المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المفتاح الذهبي للحياة المشتركة


الرحيق المختوم
23-02-2013, 07:41 AM
محاضرة لحجة الإسلام والمسلمين سماحة الأستاذ علي رضا بناهيان في موضوع كمال الأسرة:
المفتاح الذهبي للحياة المشتركة


اصلاح الرؤية

اهمية تقوية وإصلاح بناء الاسرة

ما السبب في اختيار بحث الأسرة؟ وما هي أهمية أمثال هذه المواضيع؟ أما كان هناك بحث آخر مقدما على هذه البحوث في هذا المقطع الزمني؟ أوليس من الأفضل الخوض في المسائل التي يبتلي بها الشباب أو في مشاكل المجتمع الثقافية الضخمة وغيرها من الأمور؟ يعتقد كثير من الناس بأن الأحرى في هذه الأيام تناول المسائل الثقافية والعمل في سبيل تحسين قضايا المجتمع الثقافية. أمّا تجربتي التي حصلت عليها في طوال سنيِّ نشاطاتي الثقافية هي إن أكثر البرامج والخطط الثقافية في المجتمع لا تجدي نفعا.
فمثلا التخطيط لكي يصبح الانسان او المجتمع مصلّيا او لجعل التلاميذ أكثر أدبا أو أكثر درسا أو وضع البرامج للحدّ من الانحراف والإجرام في المجتمع وغيرها من النشاطات لا تجدي نفعا وإن كانت جيدة، إذ أن العمل الأصلي والأصيل هو تقوية وإصلاح بناء الأسرة.
قبل فترة كنت في جلسة مع عدّة من مدراء الإذاعة والتلفزيون، وكان البحث يدور عن ماهية المخاطب الأصلي للاذاعة والتلفزيون. فكانوا يعتقدون بأن المخاطب الأصلي هو الفرد والمجتمع. فقلت لهم: هذا تصور خاطئ وأبعدوه عن أذهانكم. فمخاطبكم هو الأسرة فحسب، لا الفرد ولا المجتمع. لا الفرد الذي تشاهدونه بمفرده ولا المجتمع متكون من أفراد مجتمعين. فالمجتمع يعني الأسر التي تعيش فيه. إذ الوحدة الاصيلة للمجتمع هي الأسرة. وهوية كل شخص تتشكل من أسرته. على هذا يمكن اعتبار وضع البرامج والتخطيط لتحسين وتقوية بناء الأسرة، أهم عمل لرفع مستوى المجتمع ثقافيا.
فمن الممكن إثبات هذا المدعى في محله وهو: أن العمل في سبيل توسعة الدين وردع الاستكبار العالمي و الوقوف أمام الغزو الثقافي وعلى رأس كل هذه الأمور، تحقق ظهور الإمام الحجة (عج) لا يتمّ إلا بإصلاح الأسر في المجتمع أولا. فما لم يكن للمتدينين عوائل جيدة ستتفشى حالة التظاهر بالتديّن، وما لم تكن العوائل الشيعية بحياتها البسيطة هي القدوة للباقين، سوف لا تتحقق الارضية لفرج الإمام الحجة (عج).
الملاحظة المهمة الأخرى هي إن أهم آلية صهيونية للسيطرة على المجتمعات الإسلامية وتحطيم قدرة الإسلام، هي القضاء على بنيان الأسرة المرصوص. بحثنا في الأسرة ليس بحثا دفاعيا. فنحن نعدّ هذا العمل الصهيوني ناجم عن مطالعات دقيقة وبسبب إدراكهم لقوة الأسر الشيعية. هذه القوة التي لربّما لم ندرك نحن أيضا عمقها الواقعي لحدّ الآن. إن تكليفنا اليوم تجاه إمام العصر والزمان (عج) هو تقوية الأسرة والاستعانة بهذه القوة لنشر تعاليم الإسلام إلى كل العالم. حتى لا يطول ليل الإنتظار من دون أن يصبح صباحه.

لابد للأسرة أن تكون راقية

إن أول قدم لمعرفة الأخلاق والحقوق المتبادلة بين الزوج والزوجة في رحاب الأسرة هو تشخيص الهدف من هذه المعرفة. فما سبب أهمية الوصول إلى هذه الإحاطة؟ فهل نطمح في أسرة بعيدة عن المشاكل و المتاعب وبعيدة عن الظلم أيضا؟ أو بالتعبير المعاصر هل نريد أسرة موفّقة؟ أم إننا نريد أكثر من هذا، نريد أسرة متعالية وسامية. فمن الطبيعي أن يفكر الجميع بأهمية القدرة على تحصيل أسرة موفّقة، بيد أن تصوّر الناس عن شاخص الأسرة الموفقة هو: الأسرة الخالية من الخصام والنزاع ومن الظلم أيضا والأسرة التي يمكن للزوجين في ظلّها أن يتحمّل كل واحد الآخر ويحصلا على لذة العيش فيها ويمكنهما أداء أعمالهما و واجباتهما الأخرى فيها بهدوء وسكينة. ولكن هذا التعريف عن الأسرة الناجحة، ناظر إلى الحدّ الأدنى من معالم الأسرة الموفقة. وإلا فنحن نسعى وراء تحقق أسرة راقية. وليس البحث في الألفاظ. فشاخص الأسرة الراقية يختلف عن شاخص الأسرة الموفقة. فلابد من إصلاح نظرة المجتمع عن الأسرة.

اللذة العاطفية في العوائل الراقية أتم وأكثر

كان من اللازم هنا ذكر بعض مقومات العائلة الراقية وشواخصها ليُعلم بأن الهدف من الحديث عن أخلاق وحقوق الأسرة هو الوصول إلى مثل هذا النموذج من العوائل. إن اللّذة والعاطفة المفعمة التي من طبيعتها أن تصل في بداية العلاقة بين الزوجين إلى الغليان، تتضاعف وتبلغ ذروتها وكمالها في الأسر الراقية لا أنها لا تبرد و لاتنطفئ فحسب. في حين أن أكثر الناس يراها علاقة عاطفية مقتصرة على الأيام الأولى من التعارف وتبرد بعد ذلك. فأغلب الناس يتصورون بأن الزوجين وبعد مدة من التعارف وتشكيل الحياة الزوجية فيما بينهم، تتحول علاقتهم إلى علاقة روتينية شيئا فشيئا ولا يبقى منها بعد حين إلا أن يضطرّ أحدهما إلى تحمل الأخر، أما المشاعر والعواطف الأولية، فلا يبقى لها ذكر. أما العلاقة في الأسر السامية التي نحن بصدد إيجادها يمكن أن تولد أرقى وأسمى أنواع العواطف الجياشة.
لقد جاء في السُنّة إن العلاقة بين الزوجين للمؤمنين كشراب مسكر. فالحياة لابد أن تكون على قدر واسع من اللذة والمحبة، لا أننا لابد أن لا نشعر بنقص في المحبة من الطرف الآخر فحسب، بل لابد من أن تكون أجواء الأسرة مفعمة بالعاطفة كي لا يشعر أولادنا بالنقص العاطفي، بل لا يشعر أحد من الأسرة بالحاجة إلى لفت انظار الآخرين تجاهه، وإلا فسيصاب أولادنا بصدمات لا يمكن جبرانها.
تترك العلاقة والمحبة بين الزوجين آثارها على العالم بشكل ملفت. فقد يؤثر كلّ من الزوجين على طول عمر الزوج الآخر وعلى رزقه فيما لو أرادا ذلك. إن لأهل المعرفة كلام طويل في هذا المضمار، فقد يؤجّل عمر الزوج في هذه الأسر بسبب عدم قبول زوجته بوفاته. ينقل عن أحد العرفاء في طهران وقد كان ينازع الموت في المستشفى، أنه عاد إليه الوعي فقال لأولاده إرجعوا بي إلى البيت. وعندما سألوه عن ذلك قال لهم: لم ترضَ أمّكم برحيلي، وقيل لي إذا لم تسمح زوجتك لا يمكنك الرحيل إلى ذلك العالم. أما عن آثار هذه العلاقة على الرزق، فينقل عن أحد العرفاء أن رزق الرجل متعلق بقلب زوجته، فإذا كانت طيبة القلب يأتيه رزقه، ولو كانت سيئة الخلق والعمل، تُغلق أبواب الرزق بوجهه... فيالها من آثار خفية على العالم. هذه العلاقة مؤثرة حتى على تحديد شخصية أولادنا أيضا وسأشير إلى بعض هذه الآثار في بعض المناسبات.
إذن، لو استطعنا أن نوصل بهذه العلاقة إلى أعلى نقطة ممكنة، سيترتب عليها آثار خفية لا تحصى. إنها تؤثر على حياة كلّ من الزوجين بل وعلى الأولاد أيضا والمتعلقين بل حتى على كل الوجود.
نحن لا نريد الحديث عن الأخلاق والحقوق في الأسرة بالمقدار الذي نقف به أمام الطلاق، أو لكي لاينجرّ الأمر إلى المخاصمة والشجار بينهما، لا أبدا، فنحنُ لم نُرِد هذا الأمر على الإطلاق! هدفنا من هذا البحث هو الوصول إلى أكثر قدر ممكن من البركات التي يمكن أن يشتمل عليها تشكيل الأسرة.

الأسرة تمثل أرضية للتكامل

لابد من تعريف الأسرة أولا لكي نحصل على رؤية كاملة لأخلاق وحقوق الأسرة؛ ولابد من تعريف كامل للحياة المشتركة بين الشاب والفتاة اللذين يتحولان شيئا فشيئا إلى الأب والأم.
فما هو تعريف الأسرة التي تتكون نواتها المركزية من زوجين شابّين؟ وماذا نفهم منها؟ لابد من السعي الدائم للنظر إلى الأبعاد المختلفة لهذه الظاهرة لنصل إلى التعريف الدقيق لها.
بظني ان تعريف الحياة المشتركة بين زوجين يعيشان معا، ويريد كلّ منهما أن يوصل صاحبه إلى الكمال هو:
إن الأسرة: هي أرضية للرشد و التكامل. أما كيفية الوصول إلى هذا المستوى، فهذا ما لا يرتبط بنا كثيرا. فنحن في مقام الاختيار يتحتم علينا الاهتمام كثيرا، أما على من ستقع قسمتنا وبأي طريق نصل إلى التكامل وماذا سيؤول إليه الامر أخيرا و...؟ هذه من الأمور التي لا ترتبط بنا كثيرا.
فقد يصل الزوج إلى التكامل بسوء خلق زوجته. فيجب ان نرفع بمستوى نظرنا في هذه المسألة عن نظرة العوام، وهذا ما سنتطرق إليه في البحوث اللاحقة. كما لابد من الإضافة إلى أن السير للوصول إلى نقطة التعادل والتوافق وكذلك السير للوصول إلى نقطة بداية التعالي، قد يدوم سنين طويلة. فليست هي مقتصرة على لذة الفترة الأولى من الزواج، فقد تطول مدة الوصول إلى هذه النقطة عشر سنوات.

البحرانية
01-03-2013, 12:35 AM
احسنت
نقل موفق للمحاضره ومجهود تشكر عليه يااخي الرحيق المختوم
ودوم هالمشاركات المفيدة ان شاء الله

جزيل شكري وامتناني وتقبل مروري وتحياتي

الرحيق المختوم
14-03-2013, 11:57 PM
احسنت
نقل موفق للمحاضره ومجهود تشكر عليه يااخي الرحيق المختوم
ودوم هالمشاركات المفيدة ان شاء الله

جزيل شكري وامتناني وتقبل مروري وتحياتي


أحسن الله لكم أختي الفاضلة وأشكرم جزيلا
أسعدني مروركم الطيب وشكركم الجميل فجزاكم الله خيرا
أسأل الله أن يوفقني لترجمة المزيد من محاضرات وأبحاث الشيخ بناهيان وأضعها بين يديكم.
تقبلوا تحياتي

نورالنجف
15-03-2013, 12:05 AM
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
أحسنتم أخي الفاضل للطرح القيم
وشكرا لجهودك المباركة
جزاك الله كل خير

الرحيق المختوم
17-03-2013, 10:55 AM
اللهم صلِ على محمد وآل محمد


أحسنتم أخي الفاضل للطرح القيم
وشكرا لجهودك المباركة
جزاك الله كل خير


اللهم صل على محمد وآل محمد

أحسن الله لكم أختي الكريمة على مروركن وتقديركم

الشكر لله وللأستاذ بناهيان الذي وقف نفسه لخدمة الشباب وتوعيتهم وهدايتهم بأبحاثه الراقية والقيمة والجديدة فجزاه الله خيرا

إن تواجدكم وتعليقكم يبعث في قلب الإنسان البهجة والسرور وهو في نفس الوقت مؤشر على نجاح العمل، ولكن لا تحرموني من ملاحظاتكم

واقتراحاتكم سواء في أسلوب الترجمة أو نوع اختيار الأبحاث أو مضامين محاضرات الشيخ وأبحاثه إلى غيرها من الملاحظات والاقتراحات.

أكرر شكري لكم وتقبلوا تحيتي

الرحيق المختوم
09-06-2013, 12:36 PM
أصول اختيار الزوج


اختيار الزوج وشريك الحياة تعدّ أول مرحلة من مراحل الزواج، وهذا الموضوع هو مدار بحثنا، وسيجد شبابنا الأجوبة على كثير من أسئلتهم في مواصلتنا لهذا البحث، فكثيرا ما يسألون عن هذا الأمر بالتحديد في الجلسات و عند الاستشارة. بيد أن الأمر المهم الذي يستدعي استرعاء الانتباه في مرحلة الاختيار و لربما بعد ذلك، هو ضرورة إصلاح الرؤية عن مسألة الاختيار.
الأصل الأول: هل الزواج يتم بانتخابنا أم بالتقدير الإلهي؟ ما هو أفضل اختيار؟
أما عن نظرتنا للزواج و كيف يجب أن تكون؟ وبعبارة أخرى، ما هي الحصيلة الأولى لتشكيل الأسرة؟ و هل تخضع لاختيارنا بالكامل أم لشيء آخر؟ فالكثير يسعى ليحصل على أفضل اختيار، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أولا ما معنى الاختيار الأفضل؟ ثانيا و هل بوسعنا الحصول عليه ؟
ما معنى الاختيار الأفضل؟ وهل بمعنى ذلك الشخص الذي لايريد الله أن يمتحننا عن طريقه؟ و هل بوسع الإنسان أن يقف أمام الامتحان الإلهي و يمنعه عنه؟ وهل الزوج الأفضل، هو الإنسان الذي ليس في وجوده أية نقطة ضعف؟ أو هل الأفضل هو الشخص الذي يمكنك تحمّل نقاط ضعفه؟ فلو كان الأفضل هذا، فكيف بوسع الإنسان التكامل؟ فأي منطق هذا يجعلنا عد هؤلاء هم الأفضل؟ أوليست الأسرة أرضية التكامل بالنسبة لنا؟ قد يقول قائل: إن أفضل اختيار، يعني الشخص الذي يلائمني. طيب، من هو الذي يلائمك؟ و من منا يعلم ما هو الذي يلائمه بالتحديد؟ لا يعلم هذا إلا الله سبحانه. و عليكم العلم بأن الله هو الذي اختار لنا أزواجنا. وليس علينا إلا السعي في مرحلة الاختيار، أما الزواج فهو من التقديرات المحددة لنا.


اختيارنا كاشف عن الإرادة الالهية


اختر من شئت؛ و فكر بكل من تتصور أنه الصالح و دعه في مخيلتك و احص ملاكاته و معاييره. لكن في نفس الوقت إعلم بأن أي عمل تقدم عليه، لايمكن أن تغير به المقدرات الإلهية في باب الزواج بسهولة. فالطرف المقابل لايحدده لنا إلا الله. فالله يريد أن يمتحنك في المستقبل بزوجك ليصل بك إلى الرشد بواسطته. لايعرفك حق المعرفة إلا الله عزوجل لذا فهو الذي يعلم بمن سيتم زواجك في المستقبل. استخر الله ماشئت لتعرف بأن هذه الزوجة هي الصالحة أم تلك. فالله يدعك حتى تنهي كل استخاراتك و استشاراتك واستعاناتك بكل الامكانات للوصول إلى الحل الصحيح. ثم بعدها لو أراد امتحانك بأذية زوجك لتتحول إلى انسان كامل، لا أحد على الإطلاق يمكنه تغيير هذا القدر الإلهي ولو بشيء يسير.
فقضية الاختيار كاشفة لنا عن التقدير الإلهي و ما كتبه الله لنا. لذا ليس علينا إلا العمل بالتكليف في مقام الاختيار ولا شغل لنا بالنتيجة.
عندما كنت شابا قصّ عليّ أستاذي قصة، فقال: لقد كان شاب يسكن في محلتنا، توسلت أمه بالسيدة الزهراء -سلام الله عليها- حتى تعيّن لولدها الزوجة الصالحة. فنذرت لذلك النذور و أطعمت لأجل ذلك من تشاء و عملت كل شيء يقربها لمرادها، إلى أن رأت السيدة الزهراء في الرؤيا وقد دلتها في رؤياها على بنت من أقاربها أو معاريفها، لكنهم كانوا يعرفون هذه البنت من السابق ولم يرضوا بها زوجا لابنهم. فقالت الأم في نفسها عند استيقاضها من نومها: لابد من إشكال في هذه الرؤيا؛ ولعلي أفرطت في الأكل البارحة أو ... فالأفضل أن استمر في توسلاتي، لكنها رأت نفس البنت مرة أخرى في الرؤيا. فعزموا على خطبتها و تم الزواج. فينقل الأستاذ عن هذا الشاب قوله: لقد تورطنا بهذه البنت ورطة كبيرة جدا، فقد كانت حياتي معها تعيسة، لكني مرتاح البال لهذا الاختيار ولديّ قناعة بأن السيدة الزهراء -سلام الله عليها- أرادت امتحاني بهذا الاختيار لأحصل به على التكامل. و الكلام بطبيعة الحال نفس الكلام بالنسبة للنساء. لايمكنكم على الاطلاق أن تقفوا أمام القدرة الإلهية بالإقدام على زواج غير مناسب في رأيكم. فلا تتخبطوا خبط عشواء، ولا تقدموا على فعل غير معقول، أنا لم أقصد بكلامي بأن لاتسعوا في مسألة الاختيار، أو أن سعيكم لا أثر له. فهذا الأمر جار في كل أبعاد حياتنا و مراحلها، فليس أمامنا إلا العمل بالتكليف و ترك التقدير لله سبحانه.
فقد ورد عن النبي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ما معناه :"لو دعوت الله أنا و ابراهيم و جبرئيل و إسرافيل في زواج شخص بغير من قدر الله له، لا يتم هذا الأمر"


يتبع إن شاء الله...

الرحيق المختوم
11-06-2013, 11:42 AM
لقد خلقنا الله لنصل في مسيرتنا هذه إليه. لقد خلقنا لنصل إلى رشدنا و تكاملنا بالامتحان. فهو الذي يعين لنا هذا الامتحان، كما و يعين لكل شخص زوجه و نصيبه. فقد يتم الزواج عن طريق إلقاء محبة أحدهما في قلب الآخر؛ وقد يتم بإصرار الوالدين، و قد يتم بأن يتعرف أحدهما على الآخر صدفة و هكذا. بيد أن أصل الزواج، ليس باختيارنا. لكن نتيجة مساعينا لاختيار الزوج، كاشفة عن الإرادة و التقدير الإلهيين. للعوام مثل يقول: لننتظر و نرى من سيكون قسمة من؟ ففي الحقيقة إن هذا ليس مثل العامة، بل هو استنباط عرفاني لحقيقة الزواج.
أمّا السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: ما محصل اختيار الانسان؟ و هل هناك منافاة بين التقدير الإلهي و انتخابنا؟ أولسنا نحن الذين اخترنا أزواجنا؟ إياكم و أن تقيّموا الاختيار على أنه لاينسجم مع التدخل الإلهي. فليس الأمر كما يتصور البعض بأن الأمور التي تجري باختيارنا ليس لله يد فيها بل يدعها بأيدينا كاملا. فليس لدينا أي اختيار مطلق حتى في اختيار سيارة الأجرة. فعملية الاختيار هي في الواقع عملية التمام بين إرادتنا و إرادة الله سبحانه. فلامناص من جعل هذه الحقيقة نصب أعيننا و هي أن اختيارنا، لايمكن أن يكون مطلقا، كما أن الجبر بطبيعة الحال أيضا لايمكن أن يكون مطلقا. و البسط في هذا الموضوع موكول للبحوث الكلامية ولا مجال هنا للخوض في هذا الموضوع بأكثر مما ذكر.
سأكتفي هنا بالقول بأن الزواج من أكثر الموارد التي يخضع فيه تدخل المشيئة الإلهية لتعلقه بكل حياتنا. فقد رسم الله لنا الخطة التي نمشي عليها في كل حياتنا ولا مجال بحال من الأحوال لضربها أو تغييرها. السعي لاختيار الزوج الأفضل هو تكليفنا وله الأثر المباشر على حياتنا. لكن لابدّ من العلم بأن هذا التكليف وهذا الأثر المباشر هو، مظهر المشيئة الإلهية في نوع الامتحان الذي يمتحننا الله به في حياتنا الأسرية. إذن، تكليفي في الاختيار له محله الخاص، و مسألة أن الله يفعل ما يشاء أيضا لها محلها الخاص. فأنت تختار و على أساس مجموعة من المصالح و المنافع. أما مسألة وصولك لهذه المصالح أو عدمها فهو موكول للسنّة الإلهية. نعم، لابد من القول بأن حسن عملك مأثر حتما في صلب الحقيقة والواقع التي أنت عليه الآن. وسأتناول مسألة حسن العمل وأبسط الكلام فيه أكثر في المواضيع القادمة.
الملاحظة الأخرى هي، قد يتصور البعض بأن المرء الجيد لابد وان يكتب الله له نصيبا جيدا مثله. بيد أن الشواهد الكثيرة تنصّ على خلاف هذا التصور، فقد استشهد بعض أئمتنا على يد أزواجهم، وهذا التصور ناشئ من عقيدة خاصة و هي أن الزواج الصالح بمثابة الجائزة على أعمال المرء الصالحة، فأي إنسان يصلح باطنه و عمله و إيمانه، يحصل على زوج صالح مثله. كلا، ليس الأمر هكذا. فزوج المرء أرضية رشده المعنوي، والله سبحانه هو بوحده يعين الزوج المناسب لرشدنا. فاختلاف زوجتك معك روحيا و المشاكل و المصادمات المترتبة على هذا الاختلاف قد تشكل أرضية الرشد المتزايد بالنسبة لك. ولعله كلما ازدادت الظرفية و السعة الوجودية للشخص كان نصيبه زوجا أقل مرافقة و موافقة و أكثر اختلافا. أو لم يكن الإمام الحسن - عليه السلام - و الامام الجواد - عليه السلام - يستحقان المرأة المؤمنة الصالحة؟
و المسألة الأخرى الجديرة بالتأمل؛ إن الله سبحانه لايحرمنا للطفه و كرمه بسبب بعض تقصيرنا و نقصنا. إذ كرمه سبحانه أكثر من أن يعاملنا بالنقص في التقدير بسبب ضعفنا و تقصيرنا تجاهه.
وكما أشرنا إليه سابقا و نشير إليه لاحقا أن سعي المرء للحصول على زوجة صالحة لايذهب جزافا أبدا. كما أن دعاؤه و دعاء أمه و أبيه بحقه أيضا مؤثر حتما. غير أن التقدير و المصلحة مع هذا لها مكانتها و أهميتها الخاصة.
فمع أن "الدعاء يرد القضاء ولو أبرم إبراما" بيد أن كثيرا من أعمالنا كاشفة عنه. فليس أمامنا إلا السعي بمقدار وسعنا و طاقتنا؛ وبه تتحقق قسمة كل فرد.
خلاصة القول، أن اختيار الزوج، متعلق بمصلحة العبد و خيره قبل كونه متعلق بكفاءاته أو تقصيره.
اسمحوا لي هنا أن أوضح لكم محصل الاختيار و الدور الإلهي فيه بمثال: فلو قرر شخص الزواج ببنت متشخصة ليشمخ بأنفه و يفخر بها أمام أقربائه المتشخصين، أمكن العلم بطبيعة البنت التي يسعى وراءها من خلال من يتفق تعرّفه عليهن في تلك الأيام. والله سبحانه هو وحده الذي عرفه عليهن.
ثم يعيّن واحدة من بينهن يمكنه أن يشمخ بأنفه و يفخر بها أمام أقربائه. و من حسن الصدف يجعل الله سبحانه في هذه البنت المعيّنة صفاتا غير قابلة للتحمل، لكي يجعلها سببا لرقية و الوصول إلى رشده. فهنا قد تم الاختيار من قبل الشخص، والله أيضا فعل ما يريد. إضافة إلى هذا قد يوقعه الله في صعوبات عديدة و يمتحنه امتحانات عسيرة بسبب نيته السيئة في الاختيار. على كل حال ليس اختيارنا بالاختيار المطلق.


يتبع إن شاء الله ...