الرحيق المختوم
25-02-2013, 10:19 AM
محاضرة حجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ علي رضا بناهيان بمناسبة ميلاد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) في جمع طلاب جامعة إيران للعلوم الطبية:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا وحبيبنا أبي القاسم المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين، لاسيما الحجة روحي وأرواح العالمين له الفداء.
لنقف عند إنجاز النبي الأعظم (ص)
نحن قد نحب أحدا ولكننا قد لا نعتبره في غاية الكمال. نحن نحترم نبينا ونحبه، ولكن كم نعرف إنجازه العظيم؟ ما هو تقييمنا تجاه أثر رسالة رسول الله؟ أنتم تعلمون أن المجتمع الإسلامي اليوم يمثل أثر رسالة رسول الله في العالم. صحيح أن هذا المجتمع يعيش بعد أربعة عشر قرن من حياة رسول الله، ولكن لا بأس بذلك.
قد نجد في هذا الأثر، أي الحضارة الإسلامية في هذا الزمان كثيرا من النواقص والثغرات التي لا نحمّل مسؤوليتها على رسول الله بطبيعة الحال. بل نحن نتحمل مسؤوليتها ونلقي اللوم على أنفسنا. ولكن بغض النظر عن أنواع القصور والتقصيرات التي تعاني منها الأمة الإسلامية، نريد أن نقيّم هذه الأمة وهذه الحضارة التي هي تمثل أثر رسول الله في هذا العالم.
لا شك في أننا نحب رسول الله، ولكن أنا بصفتي فردا من هذه الأمة الإسلامية لا أرى من الجميل أن نحبّ رسول الله ونكرمه بلا أن نشعر بعمله العظيم وأثره الإيجابي في العالم.
أريد أن أقف عند هذا السؤال وأسألكم لماذا تكرّمون النبي أيها المسلمون؟ فإن لم يكن هذا النبي «النبيَّ الأعظم» فمن الأفضل أن لا تكرموه؛ إذ لا فائدة من هذا الإكرام والاحترام.
لا أريد في هذه الجلسة أن أتطرق إلى أبعاد وجود هذا الإنسان العظيم ولا أريد أن أتحدث عن شخصية الرسول، ولنضع كل فضائل أصحابه المنتجبين على جانب، كما لا أريد اليوم أن أتحدث عن فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن تربّى على يديه. كما لا أريد أن أشير إلى حديث النبي وعظمة معرفته وعلمه وأن جبرئيل الأمين كان تلميذ تلميذه... فلا نريد أن نتحدث في هذه الليلة عن شخصية الرسول، بل نريد أن نقيّم أثر فعل الرسول بكل جرأة وجسارة. نريد أن نقيّم الأمة الإسلامية الحاضرة اليوم، بغض النظر عن الخلفيات التاريخية.
إن هذه الأمة الإسلامية هي بقيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مهما تلكأت في عملها بالإسلام ومهما اختلفت بينها في آرائها ومواقفها ومهما قصّرت في امتثال أوامر رسول الله. كما هي تعترف بذلك ولا تبرئ نفسها عن كل ذلك. ولكن مع كل هذا، هل أن تقييم الأمة الإسلامية يعتبر تقييم إنجاز رسول الله أم لا، وإن صدق على هذا التقييم أنه تقييم لرسالة رسول الله في نفس الوقت، فيا ترى ما هي النتيجة التي سوف نصل إليها بعد التقييم؟
كيف نقيم الحضارة الإسلامية بالنسبة إلى الحضارة الغربية؟
دعوني أن أطرح السؤال بمزيد من الجرأة والصراحة؛ هناك حضارتان في العالم أحدها الحضارة الإسلامية مع كل ما يصحبها من نواقص وثغرات واختلافات، والأخرى هي الحضارة الغربية. أما باقي الحضارات فقد انقرضت كحضارة فراعنة مصر أو حضارتي إيران والروم المعاصرتين للنبي (صلى الله عليه وآله)، أو على أعتاب الانقراض كالشيوعية.
نريد أن نقيّم الحضارة الإسلامية اليوم بالنسبة إلى الحضارة الغربية. وقبل أن نبدأ بالتقييم بودّي أن أصعّد من حساسية هذا البحث. إن هذه الأمة الإسلامية منتسبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فإن لم تستطع هذه الأمة أن تسبق الحضارة الغربية من خلال عملها بالحدّ الأدنى من تعاليم الإسلام، هنا يرد إشكال على النبي ورسالته! وأنا لا أريد أن أغض الطرف عن هذا الموضوع بسبب احترامي لعظمة رسول الله، إذ أتوقّع من هذا الرسول أن تكون أمته وحضارته على رأس باقي الحضارات.
عندما نشاهد الثغرات والنواقص بل الانحطاط في الأمة الإسلامية، عادة ما نبرّر هذه المسائل بضعف المسلمين وتقصيرهم في مجال العمل بالإسلام، فنلوم أنفسنا وننزه ساحة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم). طبعا هذا كله صحيح، ولكن لا شك في أن الرسول (ص) قد ورّثنا الحد الأدنى من رسالته، فلماذا لم يتمّ تخطيط استراتيجية الرسالة على أساس أن نسبق الأمم والحضارات دائما فيما إذا طبقنا الحدّ الأدنى من الرسالة وألفباء مفاهيم الإسلام؟ ويا ترى هل نحن الآن قد سبقنا الآخرين، أم تأخرنا عنهم قليلا، أو سنسبقهم في المستقبل، فما هو مستوانا اليوم؟
أرجو أن تقارنوا بين الحضارة الإسلامية اليوم مع كل خصائصها وصفاتها، وبين الحضارة الغربية التي شيّدت أركانها على أساس الأومانيزم ومحورية الإنسان، ثم اعطوني النتيجة؛ حيث إني بحاجة إلى روحية عالية في الحياة، وكذلك بحاجة إلى تعريف هويتي. فبغض النظر عن الاحترام الذي أحمله تجاه هذا النبي العظيم، بودي أن أجد أثر رسالته في نفسي وفي الحضارة التي أنتمي إليها، فإن شعرت بذلك يحدث تحول عظيم في حياتي.
لا نريد أن نرجع إلى التاريخ
بودّي أن أشير إلى مقدمة قبل طرح الجواب وهي أنه كلما جرى الحديث عن الحضارة الإسلامية ينجرّ الحديث مباشرة إلى تاريخ الحضارة الإسلامية، ولكن هنا لا نريد إن نرجع إلى الوراء وننظر إلى تاريخ الأمة الإسلامية. نعم، في الزمن الذي كانت الأمة الإسلامية تشهد عشرات بل مئات العلماء والمفكرين، كان الأوروبيون يتقاتلون فيما بينهم، ولكن ليس هذا بحثنا. حيث لا أريد أن أقارن بين تاريخ الأمة الإسلامية وتاريخ الحضارة الغربية، بل إني بصدد المقارنة بين هاتين الحضارتين في هذا الزمان. كيف أقتنع بأننا كنا متقدمين على جميع العالم، أما اليوم فقد تأخرنا عنه؟ لماذا لم يسيطر عليّ الإسلام ولم يمنعني من الانحطط؟!
الجواب الغلط والمشهور
في البداية أذكر الجواب الغلط والمشهور. لقد اشتهر عن السيد جمال الدين الأفغاني أو أحد تلامذته أنه قد سافر في رحلة إلى أوروبا في أواخر أيام الدولة العثماينة وفي بداية تقسيم البلد الإسلامي إلى دويلات وبداية تشكيل الشرق الأوسط الجديد على أساس ما هو عليه الآن، يعني في أوج ضعف البلدان الإسلامية.
فقال حينئذ: ذهبت إلى الغرب فوجدت الإسلام بلا مسلمين وذهبت إلى بلاد الإسلام فوجدت مسلمين بلا إسلام. هل قد سمعتم هذه الجملة؟! يعني ذهبت إلى الغرب فوجدت النظم والترتيب هناك، وجدت المثابرة والعزم هناك، أو مثلا وجدت الصدق هناك، لا أدري ماذا وجد هناك.
ولكن على أي حال فهذا الحديث يرتبط بزمن أفول الحضارة الإسلامية على أساس ما اشتهر منه. ويقال هذا الكلام اليوم بصيغ وعبارات أخرى. يقال صحيح أن الغرب ضعيف في إيمانه وصحيح أنه يظلم الآخرين وصحيح أن ثقافته ثقافة الابتذال والفساد ولكن ينبغي أن نراعي الإنصاف إذ أن ثقافتهم في مراعاة قوانين المرور في الشوارع جيدة ولا تتسابق السيارات في الشوارع جزافا، ثم إداراتهم منضبطة ولا يحتاج الناس للكذب على بعض ويصدقون في تعاملهم مع بعض، كما أن جامعاتهم لا تعاني من قلة ميزانيتها ولهم ميزانية وأموال كافية لإجراء الدراسات والتحقيقات، أما في بلداننا لابدّ أن نصرخ ونستغيث في سبيل أن تمشي الأمور في مجاريها... أما في الغرب يشعر الإنسان أن الأمور كلها حسب الأصول وفي محلها.
طبعا إني قد ذكرت لكم الجواب المتعادل لا المتطرف. وإلا فهناك أجوبة أخرى متطرفة من قبيل أنهم قد سبقونا بسبب عدم تديّنهم، أو أنهم تطوروا بسبب تحررهم عن الصلاة والحجاب، أو أن حركتهم إلى التطور أصبحت أسرع وأسهل منا بسبب تحرّرهم عن القيم الأسرية... هذا كلام متطرف جدا ويختصّ بالمتغربين ولا أطرحه هنا.
الكلام الذي أريد أن أقف عنده وأناقشه هو هذا القول المتعادل الذي يخاطب الحضارة والثقافة والأمة الإسلامية ويقول لها: إنكم تكذبون على بعض كثيرا، إن شوارعكم بلا ترتيب، إن مجتمعكم مليئ بالتمرد على القانون، بينما لا نجد هذه الظاهرة في الغرب. ثم إنكم غير مثابرين وغير منظمين في أعمالكم، كثيرا ما تبذر وتتلف رؤوس الأموال، الإدارة في المجتمعات الإسلامية غير كفوءة وهناك نزاعات واختلافات كثيرة بينكم... بيد أن في المجتمعات الغربية لم نرى هذه المشاكل، بل كل الناس يعملون مع بعض بانسجام كأدوات مكينة واحدة...
حتى النظام الطالباني أوفر حظا في القيم الإنسانية من الأنظمة الأوروبية
هذا هو الجواب الرائج والمشهور في المجتمع والذي لم أقتنع به. أنا أعتقد أن المجتمع الإسلامي بأجمعه مع كل الإشكالات التي أقرّ بها وأتبناها تجاه مختلف المجتمعات الإسلامية من قبيل النظام الطالباني المتطرف أو النظام السعودي الذي لا يسمح بسياقة النساء، هو أرفع وأعلى بكثير من الحضارة الغربية من حيث المبادئ والقيم الإنسانية. هناك فارق كبير جدا في القيم الإنسانية بين المجتمع الإسلامي والمجتمع الغربي، فإن أدركنا هذا الفارق الكبير نستطيع أن ندرك بكل سهولة أرجحية النظام الطالباني في أفغانستان على المجتمع الفرنسي وثقافة لندن والثقافة التي يعيشها المجتمع الغربي.
إن ظاهرة الكذب في المجتمع الإسلامي أفضل من ظاهرة الصدق في الغرب
لعلكم تقولون شيخنا ألا ترى ترتيبهم ونظمهم؟! أرى ذلك، ولكن بأيّ قيمة أوجدوا هذا الترتيب في شوارعهم؟ دعوني أضرب مثالا بسيطا:
ذات يوم قال لي أحد طلاب الجامعة بأني أريد أن أهاجر إلى الغرب. فسألته عن السبب. قال: إن الحياة هناك أسهل وأروح. قلت له: كيف؟ قال: هناك لا يكذبون على بعض، أما هنا فالكذب على قدم وساق. فأيدت كلامه تماما. فقال: إذن قد سَبَقنا الغربيون فأذن لي بالذهاب إلى هناك.
قلت له: أتدري لماذا يصدق الغربيون ولا يكذبون؟ وهل تريد أن نقضي على الكذب في بلدنا بحيث يغدو الناس يصدقون على بعض مثلهم؟! اسلب قيمة الأسرة من أذهان الناس واجعلها رخيصة بلا ثمن كشأن الأسرة في فرنسا. فإذا قضي على قيمة الأسرة، حينئذ لا يضطر الرجل والمرأة أن يصبرا على بعض حفاظا على كيان الأسرة، بل تأتي المرأة لزوجها وتصارحه بكل صدق بأني لا أريد البقاء معك بعد هذا، إذ قد تعرفت على صديق جديد عبر الإنترنت وأرغب بالحياة معه، فلنعقد حفلة الوداع أسبوع القادم وننفصل... ويوافق الزوج بكل رحابة صدر! وبالتالي تصل الاحصائيات بأن سبعين بالمئة من الأسر لا يعيشون معا بل كل يعيش وحده.
إذا سلبتَ القيم من المجتمع، فما الحاجة بعد للكذب. ولهذا قال الشهيد المطهري (رض) أن موضوع الكذب يختصّ بالمجتمعات القيمية. أما لو جُرّد المجتمع عن الدين والقيم، فسوف لا يكذب أحد. ولهذا إن شرب الخمر أحد في مجتمع ديني، تجده ينكر ويكذب على الناس وقد يقسم بالله على أنه لم يذقه.
كما أنك إن سلبت الحياء والخجل من المجتمع، فقد قضيت على الكذب في نفس الوقت. فعلى سبيل المثال إذا طمع أحد بإرث أبيه وتمنّى وفاته، وفي نفس الوقت إن لم يحظ بشيء من الحياء، يأتي إلى أبيه ويخاطبه بكل صدق ويقول: إلى متى تعيش معنا يا أبي، هلا متّ حتى أنتفع بإرثك. انظر كيف يصدق الناس إن جردتهم عن الحياء. فهل كل صدق محمود؟! وهل لهذا الصدق الشائع في الغرب قيمة وثمن؟!
ليس في الثقافة الغربية حتى فضيلة واحدة
أنا أنكر وجود شيء من الفضائل الإنسانية في الثقافة الغربية وأضرب بكلها عرض الجدار مع ما تنطوي عليه من القيم الإنسانية على حدّ زعمهم. إذ أن الناس مضطرون لمراعاة بعض القيم الإنسانية لاستمرار حياتهم وهذا لا يدل على أيّ فضل في وجود الإنسان.
ليس بإمكان أحد أن يجرّد نفسه عن كل القيم الإنسانية برمتها، وهذا ما لا يستثنى عنه حتى صدام المجرم، إذ كان يلتذ أحيانا بعمل إنساني بسيط. ولكن لا تدل هذه المواقف الإنسانية على فضل وشرف لصاحبها.
لا شكّ في أن بعض البلدان الأوروبية تمارس الظلم والعدوان على الشعب الإيراني، فلماذا لا يتظاهر علماؤهم وأساتذة جامعاتهم على الحكومات ليقولوا لهم، لماذا تنهبون حقوق شعب كامل طمعا بالمزيد من الرفاه والترف؟ لماذا لا يعترضون عليهم؟! لماذا لا يدافعون عن حقنا في الطاقة النووية؟! أين ذهبت فضائلهم وقيمهم الإنسانية؟!
إن ترتيب شوارعهم لا يكشف عن فضيلة لهم
هل أن هدوءهم في المرور وترتيبهم في الشوارع ناجم عن فضيلة إنسانية يفتقدها شبابنا في البلدان الإسلامية؟! هل أبقت الملاهي والفجور والخمور وحفلات الرقص والبارات شيئا من طاقة الشباب الأوروبي وهيجانهم ليفرغوها في الشوارع وأثناء المرور؟! نعم إذا سقنا شباب بلداننا الإسلامية لمثل هذه الحياة وأصبح كل همّهم وقلقهم ممارسة الجنس آخر الأسبوع، ستهدأ شوارعنا لا محالة، وسوف لا يبقى لأحد دافع ومحفز لاستعراض بطولاته أمام الشرطي. هل تعلمون أن من أخطر السياسات في البلدان الديمقراطية هو إبعاد الشباب من الملاهي والخمور وتشجيعهم على الدراسة؟ وهل تعلمون ما هي سياسة البلدان الغربية في سبيل السيطرة على الشباب ووالوقوف أمام تمردهم وعصيانهم؟
هذه خطة اليهود للسيطرة على العالم
كنت أتحدث في كندا مع طلاب جامعة فسألتهم عن المناطق اليهودية وثقافة حياتهم هناك. فقالوا إن هناك فارق كبير بين حياة اليهود وبين حياة المسيحيين. فعلى سبيل المثال إنهم يسافرون ويخرجون إلى المنتزهات وحدائق الألعاب مع أسرهم. نساؤهم محتشمات والأب هو الرئيس الأول والأخير في أسرهم.
فلماذا يحاول الإعلام اليهودي الذي يغذي المسيحيين وباقي الشعوب أن يسحب زمام إدارة الأسرة من يد الأب؟ لماذا يحاول هذا الإعلام أن يزيل الحدود بين المرأة والرجل ويرغب المسيحيين على ممارسة الجنس بلا حدود؟ لماذا يثقف الشباب على التمرد على والديهم، ويعطيهم رقم هاتف بسيطا حتى إذا منع الوالد ابنه من أن يتفرج فيلما، يتصل بالشرطة مباشرة ليعتقلوا والده؟
على أساس بعض الأفلام التي تعكس أسلوب حياة اليهود، يبدو أنهم قد وضعوا ستارا بين الرجل والمرأة في الحافلات حفاظا على الحريم بين الجنسين، أما عندما أرادوا أن يؤسسوا الدروس الجامعية تجدهم يحرضون على حرية العلاقة بين الجنسين. كذلك أفلامهم تروج الإباحية الجنسية.
إنهم قد قضوا على إنسانية الإنسان وجردوه من كل طاقاته وقابلياته التي قد تؤدي إلى التمرد والعصيان، فاستتبت الأوضاع وهدأت الشوارع. فأي قيمة يا ترى في هذا النظام. أسألكم سؤالا؛ هل بإمكان الشاب المستغرق في قضايا شهر العسل أن يواجه هذا وذاك ويشكل معارضة ضدّ الحكومة مثلا؟! فإذا مدّدوا شهر العسل للشباب الغربيين ومن خلال آلاف الملهيات والمغريات إلى عشرات السنين وبقدر ما استطاعت أجسامهم، هل تبقى لهذا الشابّ قوة وشهامة وجدارة حتى يطرح سؤالا سياسيا في الغرب؟ فأي فضيلة أعترف بها لهذا المجتمع؟
أي حسن نعثر عليه في الثقافة والحضارة الغربية فإن لم يكن يخدم الصهاينة المسيطرين على المجتمعات المسيحية، يقضوا عليه ولن يسمحوا له بالدوام. من يصدّق بأن الشعوب الغربية هي التي تقرّر مصيرها؟
إن الأنظمة المستبدة مهما كانت جائرة وظالمة ولكنها توفّر النظم وترتّب الأمور باستبدادها، وهل يبنغي الرخوض للدكتاتور باعتباره يؤمن الحدّ الأدنى من احتياجات الإنسان؟ أنا أعتبر الثقافة الغربية منحطّة وقبيحة وبعيدة عن الإنسانية، إذ أن العالم المتغرّب الذي وفرت له الجامعة بعض الإمكانات والخدمات وقنع بها، جعلته يغفل عن الاستبداد الخفي الذي يتحكم في رقاب الناس، فهو مشغول باستخدام الإمكانات الموفّرة له بلا أن يعرف الجهات التي تدير أكبر الأحزاب السياسية في أوروبا.
الأنظمة الأوروبية أنظمة دكتاتورية
أنا أعتقد حسب قناعتي أن الاستبداد الظاهر والصريح أفضل من الاستبداد الخفي الذي يمارس دكتاتوريته خلف ستار رأي الشعب، حيث يفرض رأيه على الناس بالدعايات والأجهزة الإعلامية ويدير مسرحية الانتخابات على أساس هواه. والدليل على ذلك هو أنه مهما تغيرت الواجهات السياسية وتداولت الأحزاب السياسية على السلطة، لم ينزل أصحاب رؤوس الأموال الضخام عن أريكة قدرتهم وموقعهم. هم الذين يثيرون الحروب في العالم حفاظا على رأس مالهم. فكيف أعتبر هذه الأنظمة ديمقراطية؟ إني لا أعتبرها ديمقراطية.
أنا أفضل الأنظمة الدكتاتورية في بلداننا الإسلامية التي لا أشتريها بفلس على الأنظمة الأوروبية، إذ أن في بعض بلداننا نعيش دكتاتورية صريحة وواضحة، أما الدكتاتورية الخفية والخادعة فهي أخبث منها.
إن تعامل الشرطة في أوروبا مع من تعدى على أبسط قوانين المرور تعامل مرعب، حيث لا يجرأ أحد على مخالفة القوانين. إنهم قد سحقوا كرامة الإنسان بهذا التعامل المرعب وعينوا على أبسط المخالفات غرامات فادحة، ومن جانب آخر جردوه عن طاقاته ومواهبه ونشاطه وحيويته بمختلف المغريات والملهيات والخمور والفجور فأصبح بلا حول ولا قوة على أي تمرّد ومخالفة للقانون. أين هذا الأسلوب وهذه الثقافة من ثقافة الإسلام؟!
كل نظام رأسمالي هو بخدمة الصهاينة شاء أم أبى
إن أعجبكم النظام الاقتصادي في الغرب وأردتم أن تنقلوا هذا الترتيب والانسجام إلى طهران مثلا، حسبكم أن تعطوا زمام اقتصاد البلد برمته بيد تاجرين ضخمين من أصحاب رؤوس الأموال. فإن فعلتم ذلك سيوفرون الحدّ الأدنى من الرفاه النسبي بسرعة. كما أنهم سوف يبيعون ويشترون جميع المناصب الإدارية والخدمية وينظمون المجتمع بسرعة. لا شك في أن النظام الرأسمالي قادر على ترتيب الأمور بسرعة، إنه يوفّر رفاها نسبيا، ولكن نتيجة هذا النظام هي أن من فائض هذه الأموال يقتل ويذبح الفلسطينيون.
إذا ساد في مجتمعنا النظام الرأسمالي، لا شك في أن مقدرات البلد وزمام الأمور ستصبح بيد أغنى الناس في العالم وهم أصحاب رؤوس الأموال الذين يدعمون الصهاينة! ما هو الحسن الموجود في الغرب حتى نقارن بيننا وبينهم؟!
أبعدوا المسلمين عن علمائهم
تعرفون مستر همفر الجاسوس البريطاني الذي ألف مذكراته وذكر فيها حقائق لطيفة. يقول في كتابه إني قد عاشرت علماء الشيعة والسنة عن قريب. إن جميع هؤلاء العلماء يرتدون اللباس الأبيض وفقا لتعاليم الإسلام. بينما نحن في الغرب وبعد التطور والتقدم بدأنا تواً نوصي أطباءنا بارتداء الزيّ الأبيض.
ثم يقول إن اطلع العالم الإسلامي والشباب المسلم على نظافة وإناقة علمائهم الذين قد عاشرتهم عن قريب مرارا، لن ينجذبوا إلينا. ثم يوصي البلديات في المدن المقدسة الإسلامية أن يحاولوا مهما أمكنهم أن يجعلوا هذه المدن وسخة ولا ينظفوها، حتى إذا هاجر الشباب المسلمون إلى بلاد الغرب وشاهدوا مدنها يشعرون بمدى الفارق الكبير بيننا وبينهم. هكذا أرادوا أن يخدعونا.
كرامة الإنسان تحفظ في البلدان الإسلامية أكثر من بلاد الغرب
أختم كلامي بهذه الكلمة وهي أن كرامة الإنسان تحفظ في البلدان الإسلامية أكثر من بلاد الغرب وذلك من خلال التعامل العاطفي الموجود بيننا، ومن خلال القيم والمثل الاجتماعية السائدة في مجتمعاتنا، أما الإنسان الغربي الذي ساقته القوانين الحقوقية العنيفة والضغوط الاقتصادية والفساد والابتذال إلى حياة آليّة خاوية، فلم ير تعاملا إنسانيا من ثقافته وحضارته المنتمي إليها. كما لا ينبغي أن نعير اهتماما لأي حسن من محاسن الحياة الآلية الغربية. ما قيمة النظم والترتيب الذي يفرض على الإنسان، ويجبره على العمل المنضبط بلا أن تؤخذ إرادة هذا الإنسان وكرامته بعين الاعتبار؟
قال الله عز وجل: (كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) وقال تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس). لا يعتريكم هذا الشعور أبدا بأن الأمة الإسلامية قد تخلفت عن إحدى ثقافات وحضارات العالم. نحن لم نتأخر عن حضارة وثقافة في زمن، وسيتضح تقدمنا على باقي الأمم جليا عن قريب إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا وحبيبنا أبي القاسم المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين، لاسيما الحجة روحي وأرواح العالمين له الفداء.
لنقف عند إنجاز النبي الأعظم (ص)
نحن قد نحب أحدا ولكننا قد لا نعتبره في غاية الكمال. نحن نحترم نبينا ونحبه، ولكن كم نعرف إنجازه العظيم؟ ما هو تقييمنا تجاه أثر رسالة رسول الله؟ أنتم تعلمون أن المجتمع الإسلامي اليوم يمثل أثر رسالة رسول الله في العالم. صحيح أن هذا المجتمع يعيش بعد أربعة عشر قرن من حياة رسول الله، ولكن لا بأس بذلك.
قد نجد في هذا الأثر، أي الحضارة الإسلامية في هذا الزمان كثيرا من النواقص والثغرات التي لا نحمّل مسؤوليتها على رسول الله بطبيعة الحال. بل نحن نتحمل مسؤوليتها ونلقي اللوم على أنفسنا. ولكن بغض النظر عن أنواع القصور والتقصيرات التي تعاني منها الأمة الإسلامية، نريد أن نقيّم هذه الأمة وهذه الحضارة التي هي تمثل أثر رسول الله في هذا العالم.
لا شك في أننا نحب رسول الله، ولكن أنا بصفتي فردا من هذه الأمة الإسلامية لا أرى من الجميل أن نحبّ رسول الله ونكرمه بلا أن نشعر بعمله العظيم وأثره الإيجابي في العالم.
أريد أن أقف عند هذا السؤال وأسألكم لماذا تكرّمون النبي أيها المسلمون؟ فإن لم يكن هذا النبي «النبيَّ الأعظم» فمن الأفضل أن لا تكرموه؛ إذ لا فائدة من هذا الإكرام والاحترام.
لا أريد في هذه الجلسة أن أتطرق إلى أبعاد وجود هذا الإنسان العظيم ولا أريد أن أتحدث عن شخصية الرسول، ولنضع كل فضائل أصحابه المنتجبين على جانب، كما لا أريد اليوم أن أتحدث عن فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن تربّى على يديه. كما لا أريد أن أشير إلى حديث النبي وعظمة معرفته وعلمه وأن جبرئيل الأمين كان تلميذ تلميذه... فلا نريد أن نتحدث في هذه الليلة عن شخصية الرسول، بل نريد أن نقيّم أثر فعل الرسول بكل جرأة وجسارة. نريد أن نقيّم الأمة الإسلامية الحاضرة اليوم، بغض النظر عن الخلفيات التاريخية.
إن هذه الأمة الإسلامية هي بقيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مهما تلكأت في عملها بالإسلام ومهما اختلفت بينها في آرائها ومواقفها ومهما قصّرت في امتثال أوامر رسول الله. كما هي تعترف بذلك ولا تبرئ نفسها عن كل ذلك. ولكن مع كل هذا، هل أن تقييم الأمة الإسلامية يعتبر تقييم إنجاز رسول الله أم لا، وإن صدق على هذا التقييم أنه تقييم لرسالة رسول الله في نفس الوقت، فيا ترى ما هي النتيجة التي سوف نصل إليها بعد التقييم؟
كيف نقيم الحضارة الإسلامية بالنسبة إلى الحضارة الغربية؟
دعوني أن أطرح السؤال بمزيد من الجرأة والصراحة؛ هناك حضارتان في العالم أحدها الحضارة الإسلامية مع كل ما يصحبها من نواقص وثغرات واختلافات، والأخرى هي الحضارة الغربية. أما باقي الحضارات فقد انقرضت كحضارة فراعنة مصر أو حضارتي إيران والروم المعاصرتين للنبي (صلى الله عليه وآله)، أو على أعتاب الانقراض كالشيوعية.
نريد أن نقيّم الحضارة الإسلامية اليوم بالنسبة إلى الحضارة الغربية. وقبل أن نبدأ بالتقييم بودّي أن أصعّد من حساسية هذا البحث. إن هذه الأمة الإسلامية منتسبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فإن لم تستطع هذه الأمة أن تسبق الحضارة الغربية من خلال عملها بالحدّ الأدنى من تعاليم الإسلام، هنا يرد إشكال على النبي ورسالته! وأنا لا أريد أن أغض الطرف عن هذا الموضوع بسبب احترامي لعظمة رسول الله، إذ أتوقّع من هذا الرسول أن تكون أمته وحضارته على رأس باقي الحضارات.
عندما نشاهد الثغرات والنواقص بل الانحطاط في الأمة الإسلامية، عادة ما نبرّر هذه المسائل بضعف المسلمين وتقصيرهم في مجال العمل بالإسلام، فنلوم أنفسنا وننزه ساحة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم). طبعا هذا كله صحيح، ولكن لا شك في أن الرسول (ص) قد ورّثنا الحد الأدنى من رسالته، فلماذا لم يتمّ تخطيط استراتيجية الرسالة على أساس أن نسبق الأمم والحضارات دائما فيما إذا طبقنا الحدّ الأدنى من الرسالة وألفباء مفاهيم الإسلام؟ ويا ترى هل نحن الآن قد سبقنا الآخرين، أم تأخرنا عنهم قليلا، أو سنسبقهم في المستقبل، فما هو مستوانا اليوم؟
أرجو أن تقارنوا بين الحضارة الإسلامية اليوم مع كل خصائصها وصفاتها، وبين الحضارة الغربية التي شيّدت أركانها على أساس الأومانيزم ومحورية الإنسان، ثم اعطوني النتيجة؛ حيث إني بحاجة إلى روحية عالية في الحياة، وكذلك بحاجة إلى تعريف هويتي. فبغض النظر عن الاحترام الذي أحمله تجاه هذا النبي العظيم، بودي أن أجد أثر رسالته في نفسي وفي الحضارة التي أنتمي إليها، فإن شعرت بذلك يحدث تحول عظيم في حياتي.
لا نريد أن نرجع إلى التاريخ
بودّي أن أشير إلى مقدمة قبل طرح الجواب وهي أنه كلما جرى الحديث عن الحضارة الإسلامية ينجرّ الحديث مباشرة إلى تاريخ الحضارة الإسلامية، ولكن هنا لا نريد إن نرجع إلى الوراء وننظر إلى تاريخ الأمة الإسلامية. نعم، في الزمن الذي كانت الأمة الإسلامية تشهد عشرات بل مئات العلماء والمفكرين، كان الأوروبيون يتقاتلون فيما بينهم، ولكن ليس هذا بحثنا. حيث لا أريد أن أقارن بين تاريخ الأمة الإسلامية وتاريخ الحضارة الغربية، بل إني بصدد المقارنة بين هاتين الحضارتين في هذا الزمان. كيف أقتنع بأننا كنا متقدمين على جميع العالم، أما اليوم فقد تأخرنا عنه؟ لماذا لم يسيطر عليّ الإسلام ولم يمنعني من الانحطط؟!
الجواب الغلط والمشهور
في البداية أذكر الجواب الغلط والمشهور. لقد اشتهر عن السيد جمال الدين الأفغاني أو أحد تلامذته أنه قد سافر في رحلة إلى أوروبا في أواخر أيام الدولة العثماينة وفي بداية تقسيم البلد الإسلامي إلى دويلات وبداية تشكيل الشرق الأوسط الجديد على أساس ما هو عليه الآن، يعني في أوج ضعف البلدان الإسلامية.
فقال حينئذ: ذهبت إلى الغرب فوجدت الإسلام بلا مسلمين وذهبت إلى بلاد الإسلام فوجدت مسلمين بلا إسلام. هل قد سمعتم هذه الجملة؟! يعني ذهبت إلى الغرب فوجدت النظم والترتيب هناك، وجدت المثابرة والعزم هناك، أو مثلا وجدت الصدق هناك، لا أدري ماذا وجد هناك.
ولكن على أي حال فهذا الحديث يرتبط بزمن أفول الحضارة الإسلامية على أساس ما اشتهر منه. ويقال هذا الكلام اليوم بصيغ وعبارات أخرى. يقال صحيح أن الغرب ضعيف في إيمانه وصحيح أنه يظلم الآخرين وصحيح أن ثقافته ثقافة الابتذال والفساد ولكن ينبغي أن نراعي الإنصاف إذ أن ثقافتهم في مراعاة قوانين المرور في الشوارع جيدة ولا تتسابق السيارات في الشوارع جزافا، ثم إداراتهم منضبطة ولا يحتاج الناس للكذب على بعض ويصدقون في تعاملهم مع بعض، كما أن جامعاتهم لا تعاني من قلة ميزانيتها ولهم ميزانية وأموال كافية لإجراء الدراسات والتحقيقات، أما في بلداننا لابدّ أن نصرخ ونستغيث في سبيل أن تمشي الأمور في مجاريها... أما في الغرب يشعر الإنسان أن الأمور كلها حسب الأصول وفي محلها.
طبعا إني قد ذكرت لكم الجواب المتعادل لا المتطرف. وإلا فهناك أجوبة أخرى متطرفة من قبيل أنهم قد سبقونا بسبب عدم تديّنهم، أو أنهم تطوروا بسبب تحررهم عن الصلاة والحجاب، أو أن حركتهم إلى التطور أصبحت أسرع وأسهل منا بسبب تحرّرهم عن القيم الأسرية... هذا كلام متطرف جدا ويختصّ بالمتغربين ولا أطرحه هنا.
الكلام الذي أريد أن أقف عنده وأناقشه هو هذا القول المتعادل الذي يخاطب الحضارة والثقافة والأمة الإسلامية ويقول لها: إنكم تكذبون على بعض كثيرا، إن شوارعكم بلا ترتيب، إن مجتمعكم مليئ بالتمرد على القانون، بينما لا نجد هذه الظاهرة في الغرب. ثم إنكم غير مثابرين وغير منظمين في أعمالكم، كثيرا ما تبذر وتتلف رؤوس الأموال، الإدارة في المجتمعات الإسلامية غير كفوءة وهناك نزاعات واختلافات كثيرة بينكم... بيد أن في المجتمعات الغربية لم نرى هذه المشاكل، بل كل الناس يعملون مع بعض بانسجام كأدوات مكينة واحدة...
حتى النظام الطالباني أوفر حظا في القيم الإنسانية من الأنظمة الأوروبية
هذا هو الجواب الرائج والمشهور في المجتمع والذي لم أقتنع به. أنا أعتقد أن المجتمع الإسلامي بأجمعه مع كل الإشكالات التي أقرّ بها وأتبناها تجاه مختلف المجتمعات الإسلامية من قبيل النظام الطالباني المتطرف أو النظام السعودي الذي لا يسمح بسياقة النساء، هو أرفع وأعلى بكثير من الحضارة الغربية من حيث المبادئ والقيم الإنسانية. هناك فارق كبير جدا في القيم الإنسانية بين المجتمع الإسلامي والمجتمع الغربي، فإن أدركنا هذا الفارق الكبير نستطيع أن ندرك بكل سهولة أرجحية النظام الطالباني في أفغانستان على المجتمع الفرنسي وثقافة لندن والثقافة التي يعيشها المجتمع الغربي.
إن ظاهرة الكذب في المجتمع الإسلامي أفضل من ظاهرة الصدق في الغرب
لعلكم تقولون شيخنا ألا ترى ترتيبهم ونظمهم؟! أرى ذلك، ولكن بأيّ قيمة أوجدوا هذا الترتيب في شوارعهم؟ دعوني أضرب مثالا بسيطا:
ذات يوم قال لي أحد طلاب الجامعة بأني أريد أن أهاجر إلى الغرب. فسألته عن السبب. قال: إن الحياة هناك أسهل وأروح. قلت له: كيف؟ قال: هناك لا يكذبون على بعض، أما هنا فالكذب على قدم وساق. فأيدت كلامه تماما. فقال: إذن قد سَبَقنا الغربيون فأذن لي بالذهاب إلى هناك.
قلت له: أتدري لماذا يصدق الغربيون ولا يكذبون؟ وهل تريد أن نقضي على الكذب في بلدنا بحيث يغدو الناس يصدقون على بعض مثلهم؟! اسلب قيمة الأسرة من أذهان الناس واجعلها رخيصة بلا ثمن كشأن الأسرة في فرنسا. فإذا قضي على قيمة الأسرة، حينئذ لا يضطر الرجل والمرأة أن يصبرا على بعض حفاظا على كيان الأسرة، بل تأتي المرأة لزوجها وتصارحه بكل صدق بأني لا أريد البقاء معك بعد هذا، إذ قد تعرفت على صديق جديد عبر الإنترنت وأرغب بالحياة معه، فلنعقد حفلة الوداع أسبوع القادم وننفصل... ويوافق الزوج بكل رحابة صدر! وبالتالي تصل الاحصائيات بأن سبعين بالمئة من الأسر لا يعيشون معا بل كل يعيش وحده.
إذا سلبتَ القيم من المجتمع، فما الحاجة بعد للكذب. ولهذا قال الشهيد المطهري (رض) أن موضوع الكذب يختصّ بالمجتمعات القيمية. أما لو جُرّد المجتمع عن الدين والقيم، فسوف لا يكذب أحد. ولهذا إن شرب الخمر أحد في مجتمع ديني، تجده ينكر ويكذب على الناس وقد يقسم بالله على أنه لم يذقه.
كما أنك إن سلبت الحياء والخجل من المجتمع، فقد قضيت على الكذب في نفس الوقت. فعلى سبيل المثال إذا طمع أحد بإرث أبيه وتمنّى وفاته، وفي نفس الوقت إن لم يحظ بشيء من الحياء، يأتي إلى أبيه ويخاطبه بكل صدق ويقول: إلى متى تعيش معنا يا أبي، هلا متّ حتى أنتفع بإرثك. انظر كيف يصدق الناس إن جردتهم عن الحياء. فهل كل صدق محمود؟! وهل لهذا الصدق الشائع في الغرب قيمة وثمن؟!
ليس في الثقافة الغربية حتى فضيلة واحدة
أنا أنكر وجود شيء من الفضائل الإنسانية في الثقافة الغربية وأضرب بكلها عرض الجدار مع ما تنطوي عليه من القيم الإنسانية على حدّ زعمهم. إذ أن الناس مضطرون لمراعاة بعض القيم الإنسانية لاستمرار حياتهم وهذا لا يدل على أيّ فضل في وجود الإنسان.
ليس بإمكان أحد أن يجرّد نفسه عن كل القيم الإنسانية برمتها، وهذا ما لا يستثنى عنه حتى صدام المجرم، إذ كان يلتذ أحيانا بعمل إنساني بسيط. ولكن لا تدل هذه المواقف الإنسانية على فضل وشرف لصاحبها.
لا شكّ في أن بعض البلدان الأوروبية تمارس الظلم والعدوان على الشعب الإيراني، فلماذا لا يتظاهر علماؤهم وأساتذة جامعاتهم على الحكومات ليقولوا لهم، لماذا تنهبون حقوق شعب كامل طمعا بالمزيد من الرفاه والترف؟ لماذا لا يعترضون عليهم؟! لماذا لا يدافعون عن حقنا في الطاقة النووية؟! أين ذهبت فضائلهم وقيمهم الإنسانية؟!
إن ترتيب شوارعهم لا يكشف عن فضيلة لهم
هل أن هدوءهم في المرور وترتيبهم في الشوارع ناجم عن فضيلة إنسانية يفتقدها شبابنا في البلدان الإسلامية؟! هل أبقت الملاهي والفجور والخمور وحفلات الرقص والبارات شيئا من طاقة الشباب الأوروبي وهيجانهم ليفرغوها في الشوارع وأثناء المرور؟! نعم إذا سقنا شباب بلداننا الإسلامية لمثل هذه الحياة وأصبح كل همّهم وقلقهم ممارسة الجنس آخر الأسبوع، ستهدأ شوارعنا لا محالة، وسوف لا يبقى لأحد دافع ومحفز لاستعراض بطولاته أمام الشرطي. هل تعلمون أن من أخطر السياسات في البلدان الديمقراطية هو إبعاد الشباب من الملاهي والخمور وتشجيعهم على الدراسة؟ وهل تعلمون ما هي سياسة البلدان الغربية في سبيل السيطرة على الشباب ووالوقوف أمام تمردهم وعصيانهم؟
هذه خطة اليهود للسيطرة على العالم
كنت أتحدث في كندا مع طلاب جامعة فسألتهم عن المناطق اليهودية وثقافة حياتهم هناك. فقالوا إن هناك فارق كبير بين حياة اليهود وبين حياة المسيحيين. فعلى سبيل المثال إنهم يسافرون ويخرجون إلى المنتزهات وحدائق الألعاب مع أسرهم. نساؤهم محتشمات والأب هو الرئيس الأول والأخير في أسرهم.
فلماذا يحاول الإعلام اليهودي الذي يغذي المسيحيين وباقي الشعوب أن يسحب زمام إدارة الأسرة من يد الأب؟ لماذا يحاول هذا الإعلام أن يزيل الحدود بين المرأة والرجل ويرغب المسيحيين على ممارسة الجنس بلا حدود؟ لماذا يثقف الشباب على التمرد على والديهم، ويعطيهم رقم هاتف بسيطا حتى إذا منع الوالد ابنه من أن يتفرج فيلما، يتصل بالشرطة مباشرة ليعتقلوا والده؟
على أساس بعض الأفلام التي تعكس أسلوب حياة اليهود، يبدو أنهم قد وضعوا ستارا بين الرجل والمرأة في الحافلات حفاظا على الحريم بين الجنسين، أما عندما أرادوا أن يؤسسوا الدروس الجامعية تجدهم يحرضون على حرية العلاقة بين الجنسين. كذلك أفلامهم تروج الإباحية الجنسية.
إنهم قد قضوا على إنسانية الإنسان وجردوه من كل طاقاته وقابلياته التي قد تؤدي إلى التمرد والعصيان، فاستتبت الأوضاع وهدأت الشوارع. فأي قيمة يا ترى في هذا النظام. أسألكم سؤالا؛ هل بإمكان الشاب المستغرق في قضايا شهر العسل أن يواجه هذا وذاك ويشكل معارضة ضدّ الحكومة مثلا؟! فإذا مدّدوا شهر العسل للشباب الغربيين ومن خلال آلاف الملهيات والمغريات إلى عشرات السنين وبقدر ما استطاعت أجسامهم، هل تبقى لهذا الشابّ قوة وشهامة وجدارة حتى يطرح سؤالا سياسيا في الغرب؟ فأي فضيلة أعترف بها لهذا المجتمع؟
أي حسن نعثر عليه في الثقافة والحضارة الغربية فإن لم يكن يخدم الصهاينة المسيطرين على المجتمعات المسيحية، يقضوا عليه ولن يسمحوا له بالدوام. من يصدّق بأن الشعوب الغربية هي التي تقرّر مصيرها؟
إن الأنظمة المستبدة مهما كانت جائرة وظالمة ولكنها توفّر النظم وترتّب الأمور باستبدادها، وهل يبنغي الرخوض للدكتاتور باعتباره يؤمن الحدّ الأدنى من احتياجات الإنسان؟ أنا أعتبر الثقافة الغربية منحطّة وقبيحة وبعيدة عن الإنسانية، إذ أن العالم المتغرّب الذي وفرت له الجامعة بعض الإمكانات والخدمات وقنع بها، جعلته يغفل عن الاستبداد الخفي الذي يتحكم في رقاب الناس، فهو مشغول باستخدام الإمكانات الموفّرة له بلا أن يعرف الجهات التي تدير أكبر الأحزاب السياسية في أوروبا.
الأنظمة الأوروبية أنظمة دكتاتورية
أنا أعتقد حسب قناعتي أن الاستبداد الظاهر والصريح أفضل من الاستبداد الخفي الذي يمارس دكتاتوريته خلف ستار رأي الشعب، حيث يفرض رأيه على الناس بالدعايات والأجهزة الإعلامية ويدير مسرحية الانتخابات على أساس هواه. والدليل على ذلك هو أنه مهما تغيرت الواجهات السياسية وتداولت الأحزاب السياسية على السلطة، لم ينزل أصحاب رؤوس الأموال الضخام عن أريكة قدرتهم وموقعهم. هم الذين يثيرون الحروب في العالم حفاظا على رأس مالهم. فكيف أعتبر هذه الأنظمة ديمقراطية؟ إني لا أعتبرها ديمقراطية.
أنا أفضل الأنظمة الدكتاتورية في بلداننا الإسلامية التي لا أشتريها بفلس على الأنظمة الأوروبية، إذ أن في بعض بلداننا نعيش دكتاتورية صريحة وواضحة، أما الدكتاتورية الخفية والخادعة فهي أخبث منها.
إن تعامل الشرطة في أوروبا مع من تعدى على أبسط قوانين المرور تعامل مرعب، حيث لا يجرأ أحد على مخالفة القوانين. إنهم قد سحقوا كرامة الإنسان بهذا التعامل المرعب وعينوا على أبسط المخالفات غرامات فادحة، ومن جانب آخر جردوه عن طاقاته ومواهبه ونشاطه وحيويته بمختلف المغريات والملهيات والخمور والفجور فأصبح بلا حول ولا قوة على أي تمرّد ومخالفة للقانون. أين هذا الأسلوب وهذه الثقافة من ثقافة الإسلام؟!
كل نظام رأسمالي هو بخدمة الصهاينة شاء أم أبى
إن أعجبكم النظام الاقتصادي في الغرب وأردتم أن تنقلوا هذا الترتيب والانسجام إلى طهران مثلا، حسبكم أن تعطوا زمام اقتصاد البلد برمته بيد تاجرين ضخمين من أصحاب رؤوس الأموال. فإن فعلتم ذلك سيوفرون الحدّ الأدنى من الرفاه النسبي بسرعة. كما أنهم سوف يبيعون ويشترون جميع المناصب الإدارية والخدمية وينظمون المجتمع بسرعة. لا شك في أن النظام الرأسمالي قادر على ترتيب الأمور بسرعة، إنه يوفّر رفاها نسبيا، ولكن نتيجة هذا النظام هي أن من فائض هذه الأموال يقتل ويذبح الفلسطينيون.
إذا ساد في مجتمعنا النظام الرأسمالي، لا شك في أن مقدرات البلد وزمام الأمور ستصبح بيد أغنى الناس في العالم وهم أصحاب رؤوس الأموال الذين يدعمون الصهاينة! ما هو الحسن الموجود في الغرب حتى نقارن بيننا وبينهم؟!
أبعدوا المسلمين عن علمائهم
تعرفون مستر همفر الجاسوس البريطاني الذي ألف مذكراته وذكر فيها حقائق لطيفة. يقول في كتابه إني قد عاشرت علماء الشيعة والسنة عن قريب. إن جميع هؤلاء العلماء يرتدون اللباس الأبيض وفقا لتعاليم الإسلام. بينما نحن في الغرب وبعد التطور والتقدم بدأنا تواً نوصي أطباءنا بارتداء الزيّ الأبيض.
ثم يقول إن اطلع العالم الإسلامي والشباب المسلم على نظافة وإناقة علمائهم الذين قد عاشرتهم عن قريب مرارا، لن ينجذبوا إلينا. ثم يوصي البلديات في المدن المقدسة الإسلامية أن يحاولوا مهما أمكنهم أن يجعلوا هذه المدن وسخة ولا ينظفوها، حتى إذا هاجر الشباب المسلمون إلى بلاد الغرب وشاهدوا مدنها يشعرون بمدى الفارق الكبير بيننا وبينهم. هكذا أرادوا أن يخدعونا.
كرامة الإنسان تحفظ في البلدان الإسلامية أكثر من بلاد الغرب
أختم كلامي بهذه الكلمة وهي أن كرامة الإنسان تحفظ في البلدان الإسلامية أكثر من بلاد الغرب وذلك من خلال التعامل العاطفي الموجود بيننا، ومن خلال القيم والمثل الاجتماعية السائدة في مجتمعاتنا، أما الإنسان الغربي الذي ساقته القوانين الحقوقية العنيفة والضغوط الاقتصادية والفساد والابتذال إلى حياة آليّة خاوية، فلم ير تعاملا إنسانيا من ثقافته وحضارته المنتمي إليها. كما لا ينبغي أن نعير اهتماما لأي حسن من محاسن الحياة الآلية الغربية. ما قيمة النظم والترتيب الذي يفرض على الإنسان، ويجبره على العمل المنضبط بلا أن تؤخذ إرادة هذا الإنسان وكرامته بعين الاعتبار؟
قال الله عز وجل: (كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) وقال تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس). لا يعتريكم هذا الشعور أبدا بأن الأمة الإسلامية قد تخلفت عن إحدى ثقافات وحضارات العالم. نحن لم نتأخر عن حضارة وثقافة في زمن، وسيتضح تقدمنا على باقي الأمم جليا عن قريب إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.