m-mahdi.com
01-10-2007, 12:40 PM
المنتظَر و المنتظر و الانتظار
• مقدمة
• المنتظَر
• المنتظِر
• كيف تكون منتظراً حقيقياً؟
• فضل المنتظرين
• الانتظار
• فوائد الانتظار
• شبهات وردود
• الشبهة الاولى: ـ (( الانتظار اختراع العقل الانهزامي ))
• الشبهة الثانية: الانتظار عقيدة تزرع روح الاشكال
• ختامه مسك
مقدمة:
بسمه تعالى
اللهم صل على محمد وآل محمد
المنتظَر والمنتظر والانتظار: ـ
ثلاث مفردات ذات علاقة وطيدة بعضها مع البعض الآخر متلازمة فيما بينها، فما دام يوجد منتظِر فلابدَّ أن يكون هنالك منتظَر، وإذا وجد هذان المعنيان فلابدّ أن ينبعث منهما مفهوم آخر ومعنى ثالث وهو الانتظار.
فما هي دلالات هذه المفردات الثلاث؟ وما هي معطياتها؟ وما هي تلك الأبعاد التي صاغت من هذه المفردات عقيدة متجذرة بقدم الانسانية، ذات بعد تاريخي يمتدّ عبر الأديان لتشكّل حلقة الوصل فيما صدعت به الرسل ونادت به الشرائع السماوية بأجمعها؟ ـ كما سوف يتضح ـ فكان الانتظار، وكانت الفكرة، وكانت الأطروحة تشكل بأبعادها الثلاثة محوراً وحدوياً آخر ارتسم جلياً وواضحاً في جبين الرسالات وتطلعاتها.
بل من حقنا أن نعجب حينما نتأمل في العامل المشترك لهذه الكلمات كيف كوّنت بأجمعها هدف الانسانية في الوجود؟
إذن نجد لزاماً علينا أن نتحرك مع هذه الدلالات، ونتوقف لنتأمل في حركيتها من خلال ما تختزنه من أبعاد ومفاهيم فكرية على الصعيد النظري وشمولية في وجدان الأمة وحياتها على الصعيد العملي.
المنتظَر:
لست أجد نفسي بحاجة الى أن أعرِّف هذه اللفظة من ناحية لغوية .... بيد أنّي سوف أشير إليه ليكون دالاً على ما يراد منه في المفهوم العقيدي أو ما يعبر عنه بالمعنى المصطلح.
فالمنتظَر هو ذلك الشيء الذي يُتَرقب حُدوثه ووقوعه، وله ترابط وثيق كما قلنا مع المنتظِر والانتظار سواء على صعيد المعنى اللغوي أو الوجود الذهني، بل حتى على مستوى الواقع العملي إذ بتحقق واحدٍ منها لابدّ أن يتحقق الباقي بالضرورة.
الى هنا صار واضحاً عمومية المعنى اللغوي وسعة دلالته إذ يُركِّز على عنوان الشيئية وهي من أوسع المفاهيم على الاطلاق. ولكن المفهوم العقائدي يحصر هذه الشيئية في مصداق واحدٍ فقط ينصرف اليه الذهن العقيدي بمجرد التلفظ به إذ نرى اللفظ في الذهنية (المنتظِرة) الشيعية لا يحمل هذا العموم، بل ولا يتحمل هذه السعة في الدلالة، وإنما بعيداً عن الاطلاق وسعته وفراراً من الشيئيّة وشموليّتها نراه يرفض كل هذا ليدخل في حلقة التشخص، فلا يتبادر من المعاني لهذا النوع من الذهنية إلاّ معنى واحد ومفهوم فارد وهو (الحجّة ابن الحسن) عليه وعلى آبائه آلاف التحية والسلام. وكأنّ اللفظ خُلق له واختصّ به، فأصبح عَلماً لا يتحمل أكثر من معنى خاص وليس له أكثر من مصداق واحد.
نعم ... المنتظَر هو الثاني عشر من تلك الأنوار القدسية خلفاء النبي صلى الله عليه وآله.
هو ... التاسع من ولد الحسين بن علي عليهم السلام.
هو ... ولد الحادي عشر من أئمة الهدى الحسن بن علي العسكري سلام الله عليه.
الى هنا كان تعريفاً بالمصداق الأوحد لهذه المفردة، وبقي في البين عدّة تساؤلات تراود ذهن المثقّف المسلم:
ما هي العلاقة بين المفردة وبين هذه الشخصية حتى لا تنصرف إلاّ اليها ولا يعرف لها معنى آخر دونها؟
ثم ماذا يراد وينتظَر منه؟
ثم بعد كل هذا وذاك ما هو الدليل على كل هذه الادعاءات؟
ولنا أن نجيب عن التساؤل الثاني بأنّ المراد والمأمول منه والمنتظَر من هذا المصداق هو تحقيق وعد الله جلّ وعلا للمؤمنين بوراثة الارض.
وتحقيق الحكمة الالهية من الخلق.
وتحقيق الكمال العلمي لأقصى ما تستطيعه البشرية ومنتهى قدرة عالم الامكان.
ننتظر منه ... بسط العدل والقسط في أرجاء المعمورة بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.
ننتظر منه ... أن يُصلح ذواتنا ويأخذ بأيدينا إلى ما فيه صلاح دنيانا وأخرانا.
ننتظر منه ... أن ينظر إلينا بنظرة رحيمة نستكمل بها الكرامة عنده ثمَّ لا يصرفها عنّا.
ننتظر منه ... أن يأخذ بثأر جدّه الحسين وأمّه فاطمة وجميع المستضعفين في العالم.
ننتظر منه ... أن يقبلنا في ساحة كرمه وجوده.
ننتظر منه أن يرينا طلعته الرشيدة وغرّته الحميدة وتكتحل نواظرنا بنظرة مِنّا إليه.
ننتظر منه ... أن يجدد ما عُطّل من أحكام كتاب الله ويشيّد ما ورد من أعلام دين الله وسنن نبيه صلّى الله عليه وآله.
ننتظر منه ... إعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين والمنافقين وإحياء سننِ المرسلين ودارسِ حكم النبيين.
ويمكننا أن نجيب بإجابة واحدة على هذه التساؤلات لما بينها من ربط وثيق باعتبار تداخلها وتشابكها فيما بينها فنقول:
هذه العلاقة بين المفردة والمصداق واللفظة ومعناها الاصطلاحي أوجدها وغرسها صاحب الشرع وخاتم الرسل محمّد المصطفى صلّى الله عليه وآله ومن بعده أئمة الهدى ومصابيح الدجى أهل بيته وَعَيبة علمه ابتداءاً بأمير المؤمنين وختاماً بمهديها سلام الله عليهم أجمعين.
فاذا صحّ أن تكون هنالك حقائق شرعية كما عبّر عنه في الأصول فمن حقنا بل بوسعنا جداً إطلاق الحقيقة العقائدية على مثل هذا النقل والتخصيص والحصر لدورانه في فلك الفكر العقيدي بعيداً عن عالم الشرعيات والتعبديات بالمعنى المصطلح، وإن دخل في معنى الشرع والتعبد من أوسع أبوابه وأفضل طرقه باعتبار من الاعتبارات.
وأهديك أخي المنتظِر ـ جعلنا الله وإيّاك من المنتظرين حقاً ـ باقة من أزهار أحاديثهم وإضاءات من أنوار كلماتهم تحوي في طيّاتها هذه المفردة مع تعيين مصداقها وتشخيص صاحبها.
1 ـ الصراط المستقيم: وأسند ـ يعني الحاجب برجاله ـ الى ابن عباس أنه قال يوم الشورى : كم تمنعون حقّنا، وربّ البيت إنّ عليّاً هو الامام والخليفة، وليملكنّ من ولده أئمة أحد عشر يقضون بالحق أوّلهم الحسن بوصيّة أبيه إليه، ثم الحسين بوصيّة أخيه إليه، ثم ابنه علي بوصيّة أبيه إليه، ثم ابنه محمد بوصيّة أبيه اليه، ثم ابنه جعفر بوصيّة أبيه إليه، ثم ابنه موسى بوصيّة أبيه إليه، ثم ابنه علي بوصيّة أبيه إليه، ثم ابنه محمد بوصيّة أبيه إليه، ثم ابنه علي بوصيّة أبيه إليه، ثم ابنه الحسن بوصيّة أبيه إليه، فإذا مضى فالمنتظَر صاحب الغيبة.
قال عليم لابن عباس: من أين لك هذا؟ قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علّم علياً ألف باب فتح له من كل باب ألف باب، وإنّ هذا من ثَمَّ.
2 ـ كمال الدين: عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: أنشدت مولاي الرضا علي بن موسى عليهما السلام قصيدتي التي أوّلها:
مدارسُ آياتٍ خَلَت من تِلاوَةٍ *** وَمَنِزلُ وحَيٍ مُقفرُ العرصاتِ
فلما انتهيت الى قولي:
خُروجُ إمامٍ لا محالة خارج *** يقومُ على اسمِ الله والبَركَاتِ
يميّز فينا كلّ حقٍّ وباطلٍ *** ويجزي على النعماء والنَقماتِ
بكى الرضا عليه السلام بكاءً شديداً، ثمّ رفع رأسه إليَّ فقال لي: يا خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الامام؟ ومتى يقوم؟ فقلت: لا يا مولاي، إلاّ أنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد ويملأها عدلاً [كما ملئت جوراً]، فقال: يا دعبل، الامام بعدي محمّد ابني، وبعد محمّد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم، المنتظََر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله عزّ وجلّ ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وأما (متى) فإخبارٌ عن الوقت، فقد حدّثني، أبي عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قيل له: يا رسول الله، متى يخرج القائم من ذرّيتك؟ فقال صلّى الله عليه وآله وسلم: مَثَله مثل الساعة التي (لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ) لا يأتيكم إلاّ بغتةً.
3 ـ كمال الدين: الصدوق بسنده عن الصقر بن أبي دلف، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام يقول: إنّ الامام بعدي ابني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والامام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثم سكت، فقلت له: يا ابن رسول الله، فمن الامام بعد الحسن؟ فبكى عليه السلام بكاءً شديداً، ثم قال: إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظَر، فقلت له: يا ابن رسول الله، لِمَ سُمّي القائم؟ قال: لأنه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته، فقلت له: ولِمَ سُمّي المنتظَر؟ قال: لأنَّ له غيبة يكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزأ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون.
4 ـ دلائل الامامة: عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال: إذا توالت أربعة أسماء من الأئمة من ولدي محمّد وعلي والحسن فرابعها هو القائم المأمول المنتظَر.
5 ـ المحكم والمتشابه: في قوله تعالى: (الله نُور السَماوَاتِ وَالأرْض ...) الاية، عن تفسير النعماني، بسنده عن الصادق عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام: فالمشكاة رسول الله صلّى الله عليه وآله، والمصباح الوصي والأوصياء عليهم السلام، والزجاجة فاطمة عليها السلام، والشجرة المباركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والكوكب الدريّ القائم المنتظَر الذي يملأ الأرض عدلاً.
6 ـ الكافي: عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنَّ للغلام غيبة قبل أن يقوم، قال: قلت: وَلِمَ؟ قال: يخاف، وأومأ بيده إلى بطنه، ثمَّ قال: يا زرارة! وهو المنتظََََََر، وهو الذي يُشكّ في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظَر، غير أنّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون.
7 ـ مصباح المتهجّد: أخبرنا جماعة من أصحابنا، عن أبي المفضّل الشيباني، قال: حدّثنا أبو محمّد عبد الله بن محمّد العابد بالدالية لفظاً، قال: سألت مولاي أبا محمد الحسن بن علي عليهما السلام في منزله بسرَّ من رأى سنة خمس وخمسين ومائتين أن يملي عليَّ [من] الصلاة على النبيّ وأوصيائه عليه وعليهم السلام، وأحضرت معي قرطاساً كبيراً، فأملى عليّ لفظاً من غير كتاب [وقال: اكتب] الصلاة على النبي صلّى الله عليه وآله ... ثم ذكر الصلاة عليه وعلى الائمة عليهم السلام واحداً بعد واحد إلى مولانا صاحب الزمان عليه السلام، وقال ما هذا لفظه: الصلاة على وليّ الأمر المنتظَر صاحب الزمان محمّد بن الحسن بن علي عليهم السلام، اللهم صلّ على وليّك وابن أوليائك الذين فرضت طاعتهم، وأوجبت حقَّهم، وأذهبت عنهم الرجس وطهَّرتهم تطهيراً ... إلخ
المنتظِر
في رحاب المفردة الثانية لنا وقفة تأملية مع المعنى السليم للمنتظِر، وطبيعة الحال فالمنظور هنا هو المعنى المصطلح أي انتظار مهديّ هذه الأمّة الثاني عشر من عترة النبيّ صلّى الله عليه وآله، ولكن ما نحتاجه هنا والذي ينبغي أن نضع النقاط عليه، وما يفيدنا في هذا المضمار هو الاجابة على عدة أسئلة تتمحور في النظرة المتطلّعة الى هذا المفهوم العقيدي:
ماذا ينتظر الانسان؟
وما هي المقدمات التي ينبغي الالتفات اليها حتى يكون الانسان منتظِراً؟
وإذا كان المنتظِر هو ذلك الانسان المترقب والمتوقع لحدوث شيءٍ، فما هو الحدث الذي يترقبه المرء؟
هل هو وجود مهديِّ هذه الأمّة؟ وهل يُدخله هذا النوع من الترقّب في عداد المنتظرين؟
أو أنه يترقب تحقق أمنياته الذاتية وتوفر مطالبه الشخصيّة يصاحب ذلك انغلاق خاص على الذات واحتياجاتها والنفس وأحلامها؟
وبعبارة ثانية: ما هي معالم المنتظِر؟
فهل كلّ من يؤمن بعقيدة المصلح العالمي يعدّ من المنتظرين؟
بل لنحدّد المصطلح بشكل أدقّ ونقول: هل كلّ من يؤمن بالعقيدة الاثني عشرية وبولادة الامام الحجّة ابن الحسن عليه السلام يعدّ من المنتظرين؟
وبمقولة ثالثة: هل العقيدة المهدوية من الأمور العبادية القلبية؟ أو هي من الأمور العبادية الجوارحيّة ؟ ولنا أن نتسائل باصطلاح المناطقة والحكماء ـ إن صحّ الاطلاق ـ فنقول: هل هي من مقولة العقل النظري فقط أو أنها تابعة للعقل العملي، أو على أقل لها بعد عملي؟
وفي هذا الصدد يمكننا القول وبصراحة انّه ليس كلّ من اعتقد بالمصلح العالمي يعدّ منتظراً، وكذلك ليس كلّ من كان معتقداً بالعقيدة الاثني عشرية يعدّ منتظراً. وهكذا يعمّم هذا النفي ليشمل من اعتنق المهدوية قلباً وآمن بها جناناً ووجداناً ولكن لم يجسّدها حركةً على صعيد الواقع، ولم يتعاط معها كقضية واقعية محسوسة لها بعدها وأثرها على مستوى الفرد والمجتمع.
ويبقى هذا الوصف ـ على حقيقته وصدقه على بعض الأفراد ـ قضية مشكّكة تتأرجح بين القوة والمتانة والضعف والاضطراب بحسب اختلاف انطباقها بين الأفراد المنتظرين كسائر القضايا الايمانية والعقائدية الأخرى.
معالم المنتظِر:
صحيح أنّ هذا الوصف ـ كما سبق ـ من الأمور والقضايا المشككة والتي تختلف من شخص لآخر في جوانب قوتها وضعفها وضيقها وسعتها، ولكن هذا لا يمنع من رؤية بعض المواصفات وتسجيلها في ضمن قائمة معالم المنتظِر والتي تمثّل المقوّمات الأساسية له سواء على صعيد الجانب العقيدي والايماني أو يتخطى الى جوانب تفعيل العقيدة فيحصّلها واقعاً حركياً ملموساً، وهكذا فقد تُمثّل بعض المقوّمات في الحقيقة مقدمات كبرويّة لا يمكن أن يتحقق عنوان المنتظِر من دون تمركزها مسبقاً في الذهنية الايمانية وفي إطار وحيّز الانسان الذي يراد منه أن يكون منتظِراً حقيقياً.
وهكذا قد تشترك بعض المقدمات هنا مع مقدمات الانتظار لما قلنا سابقاً من وجود العنصر المشترك الذي تتحرك حوله هذه المفاهيم الثلاثة.
والمواصفات المقوّمة لعنوان المنتظِر هي:
1 ـ الاعتقاد بوجود الاله العالم الحكيم الرؤوف بعباده والذي لا يفعل أمراً إلاّ وفيه مصلحة وحكمة.
2 ـ الاعتقاد بوجود الرسل والمبعوثين من قبل الله سبحانه وتعالى لهداية العباد وإخراجهم من الظلمات الى النور.
3 ـ الاعتقاد بخاتم الرسل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم وأنّ شريعته خاتمة الشرائع لا دين بعده ( إن الدين عند الله الاسلام) ، (ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه) وعلى هذا الاساس فلابدّ أن يكون أكمل الأديان كافة، ومنسجماً تمام الانسجام مع متطلبات كلّ عصر وملبياً لحاجات كلّ زمن. وله القدرة على التعاطي والتجاذب مع الاحداث المختلفة سعة وضيقاً، وبكلمةٍ موجزة وعبارةٍ واضحة يجب الاعتقاد بأن الاسلام هو ذلك الدين الالهي الذي باستطاعته إعطاء الحلول والاجابات بشكلٍ متين وإسلوب واضح لكلّ مشاكل الحياة من جهة وما يعتلج في الصدور ويستراب في القلوب عند البشرية منذ عصر الرسالة والى أن تقوم الساعة من جهة أخرى.
4 ـ الاعتقاد بوجود أوصياء وخلفاء من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله منتخبين ومعينين من قبل الله تعالى لا دخل للعنصر البشري في اختيارهم وتعيينهم حتى الى نفس النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم، وهم أئمة إثنا عشر أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم تسعة من ذرية الحسين آخرهم (م ح م د) بن الحسن العسكري، يتصفون بمواصفات وهبها الله اليهم خاصة من أبرزها العصمة ليس فقط عن الذنب وليس فقط في مجال التبليغ، بل تتسع لتشمل السهو والنسيان بل كل نقيصة أو ما يخالف المروءة. إذ (العصمة هي التنزُّه عن الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها، وعن الخطأ والنسيان ... بل يجب أن يكون منزّها حتّى عمّا ينافي المروّة، كالتبذل بين الناس من أكلٍ في الطريق أوضحكٍ عال، وكلّ عملٍ يستهجن فعله عند العرف العام).
5 ـ الاعتقاد بأنّ الامام المهدي مولود من سنة 255 هـ وتقلّد الامامة الالهيّة عام 260 هـ في يوم شهادة والده وهو حجّة الله في الأرض، وهو حيّ موجود بيننا يرانا ونراه ولكن لا نعرفه ولا نشخّصه بمصداقه وإن كنّا نعرفه بمشخصاته وهويته وأوصافه.
6 ـ الاعتقاد بأنّ الامام الثاني عشر الحجّة ابن الحسن غيّبه الله عن العباد لمصلحة وحكمة خفيت علينا وإن كنّا نعلم بعض أطرافها وأسبابها، وسوف يظهره الله تعالى فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.
7 ـ الاعتقاد بأنّ المنتظَر هو ذلك الامام المطّلع على حقائق أمورنا وخفايا أعمالنا.
ذلك الامام الذي يسمع كلامنا ويردّ سلامنا.
ذلك الامام الذي يجيبنا إذا دعوناه ويشفع لنا إذا رجوناه.
ذلك الامام الذي يحسّ آلامنا ويفرح لفرحنا ويحزن لحزننا ويتألم لما يجري علينا.
هذا كلّه بلحاظ عالم الاعتقادات وفي مجال الفكر والنظر، أما مقومات الجانب العملي في الانتظار ومعرفة المواصفات الخاصة العملية التي ينبغي توفرها عند المنتظرين حتى يتصف الانسان بهذه الصفة على نحو الحقيقة بحيث ينطبق عنوان (المنتظِر) عليه انطباقاً واقعياً حقيقياً لا مجاز فيه فسوف تطالعك تحت عنوان: (كيف تكون منتظِراً حقيقياً).
وهنالك مقوّمات ونقاط أخرى أعرضنا عنها روماً للاختصار وحذراً من التطويل.
وقد يقول البعض إنّ انتظار المصلح العالمي لا يتوقف على كثير من هذه المقومات المدعاة، بل أكثر من هذا لا يتوقف على الاعتقاد بوجود الله تعالى لأننا نجد أنّ الانسان الديالكتيكي المادي يعتقد بضرورة صلاح العالم في يوم ما على يد رجال أكفاء يعمّ في عصرهم الرخاء والمساواة والحرية!!!. يقول الشهيد الصدر في بيان عالمية الانتظار وعدم اختصاصه بفئة دون أخرى (لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي والمستقبل المنتظر على المؤمنين دينياً بالغيب، بل امتدّ الى غيرهم أيضاً وانعكس حتّى على أشدّ الإيديولوجيات والاتجاهات العقائدية رفضاً للغيب والغيبيات، كالمادية الجدلية التي فسّرت التاريخ على أساس التناقضات، وآمنت بيوم موعود تصفّى فيه كلّ تلك التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام).
وهكذا فالاعتقاد بمجيء المصلح العالمي قضية فطرية غرسها الله في فطرة كلّ إنسان ولا يمكن أن تتفق البشرية على خطأ (وذلك لأنّ أي مطلب يريده الناس كافّة دليل على فطريته، ... [إذ] كل حبّ أصيل وفطري يحكي عن وجود محبوب خارجي وجذاب، كيف يمكن أن يخلق الله التعطش في داخل الانسان دون أن يخلق في خارجه الينبوع الذي يصبو نحوه ليرتوي منه؟ لهذا نقول إنّ فطرة الانسان وطبيعته التي تبحث عن العدالة تصرخ بأعلى صوتها أنّ الاسلام والعدالة سوف يسودان العالم كلّه في نهاية المطاف، وأنّ مظاهر الظلم والجور والأنانية سوف تزول، وأنّ البشرية ستتوحد في دولة واحدة وتعيش تحت راية واحدة في جوٍّ من التفاهم والطهارة) إذن فليست قضية الانتظار (تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها وصياغة لالهام فطري أدرك الناس من خلاله أن للانسانية يوماً موعوداً على الارض) .
وهذا كلام صحيح ومنطقي في حدّ ذاته وأمر مقبول جداً، ولكن الذي نقصده من المنتظِر والانتظار شيء وراء المصلح العالمي، وهذا سبق وأن أوضحناه حينما قلنا أنه ليس كل من يعتقد بضرورة المصلح العالمي يعدّ من المنتظرين، بل أكثر من هذا فنحن قد نفينا أن يكون المؤمن المعتقد بالامام المهدي عليه السلام من مصاديق المنتظرين إذا كان خالياً عن تجسيد هذا المفهوم في الواقع المعاش. على نطاق ذاته وخصوصياته ومن ثمَّ انطلاقاً وامتداداً إلى مجتمعه وأطرافه.
فالاعتقاد بأمثال هذه المفاهيم وإن كان حقاً وصدقاً ومطابقاً للواقع المستقبلي، ولكن هذا شيء وكونه من المنتظرين لمثل هذه الشخصية العالمية التي تطبّق عدالة السماء في الأرض شيء آخر، فبينهما بون شاسع كما هو الحال بين العلم بالشيء والاعتقاد والايمان به فابليس على سبيل المثال كان يعلم بوجود الله وقدرته ويعلم بوجود الجنة والنار علم اليقين، ربّما كان يفوق علم الكثير منّا لأنه رأى هذه الأمور رؤية عين ونحن سمعناها ولم نر شيئاً.
ولكن مع ذلك يعدّ الله الذين اعتقدوا بما قاله النبي الكريم صلى الله عليه وآله مؤمنين ويعدّ إبليس من الكافرين. إذن فالقضية لا تعتمد ولا تصدق على مجرد الاعتقاد والعلم بالشيء بقدر ما هي متوقفة في انطباقها على آثارها وتداعياتها خارج حدود الذات كما جاء في الحديث (الايمان قول باللسان ومعرفة بالقلب وعمل بالاركان)
• مقدمة
• المنتظَر
• المنتظِر
• كيف تكون منتظراً حقيقياً؟
• فضل المنتظرين
• الانتظار
• فوائد الانتظار
• شبهات وردود
• الشبهة الاولى: ـ (( الانتظار اختراع العقل الانهزامي ))
• الشبهة الثانية: الانتظار عقيدة تزرع روح الاشكال
• ختامه مسك
مقدمة:
بسمه تعالى
اللهم صل على محمد وآل محمد
المنتظَر والمنتظر والانتظار: ـ
ثلاث مفردات ذات علاقة وطيدة بعضها مع البعض الآخر متلازمة فيما بينها، فما دام يوجد منتظِر فلابدَّ أن يكون هنالك منتظَر، وإذا وجد هذان المعنيان فلابدّ أن ينبعث منهما مفهوم آخر ومعنى ثالث وهو الانتظار.
فما هي دلالات هذه المفردات الثلاث؟ وما هي معطياتها؟ وما هي تلك الأبعاد التي صاغت من هذه المفردات عقيدة متجذرة بقدم الانسانية، ذات بعد تاريخي يمتدّ عبر الأديان لتشكّل حلقة الوصل فيما صدعت به الرسل ونادت به الشرائع السماوية بأجمعها؟ ـ كما سوف يتضح ـ فكان الانتظار، وكانت الفكرة، وكانت الأطروحة تشكل بأبعادها الثلاثة محوراً وحدوياً آخر ارتسم جلياً وواضحاً في جبين الرسالات وتطلعاتها.
بل من حقنا أن نعجب حينما نتأمل في العامل المشترك لهذه الكلمات كيف كوّنت بأجمعها هدف الانسانية في الوجود؟
إذن نجد لزاماً علينا أن نتحرك مع هذه الدلالات، ونتوقف لنتأمل في حركيتها من خلال ما تختزنه من أبعاد ومفاهيم فكرية على الصعيد النظري وشمولية في وجدان الأمة وحياتها على الصعيد العملي.
المنتظَر:
لست أجد نفسي بحاجة الى أن أعرِّف هذه اللفظة من ناحية لغوية .... بيد أنّي سوف أشير إليه ليكون دالاً على ما يراد منه في المفهوم العقيدي أو ما يعبر عنه بالمعنى المصطلح.
فالمنتظَر هو ذلك الشيء الذي يُتَرقب حُدوثه ووقوعه، وله ترابط وثيق كما قلنا مع المنتظِر والانتظار سواء على صعيد المعنى اللغوي أو الوجود الذهني، بل حتى على مستوى الواقع العملي إذ بتحقق واحدٍ منها لابدّ أن يتحقق الباقي بالضرورة.
الى هنا صار واضحاً عمومية المعنى اللغوي وسعة دلالته إذ يُركِّز على عنوان الشيئية وهي من أوسع المفاهيم على الاطلاق. ولكن المفهوم العقائدي يحصر هذه الشيئية في مصداق واحدٍ فقط ينصرف اليه الذهن العقيدي بمجرد التلفظ به إذ نرى اللفظ في الذهنية (المنتظِرة) الشيعية لا يحمل هذا العموم، بل ولا يتحمل هذه السعة في الدلالة، وإنما بعيداً عن الاطلاق وسعته وفراراً من الشيئيّة وشموليّتها نراه يرفض كل هذا ليدخل في حلقة التشخص، فلا يتبادر من المعاني لهذا النوع من الذهنية إلاّ معنى واحد ومفهوم فارد وهو (الحجّة ابن الحسن) عليه وعلى آبائه آلاف التحية والسلام. وكأنّ اللفظ خُلق له واختصّ به، فأصبح عَلماً لا يتحمل أكثر من معنى خاص وليس له أكثر من مصداق واحد.
نعم ... المنتظَر هو الثاني عشر من تلك الأنوار القدسية خلفاء النبي صلى الله عليه وآله.
هو ... التاسع من ولد الحسين بن علي عليهم السلام.
هو ... ولد الحادي عشر من أئمة الهدى الحسن بن علي العسكري سلام الله عليه.
الى هنا كان تعريفاً بالمصداق الأوحد لهذه المفردة، وبقي في البين عدّة تساؤلات تراود ذهن المثقّف المسلم:
ما هي العلاقة بين المفردة وبين هذه الشخصية حتى لا تنصرف إلاّ اليها ولا يعرف لها معنى آخر دونها؟
ثم ماذا يراد وينتظَر منه؟
ثم بعد كل هذا وذاك ما هو الدليل على كل هذه الادعاءات؟
ولنا أن نجيب عن التساؤل الثاني بأنّ المراد والمأمول منه والمنتظَر من هذا المصداق هو تحقيق وعد الله جلّ وعلا للمؤمنين بوراثة الارض.
وتحقيق الحكمة الالهية من الخلق.
وتحقيق الكمال العلمي لأقصى ما تستطيعه البشرية ومنتهى قدرة عالم الامكان.
ننتظر منه ... بسط العدل والقسط في أرجاء المعمورة بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.
ننتظر منه ... أن يُصلح ذواتنا ويأخذ بأيدينا إلى ما فيه صلاح دنيانا وأخرانا.
ننتظر منه ... أن ينظر إلينا بنظرة رحيمة نستكمل بها الكرامة عنده ثمَّ لا يصرفها عنّا.
ننتظر منه ... أن يأخذ بثأر جدّه الحسين وأمّه فاطمة وجميع المستضعفين في العالم.
ننتظر منه ... أن يقبلنا في ساحة كرمه وجوده.
ننتظر منه أن يرينا طلعته الرشيدة وغرّته الحميدة وتكتحل نواظرنا بنظرة مِنّا إليه.
ننتظر منه ... أن يجدد ما عُطّل من أحكام كتاب الله ويشيّد ما ورد من أعلام دين الله وسنن نبيه صلّى الله عليه وآله.
ننتظر منه ... إعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين والمنافقين وإحياء سننِ المرسلين ودارسِ حكم النبيين.
ويمكننا أن نجيب بإجابة واحدة على هذه التساؤلات لما بينها من ربط وثيق باعتبار تداخلها وتشابكها فيما بينها فنقول:
هذه العلاقة بين المفردة والمصداق واللفظة ومعناها الاصطلاحي أوجدها وغرسها صاحب الشرع وخاتم الرسل محمّد المصطفى صلّى الله عليه وآله ومن بعده أئمة الهدى ومصابيح الدجى أهل بيته وَعَيبة علمه ابتداءاً بأمير المؤمنين وختاماً بمهديها سلام الله عليهم أجمعين.
فاذا صحّ أن تكون هنالك حقائق شرعية كما عبّر عنه في الأصول فمن حقنا بل بوسعنا جداً إطلاق الحقيقة العقائدية على مثل هذا النقل والتخصيص والحصر لدورانه في فلك الفكر العقيدي بعيداً عن عالم الشرعيات والتعبديات بالمعنى المصطلح، وإن دخل في معنى الشرع والتعبد من أوسع أبوابه وأفضل طرقه باعتبار من الاعتبارات.
وأهديك أخي المنتظِر ـ جعلنا الله وإيّاك من المنتظرين حقاً ـ باقة من أزهار أحاديثهم وإضاءات من أنوار كلماتهم تحوي في طيّاتها هذه المفردة مع تعيين مصداقها وتشخيص صاحبها.
1 ـ الصراط المستقيم: وأسند ـ يعني الحاجب برجاله ـ الى ابن عباس أنه قال يوم الشورى : كم تمنعون حقّنا، وربّ البيت إنّ عليّاً هو الامام والخليفة، وليملكنّ من ولده أئمة أحد عشر يقضون بالحق أوّلهم الحسن بوصيّة أبيه إليه، ثم الحسين بوصيّة أخيه إليه، ثم ابنه علي بوصيّة أبيه إليه، ثم ابنه محمد بوصيّة أبيه اليه، ثم ابنه جعفر بوصيّة أبيه إليه، ثم ابنه موسى بوصيّة أبيه إليه، ثم ابنه علي بوصيّة أبيه إليه، ثم ابنه محمد بوصيّة أبيه إليه، ثم ابنه علي بوصيّة أبيه إليه، ثم ابنه الحسن بوصيّة أبيه إليه، فإذا مضى فالمنتظَر صاحب الغيبة.
قال عليم لابن عباس: من أين لك هذا؟ قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علّم علياً ألف باب فتح له من كل باب ألف باب، وإنّ هذا من ثَمَّ.
2 ـ كمال الدين: عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: أنشدت مولاي الرضا علي بن موسى عليهما السلام قصيدتي التي أوّلها:
مدارسُ آياتٍ خَلَت من تِلاوَةٍ *** وَمَنِزلُ وحَيٍ مُقفرُ العرصاتِ
فلما انتهيت الى قولي:
خُروجُ إمامٍ لا محالة خارج *** يقومُ على اسمِ الله والبَركَاتِ
يميّز فينا كلّ حقٍّ وباطلٍ *** ويجزي على النعماء والنَقماتِ
بكى الرضا عليه السلام بكاءً شديداً، ثمّ رفع رأسه إليَّ فقال لي: يا خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الامام؟ ومتى يقوم؟ فقلت: لا يا مولاي، إلاّ أنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد ويملأها عدلاً [كما ملئت جوراً]، فقال: يا دعبل، الامام بعدي محمّد ابني، وبعد محمّد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم، المنتظََر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله عزّ وجلّ ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وأما (متى) فإخبارٌ عن الوقت، فقد حدّثني، أبي عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قيل له: يا رسول الله، متى يخرج القائم من ذرّيتك؟ فقال صلّى الله عليه وآله وسلم: مَثَله مثل الساعة التي (لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ) لا يأتيكم إلاّ بغتةً.
3 ـ كمال الدين: الصدوق بسنده عن الصقر بن أبي دلف، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام يقول: إنّ الامام بعدي ابني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والامام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثم سكت، فقلت له: يا ابن رسول الله، فمن الامام بعد الحسن؟ فبكى عليه السلام بكاءً شديداً، ثم قال: إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظَر، فقلت له: يا ابن رسول الله، لِمَ سُمّي القائم؟ قال: لأنه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته، فقلت له: ولِمَ سُمّي المنتظَر؟ قال: لأنَّ له غيبة يكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزأ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون.
4 ـ دلائل الامامة: عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال: إذا توالت أربعة أسماء من الأئمة من ولدي محمّد وعلي والحسن فرابعها هو القائم المأمول المنتظَر.
5 ـ المحكم والمتشابه: في قوله تعالى: (الله نُور السَماوَاتِ وَالأرْض ...) الاية، عن تفسير النعماني، بسنده عن الصادق عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام: فالمشكاة رسول الله صلّى الله عليه وآله، والمصباح الوصي والأوصياء عليهم السلام، والزجاجة فاطمة عليها السلام، والشجرة المباركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والكوكب الدريّ القائم المنتظَر الذي يملأ الأرض عدلاً.
6 ـ الكافي: عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنَّ للغلام غيبة قبل أن يقوم، قال: قلت: وَلِمَ؟ قال: يخاف، وأومأ بيده إلى بطنه، ثمَّ قال: يا زرارة! وهو المنتظََََََر، وهو الذي يُشكّ في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظَر، غير أنّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون.
7 ـ مصباح المتهجّد: أخبرنا جماعة من أصحابنا، عن أبي المفضّل الشيباني، قال: حدّثنا أبو محمّد عبد الله بن محمّد العابد بالدالية لفظاً، قال: سألت مولاي أبا محمد الحسن بن علي عليهما السلام في منزله بسرَّ من رأى سنة خمس وخمسين ومائتين أن يملي عليَّ [من] الصلاة على النبيّ وأوصيائه عليه وعليهم السلام، وأحضرت معي قرطاساً كبيراً، فأملى عليّ لفظاً من غير كتاب [وقال: اكتب] الصلاة على النبي صلّى الله عليه وآله ... ثم ذكر الصلاة عليه وعلى الائمة عليهم السلام واحداً بعد واحد إلى مولانا صاحب الزمان عليه السلام، وقال ما هذا لفظه: الصلاة على وليّ الأمر المنتظَر صاحب الزمان محمّد بن الحسن بن علي عليهم السلام، اللهم صلّ على وليّك وابن أوليائك الذين فرضت طاعتهم، وأوجبت حقَّهم، وأذهبت عنهم الرجس وطهَّرتهم تطهيراً ... إلخ
المنتظِر
في رحاب المفردة الثانية لنا وقفة تأملية مع المعنى السليم للمنتظِر، وطبيعة الحال فالمنظور هنا هو المعنى المصطلح أي انتظار مهديّ هذه الأمّة الثاني عشر من عترة النبيّ صلّى الله عليه وآله، ولكن ما نحتاجه هنا والذي ينبغي أن نضع النقاط عليه، وما يفيدنا في هذا المضمار هو الاجابة على عدة أسئلة تتمحور في النظرة المتطلّعة الى هذا المفهوم العقيدي:
ماذا ينتظر الانسان؟
وما هي المقدمات التي ينبغي الالتفات اليها حتى يكون الانسان منتظِراً؟
وإذا كان المنتظِر هو ذلك الانسان المترقب والمتوقع لحدوث شيءٍ، فما هو الحدث الذي يترقبه المرء؟
هل هو وجود مهديِّ هذه الأمّة؟ وهل يُدخله هذا النوع من الترقّب في عداد المنتظرين؟
أو أنه يترقب تحقق أمنياته الذاتية وتوفر مطالبه الشخصيّة يصاحب ذلك انغلاق خاص على الذات واحتياجاتها والنفس وأحلامها؟
وبعبارة ثانية: ما هي معالم المنتظِر؟
فهل كلّ من يؤمن بعقيدة المصلح العالمي يعدّ من المنتظرين؟
بل لنحدّد المصطلح بشكل أدقّ ونقول: هل كلّ من يؤمن بالعقيدة الاثني عشرية وبولادة الامام الحجّة ابن الحسن عليه السلام يعدّ من المنتظرين؟
وبمقولة ثالثة: هل العقيدة المهدوية من الأمور العبادية القلبية؟ أو هي من الأمور العبادية الجوارحيّة ؟ ولنا أن نتسائل باصطلاح المناطقة والحكماء ـ إن صحّ الاطلاق ـ فنقول: هل هي من مقولة العقل النظري فقط أو أنها تابعة للعقل العملي، أو على أقل لها بعد عملي؟
وفي هذا الصدد يمكننا القول وبصراحة انّه ليس كلّ من اعتقد بالمصلح العالمي يعدّ منتظراً، وكذلك ليس كلّ من كان معتقداً بالعقيدة الاثني عشرية يعدّ منتظراً. وهكذا يعمّم هذا النفي ليشمل من اعتنق المهدوية قلباً وآمن بها جناناً ووجداناً ولكن لم يجسّدها حركةً على صعيد الواقع، ولم يتعاط معها كقضية واقعية محسوسة لها بعدها وأثرها على مستوى الفرد والمجتمع.
ويبقى هذا الوصف ـ على حقيقته وصدقه على بعض الأفراد ـ قضية مشكّكة تتأرجح بين القوة والمتانة والضعف والاضطراب بحسب اختلاف انطباقها بين الأفراد المنتظرين كسائر القضايا الايمانية والعقائدية الأخرى.
معالم المنتظِر:
صحيح أنّ هذا الوصف ـ كما سبق ـ من الأمور والقضايا المشككة والتي تختلف من شخص لآخر في جوانب قوتها وضعفها وضيقها وسعتها، ولكن هذا لا يمنع من رؤية بعض المواصفات وتسجيلها في ضمن قائمة معالم المنتظِر والتي تمثّل المقوّمات الأساسية له سواء على صعيد الجانب العقيدي والايماني أو يتخطى الى جوانب تفعيل العقيدة فيحصّلها واقعاً حركياً ملموساً، وهكذا فقد تُمثّل بعض المقوّمات في الحقيقة مقدمات كبرويّة لا يمكن أن يتحقق عنوان المنتظِر من دون تمركزها مسبقاً في الذهنية الايمانية وفي إطار وحيّز الانسان الذي يراد منه أن يكون منتظِراً حقيقياً.
وهكذا قد تشترك بعض المقدمات هنا مع مقدمات الانتظار لما قلنا سابقاً من وجود العنصر المشترك الذي تتحرك حوله هذه المفاهيم الثلاثة.
والمواصفات المقوّمة لعنوان المنتظِر هي:
1 ـ الاعتقاد بوجود الاله العالم الحكيم الرؤوف بعباده والذي لا يفعل أمراً إلاّ وفيه مصلحة وحكمة.
2 ـ الاعتقاد بوجود الرسل والمبعوثين من قبل الله سبحانه وتعالى لهداية العباد وإخراجهم من الظلمات الى النور.
3 ـ الاعتقاد بخاتم الرسل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم وأنّ شريعته خاتمة الشرائع لا دين بعده ( إن الدين عند الله الاسلام) ، (ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه) وعلى هذا الاساس فلابدّ أن يكون أكمل الأديان كافة، ومنسجماً تمام الانسجام مع متطلبات كلّ عصر وملبياً لحاجات كلّ زمن. وله القدرة على التعاطي والتجاذب مع الاحداث المختلفة سعة وضيقاً، وبكلمةٍ موجزة وعبارةٍ واضحة يجب الاعتقاد بأن الاسلام هو ذلك الدين الالهي الذي باستطاعته إعطاء الحلول والاجابات بشكلٍ متين وإسلوب واضح لكلّ مشاكل الحياة من جهة وما يعتلج في الصدور ويستراب في القلوب عند البشرية منذ عصر الرسالة والى أن تقوم الساعة من جهة أخرى.
4 ـ الاعتقاد بوجود أوصياء وخلفاء من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله منتخبين ومعينين من قبل الله تعالى لا دخل للعنصر البشري في اختيارهم وتعيينهم حتى الى نفس النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم، وهم أئمة إثنا عشر أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم تسعة من ذرية الحسين آخرهم (م ح م د) بن الحسن العسكري، يتصفون بمواصفات وهبها الله اليهم خاصة من أبرزها العصمة ليس فقط عن الذنب وليس فقط في مجال التبليغ، بل تتسع لتشمل السهو والنسيان بل كل نقيصة أو ما يخالف المروءة. إذ (العصمة هي التنزُّه عن الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها، وعن الخطأ والنسيان ... بل يجب أن يكون منزّها حتّى عمّا ينافي المروّة، كالتبذل بين الناس من أكلٍ في الطريق أوضحكٍ عال، وكلّ عملٍ يستهجن فعله عند العرف العام).
5 ـ الاعتقاد بأنّ الامام المهدي مولود من سنة 255 هـ وتقلّد الامامة الالهيّة عام 260 هـ في يوم شهادة والده وهو حجّة الله في الأرض، وهو حيّ موجود بيننا يرانا ونراه ولكن لا نعرفه ولا نشخّصه بمصداقه وإن كنّا نعرفه بمشخصاته وهويته وأوصافه.
6 ـ الاعتقاد بأنّ الامام الثاني عشر الحجّة ابن الحسن غيّبه الله عن العباد لمصلحة وحكمة خفيت علينا وإن كنّا نعلم بعض أطرافها وأسبابها، وسوف يظهره الله تعالى فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.
7 ـ الاعتقاد بأنّ المنتظَر هو ذلك الامام المطّلع على حقائق أمورنا وخفايا أعمالنا.
ذلك الامام الذي يسمع كلامنا ويردّ سلامنا.
ذلك الامام الذي يجيبنا إذا دعوناه ويشفع لنا إذا رجوناه.
ذلك الامام الذي يحسّ آلامنا ويفرح لفرحنا ويحزن لحزننا ويتألم لما يجري علينا.
هذا كلّه بلحاظ عالم الاعتقادات وفي مجال الفكر والنظر، أما مقومات الجانب العملي في الانتظار ومعرفة المواصفات الخاصة العملية التي ينبغي توفرها عند المنتظرين حتى يتصف الانسان بهذه الصفة على نحو الحقيقة بحيث ينطبق عنوان (المنتظِر) عليه انطباقاً واقعياً حقيقياً لا مجاز فيه فسوف تطالعك تحت عنوان: (كيف تكون منتظِراً حقيقياً).
وهنالك مقوّمات ونقاط أخرى أعرضنا عنها روماً للاختصار وحذراً من التطويل.
وقد يقول البعض إنّ انتظار المصلح العالمي لا يتوقف على كثير من هذه المقومات المدعاة، بل أكثر من هذا لا يتوقف على الاعتقاد بوجود الله تعالى لأننا نجد أنّ الانسان الديالكتيكي المادي يعتقد بضرورة صلاح العالم في يوم ما على يد رجال أكفاء يعمّ في عصرهم الرخاء والمساواة والحرية!!!. يقول الشهيد الصدر في بيان عالمية الانتظار وعدم اختصاصه بفئة دون أخرى (لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي والمستقبل المنتظر على المؤمنين دينياً بالغيب، بل امتدّ الى غيرهم أيضاً وانعكس حتّى على أشدّ الإيديولوجيات والاتجاهات العقائدية رفضاً للغيب والغيبيات، كالمادية الجدلية التي فسّرت التاريخ على أساس التناقضات، وآمنت بيوم موعود تصفّى فيه كلّ تلك التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام).
وهكذا فالاعتقاد بمجيء المصلح العالمي قضية فطرية غرسها الله في فطرة كلّ إنسان ولا يمكن أن تتفق البشرية على خطأ (وذلك لأنّ أي مطلب يريده الناس كافّة دليل على فطريته، ... [إذ] كل حبّ أصيل وفطري يحكي عن وجود محبوب خارجي وجذاب، كيف يمكن أن يخلق الله التعطش في داخل الانسان دون أن يخلق في خارجه الينبوع الذي يصبو نحوه ليرتوي منه؟ لهذا نقول إنّ فطرة الانسان وطبيعته التي تبحث عن العدالة تصرخ بأعلى صوتها أنّ الاسلام والعدالة سوف يسودان العالم كلّه في نهاية المطاف، وأنّ مظاهر الظلم والجور والأنانية سوف تزول، وأنّ البشرية ستتوحد في دولة واحدة وتعيش تحت راية واحدة في جوٍّ من التفاهم والطهارة) إذن فليست قضية الانتظار (تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها وصياغة لالهام فطري أدرك الناس من خلاله أن للانسانية يوماً موعوداً على الارض) .
وهذا كلام صحيح ومنطقي في حدّ ذاته وأمر مقبول جداً، ولكن الذي نقصده من المنتظِر والانتظار شيء وراء المصلح العالمي، وهذا سبق وأن أوضحناه حينما قلنا أنه ليس كل من يعتقد بضرورة المصلح العالمي يعدّ من المنتظرين، بل أكثر من هذا فنحن قد نفينا أن يكون المؤمن المعتقد بالامام المهدي عليه السلام من مصاديق المنتظرين إذا كان خالياً عن تجسيد هذا المفهوم في الواقع المعاش. على نطاق ذاته وخصوصياته ومن ثمَّ انطلاقاً وامتداداً إلى مجتمعه وأطرافه.
فالاعتقاد بأمثال هذه المفاهيم وإن كان حقاً وصدقاً ومطابقاً للواقع المستقبلي، ولكن هذا شيء وكونه من المنتظرين لمثل هذه الشخصية العالمية التي تطبّق عدالة السماء في الأرض شيء آخر، فبينهما بون شاسع كما هو الحال بين العلم بالشيء والاعتقاد والايمان به فابليس على سبيل المثال كان يعلم بوجود الله وقدرته ويعلم بوجود الجنة والنار علم اليقين، ربّما كان يفوق علم الكثير منّا لأنه رأى هذه الأمور رؤية عين ونحن سمعناها ولم نر شيئاً.
ولكن مع ذلك يعدّ الله الذين اعتقدوا بما قاله النبي الكريم صلى الله عليه وآله مؤمنين ويعدّ إبليس من الكافرين. إذن فالقضية لا تعتمد ولا تصدق على مجرد الاعتقاد والعلم بالشيء بقدر ما هي متوقفة في انطباقها على آثارها وتداعياتها خارج حدود الذات كما جاء في الحديث (الايمان قول باللسان ومعرفة بالقلب وعمل بالاركان)