ابو الحسن الكاظمي
08-01-2013, 06:32 PM
قصة ذي القرنين في سورة الكهف
بعد أن انتهت قصة العبد الصالح مع النبي موسى & انتقل المنطوق القرآني الى قصة ثالثة وهي قصة ذي القرنين نلخصها بما يلي: إن ذا القرنين قد منّ الله تعالى عليه بإيتائهِ القوة والتمكين له وأعطاه من كل شيء سببا، فكانت له هذه القوة التي مكّنته من بسط نفوذه على مشرق الأرض ومغربها، فكانت بداية نهوضه بالأمر منطلقاً نحو المغرب أي مغرب الشمس ثم المشرق ثم الى قوم يأجوج ومأجوج ومن يجاورهم حتى صارت الارض تدين بدين التوحيد لله تعالى.
الرحلة الاولى
بعد أن وصل ذو القرنين الى منطقة المغرب وهي مغرب الشمس وجد هناك جماعة يدينون بدين يكفر بالله مع جماعة كانت تدين بدين الله وتوحده، فواجه ذو القرنين بذلك مجتمعا خليطا من الكافرين والمؤمنين مجتمعين بمكان واحد فجاءه الامر الالهي أن ياذا القرنين أنت مخيّر بين أن تعذب هؤلاء أو تتخذ فيهم حسناً من العفو والمسامحة، فكان قرار ذي القرنين أنه سوف يبلغ أهل هذه القرية بدين الله والتوحيد له ونبذ الاصنام وترك الشرك بالله كما تروي التفاسير في أنهم كانوا يعبدون الشمس، فمن كفر بهذه الدعوة وأصرّ على شركه وكفره فمصيره العذاب، ومَن آمن وعمل صالحاً فسوف يجازى بالإحسان والعمل اليسير.
الرحلة الثانية
بعد ذلك انطلق الى مشرق الشمس فوجد جماعة من الناس لا ساتر لهم من الشمس وهنا قد اختلف المفسرون في معنى هذه الآية، فقسم يقول أنهم كانوا عراة لا ملابس تسترهم من أشعة الشمس والقسم الثاني يقول بأنهم لم يكونوا يعرفوا بعد بناء البيوت وكانوا ينامون على الارض من دون سقف أو حائط يسترهم من الشمس وحرارتها، هذا ما بيّنه القرآن الكريم في رحلة ذي القرنين الى هؤلاء القوم في مشرق الارض ولم تفصّل اكثر فيما جرى بينهم وسكتت عنه الآيات الشريفة ولكن من الواضح أنهم قوم لم تصل لهم الحضارة الانسانية.
الرحلة الثالثة
وصل ذو القرنين الى قرية أخرى وهي واقعة بين الشرق والغرب ووجد في هذا المكان قوماً لا يكادون يفقهون قولاً، والظاهر من الروايات أنهم لم يكونوا يعرفون الكلام أو إن كلامهم لم يكن مفهوماً لدى ذي القرنين، وكان هؤلاء قوم مستضعفون من قبل قوم آخرين الى جوارهم، يفسدون في الارض ويخربون الحرث والنسل ولم يكن لهم قوة على صدهم، فطالبوا ذا القرنين بعد ما رأوا من قوته ونفوذه وسطوته بجيشه وعدّته بإنقاذهم سائلين إياه أن يخلّصهم من هؤلاء الزمر الخبيثة المسماة بــ(يأجوج ومأجوج) على أن يعطوه خراجاً أو جائزة أو ضريبة سنوية له، فأجابهم أنني لست بحاجة لأموالكم فإن الذي اعطانيه الله خير من خراجكم وأموالكم، فإن كنتم تريدون الخلاص من هؤلاء القوم المفسدين فأعينوني بجلب الحديد، فجمعوا له الحديد فجعله بين جبلين كالسد وأشعل تحته النار، فبعد أن انصهر الحديد طلب منهم أن يأتوه بالنحاس المذاب فأخذه وبدء بتقطير النحاس المذاب على الحديد المنصهر فأصبح سداً منيعاً لهؤلاء القوم المفسدين في الارض.
الى هنا انتهت الرحلات الثلاث لذي القرنين وتنقّله بين المشرق والمغرب، أوجزناها طلباً للاختصار، إذ أن ما يهمنا في هذا المبحث هو إيراد أوجه الشبه بين الإمام المهدي ع وذي القرنين.
المطلب الثاني
اوجة التشابه
وجه الشبه الاول
إن ذا القرنين كان يمثل الارادة الالهية في الارض فعند وصوله الى أصحاب المغرب جعل الله له الخيرة في أن يعذّب أو يعفو، وقد صدر من هذا القائد ما هو مطابق للتشريع الإلهي من أن المصرّ على كفره سيُعذّب وينتقل الى عذاب الله الأكبر ومن يدخل في الإيمان بالله والعمل الصالح فسيكون من المكرمين، وهذا الدور الذي مارسه ذو القرنين هو نفسه الذي سيمارسه الإمام المهدي ع عند ظهور دولته الشريفة ونشر راية التوحيد والعدل الالهي بين الناس، فبعد أن يبيّن للناس ما هو الايمان الحق وحدوده وما هو الكفر وحدوده، سينظر بمن يؤمن به وبدعوته للحق سبحانه وتعالى وتوحيده فسيكون من المكرمين عند الإمام ع، أما من يصرّ على الكفر والإلحاد والمعاندة فلا طريق له إلا العذاب والقتل فيُردّ الى عالم الغيب والشهادة فيعذبه الله العذاب الأكبر.
وجه التشابه الثاني
إن ذا القرنين مؤيد من الله تعالى وقد أعطاه التمكين في الارض أي إن القوة والسطوة التي كان يمتلكها ذو القرنين هي من الله تعالى ولم يحصل عليها عن طريق الامور الاعتيادية والطبيعية، فإننا نجد من الصعب بل من المستحيل للشخص العادي والذي يسير وفق الأمور الاعتيادية أن يتمكن من بسط سيطرته على كل العالم ويملك ما بين المشرق والمغرب وتأريخ الامم والشعوب يشهد بهذه الحقيقة، نعم من كان مؤيداً من الله وله ميزة أو هبة التمكين في الارض يستطيع فعل هذهِ الامور وأن ينشر جناحيه على جميع بقاع العالم وهذا الامر هو عينه الذي سيكون مع الإمام المهدي ع، وإذا ما عرفنا ان رسول الله (ص) كان موعوداً من الله تعالى بأن هذا الدين سوف يظهر وينتشر على جميع الاديان ويكون هو الغالب على وجه الارض من خلال قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[1] (http://www.imshiaa.com/vb/#_ftn1) فهنا يأتي السؤال إن رسول الله (ص) مات ولم يظهر على الدين كله ولم يكن جميع الناس داخلين في الاسلام بل على العكس إن الدين الاسلامي كان الدين الأقل شهرة على وجه الارض، واليوم آخذ بالاضمحلال والتغييب عن الناس بسبب تشويهه ومحاربته من قبل اعداء الله فلم يبق منه إلا القشور، وعليه فإن هذه الآية تعدّ بشارة لرسول الله (ص) بأن دينه سوف يظهر على الدين كله وتُنشر راية الحمد في آفاق الدنيا بأجمعها على يد آخر اولاده المعصومين ع وهو الحجة المنتظر ع الذي سيملأ الارض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً بحسب الروايات المعتبرة، وهذا هو وجه الشبه الثاني وهو ان التمكين من الله لذي القرنين سيليه تمكين آخر ولكن هذه المرة لخاتم الحجج الاطهار الحجة بن الحسن ع.
وجه الشبه الثالث
إن دعوة ذي القرنين كانت دعوة عالمية تشمل كل بقاع الارض من المشرق الى المغرب والتي أساسها التوحيد لله تعالى ونشر العدل الالهي بين الناس، وتدل عليه الآيات التي أوردناها في بداية قصة ذي القرنين من الانتقال للمغرب ومن ثم للمشرق وبعدها مابين المشرق والمغرب وهذا يدل دلالة واضحة من أن ذا القرنين قد بسط سطوته ونفوذه على العالم كله في ذلك الوقت، فإذا كانت دعوته أو نهوضه بالامر يهدف الى قيام الدولة العالمية الكاملة والشاملة لكل بقاع الارض، نجد ايضاً هذا الشبه موجود في أحاديث أهل البيت ع من أن المهدي ع سيظهر ويملأ الارض قسطاً وعدلاً، فهي ايضاً دعوة لنشر راية التوحيد الالهي وتحقيق العدالة الربانية في الارض، وبالتالي فدعوة الإمام المهدي ع متشابهة تمام التشابه لدعوة ذي القرنين من حيث عالمية الدعوة وشموليتها مع اختلاف المقام والرتبة بين خاتم الحجج وبين ذي القرنين.
المطلب الثالث
ثمرة أوجه الشبه
إذا تبينت هذه الوجوه من الشبه بين دعوة ذو القرنين ودعوة الإمام المهدي ع، نقول ان ايراد قصة ذي القرنين في سورة الكهف تعد نافية لكل مَن يقول أنه لا يمكن أن تقام حكومة إلهية شاملة لكل بقاع المعمورة في هذا الزمان، بل على العكس فهي مؤيِدة لمسألة إن الله تعالى إذا اراد ان يجعل في هذ الارض حكومة إلهية فهو القادر على كل شيء ولا يعزب عنه أي شيء، وبالتالي فإنه عز وجل يؤيد ذلك القائد العالمي ويمده بالقوة والتمكين في الارض كما حصل مع ذي القرنين، فهو ايضاً قادر على ان يجعل في الزمان القادم حكومة يتمثل بها الإمام المهدي ع قائداً وإماماً وحجة على الناس رافعاً راية الله اكبر على كل من طغى وتجبّر، فهو حامل السيف والقرآن والقوة والشريعة وله كامل الاختيار في من يريد أن يعذب أو يكرم ويكون الأساس في العذاب والإكرام هو الاستجابة لدعوة التوحيد فمن كفر فهو من المعذَّبين والمنتقلين الى العذاب الاكبر، ومن آمن وعمل صالحاً فهو من المنعّمين والمكرمين في الدنيا والاخرة، فعقيدة الدولة الالهية أو حكومة العدل الالهي ليست عقيدة تعالج المستضعفين وتهدئ أعصاب المؤمنين كما يصفها بعض من سلب الله من قلبه روح الايمان، أو عقيدة يكون الهدف من ورائها جمع الاموال للإمام الغائب والضحك على الذقون كما يصفها من نصب العداء لأهل البيت ومحبيهم، بل هي عقيدة أسّس وبشّر لها نبي الاسلام والخاتم محمد (ص) ومن بعده أئمة الهدى، وهذه البشارة من ان الارض ستملأ ظلماً وجوراً ثم يظهر القائم ع فيملؤها قسطاً وعدلاً وذلك لكثرة الاحاديث التي وردت في هذه المسألة، ونرى ان القرآن ينادي بهذا الاعتقاد ويشير الى الحكومة الالهية، ثم أننا نجد من خلال رحلة ذي القرنين في الاتجاهات الثلاث المغرب والمشرق وما بينهما نجد أنه قد مرّ على ثلاثة أقوام كما أسلفنا، المشركين بالله، وقوم عراة أو من لاسكن لهم، وقسم ثالث مستضعفين من قبل قوم (يأجوج مأجوج) فإنا نجد من خلال استقراء الآيات القرآنية ومقارنتها مع أحداث خروج المهدي ع وبناء الدولة الالهية فأنه سيواجه طوائف ثلاث، الاولى هي طائفة مشركة بالله عز وجل أو مشككة به فهؤلاء هم من سيدعوهم الإمام ع الى التوحيد بالله والايمان به والعمل الصالح من أجل إعمار الارض وبناء التكامل الانساني المتجه نحو خالقه وبارئهِ، فمن أصرّ على كفره وإشراكه فلا علاج له الا السيف والعذاب الدنيوي والاخروي وأما من استجاب وآمن وعمل صالحاً فسوف يلقى الاكرام والاعزاز في الدنيا والاخرة وما عند الله اكثر وابقى، وأما الطائفة الثانية التي سيمر بها الإمام المهدي روحي لمقدمه الفداء فهي طائفة الجهل المطبق البعيد كل البعد عن الايمان والحضارة الايمانية فهم كأولئك العراة الذين مرّ بهم ذو القرنين لا لباس يسترهم ولا سقف يأويهم فهم يشبهونهم من حيث أنه لا لباس لهم كما عبرت الآية الكريمة (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)[2] (http://www.imshiaa.com/vb/#_ftn2) فمن لا دين له لا تقوى له ومَن لا تقوى له لا لباس له، وهؤلاء أيضاً من سيدعوهم ويعلمهم الحجة المنتظر ع في أمور دينهم وتقواهم، أما الطائفة الثالثة فهم الجماعة المستضعفة الذين سينقذهم الإمام من الاخطار والإفساد المحيط بهم والمهدد لحياتهم وذريتهم ومايملكون من الاموال والحرث وهؤلاء من أفضل الطوائف الثلاث لأنهم المؤمنين المنتظرين لخروج المنقذ لهم وسيخاطبهم (أي الإمام المهدي ع) بأن يعينوه في نصرته كما طلب ذو القرنين من أولئك المستضعفين من قبل أقوام (يأجوج مأجوج) أن يعينوه، فكما ان ذا القرنين كان مخلّصا لأناسٍ استنصروه ضد من عاثوا في الارض فسادا، فالمهدي ع هو المخلص لمن ينتظره ويطلب نصره، فيبني دولة الحق التي ستقوم على أساس متين وقوي تستطيع به أن تواجه العالم كله.
[1] (http://www.imshiaa.com/vb/#_ftnref1). سورة التوبة / آية 33.
[2] (http://www.imshiaa.com/vb/#_ftnref2). سورة الاعراف / آية 26.
بعد أن انتهت قصة العبد الصالح مع النبي موسى & انتقل المنطوق القرآني الى قصة ثالثة وهي قصة ذي القرنين نلخصها بما يلي: إن ذا القرنين قد منّ الله تعالى عليه بإيتائهِ القوة والتمكين له وأعطاه من كل شيء سببا، فكانت له هذه القوة التي مكّنته من بسط نفوذه على مشرق الأرض ومغربها، فكانت بداية نهوضه بالأمر منطلقاً نحو المغرب أي مغرب الشمس ثم المشرق ثم الى قوم يأجوج ومأجوج ومن يجاورهم حتى صارت الارض تدين بدين التوحيد لله تعالى.
الرحلة الاولى
بعد أن وصل ذو القرنين الى منطقة المغرب وهي مغرب الشمس وجد هناك جماعة يدينون بدين يكفر بالله مع جماعة كانت تدين بدين الله وتوحده، فواجه ذو القرنين بذلك مجتمعا خليطا من الكافرين والمؤمنين مجتمعين بمكان واحد فجاءه الامر الالهي أن ياذا القرنين أنت مخيّر بين أن تعذب هؤلاء أو تتخذ فيهم حسناً من العفو والمسامحة، فكان قرار ذي القرنين أنه سوف يبلغ أهل هذه القرية بدين الله والتوحيد له ونبذ الاصنام وترك الشرك بالله كما تروي التفاسير في أنهم كانوا يعبدون الشمس، فمن كفر بهذه الدعوة وأصرّ على شركه وكفره فمصيره العذاب، ومَن آمن وعمل صالحاً فسوف يجازى بالإحسان والعمل اليسير.
الرحلة الثانية
بعد ذلك انطلق الى مشرق الشمس فوجد جماعة من الناس لا ساتر لهم من الشمس وهنا قد اختلف المفسرون في معنى هذه الآية، فقسم يقول أنهم كانوا عراة لا ملابس تسترهم من أشعة الشمس والقسم الثاني يقول بأنهم لم يكونوا يعرفوا بعد بناء البيوت وكانوا ينامون على الارض من دون سقف أو حائط يسترهم من الشمس وحرارتها، هذا ما بيّنه القرآن الكريم في رحلة ذي القرنين الى هؤلاء القوم في مشرق الارض ولم تفصّل اكثر فيما جرى بينهم وسكتت عنه الآيات الشريفة ولكن من الواضح أنهم قوم لم تصل لهم الحضارة الانسانية.
الرحلة الثالثة
وصل ذو القرنين الى قرية أخرى وهي واقعة بين الشرق والغرب ووجد في هذا المكان قوماً لا يكادون يفقهون قولاً، والظاهر من الروايات أنهم لم يكونوا يعرفون الكلام أو إن كلامهم لم يكن مفهوماً لدى ذي القرنين، وكان هؤلاء قوم مستضعفون من قبل قوم آخرين الى جوارهم، يفسدون في الارض ويخربون الحرث والنسل ولم يكن لهم قوة على صدهم، فطالبوا ذا القرنين بعد ما رأوا من قوته ونفوذه وسطوته بجيشه وعدّته بإنقاذهم سائلين إياه أن يخلّصهم من هؤلاء الزمر الخبيثة المسماة بــ(يأجوج ومأجوج) على أن يعطوه خراجاً أو جائزة أو ضريبة سنوية له، فأجابهم أنني لست بحاجة لأموالكم فإن الذي اعطانيه الله خير من خراجكم وأموالكم، فإن كنتم تريدون الخلاص من هؤلاء القوم المفسدين فأعينوني بجلب الحديد، فجمعوا له الحديد فجعله بين جبلين كالسد وأشعل تحته النار، فبعد أن انصهر الحديد طلب منهم أن يأتوه بالنحاس المذاب فأخذه وبدء بتقطير النحاس المذاب على الحديد المنصهر فأصبح سداً منيعاً لهؤلاء القوم المفسدين في الارض.
الى هنا انتهت الرحلات الثلاث لذي القرنين وتنقّله بين المشرق والمغرب، أوجزناها طلباً للاختصار، إذ أن ما يهمنا في هذا المبحث هو إيراد أوجه الشبه بين الإمام المهدي ع وذي القرنين.
المطلب الثاني
اوجة التشابه
وجه الشبه الاول
إن ذا القرنين كان يمثل الارادة الالهية في الارض فعند وصوله الى أصحاب المغرب جعل الله له الخيرة في أن يعذّب أو يعفو، وقد صدر من هذا القائد ما هو مطابق للتشريع الإلهي من أن المصرّ على كفره سيُعذّب وينتقل الى عذاب الله الأكبر ومن يدخل في الإيمان بالله والعمل الصالح فسيكون من المكرمين، وهذا الدور الذي مارسه ذو القرنين هو نفسه الذي سيمارسه الإمام المهدي ع عند ظهور دولته الشريفة ونشر راية التوحيد والعدل الالهي بين الناس، فبعد أن يبيّن للناس ما هو الايمان الحق وحدوده وما هو الكفر وحدوده، سينظر بمن يؤمن به وبدعوته للحق سبحانه وتعالى وتوحيده فسيكون من المكرمين عند الإمام ع، أما من يصرّ على الكفر والإلحاد والمعاندة فلا طريق له إلا العذاب والقتل فيُردّ الى عالم الغيب والشهادة فيعذبه الله العذاب الأكبر.
وجه التشابه الثاني
إن ذا القرنين مؤيد من الله تعالى وقد أعطاه التمكين في الارض أي إن القوة والسطوة التي كان يمتلكها ذو القرنين هي من الله تعالى ولم يحصل عليها عن طريق الامور الاعتيادية والطبيعية، فإننا نجد من الصعب بل من المستحيل للشخص العادي والذي يسير وفق الأمور الاعتيادية أن يتمكن من بسط سيطرته على كل العالم ويملك ما بين المشرق والمغرب وتأريخ الامم والشعوب يشهد بهذه الحقيقة، نعم من كان مؤيداً من الله وله ميزة أو هبة التمكين في الارض يستطيع فعل هذهِ الامور وأن ينشر جناحيه على جميع بقاع العالم وهذا الامر هو عينه الذي سيكون مع الإمام المهدي ع، وإذا ما عرفنا ان رسول الله (ص) كان موعوداً من الله تعالى بأن هذا الدين سوف يظهر وينتشر على جميع الاديان ويكون هو الغالب على وجه الارض من خلال قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[1] (http://www.imshiaa.com/vb/#_ftn1) فهنا يأتي السؤال إن رسول الله (ص) مات ولم يظهر على الدين كله ولم يكن جميع الناس داخلين في الاسلام بل على العكس إن الدين الاسلامي كان الدين الأقل شهرة على وجه الارض، واليوم آخذ بالاضمحلال والتغييب عن الناس بسبب تشويهه ومحاربته من قبل اعداء الله فلم يبق منه إلا القشور، وعليه فإن هذه الآية تعدّ بشارة لرسول الله (ص) بأن دينه سوف يظهر على الدين كله وتُنشر راية الحمد في آفاق الدنيا بأجمعها على يد آخر اولاده المعصومين ع وهو الحجة المنتظر ع الذي سيملأ الارض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً بحسب الروايات المعتبرة، وهذا هو وجه الشبه الثاني وهو ان التمكين من الله لذي القرنين سيليه تمكين آخر ولكن هذه المرة لخاتم الحجج الاطهار الحجة بن الحسن ع.
وجه الشبه الثالث
إن دعوة ذي القرنين كانت دعوة عالمية تشمل كل بقاع الارض من المشرق الى المغرب والتي أساسها التوحيد لله تعالى ونشر العدل الالهي بين الناس، وتدل عليه الآيات التي أوردناها في بداية قصة ذي القرنين من الانتقال للمغرب ومن ثم للمشرق وبعدها مابين المشرق والمغرب وهذا يدل دلالة واضحة من أن ذا القرنين قد بسط سطوته ونفوذه على العالم كله في ذلك الوقت، فإذا كانت دعوته أو نهوضه بالامر يهدف الى قيام الدولة العالمية الكاملة والشاملة لكل بقاع الارض، نجد ايضاً هذا الشبه موجود في أحاديث أهل البيت ع من أن المهدي ع سيظهر ويملأ الارض قسطاً وعدلاً، فهي ايضاً دعوة لنشر راية التوحيد الالهي وتحقيق العدالة الربانية في الارض، وبالتالي فدعوة الإمام المهدي ع متشابهة تمام التشابه لدعوة ذي القرنين من حيث عالمية الدعوة وشموليتها مع اختلاف المقام والرتبة بين خاتم الحجج وبين ذي القرنين.
المطلب الثالث
ثمرة أوجه الشبه
إذا تبينت هذه الوجوه من الشبه بين دعوة ذو القرنين ودعوة الإمام المهدي ع، نقول ان ايراد قصة ذي القرنين في سورة الكهف تعد نافية لكل مَن يقول أنه لا يمكن أن تقام حكومة إلهية شاملة لكل بقاع المعمورة في هذا الزمان، بل على العكس فهي مؤيِدة لمسألة إن الله تعالى إذا اراد ان يجعل في هذ الارض حكومة إلهية فهو القادر على كل شيء ولا يعزب عنه أي شيء، وبالتالي فإنه عز وجل يؤيد ذلك القائد العالمي ويمده بالقوة والتمكين في الارض كما حصل مع ذي القرنين، فهو ايضاً قادر على ان يجعل في الزمان القادم حكومة يتمثل بها الإمام المهدي ع قائداً وإماماً وحجة على الناس رافعاً راية الله اكبر على كل من طغى وتجبّر، فهو حامل السيف والقرآن والقوة والشريعة وله كامل الاختيار في من يريد أن يعذب أو يكرم ويكون الأساس في العذاب والإكرام هو الاستجابة لدعوة التوحيد فمن كفر فهو من المعذَّبين والمنتقلين الى العذاب الاكبر، ومن آمن وعمل صالحاً فهو من المنعّمين والمكرمين في الدنيا والاخرة، فعقيدة الدولة الالهية أو حكومة العدل الالهي ليست عقيدة تعالج المستضعفين وتهدئ أعصاب المؤمنين كما يصفها بعض من سلب الله من قلبه روح الايمان، أو عقيدة يكون الهدف من ورائها جمع الاموال للإمام الغائب والضحك على الذقون كما يصفها من نصب العداء لأهل البيت ومحبيهم، بل هي عقيدة أسّس وبشّر لها نبي الاسلام والخاتم محمد (ص) ومن بعده أئمة الهدى، وهذه البشارة من ان الارض ستملأ ظلماً وجوراً ثم يظهر القائم ع فيملؤها قسطاً وعدلاً وذلك لكثرة الاحاديث التي وردت في هذه المسألة، ونرى ان القرآن ينادي بهذا الاعتقاد ويشير الى الحكومة الالهية، ثم أننا نجد من خلال رحلة ذي القرنين في الاتجاهات الثلاث المغرب والمشرق وما بينهما نجد أنه قد مرّ على ثلاثة أقوام كما أسلفنا، المشركين بالله، وقوم عراة أو من لاسكن لهم، وقسم ثالث مستضعفين من قبل قوم (يأجوج مأجوج) فإنا نجد من خلال استقراء الآيات القرآنية ومقارنتها مع أحداث خروج المهدي ع وبناء الدولة الالهية فأنه سيواجه طوائف ثلاث، الاولى هي طائفة مشركة بالله عز وجل أو مشككة به فهؤلاء هم من سيدعوهم الإمام ع الى التوحيد بالله والايمان به والعمل الصالح من أجل إعمار الارض وبناء التكامل الانساني المتجه نحو خالقه وبارئهِ، فمن أصرّ على كفره وإشراكه فلا علاج له الا السيف والعذاب الدنيوي والاخروي وأما من استجاب وآمن وعمل صالحاً فسوف يلقى الاكرام والاعزاز في الدنيا والاخرة وما عند الله اكثر وابقى، وأما الطائفة الثانية التي سيمر بها الإمام المهدي روحي لمقدمه الفداء فهي طائفة الجهل المطبق البعيد كل البعد عن الايمان والحضارة الايمانية فهم كأولئك العراة الذين مرّ بهم ذو القرنين لا لباس يسترهم ولا سقف يأويهم فهم يشبهونهم من حيث أنه لا لباس لهم كما عبرت الآية الكريمة (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)[2] (http://www.imshiaa.com/vb/#_ftn2) فمن لا دين له لا تقوى له ومَن لا تقوى له لا لباس له، وهؤلاء أيضاً من سيدعوهم ويعلمهم الحجة المنتظر ع في أمور دينهم وتقواهم، أما الطائفة الثالثة فهم الجماعة المستضعفة الذين سينقذهم الإمام من الاخطار والإفساد المحيط بهم والمهدد لحياتهم وذريتهم ومايملكون من الاموال والحرث وهؤلاء من أفضل الطوائف الثلاث لأنهم المؤمنين المنتظرين لخروج المنقذ لهم وسيخاطبهم (أي الإمام المهدي ع) بأن يعينوه في نصرته كما طلب ذو القرنين من أولئك المستضعفين من قبل أقوام (يأجوج مأجوج) أن يعينوه، فكما ان ذا القرنين كان مخلّصا لأناسٍ استنصروه ضد من عاثوا في الارض فسادا، فالمهدي ع هو المخلص لمن ينتظره ويطلب نصره، فيبني دولة الحق التي ستقوم على أساس متين وقوي تستطيع به أن تواجه العالم كله.
[1] (http://www.imshiaa.com/vb/#_ftnref1). سورة التوبة / آية 33.
[2] (http://www.imshiaa.com/vb/#_ftnref2). سورة الاعراف / آية 26.