المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إعتبر يا ناصبيّ:***المواقف العشرة لفاطمة الزهراء عليها السلام ~ الثامن~***


عاشق نور فاطمة
05-03-2013, 06:45 PM
اللهم صلي على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر العظيم المستودع فيها عدد ما أحاط به علمك .
اللهم صلي على مُحمد وآل مُحمد وعجل فرجهم واهلك عدوهم من الجن والإنس من الأولين والآخرين
إهداء: إلى روحك الطاهرة يا مولاتي الصديقة أهدي أنفاسي، وحركة روحي، ونبض قلبي، ونور بصري، وعشقي لأنوارك الإلهية، وصالح أعمالي، وعملي الحقير المتواضع هنا وفي كل مكان مكتوبٌ فيه فاطمة ع،
أن تشفعي لي، ولإخواني وأخواتي، وكل من قرأ سورة المباركة الفاتحة عن روحك الطاهرة المتجولة بين السماوات الدنيا والسماوات العلى في مواكبك النورانية المهيبة
يوم خطبت في المسجد النبوي فهزت حتى الجماد!!

بلغت مواقف فاطمة عليها السلام أوجها، عندما خرجت خلف علي عليه السلام وهددتهم بالدعاء بالعذاب عليهم، إن قتلوه، وهم يعلمون أن دعاءها لا يرد!
وعندما جاءا إلى بيتها ليعتذرا ويقولا للناس إنا اعتذرنا من فاطمة فرضيت عنا وتركت دعاءها علينا، فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام، وأدارت وجهها إلى الحائط! وسألتهما فشهدا بأنهما سمعا من النبي صلى الله عليه وآله أن من أغضب فاطمة فقد أغضبه، ومن أغضبه فقد أغضب رب العلمين، فشهدا بذلك!
فأعلنت وأشهدت المسلمين إلى يوم الدين أنها غاضبة عليهما، وأنها ستدعوا عليهما بعد كل صلاة تصليها حتى تلقى ربها وأباها، فتشكوهما أمر شكوى وأشدها ، وتخاصمهما عند الله ورسوله!
على أن أوج مواقفها عليها السلام التي وصلت الينا كلاما مكتوبا شاملا، خطبتها في المسجد النبوي في حشد المهاجرين والأنصار! وقد أعدت بنت أبيها لهذا الموقف واستعدت، فأبلغت بالخطاب، وأتمت الحجة، وهزت حتى الجماد!
وهي خطبة مشهورة، روتها المصادر المختلفة، وشرحها العلماء والمؤرخون في رسائل خاصة، وقد أدانت فيها الزهراء عليها السلام نظام السقيفة القرشي، وصرحت بأنه مؤامرة على الإسلام، ودعت الأنصار إلى مقاومته بالسلاح!
كما أدانت قرارات أبي بكر الاقتصادية لإضعاف أهل البيت عليهم السلام، ومنها منع الخمس عنهم، ومصادرة أوقاف النبي صلى الله عليه وآله وهي سبعة بساتين، ومصادرة مزرعة فدك التي منحها النبي لفاطمة، ومنعه إياها من إرث أبيها!
في مواقف الشيعة للأحمدي: 1 / 458: (روى عبد الله بن الحسن بإسناده، عن آبائه عليهم السلام أنه لما أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة عليها السلام فدكا وبلغها ذلك، لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة، فجلست ثم أنت أنة أجهش القوم لها بالبكاء، فارتج المجلس! ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها، فقالت عليها السلام:
الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن أولاها، جم عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنار في التفكر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته، ابتدع الأشياء لامن شئ كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها. كونها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، إلا تثبيتا لحكمته وتنبيها على طاعته، وإظهارا لقدرته، تعبدا لبريته، وإعزازا لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، ذيادة لعباده من نقمته، وحياشة لهم إلى جنته.
وأشهد أن أبي محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله، اختاره قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علما من الله تعالى بمآيل الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع الأمور.
ابتعثه الله إتماما لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذا لمقادير رحمته، فرأى الأمم فرقا في أديانها، عكفا على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله بأبي محمدا صلى الله عليه وآله ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها، وجلى عن الأبصار عماها، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم ودعاهم إلى الطريق المستقيم.
ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وإيثار، فمحمد صلى الله عليه وآله من تعب هذه الدار في راحة، قد حف بالملائكة الأبرار، ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار، صلى الله على أبي نبيه وأمينه وخيرته من الخلق وصفيه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته.
ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت: أنتم عباد الله! نصب أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على أنفسكم وبلغاؤه إلى الأمم، زعيم حق له فيكم، وعهد قدمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم: كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بينة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه، قائد إلى الرضوان اتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه، به تنال حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة.
فجعل الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس ونماء في الرزق، والصيام تثبيتا للإخلاص، والحج تشييدا للدين، والعدل تنسيقا للقلوب، وطاعتنا نظاما للملة، وإمامتنا أمانا للفرقة، والجهاد عزا للإسلام، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد، والقصاص حقنا للدماء، والوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة، وتوفية المكائيل والموازين تغييرا للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيها عن الرجس، واجتناب القذف حجابا عن اللعنة، ترك السرقة إيجابا للعفة، وحرم الله الشرك إخلاصا له بالربوبية فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه فإنه إنما يخشى الله من عباده العلماء.
ثم قالت: أيها الناس إعلموا أني فاطمة وأبي محمدا، أقول عودا وبدوا، ولا أقول ما أقول غلطا، ولا أفعل شططا لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم، ولنعم المعزي إليه صلى الله عليه وآله فبلغ الرسالة صادعا بالنذارة، مائلا عن مدرجة المشركين، ضاربا ثبجهم، آخذا بأكظامهم، داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجف الأصنام، وينكث الهام، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، حتى تفرى الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين، وطاح وشيظ النفاق، وانحلت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماصر، وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القد، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد بعد اللتيا والتي، وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدودا في ذات الله، مجتهدا في أمر الله، قريبا من رسول الله، سيدا في أولياء الله، مشمرا ناصحا، مجدا كادحا، لا تأخذه في الله لومة لائم، وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر، وتتوكفون الأخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرون من القتال!!
فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه، ظهرت فيكم حسيكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا، وأحمشكم فألفاكم غضابا، فوسمتم غير إبلكم، ووردتم غير شربكم.
هذا، والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، والرسول لما يقبر، ابتدارا زعمتم خوف الفتنة! ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين. فهيهات منكم، وكيف بكم، وأنى تؤفكون! وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، وقد خلفتموه وراء ظهوركم، أرغبة عنه تريدون، أم بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلا! ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين!
ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها، ويسلس قيادها، ثم أخذتم تورون وقدتها، وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الدين الجلي، وإهمال سنن النبي الصفي، تشربون حسوا في ارتغاء، وتمشون لأهله وولده في الخمرة والضراء، ويصبر منكم على مثل حز المدى ووخز السنان في الحشا. وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا! أفحكم الجاهلية (تبغون) ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟!
أفلا تعلمون؟! بلى، قد تجلى لكم كالشمس الضاحية إني ابنته أيها المسلمون! أأغلب على إرثي يا ابن أبي قحافة! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول وورث سليمان داود، وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا صلى الله عليه وآله إذ قال: فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب، وقال: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، وقال: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين، وقال: إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي ولا رحم بيننا، أفخصكم الله بآية أخرج منها أبي! أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان! أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟!
فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك! فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون! ولا ينفعكم إذ تندمون، لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون. فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم.
ثم رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت: يا معشر الفتية، وأعضاد الملة، وحضنة الإسلام! ما هذه الغميزة في حقي والسنة عن ظلامتي! أما كان رسول الله صلى الله عليه وآله أبي يقول: المرء يحفظ في ولده؟! سرعان ما أحدثتم! وعجلان ذا إهالة! ولكم طاقة بما أحاول، وقوة على ما أطلب وأزاول، أتقولون مات محمد؟ فخطب جليل استوسع وهنه، واستنهر فتقه، وانفتق رتقه، وأظلمت الأرض لغيبته، واكتأبت خيرة الله لمصيبته، وكسفت الشمس والقمر، وانتثرت النجوم لمصيبته، وأحدت الآمال، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم، وأزيلت الحرمة عند مماته، فتلك والله النازلة الكبرى والمصيبة العظمى لا مثلها نازلة، ولا بائقة عاجلة، أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه يهتف في أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم، هتافا وصراخا وتلاوة وألحانا! ولقبله ما حلت بأنبياء الله ورسله، حكم فصل وقضاء حتم، وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين.
إيها بني قيلة! أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى مني ومسمع ومنتدى ومجمع، تلبسكم الدعوة وتشملكم الخبرة، وأنتم ذووا العدد والعدة والأداة والقوة، وعندكم السلاح والجنة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت! قاتلتم العرب، وتحملتم الكد والتعب، وناطحتم الأمم، وكافحتم البهم، لا نبرح أو تبرحون نأمركم فتأتمرون، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام، ودر حلب الأيام، وخضعت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين، فأنى حزتم بعد البيان، وأسررتم بعد الإعلان، ونكصتم بعد الإقدام، وأشركتم بعد الإيمان؟!
بؤسا لقوم نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين!
ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة، ونجوتم بالضيق من السعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم الذي تسوغتم! فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد! وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالجذلة التي خامرتكم، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القناة، وبثة الصدر، وتقدمة الحجة، فدونكموها! فاحتقبوها دبرة الظهر، نقبة الخف، باقية العار، موسومة بغضب الله وشنار الأبد، موصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة! فبعين الله ما تفعلون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون!
أنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون!
فأجابها أبو بكر وقال: يا ابنة رسول الله! لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفا كريما رؤوفا رحيما، وعلى الكافرين عذابا أليما وعقابا عظيما، إن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، وأخا إلفك دون الأخلاء، آثره على كل حميم، وساعده في كل أمر جسيم، لا يحبكم إلا سعيد ولا يبغضكم إلا شقي بعيد، فأنتم عترة رسول الله الطيبون الخيرة المنتجبون، على الخير أدلتنا وإلى الجنة مسالكنا، وأنت يا خيرة النساء وابنة خير الأنبياء صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقك، ولا مصدودة عن صدقك، والله ما عدوت رأي رسول الله ولا عملت إلا بإذنه، وإن الرائد لا يكذب أهله، فإني أشهد الله وكفى به شهيدا أني سمعت رسول الله يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا، وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة، وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه. وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار ويجالدون المردة الفجار، وذلك بإجماع من المسلمين لم أنفرد به وحدي، ولم أستبد بما كان الرأي فيه عندي، وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك لا نزوي عنك ولا ندخر دونك، وإنك وأنت سيدة أمة أبيك، والشجرة الطيبة لبنيك، لا يدفع مالك من فضلك، ولا يوضع في فرعك وأصلك، وحكمك نافذ فيما ملكت يداي، فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك؟!
فقالت عليها السلام: سبحان الله! ما كان أبي رسول الله صلى الله عليه وآله عن كتاب الله صادفا، ولا لأحكامه مخالفا، بل كان يتبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور! وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته!! هذا كتاب الله حكما عدلا وناطقا فصلا يقول: يرثني ويرث من آل يعقوب، ويقول: وورث سليمان داود، فبين عز وجل فيما وزع من الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والإناث، ما أزاح به علة المبطلين، وأزال التظني والشبهات في الغابرين!
كلا! بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون!
فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله وصدقت ابنته! أنت معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجة، لا أبعد صوابك، ولا أنكر خطابك، هؤلاء المسلمون بيني وبينك قلدوني ما تقلدت، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت، غير مكابر ولا مستبد ولا مستأثر، وهم بذلك شهود!
فالتفتت فاطمة عليها السلام إلى الناس وقالت: معاشر الناس المسرعة إلى قيل الباطل، والمغضية على الفعل القبيح الخاسر! أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟ كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم ولبئس ما تأولتم، وساء ما به أشرتم، وشر ما منه اغتصبتم، لتجدن والله محمله ثقيلا وغبه وبيلا، إذا كشف لكم الغطاء وبان ما وراءه الضراء، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون، وخسر هنالك المبطلون. ثم عطفت على قبر النبي صلى الله عليه وآله وقالت:
قد كان بعدك أنباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب أبدت رجال لنا نجوى صدورهم * لما مضيت وحالت دونك الترب تجهمتنا رجال واستخف بنا * لما فقدت وكل الأرض مغتصب وكنت بدرا ونورا يستضاء به * عليك ينزل من ذي العزة الكتب وكان جبرئيل بالآيات يؤنسنا * فقد فقدت وكل الخير محتجب فليت قبلك كان الموت صادفنا * لما مضيت وحالت دونك الكثب ثم انكفأت وأمير المؤمنين يتوقع رجوعها إليه ويتطلع طلوعها عليه، فلما استقرت بها الدار قالت لأمير المؤمنين: يا ابن أبي طالب! اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي وبلغة ابني، لقد أجهد في خصامي، وألفيته ألد في كلامي، حتى حبستني قيلة نصرها، والمهاجرة وصلها، وغضت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع ولا مانع، خرجت كاظمة وعدت راغمة! أضرعت خدك يوم أضعت حدك، افترست الذئاب وافترشت التراب، ما كففت قائلا ولا أغنيت طائلا، ولا خيار لي! ليتني مت قبل هنيئتي ودون ذلتي، عذيري الله منه عاديا ومنك حاميا، ويلاي في كل شارق! ويلاي في كل غارب! مات العمد ووهن العضد، شكواي إلى أبي وعدواي إلى ربي! اللهم إنك أشد منهم قوة وحولا، وأشد بأسا وتنكيلا.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا ويل لك، بل الويل لشانئك، ثم نهنهي عن وجدك يا ابنة الصفوة، وبقية النبوة، فما ونيت عن ديني، ولا أخطأت مقدوري، فإن كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون وكفيلك مأمون، وما أعد لك أفضل مما قطع عنك، فاحتسبي الله. فقالت: حسبي الله، وأمسكت). انتهى.
وقال في شرح النهج: 16 / 252: (فما رأينا يوما أكثر باكيا أو باكية من ذلك اليوم).
ولهذه الخطبة وأجزائها مصادر عديدة نكتفي منها بما ذكرنا وبالاحتجاج: 1 / 131.
تأثير خطبة الزهراء عليها السلام على السلطة القرشية!
من الثابت أن وضع السلطة القرشية كان ضعيفا في الأسابيع الأولى، وقد اعترف عمر بأن عامة الأنصار كانوا معارضين لهم، فقال كما في البخاري: 8 / 26: (إنه قد كان من خبرنا حين توفي الله نبيه أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما). انتهى.
وعد المؤرخون عشرات الصحابة من الأنصار والمهاجرين، أدانوا السقيفة، أو امتنعوا عن البيعة، وإنما كان المعتصمون في بيت علي وفاطمة صلى الله عليه وآله بعضهم!
وقد هزت هذه الخطبة الفاطمية وضع السلطة القرشية الجديدة، وذكر الرواة أن البكاء عم الناس ذلك اليوم، وأن بعض الأنصار هتفوا باسم علي عليه السلام للخلافة فخاف أبو بكر وعمر أن يتحرك الأنصار لنصرة عترة النبي صلى الله عليه وآله والإطاحة بهم! ولذلك بادر أبو بكر وخطب فنال من علي عليه السلام بدون أن يسميه، وهدد الأنصار بطلقاء قريش المتكاثرين في المدينة! ولا بد أنهم قاموا بأعمال أخرى حتى استطاعوا أن يهدؤوا الوضع، ويسكتوا أنصار فاطمة والعترة النبوية!
قال الجوهري في السقيفة ص 104: (فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه مقالتها فصعد المنبر وقال: أيها الناس ما هذه الرعة إلى كل قالة، أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله، ألا من سمع فليقل، ومن شهد فليتكلم، إنما هو ثعالة
شهيده ذنبه، مرب لكل فتنة، هو الذي يقول كروها جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفه، ويستنصرون بالنساء، كأم طحال أحب أهلها إليها البغي، ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت، ولو قلت لبحت، إني ساكت ما تركت.
ثم التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم، وأحق من لزم عهد رسول الله أنتم، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم، ألا إني لست باسطا يدا ولا لسانا على من لم يستحق ذلك منا. ثم نزل!). انتهى.
وقال في شرح النهج: 16 / 214، بعد نقل كلام أبي بكر هذا برواية الجوهري:
(قلت: قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري وقلت له: بمن يعرض؟ فقال: بل يصرح. قلت: لو صرح لم أسألك! فضحك وقال: بعلي بن أبي طالب. قلت: هذا الكلام كله لعلي يقوله! قال: نعم، إنه الملك يا بني، قلت: فما مقالة الأنصار؟ قال: هتفوا بذكر علي فخاف من اضطراب الأمر عليهم، فنهاهم.
فسألته عن غريبه، فقال: أما الرعة بالتخفيف، أي الاستماع والإصغاء، والقالة: القول، وثعالة: اسم الثعلب علم غير مصروف، ومثل ذؤاله للذئب، وشهيده ذنبه أي لا شاهد له على ما يدعى إلا بعضه وجزء منه، وأصله مثل، قالوا: إن الثعلب أراد أن يغري الأسد بالذئب، فقال: إنه قد أكل الشاة التي كنت قد أعددتها لنفسك وكنت حاضرا، قال: فمن يشهد لك بذلك؟ فرفع ذنبه وعليه دم، وكان الأسد قد افتقد الشاة. فقبل شهادته وقتل الذئب. ومرب: ملازم، أرب بالمكان.
وكروها جذعة: أعيدوها إلى الحال الأولى، يعني الفتنة والهرج. وأم طحال: امرأة بغي في الجاهلية ويضرب بها المثل فيقال: أزنى من أم طحال).