المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بحث في الاجزاء


الشيخ علي محمد حايك
02-02-2013, 03:22 PM
بس الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
بحث في إجزاء العمل بالفتوى السابقة عن القضاء والإعادة للسيد كاظم الحائري
قد نقّحنا في علم الاُصول : أنّ الأصل في الأمر الظاهري هو عدم الإجزاء .
ولكنّنا نقول هنا بأنّ قوله (عليه السلام) في صحيحة يونس : « أما لكم من مفزع ؟ أما لكم من مستراح تستريحون إليه ؟ ... » يدلّ بإطلاقه على الاستراحة الكاملة والاعتماد الكامل ، وهذا لا يكون إلا بفراغ البال عن عدم وجوب الإعادة والقضاء في المستقبل فهذا لا محالة يدلّ على الإجزاء ، والارتكاز وإن كان غير مقتضٍ للإجزاء ولكن لا يوجد في الارتكاز ما يمنع عن جعل الإجزاء بالنسبة لمن يتقمّص قميص المولوية حتى يكون كاسراً للإطلاق .
وبكلمة اُخرى : إنّ الارتكاز العقلائي إن لاحظناه في الحياة الإعتيادية كمراجعة الطبيب والمهندس وما إلى ذلك فلا معنى للإجزاء فيها بمعنى الأمن من العقاب وسقوط الاحتجاج وعدم التنجيز ، وإنّما ذلك يتصور له معنى في التقريب الثاني للارتكاز ، وهو انّ من يتقمّص من العقلاء قميص المولوية يجعل التقليد لأهل الخبرة في الوصول إلى ما يريده المولى حجة على رعيته ، وهذا نسبته إلى جعل الإجزاء وعدمه حيادية ، فالارتكاز وإن لم يكن يقتضي ضرورة جعل الإجزاء عن القضاء والإعادة بعد انكشاف الخلاف ، ولكنّه لا يمنع أيضاً عن جعل ذلك ، بل يرى جعله أمراً مناسباً ما دام أنّ خطأ العبد نشأ من خطأ الحجة ، إذن فالارتكاز لا يكسر هنا الإطلاق الثابت في الدليل اللفظي .
مناقشة وردّ :
وقد تقول : إنّ الدليل اللفظي للتقليد لو كان نظره إلى الارتكاز محرز من محض معرفتنا بأنّ التقليد أمر ارتكازي لصح ما ذكرتم من أنّ ضيق الارتكاز لا يبطل إطلاق اللفظ مادام أنّ الارتكاز ليس له مفاد سلبي ضدّ الإطلاق ، ولكن رواية « أما لكم من مفزع ؟ أما لكم من مستراح تستريحون إليه ؟ » فيها إشارة لفظية واضحة إلى الارتكاز ؛ لأنّها جاءت بلسان التأنيب والاستفهام الإنكاري ، وهذا لا يناسب إلا مع فرض النظر إلى ما هو ثابت مسبقاً من الارتكاز ، وعندئذٍ فضيق الارتكاز نفسه يكسر الإطلاق اللفظي ؛ لأنّ اللفظ لم يقصد به إلا إمضاء الارتكاز ، ولا يتوقف انكسار الإطلاق على دلالة سلبية في الارتكاز .
الجواب : إنّ اللفظ لو كان بمدلوله المباشر ناظراً إلى أنّ المقصود هو إمضاء الارتكاز صح ما مضى من أنّ ضيق الارتكاز كاسر للإطلاق ولكن اللفظ ليس مدلوله المباشر هوذلك ، وإنّما نحن نستفيد من لغة التأنيب أو الإستفهام الإنكاري النظر إلى ارتكاز من هذا القبيل ، وتكفي عرفاً في تصحيح هذه اللغة ارتكازية أصل هذا المطلب ولو فرض أن شعاع الارتكاز لا يشمل كلّ أشعة الإطلاق اللفظي فما دام أن الارتكاز لا يشمل كل أشعة الإطلاق اللفظي فما دام أن الارتكاز ليس له مدلول سلبي يكسر الإطلاق يبقى الإطلاق سليماً .
بقي في المقام اُمور :
الأمر الأول : أنّ صحيحة يونس : « أما لكم من مفزع ... » كما تدلّ على حجية الفتوى ، كذلك تدلّ على حجية خبر الواحد ، إذن فكما تدلّ على إجزاء التقليد بالنسبة لما بعد انكشاف الخلاف فيما إذا كان الخطأ في الفتوى لا في طريقة استيعاب العامي للفتوى ، كذلك تدلّ على إجزاء الأخذ بخبر الواحد للفقيه نفسه فيما إذا ثبت خطأ المخبر الثقة لا في استنباط الفقيه ، فلو أخطأ الفقيه في الاستنباط فعمله لا يجزيه في سقوط القضاء والإعادة بعد انكشاف الخلاف ولكن فتواه تجزي العامي في سقوطهما بعد انكشاف الخلاف ، ولكن لو كان تورّط الفقيه في الخطأ نتيجة أنّ الراوي أخبره مثلاً بأنّه كان خاطئاً في النقل فهنا يتم الإجزاء حتى بالنسبة للفقيه .
الأمر الثاني : ما ذكرناه من بحث الإجزاء عن القضاء والإعادة لسنا بحاجة إليه في موردين :
أحدهما : ما لو كان الخطأ الواقع مشمولاً لحديث « لا تعاد » أو نحوه ، بناء على عدم اختصاص حديث « لا تعاد » بالنسيان ، فعندئذٍ يتم الإجزاء بلا حاجة إلى هذا البحث ، كما هو واضح .
ثانيهما : ما لو كان الرأي الجديد للفقيه هو الاحتياط ، وكان احتياطه ناشئاً من العلم الإجمالي إمّا بوجوب ما كان يفتي به سابقاً أو بوجوب شيئ آخر ، كما لوكان يفتي بالقصر مثلاً ثم تردّد بين القصر والتمام أو كان يفتي بالجمعة ثم تردّد بين الظهر والجمعة ، ففي هذا الفرض يتم الإجزاء بلا حاجة إلى البحث الذي عرفت ؛ وذلك لأنّ العلم الإجمالي يكون بلحاظ العامي علماً إجمالياً مردّداً بين ما خرج عن محلّ الابتلاء وهو العمل الذي فعله وما هو داخل في محل الابتلاء وهو العمل الذي لم يفعله أو قضاؤه .
الأمر الثالث : في حدود الإجزاء الذي حققناه ، وذلك من جهتين :
الجهة الاُولى : أنّ الرأي المتبدّل قد يفترض رأياً قطعياً واُخرى يفترض رأياً تعبّدياً ، كما أنّ تبّدل الرأي قد يفترض عبارة عن العلم بخلاف الرأي الماضي وقد يفترض تعبّداً ضد التعبّد السابق . فهل الإجزاء ثابت في كلّ هذه الفروض أو في بعضها ؟
وهذا التقسيم يختص بفرض القول بالإجزاء لنفس الفقيه كما قلنا به فيما لو كان خطأ الفقيه راجعاً إلى خطأ الراوي في النقل .
أمّا المقلِّد فكلا الرأيين يكونان عادة ثابتين له بالتعبّد ، وهو التعبّد بفتوى الفقيه . وعلى أيّة حال فقد يقال : لو كان الرأي الأول ثابتاً بالقطع لا بالتعبّد لم يكن مجزياً بعد انكشاف الخلاف ؛ لأنّه لم يكن حكماً ظاهرياً حتى نقول فيه بالإجزاء ، ومن هذا القبيل لو نفى جزء مثلاً بالبراءة العقلية ثم انكشف الخلاف أو كان الرأي الأول ثابتاً بالظن الانسدادي على الحكومة فإنّه لا دليل على إجزاء حكم العقل لدى انكشاف الخلاف .
ونحن نقول وفق ما عرفته من تمسكنا براوية يونس : « أما لكم من مفزع... » : إنّه متى ما كان المفزع وهو الراوي أو المفتي هو المخطئ ثبت الإجزاء سواء أورث كلامه القطع أو لا ، ومهما كان الخطأ في نفس العامل المقلِّد أو الفقيه فلا إجزاء له بعد انكشاف الخطأ .
مناقشة وردّ :
وقد يقال : لو ثبت خطأ الرأي الأول بالقطع فلا إجزاء له ؛ لأنّه لا شك في أنّه كان باطلاً ، أمّا لو ثبت خطأه بالتعبّد فليس من المعلوم أنّ أيّ التعبّدين هو الصحيح ؟ فالتعبّد الأول ينفذ في إجزاء ما وقع في زمانه كما أنّ التعبّد الثاني ينفذ في إجزاء ما وقع في زمانه .

وهذا الكلام غير صحيح ؛ لأنّ التعبّد الأول بعد أن زال في الزمان الثاني ، فكما لا ينفع للعمل الجديد في الزمان الثاني كذلك لا ينفع لنفي الإعادة و القضاء في الزمان الثاني ، وإنّما ينفع للإجزاء بالعمل الأول مادام ذلك التعبّد موجوداً ، لا بعد زواله إلا إذا ثبت بدليل تعبّدي إجزاؤه عن القضاء والإعادة .
ونحن أثبتنا إجزاءه بدليل تعبّدي ، وهو إطلاق رواية يونس : « أما لكم من مفزع ... » ، فالمهم أن نرى أنّ هذا النص الدالّ على الإجزاء هل يوجد لدلالته إطلاق لما إذا ثبت خطأ الرأي الأول بالقطع أو لا ؟
ولعلّ مقتضى التحقيق في ذلك أن يقال : لو كان المستفاد من هذا النص هو الإجزاء الواقعي إذن يثبت له الإطلاق لما إذا ثبت الخطأ بالقطع ، كما أنّ حديث « لا تعاد » الدالّ على الإجزاء الواقعي ثابت لفرض انكشاف الخطأ بالقطع واليقين .
ولكن لو ادّعى القول بأنّ المستفاد عرفاً من ذلك ليس بأكثر من الإجزاء الظاهري ؛ وذلك بمناسبة أنّ أصل حجية الفتوى لم تكن إلا حكماً ظاهرياً ، والإجزاء إذا كان ظاهرياً فبقاؤه بعد الانكشاف القطعي للخلاف غير معقول ، لأنّ كلّ حكم ظاهري ينتهي بالانكشاف القطعي لخلافه .
فالنتيجة : هي عدم الإجزاء في صورة الانكشاف القطعي للخلاف ، واختصاص الإجزاء بصورة الانكشاف التعبّدي للخلاف .
ولا يخفى أنّ دعوى ظاهرية الإجزاء ليست إلا مجرّد دعوى استظهار ، وإلا فمجرّد كون حجية الفتوى حجية ظاهرية لا تستلزم ظاهرية الإجزاء ترتّب حكم ظاهري أو حكم خيالي بحت يوجب الإجزاء الواقعي ، كما لو أخفت إنسان مكان الجهر أو جهر مكان الإخفات أو أتمّ في السفر بحكم ظاهري خيالي ثم انكشف له خطأه .
الجهة الثانية : أنّ المتيقّن من الإجزاء هو الإجزاء عن القضاء بلا إشكال ، ولكن يوجد هناك موردان آخران يحتمل فيهما الإجزاء أيضاً :
المورد الأول : الإعادة في داخل الوقت ؛ فإنّه يمكن أن يقال : إنّ الاضطراب النفسي من ناحية احتمال الابتلاء بعد العمل بالإعادة أيضاً نوع من عدم الاتكاء وعدم الرادع فينفعه إطلاق قوله : « أما لكم من مفزع ؟ أما لكم من مستراح تستريحون إليه ؟ » .
إلا أنّ اُستاذنا الشهيد رحمه الله فصّل في تعليقته على منهاج الصالحين (ج 1 : 6 ، والتفصيل نفسه موجود في الفتاوى الواضحة : 26 ـ 27 ، مع حذف عنوان الإحتياط في جانب الإعادة) بين القضاء والإعادة ، فآمن بالإجزاء بلحاظ القضاء ، واحتاط بالإعادة في داخل الوقت .
المورد الثاني : هو الصحة والبطلان بلحاظ الأحكام الوضعية ، فهل دليل الإجزاء يشمل ذلك أو لا ؟ فلو عقد المقلِّد عقد بيع أو نكاح أو ذبح ذبيحة أو غير ذلك من الاُمور الراجعة إلى الأحكام الوضعية مستنداً إلى التقليد الأول ثم تبدّلت الفتوى أو تبدّل المرجع وكان الرأي الجديد يرى بطلان ذلك العقد أو تلك الذبيحة فهل نحكم بصحة تلك الاُمور التي وقعت في زمن التقليد الأول حتى بلحاظ الآثار التكليفية التي ترتب عليها في زمن الرأي الجديد ، وهذا معنى الإجزاء في المقام ؟ أو نحكم ببطلانها بلحاظ الآثار التكليفية الجديدة ، وهذا معنى عدم الإجزاء في المقام ؟
وقد اتضح بهذا العرض التهافت المستبطن في كلام السيد اليزدي رحمه الله في المسألة 53 ، حيث ذكر فيها : « إذا قلّد من يكتفي بالمرة مثلاً في التسبيحات الأربع واكتفى بها أو قلّد من يكتفي في التيمم بضربة واحدة ثم مات ذلك المجتهد فقلّد من يقول بوجوب التعدّد لا يجب عليه إعادة الأعمال السابقة ، وكذا لو أوقع عقداً أو إيقاعاً بتقليد مجتهد يحكم بالصحة ثم مات وقلّد من يقول بالبطلان يجوز له البناء على الصحة . نعم فيما سيأتي يجب عليه العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني .
وأمّا إذا قلّد من يقول بطهارة شيء كالغسالة ثم مات وقلّد من يقول بنجاسته فالصلوات والأعمال السابقة محكومة بالصحة وإن كانت مع استعمال ذلك الشيء ، وأما نفس ذلك الشيء إذا كان باقياً فلا يحكم بعد ذلك بطهارته ، وكذا في الحلية والحرمة ، فإذا أفتى المجتهد الأول بجواز الذبح بغير الحديد مثلاً فذبح حيواناً كذلك فمات المجتهد وقلّد من يقول بحرمته بأن باعه أو أكله حكم بصحة البيع وإباحة الأكل ، وأمّا إذا كان الحيوان المذبوح موجوداً فلا يجوز بيعه ولا أكله ، وهكذا » (العروة الوثقى ( السيد اليزدي ) 1 : 41 .) .
أقول : نحن لم نفهم الفرق بين مثال العقد والإيقاع ومثال الذبح ؛ فإن كان مفاد الحديث هو الفزع والاستراحة بلحاظ كلّ عمل وضعي أو تكليفي وجب الحكم بصحة كلّ من العقد والإيقاع والذبح الواقع في الزمان الأول ، وترتّب آثار الصحة عليه حتى في الزمان الثاني وإن لم يجز في الزمان الثاني العقد أو الإيقاع أو الذبح وفق الرأي الأول . وإن كان مفاد الحديث هو الفزع والاستراحة بلحاظ حصول الامتثال وعدمه ، أي بلحاظ وقوع العمل بمؤدّى الحكم التكليفي في الزمن الأول لم يجز ترتيب آثار الصحة على كلّ هذه الأمور في الزمان الثاني .
والمرجّح عندنا هو كون النظر إلى وقوع العمل بالحكم التكليفي في الزمان الأول ؛ وذلك لأنّ المنصرف من الفزع والاستراحة اللذين فهمنا منهما الإجزاء هو الفزع والاستراحة بلحاظ امتثال الوظائف ، وقيمة صحة الاُمور الاُخرى وفسادها ترجع إلى ماتنتهي إليها بالآخرة من الامتثال أو العصيان .
ولوشككنا في هذا الاستظهار كفانا الرجوع إلى الأصل ؛ فإنّ الأصل ـ كما نقحناه في علم الاُصول ـ في الأحكام الظاهرية عدم الإجزاء ، وإنّما أثبتنا الإجزاء هنا بدليل تعبّدي وهو صحيحة يونس ، فلابدّ من الاقتصار في ذلك على القدر المتيقّن .
وفي ختام البحث عن إجزاء الرأي السابق بالنسبة للمقلِّد ينبغي إلفات النظر إلى نكتتين :
النكتة الاُولى : لو قلنا في مورد تساوي الفقيهين بالتخيير في التقليد وقلنا بأنّ التخيير تخيير فقهي لا اُصولي ، أي إنّ المنجّز على المقلِّد إنّما هو مقدار الجامع بين الفتويين ، وليست كلّ فتوى يختارها لأجل التقليد حجة له حتى في إبطال الفتوى الاُخرى وقلنا بأنّ التخيير استمراري وليس ابتدائياً فعدل المقلِّد على أساس استمرارية التخيير إلى الفقيه الثاني بعد أن كان قد عمل بفتوى الفقيه الأول فهنا يبدو أنّ الإجزاء نتيجة طبيعية لتلك المباني ، أعني مباني التخيير الفقهية الاستمرارية ، ولا نحتاج لإثبات الإجزاء هنا إلى البحث الذي بحثناه ؛ فإنّ المقدار المنجَّز عليه سابقاً ولاحقاً هو الجامع بين الفتويين ، وقد عمل في عمله السابق بالجامع ضمن عمله بالفتوى الأولى ، فما عدا ممّا بدا حتى تجب عليه الإعادة أو القضاء ؟ !
نعم ثم تبقى عليه مشكلة حصول العلم الإجمالي أحياناً ببطلان أحد عمليه ، كما لو عمل في بعض صلواته بفتوى القصر ، ثم عمل في صلوات اُخرى بفتوى التمام في الظروف المتشابهة لظروف الصلوات الاُولى ، فهو يعلم إجمالا ببطلان إحدى الصلاتين .
بل ومشكلة حصول العلم التفصيلي بالبطلان أحياناً ، كما لو قصر في الظهر على الفتوى الاُولى ، ثم أتمّ في العصر على الفتوى الثانية مع تشابه الظرفين للصلاتين ، فهو يعلم تفصيلاً ببطلان صلاة العصر ؛ إمّا لزيادة ركعتين أو لفوات شرط الترتّب بين الصلاتين .
إلا أنّ هذه المشاكل هي في الحقيقة مشاكل القول بالتخيير الاستمراري ، وسيأتي بحثها ضمن بحث التخيير إن شاء الله .
النكتة الثانية : لو عدل المقلِّد من الرأي الأول إلى الرأي الثاني مع بقاء الرأي الأول على ترجيحه على الرأي الثاني بلحاظ زمانه ، فقد يبدو أنّ الإجزاء أمر طبيعي بلا حاجة إلى البحث السابق ، مثاله : ما لو قلّد الأعلم في بعض أعماله ثم فسق الأعلم ، فعدل إلى تقليد المفضول بناء على دليل تعبّدي على شرط العدالة في التقليد ، فلا يمكن للفتوى الثانية أن تكشف عن بطلان الفتوى الاُولى بلحاظ زمانها ؛ لأنّها بلحاظ الزمان الأول فتوى لفقيه جامع للشرائط ، وقد كان أعلم من هذا الفقيه حتى بلحاظ الزمان الثاني ، فالمفروض بالمقلِّد الآن أن يبقى على تقليد الفقيه الأول بلحاظ ما وقع منه من الأعمال في زمان عدالة ذاك الفقيه .
إلا أنّ الإجزاء المستفاد من هذا البيان لا يكون إلا إجزاءً ظاهرياً ؛ فإنّ هذا البيان إنّما أثبت في الحقيقة الإجزاء ببيان أنّ تلك الفتوى لم يوجد ما يسقطها بلحاظ ما وقع في زمانها ، أي إنّه رتّب الاجزاء على بقاء حجية الفتوى بلحاظ تلك الأعمال ، ومن المعلوم أنّ حجية الفتوى ليست إلا حجية ظاهرية ، فإجزاؤها المستفاد من محض حجيتها أيضاً لا يكون إلا ظاهرياً .
والنتيجة : أنّه لو كان دليل الإجزاء منحصراً بذلك فعلى المقلِّد أن يتجنّب التورّط في العلم التفصيلي بالخلاف ، أي إنّه لو قلّد الأول في صلاة الظهر فصلاها قصراً ثم فسق الأول وافترضنا ضرورة العدول تعبّداً إلى المفضول الذي يفتي بالتمام في نفس تلك الظروف يجب على المقلِّد عندئذٍ إعادة صلاة الظهر تماماً ، لا لعدم إجزاء ما صلاه قصراً عن تكليفه بالظهر ، بل لتصح صلاة العصر .

الحوزويه الصغيره
06-02-2013, 05:02 PM
اللهم صل على محمد و آل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم


بحث رائع ..
دمت موفق لكل خير أخي