kumait
23-02-2013, 04:57 PM
3 حقائب مدرسية
إبراهيم حاج عبدي - السبت ٢٣ فبراير ٢٠١٣
من بين عشرات بل مئات الصور ومقاطع الفيديو التي خرجت من مسرح التفجير الإرهابي الذي استهدف قبل يومين حي المزرعة في دمشق، كانت هنالك صورة وحيدة اختزلت فظاعة الحدث، وبدت مختلفة عن تلك الصور التقليدية، على قسوتها، التي أظهرت الأشلاء والدماء وأعمدة الدخان وألسنة اللهب والبيوت المحطمة...
صورة لثلاث حقائب مدرسية، تبدو من رسومها وألوانها التي احتفظت ببعض الرونق على رغم حجم الدمار الكبير الذي خلفه الانفجار، أنها لأطفال في المرحلة الابتدائية كانوا غادروا، للتو، مَلَل الدروس نحو رحابة الشارع كي يمارسوا شغبهم اليومي الجميل في الطريق المؤدي إلى البيت. كل الأطفال هكذا، يسيرون، بلا هدى، في خطوط متعرجة، يتقافزون من الرصيف إلى سور الحديقة، يتسابقون على نحو عشوائي إلى أن يصلوا إلى البيت... كانت تلك المرة الأخيرة التي احتضن فيها الشارع خطواتهم الصغيرة، فبقيت حقائبهم هناك تحتفظ بحرارة قلوبهم المتلهفة للوصول إلى البيت، بيد أن جحيماً عاجلاً سرق لهفتهم وأرواحهم، وأراد للمرح، الذي يصاحب الصغار وهم يعودون إلى بيوتهم، أن يتحول إلى بكاء مرير، ودموع لن تكفكف يوماً...
لم تظهر الكاميرا لون الفرح الذي كان يعلو محيا الأطفال قبل التفجير، ولن تنجح كذلك في إظهار تلك المرارة التي غزت قلوب ذويهم، بعد الانفجار. كل ما بقي من المأساة ثلاث حقائب مدرسية؛ مرمية على قارعة الطريق، كانت منذ لحظات ترمز إلى حلم جميل مقبل، وها هي فقدت أكتاف الصغار التي حملتها، وبقيت يتيمة عالقة في منتصف الطريق بين البيت والمدرسة، فيما صعدت أرواح أصحابها الصغار إلى السماء.
اعتدنا القول إن «الفضائيات حوّلت كل شيء إلى صورة على شاشة»، وهذه حقيقة تنطوي على كثير من الصواب، بيد أن الأمر لا يسير على هذا النحو دائماً، ففي مثال التفجير ثمة مساحات هائلة من الألم لا يمكن الفضائيات أن تصل إليها وتعبر عنها وتنقل معانيها ودلالاتها. هنا، يأتي دور الإشارات والعلامات التي، وإنْ عجزت عن الإحاطة بكل تفاصيل الحدث، إلا أنها تختزل رمزيته، وتفتح الباب أمام تأويلات لا تنتهي.
صورة الحقائب الثلاث، وقد مزقها الانفجار الأسود، حملت هذه الرمزية، تحديداً، وأمعنت في الذهاب بمعاني الفجيعة إلى المدى الأقصى، واختزلت فيضاً من التقارير والتحليلات التي لا تقول سوى ما هو واضح وبدهي، بل وممل، إذ «تفسر الماء بعد الجهد بالماء». الحقائب الثلاث بألوانها وسكونها القاسي روت، بأكثر من لسان، هول ما جرى، وبدت حمالة الظهر وكأنها يد رفعت في مناشدة صامتة للسماء تشتكي عنف البشر... ثلاث حقائب مبعثرة بين الحطام، لكنها قدمت إحصاء بسيطاً، لا خطأ فيه للأسف، يقول إن ثلاثة أطفال ستُمحى أسماؤهم، إلى الأبد، من دفتر الحضور في المدرسة القريبة.
إبراهيم حاج عبدي - السبت ٢٣ فبراير ٢٠١٣
من بين عشرات بل مئات الصور ومقاطع الفيديو التي خرجت من مسرح التفجير الإرهابي الذي استهدف قبل يومين حي المزرعة في دمشق، كانت هنالك صورة وحيدة اختزلت فظاعة الحدث، وبدت مختلفة عن تلك الصور التقليدية، على قسوتها، التي أظهرت الأشلاء والدماء وأعمدة الدخان وألسنة اللهب والبيوت المحطمة...
صورة لثلاث حقائب مدرسية، تبدو من رسومها وألوانها التي احتفظت ببعض الرونق على رغم حجم الدمار الكبير الذي خلفه الانفجار، أنها لأطفال في المرحلة الابتدائية كانوا غادروا، للتو، مَلَل الدروس نحو رحابة الشارع كي يمارسوا شغبهم اليومي الجميل في الطريق المؤدي إلى البيت. كل الأطفال هكذا، يسيرون، بلا هدى، في خطوط متعرجة، يتقافزون من الرصيف إلى سور الحديقة، يتسابقون على نحو عشوائي إلى أن يصلوا إلى البيت... كانت تلك المرة الأخيرة التي احتضن فيها الشارع خطواتهم الصغيرة، فبقيت حقائبهم هناك تحتفظ بحرارة قلوبهم المتلهفة للوصول إلى البيت، بيد أن جحيماً عاجلاً سرق لهفتهم وأرواحهم، وأراد للمرح، الذي يصاحب الصغار وهم يعودون إلى بيوتهم، أن يتحول إلى بكاء مرير، ودموع لن تكفكف يوماً...
لم تظهر الكاميرا لون الفرح الذي كان يعلو محيا الأطفال قبل التفجير، ولن تنجح كذلك في إظهار تلك المرارة التي غزت قلوب ذويهم، بعد الانفجار. كل ما بقي من المأساة ثلاث حقائب مدرسية؛ مرمية على قارعة الطريق، كانت منذ لحظات ترمز إلى حلم جميل مقبل، وها هي فقدت أكتاف الصغار التي حملتها، وبقيت يتيمة عالقة في منتصف الطريق بين البيت والمدرسة، فيما صعدت أرواح أصحابها الصغار إلى السماء.
اعتدنا القول إن «الفضائيات حوّلت كل شيء إلى صورة على شاشة»، وهذه حقيقة تنطوي على كثير من الصواب، بيد أن الأمر لا يسير على هذا النحو دائماً، ففي مثال التفجير ثمة مساحات هائلة من الألم لا يمكن الفضائيات أن تصل إليها وتعبر عنها وتنقل معانيها ودلالاتها. هنا، يأتي دور الإشارات والعلامات التي، وإنْ عجزت عن الإحاطة بكل تفاصيل الحدث، إلا أنها تختزل رمزيته، وتفتح الباب أمام تأويلات لا تنتهي.
صورة الحقائب الثلاث، وقد مزقها الانفجار الأسود، حملت هذه الرمزية، تحديداً، وأمعنت في الذهاب بمعاني الفجيعة إلى المدى الأقصى، واختزلت فيضاً من التقارير والتحليلات التي لا تقول سوى ما هو واضح وبدهي، بل وممل، إذ «تفسر الماء بعد الجهد بالماء». الحقائب الثلاث بألوانها وسكونها القاسي روت، بأكثر من لسان، هول ما جرى، وبدت حمالة الظهر وكأنها يد رفعت في مناشدة صامتة للسماء تشتكي عنف البشر... ثلاث حقائب مبعثرة بين الحطام، لكنها قدمت إحصاء بسيطاً، لا خطأ فيه للأسف، يقول إن ثلاثة أطفال ستُمحى أسماؤهم، إلى الأبد، من دفتر الحضور في المدرسة القريبة.