هامة التطبير
05-01-2013, 11:10 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
http://im16.gulfup.com/mTwR1.bmp (http://www.gulfup.com/?2h1yL2)
المرجع الشيرازي: من يمسّ الشعائر الحسينية يحرق تاريخه سواء كان فقيهاً أو اُميّاً
في مساء يوم الأحد الموافق للعاشر من شهر محرّم الحرام 1434 للهجرة ـ ليلة الحادي عشر ـ التي تسمّى بـ(ليلة الوحشة والغربة على أهل البيت صلوات الله عليهم)، وكالسنوات السابقة، وبعد إقامة عزاء ليلة الوحشة، ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله كلمة مهمّة قيّمة حول القضية والشعائر الحسينيتين المقدّستين، بالمئات من المعزّين، وذلك في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة؛ قال فيها:
عظّم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بسيّدنا الحسين صلوات الله عليه وجعلنا الله وإيّاكم من الطالبين بثاره مع وليّه الإمام المهديّ من آل محمّد صلوات الله عليه وعجّل في فرجه الشريف.
في البداية أشكركم وأشكر جميع الذين أقاموا العزاء على المولى سيّد الشهداء صلوات الله عليه، بأي نحو كان وبأي مقدار كان. وأشكر جميع من أقاموا الشعائر الحسينية، سواء في إيران أو في العراق أو في سائر البلاد الإسلامية أو في البلاد الكافرة. فالحمد لله، في زماننا، قد انتشرت الشعائر الحسينية المقدّسة وتوسّعت. فالآلاف والآلاف من المجالس الحسينية قد اُقيمت في أطراف الدنيا خلال العشرة الأولى من محرّم، بالأخصّ اليوم وأمس. فأشكر جميع الذين أقاموا هذه المجالس. وبعنوان الواجب الشرعي أدعو لجميعهم، وأسأل الله تعالى أن لا يحرمهم من هذا التوفيق، بل أسأله تعالى أن يوفّقهم أكثر وأكثر، وأن يقضي الله سبحانه وتعالى، ببركة هذه الشعائر المقدّسة، حوائجهم للدنيا والآخرة.
أما بالنسبة للذين سبّبوا المشاكل لمحيي الشعائر الحسينية، في كل مكان وبأي شكل، أو ثبّطوا بلسانهم أو بعملهم، وبأي اسلوب آخر سواء كانوا من الحكومات، أو بين العائلة والأقارب والأصدقاء والجيران، وسواء كانوا من المسلمين أو من غير المسلمين، فأدعو الله أن يهديهم وأن يتمكّنوا على جبر ما صدر منهم من محاولات العرقلة، وأن لا تستمر معهم إلى الآخرة، لأنهم بماذا سيواجهوا ويقولوا لمولاتنا الزهراء صلوات الله عليها؟ فحينها سوف لا ينفعهم الندم؛ ولا حيلة لهم حينها.
وبيّن سماحته المقصود من المشاكل التي يسببها البعض في طريق الشعائر الحسينية، وقال: لا أقصد من المشاكل الظلم، لأن الظلم لا جزاء له إلاّ العقاب، والله تعالى أقسم أن لا يغضّ عن الظلم والظالم. فإذا قام أحد بإيجاد المشاكل لأحد القائمين بالشعائر الحسينية وكان ظالماً، حتى بمقدار لمس ثياب المقيم للشعائر، فإنّ الله تعالى أقسم أن يعاقبه، كما في الروايات الشريفة، ومنها: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ألا وَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ حَتَّى عَنْ مَسِّ أَحَدِكُمْ ثَوْبَ أَخِيهِ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ) (1).
وعقّب سماحته مشيراً إلى مصير من يظلم أهل البيت صلوات الله عليهم ويظلم الشعائر الحسينية المقدّسة، وقال: إنّ الله تعالى أقسم أن لا يهمل وأن لا يغضّ الطرف عمّن يظلم أهل البيت صلوات الله عليهم، بالأخصّ من يظلم مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه. كما إنّ أهل البيت صلوات الله عليهم لعنوا كل من يظلمهم، كما في الروايات الشريفة الصحيحة المعتبرة. وأنا شخصياً وكواجب شرعي ألعن كل من يظلم أهل البيت صلوات الله عليهم، وكل من يظلم الشعائر الحسينية، وأسأل الله أن يبتليهم بالدنيا بأنواع المشاكل، وأن يعذّبهم بالآخرة بعذاب يثلج قلب السيّدة الزهراء صلوات الله عليها. وأنا لا أدعو بالهداية لأمثال هؤلاء لأنه لا فائدة من الدعاء لهم، بل سيكون الدعاء لهم لغواً, بل أدعو بالهداية للذين أوجدوا المشاكل التي لم تكن ظلماً.
وذكر سماحته منشأ التشكيكات المثارة حول القضية الحسينية المقدّسة، وقال: إنّ التشكيكات التي اُثيرت بالنسبة لقضية الإمام الحسين صلوات الله عليه على طول التاريخ، ومن يوم استشهاد المولى سيّد الشهداء صلوات الله عليه، وإلى يومنا هذا، هي كثيرة وكثيرة. وأصل هذه التشكيكات وأساسها هو إبليسكما ذكرت الروايات الشريفة، ومنها الرواية التالية:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إن إبليس لعنه الله في ذلك اليوم (يوم مقتل الإمام الحسين صلوات الله عليه) يطير فرحاً، فيجول الأرض كلها بشياطينه وعفاريته فيقول يامعاشر الشياطين ... فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم وحملهم على عداوتهم وإغرائهم بهم وأوليائهم حتى تستحكموا ضلالة الخلق وكفرهم» (2).
وعقّب سماحته بقوله: لا يُعلم كم هو عدد هؤلاء الشياطين الذين ذكرتهم الرواية الشريفة، فلعلهم بالملايين أو بالمليارات! هذا أولاً.
ثانياً: أنا لم أجد مثل هذه الرواية بحقّ قضية النبي صلى الله عليه وآله مع أنه أفضل من الإمام الحسين صلوات الله عليه، ولم أجد مثلها بحقّ قضية الإمام أمير المؤمنين، ولا بحقّ قضية مولاتنا فاطمة الزهراء، ولا بحقّ قضية مولانا الإمام الحسن صلوات الله عليهم أجمعين، مع أنهم أفضل من الإمام الحسين صلوات الله عليه. وهذا ما يدلّ على ان الله تعالى جعل القضية الحسينية قضية استثنائية.
وأشار سماحته إلى نماذج من تشكيك بعض المحسوبين من العلماء بالروايات التي تتحدّث عن القضية الحسينية المقدّسة، وقال: من العجائب والغرائب انه حتى هذه الرواية تعرّضت للتشكيك علمياً! فقد قال وقام بالتشكيك بها بعض العلماء! علماً انه يجب أن تعلموا بأن ليس كل عالم حسن وصالح! فالعالم شيء، والصلاح شيء آخر. وبعض الأحيان تجتمع هاتين الصفتين في شخص واحد فيكون كالشيخ المفيد قدّس سرّه. وأحياناً يفترقا فيكون عالم سوء، كابن أبي العزاقر والشريعي والبلالي والهلالي وبلعم بن باعوراء وابن عربي. ولذا ذكرت الروايات الشريفة أن أسوأ دركات جهنّم هي لعلماء السوء. نعوذ بالله. نعوذ بالله. (قالها سماحته مرّتين).
أنه لمن المؤسف له، ومن المؤسف له، وأقولها مائة مرّة، إنه من المؤسف أن بعض الأشخاص أعطاهم الله الذكاء ودرسوا وكسبوا العلم وصاروا علماء، لكنهم يشكّكون حتى في الرواية التي ذكرناها آنفاً!!!
إن مرادي مما قلت وأقوله هو: أدّاء الواجب الشرعي تجاه الله تبارك وتعالى، وتجاه رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمة المعصومين من ذريّته صلوات الله عليهم أجمعين، بالخصوص سيّدنا بقيّة الله عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصلوات الله عليه، وطبقاً لما أعتقد به وأستنبطه.
وتطرّق سماحته إلى الحديث عن حكم الشعائر الحسينية، وقال:إن الشعائر الحسينية المقدّسة من الفضائل، وبعضها مستحبّة، وبعضها مستحبّة مؤكّدة، وبعضها واجب كفائي، وبعضها واجب عيني. وهذا الأخير يرتبط بحثه بأهل الاختصاص والفقهاء، ولا نقاش فيه.
كذلك إنّ الصلاة من الفضائل وهكذا الصيام والحجّ (الواجب منه والمستحبّ) والتصدّق والإطعام وبناء المساجد، وكل الأعمال الحسنة هي من الفضائل. فكم وكم وكم هو مقدار ما اُقيم من هذه الفضائل على طول 1434 سنة؟ لا شكّ هي كثيرة وكثيرة وكثيرة، ولا يمكننا أن نعدّها. ومع ذلك كلّه أقول: انها ليست بمقدار التشكيكات الكثيرة التي أثاروها حول الشعائر الحسينية المقدّسة، ولا زالوا يثيرونها!!!
إنّ من يرائي في الصلاة تكون صلاته باطلة. فهل رأيتم أنهم يعلنون في المساجد قبل الصلاة أنه: أيها الناس لا تراؤوا في الصلاة فتبطل صلاتكم، مع أن هذا الإعلان صحيح؟! وهل رأيتم أنهم أعلنوا بأنه: يامن تتصدّق إذا كانت صدقتك لغير الله فلا فائدة منها؟ ويامن تبني المساجد إذا كان عملك لغير الله فلا فائدة منه؟ ويامن بنيت المسجد إذا لم تؤدّي صلاة الصبح في وقتها وصارت قضاء فما الفائدة من بنائك المسجد؟ وهل رأيتم مثل هذه الإعلانات في شهر رمضان, وفي المساجد وفي مراسم الأدعية وفي باقي مجالس المناسبات والعبادات الأخرى، ولو مرّة في حياتكم؟ أو يصدّرون منشوراً أو بياناً حول ذلك، أو يطبعون كتاباً؟
لكن تعالوا إلى قضية الإمام الحسين صلوات الله عليه، وانظروا كيف وكم يثيرون من التشكيكات حولها ويؤكّدون عليها؟ ومن هذه التشكيكات، قولهم: لماذا تقيم الشعائر الحسينية وأنت لا تصلّي؟ ولماذا تقيم الشعائر الحسينية وأنت لم تؤدّي صلاة الصبح في وقتها؟
أسألكم: هل يمكننا أن نجزم بأن كل من بنى مسجداً أو حجّ بيت الله الحرام أو صام شهر رمضان لم يبتلى بعدم أداء صلاة الصبح أو غيرها في وقتها؟ فلماذا لا يتقولون على مثل هذه الأمور، ويتقولون على الشعائر الحسينية؟
أقول في الجواب على ذلك: هذه هي من أفعال إبليس الذي أمر الشياطين كافّة بأن يشكّكوا بالشعائر الحسينية! وهذه التشكيكات بالنتيجة توثّر على ضعفاء القلوب وعلى الهمج الرعاع الذين ذكرهم الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهم في حديثه الشريف.
ثم تحدّث سماحته عن خصائص قضية الإمام الحسين صلوات الله عليه، وحكم من يخدمها ومن يحاربها ومن لا يبالي تجاهها، وقال:
إن من خصائص القضية الحسينية المقدّسة أن من يخدمها فله الجنة، ومن يقف أمامها أو يحاول عرقلتها أو محاربتها فله النار لا محالة. بل حتى الذي يتّخذ موقف اللامبالاة تجاه فهو ملعون. فقد نقلت كتب المقاتل أن شخص من الجيش الأموي شاهد إحدى حرائر بيت النبوّة قد التهمت النار ثيابها وهي تركض، فجرى خلفها لكي يطفئ النار, فلما رأته قالت له: لنا أم علينا؟ فقال لها: لا لكم ولا عليكم، اريد أن اخلّصك من النار. أنا شخصياً كلما سمعت هذه الرواية من الخطباء قلت تقرّباً إلى الله تعالى حول ذلك الرجل: لعنة الله عليه. فمثل هذا كمثل الظالم الذي يتصدّق على الفقير، أو كالظالم الذي يرفع الظلم عن أحد المظلومين، فمع ان هذا العمل هو عمل حسن ولكن الظالم في نفسه ملعون، بنصّ القرآن الكريم، حيث قال تعالى: ألا لعنة الله على الظالمين.
كما ان كل الذين اصطفوا في جيش يزيد في كربلاء وكثّروا السواد على سبط النبي صلى الله عليه وآله الإمام الحسين صلوات الله عليه، فهم مصداق الظالمين. ففي الروايات الشريفة أنه:
«روى ابن رياح قال: رأيت رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الحسين سلام الله عليه فسُئل عن ذهاب بصره؟ فقال: كنت شهدت قتله عاشر عشرة غير أني لم أضرب ولم أرم، فلما قتل سلام الله عليه رجعت إلى منزلي وصلّيت العشاء الأخيرة ونمت فأتاني آت في منامي فقال: أجب رسول الله صلى الله عليه، فإنه يدعوك. فقلت: ما لي وله؟ فأخذ بتلبيبي وجرّني إليه فإذا النبي صلى الله عليه وآله جالس في صحراء، حاسر عن ذراعيه، آخذ بحربة، ومَلَك قائم بين يديه، وفي يده سيف من نار، فقتل أصحابي التسعة، فكلما ضرب ضربة التهبت أنفسهم ناراً، فدنوت منه وجثوت بين يديه وقلت: السلام عليك يارسول الله، فلم يردّ عليّ ومكث طويلاً ثم رفع رأسه وقال: ياعدو الله انتهكت حرمتي وقتلت عترتي ولم ترع حقّي وفعلت ما فعلت؟ فقلت: والله يارسول الله ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم. قال: صدقت ولكنك كثّرت السواد، ادن منّي، فدنوت منه فإذا طست مملو دماً، فقال لي: هذا دم ولدي الحسين سلام الله عليه، فكحّلني من ذلك الدم، فانتبهت حتى الساعة لا أبصر شيئاً» (3).
من المسلّمات والمتواترات ومن الأمور التي رأيناها بالخارج إنّ المشيئة الإلهية التكوينية شاءت أن تزداد الشعائر الحسينية وتتسع مهما شكّك الناس بها وحولها، ومهما سبّبوا المشاكل لها، ومهما أغلقوا الحسينيات والمواكب، ومهما ضربوا المعزّين وحبسوهم وقتلوهم وآذوهم، والنماذج في هذا الخصوص بالآلاف والآلاف، ومنها ما فعله صدام وأمثاله. فاوصي جميع المؤمنين بالأخصّ أهل العلم والمثقّفين أن يجمعونها ويؤلّفوا عنها موسوعات. وهنا أذكر لكم نموذجاً، هو:
وذكر سماحته محاولة للظالمين في محاربتهم العزاء الحسيني المعروف بركضة طويريج، وقال: الكل يعرف عزاء طويريج، وأنا شخصياً شاركت عدّة مرّات في هذا العزاء قبل 45 سنة تقريباً. وهذا العزاء في تلك السنين كانت مدّته لا تطول عن 30 دقيقة، وكان المشاركون فيه يدخلون إلى الروضتين الحسينية والعباسية المقدّستين من باب واحدة ويخرجون من باب واحدة أيضاً. وكتبت إحدى المجلات في حينها إحصائية عن هذا العزاء، فذكرت أن عدد المشاركين فيه قرابة 50 ألف. فعندما جاء صدام قمع هذا العزاء وقتل وحبس. ولكن بعد ذهاب صدام, وخصوصاً اليوم، انظروا كم ساعة تطول مدّة هذا العزاء؟ وكم يشاركون فيه؟ ولكثرة جموع المعزّين نرى أنهم يدخلون من ثلاث أبواب ويخرجون من ثلاث. وهذا من وعد الله ومن مشيئته التكوينية. وهذا ما وعد الله به رسوله صلى الله عليه وآله ونقلته السيّدة زينب سلام الله عليها لأخيها الإمام زين العابدين صلوات الله عليها، مع ان الإمام السجّاد سلام الله عليه كان يعلم بهذا الوعد، ولكن للنقل خاصيو تؤثّر على المستمع. وهذا الوعد الإلهي هو ما ذكرته الرواية الشريفة التالية: «وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً، وأمره إلاّ علوّاً» (4).
وأضاف سماحته مشيراً إلى نموذج آخر من محاولات أحد الحكّام في محاربته الشعائر الحسينية، وقال: ونموذج آخر أذكره لكم أيضاً، هو:
إنّ رضا بهلوي (والد الشاه المقبور) في بداية سيطرته على الحكم بإيران كان يشجّع على إقامة الشعائر الحسينية وكان يحضر في مراسم العزاء، وأنا شخصياً رأيت صورة عن مشاركته في مراسم العزاء الحسيني في إحدى الصحف اﻹيرانية ذلك الحين، حتى أنه كان يلطّخ رأسه وجبينه بالطين، لكنه بعد أن استتبّ حكمه شرع في محاربة الشعائر الحسينية ومنعها والصدّ عنه، وأغلق الحسينيات وحبس وقتل الكثير من المعزّين الحسينيين. ونشرت إحدى الصحف الإيرانية في وقتها كلاماً للبهلوي عن سبب محاربته للشعائر الحسينية، وكان مانشيت الخبر هكذا: هذه من أفعال المخرفين، وأنا أسعى في إزالة هذه الخرافات!
وشدّد سماحته بقوله: أنأ أقول للبهلوي: ياتعيس، ياسيئ الحظ، هذه الكلمة أكبر من فمك، وأكبر من فم معاوية ويزيد. فمن أنت ياتعيس، ياسيئ الحظ؟ فهل من يقوم بالشعائر الحسينية مخرف ولا يعرف حقيقة ما يقوم به؟
عندنا في الروايات الشريفة أنه: من قال بعد صلاة المغرب والصبح سبع مرّات: بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، لا يصاب بالخرف مهما عاش وعمّر. أي لا يفقد عقله.
إنّ الذين عرقلوا الشعائر الحسينية وحاربوها كم استعملوا أمثال كلمة (مخرف) ونسبوها للمعزّين الحسينيين، على مرّ التاريخ ولحد يومك هذا؟ وهذه الكلمة هي من كلمات الشيطان وأعوانه!
في زمن البهلوي الأول وجرّاء محاربته للشعائر الحسينية، انحسرت المجالس وقلّت، بحيث ذكروا أنه في تلك السنة لم يقام في طهران (العاصمة) سوى (50) مجلساً. وذكروا أنه بعد ذهاب البهلوي، أي في أول محرّم بعد البهلوي، اقيم في طهران فقط (4500) مجلساً حسينياً!
وأردف سماحته بقوله: إنّ ما ذكرته لكم كان عن أفعال الظالمين، وهنا أرى أن أذكر لكم نموذجاً عمن كان صالحاً لكن صدر منه بدون قصد هفوة تجاه القضية الحسينية المقدّسة.
أحد العلماء الفقهاء كان معاصراً للشيخ الأنصاري، وكان فقيهاً متبحّراً ومحقّقاً بارعاً، له كتاب حول الصلاة، وهو كتاب ثمين ولدي نسخة منه، وأعتقد أنه حاصل عمر ذلك الفقيه أي انه صرف عشرات السنين من عمره في تأليفه، وأهل الخبرة عند مراجعتهم هذا الكتاب يعرفون ماذا أقول. وقد طالعت هذا الكتاب فوجدت فيه مطالب جميلة، ونقلت بعضها في بعض مؤلّفاتي. ولكن ما لفت انتباهي هو أن الفقهاء من بعده نقلوا عن أكثر كتب الأنصاري لكنهم لم ينقلوا عن هذا الكتاب أصلاً، فاستغربت وتعجّبت! وذات يوم كنت عند أحد المراجع وكان الأعلم وصار مرجع زمانه في مدينة قم المقدّسة، فنقلت له مطلباً علمياً, فسألني: أين قرأت هذا المطلب؟ قلت: في الكتاب الفلاني، وقصدت كتاب ذلك الفقيه. فسألني: ولمن هذا الكتاب؟ فتعجّبت من أنه كيف يمكن لهذا المرجع الذي صرف عمره في العلم أنه لم يسمع حتى باسم هذا الكتاب؟! فبدأت الأسئلة تراود ذهني وصرت أتعجّب من أنه لماذا لم ينقل العلماء الذين جاءوا من بعد الأنصاري عن هذا الكتاب حتى مورداً واحداً, كالآخوند والميرزا النائيني والقاضي العراقي وعبد الكريم الحائري وتلاميذهم وغيرهم، ولحد الآن؟ وتساءلت: من عمل هذا التعتيم على هذا الكتاب؟ بعدها علمت السبب وهو انني وجدت أن هذا الفقيه كان له رأياً فقهياً سلبياً تجاه إحدى الشعائر الحسينية، حيث كان قد ضرب مثالاً سيّئاً في بيان رأيه. عندها علمت ان يد الغيب الإلهية هي التي عتّمت على هذا الكتاب، حتى وإن كان فعل صاحب ذلك الكتاب عن قصور! وبعدها راجعت مؤلّفاتي التي نقلت فيها بعض مطالب ذلك الكتاب وحذفتها، خوفاً من أن لا أصاب بنكباته. علماً بأنني علمت أيضاً بأن الكثير من أقارب ذلك الفقيه كانوا قد لاموه على ذلك المثال السيئ الذي ذكره في بيان رأيه الفقهي عن تلك الشعيرة من الشعائر الحسينية.
إن ما رأيته أنا في هذا المجال كثير وكثير. فالسيد حسين القمّي توفي قبل قرابة 86 سنة، وكان حسينياً وكان معروفاً ومشهوراً بذلك، ولهذا السبب وبعد (86) سنة لا يزال من ذريّته مراجع وفقهاء أحياء. وبالمقابل رأيت بعد عشر سنين من وفاة أحد الفقهاء أنه لم يخرج من ذريّته حتى فقيه واحد، لأنه لم يكن حسينياً!
وأكّد سماحة المرجع الشيرازي، قائلاً: أيها السادة، وبالأخصّ أيها الشباب، اعتبروا، فـ(لقد كان في قصصهم عبرة). فإن الله تعالى أراد أن تبقى قضية الإمام الحسين صلوات الله عليه، استثنائية وفريدة، ومن يمسّها فإنه سحترق ويحترق تاريخه، سواء كان من عامّة الناس أو فقيهاً. فمن يلعب بالنار يحترق، سواء كان لعبه عن عمد أو عن غير عمد، وعن علم أو بلا علم، فالنار تكوينياً تحرق من يلعب بها. وهكذا هي القضية الحسينية المقدّسة التي جعل الله تعالى لها تكويناً خاصّاً وتشريعاً خاصّاً أن تكون قضية خاصّة واستثنائية.
علينا جميعاً أن نحذر بأن لا نقع في مثل ما وقع فيه وابتلي به من تعامل بالسلب مع القضية الحسينية أو عرقلها أو كان له موقف اللامبالاة تجاهها، كي لا نحترق ولا يحترق تاريخنا.
وختم دام ظله كلمته القيّمة بقوله: أسأل الله تبارك وتعالى ببركة مولانا الإمام سيّد الشهداء صلوات الله عليه أن يوفّقنا ويوفّق جميع من خطوا ويخطون في طريق الإمام الحسين صلوات الله عليه، ويعملون ويتعاملون بالإيجاب فيها وتجاهها، بأي مقدار كان، وتحت أية شرائط، سواء كانوا علماء أو اُميّين، وأغنياء أو فقراء، ورجالاً ونساء، وأن يقضي الله سبحانه حوائج الجميع بالخير والإحسان، للدنيا والآخرة.
http://im16.gulfup.com/jwZR2.bmp (http://www.gulfup.com/?0xKRrz)
====
المصادر:
1) وسائل الشيعة: ج5، باب 70، ص111، ح6071.
2) الكامل في الزيارات: الباب الثامن والثمانون فضل كربلاء، ص265.
3) اللهوف: المسلك الثاني في وصف حال القتال ص136.
4) الكامل في الزيارات: الباب الثامن والثمانون فضل كربلاء، ص260.
ومع السلامة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
http://im16.gulfup.com/mTwR1.bmp (http://www.gulfup.com/?2h1yL2)
المرجع الشيرازي: من يمسّ الشعائر الحسينية يحرق تاريخه سواء كان فقيهاً أو اُميّاً
في مساء يوم الأحد الموافق للعاشر من شهر محرّم الحرام 1434 للهجرة ـ ليلة الحادي عشر ـ التي تسمّى بـ(ليلة الوحشة والغربة على أهل البيت صلوات الله عليهم)، وكالسنوات السابقة، وبعد إقامة عزاء ليلة الوحشة، ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله كلمة مهمّة قيّمة حول القضية والشعائر الحسينيتين المقدّستين، بالمئات من المعزّين، وذلك في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة؛ قال فيها:
عظّم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بسيّدنا الحسين صلوات الله عليه وجعلنا الله وإيّاكم من الطالبين بثاره مع وليّه الإمام المهديّ من آل محمّد صلوات الله عليه وعجّل في فرجه الشريف.
في البداية أشكركم وأشكر جميع الذين أقاموا العزاء على المولى سيّد الشهداء صلوات الله عليه، بأي نحو كان وبأي مقدار كان. وأشكر جميع من أقاموا الشعائر الحسينية، سواء في إيران أو في العراق أو في سائر البلاد الإسلامية أو في البلاد الكافرة. فالحمد لله، في زماننا، قد انتشرت الشعائر الحسينية المقدّسة وتوسّعت. فالآلاف والآلاف من المجالس الحسينية قد اُقيمت في أطراف الدنيا خلال العشرة الأولى من محرّم، بالأخصّ اليوم وأمس. فأشكر جميع الذين أقاموا هذه المجالس. وبعنوان الواجب الشرعي أدعو لجميعهم، وأسأل الله تعالى أن لا يحرمهم من هذا التوفيق، بل أسأله تعالى أن يوفّقهم أكثر وأكثر، وأن يقضي الله سبحانه وتعالى، ببركة هذه الشعائر المقدّسة، حوائجهم للدنيا والآخرة.
أما بالنسبة للذين سبّبوا المشاكل لمحيي الشعائر الحسينية، في كل مكان وبأي شكل، أو ثبّطوا بلسانهم أو بعملهم، وبأي اسلوب آخر سواء كانوا من الحكومات، أو بين العائلة والأقارب والأصدقاء والجيران، وسواء كانوا من المسلمين أو من غير المسلمين، فأدعو الله أن يهديهم وأن يتمكّنوا على جبر ما صدر منهم من محاولات العرقلة، وأن لا تستمر معهم إلى الآخرة، لأنهم بماذا سيواجهوا ويقولوا لمولاتنا الزهراء صلوات الله عليها؟ فحينها سوف لا ينفعهم الندم؛ ولا حيلة لهم حينها.
وبيّن سماحته المقصود من المشاكل التي يسببها البعض في طريق الشعائر الحسينية، وقال: لا أقصد من المشاكل الظلم، لأن الظلم لا جزاء له إلاّ العقاب، والله تعالى أقسم أن لا يغضّ عن الظلم والظالم. فإذا قام أحد بإيجاد المشاكل لأحد القائمين بالشعائر الحسينية وكان ظالماً، حتى بمقدار لمس ثياب المقيم للشعائر، فإنّ الله تعالى أقسم أن يعاقبه، كما في الروايات الشريفة، ومنها: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ألا وَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ حَتَّى عَنْ مَسِّ أَحَدِكُمْ ثَوْبَ أَخِيهِ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ) (1).
وعقّب سماحته مشيراً إلى مصير من يظلم أهل البيت صلوات الله عليهم ويظلم الشعائر الحسينية المقدّسة، وقال: إنّ الله تعالى أقسم أن لا يهمل وأن لا يغضّ الطرف عمّن يظلم أهل البيت صلوات الله عليهم، بالأخصّ من يظلم مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه. كما إنّ أهل البيت صلوات الله عليهم لعنوا كل من يظلمهم، كما في الروايات الشريفة الصحيحة المعتبرة. وأنا شخصياً وكواجب شرعي ألعن كل من يظلم أهل البيت صلوات الله عليهم، وكل من يظلم الشعائر الحسينية، وأسأل الله أن يبتليهم بالدنيا بأنواع المشاكل، وأن يعذّبهم بالآخرة بعذاب يثلج قلب السيّدة الزهراء صلوات الله عليها. وأنا لا أدعو بالهداية لأمثال هؤلاء لأنه لا فائدة من الدعاء لهم، بل سيكون الدعاء لهم لغواً, بل أدعو بالهداية للذين أوجدوا المشاكل التي لم تكن ظلماً.
وذكر سماحته منشأ التشكيكات المثارة حول القضية الحسينية المقدّسة، وقال: إنّ التشكيكات التي اُثيرت بالنسبة لقضية الإمام الحسين صلوات الله عليه على طول التاريخ، ومن يوم استشهاد المولى سيّد الشهداء صلوات الله عليه، وإلى يومنا هذا، هي كثيرة وكثيرة. وأصل هذه التشكيكات وأساسها هو إبليسكما ذكرت الروايات الشريفة، ومنها الرواية التالية:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إن إبليس لعنه الله في ذلك اليوم (يوم مقتل الإمام الحسين صلوات الله عليه) يطير فرحاً، فيجول الأرض كلها بشياطينه وعفاريته فيقول يامعاشر الشياطين ... فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم وحملهم على عداوتهم وإغرائهم بهم وأوليائهم حتى تستحكموا ضلالة الخلق وكفرهم» (2).
وعقّب سماحته بقوله: لا يُعلم كم هو عدد هؤلاء الشياطين الذين ذكرتهم الرواية الشريفة، فلعلهم بالملايين أو بالمليارات! هذا أولاً.
ثانياً: أنا لم أجد مثل هذه الرواية بحقّ قضية النبي صلى الله عليه وآله مع أنه أفضل من الإمام الحسين صلوات الله عليه، ولم أجد مثلها بحقّ قضية الإمام أمير المؤمنين، ولا بحقّ قضية مولاتنا فاطمة الزهراء، ولا بحقّ قضية مولانا الإمام الحسن صلوات الله عليهم أجمعين، مع أنهم أفضل من الإمام الحسين صلوات الله عليه. وهذا ما يدلّ على ان الله تعالى جعل القضية الحسينية قضية استثنائية.
وأشار سماحته إلى نماذج من تشكيك بعض المحسوبين من العلماء بالروايات التي تتحدّث عن القضية الحسينية المقدّسة، وقال: من العجائب والغرائب انه حتى هذه الرواية تعرّضت للتشكيك علمياً! فقد قال وقام بالتشكيك بها بعض العلماء! علماً انه يجب أن تعلموا بأن ليس كل عالم حسن وصالح! فالعالم شيء، والصلاح شيء آخر. وبعض الأحيان تجتمع هاتين الصفتين في شخص واحد فيكون كالشيخ المفيد قدّس سرّه. وأحياناً يفترقا فيكون عالم سوء، كابن أبي العزاقر والشريعي والبلالي والهلالي وبلعم بن باعوراء وابن عربي. ولذا ذكرت الروايات الشريفة أن أسوأ دركات جهنّم هي لعلماء السوء. نعوذ بالله. نعوذ بالله. (قالها سماحته مرّتين).
أنه لمن المؤسف له، ومن المؤسف له، وأقولها مائة مرّة، إنه من المؤسف أن بعض الأشخاص أعطاهم الله الذكاء ودرسوا وكسبوا العلم وصاروا علماء، لكنهم يشكّكون حتى في الرواية التي ذكرناها آنفاً!!!
إن مرادي مما قلت وأقوله هو: أدّاء الواجب الشرعي تجاه الله تبارك وتعالى، وتجاه رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمة المعصومين من ذريّته صلوات الله عليهم أجمعين، بالخصوص سيّدنا بقيّة الله عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصلوات الله عليه، وطبقاً لما أعتقد به وأستنبطه.
وتطرّق سماحته إلى الحديث عن حكم الشعائر الحسينية، وقال:إن الشعائر الحسينية المقدّسة من الفضائل، وبعضها مستحبّة، وبعضها مستحبّة مؤكّدة، وبعضها واجب كفائي، وبعضها واجب عيني. وهذا الأخير يرتبط بحثه بأهل الاختصاص والفقهاء، ولا نقاش فيه.
كذلك إنّ الصلاة من الفضائل وهكذا الصيام والحجّ (الواجب منه والمستحبّ) والتصدّق والإطعام وبناء المساجد، وكل الأعمال الحسنة هي من الفضائل. فكم وكم وكم هو مقدار ما اُقيم من هذه الفضائل على طول 1434 سنة؟ لا شكّ هي كثيرة وكثيرة وكثيرة، ولا يمكننا أن نعدّها. ومع ذلك كلّه أقول: انها ليست بمقدار التشكيكات الكثيرة التي أثاروها حول الشعائر الحسينية المقدّسة، ولا زالوا يثيرونها!!!
إنّ من يرائي في الصلاة تكون صلاته باطلة. فهل رأيتم أنهم يعلنون في المساجد قبل الصلاة أنه: أيها الناس لا تراؤوا في الصلاة فتبطل صلاتكم، مع أن هذا الإعلان صحيح؟! وهل رأيتم أنهم أعلنوا بأنه: يامن تتصدّق إذا كانت صدقتك لغير الله فلا فائدة منها؟ ويامن تبني المساجد إذا كان عملك لغير الله فلا فائدة منه؟ ويامن بنيت المسجد إذا لم تؤدّي صلاة الصبح في وقتها وصارت قضاء فما الفائدة من بنائك المسجد؟ وهل رأيتم مثل هذه الإعلانات في شهر رمضان, وفي المساجد وفي مراسم الأدعية وفي باقي مجالس المناسبات والعبادات الأخرى، ولو مرّة في حياتكم؟ أو يصدّرون منشوراً أو بياناً حول ذلك، أو يطبعون كتاباً؟
لكن تعالوا إلى قضية الإمام الحسين صلوات الله عليه، وانظروا كيف وكم يثيرون من التشكيكات حولها ويؤكّدون عليها؟ ومن هذه التشكيكات، قولهم: لماذا تقيم الشعائر الحسينية وأنت لا تصلّي؟ ولماذا تقيم الشعائر الحسينية وأنت لم تؤدّي صلاة الصبح في وقتها؟
أسألكم: هل يمكننا أن نجزم بأن كل من بنى مسجداً أو حجّ بيت الله الحرام أو صام شهر رمضان لم يبتلى بعدم أداء صلاة الصبح أو غيرها في وقتها؟ فلماذا لا يتقولون على مثل هذه الأمور، ويتقولون على الشعائر الحسينية؟
أقول في الجواب على ذلك: هذه هي من أفعال إبليس الذي أمر الشياطين كافّة بأن يشكّكوا بالشعائر الحسينية! وهذه التشكيكات بالنتيجة توثّر على ضعفاء القلوب وعلى الهمج الرعاع الذين ذكرهم الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهم في حديثه الشريف.
ثم تحدّث سماحته عن خصائص قضية الإمام الحسين صلوات الله عليه، وحكم من يخدمها ومن يحاربها ومن لا يبالي تجاهها، وقال:
إن من خصائص القضية الحسينية المقدّسة أن من يخدمها فله الجنة، ومن يقف أمامها أو يحاول عرقلتها أو محاربتها فله النار لا محالة. بل حتى الذي يتّخذ موقف اللامبالاة تجاه فهو ملعون. فقد نقلت كتب المقاتل أن شخص من الجيش الأموي شاهد إحدى حرائر بيت النبوّة قد التهمت النار ثيابها وهي تركض، فجرى خلفها لكي يطفئ النار, فلما رأته قالت له: لنا أم علينا؟ فقال لها: لا لكم ولا عليكم، اريد أن اخلّصك من النار. أنا شخصياً كلما سمعت هذه الرواية من الخطباء قلت تقرّباً إلى الله تعالى حول ذلك الرجل: لعنة الله عليه. فمثل هذا كمثل الظالم الذي يتصدّق على الفقير، أو كالظالم الذي يرفع الظلم عن أحد المظلومين، فمع ان هذا العمل هو عمل حسن ولكن الظالم في نفسه ملعون، بنصّ القرآن الكريم، حيث قال تعالى: ألا لعنة الله على الظالمين.
كما ان كل الذين اصطفوا في جيش يزيد في كربلاء وكثّروا السواد على سبط النبي صلى الله عليه وآله الإمام الحسين صلوات الله عليه، فهم مصداق الظالمين. ففي الروايات الشريفة أنه:
«روى ابن رياح قال: رأيت رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الحسين سلام الله عليه فسُئل عن ذهاب بصره؟ فقال: كنت شهدت قتله عاشر عشرة غير أني لم أضرب ولم أرم، فلما قتل سلام الله عليه رجعت إلى منزلي وصلّيت العشاء الأخيرة ونمت فأتاني آت في منامي فقال: أجب رسول الله صلى الله عليه، فإنه يدعوك. فقلت: ما لي وله؟ فأخذ بتلبيبي وجرّني إليه فإذا النبي صلى الله عليه وآله جالس في صحراء، حاسر عن ذراعيه، آخذ بحربة، ومَلَك قائم بين يديه، وفي يده سيف من نار، فقتل أصحابي التسعة، فكلما ضرب ضربة التهبت أنفسهم ناراً، فدنوت منه وجثوت بين يديه وقلت: السلام عليك يارسول الله، فلم يردّ عليّ ومكث طويلاً ثم رفع رأسه وقال: ياعدو الله انتهكت حرمتي وقتلت عترتي ولم ترع حقّي وفعلت ما فعلت؟ فقلت: والله يارسول الله ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم. قال: صدقت ولكنك كثّرت السواد، ادن منّي، فدنوت منه فإذا طست مملو دماً، فقال لي: هذا دم ولدي الحسين سلام الله عليه، فكحّلني من ذلك الدم، فانتبهت حتى الساعة لا أبصر شيئاً» (3).
من المسلّمات والمتواترات ومن الأمور التي رأيناها بالخارج إنّ المشيئة الإلهية التكوينية شاءت أن تزداد الشعائر الحسينية وتتسع مهما شكّك الناس بها وحولها، ومهما سبّبوا المشاكل لها، ومهما أغلقوا الحسينيات والمواكب، ومهما ضربوا المعزّين وحبسوهم وقتلوهم وآذوهم، والنماذج في هذا الخصوص بالآلاف والآلاف، ومنها ما فعله صدام وأمثاله. فاوصي جميع المؤمنين بالأخصّ أهل العلم والمثقّفين أن يجمعونها ويؤلّفوا عنها موسوعات. وهنا أذكر لكم نموذجاً، هو:
وذكر سماحته محاولة للظالمين في محاربتهم العزاء الحسيني المعروف بركضة طويريج، وقال: الكل يعرف عزاء طويريج، وأنا شخصياً شاركت عدّة مرّات في هذا العزاء قبل 45 سنة تقريباً. وهذا العزاء في تلك السنين كانت مدّته لا تطول عن 30 دقيقة، وكان المشاركون فيه يدخلون إلى الروضتين الحسينية والعباسية المقدّستين من باب واحدة ويخرجون من باب واحدة أيضاً. وكتبت إحدى المجلات في حينها إحصائية عن هذا العزاء، فذكرت أن عدد المشاركين فيه قرابة 50 ألف. فعندما جاء صدام قمع هذا العزاء وقتل وحبس. ولكن بعد ذهاب صدام, وخصوصاً اليوم، انظروا كم ساعة تطول مدّة هذا العزاء؟ وكم يشاركون فيه؟ ولكثرة جموع المعزّين نرى أنهم يدخلون من ثلاث أبواب ويخرجون من ثلاث. وهذا من وعد الله ومن مشيئته التكوينية. وهذا ما وعد الله به رسوله صلى الله عليه وآله ونقلته السيّدة زينب سلام الله عليها لأخيها الإمام زين العابدين صلوات الله عليها، مع ان الإمام السجّاد سلام الله عليه كان يعلم بهذا الوعد، ولكن للنقل خاصيو تؤثّر على المستمع. وهذا الوعد الإلهي هو ما ذكرته الرواية الشريفة التالية: «وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً، وأمره إلاّ علوّاً» (4).
وأضاف سماحته مشيراً إلى نموذج آخر من محاولات أحد الحكّام في محاربته الشعائر الحسينية، وقال: ونموذج آخر أذكره لكم أيضاً، هو:
إنّ رضا بهلوي (والد الشاه المقبور) في بداية سيطرته على الحكم بإيران كان يشجّع على إقامة الشعائر الحسينية وكان يحضر في مراسم العزاء، وأنا شخصياً رأيت صورة عن مشاركته في مراسم العزاء الحسيني في إحدى الصحف اﻹيرانية ذلك الحين، حتى أنه كان يلطّخ رأسه وجبينه بالطين، لكنه بعد أن استتبّ حكمه شرع في محاربة الشعائر الحسينية ومنعها والصدّ عنه، وأغلق الحسينيات وحبس وقتل الكثير من المعزّين الحسينيين. ونشرت إحدى الصحف الإيرانية في وقتها كلاماً للبهلوي عن سبب محاربته للشعائر الحسينية، وكان مانشيت الخبر هكذا: هذه من أفعال المخرفين، وأنا أسعى في إزالة هذه الخرافات!
وشدّد سماحته بقوله: أنأ أقول للبهلوي: ياتعيس، ياسيئ الحظ، هذه الكلمة أكبر من فمك، وأكبر من فم معاوية ويزيد. فمن أنت ياتعيس، ياسيئ الحظ؟ فهل من يقوم بالشعائر الحسينية مخرف ولا يعرف حقيقة ما يقوم به؟
عندنا في الروايات الشريفة أنه: من قال بعد صلاة المغرب والصبح سبع مرّات: بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، لا يصاب بالخرف مهما عاش وعمّر. أي لا يفقد عقله.
إنّ الذين عرقلوا الشعائر الحسينية وحاربوها كم استعملوا أمثال كلمة (مخرف) ونسبوها للمعزّين الحسينيين، على مرّ التاريخ ولحد يومك هذا؟ وهذه الكلمة هي من كلمات الشيطان وأعوانه!
في زمن البهلوي الأول وجرّاء محاربته للشعائر الحسينية، انحسرت المجالس وقلّت، بحيث ذكروا أنه في تلك السنة لم يقام في طهران (العاصمة) سوى (50) مجلساً. وذكروا أنه بعد ذهاب البهلوي، أي في أول محرّم بعد البهلوي، اقيم في طهران فقط (4500) مجلساً حسينياً!
وأردف سماحته بقوله: إنّ ما ذكرته لكم كان عن أفعال الظالمين، وهنا أرى أن أذكر لكم نموذجاً عمن كان صالحاً لكن صدر منه بدون قصد هفوة تجاه القضية الحسينية المقدّسة.
أحد العلماء الفقهاء كان معاصراً للشيخ الأنصاري، وكان فقيهاً متبحّراً ومحقّقاً بارعاً، له كتاب حول الصلاة، وهو كتاب ثمين ولدي نسخة منه، وأعتقد أنه حاصل عمر ذلك الفقيه أي انه صرف عشرات السنين من عمره في تأليفه، وأهل الخبرة عند مراجعتهم هذا الكتاب يعرفون ماذا أقول. وقد طالعت هذا الكتاب فوجدت فيه مطالب جميلة، ونقلت بعضها في بعض مؤلّفاتي. ولكن ما لفت انتباهي هو أن الفقهاء من بعده نقلوا عن أكثر كتب الأنصاري لكنهم لم ينقلوا عن هذا الكتاب أصلاً، فاستغربت وتعجّبت! وذات يوم كنت عند أحد المراجع وكان الأعلم وصار مرجع زمانه في مدينة قم المقدّسة، فنقلت له مطلباً علمياً, فسألني: أين قرأت هذا المطلب؟ قلت: في الكتاب الفلاني، وقصدت كتاب ذلك الفقيه. فسألني: ولمن هذا الكتاب؟ فتعجّبت من أنه كيف يمكن لهذا المرجع الذي صرف عمره في العلم أنه لم يسمع حتى باسم هذا الكتاب؟! فبدأت الأسئلة تراود ذهني وصرت أتعجّب من أنه لماذا لم ينقل العلماء الذين جاءوا من بعد الأنصاري عن هذا الكتاب حتى مورداً واحداً, كالآخوند والميرزا النائيني والقاضي العراقي وعبد الكريم الحائري وتلاميذهم وغيرهم، ولحد الآن؟ وتساءلت: من عمل هذا التعتيم على هذا الكتاب؟ بعدها علمت السبب وهو انني وجدت أن هذا الفقيه كان له رأياً فقهياً سلبياً تجاه إحدى الشعائر الحسينية، حيث كان قد ضرب مثالاً سيّئاً في بيان رأيه. عندها علمت ان يد الغيب الإلهية هي التي عتّمت على هذا الكتاب، حتى وإن كان فعل صاحب ذلك الكتاب عن قصور! وبعدها راجعت مؤلّفاتي التي نقلت فيها بعض مطالب ذلك الكتاب وحذفتها، خوفاً من أن لا أصاب بنكباته. علماً بأنني علمت أيضاً بأن الكثير من أقارب ذلك الفقيه كانوا قد لاموه على ذلك المثال السيئ الذي ذكره في بيان رأيه الفقهي عن تلك الشعيرة من الشعائر الحسينية.
إن ما رأيته أنا في هذا المجال كثير وكثير. فالسيد حسين القمّي توفي قبل قرابة 86 سنة، وكان حسينياً وكان معروفاً ومشهوراً بذلك، ولهذا السبب وبعد (86) سنة لا يزال من ذريّته مراجع وفقهاء أحياء. وبالمقابل رأيت بعد عشر سنين من وفاة أحد الفقهاء أنه لم يخرج من ذريّته حتى فقيه واحد، لأنه لم يكن حسينياً!
وأكّد سماحة المرجع الشيرازي، قائلاً: أيها السادة، وبالأخصّ أيها الشباب، اعتبروا، فـ(لقد كان في قصصهم عبرة). فإن الله تعالى أراد أن تبقى قضية الإمام الحسين صلوات الله عليه، استثنائية وفريدة، ومن يمسّها فإنه سحترق ويحترق تاريخه، سواء كان من عامّة الناس أو فقيهاً. فمن يلعب بالنار يحترق، سواء كان لعبه عن عمد أو عن غير عمد، وعن علم أو بلا علم، فالنار تكوينياً تحرق من يلعب بها. وهكذا هي القضية الحسينية المقدّسة التي جعل الله تعالى لها تكويناً خاصّاً وتشريعاً خاصّاً أن تكون قضية خاصّة واستثنائية.
علينا جميعاً أن نحذر بأن لا نقع في مثل ما وقع فيه وابتلي به من تعامل بالسلب مع القضية الحسينية أو عرقلها أو كان له موقف اللامبالاة تجاهها، كي لا نحترق ولا يحترق تاريخنا.
وختم دام ظله كلمته القيّمة بقوله: أسأل الله تبارك وتعالى ببركة مولانا الإمام سيّد الشهداء صلوات الله عليه أن يوفّقنا ويوفّق جميع من خطوا ويخطون في طريق الإمام الحسين صلوات الله عليه، ويعملون ويتعاملون بالإيجاب فيها وتجاهها، بأي مقدار كان، وتحت أية شرائط، سواء كانوا علماء أو اُميّين، وأغنياء أو فقراء، ورجالاً ونساء، وأن يقضي الله سبحانه حوائج الجميع بالخير والإحسان، للدنيا والآخرة.
http://im16.gulfup.com/jwZR2.bmp (http://www.gulfup.com/?0xKRrz)
====
المصادر:
1) وسائل الشيعة: ج5، باب 70، ص111، ح6071.
2) الكامل في الزيارات: الباب الثامن والثمانون فضل كربلاء، ص265.
3) اللهوف: المسلك الثاني في وصف حال القتال ص136.
4) الكامل في الزيارات: الباب الثامن والثمانون فضل كربلاء، ص260.
ومع السلامة.