m-mahdi.com
26-09-2007, 10:50 AM
دور الفقهاء في عصر الغيبة والظهور:
لابد أن نتعرف على بقية فقرات بناء ذلك النظام حيث تشير الآية الكريمة (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) وهذه الآية قد نزلت في عهد الرسول صلى الله عليه واله وابتدأ العمل بها منذ ذلك الحين في العصر النبوي ومفادها محكم إلى قيام الساعة وهي ترسم حلقة مهمة من حلقات النظام الديني الذي يفصح عن هيكله القرآن الكريم، وهذه الحلقة هي دور الفقهاء كواسطة بين المعصوم عليه السلام وقاعدة المؤمنين، وأن معرفة الدين يقوم الفقهاء بالدور النيابي عن المعصوم لنشر معارفه في مختلف القوميات والبلدان، وأن التعرف على أحكام الدين وشرايعه لا يتم إلا بقيام فئات من الأمة تأخذ على عاتقها اكتساب العلوم الدينية والتفقه والتفهم للكتاب العزيز والسنة المطهرة حتى بلوغ مرحلة الفقاهة ليقوموا بعد ذلك بإنذار الناس بالحلال والحرام والفرائض والسنن بعد أن يكون مستقاهم ومنبعهم هو الكتاب والسنة، وهذا الدور باق بنص إطلاق الآية إلى قيام الساعة، أي شامل لعصر الظهور لدولة الإمام المهدي عليه السلام ولدولة الرجعة لأئمة أهل البيت عليهم السلام .
وكذلك تشير الآية الكريمة الأخرى (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَْحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) إلى نيابة الفقهاء كأيدي، سواعد للمعصوم في إقامة الحكم الإلهي، فإن الدور الأول للنبيين ثم للأوصياء وهم الربانيون ثم للعلماء وهم الأحبار، وهذا الرسم للنظام الديني حكم قائم إلهي.
ومن ذلك بزغ دور الفقهاء النيابي في العهد الأول للإسلام في عصر الرسول صلى الله عليه واله وأمير المؤمنين عليه السلام والحسنينl وكذلك استمر في عهد السجاد والباقر والصادقعليه السلام وبقية أئمة أهل البيت عليهم السلام إلى عصر الغيبة الصغرى، فكان لفقهاء عصر الغيبة الصغرى دور كبير في القيام بمسؤوليات خطيرة في إقامة معالم منهاج أهل البيت عليهم السلام والعبور من شدة الظروف التي يمرّ بها أتباع الأئمة عليهم السلام نظير أحمد بن إسحاق الأشعري القمي، وسعد بن عبد الله الأشعري، ومحمد بن الحسن الصفار، ومحمد بن عبد الله الحميري، وعلي بن بابويه والد الصدوق، ومحمد بن يعقوب الكليني صاحب كتاب الكافي، وأبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، وأبي محمد همام وغيرهم العشرات من زعماء فقهاء المذهب، وكان دورهم جنباً إلى جنب النواب الأربعة السفراء إلا أن لكلٍ دائرته وحدود مسؤوليته.
التكافل بين دور السفراء ودور الفقهاء ومحدودية صلاحية السفراء:
فإن دور الفقهاء النيابي كما مرّ قد قرّر وفعّل منذ نزول الآيتين في مجال الإفتاء وبيان أحكام الدين المستمدة من كتاب الله تعالى وأحاديث المعصومين عليهم السلام وكذا في مجال القضاء وإنفاذ الأحكام، بينما دور النواب الأربعة السفراء كان في مجال إقامة جسر الإرتباط بالإمام المهدي عليه السلام وإيصال أوامره إلى عموم المؤمنين ضمن دائرة وسقف محدود من الأوامر والخطوات، وكذلك إيصال أجوبة الأسئلة التي يوجهها عموم الناس، ومن ثم يلاحظ أن أجوبة الإمام عليه السلام في كثير منها يرجع السائلين إلى التراث الروائي المروي عن آبائه المعصومين عليهم السلام ويعلمهم كيفية استنباط واستخراج الحكم الشرعي من تلك الأحاديث، وهذا منه¨ تبيان لما يجب أن يقوم به الفقهاء في دورهم النيابي في استخراج الأحكام الشرعية من أدلتها الشرعية.
ولذلك نلاحظ أن النائب والسفير الثالث الحسين بن روح النوبختي عندما ألّف كتاباً في الفقه والحديث جمعه مما رواه عن الرواة عن الأئمة السابقين عليهم السلام عرض ذلك الكتاب ـ كما روى ذلك الطوسي في كتاب الغيبة ـ على فقهاء قم ومحدثيها، فصححوا رواياته إلا رواية واحدة في مقدار زكاة الفطرة فإنهم خطّأوه في روايته، وهذا الموقف مما يدلل على محدودية صلاحيات النائب والسفير، فإنه في استخراج الأحكام شأنه شأن بقية الفقهاء في كيفية التوصل إليها عبر الأدلة الشرعية المرسومة إلا ما أطلعه الإمام عليه السلام من بيانات خاصة.
تلقي المعصوم وتلقي غير المعصوم:
إن هناك فارقاً بين قدرة المعصوم في ما يتلقاه عن الغيب وبين غير المعصوم فإن الأنبياء والأوصياء رؤياهم حجة شرعية وتعدّ رؤياهم وحياً إلهياً أو علماً لدنياً كما في رؤيا النبي إبراهيم عليه السلام أو رؤيا سيد الأنبياء عليهم السلام أو رؤيا سيد الشهداء لجده المصطفى وأمره له بالنهضة ضد بني أمية، وأما تلقي واتصال غير المعصوم بالغيب فلا يعوّل عليه ولا يكون مداراً للحجية ولا ميزاناً شرعياً وإن رأى غير المعصوم في الرؤية الإمام المعصوم عليه السلام أو النبي صلى الله عليه والى ، وذلك لأن رؤيا غير المعصوم ليست وحياً ولا علماً لدنياً، ومن ثم لا يستغني ـ غير المعصوم مهما كانت درجته في التقوى واليقين والإيمان ـ عن الكتاب والسنة المطهرة لأنه لا يتمكن من الإرتباط بالغيب كما تمكن رسول الله صلى الله عليه واله أو تمكن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام
بل إن تلقي غير المعصوم في اليقظة من الامام المعصوم عليه السلام يكون في معرض الخطأ فكيف حال ما يتلقاه غير المعصوم في المنام وإن كان هي رؤيا رأى فيها المعصوم عليه السلام ، كما روى صاحب بصائر الدرجات بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله : من أهل بيتي اثنا عشر محدثاً (أي إماماً ذا علم لدني)... فقال أبو جعفر عليه السلام : هي التي هلك فيها أبو الخطاب لم يدر تأويل المحدّث والنبي) . وفي هذه الرواية يبين الباقر عليه السلام أن أبا الخطاب وقد كان من خواص الباقر والصادق عليهما السلام وممن اطلع على كثير من أسرار علومهما بل هناك ما يشير إلى نيابته الخاصة عنهما، إلا أنه رغم كل ذلك انحرف وطرد من قبلهما لأنه لم يدر بفهم صحيح تأويل بعض معارف مدرسة أهل البيت عليهم السلام مما كان قد سمعها في اليقظة من الإمامين الصادقين عليهما السلام ، فإذا كان حال غير المعصوم في ما يتوصل إليه ويتلقاه في اليقظة هو في معرض الإنحراف والهلاك إذا لم يوفق لرعاية الموازين فكيف ترى حال ما يتلقاه غير المعصوم في المنام والرؤيا. ولو كان غير المعصوم في ما يتلقاه عن الغيب مأموناً عن الخطأ لاستغنى الكثير عن النبي صلى الله عليه واله ورسالته والإمام المعصوم عليه السلام وهدايته ـ والعياذ بالله تعالى ـ .
هيمنة البديهة العقلية ومحكمات الكتاب والسنة:
إن من أصول قواعد المعرفة في مدرسة القرآن وأهل البيت عليهم السلام مدرسة الثقلين هي مدارية المعرفة والإيمان على أحكام العقل البديهية الفطرية لا النظرية المبهمة، وعلى بديهيات أحكام الكتاب والسنة المطهرة، قال تعالى: (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآْياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) وقال تعالى (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالأَْرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى) وقال (كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وقال (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآْياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
وقال تعالى (أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) فتبين الآية أن اللازم إتباع المحكم وترك متابعة المتشابه أي اتباع ما وضح من معالم الدين والتمسك به والحذر من ما يستراب في معناه ويتردد فيه من الأمور المنسوبة إلى الدين، فالزائغ عن الطريق هو الذي يتشبث بما هو مرتاب وفيه التردد ويترك ما هو بيّن ظاهر من معالم الدين، وهذا ميزان به يقام عمود المعرفة بالدين والهداية.
صحة المعرفة أشد الإمتحانات:
إن الافتتان في البصيرة والمعرفة هي أشد الامتحانات الإلهية ولقد جرت السنة الإلهية على وقوع الفتنة في المعرفة والإمتحان والابتلاء في نفوذ البصائر وسباق شهب الأنوار في الفطنة كل ذلك حكمة منه تعالى لأجل تعالي المعرفة وتكاملها وعدم جمودها عند القشور والسطوح دون الغور في أعماق الحقائق والأعيان. ولقد قصّ لنا القرآن أمثلة في ذلك في وقوع هذا النمط من الإبتلاء في الأمم السابقة كما في قوله تعالى (ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).
ففي أمة موسى عليه السلام فتنة السامري كما في قوله تعالى فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ ومنشأ الصوت في العجل هو ما أشارت إليه الآية قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ * قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي أي أن السامري أخذ قبضة من تراب أثر الفرس الذي من عالم ملكوت النور الذي كان جبرئيل عليه السلام يعتليه عندما سار بموسى وببني إسرائيل البحر لينجيهم من فرعون، حيث كان لذلك التراب خاصية بعث الحياة في الجماد، فافتتن بنو اسرائيل بذلك الأثر عند جليه ووظفه السامري في سبيل الغواية.
وكذلك بني إسرائيل وأمة عيسى عليه السلام حيث افتتنوا بقتل عيسى عليه السلام كما في قوله تعالى وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً فإنه ألقى الله تعالى شبه عيسى على رجل آخر فأبصر بنو اسرائيل في حسهم أن الذي قتل وصلب هو عيسى واعتمدوا على حسهم البصري وهو أحد مصادر اليقين والمعرفة ولكنهم تركوا في مقابل ذلك ما هو أشد يقينا وبرهاناً وهو قول النبي عيسى عليه السلام لهم قبل ذلك أنه لن يقتل ولن يموت حتى ينتشر العدل والدين الإلهي في أرجاء الأرض كافة، وغيرها من الامتحانات الصعبة الشائكة التي يستعرضها القرآن الكريم في بصائر وفطنة الأمم السابقة كل ذلك لإبلاغ المؤمنين الحذر والإنذار على الاستعداد واليقظة لخوض الفتن في المعرفة الدينية ولزوم التثبت والتحري واتباع لما هو أبلغ في الحجية وأبين في البرهان والدلالة الأوضح وأن في الأدلة والدلائل مراتب ورتب ودرجات يجب ويلزم مراعاة الأعلى منها فالأعلى لا الإتكاء على الأدون منها فالأدون والأبين منها فالأبين لا المتشابه منها فالمتشابه والأشد إحكاماً منها فالأحكم لا المريب فالمريب.
لابد أن نتعرف على بقية فقرات بناء ذلك النظام حيث تشير الآية الكريمة (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) وهذه الآية قد نزلت في عهد الرسول صلى الله عليه واله وابتدأ العمل بها منذ ذلك الحين في العصر النبوي ومفادها محكم إلى قيام الساعة وهي ترسم حلقة مهمة من حلقات النظام الديني الذي يفصح عن هيكله القرآن الكريم، وهذه الحلقة هي دور الفقهاء كواسطة بين المعصوم عليه السلام وقاعدة المؤمنين، وأن معرفة الدين يقوم الفقهاء بالدور النيابي عن المعصوم لنشر معارفه في مختلف القوميات والبلدان، وأن التعرف على أحكام الدين وشرايعه لا يتم إلا بقيام فئات من الأمة تأخذ على عاتقها اكتساب العلوم الدينية والتفقه والتفهم للكتاب العزيز والسنة المطهرة حتى بلوغ مرحلة الفقاهة ليقوموا بعد ذلك بإنذار الناس بالحلال والحرام والفرائض والسنن بعد أن يكون مستقاهم ومنبعهم هو الكتاب والسنة، وهذا الدور باق بنص إطلاق الآية إلى قيام الساعة، أي شامل لعصر الظهور لدولة الإمام المهدي عليه السلام ولدولة الرجعة لأئمة أهل البيت عليهم السلام .
وكذلك تشير الآية الكريمة الأخرى (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَْحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) إلى نيابة الفقهاء كأيدي، سواعد للمعصوم في إقامة الحكم الإلهي، فإن الدور الأول للنبيين ثم للأوصياء وهم الربانيون ثم للعلماء وهم الأحبار، وهذا الرسم للنظام الديني حكم قائم إلهي.
ومن ذلك بزغ دور الفقهاء النيابي في العهد الأول للإسلام في عصر الرسول صلى الله عليه واله وأمير المؤمنين عليه السلام والحسنينl وكذلك استمر في عهد السجاد والباقر والصادقعليه السلام وبقية أئمة أهل البيت عليهم السلام إلى عصر الغيبة الصغرى، فكان لفقهاء عصر الغيبة الصغرى دور كبير في القيام بمسؤوليات خطيرة في إقامة معالم منهاج أهل البيت عليهم السلام والعبور من شدة الظروف التي يمرّ بها أتباع الأئمة عليهم السلام نظير أحمد بن إسحاق الأشعري القمي، وسعد بن عبد الله الأشعري، ومحمد بن الحسن الصفار، ومحمد بن عبد الله الحميري، وعلي بن بابويه والد الصدوق، ومحمد بن يعقوب الكليني صاحب كتاب الكافي، وأبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، وأبي محمد همام وغيرهم العشرات من زعماء فقهاء المذهب، وكان دورهم جنباً إلى جنب النواب الأربعة السفراء إلا أن لكلٍ دائرته وحدود مسؤوليته.
التكافل بين دور السفراء ودور الفقهاء ومحدودية صلاحية السفراء:
فإن دور الفقهاء النيابي كما مرّ قد قرّر وفعّل منذ نزول الآيتين في مجال الإفتاء وبيان أحكام الدين المستمدة من كتاب الله تعالى وأحاديث المعصومين عليهم السلام وكذا في مجال القضاء وإنفاذ الأحكام، بينما دور النواب الأربعة السفراء كان في مجال إقامة جسر الإرتباط بالإمام المهدي عليه السلام وإيصال أوامره إلى عموم المؤمنين ضمن دائرة وسقف محدود من الأوامر والخطوات، وكذلك إيصال أجوبة الأسئلة التي يوجهها عموم الناس، ومن ثم يلاحظ أن أجوبة الإمام عليه السلام في كثير منها يرجع السائلين إلى التراث الروائي المروي عن آبائه المعصومين عليهم السلام ويعلمهم كيفية استنباط واستخراج الحكم الشرعي من تلك الأحاديث، وهذا منه¨ تبيان لما يجب أن يقوم به الفقهاء في دورهم النيابي في استخراج الأحكام الشرعية من أدلتها الشرعية.
ولذلك نلاحظ أن النائب والسفير الثالث الحسين بن روح النوبختي عندما ألّف كتاباً في الفقه والحديث جمعه مما رواه عن الرواة عن الأئمة السابقين عليهم السلام عرض ذلك الكتاب ـ كما روى ذلك الطوسي في كتاب الغيبة ـ على فقهاء قم ومحدثيها، فصححوا رواياته إلا رواية واحدة في مقدار زكاة الفطرة فإنهم خطّأوه في روايته، وهذا الموقف مما يدلل على محدودية صلاحيات النائب والسفير، فإنه في استخراج الأحكام شأنه شأن بقية الفقهاء في كيفية التوصل إليها عبر الأدلة الشرعية المرسومة إلا ما أطلعه الإمام عليه السلام من بيانات خاصة.
تلقي المعصوم وتلقي غير المعصوم:
إن هناك فارقاً بين قدرة المعصوم في ما يتلقاه عن الغيب وبين غير المعصوم فإن الأنبياء والأوصياء رؤياهم حجة شرعية وتعدّ رؤياهم وحياً إلهياً أو علماً لدنياً كما في رؤيا النبي إبراهيم عليه السلام أو رؤيا سيد الأنبياء عليهم السلام أو رؤيا سيد الشهداء لجده المصطفى وأمره له بالنهضة ضد بني أمية، وأما تلقي واتصال غير المعصوم بالغيب فلا يعوّل عليه ولا يكون مداراً للحجية ولا ميزاناً شرعياً وإن رأى غير المعصوم في الرؤية الإمام المعصوم عليه السلام أو النبي صلى الله عليه والى ، وذلك لأن رؤيا غير المعصوم ليست وحياً ولا علماً لدنياً، ومن ثم لا يستغني ـ غير المعصوم مهما كانت درجته في التقوى واليقين والإيمان ـ عن الكتاب والسنة المطهرة لأنه لا يتمكن من الإرتباط بالغيب كما تمكن رسول الله صلى الله عليه واله أو تمكن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام
بل إن تلقي غير المعصوم في اليقظة من الامام المعصوم عليه السلام يكون في معرض الخطأ فكيف حال ما يتلقاه غير المعصوم في المنام وإن كان هي رؤيا رأى فيها المعصوم عليه السلام ، كما روى صاحب بصائر الدرجات بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله : من أهل بيتي اثنا عشر محدثاً (أي إماماً ذا علم لدني)... فقال أبو جعفر عليه السلام : هي التي هلك فيها أبو الخطاب لم يدر تأويل المحدّث والنبي) . وفي هذه الرواية يبين الباقر عليه السلام أن أبا الخطاب وقد كان من خواص الباقر والصادق عليهما السلام وممن اطلع على كثير من أسرار علومهما بل هناك ما يشير إلى نيابته الخاصة عنهما، إلا أنه رغم كل ذلك انحرف وطرد من قبلهما لأنه لم يدر بفهم صحيح تأويل بعض معارف مدرسة أهل البيت عليهم السلام مما كان قد سمعها في اليقظة من الإمامين الصادقين عليهما السلام ، فإذا كان حال غير المعصوم في ما يتوصل إليه ويتلقاه في اليقظة هو في معرض الإنحراف والهلاك إذا لم يوفق لرعاية الموازين فكيف ترى حال ما يتلقاه غير المعصوم في المنام والرؤيا. ولو كان غير المعصوم في ما يتلقاه عن الغيب مأموناً عن الخطأ لاستغنى الكثير عن النبي صلى الله عليه واله ورسالته والإمام المعصوم عليه السلام وهدايته ـ والعياذ بالله تعالى ـ .
هيمنة البديهة العقلية ومحكمات الكتاب والسنة:
إن من أصول قواعد المعرفة في مدرسة القرآن وأهل البيت عليهم السلام مدرسة الثقلين هي مدارية المعرفة والإيمان على أحكام العقل البديهية الفطرية لا النظرية المبهمة، وعلى بديهيات أحكام الكتاب والسنة المطهرة، قال تعالى: (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآْياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) وقال تعالى (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالأَْرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى) وقال (كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وقال (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآْياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
وقال تعالى (أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) فتبين الآية أن اللازم إتباع المحكم وترك متابعة المتشابه أي اتباع ما وضح من معالم الدين والتمسك به والحذر من ما يستراب في معناه ويتردد فيه من الأمور المنسوبة إلى الدين، فالزائغ عن الطريق هو الذي يتشبث بما هو مرتاب وفيه التردد ويترك ما هو بيّن ظاهر من معالم الدين، وهذا ميزان به يقام عمود المعرفة بالدين والهداية.
صحة المعرفة أشد الإمتحانات:
إن الافتتان في البصيرة والمعرفة هي أشد الامتحانات الإلهية ولقد جرت السنة الإلهية على وقوع الفتنة في المعرفة والإمتحان والابتلاء في نفوذ البصائر وسباق شهب الأنوار في الفطنة كل ذلك حكمة منه تعالى لأجل تعالي المعرفة وتكاملها وعدم جمودها عند القشور والسطوح دون الغور في أعماق الحقائق والأعيان. ولقد قصّ لنا القرآن أمثلة في ذلك في وقوع هذا النمط من الإبتلاء في الأمم السابقة كما في قوله تعالى (ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).
ففي أمة موسى عليه السلام فتنة السامري كما في قوله تعالى فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ ومنشأ الصوت في العجل هو ما أشارت إليه الآية قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ * قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي أي أن السامري أخذ قبضة من تراب أثر الفرس الذي من عالم ملكوت النور الذي كان جبرئيل عليه السلام يعتليه عندما سار بموسى وببني إسرائيل البحر لينجيهم من فرعون، حيث كان لذلك التراب خاصية بعث الحياة في الجماد، فافتتن بنو اسرائيل بذلك الأثر عند جليه ووظفه السامري في سبيل الغواية.
وكذلك بني إسرائيل وأمة عيسى عليه السلام حيث افتتنوا بقتل عيسى عليه السلام كما في قوله تعالى وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً فإنه ألقى الله تعالى شبه عيسى على رجل آخر فأبصر بنو اسرائيل في حسهم أن الذي قتل وصلب هو عيسى واعتمدوا على حسهم البصري وهو أحد مصادر اليقين والمعرفة ولكنهم تركوا في مقابل ذلك ما هو أشد يقينا وبرهاناً وهو قول النبي عيسى عليه السلام لهم قبل ذلك أنه لن يقتل ولن يموت حتى ينتشر العدل والدين الإلهي في أرجاء الأرض كافة، وغيرها من الامتحانات الصعبة الشائكة التي يستعرضها القرآن الكريم في بصائر وفطنة الأمم السابقة كل ذلك لإبلاغ المؤمنين الحذر والإنذار على الاستعداد واليقظة لخوض الفتن في المعرفة الدينية ولزوم التثبت والتحري واتباع لما هو أبلغ في الحجية وأبين في البرهان والدلالة الأوضح وأن في الأدلة والدلائل مراتب ورتب ودرجات يجب ويلزم مراعاة الأعلى منها فالأعلى لا الإتكاء على الأدون منها فالأدون والأبين منها فالأبين لا المتشابه منها فالمتشابه والأشد إحكاماً منها فالأحكم لا المريب فالمريب.