ابومحمد العلوي
03-02-2013, 10:20 PM
امتحان الطف الأخير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين , وبعد :ـ
يحار المرء وتقف كلماته خجلة أحيانا وعاجزة أخرى عندما يقف أمام واقعة الطف العظيمة ,لأنه ما إن ينظر إلى جهة من جهاتها إلا ويتيه فيها , فقد حوت من الفضائل والمناقب والدروس والعبر ... مالا نستطيع إحصائها , وكيف يمكن إحصائها وهي تتجدد بتجدد الزمان والأجيال , وهل هناك يوم كيوم أبو عبد الله فقد أقيم عزاؤه في السموات والأرض ,أم هل هنالك عزاء غير عزاء أبو عبد الله أقامه الأنبياء والمرسلين والأوصياء والصالحين قبل حدوثه جيلا بعد جيل , والله هو العالم كم مجلس عزاء حسيني أقامه المصطفى الخاتم(ص) فقد أحصى الشيخ النائيني (قد) بالأدلة المعتبرة عشرين مجلس عزاء أقامه المصطفى لولده سيد الشهداء , فكيف لا تكون هذه الواقعة المنجم الذي لا ينضب لمدارس العلم والأخلاق والشرف والتضحية والفداء والصبر والإيثار والإباء والفروسية والحرية ...., وبتوفيق الله جل جلاله أتشرف بذكر صورة من صور الطف سميتها تسامحا على حسب فهمي القاصر بـ (امتحان الطف الأخير) عسى أن أكون قد ساهمت بشرف العزاء الحسيني واستغفر الله عن كل قصور وتقصير , انه هو الغفور الرحيم .
(1):ـ مكان الامتحان :ـ (ارض الطف ):ـ
وهي الأرض التي سقيت بدماء القربان الإلهي المقدس ليستقم بذلك دين الله فأصبحت شعلة للأحرار وقبلة للثوار , فما أعظم ما شرف الله به هذه البقعة حتى أصبحت شفائا لكل العلل والأسقام وكيف لا وقد ضمت هذا الكم الهائل من الأجساد الطاهرة التي ذابت في عشق باريها وارتوت تربتها من دموع الخاشعين حتى حار الماء فيها , فهل يبقى بعد ذلك عجب حين ترى الملايين تزحف نحوها زحف الذي جن بعشق محبوبه وسميت هذه البقعة المباركة بأرض كربلة بتفخيم اللام ثم كربلاء بالمد , وهي أم لقرى متقاربة عديدة تقع بين بادية الشام وشاطئ الفرات , مثل :ـ نينوى وشفية (بئر لبني أسد) وعقر بابل((العقر)كانت به منازل بخت نصر) والنواويس (النوايس) والغاضرية (قرية منسوبة إلى غاضرة من بني أسد ) وإنها كانت من أمهات مدن مابين النهرين الواقعة على ضفاف نهر بالاكوباس (الفرات قديما) وهنالك مصادر تاريخيه تؤكد إنها تعود في تاريخها للعهد البابلي وذهب بعضهم إلى إن اسمها مشتق من كلمة ( كور بابل ) وقال آخرون إنها مشتقة من الكرب والبلاء , وذكر ياقوت الحموي في المعجم ثلاثة أوجه لسبب التسمية :ـ وقال مانصه:ـ (كربلاء بالمد وهو الموضع الذي قتل فيه الحسين بن علي (عليهما السلام) في طرف البرية عند الكوفة فأما اشتقاقه فالكربله رخاوة في القدمين , يقال جاء يمشي مكربلا فيجوز على هذا أن تكون ارض هذا الموضع رخوة فسميت بذلك ويقال كربلت الحنطة إذا أهززتها ونقيتها وينشد في صفة الحنطة :ـ
يحملن حمراء رسوبا للثقل قد غربلت وكربلت من الصقل
فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقاة من الحصى والدغل فسميت بذلك , والكربل اسم نبت الحماض . وقال أبو وجرة يصف عهون الهودج :ـ
وتامر كربل وعميم دفلى عليها والندى سبط يدور
فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر نبته هناك فسمي به ...),وقال الأب انستاس ماري الكرملي :ـ إن كربلاء منحوتة من (كورب)و(ال)وهو أمر وارد لأن هذه البقاع سكنها الساميون قديما . وإذا فسرنا (كرب) بالعربية أيضا دلت معنى القرب فقد قال العرب كرب يكرب مكروبا ,أي دنا وهو يعطي المعنى نفسه لدى الساميين ,أما (ال)فقد كان يعني (الال)في اللغة السامية , وعلى حسبان كربلاء من الأسماء السامية تكون القرية من القرى القديمة التابعة لبابل , ووصفها ياقوت الحموي بأنها ناحية من نواحي نينوى الجنوبية , وذكر الخطيب البغدادي بسنده إلى أبي سعيد التميمي :ـ (اقبلنا مع علي (ع) من صفين فنزلنا كربلاء.....)أي أنها موجودة ومعروفة قبل سنة 40هج , ومن جملة ماحدث بعد مجيء كتاب ابن مرجانه للحر يأمره بأن يجعجع بمولانا الحسين(ع)إن زهير بن القين , قال لمولانا الحسين(ع):ـ هاهنا قرية بالقرب منا على شط الفرات وهي في عاقول حصينة والفرات يحدق بها إلا من وجه واحد , قال الإمام الحسين(ع):ـ ما اسمها ؟ فقال :ـ تسمى بالعقر, فقال (ع):ـ نعوذ بالله من العقر , والتفت الإمام (ع) إلى الحر وقال :ـ سر بنا قليلا فساروا جميعا حتى إذا وصلوا ارض كربلاء وقف جواد الإمام(ع) ولم يتحرك فعندها سأل الإمام (ع) عن الأرض , قال له زهير :ـ سر راشدا ولا تسأل عن شيء حتى يأذن الله بالفرج إن هذه الأرض تسمى الطف فقال(ع):ـ فهل لها اسم غيره ؟ قال:ـ تعرف كربلاء فدمعت عيناه(ع) وقال:ـ اللهم أعوذ بك من الكرب والبلاء هاهنا محط ركابنا وسفك دمائنا ومحل قبورنا بهذا حدثني جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
(2):ـ أستاذ الامتحان (سيد قاعة الامتحان)في الطف :ـ
مولانا حجة الله وريحانة حبيب الله الحسين بن أمير المؤمنين علي(عليهما السلام):ـ
وماذا يمكن لمثلي أن يقول عن أستاذ الامتحان في ارض الطفوف واستغفر الله عن سوء أدبي , واستعين بالله العطوف لأتشرف بالكتابة عن هذا السر الإلهي العظيم , وفي هذا الموضع من البحث وجدت أن اذكر هذه الرواية عسى أن تفي بشيء من الغرض , والله ولي التوفيق والسداد.
(ذات مرة كان مولانا الحسين (ع)يمشي ومعه انس بن مالك فلما وصل مولانا الحسين (ع) قبر جدته خديجة الكبرى (ع) بكى ثم قال لأنس اذهب عني . قال انس :ـ فاستخفيت عنه فلما طال وقوفه في الصلاة سمعته قائلا :ـ
يا رب يا رب أنت مــــولاه فارحم عبيد إليك ملجـــــاه
يا ذا المعالي عليك معتمدي طوبى لمن كنت أنت مولاه
طوبى لمن كان خادما أرقا يشكوا إلى ذي الجلال بلواه
وما به من علة ولا سقــم كثر من حبــــــــــــه لمولاه
إذا اشتكى بثه وغصتـــه أجابه الله ثم لبــــــــــــــــــاه
إذا ابتلى بالظلام مبتهــلا أكرمه الله ثم نـــــــــــــــاداه
[فنودي بـ ]
لبيك عبدي أنت في كنفــي وكلما قلت قد علمنـــــــــاه
صوتك تشتاقه ملائكتــــي فحسبك الصوت قد سمعناه
دعاك عندي يجول في حجبي فحسبك الستر قد سفرنـــاه
لو هبت الريح في جوانبــه خر صريعا لما تغشـــــــاه
سلني بلا رغبة ولا رهـب ولاحساب إني أنــــــــا الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا يخفى إن توضيح مافي هذه الأبيات من أسرار ومقامات هي فوق مستوى إدراكي , نستجير بالله من الزلل ومن إتباع خطوات الشيطان .
ياغاية تقف العقول كليلــــــــة عنها وان ذهبت بها غاياتها
ياجذوة القدس التي ماأشرقــت شهب السما لو لم تكن لمعاتها
ياقبة الشرف التي لو في الثرى نصبت سمت هام السما شرفاتها
ياكعبة لله إن حجت لــــــــــها الأملاك منه فعرشه ميقاتــــــها
يانقطة الباء التي باءت لــــها الكلمات وأتلفت بها ألفاتــــــها
ياوحدة الحق التي ماان لـــها ثان ولكن مانتهت كثراتـــــــها
ياوجهة الاحدية العليا التــي بالاحمدية تستنير جهاتـــــــــها
ياعاقلي العشر العقول ومن لها السبع الطباق تحركت سكناتها
أقسمت لو سر الحقيقة صورة راحت وانتم للورى مرآتـــها
انتم مشيئته التي خلقت بــــها الأشياء بل ذرأت بها ذراتها
وخزانة الأسرار بل خزانها وزجاجة الأنوار بل مشكاتها
ـــــــــــــــــــــــــــ(محمد حسين كاشف الغطاء)ـــــــــــــــــ
(3):ـ الامتحان :ـ
اقتضت الحكمة الالهية اللامتناهية اختبار مخلوقاته , لذا تجد إن الخلائق جميعا والسائرين على طريق التكامل الإلهي خصوصا لابد لهم من اجتياز الاختبارات التي تناسب كل مرحلة من مراحل تكاملهم وكل حسب مقامه (ولا نكلف نفسا إلا وسعها...(المؤمنون62)) والامتحان هو احد مباني الدين والسنن الالهيه لأنه وسيلة للفوز والوصول للمقامات العالية بالرغم من احتوائه على الكثير من الشدائد فلا يمكن الوصول إلى المطلوب إلا ببذل الغالي والنفيس في طريق الوصول(التكامل)ومن البديهي إن الغش والمراوغة والمكر والخداع والرياء والعجب ...لاينفع إطلاقا حتى وان استغل الفرد فيه الستر الإلهي المرخى على الخلائق فلابد وان تنكشف الحقيقة يوما ما , خصوصا إن كانت الحقيقة مهمة وتأثيرها النوعي والكمي عظيم على المستوى التكاملي فالمولى القدوس يمهل ولايهمل فبالرغم من طول المدة التي أخفى بها إبليس حقيقته الواقعيه وما انطوت عليه من تكبر وحسد إلا انه انكشف أخيرا بامتحان السجود لآدم(ع)وهكذا بالنسبة لأتباع إبليس من طواغيت ومجرمين وكل من سار على نهجهم (لعنهم الله), لذا فالذي يسعى للمسير في طريق التكامل الإلهي لابد أن يدرك إن لهذا الطريق قوانين وقواعد وأدلاء فالقوانين والقواعد هي ثقل القرآن , والادلاء إلى الله في الليل الاليل هم الماسكين من أسباب الله بحبل الشرف الأطول والناصعين الحسب في ذرة الكاهل الاعبل والثابتين القدم على زحاليفا في الزمن الاول ...وهم ثقل محمد وآل محمد , السادة المقربين والنجباء الأكرمين والهداة المهديين والخيرة المهذبين والغطارفة الانجبين والاطائب المطهرين والخضارمة المنتجبين والقماقمة الأكرمين والبدور المنيرة والسرج المضيئة والشهب الثاقبة والأنجم الزاهرة والسبل الواضحة والأعلام اللائحة والعلوم الكاملة والسنن المشهورة والمعجزات الموجودة والدلائل المشهودة والصراط المستقيم ..... , فهذان الثقلان العظيمان هما حبل الله المتين الذي من تمسك به فقد افلح ونجا ومن تركه وضيعه فقد خاب وخسر الخسران المبين ومن رحمة الله الواسعة وبركاته العظيمة أن جعل لكل قوم هاد يهدي إلى الرشد والى صراط العزيز الحميد , فطوبى لكل من اقتدى بالهادي وسار على منهجه وارتوى من عذب ماء حبه . وهذا المبحث نفيس ويحتاج لفهم مطالبه ومن ثم تطبيقها خالصة لوجه الله تعالى إلى الصبر الجميل والحظ العظيم وما ذلك على الله بعزيز إن أتى الفرد إلى الله بقلب سليم . ولذا تجد إن الامتحان والاختبار سمة من سمات الطريق التكاملي بل لابد منه , وهو يشتد كلما ازداد المسير وارتقت المطالب وحينها يسمى بالتمحيص , قال سيدنا عبد الأعلى السبزواري :ـ (التمحيص هو التطهير مع شدة الاختبار والامتحان كما يتمحص الذهب بالنار عن كل شائبة) , وذلك لأن كل فرد ماعدا الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا , يحمل مجموعة من الأدران والأوساخ 0((قال علماء النفس والأخلاق والعرفان)إن البعض منها (الأدران) موروثة والبعض الآخر مكتسبه من بيئة الفرد ) ولكي يكون مسير الفرد في طريق التكامل مصحوبا بالنجاح فلابد له من التخلص شيئا فشيئا من الأدران ليحل محلها الفضائل ومحاسن الأخلاق فشدة الامتحان(التمحيص )هي للتخلص من هذه الأدران وما نتج عنها من ذنوب , لأن الخلوص والتطهر من كل عيب وذنب لايكون إلا عن طريق الاختبار الشديد وملازمة البلاء وبذلك يتجلى المؤمن بالتمحيص بأكمل وجه خالصا من العيوب والذنوب , وبدون ذلك يختل النظام الأحسن , ومن الطبيعي إن هذه الامتحانات كما يتبين بها الصالح والمخلص يتبين بها الفاسد والخائن (ويستبين المستحق لنيل الدرجات الرفيعة من غيره وان كل تمحيص يمر به المؤمنين يستلزم محق للكافرين فان الله تعالى ينقص الكافرين شيئا فشيئا حتى يفنيهم ويقيم دولة الحق ) بقيادة محيي معالم الدين وأهله وقاصم شوكة المعتدين وهادم ابنية الشرك والنفاق ...رئيسنا وزعيمنا الحجة بن الحسن(عليهما السلام), وهنالك آيات كثيرة بينت أهمية الامتحان والتمحيص والبلائات ...نعطر البحث بذكر البعض منها وكما يلي :ـ
(ا):ـ (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب(سورة البقرة 214))
(ب):ـ (وَلَيُمَحص الله الذين ءَامنوا ويمحق الكافرين (141)أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين(142)(آل عمران))
(ج):ـ (....وليبتلي الله مافي صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور(154)(آل عمران))
(د):ـ (ماكان الله ليذر المؤمنين على ماأنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء .....(179)(آل عمران))
(ه):ـ (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الأمور(186)(آل عمران))
(و):ـ (أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون(16)(سورة التوبة))
(4):ـ طلبة قاعة الامتحان (تلاميذ مدرسة أهل البيت(ع))
إن ساحة الطف وان حوت في قاعة امتحانها على قطبي :ـ
(ا):ـ الخير :ـ المتمثل بمولانا الحسين (ع) وجيشه الإلهي المتكون من أهل بيته وأصحابه (عليهم السلام)
(ب):ـ الشر:ـ المتمثل بعمر بن سعد وجيشه الشيطاني المتكون من شيعة آل أبي سفيان (لعنهم الله) إلا إن الامتحان الذي هو موضوع هذا البحث يتعلق بشكل أساس بجيش مولانا الحسين(ع)هذه الثلة الطيبة التي كانت خلاصة مانتج من ثمار شجرة الأنبياء والأوصياء والصالحين ...وقد ألف العلماء والمحققين... الكتب والبحوث الكثيرة في بيان بعض مناقبهم , فمن المستحيل في هذه العجالة إيفاء شيء من فضلهم فهم أفضل طبقات المؤمنين المخلصين الممحصين في ذلك الوقت (سلام الله عليهم أجمعين) بل إنهم تربعوا على رتبة الأفضلية على أصحاب مولانا صاحب الزمان(ع)الذين هم أفضل من أصحاب رسول الله(ص) ولم يتم ذلك إلا بعد اجتيازهم امتحان خاص يلاءم مستواهم التكاملي ومبتغاهم العالي وحينئذ وصلوا إلى تلك المقامات العالية , لذا فأن إمامنا الحسين(ع)امتحنهم [(لأجل اختبار هممهم في نصره وعن السير في سبيل الشهادة وتحصيل طاعة الله ورضاه سبحانه فمن هذه الناحية , ومن هنا يمكن أن يقعوا تحت طائلة نفسية قوية في التضاد أو في الشعور المتضاد في ضرورة البقاء وضرورة الذهاب إلا إنهم مع ذلك لم يفكروا طرفة عين في الذهاب بل أدركوا بكل وضوح ضرورة البقاء مع الحسين(ع)ونيل الشهادة بين يديه , جزاهم الله خير جزاء المحسنين وبذلك صاروا أفضل الشهداء على الإطلاق.)( سيدنا الشهيد محمد الصدر(قد))] وأما من كان دون هذا المستوى من الإيمان والطاعة والصبر والإخلاص...فكان حليف الفشل والخسران أكيدا (..فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ماينفع الناس فيمكث في الارض...(الرعد17))فيخضع حينئذ لقانون الابدال وكل ذلك وغيره حدث في واقعة الطف العظيمة , نستجير بالله العظيم من سوء الخاتمة. أما الأسماء المباركة لطلبة الامتحان وعددهم الحقيقي فهنالك روايات متعددة في ذلك نحاول بحول الله وقوته ذكرها في بحوث أخرى إنشاء الله تعالى .
(5):ـ وقت الامتحان :ـ
لقد اختير وقت الامتحان النهائي بمنتهى الحكمة بما يلاءم أهمية الامتحان والمستوى العالي لطلبة الامتحان والآثار المترتبة على نتيجة الامتحان ..., وكيف لايكون كذلك وقد اختاره ولي الله وحجته البالغة مولانا الحسين(ع), وهذا الوقت هو عشية الخميس لتسع خلون من المحرم أي قبل الفاجعة بليلة واحدة ففي هذا الوقت عندما أمر ابن سعد عسكره بالزحف نحو معسكر مولانا الحسين(ع), قال الإمام لأخيه العباس(ع):ـ اركب بنفسي أنت حتى تلقاهم واسألهم عما جاءهم وما الذي يريدون فركب العباس(ع) في عشرين فارسا فيهم زهير وحبيب وسألهم عن ذلك . قالوا:ـ جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم النزول على حكمه أو ننازلكم الحرب. فانصرف العباس(ع) يخبر مولانا الحسين(ع) بذلك ووقف أصحابه يعظون القوم , فقال لهم حبيب بن مظاهر :ـ أما والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون عليه وقد قتلوا ذرية نبيه وعترته وأهل بيته وعباد أهل هذا المصر المتهجدين بالأسحار الذاكرين الله كثيرا . فقال له عزره بن قيس :ـ انك لتزكي نفسك مااستطعت . فقال زهير :ـ ياعزرة إن الله قد زكاها وهداها فاتق الله ياعزرة أن لاتكون ممن يعين أهل الضلالة على قتل النفوس الزكية . ثم قال عزره :ـ يازهير ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت إنما كنت على غير رأيهم , قال زهير :ـ أفلست تستدل بموقفي هذا إني منهم أما والله ماكتبت إليه كتابا قط ولا أرسلت إليه رسولا ولا وعدته نصرتي ولكن الطريق جمع بيني وبينه فلما رأيته ذكرت به رسول الله ومكانه منه وعرفت مايقدم عليه عدوه فرأيت أن أنصره وأن أكون من حزبه واجعل نفسي دون نفسه لما ضيعتم من حق رسوله . واعلم العباس(ع) أخاه أبا عبد الله(ع) بما عليه القوم فقال (ع) :ـ ارجع إليهم واستمهلهم هذه العشية إلى غد لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم إني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار . فرجع العباس(ع) واستمهلهم العشية فتوقف ابن سعد وسأل من الناس فقال عمرو بن الحجاج :ـ سبحان الله لو كانوا من الديلم وسألوك هذا لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليه , وقال قيس بن الأشعث :ـ أجبهم إلى ماسألوك فلعمري ليستقبلك بالقتال غدوة فقال ابن سعد:ـ والله لو أعلم انه يفعل ما أخرتهم العشية ثم بعث إلى الحسين(ع):ـ إنا أجلناكم إلى غد فان استسلمتم سرحنا بكم إلى الأمير ابن زياد وان أبيتم فلسنا تاركيكم . وهكذا توقف زحف عسكر العدو فكانت هنالك فسحة لمن أراد الخروج من المعسكر الإلهي بالاضافى إلى غشاء الليل وعندها بدأ وقت الامتحان الأخير.
(6):ـ سؤال الامتحان:ـ
إن الامتحان الإلهي وطريقة الاسئله فيه , له ميزات مختصة به فهو وان كان سؤال امتحان الاان في طياته يظهر الجواب جليا لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد وهذا من رحمة الله الواسعة وحبه لمخلوقاته بل إن الامتحان كله بما فيه عبارة عن رحمة وفضل الاهي (إذا أحب الله عبدا ابتلاه)لأنه الباب لارتقاء سلم مراتب القرب الإلهي (لك الحمد ان البلايا عطاء) ولهذا يكون الممتحن الناجح في ساحة الرضا الإلهي أكيدا , قال تعالى :ـ (أولائك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم),وفي زيارة مولاتنا الزهراء(ع)(السلام عليك ياممتحنة , امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك وكنت لما امتحنك به صابرة...).وهكذا جمع مولانا الحسين (ع) طلبته والقى عليهم سؤال الامتحان بثلاث حالات :ـ جميعا , وجمع منهم , وأفرادا كلا على حدا , وكما يلي:ـ المقطع الرئيسي من سؤال الامتحان لجميع الممتحنين, فقال (ع):ـ اثني على الله أحسن الثناء واحمده على السراء والضراء اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ولم تجعلنا من المشركين , أما بعد فاني لا أعلم أصحابا أولى ولا خيرا من أصحابي ولا أهل بيت ابر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعا , وقد أخبرني جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأني سأساق إلى العراق فأنزل ارض يقال لها عمورا وكربلا وفيها استشهد وقد قرب الموعد ألا واني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا واني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا , وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي , فجزاكم الله جميعا خيرا , وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم فان القوم إنما يطلبونني ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري .
(7):ـ إجابات الامتحان (إجابة جهابذة مدرسة التوحيد الكبرى):ـ
أول من أجاب وأسرع إجابة كانت لمولانا أبو الفضل العباس (ع) هذا السر الإلهي العجيب حيث قال :ـ لم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك أبدا . وتابعه الهاشميون بنفس القول (إخوة الإمام الحسين(ع)وأبناؤه وبنو أخيه(ع) وأبناء عبد الله بن جعفر). فالتفت مولانا الحسين (ع)إلى بني عقيل(ع)وقال(المقطع الثاني من السؤال لجمع معين من الممتحنين):ـ حسبكم من القتل بمسلم اذهبوا فقد أذنت لكم . فأجابوا بقولهم :ـ إذا ماذا يقول الناس وما نقول لهم ؟ إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن برمح ولم نضرب بسيف ولا ندري ما صنعوا لا والله لانفعل ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا نقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك . وانطلق الأصحاب بإجاباتهم الرائعة , فقال مسلم بن عوسجة :ـ انحن نخلي عنك وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك , أما والله لا افارقك حتى اطعن في صدورهم برمحي واضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتى أموت معك . وقال سعيد بن عبد الله الحنفي :ـ والله لا نخليك حتى يعلم الله إنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك , أما والله لو علمت إني اقتل ثم أحيا ثم احرق حيا ثم أذرى , يفعل بي ذلك سبعين مرة لما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك وكيف لا افعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا . وقال زهير بن القين :ـ والله وددت إني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى اقتل كذا ألف مرة وان الله عز وجل يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك . وتكلم باقي الأصحاب بما يشبه بعضه بعضا فجزاهم الحسين خيرا. وفي هذا الحال قيل لمحمد بن بشير الحضرمي قد اسر ابنك بثغر الري فقال :ـ ما أحب أن يوسر وأنا أبقى بعده حيا , فقال له مولانا الحسين (ع)(امتحان فردي):ـ أنت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ولدك , قال :ـ لا والله لا افعل ذلك أكلتني السباع حيا إن فارقتك , فقال (ع):ـ إذا أعط ابنك هذه الأثواب الخمسة ليعمل في فكاك أخيه وكان قيمتها ألف دينار .
(8):ـ نتيجة الامتحان :ـ قال سيدنا الشهيد الصدر المقدس [(...ورد في الرواية :ـ (لقد خبرتهم وبلوتهم فلم أجد فيهم إلا الأشوس الاقعس يستأنسون بالموت دوني استيناس الطفل بمحالب أمه ) فهذه هي نتيجة التمحيص والامتحان . وهي نتيجة ناجحة ولو كانوا قد قالوا غير ذلك لفشلوا في نظر الحسين (عليه السلام) ولم يؤدوا تكليفهم الكامل أمام الله وأمام إمامهم ومصدر شريعتهم )] وبعد أن من الله على هؤلاء الطيبين بالنجاح بين يدي مولانا الحسين (ع) أوقفهم الإمام(ع) على غامض القضاء فقال (ع) :ـ إني غدا اقتل وكلكم تقتلون معي ولا يبقى منكم احد حتى القاسم وعبد الله الرضيع إلا ولدي عليا زين العابدين لأن الله لم يقطع نسلي منه وهو أبو أئمة ثمانية . فقالوا بأجمعهم :ـ الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك وشرفنا بالقتل معك أولا نرضى أن نكون معك في درجتك يابن رسول الله فدعا لهم بالخير وكشف عن أبصارهم فرأوا ما حباهم الله من نعيم الجنان وعرفهم منازلهم فيها , وفي حديث مولانا أبي جعفر الباقر (ع) قال لأصحابه :ـ ابشروا بالجنة فوالله إننا نمكث ما شاء الله بعد ما يجري علينا ثم يخرجنا الله وإياكم حتى يظهر قائمنا فينتقم من الظالمين وأنا وانتم نشاهدهم في السلاسل والأغلال وأنواع العذاب , فقيل له :ـ من قائمكم يابن رسول الله ؟ قال(ع):ـ السابع من ولد ابني محمد بن علي الباقر وهو الحجة ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابني وهو الذي يغيب مدة طويلة ثم يظهر ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. قال السيد المقرم(كانت ضراغمة آل عبد المطلب والصفوة من الأصحاب عندئذ في أبهج حالة وأثبت جأش فرحين بما يلاقونه من نعيم وحبور وكلما اشتد المأزق الحرج أعقب فيهم انشراحا بين ابتسامة ومداعبة إلى فرح ونشاط )هازل برير عبد الرحمن الأنصاري , فقال له عبد الرحمن :ـ ماهذه ساعة باطل ؟ فقال برير :ـ لقد علم قومي ماأحببت الباطل كهلا ولا شابا ولكني مستبشر بمانحن لاقون , والله مابيننا وبين الحور العين إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ولوددت أنهم مالوا علينا الساعة . وخرج حبيب بن مظاهر يضحك , فقال له يزيد بن الحصين الهمداني :ـ ماهذه ساعة ضحك , قال حبيب :ـ وأي موضع أحق بالسرور من هذا ماهو إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم فنعانق الحور . وتابع نافع بن هلال الجملي مولانا الحسين (ع) حينما خرج في جوف الليل ليتفقد التلاع والروابي وبعد فترة قال الإمام(ع) لنافع(امتحان فردي) :ـ ألا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليل وتنجو بنفسك . فوقع نافع على قدميه(ع) يقبلهما ويقول :ـ ثكلتني أمي إن سيفي بألف وفرسي مثله فوالله الذي من بك علي لافارقتك حتى يكلا عن فري وجري . وهكذا جرى مع جون بن حوي مولى ابي ذر الغفاري(امتحان فردي) الذي ابيض لونه وفاحت رائحة أزكى من المسك من جسده الطاهر. فسلام الله على سيد الشهداء الحسين المظلوم وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ورحمة الله وبركاته والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
المصادر:ـ
(1):ـ كربلاء في الذاكرة سيد سلمان هادي آل طعمه
(2):ـ مقتل الإمام الحسين(ع) سيد عبد الرزاق المقرم
(3):ـ أضواء على ثورة الإمام الحسين(ع) سيدنا الشهيد محمد الصدر(قد)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين , وبعد :ـ
يحار المرء وتقف كلماته خجلة أحيانا وعاجزة أخرى عندما يقف أمام واقعة الطف العظيمة ,لأنه ما إن ينظر إلى جهة من جهاتها إلا ويتيه فيها , فقد حوت من الفضائل والمناقب والدروس والعبر ... مالا نستطيع إحصائها , وكيف يمكن إحصائها وهي تتجدد بتجدد الزمان والأجيال , وهل هناك يوم كيوم أبو عبد الله فقد أقيم عزاؤه في السموات والأرض ,أم هل هنالك عزاء غير عزاء أبو عبد الله أقامه الأنبياء والمرسلين والأوصياء والصالحين قبل حدوثه جيلا بعد جيل , والله هو العالم كم مجلس عزاء حسيني أقامه المصطفى الخاتم(ص) فقد أحصى الشيخ النائيني (قد) بالأدلة المعتبرة عشرين مجلس عزاء أقامه المصطفى لولده سيد الشهداء , فكيف لا تكون هذه الواقعة المنجم الذي لا ينضب لمدارس العلم والأخلاق والشرف والتضحية والفداء والصبر والإيثار والإباء والفروسية والحرية ...., وبتوفيق الله جل جلاله أتشرف بذكر صورة من صور الطف سميتها تسامحا على حسب فهمي القاصر بـ (امتحان الطف الأخير) عسى أن أكون قد ساهمت بشرف العزاء الحسيني واستغفر الله عن كل قصور وتقصير , انه هو الغفور الرحيم .
(1):ـ مكان الامتحان :ـ (ارض الطف ):ـ
وهي الأرض التي سقيت بدماء القربان الإلهي المقدس ليستقم بذلك دين الله فأصبحت شعلة للأحرار وقبلة للثوار , فما أعظم ما شرف الله به هذه البقعة حتى أصبحت شفائا لكل العلل والأسقام وكيف لا وقد ضمت هذا الكم الهائل من الأجساد الطاهرة التي ذابت في عشق باريها وارتوت تربتها من دموع الخاشعين حتى حار الماء فيها , فهل يبقى بعد ذلك عجب حين ترى الملايين تزحف نحوها زحف الذي جن بعشق محبوبه وسميت هذه البقعة المباركة بأرض كربلة بتفخيم اللام ثم كربلاء بالمد , وهي أم لقرى متقاربة عديدة تقع بين بادية الشام وشاطئ الفرات , مثل :ـ نينوى وشفية (بئر لبني أسد) وعقر بابل((العقر)كانت به منازل بخت نصر) والنواويس (النوايس) والغاضرية (قرية منسوبة إلى غاضرة من بني أسد ) وإنها كانت من أمهات مدن مابين النهرين الواقعة على ضفاف نهر بالاكوباس (الفرات قديما) وهنالك مصادر تاريخيه تؤكد إنها تعود في تاريخها للعهد البابلي وذهب بعضهم إلى إن اسمها مشتق من كلمة ( كور بابل ) وقال آخرون إنها مشتقة من الكرب والبلاء , وذكر ياقوت الحموي في المعجم ثلاثة أوجه لسبب التسمية :ـ وقال مانصه:ـ (كربلاء بالمد وهو الموضع الذي قتل فيه الحسين بن علي (عليهما السلام) في طرف البرية عند الكوفة فأما اشتقاقه فالكربله رخاوة في القدمين , يقال جاء يمشي مكربلا فيجوز على هذا أن تكون ارض هذا الموضع رخوة فسميت بذلك ويقال كربلت الحنطة إذا أهززتها ونقيتها وينشد في صفة الحنطة :ـ
يحملن حمراء رسوبا للثقل قد غربلت وكربلت من الصقل
فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقاة من الحصى والدغل فسميت بذلك , والكربل اسم نبت الحماض . وقال أبو وجرة يصف عهون الهودج :ـ
وتامر كربل وعميم دفلى عليها والندى سبط يدور
فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر نبته هناك فسمي به ...),وقال الأب انستاس ماري الكرملي :ـ إن كربلاء منحوتة من (كورب)و(ال)وهو أمر وارد لأن هذه البقاع سكنها الساميون قديما . وإذا فسرنا (كرب) بالعربية أيضا دلت معنى القرب فقد قال العرب كرب يكرب مكروبا ,أي دنا وهو يعطي المعنى نفسه لدى الساميين ,أما (ال)فقد كان يعني (الال)في اللغة السامية , وعلى حسبان كربلاء من الأسماء السامية تكون القرية من القرى القديمة التابعة لبابل , ووصفها ياقوت الحموي بأنها ناحية من نواحي نينوى الجنوبية , وذكر الخطيب البغدادي بسنده إلى أبي سعيد التميمي :ـ (اقبلنا مع علي (ع) من صفين فنزلنا كربلاء.....)أي أنها موجودة ومعروفة قبل سنة 40هج , ومن جملة ماحدث بعد مجيء كتاب ابن مرجانه للحر يأمره بأن يجعجع بمولانا الحسين(ع)إن زهير بن القين , قال لمولانا الحسين(ع):ـ هاهنا قرية بالقرب منا على شط الفرات وهي في عاقول حصينة والفرات يحدق بها إلا من وجه واحد , قال الإمام الحسين(ع):ـ ما اسمها ؟ فقال :ـ تسمى بالعقر, فقال (ع):ـ نعوذ بالله من العقر , والتفت الإمام (ع) إلى الحر وقال :ـ سر بنا قليلا فساروا جميعا حتى إذا وصلوا ارض كربلاء وقف جواد الإمام(ع) ولم يتحرك فعندها سأل الإمام (ع) عن الأرض , قال له زهير :ـ سر راشدا ولا تسأل عن شيء حتى يأذن الله بالفرج إن هذه الأرض تسمى الطف فقال(ع):ـ فهل لها اسم غيره ؟ قال:ـ تعرف كربلاء فدمعت عيناه(ع) وقال:ـ اللهم أعوذ بك من الكرب والبلاء هاهنا محط ركابنا وسفك دمائنا ومحل قبورنا بهذا حدثني جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
(2):ـ أستاذ الامتحان (سيد قاعة الامتحان)في الطف :ـ
مولانا حجة الله وريحانة حبيب الله الحسين بن أمير المؤمنين علي(عليهما السلام):ـ
وماذا يمكن لمثلي أن يقول عن أستاذ الامتحان في ارض الطفوف واستغفر الله عن سوء أدبي , واستعين بالله العطوف لأتشرف بالكتابة عن هذا السر الإلهي العظيم , وفي هذا الموضع من البحث وجدت أن اذكر هذه الرواية عسى أن تفي بشيء من الغرض , والله ولي التوفيق والسداد.
(ذات مرة كان مولانا الحسين (ع)يمشي ومعه انس بن مالك فلما وصل مولانا الحسين (ع) قبر جدته خديجة الكبرى (ع) بكى ثم قال لأنس اذهب عني . قال انس :ـ فاستخفيت عنه فلما طال وقوفه في الصلاة سمعته قائلا :ـ
يا رب يا رب أنت مــــولاه فارحم عبيد إليك ملجـــــاه
يا ذا المعالي عليك معتمدي طوبى لمن كنت أنت مولاه
طوبى لمن كان خادما أرقا يشكوا إلى ذي الجلال بلواه
وما به من علة ولا سقــم كثر من حبــــــــــــه لمولاه
إذا اشتكى بثه وغصتـــه أجابه الله ثم لبــــــــــــــــــاه
إذا ابتلى بالظلام مبتهــلا أكرمه الله ثم نـــــــــــــــاداه
[فنودي بـ ]
لبيك عبدي أنت في كنفــي وكلما قلت قد علمنـــــــــاه
صوتك تشتاقه ملائكتــــي فحسبك الصوت قد سمعناه
دعاك عندي يجول في حجبي فحسبك الستر قد سفرنـــاه
لو هبت الريح في جوانبــه خر صريعا لما تغشـــــــاه
سلني بلا رغبة ولا رهـب ولاحساب إني أنــــــــا الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا يخفى إن توضيح مافي هذه الأبيات من أسرار ومقامات هي فوق مستوى إدراكي , نستجير بالله من الزلل ومن إتباع خطوات الشيطان .
ياغاية تقف العقول كليلــــــــة عنها وان ذهبت بها غاياتها
ياجذوة القدس التي ماأشرقــت شهب السما لو لم تكن لمعاتها
ياقبة الشرف التي لو في الثرى نصبت سمت هام السما شرفاتها
ياكعبة لله إن حجت لــــــــــها الأملاك منه فعرشه ميقاتــــــها
يانقطة الباء التي باءت لــــها الكلمات وأتلفت بها ألفاتــــــها
ياوحدة الحق التي ماان لـــها ثان ولكن مانتهت كثراتـــــــها
ياوجهة الاحدية العليا التــي بالاحمدية تستنير جهاتـــــــــها
ياعاقلي العشر العقول ومن لها السبع الطباق تحركت سكناتها
أقسمت لو سر الحقيقة صورة راحت وانتم للورى مرآتـــها
انتم مشيئته التي خلقت بــــها الأشياء بل ذرأت بها ذراتها
وخزانة الأسرار بل خزانها وزجاجة الأنوار بل مشكاتها
ـــــــــــــــــــــــــــ(محمد حسين كاشف الغطاء)ـــــــــــــــــ
(3):ـ الامتحان :ـ
اقتضت الحكمة الالهية اللامتناهية اختبار مخلوقاته , لذا تجد إن الخلائق جميعا والسائرين على طريق التكامل الإلهي خصوصا لابد لهم من اجتياز الاختبارات التي تناسب كل مرحلة من مراحل تكاملهم وكل حسب مقامه (ولا نكلف نفسا إلا وسعها...(المؤمنون62)) والامتحان هو احد مباني الدين والسنن الالهيه لأنه وسيلة للفوز والوصول للمقامات العالية بالرغم من احتوائه على الكثير من الشدائد فلا يمكن الوصول إلى المطلوب إلا ببذل الغالي والنفيس في طريق الوصول(التكامل)ومن البديهي إن الغش والمراوغة والمكر والخداع والرياء والعجب ...لاينفع إطلاقا حتى وان استغل الفرد فيه الستر الإلهي المرخى على الخلائق فلابد وان تنكشف الحقيقة يوما ما , خصوصا إن كانت الحقيقة مهمة وتأثيرها النوعي والكمي عظيم على المستوى التكاملي فالمولى القدوس يمهل ولايهمل فبالرغم من طول المدة التي أخفى بها إبليس حقيقته الواقعيه وما انطوت عليه من تكبر وحسد إلا انه انكشف أخيرا بامتحان السجود لآدم(ع)وهكذا بالنسبة لأتباع إبليس من طواغيت ومجرمين وكل من سار على نهجهم (لعنهم الله), لذا فالذي يسعى للمسير في طريق التكامل الإلهي لابد أن يدرك إن لهذا الطريق قوانين وقواعد وأدلاء فالقوانين والقواعد هي ثقل القرآن , والادلاء إلى الله في الليل الاليل هم الماسكين من أسباب الله بحبل الشرف الأطول والناصعين الحسب في ذرة الكاهل الاعبل والثابتين القدم على زحاليفا في الزمن الاول ...وهم ثقل محمد وآل محمد , السادة المقربين والنجباء الأكرمين والهداة المهديين والخيرة المهذبين والغطارفة الانجبين والاطائب المطهرين والخضارمة المنتجبين والقماقمة الأكرمين والبدور المنيرة والسرج المضيئة والشهب الثاقبة والأنجم الزاهرة والسبل الواضحة والأعلام اللائحة والعلوم الكاملة والسنن المشهورة والمعجزات الموجودة والدلائل المشهودة والصراط المستقيم ..... , فهذان الثقلان العظيمان هما حبل الله المتين الذي من تمسك به فقد افلح ونجا ومن تركه وضيعه فقد خاب وخسر الخسران المبين ومن رحمة الله الواسعة وبركاته العظيمة أن جعل لكل قوم هاد يهدي إلى الرشد والى صراط العزيز الحميد , فطوبى لكل من اقتدى بالهادي وسار على منهجه وارتوى من عذب ماء حبه . وهذا المبحث نفيس ويحتاج لفهم مطالبه ومن ثم تطبيقها خالصة لوجه الله تعالى إلى الصبر الجميل والحظ العظيم وما ذلك على الله بعزيز إن أتى الفرد إلى الله بقلب سليم . ولذا تجد إن الامتحان والاختبار سمة من سمات الطريق التكاملي بل لابد منه , وهو يشتد كلما ازداد المسير وارتقت المطالب وحينها يسمى بالتمحيص , قال سيدنا عبد الأعلى السبزواري :ـ (التمحيص هو التطهير مع شدة الاختبار والامتحان كما يتمحص الذهب بالنار عن كل شائبة) , وذلك لأن كل فرد ماعدا الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا , يحمل مجموعة من الأدران والأوساخ 0((قال علماء النفس والأخلاق والعرفان)إن البعض منها (الأدران) موروثة والبعض الآخر مكتسبه من بيئة الفرد ) ولكي يكون مسير الفرد في طريق التكامل مصحوبا بالنجاح فلابد له من التخلص شيئا فشيئا من الأدران ليحل محلها الفضائل ومحاسن الأخلاق فشدة الامتحان(التمحيص )هي للتخلص من هذه الأدران وما نتج عنها من ذنوب , لأن الخلوص والتطهر من كل عيب وذنب لايكون إلا عن طريق الاختبار الشديد وملازمة البلاء وبذلك يتجلى المؤمن بالتمحيص بأكمل وجه خالصا من العيوب والذنوب , وبدون ذلك يختل النظام الأحسن , ومن الطبيعي إن هذه الامتحانات كما يتبين بها الصالح والمخلص يتبين بها الفاسد والخائن (ويستبين المستحق لنيل الدرجات الرفيعة من غيره وان كل تمحيص يمر به المؤمنين يستلزم محق للكافرين فان الله تعالى ينقص الكافرين شيئا فشيئا حتى يفنيهم ويقيم دولة الحق ) بقيادة محيي معالم الدين وأهله وقاصم شوكة المعتدين وهادم ابنية الشرك والنفاق ...رئيسنا وزعيمنا الحجة بن الحسن(عليهما السلام), وهنالك آيات كثيرة بينت أهمية الامتحان والتمحيص والبلائات ...نعطر البحث بذكر البعض منها وكما يلي :ـ
(ا):ـ (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب(سورة البقرة 214))
(ب):ـ (وَلَيُمَحص الله الذين ءَامنوا ويمحق الكافرين (141)أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين(142)(آل عمران))
(ج):ـ (....وليبتلي الله مافي صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور(154)(آل عمران))
(د):ـ (ماكان الله ليذر المؤمنين على ماأنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء .....(179)(آل عمران))
(ه):ـ (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الأمور(186)(آل عمران))
(و):ـ (أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون(16)(سورة التوبة))
(4):ـ طلبة قاعة الامتحان (تلاميذ مدرسة أهل البيت(ع))
إن ساحة الطف وان حوت في قاعة امتحانها على قطبي :ـ
(ا):ـ الخير :ـ المتمثل بمولانا الحسين (ع) وجيشه الإلهي المتكون من أهل بيته وأصحابه (عليهم السلام)
(ب):ـ الشر:ـ المتمثل بعمر بن سعد وجيشه الشيطاني المتكون من شيعة آل أبي سفيان (لعنهم الله) إلا إن الامتحان الذي هو موضوع هذا البحث يتعلق بشكل أساس بجيش مولانا الحسين(ع)هذه الثلة الطيبة التي كانت خلاصة مانتج من ثمار شجرة الأنبياء والأوصياء والصالحين ...وقد ألف العلماء والمحققين... الكتب والبحوث الكثيرة في بيان بعض مناقبهم , فمن المستحيل في هذه العجالة إيفاء شيء من فضلهم فهم أفضل طبقات المؤمنين المخلصين الممحصين في ذلك الوقت (سلام الله عليهم أجمعين) بل إنهم تربعوا على رتبة الأفضلية على أصحاب مولانا صاحب الزمان(ع)الذين هم أفضل من أصحاب رسول الله(ص) ولم يتم ذلك إلا بعد اجتيازهم امتحان خاص يلاءم مستواهم التكاملي ومبتغاهم العالي وحينئذ وصلوا إلى تلك المقامات العالية , لذا فأن إمامنا الحسين(ع)امتحنهم [(لأجل اختبار هممهم في نصره وعن السير في سبيل الشهادة وتحصيل طاعة الله ورضاه سبحانه فمن هذه الناحية , ومن هنا يمكن أن يقعوا تحت طائلة نفسية قوية في التضاد أو في الشعور المتضاد في ضرورة البقاء وضرورة الذهاب إلا إنهم مع ذلك لم يفكروا طرفة عين في الذهاب بل أدركوا بكل وضوح ضرورة البقاء مع الحسين(ع)ونيل الشهادة بين يديه , جزاهم الله خير جزاء المحسنين وبذلك صاروا أفضل الشهداء على الإطلاق.)( سيدنا الشهيد محمد الصدر(قد))] وأما من كان دون هذا المستوى من الإيمان والطاعة والصبر والإخلاص...فكان حليف الفشل والخسران أكيدا (..فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ماينفع الناس فيمكث في الارض...(الرعد17))فيخضع حينئذ لقانون الابدال وكل ذلك وغيره حدث في واقعة الطف العظيمة , نستجير بالله العظيم من سوء الخاتمة. أما الأسماء المباركة لطلبة الامتحان وعددهم الحقيقي فهنالك روايات متعددة في ذلك نحاول بحول الله وقوته ذكرها في بحوث أخرى إنشاء الله تعالى .
(5):ـ وقت الامتحان :ـ
لقد اختير وقت الامتحان النهائي بمنتهى الحكمة بما يلاءم أهمية الامتحان والمستوى العالي لطلبة الامتحان والآثار المترتبة على نتيجة الامتحان ..., وكيف لايكون كذلك وقد اختاره ولي الله وحجته البالغة مولانا الحسين(ع), وهذا الوقت هو عشية الخميس لتسع خلون من المحرم أي قبل الفاجعة بليلة واحدة ففي هذا الوقت عندما أمر ابن سعد عسكره بالزحف نحو معسكر مولانا الحسين(ع), قال الإمام لأخيه العباس(ع):ـ اركب بنفسي أنت حتى تلقاهم واسألهم عما جاءهم وما الذي يريدون فركب العباس(ع) في عشرين فارسا فيهم زهير وحبيب وسألهم عن ذلك . قالوا:ـ جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم النزول على حكمه أو ننازلكم الحرب. فانصرف العباس(ع) يخبر مولانا الحسين(ع) بذلك ووقف أصحابه يعظون القوم , فقال لهم حبيب بن مظاهر :ـ أما والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون عليه وقد قتلوا ذرية نبيه وعترته وأهل بيته وعباد أهل هذا المصر المتهجدين بالأسحار الذاكرين الله كثيرا . فقال له عزره بن قيس :ـ انك لتزكي نفسك مااستطعت . فقال زهير :ـ ياعزرة إن الله قد زكاها وهداها فاتق الله ياعزرة أن لاتكون ممن يعين أهل الضلالة على قتل النفوس الزكية . ثم قال عزره :ـ يازهير ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت إنما كنت على غير رأيهم , قال زهير :ـ أفلست تستدل بموقفي هذا إني منهم أما والله ماكتبت إليه كتابا قط ولا أرسلت إليه رسولا ولا وعدته نصرتي ولكن الطريق جمع بيني وبينه فلما رأيته ذكرت به رسول الله ومكانه منه وعرفت مايقدم عليه عدوه فرأيت أن أنصره وأن أكون من حزبه واجعل نفسي دون نفسه لما ضيعتم من حق رسوله . واعلم العباس(ع) أخاه أبا عبد الله(ع) بما عليه القوم فقال (ع) :ـ ارجع إليهم واستمهلهم هذه العشية إلى غد لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم إني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار . فرجع العباس(ع) واستمهلهم العشية فتوقف ابن سعد وسأل من الناس فقال عمرو بن الحجاج :ـ سبحان الله لو كانوا من الديلم وسألوك هذا لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليه , وقال قيس بن الأشعث :ـ أجبهم إلى ماسألوك فلعمري ليستقبلك بالقتال غدوة فقال ابن سعد:ـ والله لو أعلم انه يفعل ما أخرتهم العشية ثم بعث إلى الحسين(ع):ـ إنا أجلناكم إلى غد فان استسلمتم سرحنا بكم إلى الأمير ابن زياد وان أبيتم فلسنا تاركيكم . وهكذا توقف زحف عسكر العدو فكانت هنالك فسحة لمن أراد الخروج من المعسكر الإلهي بالاضافى إلى غشاء الليل وعندها بدأ وقت الامتحان الأخير.
(6):ـ سؤال الامتحان:ـ
إن الامتحان الإلهي وطريقة الاسئله فيه , له ميزات مختصة به فهو وان كان سؤال امتحان الاان في طياته يظهر الجواب جليا لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد وهذا من رحمة الله الواسعة وحبه لمخلوقاته بل إن الامتحان كله بما فيه عبارة عن رحمة وفضل الاهي (إذا أحب الله عبدا ابتلاه)لأنه الباب لارتقاء سلم مراتب القرب الإلهي (لك الحمد ان البلايا عطاء) ولهذا يكون الممتحن الناجح في ساحة الرضا الإلهي أكيدا , قال تعالى :ـ (أولائك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم),وفي زيارة مولاتنا الزهراء(ع)(السلام عليك ياممتحنة , امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك وكنت لما امتحنك به صابرة...).وهكذا جمع مولانا الحسين (ع) طلبته والقى عليهم سؤال الامتحان بثلاث حالات :ـ جميعا , وجمع منهم , وأفرادا كلا على حدا , وكما يلي:ـ المقطع الرئيسي من سؤال الامتحان لجميع الممتحنين, فقال (ع):ـ اثني على الله أحسن الثناء واحمده على السراء والضراء اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ولم تجعلنا من المشركين , أما بعد فاني لا أعلم أصحابا أولى ولا خيرا من أصحابي ولا أهل بيت ابر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعا , وقد أخبرني جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأني سأساق إلى العراق فأنزل ارض يقال لها عمورا وكربلا وفيها استشهد وقد قرب الموعد ألا واني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا واني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا , وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي , فجزاكم الله جميعا خيرا , وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم فان القوم إنما يطلبونني ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري .
(7):ـ إجابات الامتحان (إجابة جهابذة مدرسة التوحيد الكبرى):ـ
أول من أجاب وأسرع إجابة كانت لمولانا أبو الفضل العباس (ع) هذا السر الإلهي العجيب حيث قال :ـ لم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك أبدا . وتابعه الهاشميون بنفس القول (إخوة الإمام الحسين(ع)وأبناؤه وبنو أخيه(ع) وأبناء عبد الله بن جعفر). فالتفت مولانا الحسين (ع)إلى بني عقيل(ع)وقال(المقطع الثاني من السؤال لجمع معين من الممتحنين):ـ حسبكم من القتل بمسلم اذهبوا فقد أذنت لكم . فأجابوا بقولهم :ـ إذا ماذا يقول الناس وما نقول لهم ؟ إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن برمح ولم نضرب بسيف ولا ندري ما صنعوا لا والله لانفعل ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا نقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك . وانطلق الأصحاب بإجاباتهم الرائعة , فقال مسلم بن عوسجة :ـ انحن نخلي عنك وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك , أما والله لا افارقك حتى اطعن في صدورهم برمحي واضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتى أموت معك . وقال سعيد بن عبد الله الحنفي :ـ والله لا نخليك حتى يعلم الله إنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك , أما والله لو علمت إني اقتل ثم أحيا ثم احرق حيا ثم أذرى , يفعل بي ذلك سبعين مرة لما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك وكيف لا افعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا . وقال زهير بن القين :ـ والله وددت إني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى اقتل كذا ألف مرة وان الله عز وجل يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك . وتكلم باقي الأصحاب بما يشبه بعضه بعضا فجزاهم الحسين خيرا. وفي هذا الحال قيل لمحمد بن بشير الحضرمي قد اسر ابنك بثغر الري فقال :ـ ما أحب أن يوسر وأنا أبقى بعده حيا , فقال له مولانا الحسين (ع)(امتحان فردي):ـ أنت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ولدك , قال :ـ لا والله لا افعل ذلك أكلتني السباع حيا إن فارقتك , فقال (ع):ـ إذا أعط ابنك هذه الأثواب الخمسة ليعمل في فكاك أخيه وكان قيمتها ألف دينار .
(8):ـ نتيجة الامتحان :ـ قال سيدنا الشهيد الصدر المقدس [(...ورد في الرواية :ـ (لقد خبرتهم وبلوتهم فلم أجد فيهم إلا الأشوس الاقعس يستأنسون بالموت دوني استيناس الطفل بمحالب أمه ) فهذه هي نتيجة التمحيص والامتحان . وهي نتيجة ناجحة ولو كانوا قد قالوا غير ذلك لفشلوا في نظر الحسين (عليه السلام) ولم يؤدوا تكليفهم الكامل أمام الله وأمام إمامهم ومصدر شريعتهم )] وبعد أن من الله على هؤلاء الطيبين بالنجاح بين يدي مولانا الحسين (ع) أوقفهم الإمام(ع) على غامض القضاء فقال (ع) :ـ إني غدا اقتل وكلكم تقتلون معي ولا يبقى منكم احد حتى القاسم وعبد الله الرضيع إلا ولدي عليا زين العابدين لأن الله لم يقطع نسلي منه وهو أبو أئمة ثمانية . فقالوا بأجمعهم :ـ الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك وشرفنا بالقتل معك أولا نرضى أن نكون معك في درجتك يابن رسول الله فدعا لهم بالخير وكشف عن أبصارهم فرأوا ما حباهم الله من نعيم الجنان وعرفهم منازلهم فيها , وفي حديث مولانا أبي جعفر الباقر (ع) قال لأصحابه :ـ ابشروا بالجنة فوالله إننا نمكث ما شاء الله بعد ما يجري علينا ثم يخرجنا الله وإياكم حتى يظهر قائمنا فينتقم من الظالمين وأنا وانتم نشاهدهم في السلاسل والأغلال وأنواع العذاب , فقيل له :ـ من قائمكم يابن رسول الله ؟ قال(ع):ـ السابع من ولد ابني محمد بن علي الباقر وهو الحجة ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابني وهو الذي يغيب مدة طويلة ثم يظهر ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. قال السيد المقرم(كانت ضراغمة آل عبد المطلب والصفوة من الأصحاب عندئذ في أبهج حالة وأثبت جأش فرحين بما يلاقونه من نعيم وحبور وكلما اشتد المأزق الحرج أعقب فيهم انشراحا بين ابتسامة ومداعبة إلى فرح ونشاط )هازل برير عبد الرحمن الأنصاري , فقال له عبد الرحمن :ـ ماهذه ساعة باطل ؟ فقال برير :ـ لقد علم قومي ماأحببت الباطل كهلا ولا شابا ولكني مستبشر بمانحن لاقون , والله مابيننا وبين الحور العين إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ولوددت أنهم مالوا علينا الساعة . وخرج حبيب بن مظاهر يضحك , فقال له يزيد بن الحصين الهمداني :ـ ماهذه ساعة ضحك , قال حبيب :ـ وأي موضع أحق بالسرور من هذا ماهو إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم فنعانق الحور . وتابع نافع بن هلال الجملي مولانا الحسين (ع) حينما خرج في جوف الليل ليتفقد التلاع والروابي وبعد فترة قال الإمام(ع) لنافع(امتحان فردي) :ـ ألا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليل وتنجو بنفسك . فوقع نافع على قدميه(ع) يقبلهما ويقول :ـ ثكلتني أمي إن سيفي بألف وفرسي مثله فوالله الذي من بك علي لافارقتك حتى يكلا عن فري وجري . وهكذا جرى مع جون بن حوي مولى ابي ذر الغفاري(امتحان فردي) الذي ابيض لونه وفاحت رائحة أزكى من المسك من جسده الطاهر. فسلام الله على سيد الشهداء الحسين المظلوم وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ورحمة الله وبركاته والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
المصادر:ـ
(1):ـ كربلاء في الذاكرة سيد سلمان هادي آل طعمه
(2):ـ مقتل الإمام الحسين(ع) سيد عبد الرزاق المقرم
(3):ـ أضواء على ثورة الإمام الحسين(ع) سيدنا الشهيد محمد الصدر(قد)