، ومُوِّت الوفاء والرحم والقربى بهم تمويتاً، وفُوِّت الحق والعدل والانصاف تفويتاً، فهل يقر ـ وهذه هي الحال ـ سيف من سيوف الله كزيد بن علي في قرابه ؟ وإيان إذن ينتضي ويستل ؟
جاشت بذلك نفس زيد، وأنها لجَّياشة بالحق، فوَّارة على الباطل، فاعتزم أمراً عظيماً، هو الخروج على هذه الدولة الظالمة الباغية، وصادف أنه كان قد ذهب إلى العراق في خصومة بينه وبين خالد بن عبد الله القسري، إذ ادعى عليه زوراً وبهتاناً وديعة ستمائة ألف درهم، ليجعل ذلك عليه نكاية، ويدبر له به ظلماً وإثقالاً
لما كان في العراق لهذا، اتصل به أهل الكوفة، وألحوا عليه في الخروج على الأمويين ووعدوه النصر، ولكن هشاماً تنبه لما يحيط بالبطل، وأحس نشاطه ونشاط الناس من حوله، فأمر عامله على العراق يوسف بن عمر الثقفي أن يخرجه على عجل، فأمره يوسف بالرحيل، فرحل ولكنه لم يقطع بالعراق صلته، ولم يكف عن بث دعاته، والخوض في أمر بني أمية، وذكر مظالمهم، واستحقاقه للأمر من دون هشام، وقد قال مرة: " والله لا يحب الدنيا أحد إلا ذل " فبلغت هشاماً، وعرف ما تنطوي عليه نفس زيد، فقال له ذات يوم: لقد بلغني يا زيد أنك تذكر الخلافة وتتمناها،و لست هناك وأنت ابن أمة ـ وكانت أمة سندية ـ قال: لقد كان اسحق ابن حرة، وإسماعيل ابن ابن أمة، فاختص الله ولد إسماعيل فجعل منهم العرب، فما زال ذلك ينمى حتى كان منهم رسول الله !
ولم ينشب بعد لأي أن خرج ودعا الناس إلى بيعته وكان يقول لهم: " إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، وقسم هذا الفئ بين أهله بالسواء، ورد المظالم واقفال المَجَّمر ـ أي إرجاع الجيش من أرض العدو بعد مدة لا تطول ـ ونصرنا أهلَ البيت على من نصب لنا وجهل حقنا ـ أتبايعون على ذلك ؟ فإذا قالوا: نعم، وضع يده على يدهم.
ووصلته البيعة من كثير من الفقهاء والقراء وأهل البصائر (1) فلم يلبث بنو أمية أن بعثوا إلى الكوفة بالجيوش لمناجزتة، فخرج معه بعض أهل الكوفة وتخلف عنه آخرون، وكانت المعارك ما بين الكوفة والحيرة، فلما جد الجد تفرق
كانت المظالم في بني أمية قد عمت وطمت، وكان أهل البيت على وجه أخص هم هدف هؤلاء الظالمين يخشونهم، ويبثون عليهم العيون والارصاد، ويضطهدون من يواليهم، ويتعقبونهم في كل أمر، وكانت الأمة تحمل من ذلك عنتا شديداً، وإرهاقا وإزعاجا، ومحاربة في عاطفتها الدينية وميولها الطبيعية لآل الرسول: فالفئ لا يقسم بالسوية، والمظالم لا ترد ولا تدفع، والجيوش والبعوث تبقى الزمان الطويل مُجمَّرة في أرض العدو لا تُقْفَل، ولا يستبدل بها، وعليٌّ وأبناء علي يلعنون ويطردون، وتحاك من حولهم الدسائس، ويضطهدون في أموالهم وأهليهم وضياعهم وعلومهم وذكراهم وأتباعهم، وكانت مقاتلهم ومذابحهم ومظالمهم هي هِجَّيري هؤلاء، وقصارى ما يفكرون فيه، ويشتغلون به، وقد جعلوها مباراة يتبارى فيها كل من شفه الشوق إلى النباهة بعد الخمول، والقرب بعد البعد، والصولة بعد الضعف من هؤلاء القواد المحترفين، والوزراء المتملقين، وعلماء السوء، ورواة الكذب، والبرعة في التلفيق والتشقيق، وكانت عين الزمان ما تزال باكية تتهاطل دموعها على الإمام الشهيد السبط سيد الشباب أبي عبد الله الحسين وكأن كل ما في الأرض من حي أو جماد، وكل ما في السماء من طير أو كوكب، السنة تنادي بالفجيعة فيه، وعيون تبكي، وقلوب تخفق، وصدور تضيق، وجباه تقطب، وأعصاب تهتز وتضطرب أن أوذي ابن رسول الله، وقُطِّعت بأهله وأصحابه الأرض، ومُوِّت الوفاء والرحم والقربى بهم تمويتاً، وفُوِّت الحق والعدل والانصاف تفويتاً، فهل يقر ـ وهذه هي الحال ـ سيف من سيوف الله كزيد بن علي في قرابه ؟ وإيان إذن ينتضي ويستل ؟
جاشت بذلك نفس زيد، وأنها لجَّياشة بالحق، فوَّارة على الباطل، فاعتزم أمراً عظيماً، هو الخروج على هذه الدولة الظالمة الباغية، وصادف أنه كان قد ذهب إلى العراق في خصومة بينه وبين خالد بن عبد الله القسري، إذ ادعى عليه زوراً وبهتاناً وديعة ستمائة ألف درهم، ليجعل ذلك عليه نكاية، ويدبر له به ظلماً وإثقالاً
لما كان في العراق لهذا، اتصل به أهل الكوفة، وألحوا عليه في الخروج على الأمويين ووعدوه النصر، ولكن هشاماً تنبه لما يحيط بالبطل، وأحس نشاطه ونشاط الناس من حوله، فأمر عامله على العراق يوسف بن عمر الثقفي أن يخرجه على عجل، فأمره يوسف بالرحيل، فرحل ولكنه لم يقطع بالعراق صلته، ولم يكف عن بث دعاته، والخوض في أمر بني أمية، وذكر مظالمهم، واستحقاقه للأمر من دون هشام، وقد قال مرة: " والله لا يحب الدنيا أحد إلا ذل " فبلغت هشاماً، وعرف ما تنطوي عليه نفس زيد، فقال له ذات يوم: لقد بلغني يا زيد أنك تذكر الخلافة وتتمناها،و لست هناك وأنت ابن أمة ـ وكانت أمة سندية ـ قال: لقد كان اسحق ابن حرة، وإسماعيل ابن ابن أمة، فاختص الله ولد إسماعيل فجعل منهم العرب، فما زال ذلك ينمى حتى كان منهم رسول الله !
ولم ينشب بعد لأي أن خرج ودعا الناس إلى بيعته وكان يقول لهم: " إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، وقسم هذا الفئ بين أهله بالسواء، ورد المظالم واقفال المَجَّمر ـ أي إرجاع الجيش من أرض العدو بعد مدة لا تطول ـ ونصرنا أهلَ البيت على من نصب لنا وجهل حقنا ـ أتبايعون على ذلك ؟ فإذا قالوا: نعم، وضع يده على يدهم.
ووصلته البيعة من كثير من الفقهاء والقراء وأهل البصائر (1) فلم يلبث بنو أمية أن بعثوا إلى الكوفة بالجيوش لمناجزتة، فخرج معه بعض أهل الكوفة وتخلف عنه آخرون، وكانت المعارك ما بين الكوفة والحيرة، فلما جد الجد تفرق