ابومحمد العلوي
04-02-2013, 03:43 PM
فدك
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الابرار.
طلب مني احد زملاء العمل أن أزوده ببعض المعلومات حول قضية فدك لكي يرسلها في الشبكه العنكبوتيه لبعض إخواننا في الدين ممن أراد الاطلاع على هذه القضية وبعد أن مكنني العطوف(جلت قدرته) من تزويده ببعض المعلوات , أتشرف بطرح هذه القضية على هذا الموقع الشريف , ومن الله التوفيق :ـ
" فدك ": قرية في الحجاز، بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة وهي أرض يهودية ، كان يسكنها طائفة من اليهود حتى السنة السابعة حيث قذف الله بالرعب في قلوب أهليها فصالحوا رسول الله صلى الله عليه وآله على النصف من فدك ، وروى أنه صالحهم عليها فصارت ملكا لرسول الله صلى الله عليه وآله خاصة، لأنها لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ثم قدمها لابنته الزهراء (ع) وكانت بيدها في عهد أبيها وبعد وفاته صلى الله عليه وآله وكانت وضعت عليها وكيلا عنها فانتزعها الخليفة الأول وطرد وكيلها ولما تولى عمر الخلافة ردها إلى ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله فلما ولي عثمان بن عفان أقطعها مروان بن الحكم فلما صار الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان أقطع مروان ثلثها، وعمر بن عثمان ثلثا، ويزيد ابنه ثلثها الآخر، فلم يزالوا يتداولونها حتى خلصت لمروان بن الحكم أيام ملكه ثم صفت لعمر بن عبد العزيز بن مروان، فلما ولي الأمر ردها لولد فاطمة (ع)، ثم انتزعها يزيد ابن عبد الملك من أولاد فاطمة وظلت في أيدي بني مروان حتى انقرضت دولتهم.فلما تقلد الخلافة أبو العباس السفاح ردها على عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي (ع) ثم قبضها أبو جعفر المنصور في خلافته من بني الحسن(ع) ، وردها المهدي بن المنصور على الفاطميين، ثم انتزعها موسى بن المهدي من أيديهم، ثم ردها المأمون عليهم سنة مائتين وعشرة ولما بويع المتوكل انتزعها منهم وأقطعها عبد الله بن عمر البازيار من أهل طبرستان. وردها المعتضد، وحازها المكتفي، وقيل إن المقتدر ردها عليهم وكان فيها بضعة عشر نخلة غرسها رسول الله بيده. قال ابن أبي الحديد: - في شرح النهج - وقلت لمتكلم من متكلمي الإمامية يعرف بعلي بن تقي من بلدة النيل.وهل كانت فدك إلا نخلا يسيرا وعقارا ليس بذلك الخطير؟ فقال لي ليس الأمر كذلك بل كانت جليلة جدا وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن من النخل وما قصد أبو بكر وعمر بمنع فاطمة عنها إلا أن لا يتقوى على بحاصلها وغلتها على المنازعة في الخلافة الخ وقال أيضا: وسألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد فقلت له:
أكانت فاطمة صادقة؟ قال نعم قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدكا وهي عنده صادقة فتبسم ثم قال: كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته قال لو أعطاها اليوم فدكا بمجرد دعواها لجاءت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه الاعتذار بشئ لأنه يكون قد سجل على نفسه بأنها صادقة فيما تدعي ](راجع: معجم البلدان لياقوت الحموي، أعيان الشيعة للسيد الأمين، فدك في التاريخ للسيد الصدر، فتوح البلدان للبلاذري، شرح النهج لابن أبي الحديد)].وروي ان مولاتنا الزهراء (ع) قالت لابي بكر:ـ
لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر الله تعالى؟
فقال: هاتي على ذلك بشهود. فجاءت بأم أيمن، فقالت له أم أيمن: لا أشهد يا أبا بكر حتى احتج عليك بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله، أنشدك بالله ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال " أم أيمن امرأة من أهل الجنة (1) " فقال: بلى. قالت " فأشهد: أن الله عز وجل أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله " وآت ذا القربى حقه "
____________
(1) أم أيمن: مولاة النبي صلى الله عليه وآله وحاضنته.. اسمها بركة بنت ثعلبة ابن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان، مهاجرة جليلة هاجرت الهجرتين إلى أرض الحبشة، وإلى المدينة، وشهدت حنينا واحدا وخيبرا وكانت في أحد تسقي الماء وتداوي الجرحى. وكان النبي صلى الله عليه وآله يخاطبها يا أمه ويقول: " هي أمي بعد أمي " وكان إذا نظر إليها يقول " هذه بقية أهل بيتي ".
قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: " روت عن النبي صلى الله عليه وآله وعنها أنس بن مالك وحنش بن عبد الله الصنعاني وأبو يزيد المدني ".
وكنيت بابنها أيمن بن عبيد وهي أم أسامة بن زيد بن حارثة تزوجها زيد بعد عبيد الحبشيقيل كانت لعبد الله بن عبد المطلب (ع) فصارت للنبي صلى الله عليه وآله ميراثا وقيل أنها كانت لأمه صلى الله عليه وآله وروي أنها كانت لأخت خديجة فوهبتها للنبي صلى الله عليه وآله فلما تزوج من خديجة (ع) أعتقها.
وفي الإصابة: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن ".. وتوفيت في أوائل عهد عثمان وروى البخاري أنها توفيت بعد النبي بخمسة أشهر.ومن الجدير بالذكر ان ايمن عاشر عشره كانوا قد احاطوا بالنبي(ص) في معركة حنين بعد ان فر جميع المهاجرين والانصار, وقد استشهد في هذه المعركه (رضوان الله عليه), والتسعة الاخرون كانوا من بني هاشم(بني عبد المطلب)
[(راجع الإصابة، تهذيب التهذيب، أعلام النساء، طبقات ابن سعد، البخاري قاموس الرجال، أعيان الشيعة)].
وفي الاحتجاج للطبرسي(روى عبد الله بن الحسن(1))، بإسناده عن آبائه (عليهم السلام): أنّه لمّا أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة (عليها السلام) فدك، وبلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لُمّة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتّى دخلت على أبي بكر ـ وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ـ فنيطت دونها مُلاءة، فجلست. ثمّ أنَّت أنَّة أجهش القوم لها بالبكاء، فارتجّ المجلس، ثمّ أمهلت هنيئة حتّى إذا سكن نشيج القوم، وهدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فعاد القوم في بكائهم، فلمّا أمسكوا عادت في كلامها، فقالت (عليها السلام):
الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدّم من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام مِنَن والاها، وجمّ عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتّصالها، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها. وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنار في التفكّر معقولها. الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيّته، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها، كوّنها بقدرته، وذرأها بمشيّته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، إلاّ تثبيتاً لحكمته، وتنبيهاً على طاعته، وإظهاراً لقدرته، [و] تعبّداً لبريّته، وإعزازاً لدعوته، ثمّ جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، ذيادة لعباده عن نقمته، وحياشة منه إلى جنّته. وأشهد أنّ أبي، محمّداً (صلّى الله عليه وآله) عبده ورسوله، اختاره قبل أن أرسله، وسمّاه قبل أن اجتبله، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علماً من الله تعالى بمآيل الاُمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور. ابتعثه الله تعالى، إتماماً لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادير حتمه، فرأى الاُمم فرقاً في أديانها، عكّفاً على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله بأبي محمّد (صلّى الله عليه وآله) ظلمها،
وكشف عن القلوب بهمها، وجلى عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، وأنقذهم من الغواية، وبصّرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم. ثمّ التفتت إلى أهل المجلس، وقالت:أنتم عباد الله، نصب أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأُمناء الله على أنفسكم، وبلغاؤه إلى الاُمم، وزعمتم حقّ لكم لله فيكم ، عهد قدّمه إليكم، وبقيّة استخلفها عليكم كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بيّنة بصائره، منكشفة سرائره، متجلّية ظواهره، مغتبطة به أشياعه. قائد إلى الرضوان اتّباعه، مؤدّ إلى النجاة استماعه، به تنال حجج الله المنوّرة، وعزائمة المفسّرة، ومحارمه المحذّرة، وبيّناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة؛ فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاه تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس ونماء في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحجّ تشييداً للدين، والعدل تنسيقاً للقلوب، وطاعتنا نظاماً للملّة، وإمامتنا أماناً من الفرقة، والجهاد
عزّاً للإسلام، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامّة، وبرّ الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد، والقصاص حقناً للدماء، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازيين تغييراً للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة، وترك السرقة إيجاباً بالعفّة. وحرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبيّة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} ، وأطيعوا الله فيكم فيما أمركم به ونهاكم عنه فإنّه {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عبَاده الْعُلَمَاء} . ثمّ قالت: أيّها الناس! اعلموا أنّي فاطمة، وأبي محمّد (صلّى الله عليه وآله) أقول عوداً وبدءاً، ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} . فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمّي دون رجالكم، ولنعم المعزيّ إليه (صلّى الله عليه وآله)، فبلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة، مائلاً عن مدرجة المشركين، ضارباً ثبجهم، آخذاً بأكظامهم، داعياً إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، يكسّر الأصنام، وينكت إلهام، حتّى انهزم الجمع وولّوا الدبر، حتّى تفرّى اللّيل عن صبحه، وأسفر الحقّ عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين، وطاح وشيظ النفاق، وانحلّت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص. وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطىء الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون الورق، إذلّة خاسئين"تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم" فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمّد (صلّى الله عليه وآله) بعد اللتيّا والّتي، وبعد أن مُني ببهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ} أو نجم قرن للشيطان، أو فغرت فاغرة من المشركين، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفىء حتّى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في ذات الله، ومجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيّداً في أولياء الله، مشمّراً ناصحاً، مجدّاً كادحاً، وأنتم في رفاهيّة من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربّصون بنا الدوائر، وتتوكّفون الأخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرّون من القتال. فلمّا اختار الله لنبيّه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلّين، وهدر فَنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرّة فيه ملاحظين. ثمّ استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم، وأوردتم غير شربكم، هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لمّا يندمل، والرسول لمّا يقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ
هيهات منكم! وكيف بكم؟ وأنّى تؤفكون؟ وكتاب الله بين أظهركم، اُموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، قد خلّفتموه وراء ظهوركم، أرغبة عنه تريدون؟! أم بغيره تحكمون؟! {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} . {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} . ثمّ لم تلبثوا إلاّ ريث أن تسكن نفرتها، ويسلس قيادها، ثمّ أخذتم تورون وقدتها، وتهيّجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغويّ، وإطفاء أنوار الدين الجليّ، وإهماد سنن النبيّ الصفيّ، تسرّون حسواً في ارتغاء، وتمشون لأهله وولده في الخمَر والضرّاء، ونصبر منكم على مثل حزّ المدى، ووخز السنان في الحشا، وأنتم تزعمون ألاّ إرث لنا {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أفلا تعلمون؟!
بلى قد تجلّى لكم كالشمس الضاحية أنّي ابنته. أيّها المسلمون! أاُغلب على إرثي؟! يابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟! "لَقَد جِئتَ شَيئاً فَريّاً" أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} ؟! وقال فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريا (عليهما السلام)، إذ قال: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} . وقال: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} وقال: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} . وقال: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِين} . وزعمتم ألاّ حظوة لي، ولا أرث من أبي، ولا رحم بيننا! أفخصّكم الله بآية أخرج منها أبي (صلّى الله عليه وآله)؟! أم هل تقولون: أهل ملّتين لا يتوارثان؟! أولست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟! فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمّد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون، {لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} . ثمّ رمت بطرفها نحوالأنصار، فقالت:
يا معاشر الفتية وأعضاد الملّة وأنصار الإسلام! ما هذه الغَميزة في حقّي، والسّنَةُ عن ظلامتي؟! أما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أبي يقول: "المرء يُحفظ في ولده"؟ سرعان ما أحدثتم، وعَجلان ذا إهالة، ولكم طاقة بما اُحاول، وقوّة على ما أطلب وأُزاول، أتقولون مات محمّد (صلّى الله عليه وآله)؟ فخطب جليل استوسع وهنه، واستنهر فتقه، وانفتق رتقه، وأظلمّت الأرض لغيبته، وكسفت الشمس والقمر، وانتثرت النجوم لمصيبته، وأكدت الآمال، وخشعت الجبال، وأُضيع الحريم، واُزيلت الحرمة عند مماته، فتلك والله، النازلة الكبرى، والمصيبة العظمى، لا مثلها نازلة، ولا بائقة عاجلة، أعلن بها كتاب الله جلّ ثناؤه في أفنيتكم، في ممساكم ومصبحكم، هتافاً وصراخاً، وتلاوة وألحاناً، ولقبله ما حلّ بأنبياء الله ورسله، حكم فصل وقضاء حتم: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} . إيهاً بني قَيلَة(الاوس والخزرج)! أاُهضم تراث أبي وأنتم بمرأى منّي ومسمع، ومنتدىً ومجمع؟! تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وأنتم ذوو العدد والعدّة، والاداة والقوّة، وعندكم السلاح والجنّة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون! وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنجبة الّتي انتجبت، والخيرة الّتي اختيرت، قاتلتم العرب، وتحمّلتم الكدّ والتعب، وناطحتم الاُمم، وكافحتم البهم، فلا نبرح أو تبرحون، نأمركم فتأتمرون، حتّى إذا دارت بنا رحى الإسلام، ودرّ حلب الأيّام، وخضعت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين، فأنّى حرتم بعد البيان، وأسررتم بعد الإعلام، ونكصتم بعد الإقدام، وأشركتم بعد الإيمان {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَأُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وأبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة، ونجوتم من الضيق بالسعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم الّذي تسوّغتم {إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} . ألا وقد قلت ما قلت على معرفة منّي بالخذلة الّتي خامرتكم، والغدرة الّتي استشعرتها قلوبكم، ولكنّها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القنا، وبثّة الصدر، وتقدمة الحجّة. فدونكموها فاحتقبوها، دبرة الظهر، نقبة الخُفّ، باقية العار، موسومة بغضب الله وشنار الأبد، موصولة بـ {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} فبعين الله ما تفعلون {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} . وأنا ابنة نذير لكم بين يديّ عذاب شديد. {اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} .فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمّان، فقال: يا ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً، رؤوفاً رحيماً، وعلى الكافرين عذاباً أليماً، وعقاباً عظيماً، فإن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، وأخاً لبعلك دون الأخلاّء، آثره على كلّ حميم، وساعده في كلّ أمر جسيم. لا يحبّكم إلاّ كلّ سعيد، ولا يبغضكم إلاّ كلّ شقيّ، فأنتم عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الطيّبون، والخيرة المنتجبون، على الخير أدلّتنا، وإلى الجنّة مسالكنا. وأنتِ يا خيرة النساء، وابنة خير الأنبياء صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقّك، ولا مصدودة عن صدقك، ووالله، ما عدوت رأي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولا عملت إلاّ بإذنه، وإنّ الرائد لا يكذّب أهله، وإنّي اُشهد الله وكفى به شهيداً; إنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضة، ولا داراً ولا عقاراً، وإنّما نورث الكتب، والحكمة والعلم والنبوّة، وما كان لنا من طعمة فلوليّ الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه". وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل به المسلمون ويجاهدون الكفار، ويجالدون المردة، ثمّ الفجّار، وذلك بإجماع من المسلمين، لم أتفرّد به وحدي، ولم أستبدّ بما كان الرأي فيه عندي. وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك لا نزوي عنك، ولا ندّخر دونك، وأنتِ سيّدة اُمّة أبيكِ، والشجرة الطيّبة لبنيك، لا يدفع مالكِ من فضلك، ولا يوضع من فرعكِ وأصلكِ، حكمكِ نافذ فيما ملكت يداي، فهل ترين أن أُخالف في ذلك أباكِ (صلّى الله عليه وآله)؟! فقالت (عليها السلام):سبحان الله! ما كان [أبي] رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن كتاب الله صارفاً، ولا لأحكامه مخالفاً، بل كان يتّبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور؟! وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته، هذا كتاب الله حكماً عدلاً، وناطقاً فصلاً، يقول: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} {وَوَرثَ سُلَيمانُ دَاوُدَ} فبيّن عزّ وجلّ فيما وزّع عليه من الأقساط، وشرّع من الفرائض والميراث، وأباح من حظّ الذكران والإناث ما أزاح
به علّة المبطلين، وأزال التظنّي والشبهات في الغابرين، كلاّ! {بَل سَوَّلَت لَكُم أنفُسُكُم أمراً فصبَرٌ جَميلٌ والله المستعانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}.فقال أبو بكر: صدق الله وصدق رسوله وصدقت ابنته، أنتِ معدن الحكمة، وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجّة، لا اُبعد صوابك، ولا اُنكر خطابك، هؤلاء المسلمون بيني وبينك قلّدوني ما تقلّدت، وباتّفاق منهم أخذت ما أخذت، غير مكابر ولا مستبدّ، ولا مستأثر، وهم بذلك شهود. فالتفتت فاطمة (عليها السلام) إلى الناس، وقالت:معاشر الناس، المسرعة إلى قيل الباطل، المغضية على الفعل القبيح الخاسر {أفَلا يَتَدَبّرُون القُرآنَ أم عَلَى قُلُوبِ أقفالُها} ، كلا، بل رانَ عَلَى قُلُوبكم ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأوّلتم، وساء ما به أشرتم، وشرّ ما منه اعتضتم ، لتجدنّ والله محمله ثقيلاً، وغبّه وبيلاً إذا كشف لكم الغطاء، وبان ما وراءه الضرّاء، {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} , {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ} .ثمّ عطفت على قبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقالت:
لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب ... قد كان بعدك أنباء وهنبثة
واختلّ قومك فاشهدهم وقد نكبوا ... إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها
عند الإله على الأدنين مقترب ... وكلّ أهل له قربى ومنزلة
لمّا مضيت وحالت دونك التُرب ... أبدت رجال لنا نجوى صدورهم
لمّا فقدت وكلّ الأرض مغتصب ... تجهّمتنا رجال واستخفّ بنا
عليك تنزل من ذي العزّة الكتب ... وكنت بدراً ونوراً يستضاء به
فقد فقدت فكلّ الخير محتجب ... وكان جبريل بالآيات يؤنسنا
لمّا مضيت وحالت دونك الكثب ... فليت قبلك كان الموت صادفنا
من البريّة لا عجم ولا عرب ... إنّا رُزينا بما لم يُرزَ ذو شجن
ثمّ انكفأت (عليها السلام) ـ وأمير المؤمنين (عليه السلام) يتوقّع رجوعها إليه، ويتطلّع طلوعها عليه ـ وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الخطبة الغرّاء مرويّة بألفاظ مختلفة وأسانيد عدّة ـ وقد رويت عن سيدنا عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام. في عمدة الطالب وإنما سمي المحض لأن أباه الحسن بن الحسن عليه السلام وأمه فاطمة بنت الحسين (ع) وكان يشبه برسول الله صلى الله عليه وآله.
وكان شيخ بني هاشم في زمانه، وقيل له: بما صرتم أفضل الناس، قال: لأن الناس كلهم يتمنون أن يكونوا منا ولا نتمنى أن نكون من أحد. وقد اقتصر هنا على رواية الطبرسي لشموليّتها وقد ذكر الشيخ الأميني في موسوعة الغدير: 7/192 جملة من مصادر الخطبة، فراجع. ولأهميّة وحيويّة الموضوع ـ ظلامة الزهراء (عليها السلام) في فدك ـ فقد تناوله العلماء الأعلام والفضلاء الكرام ـ قديماً وحديثاً ـ بالدرس والتحليل، وأفردوا له كتباً عديدة ورسائل جمّة، نذكر منهم:
1- كتاب فدك، لأبي إسحاق، إبراهيم الثقفي، المتوفّى 283 هـ.
2 ـ فدك أو رسالة في قصة فدك، لجعفر بن بكير بن جعفر الخياط.
3 ـ كتاب فدك، والكلام فيه للشيخ المتكلّم، طاهر، غلام أبي الجيش، الّذي عدّه ابن النديم من متكلّمي الشيعة ـ كتاب فدك، لعبد الرحمان بن كثير الهاشمي.
5 ـ كتاب فدك، لأبي طالب، عبيد الله بن أبي زيد، أحمد بن يعقوب بن نصر
6- رسالة فدك، للسيّد عليّ بن دلدار، عليّ الرضوي، النصير آبادي، المتوفّى سنة 1259 هـ.
7- كتاب فدك، لأبي الجيش، مظفر بن محمّد بن أحمد، البلخي، الخراساني، المتكلّم المشهور، المتوفّى سنة 367 هـ.
8- كتاب فدك، لأبي الحسين، يحيى بن زكريا النرماشيري.
9- فدك في التاريخ، للسيّد الشهيد، محمّد باقر الصدر.
10- كتاب فدك والخمس، للسيّد الشريف، أبي محمّد الأطروش، الحسن بن عليّ بن الحسن بن عمر بن عليّ السجّاد (عليه السلام).
11 ـ كتاب كلام فاطمة (عليها السلام) في فدك، لأبي الفرج، عليّ بن الحسين الأصفهاني، صاحب كتاب الأغاني.
12 ـ هدي الملّة إلى أنّ فدك من النحلة، للسيّد حسن بن الحاج آقا مير الموسوي الحائري، ألّفه سنة 1352.
وفي ختام بيان هذا الجانب من هذه المظلوميه اتشرف بتقديم الشكر الجزيل واسال الباري ان يجازي كل من سعى في تدوين ونشر واظهار الحقائق والمظالم وادلتها لكي لايفلت الجناة من محكمة العدل والانصاف , وهيهات ان يفلتوا والله هو القاضي العدل , وجزى الله العلماء والمؤرخين المنصفين خير الجزاء على التوثيق والتحقيق , وانشاء الله يُرزقون نظرة الرضا من وريث فدك , وريث الأنبياء والأوصياء سيدنا ومولانا أبو القاسم محمد المهدي المنتظر ابن إمامنا الحسن العسكري (ع) وإنشاء الله قد اقترب الوعد الحق الذي فيه سينتصف المظلوم من الظالم , بل وسوف لن يبقى ركن للفساد ودعامة للظلم إلا ويحطمها ولي الله وحجته لتمتلئ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا , اللهم أحفظ سيدنا ورئيسنا وإمامنا صاحب الزمان وأحفظ سيادتنا , عبيدك جيش الإمام(ع) ومن علينا واجعلنا من جيش الإمام(ع) وارزقنا الشهادة قربة لك تحت راية حجتك صاحب العصر والزمان(ع)انك عل كل شيء قدير ونعم المولى ونعم النصير.
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الابرار.
طلب مني احد زملاء العمل أن أزوده ببعض المعلومات حول قضية فدك لكي يرسلها في الشبكه العنكبوتيه لبعض إخواننا في الدين ممن أراد الاطلاع على هذه القضية وبعد أن مكنني العطوف(جلت قدرته) من تزويده ببعض المعلوات , أتشرف بطرح هذه القضية على هذا الموقع الشريف , ومن الله التوفيق :ـ
" فدك ": قرية في الحجاز، بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة وهي أرض يهودية ، كان يسكنها طائفة من اليهود حتى السنة السابعة حيث قذف الله بالرعب في قلوب أهليها فصالحوا رسول الله صلى الله عليه وآله على النصف من فدك ، وروى أنه صالحهم عليها فصارت ملكا لرسول الله صلى الله عليه وآله خاصة، لأنها لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ثم قدمها لابنته الزهراء (ع) وكانت بيدها في عهد أبيها وبعد وفاته صلى الله عليه وآله وكانت وضعت عليها وكيلا عنها فانتزعها الخليفة الأول وطرد وكيلها ولما تولى عمر الخلافة ردها إلى ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله فلما ولي عثمان بن عفان أقطعها مروان بن الحكم فلما صار الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان أقطع مروان ثلثها، وعمر بن عثمان ثلثا، ويزيد ابنه ثلثها الآخر، فلم يزالوا يتداولونها حتى خلصت لمروان بن الحكم أيام ملكه ثم صفت لعمر بن عبد العزيز بن مروان، فلما ولي الأمر ردها لولد فاطمة (ع)، ثم انتزعها يزيد ابن عبد الملك من أولاد فاطمة وظلت في أيدي بني مروان حتى انقرضت دولتهم.فلما تقلد الخلافة أبو العباس السفاح ردها على عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي (ع) ثم قبضها أبو جعفر المنصور في خلافته من بني الحسن(ع) ، وردها المهدي بن المنصور على الفاطميين، ثم انتزعها موسى بن المهدي من أيديهم، ثم ردها المأمون عليهم سنة مائتين وعشرة ولما بويع المتوكل انتزعها منهم وأقطعها عبد الله بن عمر البازيار من أهل طبرستان. وردها المعتضد، وحازها المكتفي، وقيل إن المقتدر ردها عليهم وكان فيها بضعة عشر نخلة غرسها رسول الله بيده. قال ابن أبي الحديد: - في شرح النهج - وقلت لمتكلم من متكلمي الإمامية يعرف بعلي بن تقي من بلدة النيل.وهل كانت فدك إلا نخلا يسيرا وعقارا ليس بذلك الخطير؟ فقال لي ليس الأمر كذلك بل كانت جليلة جدا وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن من النخل وما قصد أبو بكر وعمر بمنع فاطمة عنها إلا أن لا يتقوى على بحاصلها وغلتها على المنازعة في الخلافة الخ وقال أيضا: وسألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد فقلت له:
أكانت فاطمة صادقة؟ قال نعم قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدكا وهي عنده صادقة فتبسم ثم قال: كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته قال لو أعطاها اليوم فدكا بمجرد دعواها لجاءت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه الاعتذار بشئ لأنه يكون قد سجل على نفسه بأنها صادقة فيما تدعي ](راجع: معجم البلدان لياقوت الحموي، أعيان الشيعة للسيد الأمين، فدك في التاريخ للسيد الصدر، فتوح البلدان للبلاذري، شرح النهج لابن أبي الحديد)].وروي ان مولاتنا الزهراء (ع) قالت لابي بكر:ـ
لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر الله تعالى؟
فقال: هاتي على ذلك بشهود. فجاءت بأم أيمن، فقالت له أم أيمن: لا أشهد يا أبا بكر حتى احتج عليك بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله، أنشدك بالله ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال " أم أيمن امرأة من أهل الجنة (1) " فقال: بلى. قالت " فأشهد: أن الله عز وجل أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله " وآت ذا القربى حقه "
____________
(1) أم أيمن: مولاة النبي صلى الله عليه وآله وحاضنته.. اسمها بركة بنت ثعلبة ابن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان، مهاجرة جليلة هاجرت الهجرتين إلى أرض الحبشة، وإلى المدينة، وشهدت حنينا واحدا وخيبرا وكانت في أحد تسقي الماء وتداوي الجرحى. وكان النبي صلى الله عليه وآله يخاطبها يا أمه ويقول: " هي أمي بعد أمي " وكان إذا نظر إليها يقول " هذه بقية أهل بيتي ".
قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: " روت عن النبي صلى الله عليه وآله وعنها أنس بن مالك وحنش بن عبد الله الصنعاني وأبو يزيد المدني ".
وكنيت بابنها أيمن بن عبيد وهي أم أسامة بن زيد بن حارثة تزوجها زيد بعد عبيد الحبشيقيل كانت لعبد الله بن عبد المطلب (ع) فصارت للنبي صلى الله عليه وآله ميراثا وقيل أنها كانت لأمه صلى الله عليه وآله وروي أنها كانت لأخت خديجة فوهبتها للنبي صلى الله عليه وآله فلما تزوج من خديجة (ع) أعتقها.
وفي الإصابة: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن ".. وتوفيت في أوائل عهد عثمان وروى البخاري أنها توفيت بعد النبي بخمسة أشهر.ومن الجدير بالذكر ان ايمن عاشر عشره كانوا قد احاطوا بالنبي(ص) في معركة حنين بعد ان فر جميع المهاجرين والانصار, وقد استشهد في هذه المعركه (رضوان الله عليه), والتسعة الاخرون كانوا من بني هاشم(بني عبد المطلب)
[(راجع الإصابة، تهذيب التهذيب، أعلام النساء، طبقات ابن سعد، البخاري قاموس الرجال، أعيان الشيعة)].
وفي الاحتجاج للطبرسي(روى عبد الله بن الحسن(1))، بإسناده عن آبائه (عليهم السلام): أنّه لمّا أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة (عليها السلام) فدك، وبلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لُمّة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتّى دخلت على أبي بكر ـ وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ـ فنيطت دونها مُلاءة، فجلست. ثمّ أنَّت أنَّة أجهش القوم لها بالبكاء، فارتجّ المجلس، ثمّ أمهلت هنيئة حتّى إذا سكن نشيج القوم، وهدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فعاد القوم في بكائهم، فلمّا أمسكوا عادت في كلامها، فقالت (عليها السلام):
الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدّم من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام مِنَن والاها، وجمّ عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتّصالها، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها. وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنار في التفكّر معقولها. الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيّته، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها، كوّنها بقدرته، وذرأها بمشيّته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، إلاّ تثبيتاً لحكمته، وتنبيهاً على طاعته، وإظهاراً لقدرته، [و] تعبّداً لبريّته، وإعزازاً لدعوته، ثمّ جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، ذيادة لعباده عن نقمته، وحياشة منه إلى جنّته. وأشهد أنّ أبي، محمّداً (صلّى الله عليه وآله) عبده ورسوله، اختاره قبل أن أرسله، وسمّاه قبل أن اجتبله، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علماً من الله تعالى بمآيل الاُمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور. ابتعثه الله تعالى، إتماماً لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادير حتمه، فرأى الاُمم فرقاً في أديانها، عكّفاً على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله بأبي محمّد (صلّى الله عليه وآله) ظلمها،
وكشف عن القلوب بهمها، وجلى عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، وأنقذهم من الغواية، وبصّرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم. ثمّ التفتت إلى أهل المجلس، وقالت:أنتم عباد الله، نصب أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأُمناء الله على أنفسكم، وبلغاؤه إلى الاُمم، وزعمتم حقّ لكم لله فيكم ، عهد قدّمه إليكم، وبقيّة استخلفها عليكم كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بيّنة بصائره، منكشفة سرائره، متجلّية ظواهره، مغتبطة به أشياعه. قائد إلى الرضوان اتّباعه، مؤدّ إلى النجاة استماعه، به تنال حجج الله المنوّرة، وعزائمة المفسّرة، ومحارمه المحذّرة، وبيّناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة؛ فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاه تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس ونماء في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحجّ تشييداً للدين، والعدل تنسيقاً للقلوب، وطاعتنا نظاماً للملّة، وإمامتنا أماناً من الفرقة، والجهاد
عزّاً للإسلام، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامّة، وبرّ الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد، والقصاص حقناً للدماء، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازيين تغييراً للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة، وترك السرقة إيجاباً بالعفّة. وحرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبيّة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} ، وأطيعوا الله فيكم فيما أمركم به ونهاكم عنه فإنّه {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عبَاده الْعُلَمَاء} . ثمّ قالت: أيّها الناس! اعلموا أنّي فاطمة، وأبي محمّد (صلّى الله عليه وآله) أقول عوداً وبدءاً، ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} . فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمّي دون رجالكم، ولنعم المعزيّ إليه (صلّى الله عليه وآله)، فبلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة، مائلاً عن مدرجة المشركين، ضارباً ثبجهم، آخذاً بأكظامهم، داعياً إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، يكسّر الأصنام، وينكت إلهام، حتّى انهزم الجمع وولّوا الدبر، حتّى تفرّى اللّيل عن صبحه، وأسفر الحقّ عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين، وطاح وشيظ النفاق، وانحلّت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص. وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطىء الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون الورق، إذلّة خاسئين"تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم" فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمّد (صلّى الله عليه وآله) بعد اللتيّا والّتي، وبعد أن مُني ببهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ} أو نجم قرن للشيطان، أو فغرت فاغرة من المشركين، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفىء حتّى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في ذات الله، ومجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيّداً في أولياء الله، مشمّراً ناصحاً، مجدّاً كادحاً، وأنتم في رفاهيّة من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربّصون بنا الدوائر، وتتوكّفون الأخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرّون من القتال. فلمّا اختار الله لنبيّه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلّين، وهدر فَنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرّة فيه ملاحظين. ثمّ استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم، وأوردتم غير شربكم، هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لمّا يندمل، والرسول لمّا يقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ
هيهات منكم! وكيف بكم؟ وأنّى تؤفكون؟ وكتاب الله بين أظهركم، اُموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، قد خلّفتموه وراء ظهوركم، أرغبة عنه تريدون؟! أم بغيره تحكمون؟! {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} . {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} . ثمّ لم تلبثوا إلاّ ريث أن تسكن نفرتها، ويسلس قيادها، ثمّ أخذتم تورون وقدتها، وتهيّجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغويّ، وإطفاء أنوار الدين الجليّ، وإهماد سنن النبيّ الصفيّ، تسرّون حسواً في ارتغاء، وتمشون لأهله وولده في الخمَر والضرّاء، ونصبر منكم على مثل حزّ المدى، ووخز السنان في الحشا، وأنتم تزعمون ألاّ إرث لنا {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أفلا تعلمون؟!
بلى قد تجلّى لكم كالشمس الضاحية أنّي ابنته. أيّها المسلمون! أاُغلب على إرثي؟! يابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟! "لَقَد جِئتَ شَيئاً فَريّاً" أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} ؟! وقال فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريا (عليهما السلام)، إذ قال: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} . وقال: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} وقال: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} . وقال: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِين} . وزعمتم ألاّ حظوة لي، ولا أرث من أبي، ولا رحم بيننا! أفخصّكم الله بآية أخرج منها أبي (صلّى الله عليه وآله)؟! أم هل تقولون: أهل ملّتين لا يتوارثان؟! أولست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟! فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمّد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون، {لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} . ثمّ رمت بطرفها نحوالأنصار، فقالت:
يا معاشر الفتية وأعضاد الملّة وأنصار الإسلام! ما هذه الغَميزة في حقّي، والسّنَةُ عن ظلامتي؟! أما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أبي يقول: "المرء يُحفظ في ولده"؟ سرعان ما أحدثتم، وعَجلان ذا إهالة، ولكم طاقة بما اُحاول، وقوّة على ما أطلب وأُزاول، أتقولون مات محمّد (صلّى الله عليه وآله)؟ فخطب جليل استوسع وهنه، واستنهر فتقه، وانفتق رتقه، وأظلمّت الأرض لغيبته، وكسفت الشمس والقمر، وانتثرت النجوم لمصيبته، وأكدت الآمال، وخشعت الجبال، وأُضيع الحريم، واُزيلت الحرمة عند مماته، فتلك والله، النازلة الكبرى، والمصيبة العظمى، لا مثلها نازلة، ولا بائقة عاجلة، أعلن بها كتاب الله جلّ ثناؤه في أفنيتكم، في ممساكم ومصبحكم، هتافاً وصراخاً، وتلاوة وألحاناً، ولقبله ما حلّ بأنبياء الله ورسله، حكم فصل وقضاء حتم: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} . إيهاً بني قَيلَة(الاوس والخزرج)! أاُهضم تراث أبي وأنتم بمرأى منّي ومسمع، ومنتدىً ومجمع؟! تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وأنتم ذوو العدد والعدّة، والاداة والقوّة، وعندكم السلاح والجنّة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون! وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنجبة الّتي انتجبت، والخيرة الّتي اختيرت، قاتلتم العرب، وتحمّلتم الكدّ والتعب، وناطحتم الاُمم، وكافحتم البهم، فلا نبرح أو تبرحون، نأمركم فتأتمرون، حتّى إذا دارت بنا رحى الإسلام، ودرّ حلب الأيّام، وخضعت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين، فأنّى حرتم بعد البيان، وأسررتم بعد الإعلام، ونكصتم بعد الإقدام، وأشركتم بعد الإيمان {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَأُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وأبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة، ونجوتم من الضيق بالسعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم الّذي تسوّغتم {إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} . ألا وقد قلت ما قلت على معرفة منّي بالخذلة الّتي خامرتكم، والغدرة الّتي استشعرتها قلوبكم، ولكنّها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القنا، وبثّة الصدر، وتقدمة الحجّة. فدونكموها فاحتقبوها، دبرة الظهر، نقبة الخُفّ، باقية العار، موسومة بغضب الله وشنار الأبد، موصولة بـ {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} فبعين الله ما تفعلون {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} . وأنا ابنة نذير لكم بين يديّ عذاب شديد. {اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} .فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمّان، فقال: يا ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً، رؤوفاً رحيماً، وعلى الكافرين عذاباً أليماً، وعقاباً عظيماً، فإن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، وأخاً لبعلك دون الأخلاّء، آثره على كلّ حميم، وساعده في كلّ أمر جسيم. لا يحبّكم إلاّ كلّ سعيد، ولا يبغضكم إلاّ كلّ شقيّ، فأنتم عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الطيّبون، والخيرة المنتجبون، على الخير أدلّتنا، وإلى الجنّة مسالكنا. وأنتِ يا خيرة النساء، وابنة خير الأنبياء صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقّك، ولا مصدودة عن صدقك، ووالله، ما عدوت رأي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولا عملت إلاّ بإذنه، وإنّ الرائد لا يكذّب أهله، وإنّي اُشهد الله وكفى به شهيداً; إنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضة، ولا داراً ولا عقاراً، وإنّما نورث الكتب، والحكمة والعلم والنبوّة، وما كان لنا من طعمة فلوليّ الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه". وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل به المسلمون ويجاهدون الكفار، ويجالدون المردة، ثمّ الفجّار، وذلك بإجماع من المسلمين، لم أتفرّد به وحدي، ولم أستبدّ بما كان الرأي فيه عندي. وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك لا نزوي عنك، ولا ندّخر دونك، وأنتِ سيّدة اُمّة أبيكِ، والشجرة الطيّبة لبنيك، لا يدفع مالكِ من فضلك، ولا يوضع من فرعكِ وأصلكِ، حكمكِ نافذ فيما ملكت يداي، فهل ترين أن أُخالف في ذلك أباكِ (صلّى الله عليه وآله)؟! فقالت (عليها السلام):سبحان الله! ما كان [أبي] رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن كتاب الله صارفاً، ولا لأحكامه مخالفاً، بل كان يتّبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور؟! وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته، هذا كتاب الله حكماً عدلاً، وناطقاً فصلاً، يقول: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} {وَوَرثَ سُلَيمانُ دَاوُدَ} فبيّن عزّ وجلّ فيما وزّع عليه من الأقساط، وشرّع من الفرائض والميراث، وأباح من حظّ الذكران والإناث ما أزاح
به علّة المبطلين، وأزال التظنّي والشبهات في الغابرين، كلاّ! {بَل سَوَّلَت لَكُم أنفُسُكُم أمراً فصبَرٌ جَميلٌ والله المستعانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}.فقال أبو بكر: صدق الله وصدق رسوله وصدقت ابنته، أنتِ معدن الحكمة، وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجّة، لا اُبعد صوابك، ولا اُنكر خطابك، هؤلاء المسلمون بيني وبينك قلّدوني ما تقلّدت، وباتّفاق منهم أخذت ما أخذت، غير مكابر ولا مستبدّ، ولا مستأثر، وهم بذلك شهود. فالتفتت فاطمة (عليها السلام) إلى الناس، وقالت:معاشر الناس، المسرعة إلى قيل الباطل، المغضية على الفعل القبيح الخاسر {أفَلا يَتَدَبّرُون القُرآنَ أم عَلَى قُلُوبِ أقفالُها} ، كلا، بل رانَ عَلَى قُلُوبكم ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأوّلتم، وساء ما به أشرتم، وشرّ ما منه اعتضتم ، لتجدنّ والله محمله ثقيلاً، وغبّه وبيلاً إذا كشف لكم الغطاء، وبان ما وراءه الضرّاء، {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} , {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ} .ثمّ عطفت على قبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقالت:
لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب ... قد كان بعدك أنباء وهنبثة
واختلّ قومك فاشهدهم وقد نكبوا ... إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها
عند الإله على الأدنين مقترب ... وكلّ أهل له قربى ومنزلة
لمّا مضيت وحالت دونك التُرب ... أبدت رجال لنا نجوى صدورهم
لمّا فقدت وكلّ الأرض مغتصب ... تجهّمتنا رجال واستخفّ بنا
عليك تنزل من ذي العزّة الكتب ... وكنت بدراً ونوراً يستضاء به
فقد فقدت فكلّ الخير محتجب ... وكان جبريل بالآيات يؤنسنا
لمّا مضيت وحالت دونك الكثب ... فليت قبلك كان الموت صادفنا
من البريّة لا عجم ولا عرب ... إنّا رُزينا بما لم يُرزَ ذو شجن
ثمّ انكفأت (عليها السلام) ـ وأمير المؤمنين (عليه السلام) يتوقّع رجوعها إليه، ويتطلّع طلوعها عليه ـ وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الخطبة الغرّاء مرويّة بألفاظ مختلفة وأسانيد عدّة ـ وقد رويت عن سيدنا عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام. في عمدة الطالب وإنما سمي المحض لأن أباه الحسن بن الحسن عليه السلام وأمه فاطمة بنت الحسين (ع) وكان يشبه برسول الله صلى الله عليه وآله.
وكان شيخ بني هاشم في زمانه، وقيل له: بما صرتم أفضل الناس، قال: لأن الناس كلهم يتمنون أن يكونوا منا ولا نتمنى أن نكون من أحد. وقد اقتصر هنا على رواية الطبرسي لشموليّتها وقد ذكر الشيخ الأميني في موسوعة الغدير: 7/192 جملة من مصادر الخطبة، فراجع. ولأهميّة وحيويّة الموضوع ـ ظلامة الزهراء (عليها السلام) في فدك ـ فقد تناوله العلماء الأعلام والفضلاء الكرام ـ قديماً وحديثاً ـ بالدرس والتحليل، وأفردوا له كتباً عديدة ورسائل جمّة، نذكر منهم:
1- كتاب فدك، لأبي إسحاق، إبراهيم الثقفي، المتوفّى 283 هـ.
2 ـ فدك أو رسالة في قصة فدك، لجعفر بن بكير بن جعفر الخياط.
3 ـ كتاب فدك، والكلام فيه للشيخ المتكلّم، طاهر، غلام أبي الجيش، الّذي عدّه ابن النديم من متكلّمي الشيعة ـ كتاب فدك، لعبد الرحمان بن كثير الهاشمي.
5 ـ كتاب فدك، لأبي طالب، عبيد الله بن أبي زيد، أحمد بن يعقوب بن نصر
6- رسالة فدك، للسيّد عليّ بن دلدار، عليّ الرضوي، النصير آبادي، المتوفّى سنة 1259 هـ.
7- كتاب فدك، لأبي الجيش، مظفر بن محمّد بن أحمد، البلخي، الخراساني، المتكلّم المشهور، المتوفّى سنة 367 هـ.
8- كتاب فدك، لأبي الحسين، يحيى بن زكريا النرماشيري.
9- فدك في التاريخ، للسيّد الشهيد، محمّد باقر الصدر.
10- كتاب فدك والخمس، للسيّد الشريف، أبي محمّد الأطروش، الحسن بن عليّ بن الحسن بن عمر بن عليّ السجّاد (عليه السلام).
11 ـ كتاب كلام فاطمة (عليها السلام) في فدك، لأبي الفرج، عليّ بن الحسين الأصفهاني، صاحب كتاب الأغاني.
12 ـ هدي الملّة إلى أنّ فدك من النحلة، للسيّد حسن بن الحاج آقا مير الموسوي الحائري، ألّفه سنة 1352.
وفي ختام بيان هذا الجانب من هذه المظلوميه اتشرف بتقديم الشكر الجزيل واسال الباري ان يجازي كل من سعى في تدوين ونشر واظهار الحقائق والمظالم وادلتها لكي لايفلت الجناة من محكمة العدل والانصاف , وهيهات ان يفلتوا والله هو القاضي العدل , وجزى الله العلماء والمؤرخين المنصفين خير الجزاء على التوثيق والتحقيق , وانشاء الله يُرزقون نظرة الرضا من وريث فدك , وريث الأنبياء والأوصياء سيدنا ومولانا أبو القاسم محمد المهدي المنتظر ابن إمامنا الحسن العسكري (ع) وإنشاء الله قد اقترب الوعد الحق الذي فيه سينتصف المظلوم من الظالم , بل وسوف لن يبقى ركن للفساد ودعامة للظلم إلا ويحطمها ولي الله وحجته لتمتلئ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا , اللهم أحفظ سيدنا ورئيسنا وإمامنا صاحب الزمان وأحفظ سيادتنا , عبيدك جيش الإمام(ع) ومن علينا واجعلنا من جيش الإمام(ع) وارزقنا الشهادة قربة لك تحت راية حجتك صاحب العصر والزمان(ع)انك عل كل شيء قدير ونعم المولى ونعم النصير.