alquraishy
16-02-2013, 02:30 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
تاريخ الزيف.. وزيف التاريخ
هذه هي النتيجة التي توصل إليها الشيخ الطائي بعد بحث مضن جهيد في جميع مصادر أهل العامة ، فطوى بذلك 1422 سنة من الكذب والإختلاق اللذان لفا تلك القضية وأخرجاها ، عن واقعها الحقيقي
بهدوء واضح وبرصانة علمية ناقش الطائي أكذوبة أن أبابكر بن أبي قحافة هو من صحب رسول الله (ص) في هجرته المباركة من مكة إلى المدينة ، والكلام الذي يقال : من أنه قد لجأ مع النبي الأكرم (ص) في غار جبل ثور للاختباء من الكفرة الذين يلاحقونهما فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة : ( ثاني إثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ).
ورد الشيخ في بحثه المعمق على جميع الإستدلالات التي يوردها أهل السنة في شأن حضور أبي بكر في الغار ، معتمداًً على كتبهم ومصادرهم الحديثية والسيرية ، وعليه فقد كسر الشيخ جميع القواعد التي بنيت على هذه الفرضية ، والتي يحاول منها القوم إثبات أفضلية لأبي بكر تؤهله للخلافة وقيادة الأمة.
ورغم أن القواعد التي بنيت على تلك الفرضية لم تكن سليمة ، إذ يظهر - عند التدقيق في اللفظ والسياق - أن الآية الكريمة هي في مقام الذم لا المدح لأن الرجل الذي كان مع النبي (ص) تلقى نهيا عن (حزنه) وهو ما ينبئ ، عن كونه ارتكب معصية، كما إن هذا الرجل حرم من السكينة إذ إقتصر نزولها على النبي .. رغم ذلك إلا أن فقهاء العامة إستماتوا في إثبات أن الآية تمدح أبابكر وتجعل له مرتبة رفيعة رغم مخالفة هذه النتيجة لظاهر النص القرآني.
ويأتي الإنجاز العلمي الباهر الذي حققه سماحة الشيخ الطائي في بحث هذه القضية ليبدد كل الأوهام التي إرتبطت بها وكل التفسيرات غير المنطقية التي التصقت بالآية الشريفة ، التي ثبت أنها لم تنزل في أبي بكر لأنه - في الأصل - لم يهاجر مع النبي ولم يكن في الغار بل كان قد هاجر مع البقية إلى المدينة قبل مجيء الرسول (ص) إليها ، وما دام قد ثبت ذلك فإن كل الإمتيازات العقائدية التي منحها أهل العامة لأبي بكر - بناء على فرضية النزول - ستنتفي وسيتجرد هو منها تلقائياً.
ان رجال الحزب القرشي حاولوا جهدهم حشر أبي بكر في قضية الغار والهجرة متشبثين بكل الوسائل الممكنة في هذا المجال ، فإنتشرت عشرات الأحاديث المختلقة بين الناس ووضعت الدولة عيداًً كبيراًً لهذه المناسبة ، ولأن حبل الكذب قصير فقد تبين أن هذه الأكذوبة وضعت لمعارضة حادثة الغدير الواقعة في 18 ذي الحجة ، فقد جعل رجال السياسة حادثة الغار في 26 ذي الحجة! في حين كانت واقعة الغار في شهر صفر!.
ويتعب المرء من كثرة أكاذيب قريش وأذنابها وقدرتهم الفنية العالية في هذا المجال ، ويكفي أن تعلم أن دهاء قريش لا يلحقه دهاء في ذلك الوقت.
وإشتد هذا المكر بتلاحهم قريش واليهود فأصبح كعب الأحبار وهو شيطان اليهود واعظ المسجد النبوي في زمن عمر بن الخطاب وإستمر في منصبه في زمن عثمان بن عفان ، وإذا كان كعب اليهود معلماً للمسلمين يعلمهم دينهم فتصور ما يمكن أن يدخله في الدين من إفتراءات وإسرائيليات لا حصر لها!
وبلغ ذلك الدهاء قمته في تكفير السلطة للمسلم غير المعتقد بحضور أبي بكر في الغار! بينما قال الله تعالى في كتابه الشريف : ( ولا تقولوا لمن القى إليكم السلام لست مؤمناًً ).
إن ما هو منتشر بشكل خاطئ بين المسلمين في شأن هذا الموضوع ، أن النبي (ص) خرج من بيته ليلة الهجرة وقد أنام علياً (ع) في مكانه ، وقد كان خروجه إعجازياً لأن مشركي قريش الذين كانوا يحوطون داره لم يروه بعدما قرأ الآيات : ( وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون ...) فعموا ، عن مشاهدته ، ثم توجه (ص) إلى بيت أبي بكر بن أبي قحافة ، وهناك أنتظر إلى الصباح ثم خرج هو وأبوبكر للهجرة بصحبه أحد أدلاء الطرق ويدعى عبد الله بن أريقط بن بكر ، وبدلاً من أن يسلك إبن بكر بهما طريق الشمال حيث يثرب (المدينة المنورة) فإنه سلك بهما طريق الجنوب ، أي جنوب مكة ، تمويهاً للكفار الذين كانوا يريدون القضاء على خاتم الأنبياء (ص) ورسالته السماوية.
إلا أن الكفار فطنوا إلى ذلك من خلال دليل آخر هو كرز بن علقمة الخزاعي ، الذي تتبع آثار أقدام النبي (ص) وقارنها بقدم جده إبراهيم (ع) ، فوصلوا أخيراً إلى جبل (ثور) حيث كان النبي (ص) وأبوبكر في غاره مختبئين ، وعندما وصلوا هناك بدأ أبوبكر يرتجب وكان حزيناًً وخائفاً ، فنهاه النبي (ص) ، عن ذلك بقوله له : ( لا تحزن إن الله معنا ) ، وقد جاءت في تلك اللحظات حمامة وباضت بيضة إمام الغار ، ثم جاء عنكبوت من العناكب فنسج خيوطه على الغار أيضاًً ، الأمر الذي جعل كفار قريش ينصرفون لإعتقادهم أنه مادامت الخيوط العنكبوتية موجودة وكذلك البيضة فإن أحداًًً لم يدخل في هذا الغار.
وكذبوا بذلك دليلهم كرز بن علقمة رغم تأكيده مراراًًً على أن النبي موجود في هذا الغار ، وبقي النبي (ص) مع أبي بكر في هذا الغار ثلاثة أيام إنتظاراً لهدوء حملات الملاحقة ضده، وطوال تلك الفترة كانت أسماء بنت أبي بكر هي التي تأتي بالطعام من مكة إلى الغار لتقديمه إلى رسول الله وإلى أبيها ، بعد ذلك تحرك النبي (ص) نحو المدينة بصحبة دليله عبد الله بن أريقط بن بكر ، ووصل إليها وإستقبله المسلمون مبتهجين فرحين.
هذه هي محصلة ما يتناقله المسلمون في شأن قضية غار جبل ثور ، وهي محطة لعبت فيها السياسة بألاعيبها ، ونحن هنا سنبرهن إن شاء الله على بطلان كثير من تفاصيل هذه الرواية بناء على مصادر أهل السنة ، كقضية كون أبي بكر مع النبي في الهجرة وفي الغار ، وكقضية أن أسماء بنت أبي بكر هي التي كانت تغذي الرسول وتهيئ له الطعام وتوصله إليه ، وكقضية أن الحمامة قد باضت والعنكبوت قد نسج خيوطه وما شاكل ذلك من أمور عارية ، عن الصحة ، والتي شابت هذه الحادثة التاريخية العظيمة عن طريق الإسرائيليات.
( 1 ) - أول ما يجب أن نعلمه أن النبي (ص) قد إعتمد أسلوب السرية التامة في أمر هجرته تلك الليلة ، خاصة بعدما أمر بهجرة جميع المسلمين إلى المدينة ، وأبقى علياً (ع) لأنه وصيه والقائم مقامه في تأدية حقوق وأمانات الناس المودعة عنده ، وكان لابد من إعتماد أسلوب السرية لأن كفار قريش كانوا يحيكون المؤامرات للحيلولة دون وصول النبي (ص) إلى يثرب ، حيث سيقود من هناك الدولة التي ستحطم ملكهم وسلطانهم وتقضي على جبروتهم ، لذا فإن أحداًًً لم يكن عالماًًً بخروج النبي في تلك الليلة سوى أهل بيته المقربين ، علي وفاطمة (ع) ، وأم هانئ بنت أبي طالب (ع).
- ومصادر أهل السنة متفقة : على أن أبابكر لم يكن عالماًًً بخروج النبي في تلك الليلة ، بل فوجئ بمسألة الهجرة صباحاًً فطلب منه أن صحبه ، فقبل النبي (ص) ، ( تفسير القرطبي: ج 3 ص 21، تاريخ الطبري: ج 2 ص 102، البحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 118).
- إن هذه السرية تتناقض مع الرواية المنقولة ، والتي تقول بأن النبي قد خرج من بيت أبي بكر نهاراًً وإمام مرأى من المسلمين كلهم! ( تاريخ الطبري: ج 2 ص 100) ، فكيف يحرص النبي على إنجاح مشروع الهجرة وهو يعرض نفسه للقتل هكذا إمام الكفار ، ويمشي أمامهم في النهار في طريقه إلى خارج مكة؟! وكيف يمكن ذلك وقد كان الكفار يطلبونه ويلاحقونه في أي مكان وقد كانوا ليلتها قد أحاطوا بداره متقلدين سيوفهم عزماً على قتله! إن هذا يعني الإنتحار! وهذا يضع علامة إستفهام كبيرة على مسألة توجه النبي إلى بيت أبي بكر وإنطلاقه من هناك صباحاًً.
لقد كان من حرص النبي (ص) على إنجاح الهجرة والتستر ، عن أعين المجرمين ، أن طلب من المسلمين القليلين المتبقين في مكة عدم الهجرة في تلك الليلة التي سيهاجر فيها ، مخفياً عنهم سبب طلبه ، وكان من حرصه أن إختار وقت الهجرة ليلاًً وفي نهاية شهر صفر لئلا يكون في السماء ضوء القمر فينكشف في الطرقات ، فبالنظر إلى هذه الحيطة والسرية الكاملتين ، هل من المعقول أن يخرج النبي (ص) صباحاًً وإمام أعين المشركين؟! بالطبع لا .. لذا فما دامت الرواية تقول أنه قد خرج صباحاًً من بيت أبي بكر فإنها تسقط تلقائياً.
( 2 ) - إن الرواية تتقاطع مع روايات أخرى ، قد تبدو مضحكة بعض الشيء ، حيث يذكر أن النبي (ص) خرج من بيته متوجهاً مباشرة إلى غار ثور ، وفي تلك الأثناء ذهب أبوبكر إلى بيته فلم يجده ، فسأل علياً (ع) فأخبره الإمام بأن النبي في طريقه إلى خارج مكة ، فإنطلق أبوبكر ليلحق بالنبي وقد كان يحمل جرساً معه ، فعندما أدركه ظن النبي أن أبابكر من المشركين فأسرع في المشي حتى يبتعد عنه ، ولكن الله جعل شسع نعله ينقطع فإنطلق إبهام رسول الله (ص) بالحجر وسالت منه الدماء ، الأمر الذي أدى إلى توقف الرسول ، عن المسير إضطراراً ، وعندئذ وصل أبوبكر إليه فإجتمع معاًً وسارا خارج مكة! ( تاريخ الطبري : ج2 ص 102).
إن هذه الرواية توضح جانباً من الكذب والبهتان ، فكيف يمكن أن يدخل أبوبكر بيت رسول الله والحال أن البيت محاصر من قبل المشركين في تلك الليلة العصيبة ولم يكن يسمح لأي أحد بالخروج أو الدخول؟! وكيف له أن يسأل علياً (ع) وهذا معناه كشف الخطة النبوية لأنه سيتبين لدى المشركين أن هذا النائم ليس محمداً بل علي؟! ، ثم كيف إستطاع أبوبكر أن يعرف الزقاق الذي مر فيه رسول الله (ص)؟! وكيف تمكن من تشخيص ورؤية النبي في ذلك الليل الدامس؟!.
أما قضية فلق الإبهام وإنقطاع شسع النعل فربما نحن لسنا بحاجة إلى الرد عليها! فليس مجرد دم يسير خارج من إبهام رسول الله (ص) بجاعل إياه يتوقف ، عن إكمال مسيرته تجاه المدينة وتهديد مشروع الإسلام كله للخطر كون أحد المشركين يتعقبه .. لقد أُدمي النبي من رأسه إلى أخمص قدميه في رحلته لدعوة أهل الطائف إلى الإسلام عندما رموه (لعنهم الله) بالأحجار ، ولكنه لم يتوقف ، عن أداء مهمته تلك ، فكيف يتخلى ، عن أداء أعظم المهمات بهذه السهولة؟!.
إن هذه من الأراجيف الواضحة التي تحاول أن تصور أن لأبي بكر منزلة كبيرة عند السماء حتى يجبر الله نبيه على التوقف بإيذائه وإسالة الدم منه! ، إن هذا التناقض يثير علامة إستفهام أخرى ، فهل ذهب النبي إلى بيت أبي بكر ومن هناك إصطحبه معه ، أم توجه مباشرة إلى خارج مكة وفي الطريق أدركه أبوبكر؟! أيهما نأخذ؟! .. إذا تعارضتا تساقطتا.
( 3 ) - هناك شيء غريب في الرواية المزعومة ، إذ تذكر أن أسماء بنت أبي بكر كانت موجودة في بيت أبيها عندما وصل النبي (ص) إليه ، وأنه إستراح فيه قليلاًً ثم أخذ أبابكر معه ، ومن بعد ذلك كانت أسماء تأخذ إليهما الطعام في الغار ...
الغرابة هي في : كيف يمكن أن تكون أسماء في مكانين يبعد كل منهما عن الآخر الآف الآف الأميال في الوقت نفسه؟!
إن التاريخ يقول : إن أسماء بنت أبي بكر كانت في تلك الفترة مع زوجها الزبير بن العوام في الحبشة!! ( الثقات لإبن حبان: ج 3 ص 23 ).
إن هذا يدلل على أن (صناعة حكومية) وراء قصة صحبة أبي بكر للنبي (ص) في تلك الهجرة المباركة.
( 4 ) - هناك سؤال منطقي آخر هو : كيف يتوجه النبي (ص) إلى بيت أبي بكر الذي كان يحوي المشركين؟! إلاّ يفترض به أن لا يتوجه إلى ذلك البيت بالذات حتى لا يكشفه أحد من هؤلاء المشركين؟! ، إن بيت أبي بكر كان يضم كلاً من : إبنيه عبد العزى وعبد الله ، وأبنته عائشة ، وأمهم أم رومان (نملة بنت عبد العزى) بالإضافة إلى أبيه أبي قحافة.
وتنص الروايات على أن عبد العزى بن أبي بكر كان : ( كافراًًً عنيداً محارباً للإسلام )! ( تاريخ إبن عساكر: ج 13 ص 280 ).
وكذلك تنص على أن أم رومان كانت كافرة، وقد طلقها أبوبكر بعد هجرته إلى المدينة عند نزول آية: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر..) ! وكذلك تنص على أن أبا قحافة - والد أبي بكر - كان كافراًًً أيضاًً! ( شرح النهج: ج 13 ص 268).
فهل يعقل أن يتوجه النبي إلى هذا البيت في هذه الليلة الخطيرة التي خططت فيها قريش لقتله ووأد حركة الهجرة؟! هل يعقل أن يلجأ النبي إلى الذين يحاربونه ويرصدونه؟! هل يعقل أن يتكلم في ذلك البيت ، عن الهجرة ويأخذ أبابكر معه ولا يفترض أن أهله المشركين الموجودين في ذلك البيت سوف يكشفون الموضوع لرؤوس الكفر في قريش؟! ، إن هذا يدلل على أن النبي لا يمكن أن يكون قد ذهب إلى بيت أبي بكر إطلاقاً ، خاصة وأن عبد العزى بن أبي بكر كان من جملة الذين جندتهم قريش لملاحقة النبي (ص).
( 5 ) - لقد أجمعت الروايات على أن النبي (ص) قد توجه من بيته إلى الغار وحيداً فريداً ، وهذا أصل وجوهر الحادثة ، ( مسند أحمد: ج 1 ص 331، المستدرك: ج 3 ص 133، فتح الباري: ج 7 ص 8، سنن النسائي: ج 5 ص 113، شواهد التنزيل: ج 1 ص 135) ، والروايات الملفقة تقول : بأن أبابكر صحب النبي (ص) في طريقه إلى الغار ، ولكن ذلك يتناقض بشكل صارخ مع حقائق تاريخية ثابتة.
فعندما أخذ المشركون معهم دليلهم كرزبن علقمة الخزاعي لتتبع مسير رسول الله (ص) والقبض عليه ، رأى كرز آثار قدمي النبي فقال : ( هذه قدم محمد المشابهة للقدم التي في المقام ) ويقصد بها قدم إبراهيم الخليل (ع) في مقامه قرب الكعبة ، ( الإصابة: ج 5 ص 436، من له رواية في مسند أحمد لمحمد بن علي بن حمزة: ص 360، فتوح البلدان للبلاذري: ج 1 ص 64 ) ، ومادام كرز لم يذكر مشاهدته لآثار قدمي أبي بكر، فإن الأشكال على صحبته للنبي في هجرته يتعاظم ويكبر.
والمثير أن عبد العزى بن أبي بكر كان من بين مجموعة المشركين الذين كانوا يلاحقون النبي (ص) ( طالع ترجمة عبد الرحمن عبد العزى بن أبي بكر في تاريخ إبن عساكر وأسد الغابة ) ، وذلك يعني أن عبد العزى الذي هو إبن أبي بكر نفسه ، لم يتعرف على قدم أبيه ، كما لم يتعرف عليها الدليل كرز الخزاعي ، وهذا مما يزيد من الإشكال ويدلل على أن أبابكر لم يصحب النبي أصلاًً في تلك الرحلة.
( 6 ) - إن الرسول الأعظم (ص) لم يؤثر عنه أي قول أو نص يثبت فيه وجود أبي بكر معه في الغار ، ولو كان كذلك لحصل أبوبكر على منقبة عظيمة يستحق بها المديح والإطراء النبوي بينما لم نلحظ ذلك ، أي لم نسمع بحديث يقول فيه النبي ، عن أبي بكر : ( هو صاحبي في الغار ) مثلاًًً بل على العكس من ذلك سمعنا النبي (ص) يذمه في كثير من المواطن ، فعندما تقدم أبوبكر للزواج من فاطمة (ع) رفضه ، وعندما تقدم عمر رفضه أيضاًً ، ولكن عندما تقدم أمير المؤمنين (ع) وافق النبي (ص) وقال له : ( أنت لست بدجال ) في تعريض واضح منه (ص) بأبي بكر وعمر ، ( مجمع الزوائد: ج 9 ص 204 ، طبقات إبن سعد: ج 8 ص 12 ، الإصابة: ج 1 ص 374 ) ، ولو كان أبوبكر حاضراً مع رسول الله (ص) في الغار ، وقد نزلت فيه تلك الآية ، لما عرض به النبي (ص).
يضاف إلى ذلك أن معظم الروايات المنقولة ، عن صحبة أبي بكر للنبي في الغار ، منقولة على لسان عائشة وأبي هريرة وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر ، وهؤلاء مشكوك في روايتهم لأنهم من المحسوبين على أبي بكر نفسه ، في المقابل لم نجد أحداً من معارضي أبي بكر ، كسعد بن عبادة والزبير بن العوام والحباب بن المنذر ومالك بن نويرة وغيرهم من الصحابة ، يقر بحضوره الغار ، إذ لو كانوا يقرون بذلك لما عارضوا حكمه وتمردوا عليه ورفضوا مبايعته بدعوى أنه (أبو فصيل) أي الذي لا فضائل له أو لقومه.
( 7 ) - جاء في كتاب البداية والنهاية لإبن كثير الأموي ، عن إبن جرير الطبري ما يؤيد هجرة رسول الله (ص) إلى غار ثور وحده، فخاف إبن كثير من هذه الرواية الصحيحة الدالة على بطلان صحبة أبي بكر فارتجف قائلاًً : ( وهذا غريب جداًً وخلاف المشهور من أنهما خرجا معاًً )! ( البداية والنهاية: ج3 ص 219، السيرة النبوية لإبن كثير أيضاًً: ج 2 ص 236 ).
( 8 ) - أجمعت الروايات على أن النبي (ص) خرج وحيداً إلى الغار ، وهناك سأل الله تعالى : إن يبعث إليه من يدله على الطريق ، فكان أن التقى النبي بالدليل عبد الله بن أريقط بن بكر حيث تذكر الروايات أن النبي قال له : ( يا إبن أريقط .. أأتمنك على دمي؟ ، فقال إبن بكر : إذا والله أحرسك وأحفظك ولا أدل عليك ، فأين تريد يا محمد؟ ، فقال (ص) : يثرب قال إبن بكر: لأسلكن بك مسلكاً لا يهتدي فيها أحد ) ، ( المستدرك: ج 3 ص 133، فتح الباري: ج 7 ص 8، سنن النسائي: ج 5 ص 113، شواهد التنزيل: ج 1 ص 135).
فما دام هذا هو الثابت ، أي أن النبي خرج مع إبن بكر - وليس أبابكر - من الغار متوجهاً إلى يثرب (المدينة المنورة) ، ومادامت جميع الروايات تذكر أن أهل المدينة وكذلك الذين يسكنون ما بين المدينة ومكة ، لم يشاهدوا سوى شخصين إثنين فقط ( الطبقات الكبرى لإبن سعد: ج 1 ص 230 ، سيرة إبن هاشم: ج 2 ص 100، عيون الأثر: ج 1 ص 248 ) ، فإن ذلك يعني أن أبابكر لم يكن مع النبي (ص) في هجرته ، لأن ذلك يتطلب أن يرى الناس ثلاثة أشخاص وليس شخصين فقط ، وكما ذكرنا فإن الثابت هو خروج النبي مع دليله إبن بكر ، لأنه بدونه لا يستطيع الإهتداء في طريقه إلى يثرب ، فهو الخبير بالطرقات والمسالك.
( 9 ) - الروايات المختلقة التي تقول أن أبابكر قد خرج مع النبي (ص) إلى الغار ، تذكر أيضاًً أن أسماء بنت أبي بكر تزودهما بالطعام طوال فترة مكوثهما في الغار والبالغة ثلاثة أيام.
إن هذا أمر يتناقض مع العقل والمنطق ، لأنه لو كان أبوبكر مهاجراًً مع النبي فعلاً لكان من أيسر اليسير على مشركي قريش أن يتعقبوا إبنته التي تخرج كل يوم ، ويتتبعوا خطواتها حتى يتوصلوا إلى مكان النبي (ص) ، خاصة وأن عبد العزى بن أبي بكر وهو أخ أسماء ويسكن معها في البيت نفسه ، كان من الذين يلاحقون النبي (ص) ، فكان سهلاً عليه ملاحظة أخته وهي خارجة كل يوم حاملة معها الطعام والزاد ، على أننا أثبتنا سابقاً أن أسماء لم تكن في مكة أصلاًً ، إذ كانت مع زوجها الزبير في الحبشة ، ضمن مجموعة المسلمين الذين لجؤوا إلى هناك.
وهذا التخبط والتضارب يسقط أكذوبة وجود أبي بكر مع النبي (ص) في الغار ، وينفي هجرته معه، بل يؤكد أنه قد هاجر مع بقية المسلمين في المجموعة الأولى المتوجهة إلى المدينة ، خاصة إذا ما أدركنا أن أبابكر كان ملازماً دائماً لعمر بن الخطاب في حله وترحاله ، وقد ثبت في السير أن إبن الخطاب قد هاجر إلى المدينة قبل هجرة النبي (ص) إليها.
( 10 ) - جاء في أصح كتب أهل العامة ما يثبت حقيقة أنه لم تنزل آية واحدة في القرآن تمدح أبابكر أوأهله ، فقد ورد ، عن عائشة في صحيح البخاري قولها : ( لم ينزل فينا قرآن ) ! ( صحيح البخاري: ج 6 ص 42 ، تاريخ إبن الأثير: ج 3 ص 199 ، الأغاني: ج 16 ص 90 ، البداية والنهاية: ج 8 ص 96 وغيرها كثير ).
وهنا فلنركز قليلاًً : لقد ذكرت عائشة هذا إمام جميع الصحابة والمسلمين الأوائل ، وقالت : لم ينزل فينا قرآن ، ولو كانت آية : ( ثاني إثنين ..) نازلة في أبي بكر لما قالت : هذا الكلام لأنها تنتقص بذلك أباها وتجرده من مزية واضحة في القرآن ، أو على الأقل لرد عليها الصحابة الذين يفترض أنهم متيقنون من حضور أبي بكر في الغار ، ولذكروها بالآية وبقضية هجرته مع النبي (ص) ، لكن شيئاًً من هذا لم يحدث ، وهو ما يثبت زيف أحاديث حضور أبي بكر في الغار ، حتى تلك المسندة إلى عائشة منها ، وهذا يوضح أن مسألة حضوره في الغار هي مسألة طارئة ولم تكن معروفة في صدر الإسلام.
خاصة أننا إذا تتبعنا التاريخ فإننا لن نجد إشارات واضحة على لسان أبي بكر حول حضوره في الغار ، وهجرته مع النبي (ص) ، مما يدعم كون القضية من إختلاقات السلطة لإثبات مزية لأبي بكر.
( 11 ) - كان يحيى بن معين من المشككين برواية حضور أبي بكر في الغار الواردة ، عن طريق أنس بن مالك. فكانت الشكوك تحوم حول ذلك الحديث بصور متعددة ، ( سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 10 ص 362 ، تهذيب الكمال للمزي: ص 29 ).
وقد ذكر حديث الغار العباس بن الفضل الأزرق ، عن ثابت ، عن أنس، فقال فيه يحيى بن معين : ( كذاب خبيث )! ( تاريخ بغداد: ج 12 ص 133 ).
وإذا نظرنا إلى رواة حديث الغار ، نجدهم بين كذاب ومدلس وضعيف ، فقد كان سليمان بن حرب يضعف حديث الغار الذي ذكره خالد بن خداش ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب بن نافع ، عن إبن عمر ، ( سؤالات الآجري لأبي داود سليمان بن الأشعث: ج 1 ص 399 ).
ولقد إزدادت الطعون في رواة الحديث المكذوب في حضور أبي بكر في الغار ، ( طالع تاريخ بغداد: ج 8 ص 302 ، تهذيب الكمال للمزي: ج 1 ص 314 ، تهذيب التهذيب لإبن حجر: ج 1 ص 27 ، تاريخ دمشق: ج 5 ص 235، سير أعلام النبلاء: ج 12 ص 232 ، ميزان الإعتدال للذهبي: ج 1 ص 73 وغيرها).
( 12 ) - إن الذي كان حاضراً مع النبي (ص) في الغار ، ليس سوى دليله إبن بكر ، الذي التقى به النبي (ص) في اليوم الأول من هجرته ومكوثه في الغار ، فطلب منه مساعدته ، واستجاب الرجل للأمر النبوي.
وقد ذكرت مصادر العامة أن إبن بكر كان مشركاًًً في ذلك الوقت! وهنا نضع علامة إستفهام كبيرة ، إذ لو كان إبن بكر مشركاًًً حقاًً فما الداعي لأن يساعد رسول الله (ص)؟!.
إن هذا يكشف جزءاًً من الحكمة النبوية ، فلقد كان إبن بكر يمارس التقية ، وكان يخفي إسلامه حتى يقوم بهذه المهمة العظيمة في حفظ رسول الإنسانية وإيصاله سالماًً إلى المدينة ، لقد كان إبن بكر معروفاًًً في أوساط كفار قريش بالكفر ، وكان يتظاهر بعبادة الأوثان ، حتى لا يشكوا فيه ، خاصة أنه كان من أشهر الأدلاء على الطرق.
إنه لم يرد في التاريخ أن النبي (ص) منح مكافأة لإبن بكر ، أو أنه كانت لديه مصلحة معينة معه ، حتى نقول مثلاًًً أنه قد ساعد النبي في الهجرة لغرض دنيوي ، فلابد لنا والحال هذه أن نقول : بأن إبن بكر كان رجلاًً مسلماًً صالحاًًً قام بدوره بدافع من عقيدته.
والذي يؤيد ذلك أنه مادام غائباً ، عن أذهان مشركي قريش أن إبن بكر مسلم ومن إتباع محمد (ص) ، فإنه لا يكون مراقباً من قبلهم ، وبذا يمكنه أن يوصل الطعام والأخبار إلى النبي في الغار طوال فترة مكوثه فيه ، والبالغة ثلاثة أيام حتى يهدأ ويسكن الطلب عليه ، ثم يتوجه به إلى المدينة ، والواضح أن إبن بكر في إحدى زياراته للنبي (ص) في الغار ، تفاجأ بمجيء مشركي قريش ووصولهم إلى الغار ، عن طريق الإستدلال على آثار قدمي النبي (ص) ، وهنا حزن إبن بكر وخاف ، فلجأ إلى الغار وطمأنه النبي (ص) ، ثم إنصرف المشركون بالإعجاز الإلهي ونزلت الآية.
( 13 ) - الظاهر أن الماكرين قد قاموا بتصحيف وتزوير كبيرين ، ليوافق إسم ( أبي بكر ) إسم ( إبن بكر ) ، فقد غيروا إسم أبي بكر الحقيقي ( عتيق ) وجعلوه ( عبد الله) ليوافق إسم ( عبد الله ) بن أريقط بن بكر ، ( مختصر تاريخ دمشق لإبن عساكر: ج 13 ص 35) ، وبهذا بقي التغيير بين ( إبن بكر ) و ( أبي بكر ) وهو سهل وبسيط ، لأن الكتابة في السابق لم تكن منقوطة ، لذا فإن إسم أبي بكر وكذلك إبن بكر يكتبان بالطريقة نفسها ، ولهذا نظائر في التاريخ ، فقد قام العباسيون بتصحيف إسم عباس بن نضلة الأنصاري ، الصحابي الذي إستشهد في معركة أحد ، ليسرقوا فضائله ويلصقوها بالعباس بن عبد المطلب.
( 14 ) - إن الروايات التي تذكر هجرة أبي بكر مع خاتم الأنبياء (ص) هي روايات إسرائيلية ، لأنها تشتمل على بعض التفاصيل الواضح إتصالها باليهود وتراثهم ، من تلك القضايا ، أن حمامة قد جاءت وباضت بيضة إمام الغار ، وأن عنكبوتاً قد جاء ونسج خيوطه على فتحة الغار ، الأمر الذي جعل المشركين يتوهمون عدم وجود أحد فيه ، وهذا الأمر مناقض للعقل وللصحيح من الروايات ، لأن غار ثور - كما شاهدناه - هو غار صغير لا تتعدى مساحته مترين مربعين فقط ، فمن غير الممكن أن يحجب أي شيء الرؤية إلى داخله ، فلو وقف أي شخص إمام فتحة الغار لشاهد كل ما فيه بشكل واضح جداًً ، لأنه غار صغير ، ويضاف إلى ذلك أن هناك فتحة أخرى جانبية في الغار ، الأمر الذي يجعل الضوء ينفذ ويضيء الغار بأكمله مما يسهل الرؤية ، لذا فلا معنى لخيوط عنكبوت ولبيضة حمامة ، فالرؤية واضحة تماماًً.
والحقيقة أنهم قد جاؤوا برواية العنكبوت من سيرة النبي داود (ع) في كتب اليهود ، حيث نسج العنكبوت خيوطه على غار داود (ع) عندما لاحقه جالوت بغرض قتله ، ( تفسير القرطبي: ج13 ص 346 ) ، والصحيح أن المشركين عندما وصلوا إلى الغار عميت أبصارهم ولم يتمكنوا من مشاهدة أي أحد داخل الغار ، كما حصل عندما مر النبي (ص) إمام أعينهم في خروجه من بيته في مكة المكرمة.
قال أبو الطفيل عامر بن واثلة ، عن أبيه : ( كنت أطلب النبي فيمن يطلبه وهو في الغار ، فنظرت فيه فلم أر أحداًًً ) ونظر القرشيون في الغار أيضاًً فلم يشاهدوا أحداًًً ، ( الإصابة: ج 7 ص 194) ، إن هذا يؤكد أن المشركين قد عميت أبصارهم ، عن مشاهدة رسول الله (ص) ، وكذلك صاحبه ودليله عبد الله بن بكر.
( 15 ) - نجد في التاريخ أن أعاظم أصحاب الأئمة (صلوات الله عليهم) قد إتهموا بعدم إعتقادهم بوجود آية : ( ثاني إثنين إذ هما في الغار ...) ضمن القرآن لأنهم لا يعتقدون بنزول آية واحدة في حق أبي بكر! ، قال إبن حجر نقلاًًً ، عن الحافظ : أخبرني : النظام وبشر بن خالد قالا : قلنا لمحمد بن جعفر الرافضي المعروف بشيطان الطاق : ويحك! أما إستحييت لما قلت : إن الله لم يقل قط في القرآن : ( ثاني إثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا )؟! ، قال : فضحك طويلاًً حتى خجلنا نحن وكنا نحن الذين قلنا ذلك ) ، ( لسان الميزان لإبن حجر: ج 5 ص 108) .
إن مؤمن الطاق من أعظم تلاميذ الإمام الصادق (ع) ولا يمكن أن يخرج ، عن إعتقاده ، والواضح أن إتهامه بها الاتهام الخطير مرده إلى عدم إعتقاده بنزول آية آية في شأن أبي بكر، مما يعني أن آية : ( ثاني إثنين ...) عنده نزلت في رجل آخر ، وهو إبن بكر ، ولذا وجدنا خصومه يشنعون عليه عندما رأوه ينفي نزول قرآن في حق أبي بكر ، والتهمة نفسها اتهِم بها هشام بن الحكم ، الذي كان يقول بعدم نزول قرآن في شأن أبي بكر ، وبذلك رموه بنقص القرآن لأنهم ربطوا آية الغار بأبي بكر غصباً! ، فيكون عندهم الذي لا يعتقد بنزول آيات في أبي بكر كمن يعتقد بنقص القرآن!.
( 16 ) - كان العلماء والمثقفون والحكام من التابعين المنتشرين في شرق الأرض ومغربها عارفين بعدم صحبة أبي بكر للنبي (ص) في الغار والهجرة ، ومن هؤلاء محمد بن المهدي مؤسس الدولة الفاطمية الذي كان يكذب حضور أبي بكر في الغار وهجرته مع الرسول (ص) ، ( سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 12 ص 133).
ومحمد بن المهدي من العلماء الأشراف المنحدرين من نسل رسول الله (ص) وقد هاجر من الكوفة إلى شمال أفريقيا حيث مكنه الله تعالى من تأسيس أقوى دولة إسلامية في أفريقيا ثم إزدادت عظمة بعد سيطرتها على شبه جزيرة العرب والشام ومصر متخذة من القاهرة عاصمة لها.
إن مما هو بين أن قصة هجرة النبي (ص) مع أبي بكر وحضوره وإياه في الغار هي من إختلاقات الأنظمة الحاكمة ، ولقد شرحنا في كتابنا الذي سيصدر قريباًً إن شاء الله تعالى كيفية ترسيخ الحكومات تاريخياً لهذه القصة في أذهان الناس ، فقد قامت السلطة بحرق جميع الأحاديث الواردة ، عن رسول الله (ص) لطمس كثير من الحقائق ومن بينها حقيقة أن الذي هاجر مع النبي هو دليله إبن بكر ، وليس أبابكر.
وما دام ذلك قد حصل فإنه يسهل الترويج لأية أكذوبة لأنه ما من مصدر يرجع إليه المسلمون للتأكد من صحة هذا الحديث ، وقد إستمرت سياسة التعتيم على الأحاديث النبوية حتى أيام عمر بن عبد العزيز الأموي ، أي بعد عشرات السنين من حادثة الإحراق والمنع من تدوين السنة النبوية الشريفة.
ومثلما إختلق الأمويون رواية أن لرسول الله (ص) إبنتان قد زوجهما من عثمان بن عفان ، مستفيدين من كونهما من ربيبات خديجة أم المؤمنين (ع) ، كذلك فقد عمد رجال السقيفة ومن تبعهم من الأمويين إلى تزوير حادثة الغار وإلصاق أبي بكر بها زوراً ، مستفيدين من شخصية إبن بكر الذي هاجر مع النبي فعلاً ، كما قام العباسيون بالإستفادة من شخصية العباس بن نضلة الأنصاري وسرقة فضائله لجدهم العباس بن عبد المطلب.
تاريخ الزيف.. وزيف التاريخ
هذه هي النتيجة التي توصل إليها الشيخ الطائي بعد بحث مضن جهيد في جميع مصادر أهل العامة ، فطوى بذلك 1422 سنة من الكذب والإختلاق اللذان لفا تلك القضية وأخرجاها ، عن واقعها الحقيقي
بهدوء واضح وبرصانة علمية ناقش الطائي أكذوبة أن أبابكر بن أبي قحافة هو من صحب رسول الله (ص) في هجرته المباركة من مكة إلى المدينة ، والكلام الذي يقال : من أنه قد لجأ مع النبي الأكرم (ص) في غار جبل ثور للاختباء من الكفرة الذين يلاحقونهما فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة : ( ثاني إثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ).
ورد الشيخ في بحثه المعمق على جميع الإستدلالات التي يوردها أهل السنة في شأن حضور أبي بكر في الغار ، معتمداًً على كتبهم ومصادرهم الحديثية والسيرية ، وعليه فقد كسر الشيخ جميع القواعد التي بنيت على هذه الفرضية ، والتي يحاول منها القوم إثبات أفضلية لأبي بكر تؤهله للخلافة وقيادة الأمة.
ورغم أن القواعد التي بنيت على تلك الفرضية لم تكن سليمة ، إذ يظهر - عند التدقيق في اللفظ والسياق - أن الآية الكريمة هي في مقام الذم لا المدح لأن الرجل الذي كان مع النبي (ص) تلقى نهيا عن (حزنه) وهو ما ينبئ ، عن كونه ارتكب معصية، كما إن هذا الرجل حرم من السكينة إذ إقتصر نزولها على النبي .. رغم ذلك إلا أن فقهاء العامة إستماتوا في إثبات أن الآية تمدح أبابكر وتجعل له مرتبة رفيعة رغم مخالفة هذه النتيجة لظاهر النص القرآني.
ويأتي الإنجاز العلمي الباهر الذي حققه سماحة الشيخ الطائي في بحث هذه القضية ليبدد كل الأوهام التي إرتبطت بها وكل التفسيرات غير المنطقية التي التصقت بالآية الشريفة ، التي ثبت أنها لم تنزل في أبي بكر لأنه - في الأصل - لم يهاجر مع النبي ولم يكن في الغار بل كان قد هاجر مع البقية إلى المدينة قبل مجيء الرسول (ص) إليها ، وما دام قد ثبت ذلك فإن كل الإمتيازات العقائدية التي منحها أهل العامة لأبي بكر - بناء على فرضية النزول - ستنتفي وسيتجرد هو منها تلقائياً.
ان رجال الحزب القرشي حاولوا جهدهم حشر أبي بكر في قضية الغار والهجرة متشبثين بكل الوسائل الممكنة في هذا المجال ، فإنتشرت عشرات الأحاديث المختلقة بين الناس ووضعت الدولة عيداًً كبيراًً لهذه المناسبة ، ولأن حبل الكذب قصير فقد تبين أن هذه الأكذوبة وضعت لمعارضة حادثة الغدير الواقعة في 18 ذي الحجة ، فقد جعل رجال السياسة حادثة الغار في 26 ذي الحجة! في حين كانت واقعة الغار في شهر صفر!.
ويتعب المرء من كثرة أكاذيب قريش وأذنابها وقدرتهم الفنية العالية في هذا المجال ، ويكفي أن تعلم أن دهاء قريش لا يلحقه دهاء في ذلك الوقت.
وإشتد هذا المكر بتلاحهم قريش واليهود فأصبح كعب الأحبار وهو شيطان اليهود واعظ المسجد النبوي في زمن عمر بن الخطاب وإستمر في منصبه في زمن عثمان بن عفان ، وإذا كان كعب اليهود معلماً للمسلمين يعلمهم دينهم فتصور ما يمكن أن يدخله في الدين من إفتراءات وإسرائيليات لا حصر لها!
وبلغ ذلك الدهاء قمته في تكفير السلطة للمسلم غير المعتقد بحضور أبي بكر في الغار! بينما قال الله تعالى في كتابه الشريف : ( ولا تقولوا لمن القى إليكم السلام لست مؤمناًً ).
إن ما هو منتشر بشكل خاطئ بين المسلمين في شأن هذا الموضوع ، أن النبي (ص) خرج من بيته ليلة الهجرة وقد أنام علياً (ع) في مكانه ، وقد كان خروجه إعجازياً لأن مشركي قريش الذين كانوا يحوطون داره لم يروه بعدما قرأ الآيات : ( وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون ...) فعموا ، عن مشاهدته ، ثم توجه (ص) إلى بيت أبي بكر بن أبي قحافة ، وهناك أنتظر إلى الصباح ثم خرج هو وأبوبكر للهجرة بصحبه أحد أدلاء الطرق ويدعى عبد الله بن أريقط بن بكر ، وبدلاً من أن يسلك إبن بكر بهما طريق الشمال حيث يثرب (المدينة المنورة) فإنه سلك بهما طريق الجنوب ، أي جنوب مكة ، تمويهاً للكفار الذين كانوا يريدون القضاء على خاتم الأنبياء (ص) ورسالته السماوية.
إلا أن الكفار فطنوا إلى ذلك من خلال دليل آخر هو كرز بن علقمة الخزاعي ، الذي تتبع آثار أقدام النبي (ص) وقارنها بقدم جده إبراهيم (ع) ، فوصلوا أخيراً إلى جبل (ثور) حيث كان النبي (ص) وأبوبكر في غاره مختبئين ، وعندما وصلوا هناك بدأ أبوبكر يرتجب وكان حزيناًً وخائفاً ، فنهاه النبي (ص) ، عن ذلك بقوله له : ( لا تحزن إن الله معنا ) ، وقد جاءت في تلك اللحظات حمامة وباضت بيضة إمام الغار ، ثم جاء عنكبوت من العناكب فنسج خيوطه على الغار أيضاًً ، الأمر الذي جعل كفار قريش ينصرفون لإعتقادهم أنه مادامت الخيوط العنكبوتية موجودة وكذلك البيضة فإن أحداًًً لم يدخل في هذا الغار.
وكذبوا بذلك دليلهم كرز بن علقمة رغم تأكيده مراراًًً على أن النبي موجود في هذا الغار ، وبقي النبي (ص) مع أبي بكر في هذا الغار ثلاثة أيام إنتظاراً لهدوء حملات الملاحقة ضده، وطوال تلك الفترة كانت أسماء بنت أبي بكر هي التي تأتي بالطعام من مكة إلى الغار لتقديمه إلى رسول الله وإلى أبيها ، بعد ذلك تحرك النبي (ص) نحو المدينة بصحبة دليله عبد الله بن أريقط بن بكر ، ووصل إليها وإستقبله المسلمون مبتهجين فرحين.
هذه هي محصلة ما يتناقله المسلمون في شأن قضية غار جبل ثور ، وهي محطة لعبت فيها السياسة بألاعيبها ، ونحن هنا سنبرهن إن شاء الله على بطلان كثير من تفاصيل هذه الرواية بناء على مصادر أهل السنة ، كقضية كون أبي بكر مع النبي في الهجرة وفي الغار ، وكقضية أن أسماء بنت أبي بكر هي التي كانت تغذي الرسول وتهيئ له الطعام وتوصله إليه ، وكقضية أن الحمامة قد باضت والعنكبوت قد نسج خيوطه وما شاكل ذلك من أمور عارية ، عن الصحة ، والتي شابت هذه الحادثة التاريخية العظيمة عن طريق الإسرائيليات.
( 1 ) - أول ما يجب أن نعلمه أن النبي (ص) قد إعتمد أسلوب السرية التامة في أمر هجرته تلك الليلة ، خاصة بعدما أمر بهجرة جميع المسلمين إلى المدينة ، وأبقى علياً (ع) لأنه وصيه والقائم مقامه في تأدية حقوق وأمانات الناس المودعة عنده ، وكان لابد من إعتماد أسلوب السرية لأن كفار قريش كانوا يحيكون المؤامرات للحيلولة دون وصول النبي (ص) إلى يثرب ، حيث سيقود من هناك الدولة التي ستحطم ملكهم وسلطانهم وتقضي على جبروتهم ، لذا فإن أحداًًً لم يكن عالماًًً بخروج النبي في تلك الليلة سوى أهل بيته المقربين ، علي وفاطمة (ع) ، وأم هانئ بنت أبي طالب (ع).
- ومصادر أهل السنة متفقة : على أن أبابكر لم يكن عالماًًً بخروج النبي في تلك الليلة ، بل فوجئ بمسألة الهجرة صباحاًً فطلب منه أن صحبه ، فقبل النبي (ص) ، ( تفسير القرطبي: ج 3 ص 21، تاريخ الطبري: ج 2 ص 102، البحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 118).
- إن هذه السرية تتناقض مع الرواية المنقولة ، والتي تقول بأن النبي قد خرج من بيت أبي بكر نهاراًً وإمام مرأى من المسلمين كلهم! ( تاريخ الطبري: ج 2 ص 100) ، فكيف يحرص النبي على إنجاح مشروع الهجرة وهو يعرض نفسه للقتل هكذا إمام الكفار ، ويمشي أمامهم في النهار في طريقه إلى خارج مكة؟! وكيف يمكن ذلك وقد كان الكفار يطلبونه ويلاحقونه في أي مكان وقد كانوا ليلتها قد أحاطوا بداره متقلدين سيوفهم عزماً على قتله! إن هذا يعني الإنتحار! وهذا يضع علامة إستفهام كبيرة على مسألة توجه النبي إلى بيت أبي بكر وإنطلاقه من هناك صباحاًً.
لقد كان من حرص النبي (ص) على إنجاح الهجرة والتستر ، عن أعين المجرمين ، أن طلب من المسلمين القليلين المتبقين في مكة عدم الهجرة في تلك الليلة التي سيهاجر فيها ، مخفياً عنهم سبب طلبه ، وكان من حرصه أن إختار وقت الهجرة ليلاًً وفي نهاية شهر صفر لئلا يكون في السماء ضوء القمر فينكشف في الطرقات ، فبالنظر إلى هذه الحيطة والسرية الكاملتين ، هل من المعقول أن يخرج النبي (ص) صباحاًً وإمام أعين المشركين؟! بالطبع لا .. لذا فما دامت الرواية تقول أنه قد خرج صباحاًً من بيت أبي بكر فإنها تسقط تلقائياً.
( 2 ) - إن الرواية تتقاطع مع روايات أخرى ، قد تبدو مضحكة بعض الشيء ، حيث يذكر أن النبي (ص) خرج من بيته متوجهاً مباشرة إلى غار ثور ، وفي تلك الأثناء ذهب أبوبكر إلى بيته فلم يجده ، فسأل علياً (ع) فأخبره الإمام بأن النبي في طريقه إلى خارج مكة ، فإنطلق أبوبكر ليلحق بالنبي وقد كان يحمل جرساً معه ، فعندما أدركه ظن النبي أن أبابكر من المشركين فأسرع في المشي حتى يبتعد عنه ، ولكن الله جعل شسع نعله ينقطع فإنطلق إبهام رسول الله (ص) بالحجر وسالت منه الدماء ، الأمر الذي أدى إلى توقف الرسول ، عن المسير إضطراراً ، وعندئذ وصل أبوبكر إليه فإجتمع معاًً وسارا خارج مكة! ( تاريخ الطبري : ج2 ص 102).
إن هذه الرواية توضح جانباً من الكذب والبهتان ، فكيف يمكن أن يدخل أبوبكر بيت رسول الله والحال أن البيت محاصر من قبل المشركين في تلك الليلة العصيبة ولم يكن يسمح لأي أحد بالخروج أو الدخول؟! وكيف له أن يسأل علياً (ع) وهذا معناه كشف الخطة النبوية لأنه سيتبين لدى المشركين أن هذا النائم ليس محمداً بل علي؟! ، ثم كيف إستطاع أبوبكر أن يعرف الزقاق الذي مر فيه رسول الله (ص)؟! وكيف تمكن من تشخيص ورؤية النبي في ذلك الليل الدامس؟!.
أما قضية فلق الإبهام وإنقطاع شسع النعل فربما نحن لسنا بحاجة إلى الرد عليها! فليس مجرد دم يسير خارج من إبهام رسول الله (ص) بجاعل إياه يتوقف ، عن إكمال مسيرته تجاه المدينة وتهديد مشروع الإسلام كله للخطر كون أحد المشركين يتعقبه .. لقد أُدمي النبي من رأسه إلى أخمص قدميه في رحلته لدعوة أهل الطائف إلى الإسلام عندما رموه (لعنهم الله) بالأحجار ، ولكنه لم يتوقف ، عن أداء مهمته تلك ، فكيف يتخلى ، عن أداء أعظم المهمات بهذه السهولة؟!.
إن هذه من الأراجيف الواضحة التي تحاول أن تصور أن لأبي بكر منزلة كبيرة عند السماء حتى يجبر الله نبيه على التوقف بإيذائه وإسالة الدم منه! ، إن هذا التناقض يثير علامة إستفهام أخرى ، فهل ذهب النبي إلى بيت أبي بكر ومن هناك إصطحبه معه ، أم توجه مباشرة إلى خارج مكة وفي الطريق أدركه أبوبكر؟! أيهما نأخذ؟! .. إذا تعارضتا تساقطتا.
( 3 ) - هناك شيء غريب في الرواية المزعومة ، إذ تذكر أن أسماء بنت أبي بكر كانت موجودة في بيت أبيها عندما وصل النبي (ص) إليه ، وأنه إستراح فيه قليلاًً ثم أخذ أبابكر معه ، ومن بعد ذلك كانت أسماء تأخذ إليهما الطعام في الغار ...
الغرابة هي في : كيف يمكن أن تكون أسماء في مكانين يبعد كل منهما عن الآخر الآف الآف الأميال في الوقت نفسه؟!
إن التاريخ يقول : إن أسماء بنت أبي بكر كانت في تلك الفترة مع زوجها الزبير بن العوام في الحبشة!! ( الثقات لإبن حبان: ج 3 ص 23 ).
إن هذا يدلل على أن (صناعة حكومية) وراء قصة صحبة أبي بكر للنبي (ص) في تلك الهجرة المباركة.
( 4 ) - هناك سؤال منطقي آخر هو : كيف يتوجه النبي (ص) إلى بيت أبي بكر الذي كان يحوي المشركين؟! إلاّ يفترض به أن لا يتوجه إلى ذلك البيت بالذات حتى لا يكشفه أحد من هؤلاء المشركين؟! ، إن بيت أبي بكر كان يضم كلاً من : إبنيه عبد العزى وعبد الله ، وأبنته عائشة ، وأمهم أم رومان (نملة بنت عبد العزى) بالإضافة إلى أبيه أبي قحافة.
وتنص الروايات على أن عبد العزى بن أبي بكر كان : ( كافراًًً عنيداً محارباً للإسلام )! ( تاريخ إبن عساكر: ج 13 ص 280 ).
وكذلك تنص على أن أم رومان كانت كافرة، وقد طلقها أبوبكر بعد هجرته إلى المدينة عند نزول آية: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر..) ! وكذلك تنص على أن أبا قحافة - والد أبي بكر - كان كافراًًً أيضاًً! ( شرح النهج: ج 13 ص 268).
فهل يعقل أن يتوجه النبي إلى هذا البيت في هذه الليلة الخطيرة التي خططت فيها قريش لقتله ووأد حركة الهجرة؟! هل يعقل أن يلجأ النبي إلى الذين يحاربونه ويرصدونه؟! هل يعقل أن يتكلم في ذلك البيت ، عن الهجرة ويأخذ أبابكر معه ولا يفترض أن أهله المشركين الموجودين في ذلك البيت سوف يكشفون الموضوع لرؤوس الكفر في قريش؟! ، إن هذا يدلل على أن النبي لا يمكن أن يكون قد ذهب إلى بيت أبي بكر إطلاقاً ، خاصة وأن عبد العزى بن أبي بكر كان من جملة الذين جندتهم قريش لملاحقة النبي (ص).
( 5 ) - لقد أجمعت الروايات على أن النبي (ص) قد توجه من بيته إلى الغار وحيداً فريداً ، وهذا أصل وجوهر الحادثة ، ( مسند أحمد: ج 1 ص 331، المستدرك: ج 3 ص 133، فتح الباري: ج 7 ص 8، سنن النسائي: ج 5 ص 113، شواهد التنزيل: ج 1 ص 135) ، والروايات الملفقة تقول : بأن أبابكر صحب النبي (ص) في طريقه إلى الغار ، ولكن ذلك يتناقض بشكل صارخ مع حقائق تاريخية ثابتة.
فعندما أخذ المشركون معهم دليلهم كرزبن علقمة الخزاعي لتتبع مسير رسول الله (ص) والقبض عليه ، رأى كرز آثار قدمي النبي فقال : ( هذه قدم محمد المشابهة للقدم التي في المقام ) ويقصد بها قدم إبراهيم الخليل (ع) في مقامه قرب الكعبة ، ( الإصابة: ج 5 ص 436، من له رواية في مسند أحمد لمحمد بن علي بن حمزة: ص 360، فتوح البلدان للبلاذري: ج 1 ص 64 ) ، ومادام كرز لم يذكر مشاهدته لآثار قدمي أبي بكر، فإن الأشكال على صحبته للنبي في هجرته يتعاظم ويكبر.
والمثير أن عبد العزى بن أبي بكر كان من بين مجموعة المشركين الذين كانوا يلاحقون النبي (ص) ( طالع ترجمة عبد الرحمن عبد العزى بن أبي بكر في تاريخ إبن عساكر وأسد الغابة ) ، وذلك يعني أن عبد العزى الذي هو إبن أبي بكر نفسه ، لم يتعرف على قدم أبيه ، كما لم يتعرف عليها الدليل كرز الخزاعي ، وهذا مما يزيد من الإشكال ويدلل على أن أبابكر لم يصحب النبي أصلاًً في تلك الرحلة.
( 6 ) - إن الرسول الأعظم (ص) لم يؤثر عنه أي قول أو نص يثبت فيه وجود أبي بكر معه في الغار ، ولو كان كذلك لحصل أبوبكر على منقبة عظيمة يستحق بها المديح والإطراء النبوي بينما لم نلحظ ذلك ، أي لم نسمع بحديث يقول فيه النبي ، عن أبي بكر : ( هو صاحبي في الغار ) مثلاًًً بل على العكس من ذلك سمعنا النبي (ص) يذمه في كثير من المواطن ، فعندما تقدم أبوبكر للزواج من فاطمة (ع) رفضه ، وعندما تقدم عمر رفضه أيضاًً ، ولكن عندما تقدم أمير المؤمنين (ع) وافق النبي (ص) وقال له : ( أنت لست بدجال ) في تعريض واضح منه (ص) بأبي بكر وعمر ، ( مجمع الزوائد: ج 9 ص 204 ، طبقات إبن سعد: ج 8 ص 12 ، الإصابة: ج 1 ص 374 ) ، ولو كان أبوبكر حاضراً مع رسول الله (ص) في الغار ، وقد نزلت فيه تلك الآية ، لما عرض به النبي (ص).
يضاف إلى ذلك أن معظم الروايات المنقولة ، عن صحبة أبي بكر للنبي في الغار ، منقولة على لسان عائشة وأبي هريرة وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر ، وهؤلاء مشكوك في روايتهم لأنهم من المحسوبين على أبي بكر نفسه ، في المقابل لم نجد أحداً من معارضي أبي بكر ، كسعد بن عبادة والزبير بن العوام والحباب بن المنذر ومالك بن نويرة وغيرهم من الصحابة ، يقر بحضوره الغار ، إذ لو كانوا يقرون بذلك لما عارضوا حكمه وتمردوا عليه ورفضوا مبايعته بدعوى أنه (أبو فصيل) أي الذي لا فضائل له أو لقومه.
( 7 ) - جاء في كتاب البداية والنهاية لإبن كثير الأموي ، عن إبن جرير الطبري ما يؤيد هجرة رسول الله (ص) إلى غار ثور وحده، فخاف إبن كثير من هذه الرواية الصحيحة الدالة على بطلان صحبة أبي بكر فارتجف قائلاًً : ( وهذا غريب جداًً وخلاف المشهور من أنهما خرجا معاًً )! ( البداية والنهاية: ج3 ص 219، السيرة النبوية لإبن كثير أيضاًً: ج 2 ص 236 ).
( 8 ) - أجمعت الروايات على أن النبي (ص) خرج وحيداً إلى الغار ، وهناك سأل الله تعالى : إن يبعث إليه من يدله على الطريق ، فكان أن التقى النبي بالدليل عبد الله بن أريقط بن بكر حيث تذكر الروايات أن النبي قال له : ( يا إبن أريقط .. أأتمنك على دمي؟ ، فقال إبن بكر : إذا والله أحرسك وأحفظك ولا أدل عليك ، فأين تريد يا محمد؟ ، فقال (ص) : يثرب قال إبن بكر: لأسلكن بك مسلكاً لا يهتدي فيها أحد ) ، ( المستدرك: ج 3 ص 133، فتح الباري: ج 7 ص 8، سنن النسائي: ج 5 ص 113، شواهد التنزيل: ج 1 ص 135).
فما دام هذا هو الثابت ، أي أن النبي خرج مع إبن بكر - وليس أبابكر - من الغار متوجهاً إلى يثرب (المدينة المنورة) ، ومادامت جميع الروايات تذكر أن أهل المدينة وكذلك الذين يسكنون ما بين المدينة ومكة ، لم يشاهدوا سوى شخصين إثنين فقط ( الطبقات الكبرى لإبن سعد: ج 1 ص 230 ، سيرة إبن هاشم: ج 2 ص 100، عيون الأثر: ج 1 ص 248 ) ، فإن ذلك يعني أن أبابكر لم يكن مع النبي (ص) في هجرته ، لأن ذلك يتطلب أن يرى الناس ثلاثة أشخاص وليس شخصين فقط ، وكما ذكرنا فإن الثابت هو خروج النبي مع دليله إبن بكر ، لأنه بدونه لا يستطيع الإهتداء في طريقه إلى يثرب ، فهو الخبير بالطرقات والمسالك.
( 9 ) - الروايات المختلقة التي تقول أن أبابكر قد خرج مع النبي (ص) إلى الغار ، تذكر أيضاًً أن أسماء بنت أبي بكر تزودهما بالطعام طوال فترة مكوثهما في الغار والبالغة ثلاثة أيام.
إن هذا أمر يتناقض مع العقل والمنطق ، لأنه لو كان أبوبكر مهاجراًً مع النبي فعلاً لكان من أيسر اليسير على مشركي قريش أن يتعقبوا إبنته التي تخرج كل يوم ، ويتتبعوا خطواتها حتى يتوصلوا إلى مكان النبي (ص) ، خاصة وأن عبد العزى بن أبي بكر وهو أخ أسماء ويسكن معها في البيت نفسه ، كان من الذين يلاحقون النبي (ص) ، فكان سهلاً عليه ملاحظة أخته وهي خارجة كل يوم حاملة معها الطعام والزاد ، على أننا أثبتنا سابقاً أن أسماء لم تكن في مكة أصلاًً ، إذ كانت مع زوجها الزبير في الحبشة ، ضمن مجموعة المسلمين الذين لجؤوا إلى هناك.
وهذا التخبط والتضارب يسقط أكذوبة وجود أبي بكر مع النبي (ص) في الغار ، وينفي هجرته معه، بل يؤكد أنه قد هاجر مع بقية المسلمين في المجموعة الأولى المتوجهة إلى المدينة ، خاصة إذا ما أدركنا أن أبابكر كان ملازماً دائماً لعمر بن الخطاب في حله وترحاله ، وقد ثبت في السير أن إبن الخطاب قد هاجر إلى المدينة قبل هجرة النبي (ص) إليها.
( 10 ) - جاء في أصح كتب أهل العامة ما يثبت حقيقة أنه لم تنزل آية واحدة في القرآن تمدح أبابكر أوأهله ، فقد ورد ، عن عائشة في صحيح البخاري قولها : ( لم ينزل فينا قرآن ) ! ( صحيح البخاري: ج 6 ص 42 ، تاريخ إبن الأثير: ج 3 ص 199 ، الأغاني: ج 16 ص 90 ، البداية والنهاية: ج 8 ص 96 وغيرها كثير ).
وهنا فلنركز قليلاًً : لقد ذكرت عائشة هذا إمام جميع الصحابة والمسلمين الأوائل ، وقالت : لم ينزل فينا قرآن ، ولو كانت آية : ( ثاني إثنين ..) نازلة في أبي بكر لما قالت : هذا الكلام لأنها تنتقص بذلك أباها وتجرده من مزية واضحة في القرآن ، أو على الأقل لرد عليها الصحابة الذين يفترض أنهم متيقنون من حضور أبي بكر في الغار ، ولذكروها بالآية وبقضية هجرته مع النبي (ص) ، لكن شيئاًً من هذا لم يحدث ، وهو ما يثبت زيف أحاديث حضور أبي بكر في الغار ، حتى تلك المسندة إلى عائشة منها ، وهذا يوضح أن مسألة حضوره في الغار هي مسألة طارئة ولم تكن معروفة في صدر الإسلام.
خاصة أننا إذا تتبعنا التاريخ فإننا لن نجد إشارات واضحة على لسان أبي بكر حول حضوره في الغار ، وهجرته مع النبي (ص) ، مما يدعم كون القضية من إختلاقات السلطة لإثبات مزية لأبي بكر.
( 11 ) - كان يحيى بن معين من المشككين برواية حضور أبي بكر في الغار الواردة ، عن طريق أنس بن مالك. فكانت الشكوك تحوم حول ذلك الحديث بصور متعددة ، ( سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 10 ص 362 ، تهذيب الكمال للمزي: ص 29 ).
وقد ذكر حديث الغار العباس بن الفضل الأزرق ، عن ثابت ، عن أنس، فقال فيه يحيى بن معين : ( كذاب خبيث )! ( تاريخ بغداد: ج 12 ص 133 ).
وإذا نظرنا إلى رواة حديث الغار ، نجدهم بين كذاب ومدلس وضعيف ، فقد كان سليمان بن حرب يضعف حديث الغار الذي ذكره خالد بن خداش ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب بن نافع ، عن إبن عمر ، ( سؤالات الآجري لأبي داود سليمان بن الأشعث: ج 1 ص 399 ).
ولقد إزدادت الطعون في رواة الحديث المكذوب في حضور أبي بكر في الغار ، ( طالع تاريخ بغداد: ج 8 ص 302 ، تهذيب الكمال للمزي: ج 1 ص 314 ، تهذيب التهذيب لإبن حجر: ج 1 ص 27 ، تاريخ دمشق: ج 5 ص 235، سير أعلام النبلاء: ج 12 ص 232 ، ميزان الإعتدال للذهبي: ج 1 ص 73 وغيرها).
( 12 ) - إن الذي كان حاضراً مع النبي (ص) في الغار ، ليس سوى دليله إبن بكر ، الذي التقى به النبي (ص) في اليوم الأول من هجرته ومكوثه في الغار ، فطلب منه مساعدته ، واستجاب الرجل للأمر النبوي.
وقد ذكرت مصادر العامة أن إبن بكر كان مشركاًًً في ذلك الوقت! وهنا نضع علامة إستفهام كبيرة ، إذ لو كان إبن بكر مشركاًًً حقاًً فما الداعي لأن يساعد رسول الله (ص)؟!.
إن هذا يكشف جزءاًً من الحكمة النبوية ، فلقد كان إبن بكر يمارس التقية ، وكان يخفي إسلامه حتى يقوم بهذه المهمة العظيمة في حفظ رسول الإنسانية وإيصاله سالماًً إلى المدينة ، لقد كان إبن بكر معروفاًًً في أوساط كفار قريش بالكفر ، وكان يتظاهر بعبادة الأوثان ، حتى لا يشكوا فيه ، خاصة أنه كان من أشهر الأدلاء على الطرق.
إنه لم يرد في التاريخ أن النبي (ص) منح مكافأة لإبن بكر ، أو أنه كانت لديه مصلحة معينة معه ، حتى نقول مثلاًًً أنه قد ساعد النبي في الهجرة لغرض دنيوي ، فلابد لنا والحال هذه أن نقول : بأن إبن بكر كان رجلاًً مسلماًً صالحاًًً قام بدوره بدافع من عقيدته.
والذي يؤيد ذلك أنه مادام غائباً ، عن أذهان مشركي قريش أن إبن بكر مسلم ومن إتباع محمد (ص) ، فإنه لا يكون مراقباً من قبلهم ، وبذا يمكنه أن يوصل الطعام والأخبار إلى النبي في الغار طوال فترة مكوثه فيه ، والبالغة ثلاثة أيام حتى يهدأ ويسكن الطلب عليه ، ثم يتوجه به إلى المدينة ، والواضح أن إبن بكر في إحدى زياراته للنبي (ص) في الغار ، تفاجأ بمجيء مشركي قريش ووصولهم إلى الغار ، عن طريق الإستدلال على آثار قدمي النبي (ص) ، وهنا حزن إبن بكر وخاف ، فلجأ إلى الغار وطمأنه النبي (ص) ، ثم إنصرف المشركون بالإعجاز الإلهي ونزلت الآية.
( 13 ) - الظاهر أن الماكرين قد قاموا بتصحيف وتزوير كبيرين ، ليوافق إسم ( أبي بكر ) إسم ( إبن بكر ) ، فقد غيروا إسم أبي بكر الحقيقي ( عتيق ) وجعلوه ( عبد الله) ليوافق إسم ( عبد الله ) بن أريقط بن بكر ، ( مختصر تاريخ دمشق لإبن عساكر: ج 13 ص 35) ، وبهذا بقي التغيير بين ( إبن بكر ) و ( أبي بكر ) وهو سهل وبسيط ، لأن الكتابة في السابق لم تكن منقوطة ، لذا فإن إسم أبي بكر وكذلك إبن بكر يكتبان بالطريقة نفسها ، ولهذا نظائر في التاريخ ، فقد قام العباسيون بتصحيف إسم عباس بن نضلة الأنصاري ، الصحابي الذي إستشهد في معركة أحد ، ليسرقوا فضائله ويلصقوها بالعباس بن عبد المطلب.
( 14 ) - إن الروايات التي تذكر هجرة أبي بكر مع خاتم الأنبياء (ص) هي روايات إسرائيلية ، لأنها تشتمل على بعض التفاصيل الواضح إتصالها باليهود وتراثهم ، من تلك القضايا ، أن حمامة قد جاءت وباضت بيضة إمام الغار ، وأن عنكبوتاً قد جاء ونسج خيوطه على فتحة الغار ، الأمر الذي جعل المشركين يتوهمون عدم وجود أحد فيه ، وهذا الأمر مناقض للعقل وللصحيح من الروايات ، لأن غار ثور - كما شاهدناه - هو غار صغير لا تتعدى مساحته مترين مربعين فقط ، فمن غير الممكن أن يحجب أي شيء الرؤية إلى داخله ، فلو وقف أي شخص إمام فتحة الغار لشاهد كل ما فيه بشكل واضح جداًً ، لأنه غار صغير ، ويضاف إلى ذلك أن هناك فتحة أخرى جانبية في الغار ، الأمر الذي يجعل الضوء ينفذ ويضيء الغار بأكمله مما يسهل الرؤية ، لذا فلا معنى لخيوط عنكبوت ولبيضة حمامة ، فالرؤية واضحة تماماًً.
والحقيقة أنهم قد جاؤوا برواية العنكبوت من سيرة النبي داود (ع) في كتب اليهود ، حيث نسج العنكبوت خيوطه على غار داود (ع) عندما لاحقه جالوت بغرض قتله ، ( تفسير القرطبي: ج13 ص 346 ) ، والصحيح أن المشركين عندما وصلوا إلى الغار عميت أبصارهم ولم يتمكنوا من مشاهدة أي أحد داخل الغار ، كما حصل عندما مر النبي (ص) إمام أعينهم في خروجه من بيته في مكة المكرمة.
قال أبو الطفيل عامر بن واثلة ، عن أبيه : ( كنت أطلب النبي فيمن يطلبه وهو في الغار ، فنظرت فيه فلم أر أحداًًً ) ونظر القرشيون في الغار أيضاًً فلم يشاهدوا أحداًًً ، ( الإصابة: ج 7 ص 194) ، إن هذا يؤكد أن المشركين قد عميت أبصارهم ، عن مشاهدة رسول الله (ص) ، وكذلك صاحبه ودليله عبد الله بن بكر.
( 15 ) - نجد في التاريخ أن أعاظم أصحاب الأئمة (صلوات الله عليهم) قد إتهموا بعدم إعتقادهم بوجود آية : ( ثاني إثنين إذ هما في الغار ...) ضمن القرآن لأنهم لا يعتقدون بنزول آية واحدة في حق أبي بكر! ، قال إبن حجر نقلاًًً ، عن الحافظ : أخبرني : النظام وبشر بن خالد قالا : قلنا لمحمد بن جعفر الرافضي المعروف بشيطان الطاق : ويحك! أما إستحييت لما قلت : إن الله لم يقل قط في القرآن : ( ثاني إثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا )؟! ، قال : فضحك طويلاًً حتى خجلنا نحن وكنا نحن الذين قلنا ذلك ) ، ( لسان الميزان لإبن حجر: ج 5 ص 108) .
إن مؤمن الطاق من أعظم تلاميذ الإمام الصادق (ع) ولا يمكن أن يخرج ، عن إعتقاده ، والواضح أن إتهامه بها الاتهام الخطير مرده إلى عدم إعتقاده بنزول آية آية في شأن أبي بكر، مما يعني أن آية : ( ثاني إثنين ...) عنده نزلت في رجل آخر ، وهو إبن بكر ، ولذا وجدنا خصومه يشنعون عليه عندما رأوه ينفي نزول قرآن في حق أبي بكر ، والتهمة نفسها اتهِم بها هشام بن الحكم ، الذي كان يقول بعدم نزول قرآن في شأن أبي بكر ، وبذلك رموه بنقص القرآن لأنهم ربطوا آية الغار بأبي بكر غصباً! ، فيكون عندهم الذي لا يعتقد بنزول آيات في أبي بكر كمن يعتقد بنقص القرآن!.
( 16 ) - كان العلماء والمثقفون والحكام من التابعين المنتشرين في شرق الأرض ومغربها عارفين بعدم صحبة أبي بكر للنبي (ص) في الغار والهجرة ، ومن هؤلاء محمد بن المهدي مؤسس الدولة الفاطمية الذي كان يكذب حضور أبي بكر في الغار وهجرته مع الرسول (ص) ، ( سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 12 ص 133).
ومحمد بن المهدي من العلماء الأشراف المنحدرين من نسل رسول الله (ص) وقد هاجر من الكوفة إلى شمال أفريقيا حيث مكنه الله تعالى من تأسيس أقوى دولة إسلامية في أفريقيا ثم إزدادت عظمة بعد سيطرتها على شبه جزيرة العرب والشام ومصر متخذة من القاهرة عاصمة لها.
إن مما هو بين أن قصة هجرة النبي (ص) مع أبي بكر وحضوره وإياه في الغار هي من إختلاقات الأنظمة الحاكمة ، ولقد شرحنا في كتابنا الذي سيصدر قريباًً إن شاء الله تعالى كيفية ترسيخ الحكومات تاريخياً لهذه القصة في أذهان الناس ، فقد قامت السلطة بحرق جميع الأحاديث الواردة ، عن رسول الله (ص) لطمس كثير من الحقائق ومن بينها حقيقة أن الذي هاجر مع النبي هو دليله إبن بكر ، وليس أبابكر.
وما دام ذلك قد حصل فإنه يسهل الترويج لأية أكذوبة لأنه ما من مصدر يرجع إليه المسلمون للتأكد من صحة هذا الحديث ، وقد إستمرت سياسة التعتيم على الأحاديث النبوية حتى أيام عمر بن عبد العزيز الأموي ، أي بعد عشرات السنين من حادثة الإحراق والمنع من تدوين السنة النبوية الشريفة.
ومثلما إختلق الأمويون رواية أن لرسول الله (ص) إبنتان قد زوجهما من عثمان بن عفان ، مستفيدين من كونهما من ربيبات خديجة أم المؤمنين (ع) ، كذلك فقد عمد رجال السقيفة ومن تبعهم من الأمويين إلى تزوير حادثة الغار وإلصاق أبي بكر بها زوراً ، مستفيدين من شخصية إبن بكر الذي هاجر مع النبي فعلاً ، كما قام العباسيون بالإستفادة من شخصية العباس بن نضلة الأنصاري وسرقة فضائله لجدهم العباس بن عبد المطلب.