نووورا انا
18-12-2012, 12:43 AM
هكذا يقرأنا الغرب: عرض لكتاب (ما بعد النبيّ.. ملحمة الانقسام بين الشيعة والسنة في الإسلام)؛للكاتبة الأنكليزية ليزلي هازلتون عاشوراء والمتضادات!
http://www.burathanews.com/media/pics/1354176044.jpg
تنبع مفصلية أحداث وقيم عاشوراء ـ وفقاً للكاتبة ـ في أنها تتعدى كونها تاريخاً قديماً، وإنما أحداث تُعاش في الحاضر وتُؤثِّر في الحياة اليومية لشريحة كبيرة من الناس، وممّا قالته هو الاقتباس العميق الذي بدأ به المقال والذي يتحدث عن العراق، فكأنما العراق ذو التاريخ الأعرق في العالم بلا تاريخ، وذلك لأن التاريخ بقيَمِه ومعانيه يتجسّد حيّاً حاليّاً من خلال عاشوراء، هذا العامل هو ما يعطي قصة عاشوراء عمقاً وقوة في المعنى، فعاشوراء أكبر من كونها قصة تُحكى، إنما أحداث تُعاش.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
هناك.. حيث تبدو تلك البقعة وكأنها بلا تاريخ، ذلك أن الماضي هو الحاضر، ووقتئذٍ هو الآن، ولهذا هذه القصة لها هذه القوة ... التفاصيل الدقيقة تسقط أهمّيتها أمام حدث بهذا العمق والضخامة"!
في السابع عشر من سبتمبر لعام 2009، استضافت قاعةُ مدينة سياتل الأمريكية للحياة المدنية صاحبةَ الكلمات أعلاه، الكاتبة "ليزلي هازلتون"، في أول قراءة عامة لها لكتابها الجديد (ما بعد النبي.. ملحمة الانقسام بين الشيعة والسنة في الإسلام)، لمناقشة أفكارها في سبيل
• الكاتبة:
ليزلي هازلتون؛ ذات الخلفية اليهودية، من مواليد إنجلترا، نالت درجة البكالوريوس في علم النفس من جامعة مانشستر الإنجليزية، والماجستيرَ في نفس التخصص من الجامعة العبرية في القدس المحتلة، وقد تخصّصت في مجال تقاطع الدين مع السياسة. عملت مراسلة لمجلة الـ Time من فلسطين المحتلة، وبعدها ككاتبة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط لكثير من المنشورات، مثل The New York Times, Harper’s, The Nation وغيرها، قبل أن تستقر قبل خمسة عشر عاماً في أمريكا وتنال جنسيتها. ألّفت أكثر من أحد عشر كتاباً، وعملت كمحاضِرة في بعض الجامعات الأمريكية، منها جامعة واشنطن بسياتل وجامعة بنسلفانيا الحكومية وجامعة باسيفيك لوثرن. من أشهر أقوالها: ”الخطورة تكمن في التفكير أُحادي الأبعاد“.
• كتاب (ما بعد النبيّ.. ملحمة الانقسام بين الشيعة والسنة في الإسلام)؛ عاشوراء والمتضادات!
في كتابها الأخير (ما بعد النبي)، والذي يُعدّ محاولة لتنوير العقل الغربي بالقضايا والأفكار الأساسية التي تؤثر في حياة المسلمين، أعطت هزلتون جزءً كبيراً من كتابها لقضية عاشوراء، كحدثٍ مفصليّ تاريخيّ في التاريخ الإسلامي، فقد
يُلاحَظ محاولة الكاتبة لتوصيل القيم والأحاسيس العميقة، مخترقة الاختلافات الثقافية والدينية بين العالَـمَيْن الإسلامي والغربي، فلقد حاولت أكثر من مرّة توضيح التشابه بين قصة عيسى وقصة الحسين (عليهما السلام)، لنقل المعاني الإنسانية التي يراها الشيعة في قصة الحسين (عليه السلام).
يبدأ الكتاب بتساؤل: كيف يمكن لمحمّدٍ رسول الوحدة، الأُمة الواحدة والربّ الواحد، أن يترك خلفه هذا الانقسام المأساوي والدموي ـ والذي يبدو بلا نهاية ـ بين السنة والشيعة؟! هذا التساؤل قاد الكاتبةَ لدراسة التاريخ الإسلامي، والذي وجدت فيه ـ على حسب تعبيرها ـ قصة حية معروفة لكل السُنّة، ولكنها مدفونة في قلوب كل الشيعة، ورغم هذا تظل هذه القصة غير معروفة في العالم الغربي! وترجع هزلتون تميّز هذه القصة بسبب خواصها الفريدة، والتي تقول على سبيل الممازحة بأن الروائي الكولومبي العالمي جابريل جارسيا ماركيز والحائز على جائزة نوبل في الأدب، سيشعر بالغيرة إذا قرأها، لما تتميّز به هذه القصة من معاني، فهذه القصة تجمع المتضادات: الولاء ضد الخيانة، الحب ضد الحرب، النبل ضد الفساد، الأخلاق ضد السياسة، والتي زامنت الأحداث بعد وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ومَن سيقود الإسلام من بعده. هذه الأحداث إذا ما ناقشها الغربُ ستكون مناقشتها مختصرة، وهذا الاختصار يلازمه عدم التعمق في القضية، والذي يكمن فيه الجوهر والعاطفة والمتعة!
الكتاب موجَّه للقُرّاء الغربيّين لمعرفة القصة بعمقها ومأساتها، ولمعرفة سبب كونها في إلهام الناس إيجاباً وسلباً، حيث أن هذه هي الطريقة الوحيدة لمعرفة ما يحدث في الشرق الأوسط. هذه القصة حيّة، مع أنها حدثت قبل حوالي 1400 عام، فيبدو وكأنها حدثت بالأمس، وهذه إحدى مفارقات التاريخ كما تقول الكاتبة.
• الطريق إلى فهم الانقسام يتمحور حول الحسين:
تبدأ الكاتبة بشرح الخلافات الأساسية بين السنة والشيعة، بخصوص الخلافة والحروب المدنية التي حدثت بسببها، وصولاً إلى الحكم الأموي الذي يقود إلى الحدث المفصلي، في محاولتها لفهم أسباب الانقسام بين المسلمين.
تقول هزلتون: ”كان من الصعب تحديد ما يُقرأ من وفاة الرسول إلى الحرب في العراق الآن، لكن حدثاً واحداً في الماضي لم يكن تجنُّب الانقسام بعد حدوثه ممكناً، وهو ما حدث في كربلاء.. تسعة عشر عاماً بعد وفاة الإمام علي وأقل من خمسين عاماً بعد وفاة الرسول ... فإذا كان عليّ هو الرمز الأساسي للمسلمين الشيعة، فالحسين هو رمز التضحية، فما حدث له عندما وصل إلى العراق سيصبح قصة عاطفية وروحية، قصة العشق والولع الشيعيّة ... لا أحد يناقش في صحة الحدث، ولكن يناقش لماذا حدث ما حدث؟“.
أسهبت الكاتبةُ في توصيف تفاصيل الأحداث، مِن خروج الإمام الحسين (عليه السلام) من مكة إلى قمع الانتفاضة في الكوفة قبل بدئها، ثمّ إلى أحداث يوم عاشوراء وصولاً إلى الحاضر.
إحدى ملاحظات هزلتون فيما يخص التشابه بين الثقافات، كان يتعلّق بوحشية وجور الحكّام الظالمين لدى الرومان والمسلمين على حدٍّ سواء، عندما علّقت على ما حدث لمسلم بن عقيل وكيف تم صلبه في سوق الكوفة: ”لم يكن الرومانيّون الوحيدين الذين استخدموا الصلب“!
ثم تحاول الكاتبة فهم أسباب إصرار الإمام الحسين (صلوات الله عليه) على مواصلة طريقه إلى العراق، حتى بعد علمه بقمع الانتفاضة الكوفية قبل بدئها من قبل الأمويين، فهو لم يكن محارباً ولا رجل دولة سياسي، ولكنه كان عالماً ومعروفاً بأنه الوحيد في ذلك الوقت الذي يحظى بشرف روح الرسول بين جنبيه، فتتساءل بفضولها الغربي:
- ما الذي يدفع هذا الشيخ الكبير لما قام به؟
- لماذا لا يذهب ليعيش آخر أيامه بسلام في مكة أو المدينة؟
- ولماذا ذهب إلى العراق، وهو البلد الذي عانى أبوه الإمام علي من أهله أثناء حربه مع معاوية؟ هل ظنّ الحسينُ أنهم حقاً تغيّروا؟
- هل كان يظنّ أنّ العدل يمكن أن يغلب السلطة والقوة؟
- هل كان يظنّ أنّ اثنين وسبعين مقاتل يستطيعون التغلُّب على جيش يزيد؟
- هل كان فاقداً للواقع، أم مليئاً بالنُبل والعدل والصواب فيما يخص هدفه؟
- هل كان يتحرك بيأس أم بنقاء الدافع؟
أسئلة كثيرة طرحتها الكاتبة، وحاولت الغوص في أعماق التاريخ لمعرفة إجاباتها ولمعرفة الحقيقة.
• خروج الحسين.. بين السنة والشيعة:
توضح هزلتون رأي المدرسة السنية وتقول: ”انهم يقولون بأن تحرك الحسين كان دليلاً لافتقاده المؤهلات المناسبة لإسقاط الإمبراطورية الأموية، فلقد كان يسعى لمصير سيّء لا يجب على الإنسان أن يتخذه، وكان عليه أن يعترف بالواقع ويخضع للتاريخ“، وتستدل بقول ابن تيمية والذي تصفه بمُعادي الشيعة، والذي وصف حركة الحسين بالـ (غير فعّالة)، فهو يرى خطأ الحسين في أنه بدون الدولة لا يمكن التطبيق الشريعة، ولكن هزلتون لا تنسى التعليق بأن ابن تيمية عندها يعترف بافتراق الشريعة عن الدولة، وهو الأمر الذي لم يكن كذلك في زمن الرسول (صلّى الله عليه وآله).
بعد ذلك توضح الكاتبة رأي مدرسة أهل البيت وتقول: ”إن الشيعة يرون أن نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) كانت تمثل الشجاعة المطلقة والنبل المطلق في التضحية بالنفس، فلقد قام بحركته عن وعي كامل ومعرفة تامة بأهميتها، فالحسين اتخذ الطريق الوحيد أمامه لفضح فساد الحكم الاموي، واستشهاده سبّب صدمة لكلِّ المسلمين، ليرجعوا إلى الإسلام الحقيقي تحت الحكم الذي أراده الرسول المتمثل في أهل البيت، فهو بهداية إلهية ضحّى بنفسه كما ضحى النبيّ عيسى قبله بستمائة عام، تضحية مقدسة في سبيل الآخرين، واستسلامه للموت كان صورة للفداء الأمثل“.
• في قلب الحدث: كربلاء ورموزٌ لا تموت:
في وصفها لأحداث ما بعد الوصول إلى الكربلاء، وبعد منعِ الماء عن الإمام الحسين (عليه السلام) في ذلك الحرّ الشديد، تقول هزلتون: ”بينما كان جيش شمر ينتظر أن يحلّ الضعفُ بالحسين جراء العطش ليأتي لهم راكعاً، تكوّنت أحداث تاريخية واحدة تلو الأُخرى، أحداث لا يمكن أن تموت ... فالرموز الشيعية كانت تولَد حينها!“.
وتطرقت إلى تفاصيل زفاف القاسم الشاب، عبد الله الرضيع، العباس بن علي، وغيرها من الأحداث.. عندما كانت هزلتون تصف زفاف القاسم الذي تم، على الرغم من عدم إمكانية إتمام الزواج، بسبب العلم بالأمر المحتوم (الموت) وما سيحدث من بعد ذلك، وصفته بأنه صورة للاحتفال بالحياة على الموت والمستقبل على الحاضر.
وفي توصيفها لليلة عاشوراء، ولمحاولة تقريب الصورة للمتلقي الغربي المتأثر بالثقافة المسيحية، وصفت الكاتبة الليلةَ بأنها موازية لليلة العشاء الأخير لدى المسيحيين، والتي شارك فيها نبيُّ الله عيسى حواريّه العشاء للمرة الأخيرة قبل موته، ووضّحت مدى إخلاص و تفاني أتباع الحسين برفضهم طلبه منهم بتركه والتستر بالليل للهروب، ومدى تسليم الحسين لقضاء الله، ثم قضاء اللّيلة الاخيرة بين الصلاة والتجهيز والدموع.
• الشيعة اليوم:
في القسم التالي، تعبر الكاتبةُ الزمنَ لتصف حال الشيعة اليوم وتعاملهم مع أحداث عاشوراء، فتوضّح مدى محورية الحدث بالنسبة للفرد الشيعي، بحيث تم إبقاؤه حيّاً سنة بعد سنة وقرناً بعد قرناً، ولكن ذلك لم يتم بقراءة القصة كاملة، ولكن بالتذكر والتكرار والتمثيل في العشر الليالي الأُولى من شهر المحرم، فتصف مواكب العزاء الضخمة التي تتكرر كل سنة، ثم تُسهب في التفاصيل ومدى تأثر الناس وبما يواكب ذلك من لطم و بكاء، وتقول: ”قمة المأساة ليست حينما قُتل الحسين، ولكنها لحظة القبول بالموت“.
وفي وصفها لمدى تأثير أيام عاشوراء، تعكس الكاتبة قدرة كبيرة في قراءة أبعاد الشعائر الحسينيّـة، مثل التمثيل واللطم، بشكل غاب حتى على بعض الأصوات الشيعية الحديثة، ممّن تستنقص من هذه الشعائر وتعتبرها تخلّفاً أو غير مواكبة للعصر أو شعائر تصلح للمتاحف، فتواصل هزلتون المتخصصة في علم النفس: ”إن تجمّع الناس في بيوت الحسين هو فرصة للبكاء، التأمل والتفكير والعلاج.. وعندما تتجمع النسوة لتجهيز زفاف القاسم من سكينة، وتجهيز منام عبد الله الرضيع، وما يصاحب هذا التمثيل لاحقاً من توزيع للحلوى، فإن هؤلاء النسوة يخلقن رابطاً بين أولادهن والحسين وقضيته، ممّا يُسهم في ترسيخ مبادئ تحفظهم من العنف والمخدرات وكلّ أمراض العصر الأخلاقية“.
الشيعة اليوم
ثم تواصل الكاتبة وصفها للشعائر الحسينية، والتي تصل ذروتها في يوم العاشر الذي تخرج فيه الناس بالمئات في القرى وبالآلاف في المدن وبصوت باكي، تواصل وصفها للّطم على الصدور وما يواكبه من صياح: "يا حسين، يا حسين"، فتقول: ”صوت ضخم يمكن سماعه من بعيد، وكأنه صوت جرس كاتدرائية في يوم الإيستر، ولكن التعجب يزداد عند معرفة أن مصدر هذا الصوت الضخم إنما هو نتاج ضرب الكفوف على الصدور! وبعضهم يذهب أبعد من ذلك، فبعضهم يضرب ظهره وأكتافه بالسلاسل والشفرات حتى تسيل منهم الدماء، وبعضهم يضرب نفسه بالسكاكين حتى تختلط الدماء السائلة من رؤوسهم بدموعهم، في موقف خليط من القدسية والرهبة“.
يُلاحَظ في هذا المقطع دقة وصف الكاتبة لمراسم عاشوراء، ويُلاحظ أيضاً أنها لم تستنقص أو تنتقد هذه الشعائر، وإنما وصفتها باحترام وموضوعية، في تطبيق لمبدئها المُشار له أعلاه: "الخطورة تكمن في التفكير أُحادي الأبعاد".
و تختم الكاتبة: ”في اللحظة التي قُتل فيها الحُسين، وما يعتبره السُنة تاريخاً، وُلد تاريخ مُقدّس لدى الشيعة، والذي سيكون شعلة لكل ما سيحدث لاحقاً ... والخلافات حول التفاصيل الدقيقة في المعركة تسقط أهميتها أمام حدث بهذا العمق والضخامة ... فموت الحُسين يعبر التاريخ إلى تفاصيل ومكوّنات التاريخ، ويدخل مساحة الإيمان والإلهام والعشق العاطفي والديني“.
http://www.burathanews.com/media/pics/1354176044.jpg
تنبع مفصلية أحداث وقيم عاشوراء ـ وفقاً للكاتبة ـ في أنها تتعدى كونها تاريخاً قديماً، وإنما أحداث تُعاش في الحاضر وتُؤثِّر في الحياة اليومية لشريحة كبيرة من الناس، وممّا قالته هو الاقتباس العميق الذي بدأ به المقال والذي يتحدث عن العراق، فكأنما العراق ذو التاريخ الأعرق في العالم بلا تاريخ، وذلك لأن التاريخ بقيَمِه ومعانيه يتجسّد حيّاً حاليّاً من خلال عاشوراء، هذا العامل هو ما يعطي قصة عاشوراء عمقاً وقوة في المعنى، فعاشوراء أكبر من كونها قصة تُحكى، إنما أحداث تُعاش.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
هناك.. حيث تبدو تلك البقعة وكأنها بلا تاريخ، ذلك أن الماضي هو الحاضر، ووقتئذٍ هو الآن، ولهذا هذه القصة لها هذه القوة ... التفاصيل الدقيقة تسقط أهمّيتها أمام حدث بهذا العمق والضخامة"!
في السابع عشر من سبتمبر لعام 2009، استضافت قاعةُ مدينة سياتل الأمريكية للحياة المدنية صاحبةَ الكلمات أعلاه، الكاتبة "ليزلي هازلتون"، في أول قراءة عامة لها لكتابها الجديد (ما بعد النبي.. ملحمة الانقسام بين الشيعة والسنة في الإسلام)، لمناقشة أفكارها في سبيل
• الكاتبة:
ليزلي هازلتون؛ ذات الخلفية اليهودية، من مواليد إنجلترا، نالت درجة البكالوريوس في علم النفس من جامعة مانشستر الإنجليزية، والماجستيرَ في نفس التخصص من الجامعة العبرية في القدس المحتلة، وقد تخصّصت في مجال تقاطع الدين مع السياسة. عملت مراسلة لمجلة الـ Time من فلسطين المحتلة، وبعدها ككاتبة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط لكثير من المنشورات، مثل The New York Times, Harper’s, The Nation وغيرها، قبل أن تستقر قبل خمسة عشر عاماً في أمريكا وتنال جنسيتها. ألّفت أكثر من أحد عشر كتاباً، وعملت كمحاضِرة في بعض الجامعات الأمريكية، منها جامعة واشنطن بسياتل وجامعة بنسلفانيا الحكومية وجامعة باسيفيك لوثرن. من أشهر أقوالها: ”الخطورة تكمن في التفكير أُحادي الأبعاد“.
• كتاب (ما بعد النبيّ.. ملحمة الانقسام بين الشيعة والسنة في الإسلام)؛ عاشوراء والمتضادات!
في كتابها الأخير (ما بعد النبي)، والذي يُعدّ محاولة لتنوير العقل الغربي بالقضايا والأفكار الأساسية التي تؤثر في حياة المسلمين، أعطت هزلتون جزءً كبيراً من كتابها لقضية عاشوراء، كحدثٍ مفصليّ تاريخيّ في التاريخ الإسلامي، فقد
يُلاحَظ محاولة الكاتبة لتوصيل القيم والأحاسيس العميقة، مخترقة الاختلافات الثقافية والدينية بين العالَـمَيْن الإسلامي والغربي، فلقد حاولت أكثر من مرّة توضيح التشابه بين قصة عيسى وقصة الحسين (عليهما السلام)، لنقل المعاني الإنسانية التي يراها الشيعة في قصة الحسين (عليه السلام).
يبدأ الكتاب بتساؤل: كيف يمكن لمحمّدٍ رسول الوحدة، الأُمة الواحدة والربّ الواحد، أن يترك خلفه هذا الانقسام المأساوي والدموي ـ والذي يبدو بلا نهاية ـ بين السنة والشيعة؟! هذا التساؤل قاد الكاتبةَ لدراسة التاريخ الإسلامي، والذي وجدت فيه ـ على حسب تعبيرها ـ قصة حية معروفة لكل السُنّة، ولكنها مدفونة في قلوب كل الشيعة، ورغم هذا تظل هذه القصة غير معروفة في العالم الغربي! وترجع هزلتون تميّز هذه القصة بسبب خواصها الفريدة، والتي تقول على سبيل الممازحة بأن الروائي الكولومبي العالمي جابريل جارسيا ماركيز والحائز على جائزة نوبل في الأدب، سيشعر بالغيرة إذا قرأها، لما تتميّز به هذه القصة من معاني، فهذه القصة تجمع المتضادات: الولاء ضد الخيانة، الحب ضد الحرب، النبل ضد الفساد، الأخلاق ضد السياسة، والتي زامنت الأحداث بعد وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ومَن سيقود الإسلام من بعده. هذه الأحداث إذا ما ناقشها الغربُ ستكون مناقشتها مختصرة، وهذا الاختصار يلازمه عدم التعمق في القضية، والذي يكمن فيه الجوهر والعاطفة والمتعة!
الكتاب موجَّه للقُرّاء الغربيّين لمعرفة القصة بعمقها ومأساتها، ولمعرفة سبب كونها في إلهام الناس إيجاباً وسلباً، حيث أن هذه هي الطريقة الوحيدة لمعرفة ما يحدث في الشرق الأوسط. هذه القصة حيّة، مع أنها حدثت قبل حوالي 1400 عام، فيبدو وكأنها حدثت بالأمس، وهذه إحدى مفارقات التاريخ كما تقول الكاتبة.
• الطريق إلى فهم الانقسام يتمحور حول الحسين:
تبدأ الكاتبة بشرح الخلافات الأساسية بين السنة والشيعة، بخصوص الخلافة والحروب المدنية التي حدثت بسببها، وصولاً إلى الحكم الأموي الذي يقود إلى الحدث المفصلي، في محاولتها لفهم أسباب الانقسام بين المسلمين.
تقول هزلتون: ”كان من الصعب تحديد ما يُقرأ من وفاة الرسول إلى الحرب في العراق الآن، لكن حدثاً واحداً في الماضي لم يكن تجنُّب الانقسام بعد حدوثه ممكناً، وهو ما حدث في كربلاء.. تسعة عشر عاماً بعد وفاة الإمام علي وأقل من خمسين عاماً بعد وفاة الرسول ... فإذا كان عليّ هو الرمز الأساسي للمسلمين الشيعة، فالحسين هو رمز التضحية، فما حدث له عندما وصل إلى العراق سيصبح قصة عاطفية وروحية، قصة العشق والولع الشيعيّة ... لا أحد يناقش في صحة الحدث، ولكن يناقش لماذا حدث ما حدث؟“.
أسهبت الكاتبةُ في توصيف تفاصيل الأحداث، مِن خروج الإمام الحسين (عليه السلام) من مكة إلى قمع الانتفاضة في الكوفة قبل بدئها، ثمّ إلى أحداث يوم عاشوراء وصولاً إلى الحاضر.
إحدى ملاحظات هزلتون فيما يخص التشابه بين الثقافات، كان يتعلّق بوحشية وجور الحكّام الظالمين لدى الرومان والمسلمين على حدٍّ سواء، عندما علّقت على ما حدث لمسلم بن عقيل وكيف تم صلبه في سوق الكوفة: ”لم يكن الرومانيّون الوحيدين الذين استخدموا الصلب“!
ثم تحاول الكاتبة فهم أسباب إصرار الإمام الحسين (صلوات الله عليه) على مواصلة طريقه إلى العراق، حتى بعد علمه بقمع الانتفاضة الكوفية قبل بدئها من قبل الأمويين، فهو لم يكن محارباً ولا رجل دولة سياسي، ولكنه كان عالماً ومعروفاً بأنه الوحيد في ذلك الوقت الذي يحظى بشرف روح الرسول بين جنبيه، فتتساءل بفضولها الغربي:
- ما الذي يدفع هذا الشيخ الكبير لما قام به؟
- لماذا لا يذهب ليعيش آخر أيامه بسلام في مكة أو المدينة؟
- ولماذا ذهب إلى العراق، وهو البلد الذي عانى أبوه الإمام علي من أهله أثناء حربه مع معاوية؟ هل ظنّ الحسينُ أنهم حقاً تغيّروا؟
- هل كان يظنّ أنّ العدل يمكن أن يغلب السلطة والقوة؟
- هل كان يظنّ أنّ اثنين وسبعين مقاتل يستطيعون التغلُّب على جيش يزيد؟
- هل كان فاقداً للواقع، أم مليئاً بالنُبل والعدل والصواب فيما يخص هدفه؟
- هل كان يتحرك بيأس أم بنقاء الدافع؟
أسئلة كثيرة طرحتها الكاتبة، وحاولت الغوص في أعماق التاريخ لمعرفة إجاباتها ولمعرفة الحقيقة.
• خروج الحسين.. بين السنة والشيعة:
توضح هزلتون رأي المدرسة السنية وتقول: ”انهم يقولون بأن تحرك الحسين كان دليلاً لافتقاده المؤهلات المناسبة لإسقاط الإمبراطورية الأموية، فلقد كان يسعى لمصير سيّء لا يجب على الإنسان أن يتخذه، وكان عليه أن يعترف بالواقع ويخضع للتاريخ“، وتستدل بقول ابن تيمية والذي تصفه بمُعادي الشيعة، والذي وصف حركة الحسين بالـ (غير فعّالة)، فهو يرى خطأ الحسين في أنه بدون الدولة لا يمكن التطبيق الشريعة، ولكن هزلتون لا تنسى التعليق بأن ابن تيمية عندها يعترف بافتراق الشريعة عن الدولة، وهو الأمر الذي لم يكن كذلك في زمن الرسول (صلّى الله عليه وآله).
بعد ذلك توضح الكاتبة رأي مدرسة أهل البيت وتقول: ”إن الشيعة يرون أن نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) كانت تمثل الشجاعة المطلقة والنبل المطلق في التضحية بالنفس، فلقد قام بحركته عن وعي كامل ومعرفة تامة بأهميتها، فالحسين اتخذ الطريق الوحيد أمامه لفضح فساد الحكم الاموي، واستشهاده سبّب صدمة لكلِّ المسلمين، ليرجعوا إلى الإسلام الحقيقي تحت الحكم الذي أراده الرسول المتمثل في أهل البيت، فهو بهداية إلهية ضحّى بنفسه كما ضحى النبيّ عيسى قبله بستمائة عام، تضحية مقدسة في سبيل الآخرين، واستسلامه للموت كان صورة للفداء الأمثل“.
• في قلب الحدث: كربلاء ورموزٌ لا تموت:
في وصفها لأحداث ما بعد الوصول إلى الكربلاء، وبعد منعِ الماء عن الإمام الحسين (عليه السلام) في ذلك الحرّ الشديد، تقول هزلتون: ”بينما كان جيش شمر ينتظر أن يحلّ الضعفُ بالحسين جراء العطش ليأتي لهم راكعاً، تكوّنت أحداث تاريخية واحدة تلو الأُخرى، أحداث لا يمكن أن تموت ... فالرموز الشيعية كانت تولَد حينها!“.
وتطرقت إلى تفاصيل زفاف القاسم الشاب، عبد الله الرضيع، العباس بن علي، وغيرها من الأحداث.. عندما كانت هزلتون تصف زفاف القاسم الذي تم، على الرغم من عدم إمكانية إتمام الزواج، بسبب العلم بالأمر المحتوم (الموت) وما سيحدث من بعد ذلك، وصفته بأنه صورة للاحتفال بالحياة على الموت والمستقبل على الحاضر.
وفي توصيفها لليلة عاشوراء، ولمحاولة تقريب الصورة للمتلقي الغربي المتأثر بالثقافة المسيحية، وصفت الكاتبة الليلةَ بأنها موازية لليلة العشاء الأخير لدى المسيحيين، والتي شارك فيها نبيُّ الله عيسى حواريّه العشاء للمرة الأخيرة قبل موته، ووضّحت مدى إخلاص و تفاني أتباع الحسين برفضهم طلبه منهم بتركه والتستر بالليل للهروب، ومدى تسليم الحسين لقضاء الله، ثم قضاء اللّيلة الاخيرة بين الصلاة والتجهيز والدموع.
• الشيعة اليوم:
في القسم التالي، تعبر الكاتبةُ الزمنَ لتصف حال الشيعة اليوم وتعاملهم مع أحداث عاشوراء، فتوضّح مدى محورية الحدث بالنسبة للفرد الشيعي، بحيث تم إبقاؤه حيّاً سنة بعد سنة وقرناً بعد قرناً، ولكن ذلك لم يتم بقراءة القصة كاملة، ولكن بالتذكر والتكرار والتمثيل في العشر الليالي الأُولى من شهر المحرم، فتصف مواكب العزاء الضخمة التي تتكرر كل سنة، ثم تُسهب في التفاصيل ومدى تأثر الناس وبما يواكب ذلك من لطم و بكاء، وتقول: ”قمة المأساة ليست حينما قُتل الحسين، ولكنها لحظة القبول بالموت“.
وفي وصفها لمدى تأثير أيام عاشوراء، تعكس الكاتبة قدرة كبيرة في قراءة أبعاد الشعائر الحسينيّـة، مثل التمثيل واللطم، بشكل غاب حتى على بعض الأصوات الشيعية الحديثة، ممّن تستنقص من هذه الشعائر وتعتبرها تخلّفاً أو غير مواكبة للعصر أو شعائر تصلح للمتاحف، فتواصل هزلتون المتخصصة في علم النفس: ”إن تجمّع الناس في بيوت الحسين هو فرصة للبكاء، التأمل والتفكير والعلاج.. وعندما تتجمع النسوة لتجهيز زفاف القاسم من سكينة، وتجهيز منام عبد الله الرضيع، وما يصاحب هذا التمثيل لاحقاً من توزيع للحلوى، فإن هؤلاء النسوة يخلقن رابطاً بين أولادهن والحسين وقضيته، ممّا يُسهم في ترسيخ مبادئ تحفظهم من العنف والمخدرات وكلّ أمراض العصر الأخلاقية“.
الشيعة اليوم
ثم تواصل الكاتبة وصفها للشعائر الحسينية، والتي تصل ذروتها في يوم العاشر الذي تخرج فيه الناس بالمئات في القرى وبالآلاف في المدن وبصوت باكي، تواصل وصفها للّطم على الصدور وما يواكبه من صياح: "يا حسين، يا حسين"، فتقول: ”صوت ضخم يمكن سماعه من بعيد، وكأنه صوت جرس كاتدرائية في يوم الإيستر، ولكن التعجب يزداد عند معرفة أن مصدر هذا الصوت الضخم إنما هو نتاج ضرب الكفوف على الصدور! وبعضهم يذهب أبعد من ذلك، فبعضهم يضرب ظهره وأكتافه بالسلاسل والشفرات حتى تسيل منهم الدماء، وبعضهم يضرب نفسه بالسكاكين حتى تختلط الدماء السائلة من رؤوسهم بدموعهم، في موقف خليط من القدسية والرهبة“.
يُلاحَظ في هذا المقطع دقة وصف الكاتبة لمراسم عاشوراء، ويُلاحظ أيضاً أنها لم تستنقص أو تنتقد هذه الشعائر، وإنما وصفتها باحترام وموضوعية، في تطبيق لمبدئها المُشار له أعلاه: "الخطورة تكمن في التفكير أُحادي الأبعاد".
و تختم الكاتبة: ”في اللحظة التي قُتل فيها الحُسين، وما يعتبره السُنة تاريخاً، وُلد تاريخ مُقدّس لدى الشيعة، والذي سيكون شعلة لكل ما سيحدث لاحقاً ... والخلافات حول التفاصيل الدقيقة في المعركة تسقط أهميتها أمام حدث بهذا العمق والضخامة ... فموت الحُسين يعبر التاريخ إلى تفاصيل ومكوّنات التاريخ، ويدخل مساحة الإيمان والإلهام والعشق العاطفي والديني“.