kumait
18-12-2012, 08:41 PM
http://thawra.alwehda.gov.sy/images/NEWS8/M12/D19/19-3.jpg
في يوم اللغة العربية..جبران خليل جبران: الإبداع يسمو بها ويجددها..
يمن سليمان عباس
لم يحظ شعب في العالم أو أمة منالامم بلغة أروع و أنقى من اللغة العربية، ولم يعرف التاريخ شعباً أو أمة تستعجلموت لغتها واندثارها كما تفعل الأمة العربية.
قول لكاتب غربي يلخص حال لغتنا وواقعها و آفاق مستقبلها، لغة كانت برداً وسلاماً على أكبادنا لكنهااليوم بألف شكل ولون ورقعة، مجامعنا اللغوية قدمت ما قدمته ولكنها بقيت مقصرة بحقلغتنا و قس على ذلك في المؤسسات الاخرى التي يعنيها شأن اللغة و تطورها.
أن يكون للغة العربية يوماً يحتفي بها فهذا أمر جميل و لكن الاحتفاء يجب ألا يكون آنياً أبداً. نقف اليوم عند حال اللغة العربية ومستقبلها كما توقعه ذات يوم جبران خليل جبران.
سئل جبران ما هومستقبل اللغة العربية فقال: إنما اللغة مظهر من مظاهر الابتكار في مجموع الأمة أوذاتها العامة فإذا هجمت قوة الابتكار توقفت اللغة عن مسيرها، وفي الوقوف التقهقر وفي التقهقر الموت و الاندثار.
إذاً فمستقبل اللغة العربية يتوقف على مستقبل الفكر المبدع الكائن - أو غير الكائن- في مجموعالامم التي تتكلم اللغة العربية، فإذا كان ذلك الفكر موجوداً كان مستقبل اللغة عظيماً كماضيها، وإن كان غير موجود فمستقبلها سيكون كحاضر شقيقتها السريانية والعبرانية.
وما هذه القوة التي ندعوها بقوة الابتكار؟
هي في الأمة عزمدافع إلى الأمام. هي في قلبها جوع وعطش وشوق إلى غير المعروف، و في روحها سلسلة أحلام تسعى إلى تحقيقها ليلاً و نهاراً و لكنها لا تحقق حلقة من أحد طرفيها إلا أضافت الحياة حلقة جديدة في الطرف الآخر. هي في الأفراد النبوغ وفي الجماعة الحماسة، وما النبوغ في الأفراد سوى المقدرة على وضع ميول الجماعة الخفية في أشكال ظاهرة محسوسة، ففي الجاهلية كان الشاعر يتأهب لأن العرب كانوا في حالة التأهب، وكان ينمو و يتمدد أيام المخضرمين لأن العرب كانوا في حالة النمو و التمدد و كان يتشعب أيام المولدين لأن الأمة الإسلامية كانت في حالة التشعب.
وظل الشاعريتدرج ويتصاعد ويتلون فيظهر آناً كفيلسوف و آونة كطبيب و أخرى كفلكي، حتى راود النعاس قوة الابتكار في اللغة العربية فنامت و بنومها تحول الشعراء إلى ناظمين والفلاسفة إلى كلاميين و الأطباء إلى دجالين والفلكيون إلى منجمين.
إذا صح ما تقدم كان مستقبل اللغة العربية رهن قوة الابتكار في مجموع الامم التي تتكلمها، فإذا كان لتلك الامم ذات خاصة أو وحدة معنوية وكانت قوة الابتكار في تلك الذات قد استيقظت بعد نومها الطويل كان مستقبل اللغة العربية عظيماً كماضيها، وإلا فلا.
وسائل إحيائها
يقول جبران فيرد على هذا السؤال: إن خير الوسائل بل الوسيلة الوحيدة لإحياء اللغة هي في قلب الشاعر و على شفتيه و بين أصابعه، فالشاعر هو الوسيط بين قوة الابتكار و البشر و هوالسلك الذي ينقل ما يحدثه عالم النفس إلى عالم البحث، وما يقرره عالم الفكر إلى عالم الحفظ و التدوين.
الشاعر أبواللغة وأمها، تسير حيثما يسير و تربض أينما يربض وإذا ما قضى جلست على قبره باكية منتحبة حتى يمر بها شاعر آخر ويأخذ بيدها. وإذا كان الشاعرأبا اللغة و أمها فالمقلد ناسج كفنها وحافر قبرها، أعني بالشاعر كل مخترع كبيراًكان أو صغيراً، و كل مكتشف قوياً كان أو ضعيفاً و كل مختلف عظيماً كان أو حقيراً،وكل محب للحياة المجردة إماماً كان أو صعلوكاً، وكل من يقف متهيباً أمام الأيام والليالي فيلسوفاً كان أو ناطوراً للكروم. أما المقلد فهو الذي لا يكتشف شيئاً ولا يختلق أمراً بل يستمد حياته النفسية من معاصريه ويصنع أثوابه المعنوية من رقع يجزها من أثواب من تقدمه.
أعني بالشاعر ذلك الزارع الذي يفلح حقله بمحراث يختلف ولو قليلاً عن المحراث الذي ورثه عن أبيه فيجيء بعده من يدعو المحراث الجديد باسم جديد. وذلك البستاني الذي يستنبت بين الزهرة الصفراء والزهرة الحمراء زهرة ثالثة برتقالية اللون فيأتي بعده من يدعوالزهرة الجديدة باسم جديد، وذلك الحائك الذي ينسج على نوله نسيجاً ذا رسوم وخطوط تختلف عن الأقمشة التي يصنعها جيرانه الحائكون فيقوم من يدعو نسيجه هذا باسم جديد.
أعني بالشاعر الملاح الذي يرفع لسفينة ذات شراعين شراعاً ثالثاً، والبنّاء الذي يبني بيتاً ذا بابين و نافذتين بين بيوت كلها ذات باب واحد، ونافذة واحدة، والصباغ الذي يخرج الألوان التي لم يخرجها أحد قبله فيستخرج لوناً جديداً، فيأتي بعد الملاح و البناءو الصباغ من يدعو ثمار أعمالهم بأسماء جديدة فيضيف بذلك شراعاً إلى سفينة اللغة ونافذة إلى بيت اللغة و لوناً إلى ثوب اللغة.
أما المقلد فهوذاك الذي يسير من مكان إلى مكان على الطريق التي سارت عليها ألف قافلة و قافلة ولايحيد عنها مخافة أن يتيه و يضيع، ذاك الذي يتبع بمعيشته و كسب رزقه ومأكله و مشربه و ملبسه تلك السبل المطروقة التي مشى عليها ألف جيل و جيل فتظل حياته كرجع الصدى ويبقى كيانه كظل ضئيل لحقيقة قصية لا يعرف عنها شيئاً ولا يريد أن يعرف.
أعني بالشاعرذلك المتعبد الذي يدخل هيكل نفسه فيجثو باكياً فرحاً نادباً مهللاً مصغياً مناجياً ثم يخرج وبين شفتيه و لسانه أسماء وأفعال و حروف و اشتقاقات جديدة لأشكال عبادته التي تتجدد في كل يوم وأنواع انجذابه التي تتغير في كل ليلة فيضيف بعمله هذا و تراً فضياً إلى قيثارة اللغة وعوداً طيباً إلى موقدها.
ما أراده جبران بالحديث عن الشاعر ينسحب على كل مافي حياتنا فحين نبدع في كل عمل تتجدد اللغة وتتجدد أساليبها، وحدهم المبدعون في كل ألوان العطاء يعطون اللغة نسغاً جديداً ومستقبلاً مزدهراً، أما المقلدون المحتفون بالمستحاثات فهم أول من يحنطون اللغة ويجعلونها مفردات لاحياة فيها و لا معنى، بل هي ركام من الزخرفة البلاغية البلهاء.
في يوم اللغة العربية..جبران خليل جبران: الإبداع يسمو بها ويجددها..
يمن سليمان عباس
لم يحظ شعب في العالم أو أمة منالامم بلغة أروع و أنقى من اللغة العربية، ولم يعرف التاريخ شعباً أو أمة تستعجلموت لغتها واندثارها كما تفعل الأمة العربية.
قول لكاتب غربي يلخص حال لغتنا وواقعها و آفاق مستقبلها، لغة كانت برداً وسلاماً على أكبادنا لكنهااليوم بألف شكل ولون ورقعة، مجامعنا اللغوية قدمت ما قدمته ولكنها بقيت مقصرة بحقلغتنا و قس على ذلك في المؤسسات الاخرى التي يعنيها شأن اللغة و تطورها.
أن يكون للغة العربية يوماً يحتفي بها فهذا أمر جميل و لكن الاحتفاء يجب ألا يكون آنياً أبداً. نقف اليوم عند حال اللغة العربية ومستقبلها كما توقعه ذات يوم جبران خليل جبران.
سئل جبران ما هومستقبل اللغة العربية فقال: إنما اللغة مظهر من مظاهر الابتكار في مجموع الأمة أوذاتها العامة فإذا هجمت قوة الابتكار توقفت اللغة عن مسيرها، وفي الوقوف التقهقر وفي التقهقر الموت و الاندثار.
إذاً فمستقبل اللغة العربية يتوقف على مستقبل الفكر المبدع الكائن - أو غير الكائن- في مجموعالامم التي تتكلم اللغة العربية، فإذا كان ذلك الفكر موجوداً كان مستقبل اللغة عظيماً كماضيها، وإن كان غير موجود فمستقبلها سيكون كحاضر شقيقتها السريانية والعبرانية.
وما هذه القوة التي ندعوها بقوة الابتكار؟
هي في الأمة عزمدافع إلى الأمام. هي في قلبها جوع وعطش وشوق إلى غير المعروف، و في روحها سلسلة أحلام تسعى إلى تحقيقها ليلاً و نهاراً و لكنها لا تحقق حلقة من أحد طرفيها إلا أضافت الحياة حلقة جديدة في الطرف الآخر. هي في الأفراد النبوغ وفي الجماعة الحماسة، وما النبوغ في الأفراد سوى المقدرة على وضع ميول الجماعة الخفية في أشكال ظاهرة محسوسة، ففي الجاهلية كان الشاعر يتأهب لأن العرب كانوا في حالة التأهب، وكان ينمو و يتمدد أيام المخضرمين لأن العرب كانوا في حالة النمو و التمدد و كان يتشعب أيام المولدين لأن الأمة الإسلامية كانت في حالة التشعب.
وظل الشاعريتدرج ويتصاعد ويتلون فيظهر آناً كفيلسوف و آونة كطبيب و أخرى كفلكي، حتى راود النعاس قوة الابتكار في اللغة العربية فنامت و بنومها تحول الشعراء إلى ناظمين والفلاسفة إلى كلاميين و الأطباء إلى دجالين والفلكيون إلى منجمين.
إذا صح ما تقدم كان مستقبل اللغة العربية رهن قوة الابتكار في مجموع الامم التي تتكلمها، فإذا كان لتلك الامم ذات خاصة أو وحدة معنوية وكانت قوة الابتكار في تلك الذات قد استيقظت بعد نومها الطويل كان مستقبل اللغة العربية عظيماً كماضيها، وإلا فلا.
وسائل إحيائها
يقول جبران فيرد على هذا السؤال: إن خير الوسائل بل الوسيلة الوحيدة لإحياء اللغة هي في قلب الشاعر و على شفتيه و بين أصابعه، فالشاعر هو الوسيط بين قوة الابتكار و البشر و هوالسلك الذي ينقل ما يحدثه عالم النفس إلى عالم البحث، وما يقرره عالم الفكر إلى عالم الحفظ و التدوين.
الشاعر أبواللغة وأمها، تسير حيثما يسير و تربض أينما يربض وإذا ما قضى جلست على قبره باكية منتحبة حتى يمر بها شاعر آخر ويأخذ بيدها. وإذا كان الشاعرأبا اللغة و أمها فالمقلد ناسج كفنها وحافر قبرها، أعني بالشاعر كل مخترع كبيراًكان أو صغيراً، و كل مكتشف قوياً كان أو ضعيفاً و كل مختلف عظيماً كان أو حقيراً،وكل محب للحياة المجردة إماماً كان أو صعلوكاً، وكل من يقف متهيباً أمام الأيام والليالي فيلسوفاً كان أو ناطوراً للكروم. أما المقلد فهو الذي لا يكتشف شيئاً ولا يختلق أمراً بل يستمد حياته النفسية من معاصريه ويصنع أثوابه المعنوية من رقع يجزها من أثواب من تقدمه.
أعني بالشاعر ذلك الزارع الذي يفلح حقله بمحراث يختلف ولو قليلاً عن المحراث الذي ورثه عن أبيه فيجيء بعده من يدعو المحراث الجديد باسم جديد. وذلك البستاني الذي يستنبت بين الزهرة الصفراء والزهرة الحمراء زهرة ثالثة برتقالية اللون فيأتي بعده من يدعوالزهرة الجديدة باسم جديد، وذلك الحائك الذي ينسج على نوله نسيجاً ذا رسوم وخطوط تختلف عن الأقمشة التي يصنعها جيرانه الحائكون فيقوم من يدعو نسيجه هذا باسم جديد.
أعني بالشاعر الملاح الذي يرفع لسفينة ذات شراعين شراعاً ثالثاً، والبنّاء الذي يبني بيتاً ذا بابين و نافذتين بين بيوت كلها ذات باب واحد، ونافذة واحدة، والصباغ الذي يخرج الألوان التي لم يخرجها أحد قبله فيستخرج لوناً جديداً، فيأتي بعد الملاح و البناءو الصباغ من يدعو ثمار أعمالهم بأسماء جديدة فيضيف بذلك شراعاً إلى سفينة اللغة ونافذة إلى بيت اللغة و لوناً إلى ثوب اللغة.
أما المقلد فهوذاك الذي يسير من مكان إلى مكان على الطريق التي سارت عليها ألف قافلة و قافلة ولايحيد عنها مخافة أن يتيه و يضيع، ذاك الذي يتبع بمعيشته و كسب رزقه ومأكله و مشربه و ملبسه تلك السبل المطروقة التي مشى عليها ألف جيل و جيل فتظل حياته كرجع الصدى ويبقى كيانه كظل ضئيل لحقيقة قصية لا يعرف عنها شيئاً ولا يريد أن يعرف.
أعني بالشاعرذلك المتعبد الذي يدخل هيكل نفسه فيجثو باكياً فرحاً نادباً مهللاً مصغياً مناجياً ثم يخرج وبين شفتيه و لسانه أسماء وأفعال و حروف و اشتقاقات جديدة لأشكال عبادته التي تتجدد في كل يوم وأنواع انجذابه التي تتغير في كل ليلة فيضيف بعمله هذا و تراً فضياً إلى قيثارة اللغة وعوداً طيباً إلى موقدها.
ما أراده جبران بالحديث عن الشاعر ينسحب على كل مافي حياتنا فحين نبدع في كل عمل تتجدد اللغة وتتجدد أساليبها، وحدهم المبدعون في كل ألوان العطاء يعطون اللغة نسغاً جديداً ومستقبلاً مزدهراً، أما المقلدون المحتفون بالمستحاثات فهم أول من يحنطون اللغة ويجعلونها مفردات لاحياة فيها و لا معنى، بل هي ركام من الزخرفة البلاغية البلهاء.